إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الطهارة [8]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يستحب لمن كان له شعر أن يكرمه، وأن يتجنب حلقه على هيئة مكروهة، كالقزع وحلق القفا لغير حاجة، ويستحب للإنسان أن يتعاهد شاربه بالحف أو التقصير، وإبطه بالنتف، وأظفاره بالقلم، وعانته بالحلق، وأما لحيته فيجب عليه إعفاؤها.

    1.   

    حلق شعر الرأس

    القزع

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    وبعد:

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم!

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويكره القزع؛ وهو حلق بعض الرأس وترك بعض، وكذا حلق القفا لغير حجامة ونحوها، ويسن إبقاء شعر الرأس، قال أحمد ].

    الحمد لله، يقول المؤلف: (ويكره القزع).

    وعرفه بقوله: (وهو حلق بعض الرأس)، وترك بعض، فالمعروف في القزع أن يحلق، أما لو خفف بعض الرأس وترك بعضاً فلا يسمى قزعاً، هذا هو المعروف عند أهل العلم؛ فالقزع لا بد أن يكون حلقاً، فأما تخفيف بعض الجوانب، وترك الأعلى -كما يسميه العامة تواليت- فهذا ليس من القزع، وإن كان ربما ينهى عنه لما فيه من تشبه ببعض القصاص التي يفعلها بعض الناس تشبهاً ببعض المخنثين، أو ببعض الفساق، لكن الأصل أنه ليس بقزع، فربما يكون مباحاً، وربما يكون مكروهاً على حسب التشبه، فإن لم يكن تشبهاً فلا حرج.

    والقزع حكم عليه المؤلف بأنه مكروه، وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح النووي ، قال: أجمع أهل العلم على أن القزع مكروه، وكذا نقله أبو الطيب .

    وقال بعضهم -وهم قلة-: إنه محرم؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود بسند جيد من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه رأى صبياً قد حلق بعض رأسه، وترك بعضاً، فقال: احلقه كله، أو دعه كله )، قالوا: فهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، والتحريم محل تأمل.

    حلق القفا

    قال المؤلف رحمه الله: (وكذا حلق القفا).

    (حلق القفا) يحتمل معنيين:

    المعنى الأول: هو حلق العنق، وليس من الرأس، نحن نسميها الرقبة، فإذا حلق وأبقى الرأس قالوا: منهي عنه، كما في بعض شرح المتون، قالوا: لأن أحمد قال: من فعل المجوس ما لم يكن لحاجة، كما قال المؤلف: (لحجامة ونحوها).

    المعنى الثاني: أن القفا هو آخر الرأس، وأول العنق، فهو من ضمن الرأس، أما أسفل الرقبة فهذا من الرقبة وليس من الرأس، والقفا إنما هو آخر الرأس، فهو من ضمن الرأس، وليس من ضمن الرقبة.

    هذان معنيان، وإن كان المعنى الثاني -وهو أن القفا آخر الرأس- أظهر.

    أحوال حلق شعر الرأس وإبقائه

    قال المؤلف رحمه الله: (ويسن إبقاء شعر الرأس).

    مذهب الحنابلة على أن إبقاء الشعر سنة، قال أحمد : هو سنة، لو نقوى عليه اتخذناه. وهو قول الحنابلة -كما قلت- وبعض الشافعية، والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن إزالة الشعر وإبقاءه على أحوال:

    الحالة الأولى: إزالته في حج أو عمرة. وهذا سنة مؤكدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اغفر للمحلقين ثلاثاً )، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر ، ومن حديث أبي هريرة ، (اللهم اغفر)، وفي رواية: (اللهم ارحم)، فالسنة إزالته وعدم إبقائه.

    الحالة الثانية: أن يزال لحاجة: كحجامة أو تداوٍ ونحو ذلك، وهذا -أيضاً- لا حرج فيه، كما روى عبد الله بن مالك ابن بحينة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وسط رأسه ).

    الحالة الثالثة: إزالته ديانة، وهذا مكروه أو محرم؛ لأن ذلك بدعة، وما كان يفعله إلا أهل البدع كالخوارج ونحوهم. وبعض عامتنا إذا تدين الإنسان أمروه أن يحلق رأسه، وهذا خطأ، ومعروف أن الخوارج من عادتهم حلق الرأس، كما جاء في الصحيحين: ( فجاء رجل كث اللحية محلوق الرأس )، وذكر أبو العباس بن تيمية إجماع المسلمين على أن حلق الرأس لا يحمد ابتداءً إلا إذا كان في حج أو عمرة.

    الحالة الرابعة: حلقه من غير حاجة، ولا حج، ولا عمرة، ولا تدين، فذهب مالك إلى أنه مكروه، وذهب الجمهور إلى الجواز، وهو الأقرب والله أعلم. ودليل الجواز فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه جاء عند أبي داود أن عبد الله بن جعفر حينما مات أبوه قال: (فتركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، ثم دخل علينا، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، فقال: ادعوا لي بني أخي، قال: فجيء بنا، فدعا بالحلاق أو بالحجام فحلق رءوسنا)، وهذا يدل على الجواز.

    أما إبقاؤه في غير الحج والعمرة: هل هو السنة كما هو مذهب أحمد ، أم ليس ثمة سنة؟ الذي يظهر -والله أعلم- أن الصحابة والمرسلين قبل ذلك إنما كانوا يضعون ذلك ليس من باب السنية، ولكن من باب العادة، ومن المعلوم أن عيسى بن مريم كانت تضرب لمته عند شحمة أذنه، وإبراهيم عليه السلام، قال فيه صلى الله عليه وسلم: ( ورأيت إبراهيم قائماً يصلي، وأنا أشبه ولده به )، ومحمد صلى الله عليه وسلم أحياناً يكون شعره كما قال البراء : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوع الرأس، له لمة جميلة )، فهذا يدل على أنهم كان عندهم شعر، لكن إطالته لم يكن مقصوداً لذاته، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده شعر أن يكرمه، كما عند أبي داود ، من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له شعر فليكرمه )، والأمر بالإكرام ليس دليلاً على أنه يستحب إبقاء الشعر، ومما يدل على أن إطالته ليست مقصودة ما جاء عند أبي داود بسند جيد، من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل ). والشعر الطويل دائماً يكون له ذؤابة، يقول: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذباب ذباب ) لأنهم كانوا يجعلون آخر الرأس ما يسمى بذباب أو ذؤابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذباب ذباب، قال: فرجعت فجززته، ثم أتيته من الغد، فلما رآني قال: إني لم أعنك، وهذا أحسن ).

    يقول الطحاوي رحمه الله: وما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحسن كان لا شيء أحسن منه، فهذا يدل على أن إطالة الشعر ليست مقصودة بذاتها، وهذا الذي يظهر، والله تبارك وتعالى أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [ قال أحمد : هو سنة، لو نقوى عليه اتخذناه، ولكن له كلفة ومئونة ]، يعني: لو كان له كلفة ومؤنة، ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، فالتعب لأجل هذا يؤجر عليه الإنسان، كما أن تغيير البياض مأمور به الإنسان، فالكلفة التي تحصل للإنسان يؤجر عليها أيضاً، فيظهر -والله أعلم- أن أحمد إنما قال: سنة، أي: أن ذلك طريقة المرسلين، وهذا لا شك، لكنها ليست مقصودة.

    حدود إطالة الشعر وصفة ترجيله

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويسرحه ويفرقه، ويكون إلى أذنيه، وينتهي إلى منكبيه، كشعره عليه السلام ].

    يقول: (ويسرحه)، وهو الترجل، ( كان يحب التيمن في تنعله وترجله )، فيبدأ عليه الصلاة والسلام في ترجيل باليمين.

    قال: (ويفرقه) جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان بمكة كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون )، وسط الشعر؛ يكون هذا من جهة، والشعر الآخر من جهة، فلما كان في المدينة عليه الصلاة والسلام وفتح الله عليه مكة بدأ يفرق، وترك السدل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين، بين سدل وبين فرق، والفرق كان عمل أهل الوثن، والسدل كان عمل أهل الكتاب، فرأى أن موافقته لأهل الكتاب أولى من موافقته أهل الوثن، فلما فتح الله عليه مكة لم يبق أهل وثن، فبدأ يفرق عليه الصلاة والسلام مخالفة لأهل الكتاب.

    قال: (وينتهي إلى منكبيه).

    كشعره عليه الصلاة والسلام كما قلنا في ذلك.

    قال المؤلف: [ ولا بأس بزيادة، وجعله ذؤابة ].

    قوله: (لا بأس) ليس دليلاً على الاستحباب؛ لأننا قلنا في حديث وائل : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إني لم أعنك، وهذا أحسن ) وذلك حينما جز ذؤابته.

    1.   

    سنن الفطرة

    إعفاء اللحية

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويعفي لحيته، ويحرم حلقها ذكره الشيخ تقي الدين ].

    ذكر ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع إجماع أهل العلم على أن إعفاء اللحية فرض، فهذا قول الأئمة الأربعة، وإنما اختلفوا فيما زاد عن القبضة، فذهب أحمد و الشافعي و مالك ، وهو قول ابن عمر و أبي هريرة أنه لا بأس بأخذ ما زاد عن القبضة في حج أو عمرة، لما روى البخاري من حديث ابن عمر أنه كان يأخذ ما زاد عن القبضة في حج أو عمرة، وقد قال عطاء بن أبي رباح الإمام المعروف، وقد أدرك أكثر من ثلاثين صحابياً كانوا يرخصون الأخذ من لحاهم في حج أو عمرة، وقوله: كانوا يقصد بذلك الذي رآهم من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الدليل دليل على أن ما كان عدا الحج والعمرة يبقى على العزيمة.

    القول الثاني: أن إعفاء اللحية واجب، ولو زاد على القبضة، وهذا هو رأي أبي العباس بن تيمية رحمه الله، إلا إذا كان في بعضها طول، والبعض الآخر قصر، أو ما تطاير من بعض الشعرات فلا حرج في تسويته، فبعض الناس تصير لحيته عن اليمين قصيرة، والجهة الثانية طويلة، فهذه لا حرج في تسويتها؛ لأن فيه نوعاً من التشويه، كما قال أبو العباس ابن تيمية ، فلا حرج ولو لم يزد عن القبضة. ولعل هذا القول الثاني هو الأقرب، ومما يدل على ذلك أمور:

    الأمر الأول: أن الصحابة إنما فعلوا ذلك في الحج والعمرة، ولم يفعلوه في غير ذلك، ومن المعلوم أن كل من نقل حجة النبي صلى الله عليه وسلم أو عمرته لم ينقل أنه كان يصنع ذلك، كيف لا، وقد نقلوا لنا كيف أتى الحجام فحجم رأسه، فجمع شعره عليه الصلاة والسلام وقسمه بين الصحابة، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ شيئاً من لحيته لنقلوا لنا.

    الثاني: أن الصحابة إنما فعلوه باجتهاد من عندهم، بدليل ما روى ابن جرير الطبري أن ابن عمر رضي الله عنه، حينما أتى الحجام ليحلق رأسه؛ قال ابن عمر : محلقين رءوسكم، وأشار إلى رأسه، ومقصرين، أما الحلق فهذا، وأما التقصير فلا أراه إلا هذا، وأشار إلى لحيته. وهذا يدل على أن ابن عمر اجتهد في ذلك، ثم إن بعض الناس أو بعض الباحثين جوز مطلقاً في الحج والعمرة وغيره وهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل، وما يقوله الحافظ ابن حجر : فإذا جاز في الحج والعمرة فغيره من باب أولى ليس مسلماً؛ لأننا قلنا: إنما فعلوا ذلك اجتهاداً من عندهم، هذا الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم، ولكني أقول: إن ما زاد على القبضة محل خلاف بين الصحابة وغيرهم، لكن ومما يدل أيضاً على الإبقاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أرخوا عثانينكم )، قال: إن اليهود والنصارى يأخذون من عثانينهم، قال: فلا تأخذوا من عثانينكم، والعثانين اللحية، فالمعنى لا تأخذوا من اللحية، وهذا دليل على أنه لا يأخذ من اللحية.

    والآن أصبحت اللحية يؤخذ منها من العارضين، ومن الطول، حتى أصبح الناس يتفننون في ذلك، مع الأسف الشديد ربما ترى بعض الناس قد خط خطاً صغيراً على عارضيه، والأسبوع الثاني له شكل، والأسبوع الثالث له شكل، وأصبحت محلات الحلاقة تصنع بعض الأشكال الغريبة على مجتمعنا، ومن المعلوم أن اللحية من سيرة الأنبياء.

    وبالمناسبة وجد كتاب في هذا الباب، والباحث أخطأ في بحثه من وجوه كثيرة: من حيث دراسته للأسانيد، ومن حيث نتائجه في بحثه، وإن كان مشهوراً بالبحث والتنقيب، عفا الله عنا وعنه، وتجاوز عن أخطائه، وغفر الله لنا وله، نسأل الله له ولنا وللجميع الهداية والتوفيق.

    وأنا أطلت في هذا؛ لأن أهل العلم وطلبة العلم مأمورون أن يكونوا قدوة للناس في ذلك، فإذا كره لطالب العلم بعض المباحات التي أجمع أهل العلم عليها، ورأوا أن ذلك يخرم بمروءة العبد، حتى قال أحد المتقدمين من السلف: والله لو أعلم أن الماء البارد يخل بالمروءة لتركته، كما قال الشافعي رحمه الله. فالأولى والأحرى والأخلق لطلبة العلم أن يبقوا على ما كان عليه أئمتهم وسلفهم، وبهداهم نقتدي، وليس معنى ذلك أن تبقى اللحية، ولا يؤخذ مما ليس بلحية، كالشعر النابت تحت الحلق، فهذا جائز كما سوف يأتي بيانه، ولكن نحن نتحدث عن اللحية المعروفة.

    وأما الخد الذي فيه شعر، هل يجوز أخذه أم لا؟

    المعروف عند علماء اللغة -كما ذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب، و الفيروزآبادي في القاموس المحيط- أن كل ما نبت من شعر الوجه فهو من اللحية، وهو رأي شيخنا عبد العزيز بن باز و محمد بن عثيمين ، ورأى جمهور الفقهاء رحمهم الله أن ذلك لا بأس بإزالته؛ لأن اللحية هي ما نبت على اللحيين -أي العارضين- والذقن، وأنا أرى أن تركه أولى وأحرى إلا إذا كان في ذلك تشوهاً، مثل أن يكون بعضهم قد ملأ الشعر جميع خده، فهذا خارج عن المألوف والطبيعة.

    وأما العنفقة فهي اللحية إلا إذا كانت تطول، وربما دخلت في الفم فلا حرج في إزالتها لأجل الضرر والله أعلم.

    أما ما اتصل من الشارب باللحية فقد جاء في بعض الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت له ذؤابتان من الشارب، وهذا هو المعروف في سيرة عمر ، وهذا يدل على الجواز، وإن كان الأولى القص، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يكره أخذ ما زاد على القبضه منها وما تحت حلقه ].

    والراجح: قلنا: إن الترك هو الواجب، وبالغ بعض مشايخنا كـالألباني ، فقال: من لم يأخذ فهو بدعة، ولا أعلم أحداً من المتقدمين قال بذلك، وأما تحت الحلق فلا حرج؛ لأنه ليس من اللحية.

    قص الشارب

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويحف شاربه وهو أولى من قصه ].

    الحف، قالوا: هو الأخذ من جميع الشارب، وأما القص فهو أن يقص أطرافه، وبعضهم يقول: إن القص هو التخفيف القليل، والحف هو أكثر من القص من غير حلق، كما يسميه أصحاب محلات الحلاقة: رقم اثنين، أو رقم واحد، أما الحلق فجوزه بعض الفقهاء، والمعروف أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلق شاربه، إنما أمر بالقص وبالحف، والحف ليس بحلق، بل إن مالكاً رحمه الله رأى أن حلق الشارب يعزر صاحبه، والذي يظهر أن حلقه غير مشروع، والله أعلم.

    وادعى ابن حزم في مراتب الإجماع أن قصه أو حفه فرض بالإجماع، وهذا محل نظر إلا إذا دعت الحاجة، ولو كان محل إجماع لكان الشاب الذي لم يطر شاربه مأموراً بأن يقصه، رغم انعدامه، لهذا كان هذا القول محل نظر.

    تقليم الأظفار ونتف الإبط

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويقلم أظفاره مخالفاً، وينتف إبطه ].

    تقليم الأظفار من سنن الفطرة، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عشر من الفطرة، وذكرت: وتقليم الأظفار ).

    أما قوله: (مخالفاً) معنى المخالفة هنا جاء في بعض الروايات أن يقص الخنصر، ثم الوسطى، ثم الإبهام، ثم يعود إلى البنصر، ثم السبابة. هذا في اليمنى، واليسرى، يبدأ بالإبهام، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السبابة، ثم البنصر. والصحيح أنه لم يثبت في المخالفة حديث، كما نقل ذلك غير واحد من أهل الحديث، كـالعراقي و السخاوي و ابن حجر ، وغيرهم.

    وأما نتف الإبط فهو سنة، كما في صحيح مسلم من حديث عائشة أنه من الفطرة، ولو حلق إبطه أو قصه جاز، وإن كان النتف أولى؛ لأن النتف يقطع الرائحة، وينظف المكان، وهو أولى من الحلق، والحلق أولى من التقصير.

    حلق العانة

    قال المؤلف رحمه الله: [ويحلق عانته].

    في قوله: (الاستحداد)، يعني: استعمال الحديدة، وهو أولى من النتف، لاسترخاء العانة بالنتف، والحلق -أعني: حلق العانة- هو السنة.

    يقول المؤلف: [ وله إزالته بما شاء ، والتنوير فعله أحمد في الصورة وغيرها].

    يعني: إزالة الشعر بما شاء، كالنير مثلاً، أو التنوير، الذي يسميه العامة النورة، كما كان السابقون يصنعون ذلك.

    فعله أحمد رحمه الله.

    وقوله: (في العورة) يعني: في العانة، وغير العانة، وسئل أحمد رحمه الله عن إزالة شعر الساقين واليدين في حق النساء والرجال، فجوز أحمد رحمه الله ذلك، وأما النساء فلا شك أنهن مأمورات بالتزين للرجل، أما الرجل فإذا لم يكن ثمة حاجة فالأولى ترك ذلك، وهو متأكد الترك، وبالغ الألباني رحمه الله فادعى أن إزالة شعر اليدين والرجلين في حق الرجل مثلة، وتغيير لخلق الله، والمعروف عند الأئمة أن ذلك جائز، ولو كان ثمة أثر فضلاً عن حديث لقال به أحمد ولو برواية.

    مشروعية دفن الشعر والأظفار

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويدفن ما يزيله من شعره وظفره ونحوه ].

    يعني: إذا قلم الشخص أظفاره أو حلق شعره أو عانته ونحو ذلك فإنه يدفنه، وقد جاء الدفن مرفوعاً وموقوفاً، فقد روى البغوي في شرح السنة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة )، وأمر بالدفن في حديث ابن عمر ، فقال: ( ادفنوا الشعر والدم والأظفار فإنها ميتة ).

    أما أخذ الشارب كل جمعة، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ( أن الرسول كان يأخذ شاربه وأظفاره كل جمعة ) فهو حديث ضعيف، في سنده محمد بن سليمان بن مسمول .

    وأما أمره بالدفن: ( ادفنوا الدم والشعر والأظفار فإنها ميتة )، فهو حديث رواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعاً، ولا يصح الرفع، وذكر الإمام أحمد أن ابن عمر كان يصنعه كما في مسائله، ولم يذكر له إسناداً.

    وذكر ابن أبي شيبة عن بعض السلف كـمحمد بن سيرين و القاسم بن محمد أنهم كانوا يدفنون الشعر.

    الوقت المشروع لفعل سنن الفطرة

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويفعله كل أسبوع يوم الجمعة قبل الزوال ].

    قوله: (يفعله كل جمعة)، قلنا: أما تقصير الشارب، فإن الحديث الوارد فيه: ( كان يأخذ شاربه وأظفاره كل جمعة ) ضعيف، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، في سنده محمد بن سليمان بن مسمول ، وقلنا أيضاً: إن الصحيح هو ما رواه البيهقي وصححه عن ابن عمر أنه كان يأخذ شاربه كل جمعة، وهذا الذي يظهر أنه منقول عن الصحابة، ولا بأس بأخذه كل جمعة، أو متى ما احتاج إلى ذلك، مثل أن يكون الشخص ربما يطول شاربه سريعاً فيأخذ ولو كل يومين أو ثلاثة، ولا يتركه فوق أربعين، بعض أهل العلم رأى أن ما زاد عن أربعين يوماً مكروه، لما روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (وُقت لنا)، وفي رواية: ( وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط ألا نترك أكثر من أربعين يوماً )، فإن زاد فهو مكروه، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف، وهو قول أكثر أهل العلم.

    وقال بعضهم: ما زاد عن الأربعين فهو محرم، وقول عامة أهل العلم ربما يكون أظهر، أي أنه مكروه.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يتركه فوق أربعين يوماً، وأما الشارب ففي كل جمعة ].

    يقول: (وأما الشارب في كل جمعة) يعني: فعل ابن عمر رضي الله عنه، وأما الحديث المرفوع فهو ضعيف كما سبق، لكن لا ينبغي له أن يترك أكثر من أربعين يوماً إذا كان يطول، وربما شوه.

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756361884