إسلام ويب

الحكمة من وقوع المصائب والكوارثللشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سنن الله في الكون وآياته في الخلق جارية، والقوارع بين الحين والحين نازلة، وسبب هذه النوازل كثرة ذنوب الخلق، والإعراض عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وانتشار الفواحش، وفشو الربا في كل مكان، حتى صار يمارسه القاصي والداني، فعلى المؤمنين الحيطة، ود

    1.   

    أسباب الكوارث والبلايا

    الحمد لله، الحمد لله فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم، ويؤخركم إلى أجل مسمى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي الأعلى الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أنزل الله عليه القرآن تذكرة لمن يخشى، صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه أولي النهى، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ممن تزكى وذكر اسم ربه فصلى.

    أما بعد:

    فيا أيها المسلمون! اتقوا الله تعالى واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون، في هذه الأيام نتسامع عن بعض سنن الله الكونية في البلاد والعباد، فنتسامع عن حصول بعض الزلازل والأعاصير والفيضانات، التي تسبب إهلاكاً ونقصاً في الأنفس والأموال والثمرات؛ إن سبب ذلك في الجملة كله هو الذنوب والمعاصي، والمجاهرة بذلك من الداني والقاصي، قال الله تعالى: فأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ [الأنفال:54]، وقال تعالى: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [آل عمران:11]. ‏

    ترك العمل بكتاب الله وسنة رسوله

    عباد الله! من أسباب الإهلاك: ترك العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنلاحظ على كثير من المسلمين اليوم عدم العمل بكتاب الله، واتباع أمره واجتناب نهيه، والإيمان بمتشابهه، وكذلك ما يتعلق بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمصائب والإهلاك يأتي نتيجة للإعراض عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى [طه:134]، وقال سبحانه: فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:139].

    ظلم الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم

    عباد الله! ومن أسباب نقص الأنفس والثمرات والأموال: ظلم الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم، قال الله عز وجل: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء:11]، فالله يمهل ولا يهمل، بل يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

    فاتقوا الظلم أيها المسلمون! فِإن الظلم ظلمات، وسبب الإهلاك وحصول المصيبات، قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59]، فالله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ [الزخرف:76]، وقال سبحانه: وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ * ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ [الشعراء:208-209].

    ظهور الربا والزنا

    عباد الله! ومن أسباب نقص الأنفس والثمرات والأولاد: ظهور الربا والزنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل)، رواه الإمام أحمد.

    أما ظهور الربا في هذا الزمن فهو أمر واضح، فيتعامل به كثير من الناس اليوم، ولا يتورعون عن كثير من المعاملات المشبوهة، يتعاملون به سراً وعلانية، ويتحايلون عليه، والله عز وجل يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].

    وأما الزنا فسبب ظهوره أمران:

    فالأول: تساهل أولياء النساء في الوقاية لهؤلاء النساء، بحيث يترك الرجل زوجته أو ابنته أو موليته تخرج إلى الأسواق والمجامع العامة متبرجة، وكذلك يأذن بإدخال الأجهزة التي تبث الفساد وتحرف العقائد والأخلاق من قنوات فضائية، ونحوها.

    وأما الأمر الثاني فكذلك أيضاً: تساهل أولياء النساء في الرقابة، بحيث تفشو المجلات السيئة، وتبث الأفلام الفاسدة، وتذاع الأغاني السافلة، وتترك النصيحة.

    1.   

    الاعتبار من المصائب والكوارث

    فاتقوا الله أيها المسلمون! واعتبروا بما حصل في هذه الأيام لمن حولكم، قال الله عز وجل: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام:6]، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]، وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر:13].

    فاتقوا الله تعالى وخذوا حذركم، ولا تظلموا أنفسكم ولا زوجاتكم وأولادكم، وانتهوا عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، واتقوا الله إن الله شديد العقاب، ولا تأمنوا مكر الله وبأسه وخاصة في أعقاب الغفلات، فإن أخذه أليم شديد، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99]، أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:107].

    كفوا عن السوء، وانهوا عنه، ينجكم الله من عذابه وعقابه إذا حل بالظالمين الناسين ما ذكروا، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165].

    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في موعظة له بعنوان: جزاء المخالفين لأمر رب العالمين، قال: مخالفة الأمر توجب سخط الآمر، والإصرار على المخالفة أعظم منها، ما أسرع العقوبة إلى المسارع إلى المعصية، وما أبعد الفلاح عمن لا تؤدبه العقوبة، كيف يطمع بالزيادة من هو مضيع للشكر، وكيف تدوم التوسعة لقوم كلما اتسعت أرزاقهم ضيقوا على فقرائهم، المستعين بالنعم على المعاصي مستوجب للسلب، ومن لا يتأدب في الرزية في ماله أدبته الرزية في نفسه، ثم قال: فتوبوا إلى الله مما أنتم عليه من العصيان تبصروا، فإنكم عن قريب إليه صائرون، فهل أنتم على عذابه صابرون أو على رفع بأسه قادرون؟!

    فاتقوا الله بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه، وإدامة الذكر له، واستشعار الخشية منه، فإن الله إذا عاقب لم يقم لعقابه أحد. انتهى كلامه.

    اللهم اجعلنا من المتقين الناجين الذين لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون، واجعلنا من عبادك الشاكرين، وأعذنا اللهم من الشرك وحال الخاسرين، والحمد لله رب العالمين، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

    فخذوا العبرة ممن حولكم، وارجعوا إلى ربكم قبل أن يحل بكم ما حل بهم، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27]، فارجعوا إلى ربكم واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وذروا ظاهر الإثم وباطنه، واشكروه واستغفروه، مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147]، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].

    1.   

    نعمة نزول الغيث

    عباد الله! إن نزول الغيث من نعم الله عز وجل التي تستحق منا الشكر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غيمت عرف ذلك في وجهه، فإذا أمطرت سري عنه، وقال: (إن المطر رحمة).

    فعلينا أن نشكر الله عز وجل بألسنتنا على ما رحمنا؛ وذلك بأن يلهج المؤمن بحمد الله عز وجل وشكره، وأن نشكر الله بقلوبنا؛ بأن نؤمن ونوقن بأن هذا من فضل الله وإحسانه وامتنانه، وأن نشكر الله عز وجل بجوارحنا؛ بأن نقيم طاعة الله في أبصارنا وأسماعنا، وأيدينا وجوارحنا، من قراءة للقرآن وصلة للأرحام، وصلاة وبر وصدقة.

    عباد الله! ومما يستحب عند نزول الغيث، إذا استيقظ المسلم من نومه فرأى أثراً للسماء، فليقل: (مطرنا بفضل الله ورحمته)،كما جاء ذلك في حديث زيد بن خالد الجهني المخرج في الصحيحين، وكذلك إذا مطرت يستحب أن يقول المسلم: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، ويستحب أيضاً أن يقول: (اللهم صيباً نافعاً)، كما جاء ذلك في حديث عائشة المخرج في البخاري، وجاء في بعض الألفاظ: (اللهم صيباً هنيئاً).

    ومما يشرع أيضاً الدعاء: لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً)، وفي لفظ: (عند المطر)، رواه أبو داود.

    ويستحب إذا أمطرت أن يحسر المسلم عن شيء من بدنه؛ لكي يصيبه المطر، وإذا زادت المياه وخيف منها سن أن يقول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر)، خرجاه في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه.

    ويستحب عند هبوب الرياح أن يقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به)، خرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة.

    ويستحب إذا سمع الرعد أن يفعل كما فعل ابن الزبير رضي الله عنه، فإنه إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: ( سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ). رواه الإمام مالك بإسناد صحيح.

    وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال: (اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)، رواه أحمد والترمذي.

    1.   

    آداب السياحة

    عباد الله! كثير من الناس في مثل هذه الأيام والأجواء يكثرون الخروج إلى البراري، فأوجه نصيحة لهؤلاء أن يشكروا الله عز وجل على نعمة الغيث، وعلى ما من به عليهم من هذه المتعة، وأن يحذروا كفر نعم الله عز وجل، وذلك بالإسراف بالأطعمة والمشارب، وعليهم أن يحافظوا على الصلوات وخصوصاً ما يتعلق بصلاة الفجر.

    كذلك أيضاً عليهم أن يحافظوا على حجاب نسائهم، وعدم اختلاطهن بالرجال، كذلك أيضاً لا يجوز لهم أن يتعرضوا للمخاطر، ومن ذلك تمكين كثير من الصغار من الدراجات النارية أو السيارات، أو اللعب بالسيارات كصعود مرتفع أو نزول منخفض ونحو ذلك، أو الدخول في تجمعات المياه، فليحذر المسلم ذلك، فإن نفسه أمانة عنده، قال الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، وقال: ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

    نحمد الله سبحانه وتعالى ونشكره، ونثني عليه على ما أنعم به علينا ومنّ من إنزال هذا الغيث، فنسأله سبحانه أن يجعله صيباً نافعاً، وأن يجعله صيباً هنيئاً إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اشف مرضى المسلمين، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756188797