إسلام ويب

مواقف من حياته عليه الصلاة والسلامللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يحيي القلوب بنور الحكمة، وذكر معجزاته يزيد الإيمان رسوخاً، والكلام عن شمائله يزيد من حبه، وتذاكر سيرته يزيد المرء ثباتاً على الدين، وفي هذا الدرس شيء من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه العظيمة.

    1.   

    من البراهين والمعجزات

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    سلام لا ينقطع إلا بالدموع، وسلام لا ينتهي إلا بالحب يخلفه، وسلام نلتقي عليه هذا اليوم ويوم يجمع الله الناس ليوم لا ريب فيه، فنسأله كما جمعنا على الحب فيه أن يجمعنا في رضوانه وفي دار كرامته في مقعد صدق عند مليك مقتدر، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ.

    لا تعاقبنا فقد عاقبنـا     قلقٌ أسهرنا طول المنام

    أيها المسلمون: معنا هذه الليلة حبيبنا عليه الصلاة والسلام، معنا رسولنا، معنا قدوتنا، معنا صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم بحديثه وبسيرته وبقصصه الطيب.

    وداعٍ دعا إذ نحن بـالخيف من منى فهيج أشواق الفؤاد وما يدري

    دعا باسم ليلى غيرها فكأنما      أهاج بليلى طائراً كان في صدري

    قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]

    انشقاق القمر

    عنوان هذه المحاضرة" مواقف من حياته عليه الصلاة والسلام".

    ومن مواقفه صلى الله عليه وسلم التي نعيش أنوارها وأسرارها وأخبارها: موقف البراهين التي أثبت الله بها نبوته عليه الصلاة والسلام، جاء إلى أهل مكة رجل عرفوه فقد تربى معهم، وسار في جبالهم، وتظلل بسمائهم، ومشى على أرضهم، فلما قال: أرسلني الله، قالوا له: كذبت -وهو الصادق- فكان عليه أن يأتي بآيات بينات، فأتى بها من عند حكيم خبير أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15]

    خرج على أهل الحرم وقد أطل القمر ليلة أربعة عشر على الناس، وهم في الحرم كما قال الله: سَامِراً تَهْجُرُونَ [المؤمنون:67] أي تسمرون بقول فيه فحش وهجر وبذاء، وقلوب ما عرفت الله، قلوب عاقرت الخمر والفاحشة والزنا، وهم في الخمر يطل عليهم عليه الصلاة السلام كالبدر، وهم في ظلام الليل، كما قال الأول:

    صبحته عند المساء فقـال لي     ما ذا الصباحُ وظن ذاك مزاحا

    فأجبته إشراق وجهك غـرني     حتى توهمت المساء صباحا

    فقال لهم: {قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} فقال أبو جهل: آذيتنا وسببت آلهتنا، وسفهت أحلامنا، ثم حلف باللات والعزى لا يقول: لا إله إلا الله حتى يشق له القمر.. إنها آية عظيمة، إنه امتحان صعب، إنه تحدٍ صارخ، إنها مجازفة سافرة، حلف بلاته وعزاه لا يؤمن ولا يذوق هذا الدين حتى يشق له رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله القمر، وكان تحدياً أمام الجماهير، فوقف عليه الصلاة والسلام موقف الشجاعة والبسالة، وموقف القيادة للعالم، كما يقول المتنبي في ممدوحه:

    وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ     كأنك في جفن الردى وهو نائم

    تمر بك الأبطال كلمى هزيمـةً     ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم

    فالتفت إلى القبلة ودعا الله، وقال لكفار قريش: إن شق الله لي القمر أتسلمون؟ قالوا: نعم - والحديث صحيح من حديث أنس وغيره- فأشار إلى القمر ودعا الله، فشق الله له القمر فلقتين، أما إحداهما فذهبت إلى جبل أبي قبيس، وذهبت الأخرى قيل: إلى عرفات وقيل: إلى مكان آخر، قال: انظروا فنظروا ورأوا القمر قد انشق، ورأوا آية الله وبرهان الله وحجة الله ودليل الله على إرسال رسول الله أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15]

    ماذا فعلوا؟ قاموا من المجالس كالحمر ينفضون ثيابهم، ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد، ثم تسابقوا وخرجوا من أبواب الحرم.

    أليس دليلاً على رسالته وعلى مواقفه الخالدة أن يثبت الله رسالته من السماء بآيات؟! فسبحان ربك! أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15].

    نزول المطر

    ويأتي عليه الصلاة والسلام.. والحديث عند البخاري ومسلم من حديث أنس وغيره، فيقف على المنبر يوم الجمعة يخطب الناس، لكن بكلام يحيي به الله القلوب.

    ما بنى جملةً من اللفظ إلا     وابتنى اللفظ أمةً من عفاء

    فهو أصدق الناس، وأخشى الناس وأعلمهم وأخلصهم، يتكلم في خطبة الجمعة، وكان ذاك الجو صائفاً شديد الحر؛ السماء ترسل أشعتها كالنار، ليس في السماء سحاب ولا غيم، والناس في قحط لا يعلمه إلا الله، وبينما هو في أثناء الخطبة- بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام -إذا بأعرابي يدخل من باب نحو دار القضاء-باب من أبواب المسجد- فيقطع هذا الأعرابي خطبة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول: { يا رسول الله! ضاع المال، وجاع العيال، وقحطنا، فادع الله أن يغيثنا، فقطع صلى الله عليه وسلم الخطبة مباشرة ورفع يديه، وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا قال أنس راوي الحديث: والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع شيء، فثارت من وراء سلع سحابة صغيرة كالترس- والترس مجن يحمله المقاتل يحميه من ضربات السيوف -فانتشرت كالجبال على سماء المسجد وسماء المدينة، ثم أبرقت وأرعدت وأمطرت بإذن الواحد الأحد، فوقع الغيث على المسجد، فخر الماء على الخطيب صلى الله عليه وسلم، وأخذ الماء يتحدر على لحيته، وهو يتبسم ويقول: أشهد أني رسول الله}.

    ونقول له: نشهد أنك رسول الله، وأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وأنك أخرجت القلوب من ربقة التقليد والتبعية والخرافة والوثنية، وأحييت أمة، ورفعت للعدل منبراً، وأنك سللت للإسلام سيفاً، فصلى الله عليك وسلم تسليماً كثيراً.

    ويستمر الغيث أسبوعاً كاملاً، وتسيل الأودية، ويأتي ذاك الأعرابي أو غيره في الجمعة الأخرى، والرسول عليه الصلاة والسلام يخطب في الناس والغيث ينزل والمطر يواصل، فيقطع خطبته مرةً ثانيةً، ويقول: يا رسول الله! جاع العيال- أي: جاعوا من كثرة الأمطار، قبل أسبوع جاعوا من القحط والجدب والجوع، واليوم جاعوا من الحصار الذي أحدثه المطر بإذن الله فأصبحوا في البيوت -قال: وتقطعت السبل، وضاع المال، فادع الله أن يرفع عنا الغيث، فتبسم عليه الصلاة والسلام.

    قال بعض أهل العلم: تبسم إما للموافقة لأن هذا الأعرابي يقطعه مرتين في موقفين، وقيل: تبسم من قلة صبر الناس، ما صبروا على الجوع والظمأ، وما صبروا على استمرار المطر والغيث، فيرفع عليه الصلاة والسلام كفيه الشريفتين، فهل يقول: يا رب! ارفع عنا الغيث؟ لا، هل النبي يدعو برفع الغيث؟ لا، الرحمة لا يطلب أن ترفع مهما نزلت، فهي بركة وخير ونور، فقال: {اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر} قال أنس: والله ما أشار صلى الله عليه وسلم إلى مكان إلا أخذ المطر والغيث ينحاز إلى ذاك المكان، وخرج الصحابة والمدينة في مثل الجوبة كأن عليها ثوباً مفصلاً، أما المدينة فشمس وهواء طلق ونسيم عليل، وأما حولها فأمطار غزيرة وسيول جارفة.. أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15].

    إنه برهان على رسالته الخالدة، وهذا القصص يغرس الإيمان في القلوب حتى يصبح كالجبال، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] وأحسن القصص سيرته عليه الصلاة والسلام وما صح عنه.

    بركة الطعام القليل يوم الخندق

    وإليكم أيها الأحباب الأخيار قصة ثالثة نُنهي بها هذا الموقف لنصل إلى موقف آخر من مواقفه عليه الصلاة والسلام: في صحيح مسلم أن جابر رضي الله عنه وأرضاه، قال: والذي أخذ بصري بعد أن أعطانيه..

    كان جابر بن عبد الله أعمى البصر، وأما قلبه فمبصر، قلبه يرى، قلبه على بصيرة من الله، وأما بصره فأخذ الله نوره ليعوضه جنة عرضها السماوات والأرض أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [الرعد:19] بعضهم عيونه كبيرة ولكن قلبه صغير، بعضهم يرى كل شيء ولكن لا يرى طريق الهداية، يبصر كل معالم الوثنية والفتنة والخرافة، يرى الشاشة والمجلة الخليعة، ويرى الفتاة الداعرة، ويرى الكأس، ويرى الساعات الحمراء، ويرى الإجرام، ولكن لا يرى طريق الهداية والاستقامة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] ولسان حال جابر يقول:

    إن يأخذ الله من عيني نورهمـا     ففي فؤادي وقلبي منهما نور

    قلبي ذكيٌ وعقلي غير ذي عوجٍ     وفي فمي صارم كالسيف مشهور

    الشاهد: يقسم جابر بمن أخذ بصره بعد أن أعطاه، وهو الله، ولا يقسم إلا بالله، لقد سافر مع الرسول عليه الصلاة والسلام -والحديث كما أسلفت في الصحيح- قال: لما خرجت معه في الغزوة أخذني عليه الصلاة والسلام بيدي، فخرجت معه إلى الصحراء، وانفرد الرسول صلى الله عليه وسلم بـجابر، ثم قال له صلى الله عليه وسلم: {يا جابر! أترى تلك الشجرة؟ قلت: نعم، يا رسول الله قال: اذهب إليها، وقل لها: أيتها الشجرة! إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك: تعالي فذهب فقال: يا أيتها الشجرة! إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: تعالي قال جابر: فوالذي نفسي بيده لقد أقبلت تشق الأرض شقاً حتى وقفت بجانبه -وسند هذا الحديث في مسلم كنجوم السماء- قال: اذهب إلى الشجرة الأخرى، وقل لها: يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم تعالي، فيذهب فيقول لها، قال جابر: فوالذي نفسي بيده لقد أقبلت تشق الأرض شقاً حتى وقفت بجانبه.

    وفي لفظ آخر لـمسلم: تخد الأرض خداً، من باب الأخدود قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ [البروج:4] أي: الشقوق في الأرض، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من حاجته أخذ بغصنين غصن من شجرة وغصن من شجرة، وقال: يا جابر قل لهما تعودان إلى مكانيهما، فقال لهما، قال جابر: والذي نفسي يبده لقد عادتا تشقان الأرض شقاً حتى وقفتا مكانيهما}.. أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] بل هو الحق والبرهان الناصع على أنه رسول من الله.

    وقد يقول قائل: سمعنا بهذا وأدركناه فما فائدة عرضه؟ فأقول: ثلاث فوائد نص عليها أهل العلم:

    أولاً: تضويع المسجد بذكره عليه الصلاة والسلام.

    إذا مرضنا تداوينا بذكركـم     ونترك الذكر أحياناً فننتكس

    فذكره في المجالس من أحلى ساعات العمر، ومن أغلى حياة المؤمن في الدنيا.

    الأمر الثاني: تعميق الإيمان وتأصيله.

    الأمر الثالث: الاستغناء بالقصص الصحيح عن القصص الخرافي الباطل الذي لصقه الخرافيون المبتدعون الذين لا يعلمون شيئاً.

    أتدري ماذا يقول الخرافيون؟

    يقولون: سافر أعرابيٌ إلى المدينة، فوصل إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقف في القبر، وقال: يا رسول الله! إن الله يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء:64] وإني يا رسول الله أذنبت وجئت أستغفر الله فاستغفر لي عند الله، قالوا: فانشق القبر فسلم عليه الرسول عليه الصلاة والسلام!! وهذه خزعبلات ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] ويورد مثل هذه الخزعبلات الغزالي القديم والحديث، ولذلك يقولون: الأعرابي هذا لما صافح الرسول عليه الصلاة والسلام أنشد بيتين، وقال:

    يا خير من دُفنت في القاع أعظمه     فطاب من طيبهن القاع والأكم

    نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه     فيه العفاف وفيه الجود والكرم

    ويأتي النبهاني، وما أدراك ما النبهاني؟! صاحب الصلاة على سيد الكونين، الخرافي الكبير، والقبوري المبتدع، الذي يقول عنه الألوسي -بيض الله وجه الألوسي - يقول: إن كتب النبهاني وابن حجر الهيتمي وكتب السبكي -ولو أن فيها مجازفة- لا تصلح إلا مخالي يوضع فيها الشعير للحمير، لأنهم يقولون: كتب ابن تيمية لا تصلح للنشر، فقال: سبحان الله! كُتُب ابن تيمية العسل المصفى، والإبريز الخالص، والنور الوهاج ما تصلح لأن تنشر، والله إنها حياة لأمة ونور لقلوب، وإن فيها الأصالة والعمق، والذي لا يفهم كتب ابن تيمية كأنه لا يفهم العمق والأصالة، قال: أما كتبكم فتصلح مخالي يوضع فيها الشعير للحمير، تعلق برءوس الحمير، وتصلح كراتين للعلاجات في الصيدليات، وتصلح كذلك تطييق لأحذية زنوبة وأمثالها. وهذا من الرد على أهل البدع.

    يقول النبهاني: أتى الشيخ/ أحمد الرفاعي - وهو من مشايخ الطرق- قال: فوصل إلى الحرم المدني، فتقدم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال:

    في حالة البعد روحي كنت أرسلها     تقبل الأرض عنكم وهي نائبتي

    ما عندهم إلا قصائد؛ كأنهم في سوق عكاظ، أو كأنهم في أمسية شعرية..

    وهذه دولة الأشباح قد حضرت     فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

    قال: فمد الرسول عليه الصلاة والسلام يده، فقبلها الرفاعي ثم عادت إلى القبر.

    يقولون في المثل العامي: إذا كذبت فكبر، أي: إذا تعبت في الكذبة فاجعلها كبيرة، لأنك تعبت في أصل الطريق، فلماذا تتعب نفسك ثم تأتي بشيء يسير؟ قالوا: تمخض الجمل فولد فأراً، فمن الحكمة أن إذا تعب - الكاذب في الكذبة أن يجعلها كبيرة ظلماء صلعاء شوهاء حتى تدخل أو لا تدخل أو تقبل أو لا تقبل، فهذه هي الكذبات، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم غنية عن هذا القصص الباطل.

    وهذا البرعي شاعر يمني قبوري من الغلاة، أتى إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال:

    يا رسول الله يا من ذكره     في نهار الحشر رمزاً ومقاما

    فأقلني عثرتي يا سيدي     في اكتساب الذنب في خمسين عاما

    يقول: يا سيدي! أذنبت فاغفر ذنوبي. هل سمعتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغفر الذنوب؟ هل سمعتم أنه يشافي أو يعافي؟ متى كان طبيباً في قبره عنده صيدلية؟ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3] إنما هو مبلغ، ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير عليه الصلاة والسلام.

    هذه مواقف ومعجزات، ونثني بموقف لـجابر لنخلص إلى موقف آخر: كان الصحابة يحفرون الخندق، وكانوا يضعون الحجر على بطونهم من الجوع، وهذا دليل على أن من تفَّرخ في الدنيا، أو كبر بطنه في مآكل الدنيا، أو ثقل جنباه، أو كثرت سياراته أو أمواله، أن ذلك ليس بدليل على منزلته عند الله، يقول الشافعي:

    تموت الأسد في الغابات جوعاً     ولحم الضأن تأكله الكلاب

    قال جابر: فحفرنا الخندق فعرضت لنا كدية (صخرة) فنزل عليه الصلاة والسلام بالمعول، فأخذه فضرب فشظ له شظية من نار، أو من نور، أو من بارق، فقال: لقد أريت قصور كسرى يفتحها الله علي، فتغامز المنافقون أحدهم دق صاحبه وغمزه، وقال: اسمع يفتح الله عليه قصور كسرى، ونحن أحدنا لا يستطيع أن يبول من الخوف، ثم يضرب صلى الله عليه وسلم الضربة الثانية فيلمع نور وهاج، فيقول: لقد أريت قصور الحيرة، وقيل: المناذرة، وقيل: القياصرة يفتحها الله علي، وأُريت الكنزين الأبيض والأحمر، وسوف يفتحها الله على أمتي، فيتغامزون، ويذكر الله هذا القصص عنهم وهم يقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً، لكن بعد سنوات يفتح الله عليه قصور كسرى وقيصر، وتدخل جيوشه مهللة مكبرة، فاتحة منتصرة، وتعطى أمته الذهب والفضة.

    فلما حفروا رأى جابر الجوع بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، وعلى بطنه حجران، فعاد جابر فتذكر هل في بيته طعام، فتذكر عناقاً صغيرةً وشيئاً من شعير، فذهب إلى زوجته، فقال: هل من طعام؟ قالت: هذه العناق -والعناق: ولد الماعز- فرآه جابر فقال لامرأته: اصنعي هذا الشعير طعاماً، وذبح العناق ووضعها في القدر، وعاد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله! معي طعام يكفي اثنين أو ثلاثة.

    يقول ذلك في أذني الرسول عليه الصلاة والسلام، تكلم معه بالسر؛ لأن المسألة لا تتحمل أكثر من أربعة، طعام قليل وأهل الخندق لو سمعوا وانتشر الخبر، لأنت الداهية، سبعمائة أو أكثر من أهل الخندق، وهم في جوع لا يعلمه إلا الله، الواحد منهم يمكنه أن يأكل العناق والشعير ويدعه قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً.

    قال: يا رسول الله! أريد معك اثنين أو ثلاثة، عندي طعام قليل، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أهل الخندق - ورفع صوته- إن جابر بن عبد الله قد صنع لكم طعاماً فحيهلاً بكم، فوضعوا المساحي وقاموا يمشون إلى بيت جابر، وأما جابر فأسقط في يده، وذهب يفكر، مرةً يقول: يمكن أن الرسول عليه الصلاة والسلام ظن أني أريد الناس، ومرةً لا يدري، فوصل إلى امرأته يبشرها بهذا الجيش العرمرم، قالت: الله ورسوله أعلم، فتقدم عليه الصلاة والسلام أمام الناس - والحديث عند البخاري ومسلم - وهو يتبسم صلى الله عليه وسلم من الواقع والحدث الذي في البيت، ومما في نفس جابر ونفس امرأته، وقال: يا جابر لا تضع البرمة على النار ولا القدر -القدر فيه الطعام، والبرمة فيها اللحم- فتقدم صلى الله عليه وسلم إلى اللحم ونفث فيه من ريقه الطيب الطاهر..

    ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه     من المسك كافوراً وأعواده رندا

    وما ذاك إلا أن هنداً عشـيةً     تمشت وجرت في جوانبه بردا

    نفث في الطعام عليه الصلاة والسلام، وأمر بإنزاله، ودعا الله بالبركة، وقال: أدخلهم عشرة عشرة، فدخلوا وأنتم تعرفون الحساب، وكل سبعين فيها سبع عشرات، والسبعمائة سبعون عشرة، فقال: أدخلهم عشرة عشرة، فدخلوا فأكلوا وقاموا، ثم أتى الآخرون فأكلوا وقاموا، حتى انتهى الجميع والطعام بحاله ما نقص لقمة، فأتى صلى الله عليه وسلم وقال لـجابر: تعال، وأخذ يأكل، وهو يقول: أشهد أني رسول الله.

    ونقول: نشهد أنك رسول الله.. أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15].

    1.   

    ضوابط محبة النبي صلى الله عليه وسلم

    الحب فيض من الله ينزله في القلوب، والحب شجرة، وعلى الحب تبنى البيوت، وعلى الحب تصلح الزوجات والأولاد، وبالحب يسمع الطالب من المعلم، وبالحب تنقاد الرعية للراعي، وبالحب تسير الحياة.

    الرسول عليه الصلاة والسلام كان يغرس الحب في القلوب، ففي الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: أرسل الرسول صلى الله عليه وسلمأبا بكر ليفتح خيبر، فذهب أبو بكر وأخذ الراية يحملها رضي الله عنه وأرضاه، فحاول أن يفتح خيبر فما فتحت له، لسر أراده الله، وإلا فـأبو بكر أفضل الصحابة بلا شك، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية في اليوم الثاني عمر بن الخطاب، وقال: اذهب لعل الله أن يفتح عليك خيبر، فذهب وحاصر وحاول أن يفتح حصون خيبر فما استطاع، فاغتم الصحابة، وحزنوا رضوان الله عليهم، الحصار امتد وطالت المشقة والجوع والكلفة، فباتوا في ليلة طويلة بطيئة النجوم.

    وليلٍ أراح الليل عازب همه     تضاعف فيه الحزن من كل جانب

    فقال عليه الصلاة والسلام وسط الليل: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله) من الجانبين؛ حب لله ولرسوله، وحبُّ من الله ومن رسول الله، وهنا وقفة -يا أبرار- عند الحب ما هي ضوابطه؟

    كان هناك محاضرة ألقيت في المدينة وألقيت في الطائف، لكن أعيد عناصرها على عجالة.

    ضوابط حبه صلى الله عليه وسلم:

    المتابعة

    الضابط الأول: المتابعة.. فمن رأيته يتمدح بلسانه وليس عنده براهين وأدلة على حب الرسول صلى الله عليه وسلم فكذبه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] دليل الحب المتابعة في الظاهر والباطن، قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] إن كان لا يصلي في المسجد، فإذا سألته لماذا لا تصلي مع الجماعة؟

    قال: أنا أحب الله ورسوله قل: كذاب يا لعين، أين حبك؟

    الدعاوى ما لم يقيموا عليها     بينات أصحابها أدعياء

    سنة اللحية، ونحن لا نجعلها مثل بعض الناس الذين يهاجمون شباب الصحوة، ويقولون: هؤلاء متطرفون لا يعرفون إلا اللحية وتقصير الثياب، نقول: اللحية سنة، وليست من أركان الإسلام ولا نضيعها، ولا نفوتها، ومن خالف رسوله صلى الله عليه وسلم في اللحية ففي إيمانه شيء وفي متابعته شيء، ولو أنه لا يهتم بالسنة لما حلق لحيته، وبالمناسبة تذكرت قصيدة أوردها ولا بأس بالنبطي، ويجوز الشعر النبطي في المساجد، ولم يخالف في ذلك أحد، وحيا الله وبيا الله من نصر الإسلام بالشعر النبطي وبالخطب وبالكلمات، ولا حيا الله ولا بيا الله من هاجم الإسلام بالشعر العربي الفصيح وبغيره.

    هذا داعية من الدعاة، حربي من قبيلة (حرب) وقبيلة (حرب) حرب لأعداء الله، هو شاب، لكنه شاعر بالنبطي، كان في مجتمع من الناس فوجدهم يحلقون لحاهم، فقال بالنبطي أبياتاً جميلة استحسنها حتى العلماء، يقول:

    يا ربعنا يا اللي حلقتم لحاكـم     وايش علمكم ترمونها في القمامه

    ذي سنةٍ ما سنها مصطفاكـم     علامةٍ يا شينها من علامه

    ترى اللحى زيناتكم هي حلاكم     لها مع الخير وقار وشهامه

    شابهتم الكفار شغلة عداكم     من شابه الكافر عليه الملامه

    ترى اللحى يوصي بها مصطفاكم     صفوة قريش اللي رفيع مقامه

    عفوا لعل الله يغفر خَطَاكـم     وتفوزوا يوم اللقا في القيامه

    هذي نصيحة إن كان ربي هداكم     أقولها يا الربع ومع السلامه

    ونحن نقول لكم: السنة ومع السلامة، وسلم الله من اتبع سنة محمد عليه الصلاة والسلام، وضابط المتابعة قليل.

    نشر السنة

    الضابط الثاني: بعضهم يعترض، فأحد الفجرة من أذناب الحداثة -عليهم لعنة الله- فقد استوجبوا السيف، وتقريب دمائهم إلى الله من أعظم القربات، ذكر لنا أحد الدعاة والمشايخ: أنه ثبت على أحد الأشخاص من أفراخ الحداثة وعملاء العلمانية والماسونية والشيوعية أنه يستهزئ بالرسالة والرسول عليه الصلاة والسلام.. أكل نعم الله، وترك الصلاة، واستهزأ بالقرآن، ثم جلس في مجلس معه شباب، ثم قال: تريدون من أحاديث أبي هريرة؟ يقول: تريدون أن أسمر معكم مع أبي هريرة؟ قالوا: أعطنا من حديثه. قال: حدثتني عمتي، قالت: حدثتها خالتها، أن جدتها حدثتها عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة: أتدرون ما البيبسي؟ قال الصحابة: الله ورسوله أعلم، قال: قوموا عني ما تعرفون البيبسي.

    إن كان صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً وله عذاب أليم، وقد أعلن كفره وأمثاله، وأباح دمه واستبيح عرضه، وعليه من الله ما يستحقه.. قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] فهذه كلمة تخرجه من الملة، وتبيح دمه، تدخله النار خالداً مخلداً، لايقبل الله منه صرفاً ولا كلاماً ولا شفاعة، لأنه كَفَرَ وألحد وتزندق والعياذ بالله.

    فمن أسرار الحب: نشر السنة في الناس، أن تنطلق بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أن تكون داعية، لا تقل: أنا غير موظف في الهيئة، ولي وظيفة خاصة، فإن وظيفتك الدعوة، وفي عنقك بيعة أن تنشر دعوة الله في الأرض.. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159].

    وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نضَّر الله امرأً سمع مني مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند ابن حبان أنه قال: {رحم الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أفقه من سامع} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

    ومن أسرار الحب: كثرة الصلاة والسلام عليه؛ فإنها من أشرف الأعمال، يقول عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود بسند صحيح من حديث أوس بن أوس: {أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟- أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} وسجد عليه الصلاة والسلام في الأرض ورفع رأسه، وقال للصحابة: {إن جبريل بشرني أن الله قال: من صلىَّ عليك صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}

    اللهم صلِّ وسلم عليه ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام وناح، وما شدا بلبل وصاح.

    اللهم صلِّ وسلم عليه ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون، عدد الأشجار والأحجار والأمطار وقطرات الأنهار وهديل الأطيار، يا واحد يا غفار.

    ليس حبه عليه الصلاة والسلام خرافات تمسيح، وصرف للألوهية من الله إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وغلواً وشركاً ووثنية، ليس هذا بحب، بل هو معاداة صريحة له عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    دروس من حديث سهل بن سعد

    نعود إلى حديث سهل في الصحيحين، قال عليه الصلاة والسلام: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فأمسى الناس يدوكون ليلتهم كلهم يرجو أن يعطى الراية -ليس حباً في الإمارة، لكن في البشرى- قال عمر: ما أحببت الإمرة مثل ليلة أمس -أي: ما أحب الإمرة إلا تلك الليلة وفي الصباح الباكر بعد أن صلى عليه الصلاة والسلام الفجر، قال: أين علي بن أبي طالب؟ -هذه مواصفات علي سيف الله المنتضى، الإمام المرتضى أبو الحسن، نتقرب إلى الله بحبه وننزله المنزلة الرابعة بين الخلفاء الراشدين، ونتولاه حباً في الله خالصاً إلى أن نلقى الله - قال: أين علي بن أبي طالب؟ قال الصحابة: يا رسول الله! هو في خيمته به رمد لا يرى شيئاً - في عينه مرض الرمد لا يرى شيئاً- قال صلى الله عليه وسلم: عليَّ به، فذهب الصحابة إليه وأتوا يقودونه لا يرى مد يده، فأخذوه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: اذهب وخذ الراية، قال: يا رسول الله! والله ما أرى مد يدي. فنفث عليه الصلاة والسلام في عينيه، فأبصر بنور الله، ثم أعطاه الراية، وقال: اذهب فوالذي نفسي بيده لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

    وفي هذا دروس:

    أولها: أن أعظم مواصفات العبد حب الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك جاء في السيرة في معركة أحد قبل المعركة، قام صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: أتريدون القتال داخل المدينة أو عند أحد؟

    فقالوا: في المدينة. فقام شاب، فقال: اخرج بنا يا رسول الله إلى جبل أحد، لا تمنعني دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده لأدخلن الجنة، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: بم تدخل الجنة؟

    قال: بخصلتين: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف.

    أتدري ما علامة الحب؟ أتظن أن علامة الحب أن يجلس الإنسان في المجلس ويتمدح بحب الله وبحب رسوله، ثم يترك الصلوات في المسجد ويصلي في البيت؟! أتظن أن حب الرسول عليه الصلاة والسلام دعاوى فارغةٍ، وبالوناتٍ منتفخةٍ، وبيته يوسوس فيه الشيطان باللهو وبالغناء الماجن، وبالمسلسلات الخليعة وبالمسرحيات العابثة، وهو معرض عن الله؟! أتظن أن حب الله وحب الرسول كلمة تقال باللسان، وهذا العبد عبد لشهواته ومعاصيه ونزواته وإعراضه عن الله، فأين حب الله وحب رسوله؟!

    اسمع إلى نماذج الحب، يقول سعد بن أبي وقاص: حضرنا في معركة أحد مع الصحابة قبل المعركة ومعنا عبد الله بن جحش أحد الشباب في الثلاثين من عمره، قال: فدعوت أنا وإياه قبل المعركة فأما أنا فدعوت بالنصر للمسلمين، وأما عبد الله بن جحش فقال: اللهم لاق بيني وبين عدوٍ لك -أي: من الكفار- شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني، فيبقر بطني -أي: يشق بطني- ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يا رب يوم القيامة في هذه الصورة، تقول: يا عبد الله! لم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب.

    إن كان سركم ما قال حاسدنا     فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألم

    وحضرت المعركة وانتهت، قال سعد: وبحثت في القتلى فوجدت عبد الله بن جحش مقتولاً، قد جدع أنفه، وبقر بطنه، وفقئت عيناه، وقطعت أذناه، فسألت الله أن يلبي له سؤله.

    أليس هذا هو الحب؟ بل أصدق الحب وأعلى الحب.

    يا ضعيف العزم! إن بخلت بركعتين في مسجد، أو بصدقة على مسكين، أو بذكر في الغدوات والعشيات، أو بقراءة القرآن لتنقد نفسك من النار، فإن جعفر الطيار قطعت يمينه، فأخذ الراية باليسرى فقطعت، فاحتضن الراية، فكسروا الرماح والسيوف في صدره، فوقع على الأرض وهو يقول:

    يا حبذا الجنة واقترابها      طيبة وبارد شرابها

    والروم رومٌ قد دنا عذابها     كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها

    عليَّ إن لاقيتها ضرابها

    هذا موقف الحب معه عليه الصلاة والسلام، وعلي بن أبي طالب لا نغلو فيه غلو بعض الناس حتى وصلوا به إلى درجة الألوهية، ولا نجفو فيه جفاء بعض الناس حتى كفروه -والعياذ بالله- لكننا نشهد أنه إمام مرتضى، وأنه أمير المؤمنين، وأنه حبيبنا، وأنه من أصدق الناس، وأخشى الناس، وأتقى الناس لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    خلَّفه عليه الصلاة والسلام في المدينة لما خرج إلى تبوك أميراً على أهل بيته، لأنه كان قوياً أميناً فيه شبه من موسى عليه السلام، فخرج عليه الصلاة والسلام، فجاء المنافقون أهل الخرافات، وقالوا: يا علي! تثاقل منك الرسول صلى الله عليه وسلم فأخرك مع النساء والأطفال تثاقلاً منه، فخرج علي ولحق بالرسول عليه الصلاة والسلام على مشارف المدينة، وهو يبكي ويقول: يا رسول الله! يقول الناس: إنك تثاقلت مني فخلفتني مع النساء والأطفال، فقال عليه الصلاة والسلام: ( يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) كان من أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست مواصفات علي تؤتى بالخزعبلات التي يوردها الناس الذين يغالون في حبه، يقولون: سبب حبه أنه أخذ رمحاً فضرب به صخرة فخرج الماء مع الصخرة، وأخذ حجراً فرمى به فوقع في جبال الألب، لذلك يقول ابن تيمية في هذه الطائفة: هم من أجهل الناس في المنقولات، ومن أضلهم في المعقولات.

    قال حمار الحكيم توما      لو أنصف الدهر كنت أركب

    فإنني جاهلٌ بسيطٌ      وصاحبي جاهلٌ مركب

    ومواقف علي مع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي مواقف الولاء والحب، ومواقف الاتباع له عليه الصلاة والسلام، وما نبل أحد من المسلمين إلا باتباعه عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    غنائم حنين وموقف الأنصار منها

    بقي هناك موقف أختم به هذه الجلسة، ثم نستمع إلى الأسئلة.

    عاش صلى الله عليه وسلم مربياً ومعلماً، كان في كل كلمة يربي جيلاً، وفي كل تصرف يحيي أمة عليه الصلاة والسلام، هاجر إلى الأنصار طريداً وحيداً فريداً فنصروه وآووه وحموه وقطعوا بين يديه، فجزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من حديث أنس:(آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار، الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق).

    هاجر إليهم صلى الله عليه وسلم فنصروه، وخرج في غزوة حنين، فغنم صلى الله عليه وسلم من الإبل ألوفاً مؤلفةً ومن الغنم والمال، فترك الأنصار وأعطى رؤساء العرب من صناديد بني تميم، لأنه يريد أن يتألفهم إلى الإسلام؛ لأنهم لا يريدون إلا مالاً، فهم مسلمون بالترغيب، مثل بعض الناس استقامته للعواطف، يرى المخيم والمركز الإسلامي شاب، فلا يأتي إلا عاطفة، لا يقصد الاستقامة، أو المحافظة على الصلاة، أو قراءة القرآن، لكن يأتي لأن المركز هذا فيه نشيد (لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما) في الصباح نشيد قبل الصلاة، وبعد الصلاة، وفي الحافلة، وتحت الحافلة، وفوق الحافلة، ونحن لا نقول: حرام، ولكن حنانيك، قصد وقصد، وهو مباح، فبعضهم يهتدي للعواطف، فإذا انتهى المخيم والمركز عاد على عقبيه وانتكس وأعرض عن المسجد، لأنه أقبل ترغيباً فقط، أو رغبةً في هذه العواطف، ثم ترك هذا الدين، وبعضهم يقول: أنا لا أحب الشباب إلا لأنني وجدتهم يذهبون في الرحلات والنزهات، ووجدت عندهم تمارين رياضية ونشيداً، فأنا أحببتهم لذلك، ثم ينتكس.

    وكثير من الناس دخل في عهده عليه الصلاة والسلام للمال، فأعطى هذا مائة ناقة وهذا خمسين وهذا مائة، وترك الأنصار.. أيعطي سعد بن عبادة وإيمانه كالجبال؟! أيعطي معاذ بن جبل وقد أسلم لجنة عرضها السماوات والأرض؟! أيعطي أبي بن كعب؟! لقد تركهم لإيمانهم، لكن الأنصار رضوان الله عليهم تأثروا لأنهم ما عرفوا السبب.

    سبحان الله! قاتلوا العرب، وذبحوا المشركين، وأخذوا غنائمهم، فأخذ صلى الله عليه وسلم الغنائم وأعطاها بعض الناس الذين أسلموا! فقالوا في مجالسهم: غفر الله لرسول الله، أعطى الناس وتركنا، وسيوفنا تقطر من دماء الناس فذهبت المقولة وانتشرت الشائعة، فوصل الخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال لـسعد بن عبادة: (اجمع لي جميع الأنصار، ولا يدخل معكم إلا أنصاري، ولا يدخل معكم غيركم، فإذا اجتمعوا فأخبرني، فجمعهم جميعاً كباراً وصغاراً وشيوخاً وعلماءً وأبطالاً، فجلسوا، وأتى عليه الصلاة والسلام بحوار مفتوح ساخن، فسلَّم عليهم صلى الله عليه وسلم، وقال: يا معشر الأنصار! جزاكم الله خير الجزاء، أما أتيتكم متفرقين فجمعكم الله بي؟، قالوا: المنة لله ولرسوله، قال: أما أتيتكم متحاربين فألف الله بين قلوبكم بي؟ أما أتيتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وهم ينكسون رءوسهم حياءً ).

    أروح وقد ختمت على فؤادي     بحبك أن يحل به سواكا

    إذا اشتبكت دموع في خـدودٍ     تبين من بكى ممن تباكى

    فرفع صوته، وقال: (يا معشر الأنصار! والذي نفسي بيده لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك، وأتيتنا مخذولاً فنصرناك، قالوا: المنة لله ولرسوله، ثم قال: يا معشر الأنصار! ما مقالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو ما سمعت يا رسول الله، قال: يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، فوالذي نفسي بيده أن ما تذهبون به أعظم مما يذهب به بالناس يا معشر الأنصار! والذي نفسي بيده لو سلك الناس شعباً ووادياً لسلكت شعب الأنصار ووادي الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار، غفر الله للأنصار ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، يا معشر الأنصار! إنكم ستجدون بعدي أثرةً فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) فقابلوه بالدموع، بكوا حتى سالت دموعهم من على لحاهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا أصدق الحب -والله- وهذا أخلص الولاء، وهذه معاتبة الأصحاب.. وفي الحديث أمور أربعة:

    صدق النبي وصراحته

    أولها: صراحته عليه الصلاة والسلام؛ فإنه أصدق الناس، وما في قلبه يخرج على لسانه، وما كان له خائنة أعين، ما خان، ولا غدر، ولا كذب، ولا خالف، ولا فجر، بل هو أصدق من خلق الله، وأحشى من خلق الله، فعليه سلام الله وصلاته.

    وفاء الأنصار

    الأمر الثاني: وفاء الأنصار، فلم يكونوا منافقين رضي الله عنهم وأرضاهم، بل صدقوا في كلامهم، ثم إنهم جعلوا المنة لله - وقد صدقوا- ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صدقوا، ليس لك على الله منة، ولكن المنة من الله عليك.

    أتى بعض الأعراب لا قاتلوا ولا حضروا بدراً ولا أحداً ولا حنيناً ولا اليرموك ولا القادسية ولا عين جالوت ولا حطين وقالوا: يا رسول الله! الناس أسلموا بالمقاتلة قاتلتهم وأسلموا، ونحن أسلمنا هكذا، وما حاربناك، فأنزل الله قوله: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17] فالمنة لله عز وجل.

    ولذلك تجد بعض الناس يتبجح باستقامته، ويقول: والله ما يحافظ على المسجد إلا أنا! ينام أهل الحارة ولا يؤذن إلا أنا! من الذي يدافع عن القضايا الإسلامية إلا أنا! ومن الذي يقف المواقف إلا أنا! ومن الذي فتح المشاريع وأجرى وصنع إلا أنا! نقول له: أتمنُ على الله أن قدمت لنفسك؟! بل المنة لله عز وجل أن هداك لهذا الفعل.

    ليس العطاء على قدر الإيمان

    وفي الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعطي الناس لا لإيمانهم؛ بل لمقاصد كأن يتألفهم، فليس من أعطي في الدنيا حظاً أو منصباً أو جاهاً أن الله رضي عنه الله، بل قد يكون أعدى أعداء الله، ويكون مسخوطاً عليه من الله، أو مغضوباً عليه من الواحد الأحد، فليس له وقار ولا منزلة عند الله، وتجد بعض الناس لا يجد كسرة الخبز، فقيراً مشرداً ذي طمرين، أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وهو من أقرب الناس إلى الله.

    وفي الحديث -أيضاً- أن على المسلم أن يدرأ التهمة عن نفسه، وأن يدافع عن عرضه، وأن يبين للناس ملابسات القضايا كما فعل عليه الصلاة والسلام.

    هذه مواقف من حياته صلى الله عليه وسلم يعيشها الإنسان كلما تأمل السيرة والسنة، وكلما تبحر في الحديث النبوي، والذي أوصي به نفسي وإياكم يا معاشر الأحباب الأخيار، ويا حملة الرسالة الخالدة: أن يكون لكم وردٌ من القرآن الكريم، وحزب في سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم، خاصةً في الصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم الأسانيد الطرية الغضة، الأحاديث الشائقة الرائعة الرائقة، طلب العلم منها والاستشفاء بها، طلب الهداية والنور منها، حينها نعرف حياته عليه الصلاة والسلام، حينها ندرك أسراره، حينها نعيش تلك الأيام الغالية، حينها نجعله إماماً لنا نعيش حياة قريبة من حياة أصحابه رضوان الله عليهم.

    أسأل الله الذي جمعنا في هذا المكان أن يجمعنا في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

    إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي     مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا

    آخيتمونا على حب الإله ومـا     كان الحطام شريكاً في تآخينا

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.. وإن كان من شكر بعد شكري لله، فأشكر أهل الفضل وأشكركم، ثم أشكر القائمين على التوعية الإسلامية من المشايخ والدعاة وطلبة العلم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    1.   

    الأسئلة

    سؤال عن درس البخاري

    السؤال: لماذا انقطعت عن درسك في كتاب البخاري؟

    الجواب: إن شاء الله يتصل ما انقطع ونعود إن شاء الله لنستفيد منكم ونتضوع برؤيتكم ونستأنس بأنوار وجوهكم.

    بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا     شوقاً إليكم وما جفت مآقينا

    نكاد حين تناجيكم ضمائرنا     يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

    حالت لفقدكم أيامنا فغـدت     سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

    الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم

    السؤال: أورد ابن كثير قصة الذي استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار..

    الجواب: نعم، أوردها ابن كثير، لكن ما أورد المصافحة، وهي على ما أوردها ابن كثير في كتاب التفسير سندها لا يصح، وليس كل ما في تفسير ابن كثير صحيح، وابن كثير لم يورد المصافحة كما ذكرت أنا، إنما ذكرها علماء بعض الغلاة من المبتدعة بأسانيدهم كـالنبهاني وغيره، أما ابن كثير فأوردها بدون مصافحة، ومع إيرادها فهي لا تصح.

    هداية المبتدع (نصيحة)

    السؤال: أرجو تقديم نصيحة لأناس تعلموا السنة في المدارس والجامعات، ومع ذلك لا يغيرون عقائدهم البدعية، ولا عباداتهم الخاطئة، وذلك مجاراة لآبائهم وأقوامهم؟

    الجواب: اعلموا -يا أيها الإخوة- أن من أصعب الأمور تغيير المبتدع من بدعته إلى الطريق الصواب (السنة) ولذلك يقول بعض السلف كـسفيان بن عيينة: المبتدع لا يتوب، ومعناه في الغالب، وإلا فقد تاب الله على كثير من المبتدعة وردهم إليه رداً جميلاً، واستقاموا واستفادوا، ولكن كما قال الله: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8] وإنني أطلب من نفسي وإخواني ممن علم الحق ألاَّ يختار على الحق شيئاً، وأن يقدم الكتاب والسنة، ولا يقدم أهواءه، ولا أغراضه، ولا تقاليد أهله، فإن فعل ذلك فقد خسر وضل ضلالاً مبيناً، وما معي إلا أن يأتي إلى البرهان قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا [الأنعام:148] قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64] وليطرح المقالات والخرافات، وليتبع الأسانيد الصحيحة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام.

    قصة أثر بول النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفة

    السؤال: هل صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام من معجزاته أنه ليس لبوله أثرٌ في الأرض عند قضاء حاجته؟

    الجواب: هذه القصة أوردها البيهقي صاحب دلائل النبوة، وصاحب الشمائل، وسندها ليس بذاك، فعلى ذلك لا أعتمدها، ولا أذكر منها استنتاجاً، وأحذر من هذه القصص، وما صح من المعجزات فيه خير وبركة، بل ذكر ابن تيمية وغيره أن للرسول عليه الصلاة والسلام فيما قيل ما يقارب ألف معجزة، فنحن في غنية عن هذا وأمثاله، إنما أعرف في ساعتي هذه أن سندها لا يصح وفيه نظر.

    على كل حال؛ من خصوصياته عليه الصلاة والسلام التي ذكرت: أنه لا يتثاءب كما نتثاءب، لأن التثاؤب من الشيطان، وقد سلمه الله من الشيطان، بل عند مسلم في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {ما منكم من أحد إلا معه قرين -يعني: الشيطان- قالوا: حتى أنت يا رسول الله، قال: حتى أنا، ولكن الله أعانني عليه فأسلم} أي أنه: أسلم، وبعضهم يقول: أي: أسلمُ منه، والأول الصحيح.

    ومن خصوصياته عليه الصلاة والسلام أنه لا يحتلم في المنام، لأن الاحتلام من الشيطان.. إلى غير ذلك من الخصوصيات.

    قراءة الفاتحة بعد الدعاء للنبي أو الأموات

    السؤال: هل يجوز أن نقول لإنسان بعد ذكر الأدعية: اقرأ الفاتحة لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، أو عند الأموات اقرءوا الفاتحة على ذكر موتاكم؟

    الجواب: لا يصح ذلك، وهو بدعة، ولم تؤثر عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا عن السلف الصالح، ومن فعل ذلك فقد ابتدع، قال عليه الصلاة والسلام: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} وفي لفظ:{من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} ولم تثبت هذه فهي بدعة.

    الصلاة على النبي تفريج للهموم

    السؤال: هل الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام هي باب لسعة الرزق وتفريج الهموم؟

    الجواب: نعم، وقد ذكر ابن القيم في كتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خيرة الأنام -صلى الله عليه وسلم- أن فيها فوائد ومنافع، منها هذه الفوائد، فإن الله يوسع على الذاكر رزقه، لأنه عابد، ويزيل همومه وغمومه ويشرح صدره.

    دعاء الفاتح وحكمه

    السؤال: هل هذه الصفة صحيحة" اللهم صل على محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق"؟

    الجواب: هذا اللفظ لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، والأولى للمؤمن أن يتقيد بالألفاظ الشرعية التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أن لفظ" الفاتح لما أغلق" موهم، وفيه ريبة ولا ندري بنية أصحابه، فإنه يحتمل وجوهاً، وقد يؤدي إلى أمور لا يفتحها إلا الله، فإن الذي يفتح لما أغلق هو الله عز وجل وليس الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعضهم إذا وقع، قال: يا محمد، أو يا علي، أو يا فاطمة.

    وبعض العوام إذا وقع في عينه شيء من التراب يقول: يا فاطمة بنت النبي، إن كان دقٌ فاتفريه، وإن كان شديد فابسقيه، أو كما يقال باللغات الدارجة عندنا، وبعضهم يأخذ ضرسه إذا سقطت ويلقيها إلى الشمس، ويقول: يا فاطمة بنت النبي، هذا ضرس حمار أعطيني سن غزال! وهو ضرسه أكان حماراً هو؟! إلى غير ذلك من الخزعبلات، وأمور يشيب لها الولدان، فمن فعل ذلك فقد أساء وصرف كثيراً من العبودية لغير الله عز وجل، وهذا اللفظ لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم وليس بصحيح، والأولى اجتنابه.

    تعلم العقيدة فرض عين

    السؤال: هل تعلم التوحيد فرض عين أم فرض كفاية، لأن هناك من أهل العلم من يقول: تعلمه فرض كفاية، وإذا قام به البعض سقط عن الآخرين؟

    الجواب: تعلم التوحيد فرض عين، ولا بد لكل مسلم ومسلمة أن يعرف التوحيد الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يميز بين أنواع التوحيد الثلاثة:

    الأول: توحيد الربوبية.

    الثاني: توحيد الألوهية.

    الثالث: توحيد الأسماء والصفات.

    فإن قوماً عرفوا توحيد الربوبية، فقالوا: هذا هو مقصود الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد كذبوا، مثل: أحمد زكي المحرر لـمجلة العربي، وقد توفي وقد ألف كتاباً سماه: آيات الله في السماء، وأثبت فيه توحيد الربوبية، وقال: هذا هو التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء والرسل، فنقول: كذبت يا عدو الله، هذا التوحيد يعرفه أبو جهل، هذا التوحيد يعرفه أبو لهب، عجائز مكة الوثنيين يعرفون هذا التوحيد، فرعون يعرف هذا، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] فتوحيد الربوبية شيء وتوحيد الألوهية شيء آخر، توحيد الربوبية أقر به المشركون حتى فرعون، يقول موسى عليه السلام لفرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102] فبكَّته وبيَّن أنه يعلم ذلك، أما توحيد الألوهية فهو توحيد العبادة والقصد، وإفراد الله عز وجل بالدعاء والخشية والإنابة والعبادة وأقسامها الكثيرة، وتوحيد الأسماء والصفات، فلا بد لك أن تعرف هذه الأقسام معرفة لا تعفيك من جهلها، أما المعرفة التفصيلية فهي لأهل العلم، المعرفة التفصيلية في الجزئيات التي هي من مباحث أهل العلم، فهي لأهل العلم، وأما تعلم التوحيد الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم فهو فرض عين لا يعفى أحد منه.

    الحداثة

    السؤال: ما حكم الحداثة في الإسلام؟

    الجواب: الحداثة: مذهب متزندق إلحادي كفري، نشأ في السنوات الأخيرة، ومفاده وفحواه: الثورة على كل قديم وإلغاؤه وتشطيبه بما فيها الرسالة والرسول والقرآن، ولهم مذهب أدبي رمزي يرمزون لمقصوداتهم برموز، يقولون: لا يفهمها إلا هم، وهي ظلمات بعضها فوق بعض، وهؤلاء كفروا بالله في مقاصدهم التي منها الاستهزاء بالله، أو برسوله، أو بالإسلام، أو بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء دماؤهم مهدرة، ويستحقون القتل، يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا، ولا يصلى عليهم، ولا يغسلون، ولا يكفنون، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، وهم على كل حال ملاحدة بما قالوا وبما كتبوا وبما شهد الله به عليهم.

    السنة عند أهل الفقه والحديث

    السؤال: ما معنى السنة، وهل يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؟

    الجواب: السنة عند الفقهاء هي: ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، لكن السنة في مفهوم السلف هي طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويدخل فيها الفريضة والواجب والمندوب، وما عرف السلف الصالح إلا هذا، وهو التعريف الصحيح لمصطلح السنة، أما هذا فهو عند الفقهاء ليس إلا لأنهم يريدون به ما يقابل الواجب، فالواجب عندهم: ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، فأرادوا أن يميزوا بين السنة والواجب، فقالوا: والسنة ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، أما إطلاق السنة عند الصحابة والسلف، فهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته.

    سؤال عن اللحية

    السؤال: ما حكم اللحية؟

    الجواب: أقول: إنها سنة بمعنى أنها من سنته عليه الصلاة والسلام، لا أن معناها يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل يعاقب، لأن تربيتها واجب، وحلقها حرام كما نص عليه أهل العلم.

    أسباب الانتكاس

    السؤال: ما هو السبب الأساسي في رجوع الشباب بعد الالتزام، البعض منهم يعمل في الدعوة إلى الله، والبعض يجاهد في سبيل الله، والبعض يطلب العلم، ومع ذلك كله تركوا الالتزام، فما هو السبب؟

    الجواب: إن كان قصد السائل أنهم رجعوا يجاهدون ويدعون ويطلبون العلم، فما رجعوا بل زادوا بصيرة والحمد لله، وإن كان قصده: كانوا يدعون وكانوا يجاهدون وكانوا ملتزمين، ثم رجعوا فالقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، وللرجوع أسباب أجملها في ثلاثة أسباب:

    أولاً: ضعف التربية الروحية، ضعف الرصيد من النوافل والعبادة، يؤخذ الشاب لكن يربى على النشيد والرحلة، وعلى تمارين رياضية؛ على صعود الجبال وشد الحبل، وأكل البيضة، على لعبة التفاحة، الإسلام ينطلق من أطر وينبثق في بوتقة استراتيجية، والدعوة على الكلام المنفوش فأدنى موقف يمر به ينهار؛ لأنه ليس لديه علم شرعي، ولا نوافل، ولا عبادة، هذه مسألة.

    ثانياً: أن في نفسه -والعياذ بالله- خبثاً من قبل، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] ولذلك يقولون: من أعلن إسلامه في مرحلة، ثم ارتد فإن ذلك دليل على خبث في نفسه.

    ثالثاً: أنه أمهل نفسه في المعاصي، والمعاصي تبدأ بالنظرة، ثم تتطور إلى الفاحشة، ثم تتطور-والعياذ بالله- إلى التخلي عن الواجبات، ولذلك قال الله في بني إسرائيل: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13].

    حجة واهية في عودة الشمس

    السؤال: هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل أن يرجع الشمس من الغروب لكي يصلي بعض الصحابة العصر؟

    الجواب: هذه القصة ذكرها الحاكم والطحاوي والبغوي وبعض أهل السير، قالوا: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه نام في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى غربت الشمس وما صلى العصر، فما استيقظ إلا وقد غربت الشمس، فقال: يا رسول الله ما صليت العصر، وقد غربت الشمس، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم الله، فأعاد الشمس له حتى صلى العصر، وفي لفظ لهم: بل سأل علي رضي الله عنه وأرضاه ربه فأعاد له الشمس، وهذه القصة كذب، ولا يجوز إيرادها والاستدلال لها، وقد ردها ابن تيمية وابن كثير، وهذه القصة من الخرافات التي لام أهل العلم الحاكم صاحب المستدرك والطحاوي وأمثالهما على إيرادها.

    وعلى كل حال؛ أبو تمام الشاعر ذكرها في قصائده ويثبتها ويقويها، لكن حججه كالزجاج إذا تكسر، لأنه شاعر، يقول:

    فردت إلينا الشمس والليل راغمٌ     بشمسٍ بدت من جانب الخدر تلمع

    فوالله ما أدري علي بدا لنا     فردت لـه أم كان في القوم يوشع

    والصحيح: أن الله رد الشمس على يوشع، وهو كما قيل: غلام موسى الذي سافر معه، قال لغلامه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، فهذا الغلام كان نبياً رد الله له الشمس حتى قاتل والحديث صحيح، أما علي فلم يرد الله له الشمس، والقصة ليست بصحيحة ولا ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، ولذلك ذكرها ابن كثير في" البداية والنهاية " فقال: وقال شيخنا -يعني: ابن تيمية- إمام الأئمة هذه عادة الطحاوي أي: أن الطحاوي عادة لا يزيف القصص الزائفة، ثم نال ابن تيمية من الطحاوي قليلاً ولو أن الطحاوي حنفي محدث، وكذلك يفعل البغوي أحياناً، لكنهم تساهلوا، وقد لام الأئمة القاضي عياض رحمه الله على بعض القصص التي حشا بها كتاب" الشفا " حتى مرض" الشفا " وأصبح فيه حمى بسبب هذه القصص، ولو أنه من أحسن الكتب، حتى الذهبي لما ترجم للقاضي عياض، قال: وفي كتابه" الشفا " شيء، فعليك بـدلائل النبوة للبيهقي؛ فإنه هدى ونور وشفاء لما في الصدور.

    شفاء القرآن

    السؤال: ما معنى الآية: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء:82] فهل الشفاء للأبدان أم للأرواح أم يعم جميع الأمراض؟

    الجواب: الصحيح أن القرآن صحة للأرواح وللأبدان، وأما ما ذكر في بعض السور فهو بحسب السياق، مرةً يذكر الله الكفر والشك والريبة، فيذكر القرآن فمعناه شفاء لما في الصدور-أي للأرواح- ومرةً يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأمراض، فيذكر الشفاء فيعلم أنه القرآن، والصحيح: أن القرآن يتداوى به من الأمراض العضوية، وأمراض الصرع والجن.

    وبالمناسبة من أنكر تلبس الجان بالإنسي فقد أخطأ وضل ولا يكفر بهذا، لأن المسألة ظنية، لكن من أنكر الجن مثل ما فعل بعض المفسرين، وقد علم بآياتهم، فقد كفر بهذا، لأن القرآن ذكر الجن، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن:1] أما تلبس الجان بالإنسي فلا ينكر، ومن أنكره فقد أخطأ وأسرف على نفسه، لكن لا نكفره بهذا، لأن المسألة ظنية، والدليل على تلبسهم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] ودل على ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم دعا لمصروع فشافاه الله، وقال: {اخسأ عدو الله، اخرج أنا رسول الله} حتى أخرج الجني منه، والواقع يشهد لذلك، وما ينكر هذا إلا رجل مكابر، والأمراض العضوية كذلك يدعى، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينفث على جسمه عليه الصلاة والسلام، ويرقي جسمه بالقرآن؛ لأن فيه شفاء، فلا بأس بهذا بل هو سنة ثابتة، وأما أمراض الأرواح فدواؤها وبلسمها وشفاؤها القرآن.

    موقف الإسلام من أبوي النبي عليه الصلاة والسلام

    السؤال: ما موقف الإسلام من أبوي رسول الله عليه الصلاة والسلام، هل أسلما أم لا؟

    الجواب: أقول: ولو أن هذه مسألة فضولية: لم يسلم أبوه ولم تسلم أمه، وعند مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي} وعند مسلم في الصحيح: {أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فولى، ثم دعاه، قال: أبي وأبوك في النار} والسند صحيح، وهذا منهج أهل السنة والجماعة، وخالف أهل البدع، فقالوا: أحيا الله أبا الرسول وأمه حتى كلمهم بالدعوة فأسلموا، فنقول لهم: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64].

    والدعاوى ما لم يقيموا عليها     بيناتٍ أصحابها أدعياء

    الاستهزاء باللحية

    السؤال: ما حكم الاستهزاء باللحية، حيث أن بعض أصحاب والدي يقولون: إنها تخفف العقل، فما الرد على هؤلاء الجهلة؟

    الجواب: أولاً: أنا لا أقول: إن من حلق لحيته كفر، أو خرج من الملة، قد يكون محباً لله ومحافظاً على الصلوات الخمس، وباراً بوالديه، ووفياً، ولكن نقول له: حنانيك أكمل أمرك ما دام أنك كملت أمورك فما بقي عليك إلا بعض التشطيبات السهلة التي تكمل بها في السنة وتكون من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه الثلمة إذا بقيت فيك فقد بقي في قلبك ثلمة في حبه عليه الصلاة والسلام: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] أما من استهزأ باللحية، وقال: تخفف العقل، فعقله هو الخفيف، ولو أن عقله كثير لربى لحيته كما فعل محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وبعض الناس من المفكرين الإسلاميين الذين أدركهم زيغ - والعياذ بالله- أو خفة عقل دائماً يلاحق الشباب المستقيم فيقول: كنت في الإمارات فجاءني شاب كث اللحية، فسألني عن الكالونيا، ونقول: ما علاقة الكالونيا، والسؤال بكث اللحية؟ قال: وكنت في الجزائر فقام لي شاب وهو كث اللحية يسألني عن الحجاب، قلنا: ما علاقة الجزائر والحجاب وكث اللحية؟ قال: وكنت في بلد فقام شاب كث اللحية فسألني سؤالاً عن تقصير الثياب، قلنا: أخطأت نصيبك وأنت تريد أن تتهجم على شباب الإسلام، هذا المفكر نفسه أتى إلى شنودة وp=1001693>شنودة

    صنم في مصر قائد الأقباط الوثنيين، وهو رجل فاجر أتى إليه فقال: الأخ العزيز شنودة، فقيل له: لماذا تقول: الأخ العزيز شنوده؟ قال: إنسانية الإسلام وحب الإسلام وتآخي الإسلام، والله يقول في كتابه واسمع ما أحسن الاستدلال: - وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] قلنا له: لماذا لا تقول: لشباب الصحوة وللتائبين ولرواد الرسالة الخالدة ولـأهل السنة: الإخوان الأعزاء، وإنما تتهجم عليهم بكل مناسبة وبلا مناسبة، بالمكشوف وبغير المكشوف فهذا خطأ منك، فمن يفعل هذا الفعل فقد أساء، وبعض الناس ما عنده إلا أن يستهزئ بالصالحين، يقول: ثيابهم هكذا، وإذا قاموا يصلون يقولون كذا، صحيح أنا معه أن بعض الصور حصلت من بعض الشباب؛ يجعل يديه هنا، وإذا جاء يسجد تفلطح وتبلطح، أي: ما يجافي مجافاة إنما يموت، وإذا جاء يراصك صاقعك مصاقعة، يعني: ضربك بأرجله حتى تتوب أن تصلي بجانبه، والسنة وسط، هذه تأتي صور، لكن في المليون يأتي واحد، فيعممونه على الشباب دائماً، ولكن نقول لهؤلاء: من المسئول عن المخدرات؟

    هم المنحرفون، هم المسئولون عن المخدرات، دور الدعارة، المجلات الخليعة، الأغاني الماجنة، إرهاب الأمن في البلاد، زعزعة كيان الأمة، هم المسئولون عنها، أما شباب الصحوة فهم أهل المساجد، وأهل القرآن، وأهل الجهاد، وأهل حسن الخلق، وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن شاء الله ببركتهم يحفظ الله علينا كياننا وقداستنا ورسالتنا.

    ولـو أني بليت بهاشمي     خئولته بنو عبد المدان

    لهان علي ما ألقى ولكن     تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

    يقول: ليت من يهاجمني بطل من بني هاشم خئولته بنو عبد المدان كنت استرحت، ولكن هذا القزم الحقير يهاجمني وأنا كيت وكيت، فهذا مثل أهل السنة مع المنحرفين، والله المستعان.

    طلب الدعاء من الحي وأسباب نسيان القرآن

    السؤال: حفظت نصف القرآن ولكني نسيته لكثرة الهموم، ولذلك أطلب منك ومن الإخوان أن تدعو؟

    الجواب: أولاً: طلب الدعاء من الرجل الصالح الحي الموجود مطلوب، وليس فيه إن شاء الله خلاف، يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي وسنده حسن: {لا تنسني من دعائك يا أخي} وبعضهم يخالف في هذا، لكن بشرط أن يكون حياً موجوداً صالحاً، لا تأتي إلى ميت في قبر وتقول: (لا تنسني من دعائك يا أخي) فإنه لا يدري ولا يسمع ولا يعي ولا يعقل، إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار، أو تأتي إلى فاجر من أفجر الفجرة، عربيد سكار خمار عدو لله، وتقول: لا تنسي من دعائك يا أخي، لو دعا لك هذا لنزلت عليك صاعقة من السماء، لو دعا لك لانهدم عليك البيت، أو صدمتك سيارة وكذلك أن يكون موجوداً، ولا تأت في المسجد وتصلي وتقول: يا أخي في القاهرة، أو في الفلبين، لا تنسانا من دعائك، لا.. هذه سفر الأرواح، وهي عند غلاة المبتدعة وليست عند أهل السنة والجماعة، أحدهم يجلس فيغمض عينيه، قالوا: ما لك؟ قال: سافرت روحي إلى الخرطوم -لا أعادها الله عليك- وحدثنا بعض العلماء، قال: سافرت إلى المغرب، فدخلت هناك في مسجد فيه قبر لأحد زعماء هؤلاء المبتدعة، فدخلت فأردت أن أدروش مثلما تدروشوا، قالوا: ألق رداءك، فألقى غترته، قال: فألقوا أرديتهم، قال: فسكتنا، فقلت: ماذا؟ قالوا: فلان قام من قبره يناجي الرسول عليه الصلاة والسلام تحت الرداء، قلت: أسألكم بالله أنا بشوق لا يعلمه إلا الله لأرى الرسول ولو مرة، أرجوكم أن تسمحوا لي لأكشف الرداء لعلي أرى الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا: قم يا وهابي يا متشدد يا غالي، حتى أخرجوه من المسجد.. على كل حال؛ ندعو لك بالخير والثبات، وأما نسيانك للقرآن فعارضان اثنان:

    الأول: إما عارض كسبي من الذنوب والخطايا، فأنت تلام على ذلك، نحن كما يقول ابن تيمية: نلام على المعايب، ولا نلام على المصائب، نحتج بالقضاء والقدر في المصائب، ولا نحتج به في المعايب، إنسان يسرق، لماذا سرقت؟ قال: قدر الله وما شاء فعل، صحيح في نفس الأمر، لكن هذا احتجاج يؤدي -والعياذ بالله- إلى استحلال المعاصي، يأتي زاني يزني، قلنا: لماذا تزني؟ قال: قدَّر الله عليَّ أن أزني.

    سرق سارق في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: لم سرقت؟ قال: قدر الله علي أن أسرق، قال: علي بيدك، فأخذ السكين فقطع يده، فقال: لم قطعت يدي وقد قدر الله عليَّ أن أسرق؟! قال: وأنا قدر الله عليَّ أن أقطع يدك.

    وأما في المصائب فنحتج بالقضاء والقدر، رجل رسب ابنه بعدما رسب، يقول: قدر الله وما شاء فعل، أتاه حادث سيارة قدر الله وما شاء فعل، فالكسبي الذي نسيت به القرآن هذا تلام عليه أنت، وهذا -حفظكم الله- مثل: أن تكون أكثرت من الذنوب والخطايا، أو وقعت في فواحش، أو غفلت عن مراجعة القرآن، فتلام عليه، ونسيان العلم من أسبابه المعاصي، قال الله عز وجل: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] قال الشافعي:

    شكوت إلى وكيع سوء حفظي     فأرشدني إلى ترك المعاصي

    وقال اعلم بأن العلم نورٌ     ونور الله لا يهدى لعاصي

    الثاني: وأما الجبلي، فقد يكون أتاك شيء كمرض، فنسيت فتعذر عليه، بعض الناس صالح من الصالحين، لكن لا يعرف شيئاً إلا نسي اسمه، بعض الناس يقولون: إنه أرسله أبوه بريال، قال: تأخذ بريال تميز وبريال فول، فذهب إلى الفران، فنسي أين هو ريال الفول من ريال التميز، هو لا يسجد له سجود السهو لا عند المالكية ولا الحنابلة ولا الشافعية ولا الأحناف، فعاد إلى والده وقال: يا والدي الشيطان لبس علي حتى ما أدري أين هو ريال التميز من ريال الفول، قال: يا ليتني ما رأيتك حتى أشتري التميز أنا وأشتري الفول.

    على كل حال الحمق وارد، وليس هذا بحمق، ولكن قد يحدث مرض ينسى به العبد، فإذا نسي فيؤجر، وهذه من المصائب التي يؤجر عليها العبد، وقد يأتيه مرض فينسى جميع المعلومات فعليه أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يغفر لنا ولمن حضر هذا المجلس، وأن يتغمدنا وإياكم برضوانه.

    كشف الحجاب للمرأة

    السؤال: كشف الرجل على أخت زوجته وعلى الأجنبيات وعلى بنات العم وبنات الخال، وقال: هذه عادة منتشرة في القبائل، ولا يفهمون السنة، وهم متكبرون إذا دعوا، ويعتقدون أن هذه العادات السيئة تقدم على الكتاب والسنة، فما الحكم؟

    الجواب: هذا موجود في بعض القبائل من الجهل، كما قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] وهذه الأجنبيات الذي ذكر الأخ يحرم الكشف عليهن، والحجاب واجب شرعي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، ومن أنكره فقد أخطأ وعارض شرع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد أنتج ترك الحجاب والاختلاط في بعض القرى وبعض الأماكن والمدن والخروج الجماعي بهذه الصور إلى وجود الكثير من الفواحش -والعياذ بالله- والوقوع في الزنا، وهذه جريمة نسأل الله أن يكف بأسها، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يبصرنا وإياكم بعلم الكتاب والسنة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767402374