إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الخيار [6]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مذهب الحنابلة رحمهم الله من أوسع المذاهب في باب الخيار، ولم يتكلم الفقهاء في مسائل الخيار بالتفصيل والاستيعاب كفقهاء الحنابلة، خاصة وأنهم يقولون بأنواع لا يقول بها غيرهم. ومن هذه الأنواع: خيار التخبير بالثمن، فما هو هذا الخيار؟ وما هي أحواله وصوره؟ ومتى يقع؟ وما هي البيوع التي يثبت فيها وكيف يثبت؟ هذا ما وضحه الشيخ في هذه المادة.

    1.   

    تعريف خيار التخبير بالثمن وصوره

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [السادس: خيار في البيع بتخبير الثمن متى بان أقل أو أكثر]:

    ذكر المصنف رحمه الله هذا النوع من الخيار وهو الذي يسمى بخيار التخبير.

    والتخبير: تفعيل من الخبر، والخبر لذاته يحتمل الصدق والكذب.

    والمراد بهذا الخيار: أن يخبرك البائع بقيمة الشيء المبيع أنه اشتراه بكذا، ثم بعد ذلك يتبين أنه أخطأ أو كذب عليك، فإن تبين صدقه فلا إشكال، وهذا النوع من البيوع في الأصل إنما يقع عند الإخبار بالقيمة.

    وبناءً على ذلك: فإن من أراد أن يشتري سلعة ما، فلا يخلو من حالتين:

    الحالة الأولى: أن يقع البيع بالسوم، دون النظر إلى أصل المال الذي اشترى به أو قدر القيمة التي اشترى بها البائع، فلو قال له: بكم تبيعني هذه السيارة؟ قال: بعشرة آلاف، فقال: اشتريت، فحينئذٍ لا إشكال، ولا يبحث في هذا النوع من الخيار؛ لأنه لم يتركب ثمن الصفقة الثانية على الإخبار بالصفقة الأولى.

    الحالة الثانية: أن يخبر البائع المشتري بالقيمة التي اشترى بها السلعة، والأصل أن المسلم يجب عليه أن يصدق فيما يقول مطلقاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] فأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتقيه وجعل من التقوى أن نكون من الصادقين، فإذا أخبر المسلم بشيء أياً كان فالواجب عليه من حيث الأصل أن يبين الأمر على حقيقته دون زيادة أو نقص.

    وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا في البيع؛ لأنه يترتب عليه حقوق، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي بين فيه أن بركة البيع مقرونة بوجود هذا الأمر العظيم وهو الصدق فقال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) فبين صلى الله عليه وسلم أن البركة في البيع مقرونة بالصدق، وأن الواجب أن يكون المسلم صادقاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق) أي: الزموه، ومن هنا فالأصل الشرعي أن يصدق البائع.

    فهذه الحالة الثانية، وهي أن يقول البائع. هذه السيارة رأس مالي فيها عشرة آلاف ريال مثلاً، فإذا أخبرك برأس المال، فإن الإخبار برأس المال تترتب عليه أمور مهمة منها:

    أن المشتري ربما يتفق مع البائع على ربح مبنياًعلى رأس المال كما في بيع المرابحة، فيقول له: بكم اشتريت؟ فيقول: بعشرة آلاف، فيقول: أربحك العشر، أي: أنني اشتريها منك بأحد عشر، أو أربحك الخمس، وهذا لا شك أنها زيادة مبنية على الإخبار برأس المال، فيشتريها باثني عشر، ولربما أنقص من رأس المال فقال له: رأس مالي في هذه السيارة عشرة آلاف أسامحك في خُمسها، فأبيعها بثمانية آلاف، فزادت رغبة المشتري في السلعة؛ لأنه يرى أن البائع قد ضحى بكثير وأن السلعة فيها تستحق أكثر مما دفع، فاشترى.

    أو قال له: هذه السيارة رأس مالي فيها عشرة آلاف هل تدخل معي شريكاً بالنصف؟ أو هذه الأرض اشتريتها بمائتي ألف هل تدخل معي شريكاً بالنصف؟ فيقول: قبلت، فيدفع له مائة ألف، أو هذه العمارة اشتريتها بمليون، هل تدخل معي شريكاً بالنصف أو الربع؟ وهكذا.

    والعلماء يبحثون هذا النوع من الخيار؛ لأن المشتري اشترى بناءً على خبر معين من البائع، وركب على هذا الخبر قيمة الصفقة، وترتب على هذا الخبر الرغبة في الصفقة، فهناك حقوق للمشتري من الإنصاف والعدل أن ترد له إذا ظلم فيها.

    وبناءً على هذا: فإنه إذا أخبر البائع المشتري بالقيمة الأولى، فلا يخلو من ضربين:

    إما أن يخبرك وتبين أنه صادق.

    وإما أن يخبرك ويتبين أنه أخطأ: إما عمداً وهو الكاذب والغشاش.

    وإما خطأً على سبيل يعذر فيه، بأن كان يظن شيئاً وتبين خلافه، أو كان يظن أنها الصفقة الأخيرة وتبين أنها الصفقة قبل الأخيرة... إلى آخره.

    ففي الضرب الأول من الحالة الثانية: وهو أن يتبين صدق البائع فيما أخبر فلا إشكال، فلو قال لك: اشتريت هذه العمارة بعشرة آلاف، فقلت: أربحك نصفها فأشتريها بخمسة عشر، فلا إشكال إذا تبين أنه اشتراها بعشرة آلاف.

    وهكذا لو أنه لم يتبين شيء، فالعلماء لا يبحثون في هذا، وإنما يبحثون فيما إذا تبين الخطأ، فأنت -مثلاً- اشتريت منه العمارة بعشرة آلاف، أو اشتريت منه السيارة بخمسة آلاف، ثم وجدت البائع الأول فقال لك: قد بعتها بأقل مما أخبرك به، فحينئذٍ يكون المشتري قد ظلم في ترغيبه في السلعة، وظلم في القيمة نفسها حيث رتب عليها ربحاً أو نسبة معينة بناءً على القيمة، فإذا ثبت أنه قد كذب أو أخطأ فحينئذٍ يكون للمشتري الخيار.

    فاصطلح العلماء على تسمية هذا النوع من الخيار خيار تخبير الثمن.

    متى يقع خيار التخبير بالثمن

    ثم قال المصنف: [متى بان] أي: اتضح أنه اشترى [بأقل أو أكثر]، وتبين أن هذا الثمن ليس بصحيح.

    فإذاً: لو سأل سائل متى يقع الخيار؟

    فالجواب: يقع الخيار إذا تبين الخطأ سواء كان مقصوداً كما في حالة الكذب -والعياذ بالله- أو غير مقصود كما في حالة الخطأ، ففي هذه الحالة يبحث العلماء هذا النوع من الخيار.

    وهناك مسألة تتبع هذه المسألة وهي:

    متى يكون من حقك أن تضيف على رأس المال الأصلي أو تسقط منه؟ فأنت قد تشتري الصفقة بمائة ألف، ثم تبين أن هذه الصفقة بها عيب، فأسقط القاضي لك بسبب هذا العيب كأرش عشرين ألفاً، فأنت في الحقيقة اشتريت بمائة، ولكنك برد هذا الأرش إنما دفعت ثمانين، فهل تخبر بالمائة أو تخبر بالثمانين؟

    إذاً: هذه مسائل شرعية يبحثها الفقهاء، ومن عادتهم أنهم يرتبون المسائل المتجانسة والمتقاربة والتي تندرج تحت أصل واحد أو يجمعها قاسم مشترك.

    فكل هذه المباحث والمسائل التي ستأتينا، إنما هي حول الإخبار بالثمن، وما هو الواجب على المسلم إذا أراد أن ينصف المشتري في إخباره بالثمن، وما الذي تحسبه وما الذي تسقطه؟

    فالسيارة -مثلاً- إذا اشتريتها ربما حملتها إليك، أو الطعام إذا اشتريته تحملت تكاليف نقله إليك، فهل تحسب هذه التكاليف مع رأس المال أو لا تحسب؟ فهذه كلها مسائل تحتاج إلى نظر وبحث.

    فشروط خيار التخبير:

    أولاً: أن يخبر البائع المشتري برأس المال: فلا يقع هذا الخيار إذا بت لك البيع وقال لك: هذه العمارة أبيعها لك بمائة ألف، وحينئذٍ فإذا تبين أنه اشتراها بعشرة أو بخمسة أو بمائة، فليس من حقك أن تعترض عليه؛ لأنه لم يخبرك برأس المال، ولم يرتب أرباحه أو استحقاقه على رأس المال، إنما باعك بيع المسلم لأخيه على البت دون ذكر لرأس المال، فإذا اشتريت السلعة بقيمة ورضيت هذه القيمة لقاء السلعة ودفعتها برضاك واختيارك فإنه تلزمك هذه القيمة.

    قول المصنف: (متى بان) أي: إذا ثبت أنه قد اشترى بأقل، والإثبات إما بإقرار البائع، كأن يأتي ويقول للقاضي: نعم أنا اشتريتها بثمانين وأخطأت حينما قلت له: بمائة، والإقرار سيد الأدلة كما يقول العلماء؛ لأنه شهادة من الإنسان على نفسه، والأصل أن الإنسان لا يشهد على نفسه بالضرر.

    وإما أن يثبت بشاهدين عدلين، كما إذا باعك رجل عمارة بمائة ألف، وقال لك: إنه اشتراها بثمانين ألفاً، فأربحته فيها عشرين، ثم تبين أنه اشتراها بخمسين ألفاً، فأقمت شاهدين عدلين على أنه اشتراها بخمسين ألفاً، فحينئذٍ يثبت القاضي الخيار لك.

    فتبين أن الإثبات إما إقرار وإما بشاهدين عدلين، وقد يتوفر شاهد واحد فتتم البينة بيمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين في الحقوق المالية.

    مثال ذلك: لو اشتريت من رجل عمارة أخبرك أنه اشتراها بمائة ألف، فأربحته العشر، ودفعت له مائة وعشرة، ثم تبين لك أنه اشتراها بثمانين، فجئت عند القاضي وقلت: إن فلاناً أخبرني أنه اشتراها بمائة ألف، فسأله القاضي قال: نعم أخبرته أنها بمائة ألف، قال: وما الذي تدعي؟ قال المشتري: بل اشتراها بثمانين، فسأله القاضي: هل اشتريتها بثمانين؟ فأنكر وقال: بل اشتريتها بمائة، فقال لك القاضي: أثبت، فأتيت بالبائع الأول الذي باعه وشهد أنه قد باع إليه بثمانين، حينئذٍ تستحق إذا حلفت مع هذا الشاهد يميناً فإن الحقوق المالية تثبت بالشاهد مع اليمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين.

    إذاً: قضية (متى بان) تحتاج إلى إثبات إما بإقرار البائع وهذا في حالة الورع، كشخص يبيعك شيئاً، ثم يتبين أنه أخطأ فجاء وقال لك: نعم. أنا أعترف أنني قد أخطأت في القيمة التي ذكرتها لك.

    أو بشاهدين عدلين، أو بشاهد ويمين، أو امرأتان تشهدان بأنه باع بهذه القيمة ويمين، أو أربع نسوة يشهدن بهذه القيمة التي ذكرت.

    بناءً على هذا: فمتى بان أنه اشترى بأقل أو أكثر: بأقل كما ذكرنا في المائة والثمانين، أو أكثر، كأن يكون في حال الخطأ، إذا أخطأ البائع وقال: إنه اشتراها بثمانين، فلما رجع إلى حسابه وجد أنه اشتراها بمائة، كما إذا قال لك: هذه العمارة أبيعها لك بمائة ألف، رأس مالي فيها ثمانون، قلت له: اشتريتها منك على أني أربحك عشرين، وهي ربع الثمانين، ثم تبين أنه أخطأ في تقديره وحسابه، وهذا أيضاً على وجه يعذر فيه، وهذا مما يثبت الخيار له.

    1.   

    البيوع التي يثبت فيها خيار التخبير بالثمن

    يقول رحمه الله: [ويثبت في التولية]:

    أي: هذا النوع من الخيار يثبت في التولية.

    والتولية: يقال: ولاه الشيء إذا أسند إليه أمره، والمراد بالتولية، أن يقول له: هذه العمارة أو هذه السيارة اشتريتها بكذا والأمر إليك، والعامة اليوم يقولون: رأس مالي كذا والنظر لك، أي: أنت الذي تبت في الأمر، فولى البائع المشتري النظر، فإذا أخبره برأس المال وولاه النظر، فحينئذٍ يكون هذا البيع تولية.

    قال رحمه الله: [والشركة]:

    المصنف هنا يريد أن يثبت محل الخيار، وهذا النوع من الخيار في الأصل لا يقع إلا إذا أخبرك برأس المال، ورأس المال يخبر به في بيع التولية، وفي بيع الشركة، وبيع الشركة: كأن يقول لك: اشتريت أرضاً بمائة ألف، هل تدخل معي شريكاً بالنصف؟ أو اشتريتها بمائتين شاركني في النصف.. شاركني في الربع.. وقس على هذا، فيذكر لك رأس المال، ويدخلك شريكاً فيه.

    قال رحمه الله: [والمرابحة]:

    المرابحة مفاعلة من الربح، والربح أصله النماء والزيادة، وقوله: (المرابحة) هذا النوع من البيوع حقيقته أن تشتري الصفقة وبعد أن تثبت ملكيتك على الصفة تعرضها للبيع، فتقول: رأس مالي فيها مائة، كم تربحني؟ فهذا بيع المرابحة الذي تكلم عليه العلماء وسموه بهذا الاسم وبينوا أحكامه وفصلوا ما يتعلق به من المسائل.

    أما ما يسمى اليوم ببيع المرابحة في المعاملة الموجودة والشائعة في بعض المؤسسات، من كونه يأتي إلى الشركة أو إلى المؤسسة أو إلى المصرف ويقول له: اشتر لي سيارة من نوع كذا، أو السيارة من فلان، وقسطها عليَّ، وفي بعض الأحيان يذهب العميل ويحضر فواتير السلعة التي يرغب في شرائها، ثم يدفعها إلى البنك، فيقوم البنك بدراستها ثم يشتريها ويبيعها بالأجل على الذي يرغبها من العملاء، فهذا النوع من البيوع لا يعتبر مرابحة وليس في حكم المرابحة أصلاً؛ لأن المرابحة التي تكلم العلماء عليها، تكون في سلعة مملوكة وتحت يد البائع من حيث الأصل، أما هذا النوع من البيوع في العصر الحديث أو الموجود في زماننا هذا، لم يشتر البنك أو المصرف إلا بعد دلالة العميل، فالبنك لا يريد لنفسه، وإنما يريد أن يأخذ زيادة على غرم المال الذي دفعه، فبدل أن يعطي العميل مائة ألف على أن يردها مائة وعشرين، أدخل السلعة حيلة على الزيادة والنماء، ولذلك يعتبر من الربا.

    وجه ذلك: أن الشريعة لا تلتفت إلى صورة العقد المفضي إلى الربا، ودليل ذلك بيع العينة، فإنك لو جئت إلى بيع العينة: وهي أن تشتري سيارة بمائة ألف، وهذه السيارة التي اشتريتها بمائة ألف اشتريتها مقسطة على عشرة أشهر -مثلاً- كل شهر تدفع فيه عشرة آلاف، فإذا اشتريت السيارة بمائة ألف، وقال الذي باعك: أنا أشتريها منك نقداً بثمانين، آل الأمر إلى أنه أعطاك الثمانين نقداً بالمائة إلى أجل.

    فلو جئت تتأمل بيع العينة الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت صورة البيعين صحيحة، أعني أنه حينما تكون السيارة إلى نهاية السنة تجد أن قيمتها في السوق مائة ألف، فحينما تنظر إلى قيمتها في السوق مائة ألف، فالشريعة لا إشكال أنها تصحح عقداً إلى نهاية السنة على هذه الصورة بمائة ألف.

    وأيضاً لو جئت تسأل عن هذه السيارة بالنقد وجدتها بثمانين، فكلا البيعين ليس فيه شبهة من حيث الصورة والشكل، ولذلك فالعلماء لا يعتبرون هذا النوع من البيوع -الذي هو بيع العينة- رباً محضا،ً وإنما يعتبرونه ذريعة إلى الربا، وبيع الذريعة صورته شرعية ولكن حقيقته ومآله إلى المحرم، فأنت إذا تأملت تعيين المشتري للصفقة واختياره لها، بل وأخذه حتى لفواتيرها وذهابه إلى المصرف كأنه يقول للمصرف: أرد لك هذه المائة ألف بزيادة، غير أن المصرف حتى يضمن أن المال ذهب في مكانه أعطاه لصاحب السلعة، بدل أن يعطيه بيده أعطاه إلى صاحب السلعة.

    وأعجب من هذا وأغرب أن يكون هناك اتفاق بين المصرف والمؤسسة أنه إذا رجع الزبون أنه ترد له سلعته، فإذا رجع وغير رأيه ردوا السلعة إليه.

    فإذاً: لا إشكال أن هذا النوع أولاً ليس بمرابحة حقيقة؛ لأن المرابحة يملك فيها السلعة ويحوزها وحينئذٍ تكون يده يد ملكية، فإذا جاء يشتري إلى أجل فالبيع إلى أجل متمحض وليس فيه أي شبهة؛ لكن في بيع الصورة المحرمة التي ذكرناها لم يشتر البنك ولم يشتر المصرف إلا بإيعاز من العميل، وبدل أن يأخذ العميل المال الذي هو المائة ألف نقداً ويردها مائة وعشرة، لأنه الربا المحض، أدخلا الصفقة احتيالاً على هذا المحرم.

    ومن هنا كان ابن عباس رضي الله عنه يرى أن تحريم بيع الطعام قبل قبضه بشبهة الربا؛ لأنه إذا اشترى الطعام بمائة ألف حاضرة، ودفع المائة ألف، ولم يقبضه ولم يأخذه ثم باعه في نفس المكان إلى شخص آخر، كأنه يدفع المائة ويأخذ مائة وعشرة، وهذا كله من العلماء إلغاء للصورة ورجوع إلى الحقيقة؛ فلما كانت الصورة صورة بيع، ولكن في الحقيقة أن البنك لم يأخذ السلعة له ولم يردها له، وإنما أخذها بإيعاز من المشتري وطلب منه، ولا إشكال أن هذا من باب دفع المال بالزيادة، إلا أنه بدل أن يعطيه للمشتري وللعميل، قام بإعطاء الطرف الثاني وهو صاحب السلعة المرغوب في شرائها.

    قال رحمه الله: [والمواضعة]:

    المواضعة مفاعلة من الوضع، والوضع الطرح، ولذلك يسمى هذا النوع من البيع (بيع الحطيطة)، يقال: حط من الثمن إذا انتقص منه، والمواضعة عكس المرابحة كأن يقول لك: اشتريتها بمائة ألف أضع عنك الربع، بمعنى أنني أبيعها لك بخمسة وسبعين، أو اشتريتها بمائة أضع عنك خمسها، أي: أبيعها لك بثمانين، وقس على هذا.

    قال رحمه الله: [ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال]:

    أي: من اللازم في هذه البيوعات كلها معرفة المشتري لرأس المال؛ لأنه لا يستطيع أن يطالب بحقه الذي ظلم فيه في هذا البيع إلا إذا علم أن البائع قد اشترى بأقل، فإذا ثبت عنده أو أثبت عند القاضي أن البائع اشترى بأقل، حق له الخيار، وحينئذٍ يثبت له أن يطالب بالصفة التي سيبينها المصنف رحمه الله.

    صور يثبت فيها خيار التخبير بالثمن

    قال رحمه الله: [وإن اشترى بثمن مؤجل، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن، فلمشتر الخيار بين الإمساك والرد]:

    قوله رحمه الله: [وإن اشترى بثمن مؤجل]:

    أي: بأن اشترى البائع السلعة بثمن إلى أجل، وجئت تشتري منه فأخبرك بالثمن، ولم يقل لك: مؤجلاً.

    وذلك لأن القيمة المعجلة ليست كالقيمة المؤجلة، فمثلاً: أنت جئت تريد أن تشتري منه العمارة، قال لك: هذه العمارة اشتريتها بمائتي ألف، وقيمتها في الحقيقة مائة ألف، لكنه اشتراها بمائتي ألف مقسطة، ومن المعلوم أن بيع التقسيط أغلى من بيع النقد، فلما قال: اشتريتها بمائتي ألف وسكت فإن سكوته يقتضي أنه اشترى بالنقد؛ لأن الأصل في البيوعات أن تكون نقداً، فإذا قال لك: اشتريتها بمائتي ألف، وأبيعها بمائة ألف، الذي هو بيع المواضعة، أضع لك نصف القيمة، فحينئذٍ يكون قد ظلمك، وذلك يوهمك أنه قد حط عنك مائة ألف، وهو في الحقيقة لم يحط عنك هذا المبلغ وإنما حط عنك نصفه، وهو خمسون ألفاً، وعلى هذا فإذا قال لك: اشتريتها بمائتي ألف أو بأربعمائة ألف وهو اشتراها بثمنٍ مؤجل فإنه يكون من حقك الخيار؛ لأنه ختلك بذكر القيمة مطلقة، وهي منصرفة إلى النقد، وحقيقة البيع الذي ابتاع به أنه إلى أجل.

    وقوله: [أو ممن لا تقبل شهادته له]:

    كأن اشترى العمارة ممن لا تصح شهادته له؛ لأن هناك مستثنيات من الشهادة لا يقبل فيها الشاهد ولو كان عدلاً، وهذا مبني على التهمة، ومن هذه الشهادات شهادة الأصل للفرع والفرع للأصل، فلو قال لك: اشتريتها بمائة ألف، وكان قد اشتراها من أبيه، أو اشتراها من ابنه، فحينئذٍ لا يوثق بهذا الخبر ولا يوثق بشهادة الابن لأبيه ولا بشهادة الأب لابنه.

    والسبب في هذا: أن شهادة الابن لأبيه وشهادة الأب لابنه فيها إجماع على عدم القبول عند المتأخرين من العلماء رحمهم الله، لكنَّ أهل العلم لما أجمعوا على عدم قبول شهادة الابن لأبيه والأب لابنه اختلفوا في سبب منع هذه الشهادة، فبعض أهل العلم يقول: هذه الشهادة في أصل الشرع غير مقبولة، وعلل ذلك ودلل له بدليل من السنة ودليل من النظر، أما دليله من السنة فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيحين-: (إنما فاطمة بضعة مني) فقوله: (بضعة) أي: قطعة وبضعة الشيء قطعة منه، وإذا كانت فاطمة رضي الله عنها قطعة من أبيها، فمعناه أن الابن والولد قطعة من والده، فإذا كان الولد قطعة من والده، فإذا شهد له فكأنما يشهد لنفسه، والعكس إذا شهد الوالد لولده كأنه يشهد لنفسه، ومن هنا لم تقبل شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده.

    ثم أيضاً هناك دليل ثانٍ وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) وهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقوله: (وإن أولادكم من كسبكم) جعل فيه الولد من كسب والده وكأنه راجع إليه، فإذا شهد له كان بمثابة الشاهد لنفسه.

    أيضاً هناك دليل من النظر: وهو أن الولد والوالد كل منهما تغلبه عاطفة القرابة، والشهادة إنما قبلت من صاحبها لغلبة الظن بالصدق، وإذا غلب على الظن خلاف الصدق، واتهم الشاهد، كان موجباً للرد، ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الحاكم وصححه غير واحد من العلماء: (لا تقبل شهادة خصم ولا ضنين)، و(الضنين): المتهم، كقوله تعالى: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] أي: متهم.

    فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقبل شهادة خصم ولا ضنين) دل على أن الشهادة في الرد مبناة على التهم، فإذا شهد الوالد لولده والولد لوالده، فإنه هنا تهمة قوية، ولذلك قالوا: إن هذه الشهادة من حيث الأصل لا تقبل.

    وبعض العلماء يقول: شهادة الوالد لولده والولد لوالده في الأصل كانت مقبولة، ولكن نظراً لاختلاف الزمان وتغير الزمان تغيرت الفتوى، فكان السلف يقبلونها ثم ردت، وهذا يروى عن الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، إمام السنة في زمانه رحمه الله، يقول: إن السلف كانوا يقبلون شهادة الولد لوالده، والوالد لولده، وقصة علي رضي الله عنه كانت أصلاً عندهم، وهي ترد هذا الذي ذكره الإمام الزهري رحمه الله، وتقوي القول الأول، خاصة وأن السنة تقوي أن الولد من والده.

    وسواء قلنا: إنها مردودة بالشرع وهو الصحيح، أو قلنا: إنها مردودة بالإجماع وهو المرجوح، فالمهم أنها لا تقبل لا شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده.

    لكن لو شهد الولد على والده، أو شهد الوالد على ولده، فحينئذٍ تكون الشهادة مقبولة؛ لأن هذا لا يكون إلا عن حمية للدين وصدق، خاصة إذا عرف الولد بالصدق والأمانة والعدالة، وكذلك الوالد، فإن المسلم الصادق لا تأخذه في الله لومة لائم، ومن كمال الإيمان أن يكون الإنسان قائماً بالقسط، فيشهد ولو على أقرب الناس إليه.

    فبناءً على هذا: شهادة الولد لوالده، والوالد لولده فيها تهمة، فلو أنه أخبرك بالثمن واشترى ممن لا تقبل شهادته له، فحينئذٍ يكون لك الخيار.

    والسبب أننا لا نستطيع أن نتوصل إلى حقيقة القيمة، لوجود الشبهة في صدقه فيما قال وفيما أخبر به، ولذلك يعتبر من موجبات الخيار على الوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله.

    قال رحمه الله: [أو بأكثر من ثمنه حيلة]:

    أي: أو اشترى بأكثر من ثمنه حيلة.

    رحمة الله على العلماء، إن من لذة الفقه أنك قد تقرأ المسائل هكذا فتشعر بالسآمة والملل، لكن إذا أردت أن تبحث عن العلل والأسباب وجدت أنهم يرتبون هذه العلل ترتيباً دقيقاً، فهم يبحثون عن شيء يوجب الخيار، وتحصل به التهمة، ويبحثون عن إنصاف المشتري من البائع، وأيضاً إنصاف البائع من المشتري؛ لأن البائع ما جاءك إلا للعدل، ولا بنيت هذه الشريعة إلا على العدل: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:115] فالله عز وجل حكم بهذه الشريعة للعدل.

    فالمسألة عندنا هنا يكون فيها صدق في الظاهر وحيلة في الباطن، ولما ذكر المصنف رحمه الله القاعدة: (أن يشتري بأكثر حيلة)، ذكر ضابطاً، وهذا له صور وله أمثلة، لكن من أشهرها أن يأتي رجل إلى شخص يحبه كأخيه وقريبه، أو ابن عمه، أو ابن خاله، ويقول له: أشتري منك عمارتك هذه بمائة ألف، والعمارة في الحقيقة تستحق ثمانين ألفاً، وهو يضع في ذهنه أنه سيبيعها مرابحة ولكنه يحتال على المرابحة فيخبر بصدقٍ حقيقتهُ الخداع والغش، فيأتي إلى هذا القريب ويقول له: ما رأيك يا فلان! لو تبيعني عمارتك بمائة ألف، والعمارة قيمتها ثمانون ألفاً، وبطبيعة الحال قد يعلم أن القريب يريد أن يبيع أو لا يريد أن يبيع، لكن القريب بمجرد أن يعلم هذا السعر المغري سيوافق، فاشترى منه العمارة بمائة ألف، هذه العمارة وضعها في الحسبان أنه سيبيعها مرابحة، فجاءه المشتري وقال له: بكم اشتريت هذه العمارة؟ قال: رأس مالي فيها مائة ألف، فهو صادق ولم يكذب؛ لكنه في الحقيقة ختل المشتري وخدعه، وفي الحقيقة كان يبني على ما يرجوه من الزيادة والنماء على طريقة كسب مودة القريب، وأيضاً كسب الربح من الغريب، فهو ينفع القريب بالزيادة التي سيعطيها، وأيضاً ينتفع من الغريب بما يخبره وهو صادق في الظاهر، ولكنه غشاش أو كذاب في الحقيقة؛ لأنه لا يريد أن يخبره أن قيمة السلعة ثمانون ألفاً، ولكنه زاد العشرين من أجل أن يكسب نماء المرابحة، ويثبت هذا عند القاضي بالقرائن.

    وهذه الصورة مشكلة، فإذا أقر على نفسه فلا إشكال؛ لأن هذا يوجب الخيار، فلو جاء عند القاضي وتاب إلى الله عز وجل، وقال: نعم أنا اشتريت من أخي هذه العمارة، أو اشتريتها من ابن عمي وأعطيته مائة ألف، وأنا أريد أن أبيعها على فلان مرابحة بمائة وخمسين، حينئذٍ إذا ثبت عند القاضي هذا أثبت به الخيار، لكن لو أنه أنكر، وامتنع أن يثبت أنه قصد ختل المشتري فحينئذٍ يصعب على المشتري أن يثبت ذلك؛ لكن يثبت بالقرائن، فيسأل أهل الخبرة، فإذا سأل أهل الخبرة ووجد أن قيمة هذه العمارة في الحقيقة خمسون ألفاً، ووجد أنه اشتراها من قريبه بسبعين ألفاً، أو بثمانين أو بمائة، عند ذلك نعلم أن هناك محاباة وأن هناك قصداً بإدخال النفع إلى القريب، فمن حق القاضي أن يثبت الخيار بشهادة أهل الخبرة في مثل هذا.

    قال رحمه الله: [أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن]:

    وهذه كلها صور عجيبة جداً تبين كيف كان العلماء رحمهم الله يعيشون حال الناس ويدخلون إلى أسواقهم، بحيث يدققون في كيفية خداع البائع للمشتري، فهذه الصورة تستغرب كيف استطاع البائع أن يختل المشتري ويخدعه بذكر قسط الثمن الذي فيه غرر في بيع المرابحة.

    صورة المسألة: أن يشتري ثلاثة أشياء والمسألة هذه لا تقع إلا في أشياء متعددة، كأن يشتري سيارتين، أو عمارتين، أو قطعتين من الأرض، ويبيع إحدى القطعتين ويخبر المشتري على أنها نسبة من أصل البيع، فيجعل المرابحة على أصل الثمن.

    فمثلاً: اشترى ثلاث سيارات: السيارة الأولى قيمتها أربعون، والسيارة الثانية قيمتها عشرون، والسيارة الثالثة قيمتها ثلاثون، أصبحت القيمة تسعين ألفاً، فيقول: رأس مالي في هذه السيارات الثلاث تسعون ألفاً، ويبيع إحدى السيارات التي هي -مثلاً- بعشرين، بربح، فإذا جاء المشتري وضع في حسبانه أن الباقي يعادل الثلثين، وأن السيارة التي بيعت بيعت على أنها بثلاثين، وحظها من أصل القيمة ثلاثون، فباعها بالربح ثم أخذ أيضاً فضل الربح فيما بقي.

    صورة ثانية: اشترى ثلاث قطع من الأراضي، فلو فرضنا أنه اشتراها بستين ألفاً، وكانت قيمة القطعة الأولى: أربعين ألفاً، والقطعة الثانية: عشرة، والقطعة الثالثة: عشرة ثم يبيع الأغلى والأنفس والتي قيمتها أربعون، وتبقى له قطعتان قيمتهما عشرون ألفاً، فيأتي ويقول: هذه الصفقة قيمتها ستون ألفاً بعت منها قطعة، كم تربحني في القطعتين؟

    فيتوهم المشتري أن القطعتين الباقيتين قيمتهما الأساسية أربعون ألفاً..

    نمثل بالسيارات: لو أنه اشترى ثلاث سيارات، السيارة الأولى: بأربعين ألفاً، والسيارة الثانية: بعشرين ألفاً، والسيارة الثالثة: بعشرين ألفاً، أصبحت الصفقة كلها ثمانين ألفاً، فيقوم ويبيع السيارة التي هي بأربعين وتبقى السيارتان اللتان قيمتهما في أصل الصفقة أربعون ألفاً، لكن إذا قسمت الثمانين على الثلاث يكون حظهما الذي هو قيمة الثلثين فوق الحقيقة التي هي أربعون ألفاً، فيبيعه زائداً عن القيمة التي اشترى بها، ففي الظاهر اشترى بثمانين ألفاً وهذا صحيح ليس فيه كذب ولا غش، ولكنه في حقيقة الأمر قد ختله بالقيمة التي ذكر.

    إذاً: لو سألك سائل: متى يقع الغرر في هذا النوع من الصفقات؟

    تقول: بشرط أن تكون قيم الأشياء مختلفة، فلو كانت قيمتها واحدة لم يقع الغبن؛ لأنه سيبقى حظ القطعة الحقيقي من رأس المال، ولا يقع الغبن إلا إذا اختلفت قيمتها فباع بقسطها ثم يبيع الباقي بالنسبة، فحينئذٍ يكون ضامناً للمشتري من هذا الوجه.

    قال رحمه الله: [ولم يبين ذلك في تخبيره] أي: لم يقل له: إن هذه السيارات الثلاث إحداها جيدة وقيمتها أغلى من الثلث، أو يقول له: إن هذه القطع الثلاث مختلفة فبعضها أفضل من بعض، وقد اشتريت بعضها بقيمة كذا، فإذا أخبره بحقيقة الأمر زال الإشكال.

    قال رحمه الله: [فلمشترٍ الخيار بين الإمساك والرد]:

    نعم، يخير بين أن يمسك وأن يرد، وإذا أمسك وطلب الأرش كان له ذلك.

    1.   

    ما يلحق برأس المال ويخبر به وما لا يلحق

    قال رحمه الله: [وما يزاد في ثمن، أو يحط منه في مدة خيار، أو يؤخذ أرشاً لعيب، أو جناية عليه، يلحق برأس ماله ويخبر به]:

    قوله: رحمه الله:[وما يزاد في ثمن]:

    أي: في مدة الخيار، وهذا يقع في خيار المجلس، وقد يقع في خيار الشرط، لكنه يقع في خيار المجلس وجهاً واحداً من جهة أن من حق المشتري أن يرجع، وذلك أنه إذا اتفق معه على أن القيمة الأولى لا تكفي فرضي أن يزيد فلا إشكال.

    صورة المسألة: كنت مع رجل فقال لك: عندي عمارة أبيعها لك بمائة ألف، فوصف لك العمارة وصفاً كاملاً، أو قال لك: عمارتي التي تعرفها في المكان الفلاني أو في الشارع الفلاني، أبيعها بمائة ألف، فقلت له: قبلت -وقد بينّا فيما مضى أنه ما دام البائع والمشتري في مجلس واحد، فهما بالخيار -ففي أثناء المجلس قال لك: رجعت عن المائة ألف أريد عشرين زيادة، فإما أن تعطيني عشرين أو فسخت، فقلت له: هذه عشرون، أو من باب حثه على أن يمضي البيع، قلت له: رضيت أن أزيدك عشرين ألفاً.

    فهذه الزيادة التي طرأت على أصل العقد، قد يخبر البائع الثاني المشتري بالقيمة المحصلة فيقول: هذه العمارة اشتريتها بمائة وعشرين، وهو في الحقيقة اشتراها بمائة، والعشرون قد زادها في مجلس العقد، وهذه العشرون التي زادها فيها شبهة، فربما زادها بسبب ضغط البائع لعلمه بجهل هذا المشتري، فحينئذٍ ينبغي أن يخبر بحقيقة هذه العشرين، فيقول: أنا اشتريت بمائة، وكنا في مجلس العقد فألزمني بعشرين، فرضيت بها، فهذا الرضا يحتمل أني أنا رضيت من باب أنني أرغب في هذه العمارة لمصلحتي الخاصة، وربما أنني أرغبها لشيء في ذلك الزمن، فزدت العشرين لا لمصلحة البيع، وليس من أجل البيع. وذلك حتى يكون من حق المشتري الثاني النظر فإن شاء اعتبر القيمة على وجهها، وإن شاء نكص وامتنع من الشراء.

    إذاً: إذا زاده وهو في حال الخيار في القيمة أو انتقص منها، كان من حق المشتري أن يعلم بذلك ويجب على البائع أن يعلمه بذلك.

    قوله رحمه الله: [أو يحط منه في مدة خيار، أو يؤخذ أرشاً لعيب]:

    [أو يؤخذ أرشاً لعيب]: لو أنه اشترى العمارة بمائة ألف، وجاء وقال لك: هذه العمارة رأس مالي فيها مائة ألف، وهو صادق أن العمارة بيعت بمائة ألف؛ ولكنه في الحقيقة وجد في العمارة عيباً، وهذا العيب يحط من المائة عشرين، فلو قال لك: أنا اشتريتها بمائة ألف فهو صادق أنه اشتراها بمائة ألف، ولكن العيب الذي وجد في العمارة حط الثمن إلى ثمانين، فيجب أن يخبرك أن هناك عيباً أخذ به أرشاً وهي العشرون، لكي تصبح الحقيقة أنه اشترى بثمانين، فلو قال لك: اشتريت بمائة وسكت عن الأرش، وثبت ذلك عند القاضي، فإن هذا يثبت الخيار للمشتري.

    قال رحمه الله: [أو جناية عليه]:

    أي: جناية على المبيع، فإن المبيع إذا جني عليه خاصة إذا كان في مدة الخيار فإنه ينقص من القيمة، فمثلاً: اشترى سيارة بمائة ألف، فصدمها شخص وهي واقفة، ولما صدمها ضمن التلف الذي أحدثه فيها، فأعطى صاحبها أرشاً، فأخذها وأصلحها ثم قال: هذه السيارة رأس مالي فيها كذا، أو جاء بها بوضعها الراهن، وهي مصدومة، وقال لك: هذه السيارة اشتريتها بمائة ألف، فهو صادق أنه اشتراها بمائة ألف، لكن هذا العيب الموجود فيها، والذي طرأ فأنقص القيمة وكان فيها الأرش، فكأن السيارة اشتريت بمائة ألف، والأرش قيمته عشرون ألفاً، فمعناه أنه تكلف في السيارة ثمانون ألفاً، وأن القيمة الحقيقية لهذه السيارة بعد الأرش إنما هي الثمانون.

    وبناءً على ذلك: فكأن أحكام هذا النوع من الخيارات تدور حول مسألة الحقيقة، وأنه لا يجوز أن يستفضل البائع عن طريق المرابحة أو طريق التولية أو طريق المواضعة شيئاً زائداً عن حقه، وكل المراد أن يصل هذا إلى حقه، وكما قررنا في الأول، أنها قائمة على العدل، بحيث يأخذ البائع حقه والمشتري حقه.

    قال رحمه الله: [يلحق برأس ماله ويخبر به]:

    أي: يلحق برأس ماله ويقول: نعم أنا اشتريت هذه السيارة بمائة ألف، ووجدت فيها عيباً فرد لي القاضي أرشاً لقاء هذا العيب عشرين ألفاً، أو رد لي أرشاً لقاء هذا العيب عشرة آلاف، وقس على هذا.

    قال رحمه الله: [وإن كان بعد لزوم البيع لم يلحق به]:

    لأنه بعد لزوم البيع من ضمان المشتري إنما يكون في مدة الخيار، ويقع هذا كما ذكرنا في خيار الشرط على أصح الأوجه فإذا قال: إذا قال: لي الخيار ثلاثة أيام، ثم وقع حادث سيارة بالنقص خلال الثلاثة أيام، فلا بد من العلم بالنقص، وفي ظاهر هذه العبارة أنه لو طرأ النقص بعد العقد أو بعد تمام العقد أنه لا يخبر، مع أن هناك صوراً ينبغي فيها الإخبار والتي تسمى بصور الزيادة وصور النقص، ففي بعض هذه الصور يجب عليه أن يخبر.

    من أمثلة ذلك: لو اشترى دابة وهي سمينة بمائة، ثم أخذها فاعتلت وتغيرت وجاءها النقص من جهة مرض أو من جهة سوء تدبير، أما الأصل أن قيمتها مائة، فإذا جاء وقال: رأس مالي فيها مائة، فرأس ماله فيها بمائة حينما كانت كاملة صحيحة، لكن هذا النقص ولو كان طارئاً بعد لزوم البيع، فينبغي أن يخبر به، وأن يقول: هذا النقص طرأ عنده.

    وأشار في الشرح أنه ليس هناك خلاف بين أهل العلم رحمهم الله أنه ينبغي أن يخبر في هذه الحالة، كنقص الأمراض ونقص العيوب التي تطرأ بعد لزوم البيع، ولا يجوز له في هذه الحالة أن يسند الثمن الأصلي إلى الأول دون أن يكشف حقيقة الأمر؛ لأنه بعد وجود هذا العيب، الصفقة في حقيقتها تستحق ما دون رأس المال المذكور، فلو قال له: أنا اشتريت هذه الدابة بمائة، فقد ظلمه؛ لأنه اشتراها كاملة وهي في حالها حين البيع الثاني ناقصة، فيكون فيه ختل للمشتري الثاني، فيجب عليه أن يخبره.

    كذلك مما يلتحق بهذا ما ذكره بعض العلماء: وهي الزيادة المنفصلة، كأن يشتري ناقة عشراء، بمائة، وتلد بعد ذلك، فيأتي المشتري ويقول: كم رأس مالك؟ فيقول: مائة، وهو صادق أنه اشتراها بمائة؛ لكنه اشتراها بمائة وهي حامل، فمثل هذا يشدد فيه طائفة من العلماء ويقولون: يجب عليه أن يبينه على حقيقته، حتى لا يختل المشتري بثمن زائد عن استحقاق السلعة.

    قال رحمه الله: [وإن أخبر بالحال فحسن]:

    هذا بالنسبة لمسألة الزيادة التي تطرأ بعد لزوم البيع؛ ومن أمثلة الاستحقاقات التي تكون بعد لزوم البيع: أن تكون الزيادة لقاء كلفة ومشقة، مثل أن يقول: بكم هذه السلعة من الطعام؟ قال: بمائة، قال: أريد أن تصل إلى بيتي، فيقول: فلان يحملها لك بعشرة، فتم البيع على مائة، ويكون عقد الإجارة بعد لزوم البيع، فهو ليس راجعاً إلى البيع وليس بأساس البيع، فحينئذٍ يخبر ويقول: هذه السلعة اشتريتها بمائة، ولكنها كلفتني مائة وعشرة، فإني جلبتها إلى مخازني أو حفظتها في مخازني فكلفني هذا عشرة آلاف، فأصبح رأس مالي فيها من القيمة ورأس مالي فيها من التعب والعناء مائة وعشرة.

    1.   

    الأسئلة

    يمين القضاء ومستندها

    السؤال: مر معنا أن المشتري إذا ادعى عند القاضي أن البائع اشترى السلعة بأقل مما ذكر له، فأقام المشتري شاهداً واحداً وهو البائع الأول مع يمينه أنه يستحق الخيار، والسؤال: ما هو المستند الذي يستند إليه المشتري حتى يحلف على ذلك؟ أثابكم الله.

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    هذه المسألة وهذا السؤال يرجع إلى قضية الحلف بيمين القضاء، ويمين القضاء هي من أعظم الأيمان التي شدد الشرع فيها، والسبب في هذا: أنها تقتطع بها الحقوق، وهي أيمان عظيمة، ومن حلف يميناً في القضاء كاذباً، لقي الله وهو عليه غضبان، ومن حلف يميناً ليقتطع بها مال امرئ مسلم لم يزده الله بها إلا فقراً وضيعاً، فهي يمين غموس تغمس صاحبها في النار، وهي اليمين التي تسمى بيمين الصبر، وقد جاء في قصة الكندي والحضرمي لما اختصما في البئر وارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس لك إلا يمينه قال: يا رسول الله! الرجل فاجر يحلف ولا يبالي، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس لك إلا يمينه، فقال: يا رسول الله! الرجل فاجر يحلف ولا يبالي، قال: من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم وهو كاذب لقي الله وهو عليه غضبان) نسأل الله السلامة والعافية!

    ومن لقي الله وهو عليه غضبان فقد هوى، قال تعالى: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه:81] فمن أعظم ما يكون أن يجرؤ على أن يحلف بالله في القضاء على أن هذا حقيقته كذا، وعلى أن هذا الأمر صورته كذا، والواقع أنه كاذب، أو يحلف إذا قيل له: احلف على أنك ما فعلت، فحلف.

    وكانوا يقولون: إن من السنن التي وجدوها بالاستقراء والتتبع، أن من حلف يمين القضاء لا يمر عليه الحول وهو بخير، نسأل الله السلامة والعافية!!

    فإن كان صاحب التجارة فإن الله يمحق البركة من تجارته، وقد يبتليه الله في عافيته، وقد يبتليه الله سبحانه وتعالى في ماله، ومما كان يحدث به كبار السن أن من أغضب الله عز وجل في شيء ظهرت السنن والدلائل على أن الله يؤاخذه ببلاء، وهذا مما يزجر الناس ويمنع الناس؛ لأن السيئة تسيء إلى صاحبها في الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية! فكانوا يقولون: من يحلف اليمين الفاجرة متعمداً، أي: وهو يعلم أنه كاذب فيها، فالغالب أنه لا يسلم.

    ومن أشدها أيمان القسامة التي تكون على الدم، وأصل الأيمان في القسامة أنهم لما حلفوا في الجاهلية في قصة الرجل الذي قتل بمكة، فجاء أولياؤه إلى عبد المطلب وطالبوه، فقسم الأيمان على خمسين من أقرباء المدعى عليه أنه قاتل، فكان منها يمين يتعلق بيتيم، فجاء وليه ودفع حظه من الدية، ثم حلف التسعة والأربعون أيمانهم، وكان الرجل هو القاتل، وكانوا يعلمون أنه قاتل، فحلفوا اليمين الفاجرة، فما مر عليهم الحول وفيهم عين تطرف، وهذا ذكره العلماء رحمهم الله في سبب مشروعية القسامة، وهي من قضاء الجاهلية الذي أبقاه الإسلام، لما فيه من تعظيم الحرمات وزجر الناس عن الدماء والاعتداء على الحقوق.

    الشاهد: يبقى الإشكال الآن إذا كنا في مسألة المرابحة نقول: إنه يحلف المشتري مع شاهده الذي يقيمه، أي: على أي شيء يستند في حلفه؟ فإن كان قد اطلع بنفسه ورأى الصفقة وتذكرها أو تذكر أنه حضر وأن هذه الصفقة التي كانت في المجلس الفلاني بين فلان وفلان هي على عمارته التي اشتراها الآن، فتذكر ذلك، فهذا يسمونه الحلف على العلم واليقين، أن تحلف على علم ويقين، وبالإجماع يجوز لك هذا الحلف.

    النوع الثاني: الحلف على غالب الظن، والحلف على غالب الظن، للعلماء فيه قولان: والمذهب الصحيح أنه يجوز لك أن تحلف على غالب ظنك، فإذا وجدت قرائن ودلائل أو وجدت وثائق كتابية لم يقتنع بها القاضي، وأنت على غالب الظن مقتنع بها، وتعرف خط الرجل أو أخذتها من خزينة الرجل، أو أخذتها من يد الرجل، أو اطلعت على ذلك عن طريق قرائن ممن يعلم معه، ولا يستطيعون أن يشهدوا مخافة منه، وشهدوا عندك وأنت تعلم أنهم صادقون، هذه كلها قرائن تقوي غلبة ظنك بصدقهم، فإذا غلب على ظنك هذا كان من حقك أن تحلف، والحلف على غالب الظن ليس بيمين غموس، ولذلك قال العلماء: لو أن رجلاً أعطاك ألف ريال ديناً ثم غلب على ظنك أنك رددتها، فقال لك: لم تردها، وأنت لا تستطيع أن تجزم، لكن غلب على ظنك أنك رددتها، فيجوز لك أن تحلف بالله إذا أنكر ذلك.

    وهكذا لو أنك ادعيت على رجل مالاً، أعطيته هذا المال ثم طالبته فادعى الرد، وأنت على غالب ظنك أنه لم يرد، فيجوز لك أن تحلف على أنك لم تستلم ولم تأخذ، إذا غلب على ظنك ذلك.

    الشاهد: أن اليمين التي يسأل عنها، يمكن أن يحلفها الخصم بناء على غالب الظن، وهذا على أصح قولي العلماء رحمهم الله، وينسب بعض العلماء إلى جمهور أهل العلم أن الحلف على غالب الظن لا بأس به وليس فيه حرج، ولكن الورع ألا يحلف إلا على مثل الشمس، فإذا أراد أن يسلم له دينه وأن يحفظ دينه وأن يبارك الله له في ماله، فلا يحلف إلا على شيء كالشمس، وإلا ترك وعوضه الله عز وجل خيراً مما فقد، والله تعالى أعلم.

    حكم الإجارة بجزء من العمل

    السؤال: من أراد أن يبيع أرضاً بمائة فقال له آخر: أبيعها لك بمائة وعشرين، وسأخبر المشتري أن صاحب الأرض يريد مائة وعشرين، وتم البيع فأعطى البائع مائة، وأخذ هو العشرين إلى جانب نسبته من المشتري، فهل هذا يصح، أثابكم الله؟

    الجواب: هذه المسألة فيها أكثر من سؤال:

    أولاً: بالنسبة للمالك الحقيقي للأرض إذا قال لك: بعها بمائة، فإنك تراعي حقوق إخوانك المسلمين، خاصة إذا وجدت أنهم يحتاجون إلى هذه الأراضي، أو أن الأشخاص الذين سيشترون منك أشخاص يعوزهم المال، فعليك أن تتقي الله، فهذا من النصيحة لعامة المسلمين.

    ولا ينبغي للإنسان أن يكون كثير الجشع كثير الطمع دون أن ينظر إلى حقوق إخوانه وحوائجهم، ولو فعل غيره به ذلك لما رضي بهذا، والمسلم يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، ويكره لإخوانه ما يكره لنفسه، فلا ينبغي له أن يبالغ بالأرباح مع إمكان البيع بالأقل.

    ثانياً: إذا قال له: أنا أبيع لك هذه الأرض بمائة وعشرين، وآخذ عشرين من المائة، فهذه المسألة تعرف عند العلماء بمسألة (قفيز الطحان) وضابطها الاستئجار بجزء من العمل، فإن العشرين سيأخذها من عمله، والإجارة يمنع بعض العلماء أن يستأجر الأجير بجزء من عمله؛ لكن الصحيح أن فيها تفصيلاً، فإن قوي وكثر الغرر حرم هذا النوع من الإيجارات، وإن قل الغرر وكان يسيراً، فإنه يجوز.

    من أمثلة ما كان فيها غرر كثير أن يقول له: اذبح لي هذه الشاة وخذ جلدها، فإن هذا الغرر فيه كبير، لأننا لا ندري هل الجلد ثخين، أو رقيق؟ ولا ندري هل يخرج سالماً أو معيباً؟ لأنه ربما قده أثناء سلخ الشاة، فإذا استأجره بجزء من عمله مع جهالة أو غرر أكبر فلا يجوز، لكن لو كان مثل أن يحدد له قيمة، يقول له: بعها بمائة وعشرين ولك عشرون جاز.

    إذا قلنا بجوازها صح له حينئذٍ أن يبيعها بمائة وعشرين، والأفضل أن يتقي الله في إخوانه، وألا يجعل أرباحه الخاصة على وجه الإضرار بالسوق.

    تبقى مسألة نسبة السمسرة، ونسبة السمسرة أن يقول له: أبيع لك هذه العمارة أو أبيع لك هذه الأرض، وآخذ (6%)، أو (7%)، أو (2%)، أو (2.5%) أو (5%) وهذه المسألة لها صور، ففي بعض الأحيان لا يصح أن يقول له: أبيعها وآخذ نسبة كذا منها، لأننا لا ندري بكم يبيع، فتصبح النسبة فيها جهالة، فلو قال له: بع هذه العمارة وخذ ثمن دلالتك (السمسرة) (10%)، فلا ندري هل يبيعها بمائة ألف، أو بمائتين، فإذا باعها بمائة كانت الـ(10%) عشرة آلاف، وإذا باعها بمائتين، تكون الـ(10%) عشرين، فأصبحت الإجارة مجهولة والأجرة مجهولة، ولا تصح الإجارة بمجهول بالإجماع.

    الحالة الثانية: أن يحدد له القيمة ويقول له: بعها بمائة ألف، ولك (5%) و(10%) فهذا جائز؛ لأن النسبة معلومة والقدر معلوم، والغرر مندفع بما ذكرناه، من أنه آيل إلى العلم، ولا إشكال في جواز هذه الصورة إن شاء الله.

    المسألة الثالثة: أن تصبح السمسرة فريضة على كل من جاء إلى المكتب، بحيث يكون ملزماً بدفع هذا المبلغ سمسرة ودلالة بناءً على الورق الذي يدفعه، فهذا لا يجوز، وهذا من أكل المال بالباطل؛ لأن السمسرة دلالة المشتري وهي من باب الجعل، وليس من حقه أن يطالبه بالسمسرة ولم يقم بشيء، كأن تأتي بالزبون الذي يريد أن يشتري فيقول لك: ما دمت أنك وضعته عندي في المكتب فعليك تدفع كذا وكذا، فهذا ليس من حقه؛ لأنك إنما وضعته في المكتب حتى يأتي بالمشتري، لكن إذا جئت بالمشتري بنفسك فإنه ليس من حقه أن يأخذ من المشتري ولا من حقه أن يأخذ من البائع؛ لأن هذا مالي، أبيعه إلى من شئت بما شئت، وكيف شئت، فإذا جاء وقال في هذه الحالة: يجب عليك أن تدفع هذه النسبة أو تدفع هذا القدر، فإنه يكون من أكل أموال الناس بالباطل.

    وآخر دعوانا أَن الحَمد لله رب العالمينَ. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757154402