الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام ولو تخللت ردة في الأصح، أو إلى التابعي، وهو من لقي الصحابي كذلك، فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله، ويقال للأخيرين: الأثر ].
تقدم لنا أن المرفوع في اللغة: مأخوذ من (رفع) ضد (وضع)، وسمي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مرفوعاً لارتفاع رتبته، حيث إنه كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما في الاصطلاح: فهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية.
والمرفوع ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مرفوع تصريحاً.
والقسم الثاني: مرفوع حكماً، وذكرنا مثال المرفوع تصريحاً، ومثاله من القول: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما حديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ).
ومثاله من الفعل تصريحاً: مثل وصف الصحابة رضي الله تعالى عنهم لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ولنسكه.. إلى آخره، ولذبحه الأضحية والهدي.. إلى آخره.
ومن التقرير تصريحاً: أكل خالد رضي الله تعالى عنه الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم. هذا المرفوع تصريحاً.
الصورة الأولى: قول الصحابي: أمرنا أو أمر الناس، أو كنا نؤمر، أو نهينا، فهذا له حكم المرفوع.
ومثاله: حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ).
الصورة الثانية: أن يقول الصحابي قولاً أو يفعل فعلاً لا مجال للاجتهاد فيه، فهذا له حكم المرفوع بشرط أن لا يكون ممن يأخذ من الإسرائيليات، كما لو أخبر عن أمور آتية، أو أمور ماضية.. إلى آخره. ومن أمثلة ذلك: صلاة علي رضي الله تعالى عنه صلاة الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين.
الصورة الثالثة: أن يروي التابعي الحديث ثم يقول التابعي: رفع الحديث، فالذي رفعه هنا هو الصحابي. يقول: رفع الحديث، أو يقول: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، أو يرويه أو ينميه.. إلى آخره.
الصورة الرابعة: قول الصحابي: كنا نفعل كذا وكذا. وهذا له حالتان:
الحالة الأولى: أن يضيفه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا له حكم المرفوع.
مثاله: ( كنا نعزل والقرآن ينزل )، أيضاً قول أسماء : ( نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه )، فإذا أضافه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنقول بأن له حكم المرفوع.
الحالة الثانية: أن لا يضيفه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كقول جابر : ( كنا إذا هبطنا سبحنا، وإذا علونا كبرنا )، هذا ابن حزم رحمه الله تعالى يقول بأنه لا يأخذ حكم المرفوع.
الصورة الخامسة: أن يقول الصحابي: من السنة كذا وكذا. فهذا أيضاً له حكم المرفوع.
ومن أمثلته: قول أنس رضي الله تعالى عنه: ( من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم دار ).
الصورة السادسة: أن يحكم الصحابي على فعل أنه معصية، أو أنه طاعة، فهذا له حكم الرفع. ومثاله: قول أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( أما هذا فقد عصى أبا القاسم )، وأيضاً قول عمار رضي الله تعالى عنه: ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ). فهذا ما يتعلق بالمرفوع.
وتلخص لنا أن المرفوع إما أن يكون مرفوعاً تصريحاً أو حكماً، والمرفوع حكماً له هذه الأقسام والصور الست.
تعريف الصحابي: (من لقي)، لكي يدخل في ذلك الأعمى، لم يقل: من رآه، وإنما قال: من لقي، لكي يدخل الأعمى؛ لأن الأعمى لقيه، لكنه لم يره.
قال: (مؤمناً به)، يخرج من لقيه حال الكفر ثم أسلم بعد أن مات النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يعتبر صحابياً، فاته شرف الصحبة.
مثاله: رسول هرقل الذي لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر، ثم أسلم، فهو في حكم التابعين، أسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا في حكم التابعين، لكنه والحمد لله منّ الله عليه بالإسلام.
قال: (ومات على الإسلام) يخرج بذلك من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولقيه لكنه ارتد مثل ابن خطل، وابن خطل آمن ثم ارتد وقتل مرتداً، وكذلك عبيد الله بن جحش آمن وهاجر إلى الحبشة ثم تنصر، نسأل الله السلامة بمنه وكرمه.
قال: (ولو تخللت ردة)، هذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن ثم ارتد ثم آمن. أي: أدركه الله عز وجل برحمته.
مثاله: الأشعث بن قيس فقد آمن ثم ارتد، ثم آمن، فهو صحابي رضي الله تعالى عنه، فأسوؤهم حالاً هو الذي مات على ردة -نسأل الله السلامة- أما من تخللته ردة ثم بعد ذلك آمن فهذا صحابي.
وطرق ثبوت الصحبة: التواتر والاستفاضة.
والطريق الثاني: إخبار صحابي آخر أن هذا صحابي وأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم.
والطريق الثالث: إخبار الصحابي نفسه، الصحابي نفسه يخبر بأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (فالأول المرفوع)، وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (والثاني الموقوف)، والموقوف هو: ما أضيف إلى الصحابي رضي الله تعالى عنه.
قال: (والثالث: المقطوع)، وهو ما أضيف إلى التابعي ومن دون التابعي.
من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم فما حكمه؟ هذا حكمه حكم التابعي، وابن عبد البر رضي الله تعالى عنه في كتابه الاستيعاب ذكره في الصحابة، لكن قصده استيعاب كل من كان في القرن الأول.
قال: (ويقال للأخيرين: الأثر). ما هما الأخيران؟ الموقوف، يعني: ما أضيف إلى الصحابي، وكذلك ما أضيف إلى التابعي فمن دونه يقال لهما: الأثر، وهذا هو المشهور عند أهل الحديث، وإلا فإن بعض أهل الحديث يسمي المرفوع أثراً.
ومن أمثلة ذلك: الطبري في كتابه (تهذيب الآثار)، ذكر جملة من المرفوعات، والطحاوي أيضاً في كتابه (مشكل الآثار) ذكر جملة من المرفوعات.
نتوقف على هذا.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر