إسلام ويب

حقوق الخادمللشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشرع للمسلم أن يتخذ خادماً إذا احتاج إليه، مع مراعاة الحقوق الواجبة تجاه الخادم؛ من الرفق به وكسوته وإطعامه، وإعطائه أجره كاملاً، وإرشاده إلى الخير والإحسان إليه، والسعي في تصحيح مفاهيمه تجاه دين الإسلام، والحرص على توعيته في هذا الجانب، خاصة إذا كان من ا

    1.   

    مشروعية الاستعانة بالخدم وشروط استقدام الخادمات

    الحمد لله الذي كتب الإحسان على كل شيء، ورغب في حسن صحبة الخادم، أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، على ما له من العلياء والكبرياء وهو العلي الكبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وأشهد أن نبينا ورسولنا البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه المسارعين في الخيرات، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فأوصيكم ونفسي بتقوى الملك القدوس، فتقوى الله تعالى خير لباس تسربلت به النفوس، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    عباد الله! إن الله تعالى قسم بين خلقه المعايش في هذه الحياة: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخرف:32]، سخر بعضهم لخدمة بعض، وأوجب فيما بينهم حقوقاً.

    عباد الله! ومع كثرة الأعباء والمشاغل الدنيوية فقد رغب الشارع الحكيم أن يستعين المسلم والمسلمة ببعض الأسباب المعنوية المعينة على هذه المشاغل، فمما يعين المؤمن والمؤمنة على أعبائه ومشاغله الدنيوية أن يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وأن يحمده ثلاثاً وثلاثين، وأن يكبره أربعاً وثلاثين عند النوم، فقد أخرج البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن فاطمة رضي الله عنها اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على مكانكما)، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، ثم قال: (ألا أعلمكما خيراً مما سألتما: إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين، وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم)، فقال علي : ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.

    ومن ذلك أن يستعين المسلم بكثرة الاستغفار وقراءة القرآن.

    عباد الله! وإذا احتاج المسلم إلى خادم في قضاء حاجاته، فعليه أن يقوم بمراعاة حقوق ذلك الخادم، وإذا احتاجت المسلمة إلى خادمة في أعمال منزلها فلا بد أن يكون مجيء هذه الخادمة وفق الشروط الشرعية، وقد قال الشيخ صالح البليهي رحمه الله: (استقدام الخادمة لا بد له من شروط أربعة؛ الشرط الأول: أن تكون مسلمة، والشرط الثاني: أن تكون بمحرم، والشرط الثالث: أن يكون ذلك لحاجة، والشرط الرابع: أن تلتزم حجابها).

    1.   

    الرفق بالخادم وإعطاؤه أجره كاملاً

    عباد الله! هؤلاء الخدم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم فقوموا بحقوقهم، ومن حقوق الخادم:

    أن يعطيه سيده أجره كاملاً، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة؛ رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)، رواه البخاري.

    ومن حق الخادم: أن لا تكلفه ما لا يطيق، وأن لا تكثر عليه المسألة، وأن لا تقابله إن قصر بالتأفف والعتب، روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أف قط، ولا قال للشيء: لمَ فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا!)، رواه البخاري ومسلم.

    وتذكر تقصيرك في حق مولاك، وكن منه على وجل، واعفو عما اقترفه الخادم معك من الزلل يعفو الله عنك ويصفح، روى ابن عمر رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل يوم سبعين مرة)، رواه أبو داود والترمذي .

    عباد الله! من أذن لخادمه أن يتصدق بفاضل الطعام على الفقراء والمساكين والأيتام فهو شريك في الأجر، روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها، ولزوجها بما كسب، وللخازن -أي: الخادم- مثل ذلك)، رواه البخاري ومسلم .

    1.   

    إطعام الخادم وكسوته والإحسان إليه

    عباد الله! ومن حق الخادم عليك أن تشركه في مأكلك ومشربك وملبسك، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنه ولي حره وعلاجه)، أي: مشقة صنعه وتهيئته، رواه البخاري ومسلم.

    عباد الله! ومن حق الخادم أيضاً إحسان الخلق معهم، فطهروا رحمكم الله ألسنتكم من السباب والشتام، فإنها موجبة للمحق والعذاب، روى زيد بن أسلم قال: إن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده، أي: من متاع بيته، فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه، فكأنه أبطأ عليه فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته، فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة)، رواه مسلم ، ولعن المؤمن كقتله، فإن دعتك قدرتك على الخادم الاعتداء عليه فتذكر قدرة الله عليك، وقدومك إليه، ووقوفك بين يديه، روت عائشة رضي الله عنها ( أن رجلاً قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إياهم، فإن كان عقابك بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل، فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأ كتاب الله: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، فقال الرجل: يا رسول الله! أشهدك أنهم أحرار كلهم )، رواه الترمذي.

    فاتقوا الله عباد الله في هؤلاء الخدم الذين جعلهم الله تحت أيديكم، وقوموا بحقوقهم، رزقني الله وإياكم الاستقامة على ما أمرنا به في كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووفقنا للاعتصام بما كان عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، سبحانه وبحمده يجبر الكسير ويغني الفقير، ويعلم الجاهل ويرشد الحيران ويهدي الضال، ويغيث اللهفان، ويعافي المبتلى ويفك العاني، ويشبع الجائع ويشفي المريض ويكسو العاري، ويقيل العثرات ويستر العورات، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير إنه على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فأوصيكم ونفسي بتقوى رب العالمين، فاستمسكوا بها، فهي وصيته للأولين والآخرين.

    1.   

    تعليم الخادم وإرشاده إلى الخير

    عباد الله! ومن حق هؤلاء الخدم تعليمهم وإرشادهم، فإن كثيراً منهم يقدم من بلده وعنده جهل في التوحيد، وخلل في المعتقد، وخطأ في العبادة، يجهل كثير منهم أحكام الله عز وجل في الصلاة والزكاة والصيام، ومع ذلك يزهد كثير من الناس في تعليمهم وإرشادهم، والأمر متيسر ولله الحمد، ففي بلادنا فتحت مكاتب توعية الجاليات، التي تعنى بهؤلاء الوافدين، فتعقد لهم الدروس والمحاضرات، وتطبع الأشرطة والكتيبات في أحكام التوحيد، وأحكام العبادة.

    فيمكن للمسلم الذي عنده شيء من هؤلاء أن يزور هذه المكاتب، وأن يفيد من أنشطتها لهؤلاء الوافدين، كما أن مما يدخل في دعوة هؤلاء الوافدين، دعم أنشطة هذه المكاتب، والمشاركة في مواردها المالية، حيث إنها تقوم على صدقات المحسنين وتبرعاتهم، وخصوصاً ما توجهت له هذه المكاتب من عمل أوقاف لدعم أنشطتها، إذ إن هذا من الصدقة الجارية التي تبقى للمسلم بعد وفاته، ويكون شريكاً لتعلم المتعلم وإسلام المسلم.

    فاستمسكوا رحمكم الله بهذه الحقوق والآداب، والخصال الكريمة، وتخلقوا بها، مع من جعلهم الله تحت أيديكم، فإنما يرحم الله تعالى من عباده القلوب الرحيمة.

    اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم! عليك بأعداء الدين، اللهم! عليك باليهود الظالمين والنصارى الحاقدين، اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم! إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم! إنا نسألك من خير ما سألك منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نسألك الجنة وما يقربنا إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما يقربنا إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ، اللهم! صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم! عن صحابته أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن بقية العشرة المبشرين، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين، اللهم! آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم! اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756242701