إسلام ويب

شرح الأصول الثلاثة [3]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما يجب على المسلم أن يحققه الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، وصور موالاة الكافرين كثيرة، منها: عدم تكفيرهم، أو تصحيح عقائدهم، أو حبهم، أو خدمتهم، أو الإقامة في ديارهم. وأول الأصول التي يجب على المسلم معرفتها معرفة الرب جل جلاله، والأدلة على وجود الله

    1.   

    تابع ثلاث مسائل يجب على المسلم تعلمها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    تقدم أن المؤلف رحمه الله قال: [اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه الثلاث المسائل والعمل بهن:

    الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً ...] إلى آخره.

    [الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته].

    وقلنا: بأن هذا من باب الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية.

    ثم بعد ذلك ذكر المسألة الثالثة، وهي مسألة مهمة، وهي تتعلق بالموالاة والمعاداة.

    الثالثة: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

    أولاً ذكر التوحيد -توحيد الألوهية- وأن مقتضى توحيد الربوبية أن يوحد الإنسان ربه توحيد الألوهية.

    ثم بعد ذلك ذكر الشيخ رحمه الله أن من وحد توحيد الألوهية فإن مقتضى توحيد الألوهية: أن الإنسان يوالي المؤمنين ويعادي الكافرين، وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين أمر واجب، وهو من لوازم كلمة لا إله إلا الله، ومن مقتضى توحيد الألوهية، ويدل لذلك ما أورده المؤلف لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [المجادلة:22] ... إلى آخر الآية.

    وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله)، وهذا أخرجه الحاكم والطبراني ... إلى آخره.

    وأيضاً حديث معاذ الجهني : (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان).

    والموالاة تعني: المحبة والنصرة والاتباع، والمعاداة تعني: التباعد والاختلاف، وهي ضد الموالاة.

    أما من هو الذي يعادى من الكفار؟ ومن الذي لا يعادى؟ هذا موضع خلاف، فقال بعض العلماء: الذي يعادى هو الحربي -يعني: الذي بيننا وبينه حرب، ليس بيننا وبينه عهد ولا ميثاق- هذا الذي يعادى، أما غيره فلا يبغض، بل نبغض كفره.

    الرأي الثاني: أن الذي يعادى هو كل من بلغته الدعوة ولم يستجب لها.

    والرأي الثالث: أنه كل الكفار، الكفار كلهم يبغضون لكفرهم، وهذا القول هو الصواب.

    صور موالاة الكفار

    وموالاة الكفار لها صور:

    الصورة الأولى: الموالاة المطلقة، وهذه كفر، يعني: يحبهم بإطلاق، وينصرهم بإطلاق... إلى آخره، فهذا يقول بأنها كفر؛ لأن الله عز وجل قال: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51].

    أيضاً من صور موالاة الكفار: الرضا بكفرهم، أو الشك في كفرهم، أو تصحيح مذهبهم؛ ولهذا ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر؛ لأنه مكذب للقرآن، فالله عز وجل قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [البينة:6].

    فيجب تكفير الكفار، ويجب أيضاً الحكم عليهم بنار جهنم، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6].

    وأيضاً الله عز وجل قال: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ... [البينة:1]، حكم الله عز وجل عليهم بالكفر.

    لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] .

    لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] ... إلى آخره. هذه الصورة الثانية.

    الصورة الثالثة: الموالاة القلبية، وهي إغمار حب غير المسلم وتوقيره وتعظيمه بالنظر إلى كفره -يعني: من أجل كفره- هذا كفر؛ لأنك عظمت الآن هذا الكفر الذي لا يرضاه الله عز وجل، أو بالنظر إلى ما عليه من الحضارة والمدنية بإطلاق -يعني: ما جاء الإسلام بنفيه، وما جاء الإسلام بعدم نفيه- فهذا أيضاً نقول بأنه كفر، يعني حب غير المسلم توقيره وتعظيمه بالنظر إلى حضارته على ما هي عليه من المخالفات في الشريعة فنقول بأنه كفر.

    محبته محبة طبيعية، أو لأجل أخلاقه -محبة تساوي الميل الطبيعي لأجل أخلاقه، أو طبيعية لزواج أو ولادة، فلكونه ولداً أو والداً، أو لكونه زوجاً، فنقول: محبته لأجل أخلاقه، ومحبته محبة طبيعية بسبب الولادة، أو بسبب الزواج- نقول: هذه لا يلام عليها الإنسان.

    أيضاً من صور الموالاة: خدمة الكافر خدمةً مباشرة؛ لأن كون المسلم يخدم عند الكافر تنقسم هذه الخدمة إلى قسمين:

    القسم الأول: خدمة مباشرة تتعلق بذات الكافر، نقول: بأنها لا تجوز. يعني: يقوم بغسل ثيابه، بطبخ طعامه، بتنظيف بيته، هذا غير جائز؛ لأن الله عز وجل قال: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وفي الحديث: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

    أما خدمة غير مباشرة فهذه جائزة، يعني: مثلاً يكون كاتباً أو مهندساً أو نحو ذلك هذا جائز.

    أيضاً من صور موالاتهم: الانحناء لهم عند اللقاء، أو الوقوف عندهم وهم جالسون، وهذا لا يصل إلى الكفر، لكن هذا محرم.

    كذلك من صور موالاتهم: المبالغة في مخاطبتهم بألفاظ التبجيل والتعظيم، أو مدحهم بما لا يستحقون، وهذا محرم، لكن تحسين الخلق معهم بالفعل أو بالقول هذا مطلوب، لكن المبالغة هي التي ينهى عنها؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم، والله عز وجل يقول: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8].

    أيضاً من صور موالاتهم: الإقامة في بلادهم، وإن كان لأجل ضرورة فإن الضرورات تبيح المحظورات، وإن كان لأجل أمر الدنيا فيشترط القدرة على إظهار الدين، هذا الشرط الأول.

    الشرط الأول: أن يقدر على إظهار دينه، يعني: يقدر على إظهار الصلاة، والجماعة، والجمعة، والأذان، وأن يبين أنه مسلم، وأن يعتز بعقيدته... إلى آخره، يقدر على إظهار دينه، هذا الشرط الأول.

    والشرط الثاني: أن لا يترتب على هذا السفر محظور شرعي من شبهات أو شهوات ونحو ذلك، يعني: أن يكون عنده القدرة على حفظ دينه من أمراض الشبهات والشهوات.

    والشرط الثالث: أيضاً اشترط له بعض العلماء قال: اشترط أن لا يكون ذلك مستمراً، وبعض العلماء لم يشترط ذلك.

    أيضاً من صور موالاتهم: الاستعانة بهم، فهذا يجوز عند المصلحة الشرعية أو الضرورة.

    وأيضاً من صور موالاتهم: مشاركتهم في أعيادهم الدينية، أما بالنسبة للدنيوية فهذا يرجع إلى المصلحة.

    وأيضاً من صور موالاتهم: التشبه بهم في الملابس والعوائد والأخلاق وغير ذلك.

    ومن صور موالاتهم: طاعتهم في التحليل والتحريم.

    ومن صورها أيضاً: اتخاذهم بطانة من دون المسلمين، يعني موضع سر يرجع إليه ويسأله، الله عز وجل قال: لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118] يعني: من غير علم.

    1.   

    تعريف الشرك الأصغر والأكبر والأدلة على تحريمه

    الشرك في اللغة: النصيب.

    وأما في الاصطلاح فسبق أن عرفناه، ذكرنا تعريف الشرك الأكبر وتعريف الشرك الأصغر... إلى آخره، وذكرنا الراجح في تعريف الشرك الأكبر: أنه تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله عز وجل.

    وأما الشرك الأصغر: فهو كل ما كان طريقةً ووسيلةً إلى الشرك الأكبر وجاء في النص في تسميته شركاً.

    وقال: [أعظم ما نهى عنه الشرك].

    الشرك نهى الله عز وجل عنه، والأدلة على ذلك كثيرة، كما في قول الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] .

    وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] .

    وقوله سبحانه وتعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] .

    وقوله سبحانه وتعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] .

    تقدم لنا حديث ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار).

    وحديث جابر : (من لقي الله وهو يشرك به شيئاً دخل النار)... إلى آخره.

    هذه كلها تدل على النهي عن الشرك، وعظم عقابه.

    قال: [وهو دعوة غيره معه].

    يعني: صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله عز وجل.

    قال: [والدليل قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] ].

    في هذه الآية أمر بعبادة الله عز وجل ونهي عن الشرك، والأمر بالعبادة والنهي عن الشرك يقتضي إفراد الله عز وجل بالعبادة، وعدم صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، وهذا هو التوحيد.

    1.   

    الأصول الثلاثة التي بجب على الإنسان معرفتها

    قال: [فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟].

    الأصول: جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، أو ما يتفرع منه غيره.

    ما هي الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان -المراد بالإنسان هنا: المكلف البالغ العاقل- أن يعرفها وأن يعمل بمقتضاها؟

    قوله: [معرفتها] يعني: العلم بها، والعمل بمقتضاها بعد ذلك.

    [فقل: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم].

    قوله: [معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم] هذا إجمال، وسيفصل المؤلف رحمه الله تعالى في ما يتعلق بمعرفة الرب ومعرفة الدين ومعرفة النبي.

    1.   

    الأصل الأول: معرفة الرب

    قال: [فإذا قيل لك: من ربك؟].

    الرب يطلق على أربعة معان: الإله، والسيد، والمالك للشيء، والمصلح للأمر.

    [من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمه].

    (ربي الله) يعني: خالقي ومالكي ومدبري هو الله عز وجل، والله اسم من أسماء الله عز وجل الخاصة به، وهو أعرف المعارف، وأصله الإله، فحذفت منه الهمزة وأدغمت اللام باللام، فقيل: الله.

    (الذي رباني) يعني: خلقني وسواني وأوجدني من العدم بنعمه الظاهرة والباطنة.

    (وربى جميع العالمين بنعمه) رباهم: خلقهم، أوجدهم، سواهم، غذاهم بنعمه سبحانه وتعالى.

    و(العالمين): جمع عالم وهو كل من سوى الله عز وجل، فالله عز وجل أنعم على الناس، أو أنعم على سائر المخلوقات، حتى الكافر أنعم الله عز وجل عليه.

    النعم تنقسم إلى قسمين: نعم خاصة، ونعم عامة.

    النعم العامة لكل مخلوق، كل مخلوق خلقه الله عز وجل، أوجده من العدم، غذاه، وسواه، وهداه لمصالح معيشته، ليس هناك أحد لا يجد معيشته، هداه الله عز وجل لمصالح معيشته، كما قال سبحانه وتعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:1-3] ، فكل موجود خلقه الله عز وجل، وسواه، وهداه لأسباب معيشته ومصالح وجوده في هذه الحياة، حتى الحشرات، حتى الحوت في الماء، حتى الطير في الهواء... إلى آخره أنعم الله عز وجل عليه هذه النعمة العامة النعمة الحسية.

    القسم الثاني: النعمة الخاصة، وهي نعمة الدين، وهذه امتن الله عز وجل بها على من يشاء من عباده، وكلما كان الإنسان أكثر هدىً وعلماً وعملاً صالحاً كلما كانت النعمة الخاصة له أكثر.

    قال: [وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه].

    الله عز وجل هو المعبود وليس هناك معبود سواه، كما تقدم من أن الله عز وجل أمر بالتوحيد، وأن أعظم ما أمر به هو التوحيد، وأعظم ما نهى عنه الشرك، وقد سبقت الأدلة على ذلك.

    قال: [والدليل قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ].

    (الحمد): وصف المحمود بصفات الكمال محبةً وتعظيماً، والألف واللام للاستغراق، فكل المحامد لله عز وجل ملكاً واستحقاقاً، فحمد العباد بعضهم لبعض وحمد العباد له هذه ملك، وحمده سبحانه وتعالى لنفسه هذا حمد استحقاق. و(لله) تقدم تعريفه و(رب) الرب هنا المالك الخالق المدبر (العالمين) تقدم تعريفه.

    قال: [وكل من سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم].

    قال: [فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته].

    لما بين المؤلف رحمه الله من هو الرب، إذا قيل لك: من ربك؟ ... إلى آخره، الآن شرع في بيان ما يستدل به على الرب، وأدلة وجود الرب كثيرة جداً.

    أولاً: الأدلة الشرعية، فكل القرآن والسنة، تدل على وجود الرب، ومن ذلك قول الله عز وجل: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [إبراهيم:10] ، وأيضاً قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [الحج:3] ، وقوله سبحانه وتعالى: فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس:32].

    يقول ابن القيم : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كيف يطلب الدليل على من هو على كل شيء دليل؟! قال: وكثيراً ما يتمثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقول الشاعر:

    وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

    هذا الدليل الأول.

    الدليل الثاني: الدليل الفطري، فالخلق مفطورون -حتى الحيوان، حتى الحشرات مفطورة- على وجود الله عز وجل، ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه).

    وفي حديث أُبي الذي رواه الإمام أحمد والدارقطني والحاكم والطحاوي : (أن نبياً من الأنبياء خرج يستسقي، فوجد نملةً على ظهرها رفعت قوائمها إلى السماء، تقول: إنا خلق من خلقك ليس بنا غنىً عن رزقك، فقال: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم).

    حتى البقر مفطور على وجود الله عز وجل؛ ولهذا إذا أوذيت تجد أنها تصيح برأسها إلى السماء، حتى الكافر يدعو؛ والإنسان مفطور على الدين فلا بد له من تدين، والذي يقول: إني ليس لي دين، فهو وإن قاله في الظاهر لكن الباطن يأباه، ويدل لهذا تعدد الديانات، فكل هذا يدل على أن الإنسان لا بد له من الدين، لكن هناك من وفق للدين الصحيح وهناك من لم يوفق، وهذه من نعم الله عز وجل.

    وكما قلنا أيضاً من الفطرة: أن الجماد مفطور على الإيمان بالله عز وجل، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [الإسراء:44] .

    الدليل الثالث: الدليل العقلي، فالدليل العقلي هذا الكون وانتظامه، وانتظام أفلاكه، الشمس تشرق ثم تغرب، القمر كذلك، النجوم... إلى آخره، هذا يدل على وجود مدبر لهذا الكون، فلو قيل لشخص: بأن هذا الكتاب وجد صدفة هكذا. هل يقر بذلك أو لا يقر؟ لا أحد يقر بذلك وهو كتاب صغير؛ أو هذا القلم إذا قيل: هكذا وجد صدفة، لا يقر بذلك، ولا يدعيه أحد، وإن ادعاه أحد نسب إلى الجنون، فإذا كان هذا في هذه الأشياء الحقيرة الصغيرة فكيف بمثل هذا الكون العظيم؟!

    ولهذا قال الأعرابي المجبول على الفطرة: هل يخفى الليل على مبصر، البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟!

    والأئمة رحمهم الله لهم كلمات في مثل هذا، فلا بأس أن نأخذ من كلماتهم.

    أبو حنيفة رحمه الله جاءه قوم من السمانية -يعني: ينكرون وجود الإله-، فطلبوا منه دليلاً على وجود الرب، فسكت ولم يجبهم، فظنوه قد انقطع، فسألوه عن سكوته فقال: فكر في السفينة، تذهب إلى أرض دجلة، تذهب من جانبه الغربي إلى جانبه الشرقي، تحمل البضائع بنفسها، وترجع بنفسها، ثم تنزل، ثم ترجع مرةً أخرى بلا قائد، فقالوا: هذا لا يمكن، قال: فإذا كان هذا لا يمكن في مثل هذه السفينة... إلى آخره فكيف ذلك في الكون وما فيه من الشمس والقمر والكائنات والمخلوقات؟! إلى آخره.

    وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: يستدل باختلاف اللغات والأصوات والنغمات... إلى آخره.

    و الشافعي يقول: ورقة التوت طعمها واحد، ولونها واحد، وريحها واحد، وطبعها واحد، تأكل منه النحل فيخرج العسل، والشاة تربي اللحم واللبن، ودودة القز تخرج الحرير، وتأكله الظبا وينعقد في أجوافها المسك.

    والإمام أحمد رحمه الله قال: هناك حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ، ظاهره كالفضة، وباطنه كالذهب، ثم ينصدع جداره، ويخرج منه سميع بصير ذو شكل حسن وصوت، يقصد بذلك البيضة.

    والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767418529