وقد أورد الشيخ حفظه الله في هذا الدرس المبارك طائفة كبيرة منها، وختم بذكر بعض الأذكار التي تقي قائلها من عذاب النار .
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وأسعد الله لياليكم بالمسرات، درسنا هذه الليلة بعنوان: (صحيح الأخبار في وصف النار) نعوذ بالله من النار، وقد سبق معنا في الدرس الماضي، وصف الجنة في الكتاب والسنة، وقد ذُكر هناك ما أعد الله عز وجل لأوليائه في الجنة من نعيم خالد، وما هيأ لهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى من نعيم مقيم، فوصف أبواب الجنة وسررها، ولباسها وما فيها من خير عميم، وكيف يدخلها أهل الجنة، وكم صفوفهم، وما هي أزواجهم، وما هو طعامهم، وشرابهم، ومن أول من يدخل الجنة، ورؤية الله عز وجل... إلى مسائل أخرى.
وفي هذه الليلة نأتي إلى بحث عن النار أعاذنا الله وإياكم من النار، وجنبنا كل قول أو عمل أو فعل يدلنا على النار.
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار |
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار |
يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن آحاد المجرمين: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [الحاقة:30-37].
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30]: الغل جمع اليدين وراء الظهر، وقيل: جمعها عند الذقن بالسلاسل.
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة:31] أي: أصلوه نار جهنم التي تتلظى، لا يراها راء أو يدخلها داخل إلا سقطت فروة وجهه في النار.
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32]: يسلك فيها سلكاً حتى تخرج -والعياذ بالله- من فمه ودبره، فتمر مروراً كلما انتهت تعود من أوله.
وقال سبحانه: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66] فتقلب يمنة ويسرة: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:66-67] وقال سبحانه: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف:74-75].
والخلود هنا لغير الموحدين، أما عصاة الموحدين فلا يخلدون في النار، فقد يدخلون النار فمنهم من يمكث ألف سنة ومنهم من يمكث مائة سنة، ومنه من يمكث سنة، نعوذ بالله من النار.
وعقيدة أهل السنة -كما مر معنا في درس بعنوان: (عقيدتنا) أنهم لا يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار، بل ربما دخلوها ثم أخرجوا، كما سوف يأتي معنا في بحثنا هذه الليلة إن شاء الله.
وقال سبحانه: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً [النبأ:21-30].
وهناك أمور تصرفنا عن نار جهنم أذكرها بحول الله: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] وقال سبحانه: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:6-11].
أيها المسلمون! اسمعوا إلى أخبار الصالحين وهم يتعوذون من النار: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66] فقد وصف الله الصالحين بأنهم يتعوذون من عذاب النار، وأنهم يسألون الله أن يصرف عنهم عذاب النار، فوالله لا ضنك ولا أسى ولا لوعة إلا في النار، والفائز من زحزح نفسه وأنجى نفسه من النار، اللهم نجنا من النار.
ذكر أهل العلم بأسانيد جيدة أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت تردد الآية من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:27-28] قال أحد الرواة أظنه مسروق أو الأسود بن يزيد يقول: [[سمعت
وأما ابن عمر فذكر عنه صاحب الزهد وكيع بن الجراح، أنه قرأ قوله سبحانه وتعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ [سبأ:54] فبكى حتى أُغمي عليه ورش بالماء.
وابن وهب ذكر عنه الذهبي في المجلد الثامن في السير أنه سمع ابنه يقرأ: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ [غافر:47] فأغمي عليه حتى حمل على أكتاف الرجال.
أما ابن تيمية فيذكر عن علي بن الفضيل بن عياض أحد الصالحين الزهاد الكبار، قام أبوه يصلي بهم في الحرم فقرأ سورة الصافات، وكان ابنه علي من أخشى الناس لله، وكان وراءه في الصف فقرأ الفضيل: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات:24-26] فأغمي على ابنه وحمل إلى البيت، فحركوه فإذا هو قد مات، وقد ذكرها ابن كثير وشيخ الإسلام ابن تيمية وهي قصة صحيحة، فهذا خوف السلف.
جاء رجل من الأعراب إلى عمر، قال: يا عمر! الخير لتفعلنه قال: فإن لم أفعل؟! قال: لتفعلنه أو لتكرهنه، قال: فإن أكرهت، قال: أما تخاف النار؟ -وهذا في كلمة طويلة في أبيات ذكرها أهل التاريخ، فبكى عمر - وقال: بلى والله أخاف النار.
وأبو بكر وعثمان وعلي، كانوا من أخشى الناس لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وكان أحدهم إذا ذكر النار زفر زفرة، ولاع لوعة، وتذكر ذكرى وكان لذكرهم فائدة في عملهم وخشيتهم وصدقهم لله، ونريد من هذه الأمور أن تتحول إلى أعمال صالحة في حياتنا ومراقبتنا لله تبارك وتعالى.
إذاً فأوصي نفسي وإياكم بعد الفجر والمغرب بترداد (ربِّ أجرني من النار) سبع مرات، قال صلى الله عليه وسلم: {قل اللهم أني أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وإنه لعذاب بئيس} قال الله عن فرعون وأهله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً [غافر:46] أي: في القبر: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فالنار يعرضون عليها وهم في القبور، فإذا قبر الإنسان فهو -والله- إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار.
فالقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران |
إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده |
وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ |
فليعلم هذا، ولذلك يفتح له روزنة -أو نافذة- فيرى مقعده في الجنة إذا كان من أهل النار، ويقال له هذا مقعدك في الجنة لو كنت من أهل الجنة، فيزداد بؤساً وندامة، ويفتح له لهيب ونار وحرقة إلى النار حتى يبعث؛ ولذلك المجرم يقول: اللهم لا تقم الساعة، فيستمر في ندم وحسرة حتى يقيم الله الساعة.
وعند مسلم عن أم حبيبة وهي زوجة المصطفى عليه الصلاة والسلام وهي ابنة أبي سفيان قالت: {اللهم متعني بأبي
وصح عند أبي يعلى من قوله عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ما استجار عبد من النار في يوم سبع مرات، فقال: اللهم أجرني من النار إلا قالت النار: يا رب! أجره مني} فالاستعاذة سنة واردة وأوصيكم بها بعد التشهد وفي أدبار الصلوات، وفي السجود وفي آخر الليل وفي كل مناسبة، أن تستعيذوا وتستجيروا بالله من النار.
كان عمر بن عبد العزيز الخليفة إذا ذكر النار أغمي عليه على المنبر، وكان عمر رضي الله عنه كما قالت عاتكة زوجته لما سئلت: كيف كان ليل عمر؟ قالت: ما كان ينام كما ينام الناس، عنده ماء بارد فإذا اقترب منه النوم غسل وجهه ثم ذكر الله، فإذا أغفى إغفاءة غسل وجهه وذكر الله، ثم إذا انتصف الليل توضأ وقام يصلي حتى الفجر، قالت له زوجته: لو نمت يا أمير المؤمنين! أمتعب في الليل ومتعب في النهار؟! قال: [[لو نمت في النهار لضاعت رعيتي، ولو نمت في الليل لضاعت نفسي]] رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك سعد في الدنيا والآخرة، ويروى أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى عمر عليه ثوب أبيض قال: {البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً} فلبس جديداً، وعاش حميداً على فطرة الله التي فطر الناس عليها، وعلى الإسلام، ومات مطعوناً شهيداً.
قال عدي بن حاتم الطائي والحديث متفق عليه {قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعيذوا بالله من النار، ثم قال: اتقوا النار، ثم أشاح بوجهه عليه الصلاة والسلام ثم قال: اتقوا النار، ثم أعرض بوجهه وأشاح، قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة}.
يا أيها المسلمون! شق التمرة، الريال، الدرهم، البسمة، المنفعة، كلها صدقة ووقاية من النار، من أراد أن يجعل بينه وبين النار وقاية فالعمل الصالح: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] فالاتقاء أن تجعل شيئاً من العمل يقيك عذاب الله وغضبه ولعنته.
وقال أبو هريرة -والحديث متفق عليه- قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، لما أنزل الله عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] فنادى عليه الصلاة والسلام بطون مكة: يا بني عبد مناف! يا بني هاشم! يا بني عبد المطلب! يا عباس عم رسول الله! يا فاطمة بنت محمد! ناداهم بطناً بطناً، وقرابة قرابة، فاجتمعوا فقال: {إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، يا بني
وأما قوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم من حديث ابن مسعود {يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك} تصور النار تقاد بسبعين ألف زمام والزمام لا يعلم قوته إلا الله، وهي تموج وتهيج على الناس في الموقف، يحطم بعضها بعضاً وتتميز من الغيظ، وتسطو على الناس في الموقف فيفر منها الناس، ومع كل زمام سبعون ألف ملك فكيف بها؟! نعوذ بالله من النار، وأما أبواب جهنم فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الجنة لها ثمانية أبواب والنار لها سبعة أبواب} رواه أحمد بسند صحيح.
فهذه حكمة بالغة أن جعل الله للجنة -كما سلف- ثمانية أبواب، ورضوان خازنها، وجعل للنار سبعة أبواب ومالك خازنها يقول أهل النار: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] وقد مر معنا أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، ويأتي عليه يوم وهو كضيض من الزحام، نسأل الله من فضله.
وأما النار فسبعة أبواب، لا يعلم ما بين المصراعين إلا الله، فلهذه ملؤها ولهذه ملؤها، حكمة بالغة من الواحد الأحد، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الجنة لها ثمانية أبواب، والنار لها سبعة أبواب} رواه أحمد بسند صحيح.
وعلى كل باب -في الصحيح- خزنة وحجاب وحراس في الجنة والنار، وورد أن النار لما ذكر سبحانه عليها تسعة عشر، قال أبو جهل: أنا أكفيكم بعشرة واكفوني بتسعة، عليه لعنة الله، وقد قال الله بعدها: لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً [المدثر:28-31] فقال: ليسوا ببشر وإنما ملائكة، الواحد منهم قد يحيط بالناس، وقال أبو جهل: أتدرون ما هو الزقوم؟ قالوا: لا ندري، قال: التمر والزبد -التمر والدهن- عليه لعنة الله، فيقول: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] يقول: ذق من هذا التمر والزبد، إنك أنت العزيز الكريم، قال: أتدرون ماذا يمنينا محمد؟ قالوا: نعم. قال: سحر، فيرده الله على وجهه إلى النار ويقول له: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] أهذا هو السحر أم لا؟
لون جهنم: في الحقائق والنظريات العلمية التي وصل إليها العلم المتطور اليوم هو أن آخر درجات الحرارة تسود فيها النار، ولذلك في محاضرة مع عالم مسلم وعالم كافر، قال له المسلم: ما هي آخر نظرية توصل لها العلم الحديث؟ قال: توصلنا في العلم الحديث أننا إذا أشعلنا النار وبلغت درجة الحرارة ألفاً، بعد أن تحمر النار، فإنها تبيض، قال: فإذا ابيضت قال: ترتفع ألف درجة، قال: فماذا يحدث؟ قال: تسود النار تماماً، قال عندنا هذا في السنة، قال: في أي كلام؟ قال: روى الترمذي بسند صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، وأوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، وأوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة} فقال الرجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله! وقصته معروفه وإسلامه منظور مشهود، والحق ما شهدت به الأعداء.
وإننا نعرض هذا ليعلم الناس أن الناس غاية ما يصلون إليه من العلم إنما هو موجود في كتابنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أعطاني أحد الفضلاء قبل أيام كتاب الأوائل وفيه مائة عظيم في العالم، وقد ألفه مايكل هارف، أَلَّف مائة عظيم، أتدرون من هو الأول؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا الأمريكي حاقد وغاضب وخصم وعدو ولكن يقول: الحقيقة هي التي فرضت نفسها، حيث أني لم أجد في المرتبة الأولى في عظماء العالم على مر التاريخ وفي بقاع الدنيا والقارات الخمس كمحمد عليه الصلاة والسلام، فيقول المترجم العربي: على رغم أنفك، فهو سيد الخلق، فهو الأول.
وهذه نأخذها حقائق ليظهر للذين انبهروا بحضارة الغرب، وقال أحدهم -كما عرض علينا في أحد الدروس- قال: لو حملنا الأمريكان على ظهورنا لما أنصفناهم، جعلك أنت تحملهم على ظهرك، أما نحن فنبرأ إلى الله أن نحمل أحداً منهم، لماذا؟ إن قدموا شيئاً فالذي خلق أدمغتهم هو الله، والعلم ليس حِجْراً عليهم، لكن انظر إلى محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول شوقي فيه:
المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء |
يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول محمود غنيم:
أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه |
إحياء القلوب أعظم من اكتشاف الذرة والكهرباء والسيارة والطائرة، أحيا شعوباً، ثم ترك هذه العقول تكتشف وتخترع وتقدم للناس، فهذا هو الفرق بين هذا العلم.
وللعلم فإن الرجل الواحد والخمسين في عظماء العالم هو عمر بن الخطاب، وأتى بـهتلر في العظماء وكان رقمه أربعة وسبعين، فهذا هتلر الذي دمر الناس، أتدرون كم قتل هتلر؟ قتل خمسة وثلاثين مليوناً في الحرب العالمية الثانية، أكبر من قتل من ذرية آدم الأحياء هو هتلر، وأتى باليهود الذين سحقوا البشرية فجعلهم من العظماء، وقد ظل سعيه، وإنما نأخذ الشاهد: أن محمداً عليه الصلاة والسلام في المرتبة الأولى.
ومن لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول |
أبو طالب ذب عن الرسول عليه الصلاة والسلام وحماه، ووقاه وحفظه، ودافع عنه، فماذا كان جزاؤه؟ شفع له الرسول صلى الله عليه وسلم: فجعله الله في ضحضاح من النار، وأبو طالب لا يخرج من النار وهو خالد مخلد في النار، فجعله الله في ضحضاح من النار، في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه، وهو أخف الناس عذاباً، وقد ورد في الصحيح: {إن أخف الناس عذاباً رجل يوضع بين أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه} فنعوذ بالله من النار.
قر السم حتى امتار فروة رأسه من السم صلٌّ قاتل اللسع مارده |
وهذا ذو الرمة يصف حية تلدغ، والحيات السود إذا لدغت عند العرب سقطت الجفون من سمها في الأرض، ووصفوا عذاب جهنم في بعض كتب المفسرين بذلك، ولكن أين جهنم من عذاب الدنيا؟ عذاب الدنيا سهل وبسيط.
يقول سعيد بن جبير للحجاج: قال له الحجاج في مناظرة حارة ساخنة بينه وبين سعيد بن جبير، عالم المسلمين المحدث الزاهد العابد، وقد أتي به إلى الحجاج بن يوسف السفَّاك فأجلسه أمامه، قال: يا سعيد بن جبير! والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من الناس، قال: يا حجاج! اختر لنفسك أي قتلة أردت، والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها، فقتله، ثم نام الحجاج في تلك الليلة فرأى كأنه يسبح في الدم، وكان في الصباح يبكي ويقول: رأيت كأن القيامة قامت، وكأني أوقفت عند الصراط، فقتلني الله بكل رجل قتلته قتلة واحدة، وهو قد قتل مائة ألفٍ، وقتلني بـسعيد بن جبير سبعين مرة.
وهذا الجزاء من جنس العمل، يقول له سعيد بن جبير لما أراد قتله: لا إله إلا الله محمد رسول الله خذها يا حجاج حتى تلقاني بها عند الله يوم القيامة، ولذلك لما مروا على الحجاج -كما عند المؤرخين- سمعوه يعذب في القبر ويصيح في الليل، فيقول أخوه محمد: رحمك الله يا أبا محمد! تقرأ القرآن في الحياة وتقرؤه في القبر، فهو يعتذر له أمام الناس، ماأحسن ذاك القرآن في القبر! ونحن نقول: الله يتولى الأمور، ولا نشهد لأحد بجنة ولا نار، لكن نقول: الحجاج نبغضه ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين.
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسْنُونَة زرق كأنياب أغوال |
والأغوال مارأيناها، فيصف المسنونة الزرق، كأنيابها يعني: الرماح، يقول هذا امرؤ القيس الفاجر، وقد دخل على امرأة غير محرم له ويقول:
حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما إن من حديث ولا صال |
فقالت: لحاك الله إنك فاضحي ألست ترى السمار والناس أحوالي |
ثم تهدده بزوجها، وتقول: زوجي سوف يقتلك، قال -وهو قائد الشعراء إلى النار، وقائد الحداثة، وبالمناسبة قد يأتي من شعرهم شعر مليح وفصيح وجميل، لكنهم مفسدون في قلوبهم المظلمة التي ما رأت النور- قال:
يقتلني والمشرفي مضاجعي أي: سيف أو رمح يصنع في بلاد مُشْرَف.
المشرفي: رمح وقيل: سيف، و(مضاجعي مسنونة زرق كأنياب أغوال) يعني: ما يستطيع قتلي، فأحالهم على شيء مجهول تسمع به العرب.
إذاً: العجيب أن الزقوم شجر يحيا وسط النار، وهذه حكمة بالغة، وقدرة نافذة، فسبحان من أخرج الحي من الميت! وأخرج الميت من الحي! لا أرانا الله تلك الأماكن ولا تلك البقاع، وزحزحنا الله وإياكم عن النار.
أتي بـالبراء بن مالك، وهو البطل أخو أنس بن مالك أحد الأنصار كان عليه ثوبان ممزقان من أفقر الناس، شاب لا يملك درهماً ولا ديناراً وعنده أسرة كبيرة، دخل على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم
ولذلك كان المسلمون إذا حضروا في غزوة قالوا: يا براء! نسألك أن تقسم على الله -أن تحلف على الله- أن ينصرنا، أي: بلغ من الولاية وحب الله والرسول له أنه يحلف ويقسم على الله فيجري الله قسمه، وهذه خصوصية لبعض الناس. حضروا في تستر، وكان القائد أبا موسى مع أهل فارس، فلما حاصروا الحصن، قالوا: يا براء! أقسم على الله أن ينصرنا هذا اليوم، قال: أنظروني قليلاً، فذهب واغتسل وتحنط ولبس أكفانه، وأتى بغمد السيف فكسره على ركبته، وقال: يارب! أقسم عليك هذا اليوم أن تنصرنا وأن تجعلني أول شهيد، وبدأت المعركة، فقتل أول الناس وانتصر المسلمون.
بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا أعظم بقوم بايعوا الغفارا |
فأعضنا ثمناً ألذ من المنى جنات عدن تتحف الأبرارا |
فلمثل هذا قم طروباً منشداً يروي القريض وينظم الأشعارا |
ويقول محمد إقبال وقد مرت كثيراً: -
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى |
حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا |
ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا |
أَم من رمى نار المجوس فأُطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا |
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى |
هم أصحاب محمد عليهم الصلاة والسلام.
لكن عصاة من أولي التوحيد قد يدخلونها بلا تخليد |
فمن مات وهو صاحب كبائر قد يدخل النار أو قد تدركه شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن لو دخل النار وهو موحد فلا يخلد في النار، فالسارق والزاني وشارب الخمر ومن أحدث كبائر والقاتل، قد يدخل النار ولكن لا يخلد في النار، والدليل على ذلك ما في الصحيح من حديث أبي موسى، قال: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: {يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيقول الله: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان -هذه رحمة أرحم الراحمين- فيخرجون من النار وقد امتحشوا واسودوا وتغيرت ألوانهم، فيغمسون في نهر الحياة، نهر عند باب الجنة فيدخلون صفر الألوان مكتوب عليهم الجهنميون، عتقاء الله من النار، وهؤلاء هم آخر من يدخل الجنة من أهل الجنة} ولعلمكم أن آخر من يدخل الجنة، رجل من هؤلاء، يقول: يارب -هذا الموحد أما المشرك فلا يطمع أبداً في الدخول وهو خالد مخلد في النار: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72] إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فالمشرك الجنة محرمة عليه أبداً، فآخرهم كما في الصحيحين برواية طويلة من حديث أبي هريرة، يخرجه الله، يقول: {يا رب! أخرجني من النار، قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، قال الله: يابن آدم! إن أخرجتك من النار أتسأل غير ذلك؟ قال: لا يا رب! فيعطي ربه من الوعود والمواثيق ما الله به عليم فيخرجه، فإذا أخرجه رأى الجنة، قال: يا رب! قربني من باب الجنة، قال: ما أغدرك يابن آدم! أتسألني غير ذلك؟ قال: لا والله يا رب -الحديث في الصحيحين - فيقربه الله فيرى نعيم الجنة، قال: يا رب! أدخلني الجنة، فيضحك الله} وهذا معتقد أهل السنة والجماعة أن الله يضحك ضحكاً يليق بجلاله، لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله، ولما قال صلى الله عليه وسلم: {يضحك ربنا، قال أعرابي بدوي عنده: لا نعدم من رب يضحك خيراً} الأعراب لهم دواهي، يقول: لا نعدم من رب يضحك خيراً، وصدق أنه مادام أن الله يرحم ويضحك فنرجو رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ونسأله فضله {فيدخله الله الجنة، فيقول: تمن، فيتمنى، فيقول: لك ذلك وعشرة أمثال من ملك أهل الدنيا} لكن موضع سوط فيها خير من الدنيا وما عليها.
أقلهم ملكاً من الدنيا ملك وعشرة أمثالها من دون شك |
لكنما موطن سوط فيها خير من الدنيا وما عليها |
أولها: المصائب المكفرة.
ثانيها: الحسنات الماحية.
ثالثها: دعوات المؤمنين له.
رابعها: ما يجد في سكرات الموت.
خامسها: شفاعة المسلمين في صلاة الجنازة له.
سادسها: ما يلقى في القبر.
سابعها: هول العرصات، والهول يوم العرض الأكبر.
ثامنها: شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.
تاسعها: شفاعة الولي، أو شفاعة الصالح من أقاربه.
عاشرها: رحمة أرحم الراحمين. فإذا فاتته فليبكِ على نفسه.
وأما بعث النار، فإذا جمع الله الأولين والآخرين كما في الصحيحين، قال الله: {يا آدم! أخرج بعث النار قال: يا رب! من كم؟ -أي: من أمته- قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون} فذلك يوم يشيب الولدان يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].
نور الدين محمود زنكي، السلطان الكردي الأيوبي الذي فتح الله به البلاد، وجمع الله به كلمة العباد، كان من أولياء الله الكبار، كان يصلي في الليل، وهو عم صلاح الدين الأيوبي، يقول الحارس إذا أتى نصف الليل أيقظني للصلاة، فأيقظ أطفاله وزوجاته، وجواريه وجنوده، فقاموا يصلون حتى الصباح، استعرض جيشه وهو أكثر من مائة ألف في دمشق، فيه العساكر والدساكر والجنود المجندة، والبنود والأعلام، وكان يعدها لفتح بيت المقدس لكن مات قبل ذلك، فلما كان في يوم المهرجان دخل عليه عالم من العلماء فقال له في قصيدة للسلطان:
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور |
إن قيل نور الدين جاء مُسلِّماً فحذار أن تأتي وما لك نور |
حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور |
فغشي على السلطان حتى رش بالماء.
ففي ذاك اليوم، يقول آدم: كم يا رب؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، {فذهل الصحابة وقامت شعور رءوسهم، وقالوا: يا رسول الله! كيف العمل؟ قال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، ثم قال عليه الصلاة والسلام ألا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: الله أكبر، قال: أما ترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قالوا: الله أكبر، قال: فأبشروا فإنكم في الأمم التي قبلكم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض} نسأل الله من رحمته.
أما أعمالنا فو الله نحن نعرف أنفسنا، لا أعمال، وهي مدخولة ومشكوكة، وهي عرجاء، ولكن نحن نضع أنفسنا تحت رحمة أرحم الراحمين، أن يتغمدنا برحمته، فلن يدخل أحد الجنة بعمله، ولكن برحمة أرحم الراحمين!
وقد قال عليه الصلاة والسلام والحديث عند أحمد بسند حسن: {من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة} شربها مرة يبقى الله غضباناً عليه أربعين ليلة، ويقاس به متعاطي -ولو حبة- المخدرات: {فإن عاد كان على الله حقاً أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: وما طينة الخبال يارسول الله؟ قال: صديد أهل النار} وفي ألفاظ: {عصارة أهل النار} قيح أهل النار، ودمهم وصديدهم، فهذا شارب الخمر.
والزناة ولو كانوا موحدين قد يدخلون النار ولهم أفران إذا لم يتوبوا وهي قدور هائلة محماة تضطرم بأهلها، يجمع الله الزناة من الرجال والنساء فيها، فتتمصخ جلودهم.
والسارق له حظه، والقاتل له حظه، وقد يدخل أهل العصاة بمعاص أقل كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح لما قال لـمعاذ: {ألا أدلك على ملاك ذلك كله، قال: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأشار إلى لسانه، قال: وإنا لمآخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! قال: ثكلتك أمك يا
رب كلمة يقولها الإنسان لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً، أو نظرة أو همزة أو إشارة معها استخفاف بمحارم الله وتعد على حدود الله، فنسأل الله أن يتوب علينا وعليكم.
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزال مهما هفا العبد عفا |
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا |
ومر معنا أن النار دركات، وأن الجنة درجات، وأن من الناس من يدخل دركات النار بحسب أعمالهم، والجنة درجات كما في الدرس السابق.
عالم ومجاهد وكريم: يؤتى بعالم فيقول الله: أما علمتك العلم؟ قال: بلى يا رب! فيقول: ماذا فعلت، والله أعلم؟ قال: علمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم، خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يلقى في النار، ويفعل بالمجاهد المرائي والكريم المرائي كذلك، ولما سمع معاوية الحديث بكى حتى مرّغ وجهه في التراب، وقال صدق الله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16].
أما تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً [مريم:71] فقد مر والصحيح عند أهل العلم أن جميع الناس يمرون على النار، من على الصراط، وهو الورود، ثم ينجي الله المتقين من على الصراط، ويذر الظالمين ومن استحق العذاب فيها جثياً، نسأل الله السلامة.
وباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، ولا يزال كل يوم كلما برق بارق، وكلما سطع نجم وأضاء، ونزل قطر من السماء، وكلما لمع ضياء، وترقرق الماء، فلله تائب من الأولياء يعود.
هذا اليوم أتت رسالة من رجل اسمه المطبقاني من المدينة، أعلن توبته، ويريد أن تُقص توبته ولا يخبر باسمه، وأموره عجيبة فقد كان من الأثرياء التجار الكبار -أنا لا أذكر اسمه لكن أسرته معروفة- وقد سافر إلى أوروبا فأنفق مليوناً في عطلة من العطل في الفجور والإجرام والخسارة، وفي الأخير عاد وصلَّى صلاة التراويح في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام المسجد النبوي وسمع المقرئ وهو يقرأ: إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً [الواقعة:1-4] فَرُج قلبه وبعد الصلاة أتي عليه وهو مغمى، وحمل وأعلن توبته.
وقد وعدني أحد الإخوة بقصص كثيرة سوف نسمع إليها ونعرض لها في دروس ممن تاب وأناب، فحلنا من الورطة وخروجنا من هذه المدلهمة والنار التوبة النصوح.
ابن تيمية يسأله رجل يقول: أصبت بسهم مسموم -يعني: عشق- وبعض العشق يقتل، وبعضه يخرج الإيمان والقرآن وحب الله من القلب، وبعض العشق يترك الإنسان كالدابة بهيمة- قال: ماذا أفعل؟ قال: عليك بالصلوات الخمس جماعة، وأكثر من الدعاء أدبار الصلوات، وفي السجود، وفي آخر الليل.
ومنها الانتهاء عن المعاصي.
اتقِ الله الذي عز وجل واستمع قولاً به ضرب المثل |
اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل |
كم أطعت النفس إذ أغويتها وعلى فعل الخنا ربيتها |
إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل |
كيف يستفيق قلب ينام على الأغنية ويستيقظ عليها، قرآنه المجلة الخليعة، والفيديو المهدم، والمسلسل المخرب؟! كيف يستفيق ميت؟ فلذلك لا يرى النور.
فأوصي نفسي وإخواني أن يستجيبوا لله وللرسول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24] ما هي الاستجابة؟
هي أن تدخل الإيمان قلبك وإلا سوف تكون ميتاً: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] ظلمات الشهوة والمعصية، الانتهاء عن المعاصي، الغناء الماجن، وتسمعون كثيراً من التركيز عن الغناء؛ لأن ابن تيمية قال: هوبريد الزنا، وقال بعض أهل العلم: هو الذي يحبب النفاق ويزرعه ويغرسه، وقال غيرهم: ما أدمن عبد على سماعه إلا وقع في الفاحشة الكبرى، ومنها: إطلاق النظر في المحرمات، ومنها: سفور المرأة، وتبرجها وذهابها مع السائق بلا محرم، ومرورها على الخياطين والمغرضين والباعة بلا محرم، كل ذلك سبب للفساد والجريمة التي وقعت وتقع، إذا لم يتب التائبون ويعود المعرضون إلى الواحد الأحد، فهذه مسائل تنجي صاحبها من النار.
وهذه حروز ومن شاء فليعتبر، ولعل الله عز وجل أن يجعل لنا ولكم سبيلاً إلى رضوانه، وباباً إلى رحمته، نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجنبنا وإياكم النار والعار والشنار والدمار.
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:192-193] وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66] فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
الجواب: معتقد أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار موجودتان الآن، ومخلوقتان وأنهما لا تفنيان، قال الشيخ حافظ الحكمي
والنار والجنة حقاً وهما موجودتان لا فناء لهما |
أي: موجودتان الآن ومخلوقتان، فالصحيح أن النار مخلوقة، وخالف في ذلك الفلاسفة أذناب الصابئة وفروخ المعرضين والملحدين الزنادقة، فقالوا: تخلق يوم القيامة وأنكروا خلقها، فقالوا: تخلق على صورة تعذيب تمثيل، فعليهم لعنة الله، بل هي مخلوقة اليوم وموجودة، ولا تخلق فيما يأتي بل هي الآن موجودة.
هذا معتقد أهل السنة والجماعة، والنار لا تفنى ولو نقل هذا عن بعض أهل العلم فهي مقولة، إما لا تثبت عنه وإما أنه واهم، والصحيح أن من في الجنة خالدون فيها أبداً، ومن في النار خالدون فيها أبداً.
الجواب: سبق في الدرس الماضي أنه عرض سؤال هل يدخل الجن الجنة؟ قال ابن تيمية يجيب على هذا السؤال: ليس في الكتاب والسنة تصريح أن الجن يدخلون الجنة، لكن ورد في سورة الرحمن ما يشير إلى أنهم سوف يدخلون لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الحور العين: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] فدل على أن الجن يدخلون.
أما دخول الجن النار فقد ورد صريحاً، قال سبحانه:
ويقول الجن عن أنفسهم: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [الجن:14-15] فعصاتهم يدخلون النار، فهذه من المسائل.
الجواب: أولاً: أيها الأخ: قتل هؤلاء المجرمين عدالة، وسوف يكون هناك محاضرة يوم الأربعاء -إن شاء الله- في الرياض بعنوان: قتل المجرمين عدالة، وسوف يؤتى بالنصوص من الكتاب والسنة، ومواقف أهل العلم والنقولات من بعض المشايخ عن هذه المسألة وسوف تصلكم الأشرطة، وموقفنا أن نقول: إن قتلهم من العدالة، وهؤلاء زنادقة، وارتكبوا أعظم جرائم في الدنيا، فإنهم لم يسرقوا ويزنوا، بل فعلوا أعظم من السرقة، والزنا، ماذا فعلوا؟ سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام.
وهؤلاء في قتلهم دروس:
أولها: أن إقامة شرع الله في الأرض سلام وأمان للبلاد والعباد وأنها سعادة، وأن من لم يقم شرع الله فسوف يقع في مدلهمات وتمزق وويلات، وفي انحراف وإرهاب وفي قتل وإعدامات، كما فعلت الشعوب من حولنا، لمَّا لم يطبقوا شرع الله: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
يقتل القاتل عندهم ثم يتركونه سبع سنوات، ثم يخرج اليوم الثاني، يزني الزاني ويفجر الفاجر، ويرهب الراهب، ويأتون بمدلهمات ويقتلون قتلاً ذريعاً، وفي الأخير تطلمس الفتاوى وتخرج وتميع القضايا فيخرجون من الباب الثاني للسجن، فيقعون في خوف عظيم.
أين الرواية أم أين الدراية كم صاغوه من زخرف فيها ومن كذب |
بهارج وأحاديث منمقة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب |
فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب |
وفيها الدرس الثاني: أن الله يحمي المقدسات ومهما حاول مختف أن يختفي، فإن الله سوف يفضحه على رءوس الأشهاد.
والثالث: أن هذه البلاد قامت على الكتاب والسيف: وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] كتاب وسنة وسيف ينصر، ودرس للزنادقة من أهل الحداثة، أن سيفاً قطف تلك الرءوس لجدير أن يمر على رءوسهم مرة ثانية ليقطفها؛ لأنهم يعادون الإسلام والكتاب والسنة، والمقدسات وولاة الأمر، فجدير على سيف أخذ دماء أولئك أو قطف رءوسهم يوم الخميس أن يقطف رءوسهم يوم الجمعة، أليس الصبح بقريب!
كذا مضت الأيام في الناس عبرة مصائب قوم عند قوم فوائد |
الجواب: لا عليك، باسم الله عليك، تبقى في القرية وأعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق، نسأل الله أن يحميك من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، وما عليك -إن شاء الله- خوف، وأن تبقى في القرية، وتسكن فيها، وما عليك خوف منها، لكن إذا أردت أن تدخل فقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
يقولون: في قرية اسمها: جهنم، حتى يقول صاحبها وهو بدوي أعرابي شاعر سكن في هجرة من الهجر، قال:
قال يا ديرتي جعلش من العام تسعين عام ولا حل الحياة وسط جنات |
جعلش جهنم من جهنم تصيرين حشائش تأكلني أدناش وأولاش |
هذا أنا ما أنطق الكاف؛ لأن الكاف ينطق عندهم بلهجة ثانية.
الجواب: أنا كررتها كثيراً لكن أوردها:
كرر العلم يا كريم المحلى وتدبره فالمكرر أحلى |
وهذا شاعر حربي بطل، وهو داعية من الدعاة، وهو شاعر بالعربي وبالنبطي، وقد دخل على مجموعة فرآهم حالقين لحاهم، وهو من قبيلة الحروب، والحروب حرب على أعداء الله، فيقول في الحالقين:
ياربعنا ياللي حلقتم لحاكم ويش ترمونها في القمامة |
ذي سنة ما سنها مصطفاكم علامة ياشينها من علامة |
ترى اللحى زيناتكم هي حلالكم لها مع الخير وقار وشهامة |
وترى اللحى يوصي بها مصطفاكم صفوة قريش اللي رفيع مقامه |
شابهتم الكفار شغلة عداكم ومن شابه الكافر عليه الملامة |
عفواً لعل الله يغفر خطاكم وتفوزوا يوم اللقاء في القيامة |
هذه وصيتي كان ربي هداكم أقولها يالربع ومع السلامة |
هذا من أحسن ما قيل في هذه القصيدة، فلا ضرر عليك بتسمية القرية حفظك الله، لكن إذا حصل أن اجتمع أهل القرية والمسئول والإمام ومشائخها وحولوا الاسم فيجوز لهم ذلك، ولا يسجدوا سجدتي السهو، لا عند المالكية ولا الحنابلة ولا الشافعية ولا حتى الأحناف، بل يغيرون اسمها والحمد لله.
الجواب: الحديث سنده غير صحيح ومعناه صحيح، فلا يستنجى من الريح، وإنما يستنجي أهل البدع، والريح لا يستنجى منه، إنما يستنجى من الغائط والبول، لكن الحديث لا يصح سنداً.
الجواب: هؤلاء إذا فعلوا ذلك ولم يعلنوا توبتهم إلى الله، فهؤلاء زنادقة منافقون كفرة والعياذ بالله: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] ومن ثبت عنه أنه استهزأ بالجنة أو بالنار أو بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن، فيشهد عليه ويرفع أمره إلى السلطان أو القاضي، ليرى حكم الله فيه ويقطف رأسه، فهو حلال الدم ويتقرب بدمه إلى الله.
وأنا قد ذكرت لكم أن بعض الفجرة من أهل الحداثة، في بلد من البلدان يقولون: كان يدرس في الكلية فيخرج في الفسحة، فيجمع معه فروخ الماسونية، وأذناب استالين ولينين، ويجلس معهم يشربون الببسي في الفسحة، فيقولون: حدثنا بالحديث النبوي، قال: حدثتني عمتي قالت: حدثتها جدتها، أن خالتها قالت: قال أبو هريرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة: أتدرون ما الببسي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: سبحان الله ما تدرون ما الببسي! قوموا عني، فيضحكون، فهذا قد أُفتي فيه أنه زنديق مارد ملحد.
ولذلك قصائدهم التي تنشر الرموز هم يريدون فيها الاستهزاء، حتى يقول أحدهم: إن ابن أبي هاشم -يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم- نشر رداءه، وقد سبق أن عُرفوا -لعنهم الله لعنة تحيط بهم إن لم يتوبوا- وأنا أركز عليهم دائماً، وذلك مما رأينا من إصرارهم والمحاربة للكتاب والسنة في بلد قام على الكتاب والسنة، بلد المقدسات والحرمين، ثم يأتون من أبنائنا ممن يستنشقون هواءنا، ويشربون ماءنا، فيأتون بهذا الكلام الإلحادي، فحسبنا الله عليهم ونعم الوكيل!
فيا أيها الأخ! عليك أن تدعوهم بالتي هي أحسن، وإن كانوا سوف يستهزئون ويستمرون فلا تكلمهم ولا تجلس معهم: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] فتقطع المجلس وتظهر الغضب، ولا تجاريهم في كلامهم.
الجواب: نعم. المنافق مخلد في النار، والنفاق قسمان: نفاق عملي ونفاق اعتقادي.
النفاق الاعتقادي: كأن ينكر اليوم الآخر، أو يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم في الباطن.
النفاق العملي مثل: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، والنفاق العملي: لا يخرج من الملة، لكنه نقص في الإيمان وذم.
والنفاق الاعتقادي مخرج من الملة، وصاحبه كافر، وخوفك من النفاق علامة إيمانك وخيرك وإخلاصك، فلا يخاف النفاق إلا مؤمن، ولا يأمن النفاق إلا منافق، هذا كلام الحسن البصري معلقاً في البخاري.
الجواب: نعم تقبل توبته، وقد أصاب كل الإصابة، وعند الحاكم من حديث ابن عباس، وأورده ابن حجر في بلوغ المرام: {من ابتلي بشيء من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم فيه حد الله} فالصحيح من ابتلي بحد، فعليه أن يستتر ويتوب بينه وبين الله، ولا يذهب إلى القاضي أو المسئول ليخبره بما أصاب، وقد تقول: إن ماعزاً والغامدية والجهنية ذهبوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أقول: حدث هذا، وقد رجموا وقتلوا وكان جزاؤهم أنهم في الجنة، حتى قال عليه الصلاة والسلام في الغامدية: {إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة} وقال: {لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم} فحصل هذا.
أما المسلم لو أتى كبيرة فعليه أن يتوب ولا يذهب إلى الحاكم، وإنما يتوب بينه وبين الله، والله يتوب على من تاب.
الجواب: هذا كلام طويل، وسوف يخرج كتيب بعد أسبوعين أو ثلاثة اسمه: كيف تطلب العلم، يخبرك هذا الكتاب بطريقة طلب العلم حفظاً ومطالعة وقراءة ومذاكرة ومناقشة فانتظره قريباً، وسوف يأتي إن شاء الله.
الجواب: التخفيف هو شبه صلاته عليه الصلاة والسلام، لا يذهب روعتها وروحها، ولا خشوعها وخضوعها، كأن ينقرها نقراً، بعض الناس إذا صليت معهم كأنك في تمارين رياضية، حتى ما تنتهي الصلاة وقد انقطع قلبك، فما تقول: سبحان ربي الأعلى وإذا هو قد وقف، سبحان ربي العظيم إلا وقد وقام، وهذه ليست بصلاة، وبعضهم إذا صلى أطال حتى يتوب الناس من الصلاة خلفه، فتجد بعض المهتدين يأتي الفريضة فيبقى يطيل ويطيل فيها حتى يذهب الخشوع والخضوع.
أحد الناس العوام أخبرني أنه سافر مرة إلى الرياض فمرَّ بطريقه بمسجد، فترك أهله -امرأته وأخواته وبناته- في السيارة في الشمس ودخل مع إمام مشهور بالإطالة، حتى إن هذا الإمام صلَّى معه رجل آخر من المنطقة الجنوبية، قال عنه: يجلس في السجود حتى تنسى أين أنت، هل أنت في المملكة أو في مدغشقر، أي: في السجود دماغك ينقلب، حتى لا تتذكر هل أنت ساجد أو نائم، فلما سلم -هذا الرجل الثاني- قام وقال: يا شيخ! مبروك، قال: على ماذا؟ قال: والله الفريضة الواحدة معك مثل حجة كاملة كاملة.
فالرجل الأول ترك أطفاله في السيارة في الشمس، قال: فدخلت معه في أول ركعة في الصف الأول، وأتت الصفوف وراءنا، قال: فقرأت الفاتحة وما أحفظ من سور -كل ما يحفظ من سور قرأها- قال: ثم قرأت التحيات، ثم صليت على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استغفرت ثم سبحت، ثم دعوت الله، قال: في الأخير كنت أنظر في المحراب هل الإمام موجود، -أي: خاف لو يكون راح يتغدى أو ينام- قال: فلما رأيته أطال قلت: هذه الركعة الأولى فكيف بالركعة الثانية والثالثة والرابعة، وأهله حموا في السيارة، فقطع الصفوف، قال: وصليت أربع ركعات وهو لا يزال في الأولى.
ولذلك هذا الإمام نحي عن الإمامة.
فالصحيح أن تصلي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي علمها لـمعاذ في صلاة العشاء، حيث كان يصلي بهم بعد الفاتحة، بمثل: سبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والضحى والليل إذا سجى، وأمثالها وأشباهها، فلا هذا ولا هذا، والإنسان عليه أن يكون فقيهاً، ويعرف أحوال الناس، لأن بعض الناس يقول: ما علي منهم والله لا أجامل أحداً، ولا أريد إلا الله، وهذا جيد لكن والجماعة التي وراءك، شيخ كبير: طفل صغير، مريض، وذو حاجة، هل تحبس الناس؟ لا.
وكذلك لا تذهب خشوع الصلاة، فكن فقيهاً واقرأ هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، كما في زاد المعاد، لـابن القيم.
وفي ختام هذا الدرس: نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وأستبيحكم عذراً على من لم أجب على سؤاله؛ لضيق الوقت، ولها -إن شاء الله- مواقف أخرى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر