إسلام ويب

تفسير سورة النمل [62-64]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله جل جلاله جملة من آياته الكريمات دلالة على قدرته وأنه الخالق الرازق الذي سخر للإنسان السماوات والأرض وأنزل له الأمطار وأنبت له الأشجار وأجرى له الأنهار، وهو الذي يجيبه عند الاضطرار ويهديه في دروب الأرض وظلمات البحار، وليس معه سبحانه من شريك في ذلك، أفيستحق العبادة معه أحد؟ تعالى الله عما يقول الظالمون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ...)

    قال الله جل جلاله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

    يذكر ربنا جل جلاله جملة من آياته الكريمات في كلامه الشريف الكريم دلالة على قدرته، ودلالة على وحدانيته، ودلالة على أنه الواحد لا شريك له، ولا أحد يستحق عبادة أو إلهية أو ربوبية غيره جل جلاله، فيقول جل جلاله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].

    فيا أيها الناس من مؤمنين ومشركين! من الذي يستجيب للمضطر إذا دعاه، وكان في بلاء، أو كان في قهر، أو كان في ذل، ويكشف ما ابتلي به الإنسان من قهر ومرض وذل واستعباد إذا رفع يديه إلى الله ضارعاً وقال: (يا رب)؟! فمن الذي يستجيب له؟! ومن الذي يكشف عنه ضره؟! وهل يفعل هذا غير الله؟! هل تفعله تلك الأصنام وتلك الأوثان؟! وكل خلق الله هل يقدرون على أن يزيلوا كرب الناس وسوءهم؟! وهل يستطيعون أن يزيلوا ما يعيشون فيه من ضر وبلاء وسوء؟! فتعالى الله القادر على كل شيء، ملجأ كل فقير، وكل مريض، وكل مقهور، وكل مضطر لرحمته، ولا غنى بأحد من الخلق عن رحمته جل جلاله.

    ولا ينكر ذلك إلا من ذهب عقله، وكثر الران على قلبه، فلا يميز بين نهار وليل، وبين حق وباطل، وبين نور وضلال.

    وطالما ابتلي الناس بأضرار، فما زادوا عند دعاء ربهم على أن نادوا: (يا من يجيب المضطر إذا دعاه)، فاستجاب الله جل جلاله.

    وتحضرني هنا قصة حكاها ابن كثير في التفسير، وهي أن رجلاً كان يكاري على بغل له بين مدينة دمشق إلى بلدة الزبداني، فركب معه رجل ذات مرة، فمرا على طريق غير مسلوكة، فقال له الراكب: خذ هذا الطريق فهو أيسر وأقرب، فقال له: هذه طريق مجهولة. فقال: بل هي أقرب، فتبعه ودخل إلى أن وصلا إلى مكان وعر وواد عميق، فرأى جثث موتى، وعظاماً لبشر، فنزل ذلك الراكب وأخذ سكيناً ليقتل الرجل، فقال له: خذ هذا البغل ودعني، فقال: البغل قد أصبح ملكي، ولابد من قتلك.

    فاستسلم له ثم قال: إن كان ولابد فدعني أصلي لله ركعتين. فقال: عجل، قال: فقلت: الله أكبر، فأرتج عليّ القرآن فلم يحضرني منه حرف، وهو يعجلني، وإذا بي أتذكر هذه الآية الكريمة، فأخذت أضرع إلى الله، وأقول: (يا من يجيب المضطر إذا دعاه)، وإذا بفارس يظهر وبيده حربة، فيأتي إلى هذا الظالم ويطعنه بها فيصرعه على الأرض، فلما قضيت صلاتي التفت فرأيت ذلك فقلت للفارس: يا عبد الله! قل لي من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي تضرعت إليه ودعوته!

    وهكذا أنقذه الله وأنجاه، فالله جل جلاله عليه الإجابة وعلينا الدعاء، كما قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

    وهنا يقول جل جلاله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62].

    فيا من تعبدون غير الله وتشركون به سواه! إن وقعتم في بلاء وضر وذلّ، فمن ذا الذي إذا دعوتموه استجاب لكم، وكشف ما بكم من ضر؟! هل آلهتكم هذه الميتة الجامدة التي لا تضر ولا تنفع، وتُخلق ولا تَخلق، ولا تعي ولا تسمع، أم الله الذي يقدر على رفع الضر وكشف السوء سواه؟!

    معنى قوله تعالى: (ويجعلكم خلفاء الأرض)

    يقول تعالى: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62].

    أي: فمن الذي يجعلكم خلفاء يخلف بعضكم بعضاً، حيث يكون الأجداد، ثم يخلف الأجدادَ الأبناء، ثم يأتي بعدهم الأسباط والأحفاد، وهكذا خلف من بعد سلف، يخلف بعضنا بعضاً.

    فقد كانت الدنيا لأجدادنا فخلفهم آباؤنا، وهي اليوم لنا، وستكون بعدنا لأبنائنا، وهكذا يذهب عصر ويأتي عصر، ويفنى جيل ويأتي جيل، ويبقى الله الواحد القهار: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].

    فمن الذي جعل بعضنا يخلف بعضاً، ويجعل من الماء بشراً سوياً كاملاً، ثم يجعل من الرجل الكامل تراباً وكأنه لم يكن؟! فهل يقدر على ذلك الآلهة الباطلة والأصنام الحجرية؟! لا أحد يقدر على ذلك إلا الله، فهو القادر على كل ذلك.

    أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:62]، فربنا جل جلاله يذكر لنا بعض أنواع قدرته، وأنواع خلقه، وأنواع رزقه، ثم يقول لنا: هل مع الله إله سواه يقدر على ذلك؟!

    باسم الله الأعظم

    وطالما تساءل الناس: ما هو اسم الله الأعظم؟! وقد ورد في الحديث المتواتر: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة)، ومن هذه الأسماء اسم ما دعي به الله جل جلاله إلا وأجاب الداعي، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وقد ذكر العلماء كثيراً من الأسماء كل يرى أن ما ذكره هو الاسم الأعظم.

    ولكن الذي قاله المحققون، والذي قاله العلماء العارفون هو أن اسم الله الأعظم هو الذي يقال ساعة الاضطرار عندما يكون الإنسان في ضر وفي ضيق وفي بلاء، فيرفع يده إلى الله جل جلاله قائلاً: يا رب! أنت القادر على كل شيء، فلا أحد يستطيع كشف ما بي إلا أنت، ولا ينصرني سواك.

    فهذا الاضطرار الذي يخرج من الأعماق، والذي يقوله الداعي وهو في حالة لهفة وحالة ضرورة، فيكون دعاؤه دعاء الصادق، ودعاء الراجي، ودعاء من يعترف بأنه لا أحد يقدر على إنقاذه وكشف ضره من سلاطين الأرض وجبابرتها وطغاتها، ومن ملائكة السماء، سوى الله جل جلاله، فلا ملك ولا رسول يقدر على ذلك، والذي يقدر عليه الرسول والملك هو ما أقدره الله عليه، أو ما دعا به الله كما تدعوه أنت، وما هو إلا عبد من عبيد الله، كما أننا وكل الخلق عبيد لله جل جلاله.

    معنى قوله تعالى: (قليلاً ما تذكرون)

    قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

    أي: فما أقل ما تتذكرون وتتفكرون وتعقلون الأمور! وما أقلّ ما تنفردون بأنفسكم، وتختلون خلوة تعيدون فيها النظر، قائلين: هل لهذا الكون من مكون ومن موجد؟!

    فمن الذي خلق هذه السماوات العلى وما فيها من نجوم وكواكب ثابتة؟! ومن الذي خلق هذه الأرض وما عليها من جبال راسيات، وبحار متلاطمات، وخلق يموج بعضهم في بعض، بلغات مختلفة وملل مختلفة وأشكال متباينة؟! فهل يفعل ذلك أحد إلا الله؟! وهل خلق ذلك غير الله؟!

    وقد فكر المؤمن فآمن واعتقد ذلك، ولكن غير المؤمن لم يفكر، ولم يتذكر، ولم يعِ، وإنما عاش مقلداً لآبائه الكفرة، وأجداده الفسقة، ومن اتخذهم أئمة في الكفر والشرك، فما زادوه إلا وبالاً، وما زادوه إلا مصائب، وما زادوه إلا شركاً وكفراً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أمّن يهديكم في ظلمات البر والبحر ...)

    ثم قال تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63].

    إن الله تعالى خلق هذا العالم وهذا الكون، وهذا الكوكب الأرضي بما فيه من جبال ووهاد ورمال وسهول وبرار وقفار وبحار، فحين نريد التنقل من مشرق إلى مغرب، ومن جبال إلى وهاد، فإننا نهتدي في طريقنا في الليل أو النهار، فمن الذي يهدينا، ومن الذي يدلنا، ومن الذين خلق هذه الأنجم التي نهتدي بها كما يهتدى بالمصابيح التي تكون علامات على الطريق مشرقاً ومغرباً؟!

    فمن الذي خلقها لتكون كذلك، وليستفيد منها الإنسان؟!

    وقد كان العرب في هذا أئمة، يخرج البدوي في هذه الصحاري التي ليس فيها علم ولا دلالة على شرق أو غرب أو شمال أو جنوب، ولكنه يرفع عينه إلى السماء إن كانت مصحية، فيقول لك: الطريق هكذا أو هكذا، أو: قد ضللت الطريق، فذاك أمر علمه بفطرته، وبعيشه السنين الطوال في هذه الصحاري حتى أصبح عارفاً بها.

    يقول تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [النمل:63] فمن يهديكم وأنتم تشقون البحار التي لا علامة فيها لشرق أو غرب؟! ومن الذي يهديكم في البر وأنتم صاعدين وهابطين؟! ومن الذي يدلكم ويهديكم إلى الطريق حتى لا تضلوا؟! والضلال في الصحاري والبراري يعني الموت المحقق، فمن الذي يهدينا ويرشدنا ويدلنا على الطريق غير الله؟!

    قال تعالى: وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [النمل:63].

    فهذه الرياح التي تأتي مبشرة بالغيث، ومبشرة بالرحمة، من الذي يرسلها لتكون مبشرة بذلك، ثم يأتي وبعدها الغيث الغزير والمطر والرزق والخير العميم؟!

    ومن الذي يرسل مطره وغيثه لأهل الأرض إذا أجدبوا وأمسكت السماء قطرها؟!

    من الذي يرسل هذه الرياح حال كونها بشراً بين يدي رحمته يرحم بها خلقه ويرحم بها عباده؟! فيرحم بها المؤمن والكافر سواء، يرحم بها المؤمن ليزداد شكراً وحمداً لربه، والكافر ليستدرج، ولتبقى حجة الله عليه بالغة، ولعله يرحم فينتبه يوماً ويعي، ويقول: يا رب! كنت ظالماً، فاغفر لي خطيئتي يوم الدين.

    ومن هنا كان الإمهال للكافر من الرحمة، وقد أرسل النبي عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين للمؤمنين والكافرين سواء، فالكافرون يمهلون لعلهم يتذكرون يوماً فيتوبون ويوحدون، والمؤمن كلما عاش يوماً ويزداد بذلك عبادة وأجراً وثواباً ورفعة، وذاك مما يحفظه الله له، ويجمعه له، فيجده يوم القيامة غيثاً ورحمة ورضى ورفع درجات مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

    قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:63].

    هذا إنكار توبيخي تقريعي، فهل هناك إله يفعل فعل ربنا، فيرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، ويهدي في ظلمات البر والبحر، ويكشف السوء، ويرسل الخير، ويرسل الرزق، ويرسل الغيث؟!

    الجواب باستمرار: لا أحد يفعل ذلك إلا الله، ولا قادر على ذلك إلا الله، وليس ذلك بيد أحد غير الله جل جلاله، فقد انفرد بالخلق وبالأمر وبالتدبير وبالزرق وبكل شيء.

    قال تعالى: تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63].

    تعالى الله ربنا وعز، وعلا مقامه وعلا شأنه وتنزه عن النقص والعيب الكائن في قول هؤلاء المشركين بأن لله شريكاً يعينه، وبأن لله صاحبة وولداً، فتعالى الله عن كل ذلك، ونعوذ بالله من أن نذكر ذلك إلا للتعلم والتعليم، وحاكي الكفر ليس بكافر، ولنزداد إيماناً بربنا، وكفراً بهؤلاء المشركين الكفرة الذين لا يعتقدون ديناً ولا يملكون فهماً ولا إدراكاً، فتعالى الله عما يشركون، وتنزه ربنا عن كل عيب ونقص.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ...)

    قال تعالى: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64].

    أي: هل هناك غير الله يبدأ الخلق ثم يعيده؟! أما البدء فقد رأيناه، فقد بدأ خلقنا ربنا جل جلاله، ورأينا ذلك في أنفسنا، ورأيناه في غيرنا من خلق الله على وجه الأرض، فهو الذي بدأ خلقنا، وأوجدنا من عدم، وأوجدنا على غير مثال سابق، ومن استطاع بدء الخلق استطاع إعادته، كما قال تعالى: قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:78-79].

    فإذا كان الخلق قد وجد، فمن الذي أوجده؟! ومن الذي كونه؟! ومن الذي حركنا بهذه الروح التي نعيش بها، بحسب ما قدر الله لنا من حياة ومن أجل؟! وما هي هذه الروح التي إذا نزعت أصبح الإنسان جيفة، يبادر أحب الناس إليه بأخذه وغمره في التراب حتى لا يؤذى الناس برائحته، وهو الذي كان في حال الحياة يتقرب إليه بالسمع والجلوس والأخذ والعطاء؟! فمن الذي أوجدها؟! ومن الذي خلقها؟! ومن الذي قدر على زرعها في جميع خلايا أجسامنا؟!

    ولطالما تساءل الناس عن الروح قبل نبينا وبعد نبينا وإلى الآن، وقد سأل الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، فقال الله جل جلاله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، فالله جل جلاله انفرد بعلم الروح، ومعرفة الروح، ولم يجب نبيه ولا من سألوه عنها.

    وقد ظن المجانين السخفاء المشركون الضائعون أن في إمكانهم أن يصنعوا الروح، فبذلوا الملايين وما خرجوا إلا بخفي حنين، فقد ذهبوا إلى الأفلاك والأنجم والكواكب لينظروا كيف كان ابتداء الحياة، فما زادوا بذلك إلا ضلالاً، ولو آمنوا بالله، وطلبوا من أهل العلم أن يعلموهم بما نزل في كتاب الله من ذلك لعلموا الكثير، ولاهتدت نفوسهم وأرواحهم إلى الإيمان بالله ورسول الله وبدين الحق الذي هو الإسلام خاتم الرسالات، بعد أن جاء به رسولنا صلى الله عليه وعلى آله.

    يقول تعالى: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [النمل:64] فمن الذي يبدأُ الخلق، ومن يعيده؟! ومن الذي يحيينا بعد الموت؟! ومن الذي يبعثنا يوم القيامة بعد أن نموت من أول مخلوق إلى آخر مخلوق في الأرض؟! فالناس عندما يبعثون وتزرع أرواحهم في أجسامهم، سيقفون بين يدي الله يوم العرض على الله في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، ليحسن إلى المحسن ويعاقب المسيء فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فذلك اليوم العظيم سنعود إليه، ونحيا فيه حياة ثانية، فتكون الحياة الباقية والحياة الدائمة التي لا موت بعدها أبداً، ولا تكليف فيها، والقوم بين مخلد في النار ومخلد في الجنة، ولا وسط بين ذلك.

    قال تعالى: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [النمل:64] فمن الذي يرزقنا من السماء بالغيث المدرار، وبالأمطار التي يكون بها الاستنبات، وبها تكون الخيرات في الأرض؛ بحيث لو أجدبت الأرض لما أعطت قليلاً ولا كثيراً، ولما أعطت زرعاً ولا أعطت ضرعاً؟! فمن الذي رزقنا من السماء بالغيث المدرار؟! ومن الذي رزقنا من الأرض بما أكرمنا به من نبات وطير وحيوان؟! هل هؤلاء الشركاء الذين أشرك بهم من لا عقول لهم ولا إدراك لديهم ولا فهم، أم الله الواحد القهار؟!

    فهذه أدلة عقلية لا يدفعها إلا مجنون أرعن، وتقبلها كل النفوس السليمة، وتقبلها كل النفوس التي لم يبعها الآباء بكفرهم وبتقليدهم وبضلالاتهم، فالإنسان بالفطرة يدرك أن السماء والأرض لا بد من أن يكون لهما خالق، ولا خالق لهما إلا الله جل جلاله، الواحد المنفرد بالأمر والخلق.

    قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:64].

    فهل ثَمّ إله أعانه على هذا؟! وهل ثَمّ إله مما يعبد هؤلاء الأفاكون المجانين السخفاء يستطيع فعل ذلك؟!

    قال تعالى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64] فهؤلاء يزعمون أن لديهم علماً على عبادتهم لغير الله، فقال الله تعالى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64]، وهيهات أن يأتوا بالبرهان، وأن يأتوا بالدليل، وأن يأتوا بما يقبله ذو عقل سليم. فهم عن الآخرة معرضون، وجاهلون، ومشركون كفرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756171104