إسلام ويب

الفرج بعد الشدةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في غزوة تبوك دروس وعبر عظيمة، أظهرت بجلاء صدق الصحابة وبلائهم وكذب المنافقين وخورهم، وفيها من الفوائد الشيء الكبير.

    والشيخ تطرق إلى هذا الموضوع مستخرجاً الكثير من الفوائد والأحكام.

    1.   

    غزوة تبوك.. والتهيُّؤ لها

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.

    وبعد: تجهز صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك - وغزوة تبوك كانت في حرارة الصيف، وفي شدة الحر وفي وهج الشمس- فخرج إليها صلى الله عليه وسلم، ونادى في الناس، فخرج معه ما يقارب الثلاثين ألفاً من أصحابه رضوان الله عليهم، وقبل المعركة أراد صلى الله عليه وسلم أن يجهز الجيش، فما وجد عليه الصلاة والسلام مالاً، فصعد المنبر ودعا إلى التبرع ورغب في البذل والعطاء: (من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ فوقف عثمان بن عفان وقال: أنا يا رسول الله، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم اغفر لـعثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وخرج صلى الله عليه وسلم، ولكن لما خرج في حرارة الصيف نظر بعض الصحابة فرأوا أن الثمار قد دنت في المدينة ورأوا أن الراحة في البيوت أحسن من الحر فجلسوا.

    والذين تخلفوا عن الغزوة ثلاثة وثمانون رجلاً، لم يسجلهم صلى الله عليه وسلم في كتاب، ولم يكتبهم في ديوان، أما ثمانون فكذبوا على الله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49] والرسول عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه مشياً على الأقدام، في حرارة الصيف، وفي ظمأ ونصب وجوع، ومشقة لا يعلمها إلا الله. ثم جاء الجد بن قيس أحد المنافقين، فقال: (يا رسول الله! ائذن لي ألا أخرج معك إلى تبوك، قال: ولماذا؟ قال: أنا رجلٌ مفتون، فإذا رأيت بنات بني الأصفر افتتنتُ) أي: بنات الروم، وهو كذب على الله، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49] وقال المنافقون يوصي بعضهم بعضاً: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ [التوبة:81] اطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتأخر، لا تنفروا في الحر، فرد الله عليهم: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً [التوبة:81].

    فخرج عليه الصلاة والسلام، وكان كعب بن مالك صادق الإيمان لكنه تخلف.

    يقول عن نفسه: قلت: أتهيأ غداً وألحق بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه خطيئة مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [التوبة:120] كيف يخرج رسول الهدى عليه الصلاة والسلام ويتخلف هؤلاء؟! هذا خطأ لا يقر.

    فتخلف رضي الله عنه، يقول: أتهيأ غداً، وذهب صلى الله عليه وسلم فلما أصبح في الصحراء، يقول: فقمت غداً لأتهيأ فثبَّطني الشيطان فجلست، ومشى عليه الصلاة والسلام حتى اقترب من تبوك فنـزل في الجيش وهو ما يقارب الثلاثين ألفاً، ولما نزل قبل تبوك نزل عند شجر بجيشه العظيم عليه أفضل الصلاة والسلام، وفي أثناء الجلوس قال للصحابة: أين كعب بن مالك؟ -لم يذكره صلى الله عليه وسلم إلا عند تبوك - فقال رجلٌ من بني سلمة -من قرابة كعب بن مالك؛ يا رسول الله! حبسه برداه ونظره في عطفيه، فانبرى له معاذ رضي الله عنه وأرضاه سيد العلماء الذي يأتي أمامهم يوم القيامة برتوة- فقال: لا والله ما قلت خيراً، والله ما علمنا فيه إلا خيراً، والله ما علمناه إلا صادقاً مجاهداً، فسكت عليه الصلاة والسلام ولم يعلق على الحادث.

    وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم جالس تحت الشجر.. وإذا برجلٍ أقبل كالصقر على ناقة، فقال صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فاقترب الرجل فإذا هو أبو خيثمة -وهو أحد المجاهدين الكبار في الإسلام- وسأل صلى الله عليه وسلم فقال: أين أبو ذر؟ قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يلحق بنا).

    وأبو ذر مسكين فقير، يحشر يوم القيامة مع عيسى بن مريم، زاهد ليس عنده إلا جمل قحل هزيل، أتى بهذا الجمل فركبه فرفض الجمل أن يقوم وبرك على الأرض، فأخذ أبو ذر متاعه على كتفه ومشى في الأرض ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبينما هم جلوس وإذا بـأبي ذر يطل عليهم ويمشي في آخر الصحراء فقال عليه الصلاة والسلام: كن أبا ذر، فاقترب فإذا هو أبو ذر، قال: رحمك الله يا أبا ذر! تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك.

    وانتهى صلى الله عليه وسلم من الغزوة، لكن كعب بن مالك واثنان معه: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وهؤلاء الثلاثة صدقوا لكن تخلفوا بلا عذر، أخذتهم من الهموم والغموم ما لا يعلمه إلا الله، قال كعب:(فكنت في غياب الرسول عليه الصلاة والسلام أخرج في الأسواق فلا أرى إلا منافقاً، أو شيخاً كبيراً عذره الله أو طفلاً أو امرأة، فأزداد هماً إلى همي، قال: وسمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل من تبوك إلى المدينة) الآن يتهيأ بحجج، وبراهين، ماذا يقول للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يتكلم معه؟ وما هو عذره؟ إن كذب فسوف يكذبه الله من السماء بالوحي، وإن صدق فسوف يهلك، في الأخير قال: لما أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم حضرني بَثِّي -ما معنى بَثِّي؟ البث: أشد الحزن، قال تعالى: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86] - قال: حضرني بَثِّي وغمي وعلمت أني لا أخرج من غضب الله ولا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالصدق، قال: فلما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة بالجيش توضأ وبدأ بالمسجد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فصلى ركعتين، ثم جلس للناس يفتيهم ويأخذ أخبارهم ويستقبلهم ويسلمون عليه ويرحبون به لأنه غاب عليه الصلاة والسلام ما يقارب شهراً أو أكثر، فصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين ثم جلس.

    صدق كعب بن مالك وصاحبه، والأمر بمقاطعتهم

    قال كعب بن مالك: {فتقدمت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فلم أدْرِ هل رَدَّ عليَّ أم لا! ووضع يده في يده}

    حتى وضعت يميني ما أنازعها      في كف ذي نقماتٍ قوله القيل

    {فقال لي: يا كعب بن مالك! ما تخلف بك؟ أما كنت ابتعت ظهرك؟ فقال كعب: والله يا رسول الله! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من غضبه بكلام، إني رجل شاعر، وإني قد أوتيت جدلاً -أي: رجلٌ فصيح يستطيع أن يتكلم- لكن يا رسول الله، لئن غضبت عليَّ اليوم في صدقٍ أقوله أرجو من الله عز وجل أن ترضى عني غداً، قال: قم حتى يقضي الله فيك وفي صاحبيك، فقام رضي الله عنه وأرضاه لا يكاد يرى الطريق من الهم والغم، فلحقه قرابته من بني سلمة، قالوا: كلنا اعتذر إلا أنت ما أحسنت تعتذر، فعد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأحسن واعتذر بعذر، فقال رضي الله عنه وأرضاه: والله ما زالوا بي حتى أردت أن أعود فأكذب نفسي عند الرسول صلى الله عليه وسلم -لكن عصمه الله- قال: فسألتهم هل معي أحدٌ وقع في مثل ما وقعت فيه من التخلف؟ قالوا: معك رجلان: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع، قال: فذكرا لي رجلين من أهل بدر صالحَين، قلت: لي بهم أسوة قال: فخرجت من المسجد، وقام عليه الصلاة والسلام في أهل المدينة رجالاً ونساءً وأطفالاً وقال: لا تكلموا الثلاثة: كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع}

    فمنع صلى الله عليه وسلم الناس من كلامهم، قال كعب بن مالك: {فتغيرت لي الأرض التي كنت أعهد، فوالله ما هي التي كنت أعرف، وضاقت عليَّ الدنيا بما رحبت، كما وصف الله ذلك، وأظلم في عينيَّ كل شيء}

    لعل عتبك محمود عواقبه      وربما صحت الأجساد بالعلل

    واستمر الصحابة لا يتكلمون مع كعب، تأتي امرأته فتصنع له الطعام وتعطيه إياه، ولا تلتفت إليه، إذا أتى يأكل أعطته ظهرها؛ لأنها تريد أن تقاطعه، فالولاء والحب والبغض والعطاء والمنع لله، يقول لامرأته: اسقيني، فتأخذ الماء في الإناء وتعطيه إياه وهي لا تلتفت إليه؛ لأنه رجل تخلف وعصى الله ورسوله، ينـزل إلى السوق فيسلم على الصحابة لا يكلمه أحد، يذهب إلى أقاربه فلا يفتحون له الباب، لا يزوره أحد، هذا هو مستوى المجتمع الذي رباه صلى الله عليه وسلم، قال: [[ فضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فتسورت حائط ابن عمي أبي قتادةأبو قتادة هذا فارس الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ممنوعٌ أن يدخل من الباب فأتى من الجدار، فهو ابن عمه ويريد أن يكلمه- قال: فتسورتُ الجدار واقتحمت عليه البيت فدخلت، قلت: يا أبا قتادة! أسألك بالله! هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فلم يكلمني، قلت: يا أبا قتادة! أسألك بالله! هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فلم يجبني، فسألته في الثالثة ودمعت عيناي، فقال: الله ورسوله أعلم، قال: فعدت من الجدار]].

    وبعد أن تمت لهؤلاء الثلاثة أربعون ليلة أرسل صلى الله عليه وسلم إليهم أن اعتزلوا نساءكم.

    انظر إلى الشدة، وانظر إلى الكرب الشديد، وانظر إلى الزلزلة التي لا يعلمها إلا الله، إنسان يرى أن الله من السماء قد غضب عليه بسبب معصية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قاطعه، وأن الصحابة لا يكلمونه، أين شعوره؟ وأين أشواقه؟ وأين حياته؟ وأين صبره؟

    قال: {فرفض الناس تكليمنا ولما تمت لنا أربعون يوماً أمر صلى الله عليه وسلم أن نعتزل النساء، فأتت امرأة هلال بن أمية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! ماذا أفعل؟ قال: اعتزلي هلالاً، قالت: يا رسول الله! هلال شيخٌ كبير، والله ما زال يبكي منذ تخلف عنك إلى اليوم، والله ما يأكل من الطعام إلا قليلاً}.

    رسالة ملك غسان لكعب بن مالك

    قال كعب بن مالك: كنت أنا أشب القوم -كان أصغر الثلاثة- فكنت أنزل إلى الأسواق فلا يكلمني أحد، أسلم فلا يردون، قال: بينما أنا بالسوق إذا بنبطي -النبطي هذا يبيع ملابس، وقد أتى من الشام، وهو أعجمي أرسله ملك غسان برسالة إلى كعب بن مالك يريد أن يغرق بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: ففتحت الرسالة -وكان كعب يقرأ- فإذا هي من ذاك الملك يقول: لم يجعلك الله بدار مضيعة، وإنا سمعنا أن صاحبك قد جفاك، فالحق بنا نواسِك -يقول: الحق بنا واترك الدين؛ فإن صاحبك محمداً صلى الله عليه وسلم جفاك- قال كعب: فقلت: هذا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها -التنور هو الكانون، سحرتها أي: أحرقتها.

    ثم لبث في بيته حتى تمت خمسون ليلة.

    وقد يقال الثمانون؟ أما تخلف ثلاثة وثمانون، ثلاثة يعيشون المرارة والأسى واللوعة والقلق والاضطراب، وثمانون أين هم؟

    الثمانون منافقون جميعاً، عفا عنهم صلى الله عليه وسلم وما عاتبهم؛ لأن هؤلاء منافقون، وحسابهم على الله ولا ينفع فيهم الهجر، فهو كافر فكيف يعاتبه صلى الله عليه وسلم؟

    أما كعب بن مالك وصاحباه فإن فيهم خير وإيمانٌ وجهاد وصدق، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.

    فقد أساءوا لكنه صلى الله عليه وسلم يمحصهم بالعتاب، والعتاب فيه مرارة، حتى يقول كعب بن مالك: {كنت أنزل فأحضر الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم -صلاة الفريضة- قال: إذا أتيت وهو يصلي سلمت عليه، وقال: وإذا كان جالساً سلمت عليه، فوالله لا أدري هل يرد عليَّ السلام أو لا، قال: فإذا سلمت من صلاتي أقبل على شأنه عليه الصلاة والسلام، فإذا قمت أصلي التفتَ إليَّ عليه الصلاة والسلام} وتصور الصورة، الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعاتب ويربي أحد تلاميذه الأخيار الأبرار الصادقين مع الله- يقول: إذا قمت أصلي النافلة أتى صلى الله عليه وسلم ينظر فِيَّ ويتفقد حالي ويمد بصره فيَّ، قال: {فإذا سلمت رجع عليه الصلاة والسلام ونكس رأسه}.

    فلما تمت لهم خمسون ليلة أتى الفرج من الله، من فوق سبع سماوات، ليس من أحد، وإنما من الله.

    أما المنافقـون فالله يقـول: عَفَا اللَّهُ عَنْـكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:43] يقول: ما لكَ تعفو عنهم وهم قد كذبوا على الله وخانوا شرعه، وعطلوا الجهاد في سبيله؟! فلماذا تعفو عنهم؟! إنما عفا عنهم صلى الله عليه وسلم، فعفا الله عنه ثم عاتبه.

    فتمت خمسون ليلة وأتى العفو من الله عز وجل، قال تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118].

    توبة الله على كعب وصاحبيه

    قال كعب: {فصليت الفجر على بيتي} كان بيته في سلع وسلع جبلٌ في المدينة قريب من مسجده صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} أي: إذا تطاول الناس بالبنيان والعمران وبلغَتْ جبل سلع فاخرج من المدينة، فلما بلغ البناء سلعاً خرج أبو ذر إلى الربذة.

    فصلى كعب بن مالك صلاة الفجر مكانه، قال: {ولما سلمت من الصلاة، وإذا برجلٍ على فرس أقبل يريد أن يبشرني وبرجلٍ آخر على قدميه على جبل سلع} يعني: الذي يمشي على رجليه صعد الجبل، والفارس أتى من الوادي يريدان جميعاً أن يبشراه، وهذه شيمة المؤمن أنه يفرح لأخيه ويبشره إذا وقع ما يسره، وأن يقدم له ما يفرحه؛ فإن هذا من عمل الخير ومن شيم المؤمنين، قال: {فسبق صوت ذاك الرجل الذي على الجبل - فقد أراد الفارس أن يسبقه بالفرس، لكن ذاك صاح- وقال: يا كعب بن مالك! أبشر بتوبة الله عليك، أبشر بخير يوم منذ ولدتك أمك، قال: فسجدت لله شاكراً} وهذا سجود الشكر.

    وإذا الحسن همى فاسجد له      فسجود الشكر فرض يا أخي

    وحسان الكون لما أن بدت      أقبلت نحوي وقالت لي إليَّ

    فتعاميت كأن لم أرها      حينما أبصرت مقصودي لدي

    والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسجد سجود الشكر إذا أتاه ما يفرحه ويسره عليه الصلاة والسلام، وفي إحدى المرات نزل صلى الله عليه وسلم من على الدابة وسجد على الأرض والحديث حسن، فقال سعد بن أبي وقاص: {ما لك يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبريل الآن أن الله يقول: لا يصلي عليك رجلٌ صلاة إلا صليت عليه بها عشراً} فسجد عليه الصلاة والسلام من هذه النعمة، وأتاه كتابٌ من علي من اليمن يبشره أن قبائل همدان قد أسلمت، فسجد عليه الصلاة والسلام شاكراً لله، وقال: {السلام على همدان، السلام على همدان، السلام على همدان}

    وللفائدة: لا يشترط في سجود الشكر الوضوء، بل إذا أتاك ما يسرك ويفرحك فضع رأسك فرحاً لله عز وجل، خاصةً في الأمور الدينية، وتأتي الأمور الدنيوية تبعاً، لكن بعض الناس لا يظن أنه انتصر إلا إذا حصل على وظيفة أو منصب أو مال أو سيارة أو قصر، أما أمور الدين فلا يحسب لها ذلك الحساب: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58] فسجد رضي الله عنه ورفع رأسه.

    قال: {وكان عندي ثوبان} وهم فقراء، وغنيهم قد يعادل فقيرنا اليوم، هو من أحسن الحال، عنده ثوبان وهو يحمد الله عز وجل على أن عنده ثوبين، لكن عند بعضنا اليوم ثلاثين ثوباً، عشرة زرق وعشرة بيض وعشرة صفر، وللعيد ثياب، وللأضحى ثياب، وللعرس ثياب، وللجمعة ثياب، بذخ، أما عنده فقال: {كان عندي ثوبان -وفي رواية البخاري كان عندي إزارٌ ورداء- قال: فلبست لباساً قديماً ثم أعطيت هذا المبشِّر} من بشرك بشيءٍ فلك أن تعطيه شيئاً من المال، فلا يكون الإنسان جافاً مثل الحجر صلداً، لابد من شيء، قال: {فلما بشرني خلعت له ثوبي ولبست ثوباً قديماً وسلمت له الثوب -هذا جزاء البشارة- وذهبت إلى ابن عمي، فاستعرت منه ثوباً فلبسته} لبس ثوباً جديداً ليلقى به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    ومضى إلى المدينة، إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم حوله أصحابه، وهو جالس وسطهم كالبدر يقول شوقي:

    لما خطرت به التفوا بسيدهم     كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم

    يقول: مثل هؤلاء مثل النجوم إذا حفت بالقمر ليلة البدر أو مثل الجنود إذا حفوا بالعلم، فالعلم محمد عليه الصلاة والسلام، والقمر محمد عليه الصلاة والسلام، والجنود أصحابه، والنجوم أصحابه.

    أتى كعب رضي الله عنه وأرضاه مسرعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخل المسجد على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {فإذا وجه الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه قطعة قمر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر بالأمر رئي وجهه يبرق من السرور} حتى قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {كنت إذا رأيت وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ أنظر إلى أسارير وجهه فأتذكر قول سويد بن كاهل:

    ومبرأ من كل غبر حيضة     وفساد مرضعة وداء مغيل

    وإذا نظرت إلى أسرة وجهه      برقت كبرق العارض المتهلل
    }

    ولذلك سر عليه الصلاة والسلام يوم تاب الله على أحد أصحابه، والتوبة لا يعادلها شيءٌ في الدنيا أبداً، والله ما قصور الدنيا، وملكها، وذهبها وفضتها تعادل توبة الله على العبد يوم يتوب على عبده الصالح ويعيده إليه!

    حكم القيام للداخل

    قال كعب بن مالك: {فلما دخلت قام لي طلحة بن عبيد الله -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- قال: والله ما قام لي من قريش ولا من المهاجرين غير طلحة} قام طلحة رضي الله عنه وأرضاه تكريماً لـكعب بن مالك، واقترب منه وسلم عليه وصافحه، والقيام -للفائدة لما وصلنا هذه المسألة- للقادم على ثلاثة أضرب: قيام له، وقيام عليه، وقيام إليه.

    أما القيام عليه فهو محرم، كأن يجلس الجالس، ويقوم على رأسه أناس من باب التعظيم والتفخيم، فهذا محرم؛ لأنه فعل الأعاجم في ملوكهم، وفي الصحيحين من حديث أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، وذلك عندما صلى جالساً صلى الله عليه وسلم ورأى أصحابه وقوفاً خلفه فأمرهم بالجلوس، وقال لهم بعد السلام: {كدتم أن تفعلوا كما تفعل الأعاجم بملوكها} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار} كأن يجلس الجالس في المجلس، ويدور الحديث ويقوم عليه بجنبتيه أو أمامه وخلفه رجال، هذا منهيٌ عنه في الإسلام، وهو الذي يسمى القيام عليه.

    أما القيام له: فإن كان للتعظيم وللتفخيم فهذا يلحق بالتحريم، وإن كان للتقدير ولإعطاء المسلم حقه فلا بأس بذلك، فإن من الحق أن تقوم للمسلم من باب التواضع ومن باب إعطائه حقه، لا كبراً ولا تعظيماً له ولا تفخيماً، جاء زيد بن حارثة فقام له صلى الله عليه وسلم وقبله، وصح أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إذا دخلت على أبيها قام لها واحتضنها وقبلها وأجلسها مكانها، وكان إذا زارها في بيتها قامت إليه عند الباب واحتضنته وقبلته وأجلسته مكانها صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها وأرضاها، وجمعنا بهم في الجنة.

    وفي حديثٍ -في سنده كلام- أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما قدم من الحبشة قام له عليه الصلاة والسلام من بين الصحابة وقال: {لا أدري بأيهما أُسَر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر وقَبَّل جعفر وأجلسه} أحد النبلاء من الأدباء رأى عالماً أقبل فقام الأديب، فقال العالم: لا تقم، فقال هذا الشاعر:

    قيامي والإله إليك حقٌ      وترك الحق ما لا يستقيم

    وهل رجلٌ له لبٌ وعقلٌ      يراك تجي إليه ولا يقوم

    وأما القيام إليه، فهو جائز بالإجماع، مثل أن تقوم إليه لتنزله أو لتعينه على شيء أو تفتح له الباب، أتى سعد بن معاذ سيد الأوس الذي اهتز له عرش الرحمن لما مات، وشيعه سبعون ألف ملك، قدم على حمار ليحكم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين بني قريظة، وكان مريضاً مجروحاً من القتال، فلما أتى قال صلى الله عليه وسلم للأنصار: {قوموا إلى سيدكم، وفي رواية: فأنزلوه} فالقيام إليه جائز كما أسلفت.

    قال كعب بن مالك: {فقام لي طلحة بن عبيد الله، ووالله ما أنساها لـطلحة}.. الإحسان ينفع حتى إلى الكلاب، يقول:

    أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهم      فطالَما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ

    كان المغيرة بن شعبة أحد الأمراء في قصره، فقال لحاجبه: لا تُدْخِل عليَّ أحداً، فأتى رجل صديق للحارس، قال: أريد الأمير المغيرة بن شعبة، قال: كيف؟ قال: أنا صديقك تمنعني قال: ادخل، فدخل قال المغيرة: أما قلت لك لا تدخل أحداً اليوم؟ قال: إنه صديقي وصاحبي فخجلت أن أمنعه، قال: [[أحسنت أصاب الله بك الخير، والله إن المعروف ينفع ولو في الكلب الأسود]]

    أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهم      فطالَما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ

    يقول رجل أعرابي لـابن عباس: يـابن عباس! إن لي عندك يداً -أي: إني فعلت معك معروفاً، وقدمت لك مكرمة- قال ابن عباس: ما هي؟ قال: رأيتك في الحج في العام الأول، وأنت في الشمس فظللتك بكسائي فهذا الأعرابي رأى ابن عباس -عالم المسلمين ترجمان القرآن بحر الأمة وبحر القرآن- رآه في الشمس وهو حاج يفتي الناس وسط الحجيج كالغمام حوله يفتيهم، فأتى هذا البدوي بكسائه، فظلل ابن عباس، وابن عباس ما درى من ظلله، وبعد سنتين أتى الأعرابي يحاسب ابن عباس ويريد منه الأجرة، قال: إن لي عندك يداً، قال: ما هي؟ قال: رأيتك في العام الأول في الحج وأنت تفتي الناس، فأصابتك الشمس، فظللتك منها، قال ابن عباس: يا غلام! أعطه ألف دينار.

    الخير أبقى وإن طال الزمان به      والشر أخبث ما استوعيت من زاد

    كان أبو جعفر المنصور الخليفة الجبار ثاني خلفاء بني العباس جالساً مع الأدباء والوزراء والأمراء، قال: ما أحسن الأبيات التي قالت العرب؟! فكلٌ أدلى ببيت، فقال: أحسن بيتٍ قالته العرب هو:

    الخير أبقى وإن طال الزمان به      والشر أخبث ما استوعيت من زاد

    افعل الخير في أي رجل، يقول الحطيئة:

    من يفعل الخير لا يعدم جوازيه      لا يذهب العرف بين الله والناس

    اشترى عمر رضي الله عنه وأرضاه من الحطيئة أعراض المسلمين بألف دينار، وكان شاعراً هجاءً.

    مر الحطيئة برجل اسمه الزبرقان بن بدر على ماء، فأراد أن يضيفه الزبرقان بن بدر، وكان الزبرقان أميراً؛ لكنه كان بخيلاً، يمص الذباب وهو في الهواء، والحطيئة يخرج لسانه ويضرب أرنبة أنفه، وهذا لا يستطيعه كل الناس، ومن أراد أن يجرب فإذا عاد إلى بيته فليجرب، فـالحطيئة لطول لسانه كان يضرب أرنبة أنفه بها، وقالوا عن حسان بن ثابت أيضاً.. أنه كان يضرب بلسانه أرنبة أنفه، يقول عليه الصلاة والسلام: {من يهجو المشركين؟ قال علي: أنا، قال: لا -لأن علياً لم يكن شاعراً بدرجة حسان -قال حسان: أنا يا رسول الله، قال: كيف؟ قال: عندي -يا رسول الله- لسانٌ لو وضعتها على حجرٍ لفلقه، ولو وضعتها على شعرٍ لحلقه، ثم أخرج لسانه وضرب أرنبة أنفه}.

    فـالحطيئة مر بهذا الأمير، فطلب منه العشاء فما عشاه، فأتى بقصيدة مخزية مزرية، يقول في الأمير:

    دع المكارم لا ترحل لبُغيَتها     واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

    يقول: أنت خادم ولا تصلح أن تكون أميراً، لأن الأمير واجبه أن يضيف وأن يعطي وأن يبذل وأن يكون وجهه طلقاً سمحاً بشوشاً يعانق ويرحب.

    دع المكارم لا ترحل لبُغيَتها     واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

    من يفعل الخير لا يعدم جوازيه      لا يذهب العرف بين الله والناس

    أجمعت يأساً مبيناً من نوالكم      ولا يرى طارداً للحر كالآسي

    أتى هذا الأمير وسمع القصيدة التي سارت في العرب -والعرب تتنقل فيهم القصائد كالهواء أو كالماء- فضاقت عليه الدنيا بما رحبت، فركب ناقته وذهب إلى عمر وخلع رداءه، وقال: لا أتولى ولاية، سبني الحطيئة، قال عمر: ماذا قال فيك؟ قال: يقول:

    دع المكارم لا ترحل لبغيتها      فاقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

    عمر يدري أنها تنـزل على الكبد؛ لكن يريد أن يلطف الوضع- قال: لا أظن أنه سبك، يقول: اترك المكارم فإنك مطعم مكسي، وكلنا مطعم من الله ومكسي، قال: يا أمير المؤمنين! استدعِ حساناً -الذي يعرف- واسأله عن هذه القصيدة، فاستدعى حساناً، قال عمر: يا حسان! هل سبَّه؟ فقال حسان: لم يسبه -يا أمير المؤمنين- ولكنه سلح عليه، ليته سبه فحسب، لكنه سلح عليه. هذه قصة تطول، وإنما الشاهد فيها -بارك الله فيكم- القيام، وتكريم الوافد.

    فجلس كعب بن مالك بعد أن قام له طلحة بن عبيد الله، فقال عليه الصلاة والسلام: {أبشر يا كعب بخير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك} قال كعب: فبكيت من الفرح.

    البكاء قسمان: بكاء حزن، وبكاء فرح، دمع الحزن حار، ودمع الفرح بارد، قال ابن القيم: يقول أحد الأولين:

    طفح السرور عليَّ حتى إنني     من عظم ما قد سرني أبكاني

    ومن هذا: المرأة، إذا سمِعَتْ بنجاح ولدها تبكي، لا تبكي لأنه رسب؟ بل تبكي فرحاً بنجاحه، وكذلك إذ رجع ولدها من سفر، فهذا يسمى دمع الفرح، أن يبكي الإنسان فرحاً وهو في غاية الفرح، ويقولون: إن صغار القلوب إذا أتاهم أمرٌ طامٌ ماتوا من كثرة الفرح، يصيب أحدهم سكتة فيموت.

    ذكر الجاحظ وغيره أن رجلاً من البخلاء ذهب إلى أحد الملوك، وكان هذا البخيل فقيراً وكان يظن أن الملك يعطيه عشرة دنانير أو مائة دينار أو ثوباً، أو أي شيء، فذهب فسأل الملك عطاء، فقال الملك: اصرفوا له عشرة آلاف دينار، هذه عشرة آلاف دينار ميزانية، فأتوا فأخبروا الرجل، قالوا: فجلس مرتعداً عند باب الملك وما مر عليه قليل حتى مات.

    لقد ذهب الحمار بأم عمرو     فلا رجعت ولا رجع الحمار

    وهذا يقوله ابن القيم في كتابه الطب، على الإنسان أن يتدرج مع حبيبه خاصةً مع الأطفال في الفرح، فلا يعطيهم الفرح دفعة واحدة، يقول: كيف لو حصل كذا أو حصل كذا؟

    وهذا نادر لا يحدث إلا لأهل الجشع، والطمع الذين يصابون بسكتات؛ لقلة الإيمان في قلوبهم، أما أهل الإيمان فسواء زادت الدنيا أو نقصت فأمرها سهل، بعضهم لا يتزعزع من المصائب ولو كانت كالجبال.

    قيل للأحنف بن قيس: [[ممن تعلمت الحلم؟ قال: تعلمت الحلم من قيس بن عاصم]] قيس بن عاصم هذا هو شيخ قبائل بني تميم، عنده عشرة آلاف رجل، إذا ناداهم حملوا عشرة آلاف سيف، لا يسألونه عما غضب، يقولون: إذا سمعوه ناداهم لمعركة قالوا: غضبت زبرة، وزبرة خادمة لـقيس بن عاصم، فإذا ناداهم قيس بن عاصم، أخذوا السيوف لا يسألون عما غضب؛ هل هو محق أو مبطل، أو ظالم أو مظلوم!

    لا يسألون أخاهم حين يندبهم      في النائبات على ما قال برهانا

    ويروى عنه أنه قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عليه جلالة ومهابة وعقل وسكينة، وهذه شارة المؤمن دائماً، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال: {ما سمعت برجلٍ إلا كان أقل مما سمعت به إلا أنت يا قيس فكنت أعظم مما سمعت به} وقال: {هذا سيد أهل الوبر -أي: البدو- قال قيس: يا رسول الله! إنه قد رق عظمي، وشاب رأسي، ودنا أجلي فأوصني يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: يا قيس! إن مع الصحة سقما،ً وإن مع القوة ضعفاً، وإن مع الغنى فقراً، وإن مع العزة ذلة، يا قيس! إن معك قريناً تدفن معه وهو حي ويدفن معك وأنت ميت، وهو عملك فأقلل منه أو أكثر، فبكى وارتحل إلى قومه}.

    الفرج يأتي بعد الشدة

    قال عليه الصلاة والسلام {يا كعب: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك -يوم تاب الله عليه- قال كعب: يا رسول الله! إن من توبة الله عليَّ أن أتخلع من مالي} يقول: من حق الله ما دام أنه قد تاب عليَّ وقبلني، فمن حق الله عليَّ أن أنخلع من مالي، وأتصدق به في سبيل الله.

    قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أبقِ عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك} وهذا مبدأ في الإسلام لابد أن يُتْنَبَه إليه، بعض الناس يمدح بعض الناس يقولون: لا يمسك درهماً ولا ديناراً! وورثته ومكسبه وأهله وأطفاله أين يذهبون؟! قال صلى الله عليه وسلم لـسعد بن أبي وقاص: {إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس} فيقول رسول الله لـكعب بن مالك: {أبقِ عليك بعض مالك، فهو خير لك؛ فإني أمسك سهي الذي بخيبر}

    وعاد كعب وقد فرح بعفو الله ورحمته ورضوانه، وكان له هذا فرجاً بعد الشدة، أي: أن الله فرج كربته بعدما اشتدت عليه الضوائق، قال الشافعي:

    ولرب نازلة يضيق بها الفتى      ذرعاً وعند الله منها المخرج

    ضاقت فلما استحكمت حلقاتها      فرجت وكنت أظنها لا تفرج

    قال ابن عباس: [[لن يغلب عسرٌ يسرين]] قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6]

    وهنا سؤال: كيف يقول ابن عباس: [[لن يغلب عسرٌ يسرين]] وهو قد ذكر في الآية العسر مرتين وذكر اليسر مرتين، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6] وابن عباس يقول: [[ لن يغلب عسرٌ يسرين]] وكأن اليسر ذكر مرتين، والعسر ذكر مرة، كيف وقد ذكر العسر مرتين واليسر مرتين؟

    والجواب: لأن العسر معرف فهو واحد، وأما اليسر فَمُنَكَّر، فهو متعدد، فالعسر الثاني هو العسر الأول، أما اليسر الأول فغير اليسر الثاني، وهذه (ال) للعهد؛ فلذلك جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مع كل عسر يسرين، فإذا ضاقت بالعبد الكرب، فليمد يده إلى الله، ولا يسأل أحداً بتفريج كربته، فلا يفرج الكرب إلا الله قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:62] فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65].

    ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لا يكشف الضراء إلا هو.

    والعرب تقول في الأمثال: (إذا اشتد الحبل انقطع)؛ أي: إذا اشتدت الكرب سهلها الله عز وجل.

    1.   

    ما يؤخذ من قصة كعب بن مالك

    من حديث كعب بن مالك نأخذ أكثر من مائة فائدة، لكن أذكر ما تيسر من هذه الفوائد، منها:

    التبكير بالسفر صباحاً

    ذُكر في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج صباحاً إذا أراد السفر، أي: بعد الفجر، وهذا درسٌ للمسلمين في أسفارهم أن يحرصوا على السفر بعد صلاة الفجر، للحديث الصحيح عن أبي صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بارك الله لأمتي في بكورها} رواه أحمد والترمذي وغيره، وهذا الحديث هو الوحيد لـأبي صخر الغامدي، وهذه بشرى لآل غامد أنه وجد لهم حديث في مسند الإمام أحمد، وهذا شرفٌ عظيم، وذكر أهل السير في ترجمته أنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {بارك الله لأمتي في بكورها} فكان يذهب بعد الفجر يتاجر حتى كثر ماله، فلا يدري أين يضعه.

    ومنها: أن السفر المرغوب يوم الخميس، فإنه ذكر كعب بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم سافر يوم الخميس، وكان غالباً ما يسافر صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، والذي ينهى السفر فيه يوم الجمعة، وبعض أهل العلم على كراهية السفر يوم الجمعة، وبعضهم يقول: الكراهة والتحريم بعد الأذان الأول، إذا أذن الأذان الأول فلا تسافر، أما في صباح الجمعة فلك ذلك، لكن الأحسن أن يستقر العبد يوم الجمعة فيجعله للعبادة والغسل والتهيؤ للصلاة والذكر والتلاوة وتدبر القرآن؛ لأنه عيد المسلمين.

    تفقد المسئول للرعية

    ومن الدروس أيضاً: أن على المسئول أن يتفقد رعيته، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل في تبوك قال: {أين كعب بن مالك؟} فعلى المسئول وعلى راعي المدرسة ومديرها ورئيس الدائرة الحكومية أن يتفقد موظفيه، وأن يتفقد رعيته على حد تعبير الحديث صحيح: {كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته}.

    فوائد الجرح والتعديل

    ومن الدروس أيضاً: أن يذكر ما يعلم في الشخص، وأن من المستقر عند أهل العلم أن الفاجر ليس له غيبة، وإذا استنصحت فعليك أن تنصح، والغيبة في مواطن جائزة؛ كأن يأتيك رجلٌ يستشيرك بأن يزوج ابنته رجلاً من الناس، وتعلم أن هذا الرجل فاجر أو تارك للصلوات، أو سكير، أو معرض عن الله، فحقٌ عليك أن تبين عيبه ولا تكتمه، لأن هذا ليس من الغيبة في شيء، وكذلك مما جوز أهل العلم جرح أهل الحديث بعضهم لبعض، كأن يقولوا: فلان كذاب أو ضعيف أو واهم أو سيئ الحفظ، هذا من العلم ومن السنة، وهم مأجورون على ذلك، ومنها إذا شاركت أحداً في تجارة فعليك قبل ذلك أن تسأل عن هذا: هل هو مؤتمن أم لا؟

    الذب عن عرض الآخرين

    ومن دروس قصة كعب بن مالك: أن على المسلم أن يذب عن عرض أخيه، مثلما فعل معاذ رضي الله عنه وأرضاه، لما سمع كلاماً في كعب ذب عنه ودافع عنه، وقال: [[بئس ما قلت، ما علمنا إلا أنه يحب الله ورسوله]] وفي حديث يروى عنه صلى الله عليه وسلم: {من ذب عن عرض أخيه المسلم ذب الله عن عرضه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فحق على المسلم إذا سمع عن مسلم في مجلس من المجالس انتهاكاً لقيمته وكرامته ومكانته أن يرد وأن يذب، وأن يبين أن هذا خطأ وأن يخبر بمناقب هذا الشخص إذا علم أن فيه خيراً.

    سنن في القدوم من السفر

    وفيها من المناقب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالمسجد إذا قدم من السفر، وكان يصلي فيه ركعتين، والبداية في السفر من هذا الحديث كانت في الضحى، أما إذا قدم عصراً فلا أرى أن يذهب إلى المسجد، لأنه وقت نهي، وكذلك بعد طلوع الفجر، إنما إذا قدم ضحىً فليبدأ في المسجد، وليكن متوضئاً، فيصلي فيه ركعتين، كما فعل عليه الصلاة والسلام، وصح عنه من حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم أنه قال: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين}.

    ومنها: أن يجلس للناس فيسلم عليهم ويسلموا عليه إذا قدم من سفر، وهذه من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.

    ومنها: قبول عذر المعتذر، إذا اعتذر لك أخوك فاقبل عذره، واحمله على الظاهر، لا تقل: أراد كذا أو في نيته كذا، أو لم يصدق، أو كذب بل التمس له عذراً.

    مشروعية هجر أصحاب المعاصي

    ومنها -وهو أعظم درس- هجر أهل المعاصي، يقول الحسن البصري فيما رواه ابن أبي حاتم عنه: وذكره ابن حجر في فتح الباري يقول: [[يا عجباً! هؤلاء -أي: الثلاثة- ما سفكوا دماً، ولا قطعوا طريقاً، ولا أفسدوا في الأرض، ولا نهبوا مالاً، وقد وصل لهم من الجزاء ما تعلمون، فكيف بمن ارتكب الكبائر والفواحش؟!]] يقول: هذا فقط لأنهم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كيف جزاء من ارتكب الفواحش والكبائر والعياذ بالله، فهجر أهل المعاصي من مذهب أهل السنة والجماعة، أما الذي أعلن بدعته فهَجْرُه مطلوبٌ؛ بل واجب، أو كالرجل الذي اشتهر عنه شهادة الزور، وهو كاذب يصرف الحقوق، ويموه على القضاة، ويخون على شرع الله، حقه أن يُهْجَر من المجتمع، ومثل مدمن المخدرات، والمدمن على سماع الغناء، والذي يخالف السنة في مظهره ومخبره فحقه أن يُهْجَر، وهجر أهل المعاصي من سنته عليه الصلاة والسلام، ويؤجر عليه العبد.

    أما الهجر الدنيوي فلا يجوز إلا لثلاث ليال، لحديث أبي أيوب عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث -أي: ثلاث ليال في الدنيا- يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} وأما في أمور الآخرة فيهجر العصاة حتى يؤدبوا إذا كان الهجر أنفع لهم، لكن ابن تيمية يذكر مسألة وهي: إذا كان الهجر يؤدي بهم إلى زيادة الإعراض، أو كأن الداعية نفسه ضعيفاً، أو في مجتمع ينتشر فيه المفسدون فلا يشرع الهجر لأنك عندها تصبح وحيداً مضطهداً محتقراً، وظلموك واحتقروك، ومن أراد أن يراجع هذه المسألة فليراجعها في المجلد الثامن والعشرين من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الحسبة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الهجرة والجهاد.

    من دلائل البشارة

    ومنها: أن على المسلم أن يبشر أخاه المسلم بالمبشرات، فإذا ولد له مولود، أو نجح ابنه أو أتاه خير أو سمع عنه ذكرٌ حسن، أو رئيت له رؤيا صالحة؛ لأن أهل الحسد وأهل الضغينة وأهل الحقد يكتمون الخير ويظهرون السوء، فإذا رأى أحدهم لأخيه المسلم خيراً أو سمع خيراً كتمه، وإذا سمع شيئاً يجرح عرضه أعلنه ونشره بين الناس، وهذا من شيم أهل الحسد -والعياذ بالله- والضغينة والحقد ومن شيم الذين أعرضوا عن منهج الله عز وجل.

    ومنها: أن على من بشر بشيء أن يعطي مكان هذا، لأن المسلم كريم يبذل ويعطي.

    أسعد أيام المسلم هو يوم توبته إلى الله

    ومنها: أن خير أيام المسلم يوم يتوب إلى الله، لكن كيف يقول عليه الصلاة والسلام: {يا كعب! أبشر بخير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك} مع العلم أن إسلام كعب خير يوم، وهو قد تاب فكيف نجيب على هذا؟

    يجيب أهل الحديث على ذلك، فيقولون: خير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك بسبب إسلامك، أي: أنه بسبب إسلامك ذلك اليوم أتى لك خير يوم، وهذا تكلف.

    وأجاب آخرون وقالوا: هذا اليوم يوم الإسلام ويوم التوبة يجتمعان ليصبحا يوماً واحداً، فهو خير يوم ولدتك فيه أمك، أو مر عليك منذ ولدتك أمك، يوم تبت وعدت إلى الله، وكعب بن مالك لم يحضر بدراً وإنما حضر بيعة العقبة، يوم بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه البيعة الكبرى.

    1.   

    وقفات مع بيعة العقبة

    لابد أن أقف مع بيعة العقبة وقفات لأنها تسمى: البيعة الكبرى.

    كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب، وكان يمر على السوق فيقول: من ينصرني؟ يقول لبني شيبان: انصروني، وامنعوني مما تمنعون به نساءكم وأطفالكم ولكم الجنة فيقولون: لا نستطيع، يمر على القبيلة الأخرى فيعرض نفسه عليه الصلاة والسلام فيعتذرون، وكل قبيلة تعتذر.. لماذا؟ لأنهم يقولون: لو أننا نصرناه لحاربَتْنا العرب عن وتيرة واحدة.

    ويوم أراد الله أن يرفع الأنصار جعلهم أنصار الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى عليه الصلاة والسلام في العقبة ليبايع الأنصار، قال عبدالله بن رواحة: (يا رسول الله! على ماذا تبايعنا؟ قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا عند الله؟ -أي: ماذا تعطينا من مكافأة إذا نصرناك وآويناك وجاهدنا معك؟- قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل).

    يقول ابن القيم معلقاً على هذه البيعة: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا فقد وجب البيع) ولذلك أعلنوا بيعتهم رضوان الله عليهم، وكانوا ينتظرون متى يسلمون أرواحهم رخيصة في سبيل الله.

    وأنا أذكر نماذج الأنصار كما فعل ابن حجر لما شرح هذا الحديث، عرض لبعض النماذج باستطراد ليثبت أن الأنصار بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الجهاد، كانوا يحضرون المعركة وهم ينشدون ويترنمون ويقولون:

    نحن الذين بايعوا محمدا      على الجهاد ما بقينا أبدا

    من أبطالهم: أبو دجانة، سلم نفسه في أحد للبيعة، لكنه ما قتل ذاك اليوم، أتى إلى المعركة فوقف عليه الصلاة والسلام قبل المعركة، فمد سيفه صلى الله عليه وسلم، قيل: ذو الفقار، وقيل: غيره، قال: (من يأخذ هذا السيف؟ فمد الصحابة أياديهم كلهم يريد أن يأخذ السيف، قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فسكنت الأصابع وهدأت الأصوات، وقام أبو دجانة وقال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فما هو حقه؟ قال: حقه أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني -فما قال: تضرب به فحسب، وإنما تضرب به حتى ينحني- فلما أخذه أخرج عصابة حمراء من جيبه، وشد رأسه وقال:

    أنا الذي عاهدني خليلي     ونحن بالسفح لدى النخيل

    ألا أقوم الدهر في الكيول     أضرب بسيف الله والرسول

    فلما أخرج عصابته الحمراء سكت الأنصار وقالوا: أخرج أبو دجانة عصابة الموت!) يسمى هذا خطر ممنوع الاقتراب قال أنس: فتتبعت أبا دجانة فكان يفلق بالسيف هامات الكفار حتى أتى بالسيف في العصر وقد انحنى.

    سبحان الله! سيف ينحني؟ يقول النابغة الذبياني يمدح الغساسنة فيقول:

    ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم      بهن فلول من قراع الكتائب

    تخيرن من أزمان يوم حليمة      إلى اليوم جربن كل التجارب

    يقول: من أزمان جداتهم وسيوفهم معهم، لا عيب فيهم إلا أن أسيافهم مثلمة، وهذا يسمى عند أهل البلاغة: المدح بما يشبه الذم.

    كان عكاشة في معركة بدر يضرب بالسيف حتى تكسر، وما تبقى منه إلا المقبض، فأخذ صلى الله عليه وسلم عوداً من خشب، وقال: خذ هذا السيف بارك الله لك فيه، فهزه صلى الله عليه وسلم فتحول سيفاً بإذن الله -وقد ذكر هذه القصة ابن القيم وابن هشام وابن إسحاق- هز الخشب عليه الصلاة والسلام فأخذه عكاشة وقاتل به، وبقي معه حتى قال أهل العلم: دفن معه في القبر.

    وحضر قتادة بن النعمان معركة أُحُد، وهو من الذين بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام يوم العقبة، فلما حضر المعركة رميت عينه اليمنى فسالت عينه على خده، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: باسم الله، ثم أعادها مكانها وأرجعها عليه الصلاة والسلام، فكانت أجمل من العين الأخرى) حتى يقول ابنه لما يمتدح:

    أنا ابن الذي سالت على الخد عينه      فردت بكف المصطفى أحسن الرد

    ومن أهل الأنصار من أهل بيعة العقبة: عبد الله بن عمرو الأنصاري حضر في معركة أُحُد فباع نفسه من الله، وقال: اللهم خُذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، فسلم نفسه من الله فقتل، ضرب أكثر من ثمانين ضربة، حتى يقول صلى الله عليه وسلم لابنه جابر: (ابكِِ أو لا تبكِ، فوالذي نفسي بيده، ما زالت الملائكة تظلل أباك بأجنحتها حتى رفعته، وقد كلمه الله كفاحاً بلا ترجمان)

    هذه قصص استعرضتها لما قال كعب بن مالك إنه من أهل بيعة العقبة، أما الدرس فعنوانه (الفرج بعد الشدة) أي: أنها إذا اشتدت الشدائد واحتكمت الضوائق فلا يفرجها إلا الله عز وجل.

    لأحد أهل اليمن وهو شاعر يمني عظيم، له قصائد طويلة.

    فـابن دريد يقول:

    يا ظبيةً أشبه شيء بالمها     ترعى الخزامي بين أشجار النقا

    فعارضه اليمني هذا بقصيدة في العقيدة كأنها قذائف من القِلب يقول:

    سبحان من يعفو ونهفو دائماً      ولم يزل مهما هفا العبد عفا

    يعطي الذي يخطي ولا يمنعه      جلاله عن العطا لذي الخطا

    لطائف الله وإن طال المدى      كلمحة الطرف إذا الطرف سجا

    يقول ابن الجوزي في صفة الصفوة: "لا يفرج الكرب إلا الله، ولا يرزق إلا الله".

    وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وكتابات ابن تيمية تدور حول العبادة والرزق، وكشف الضر من الله عز وجل.

    يقول ابن الجوزي في قصته: "مر رجلٌ فرأى عصفوراً ينقل لحماً إلى نخلة، قال الرجل: فتعجبت لأن العصفور لا يعشعش النخل، فصعدت النخلة فوجدت في النخلة حية عمياء، قال: إذا أتى العصفور باللحم صوَّت العصفور، وترنم بصوته، ففغرت فاها وهي عمياء، فألقى في فمها اللحم وعاد، فعلمت أنه لا يرزق إلا الله الواحد الأحد".

    وعلى سبيل المثال عندما استطردنا في ذكر الحيوانات يذكر ابن القيم في مفتاح دار السعادة قصة أرويها على ذمة ابن القيم وهي قصة النملة المشهورة، لكن لا بأس بتكرارها.

    كرر العلم يا جميل المحيا      وتدبره فالمكرر أحلى

    قص ابن القيم علينا قصة يقول: كانت هناك نملة خرجت من جحرها تطلب الرزق، والله عز وجل يتجلى في خلق النملة ويتجلى في خلق النحلة، ويتجلى في كل شيء قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] كلها تدل على الواحد الأحد.

    قل للطبيب تخطفته يد الردى      من يا طبيب بطِبِّه أرداكَا!

    قل للمريض نجا وعوفي بعدما      عجزت فنون الطب مَن عافاكَا!

    والنحل قل للنحل يا طير البوا     دي ما الذي بالشهد قد حلاكَا!

    وإذا ترى بالثعبان ينفث سمه      فاسأله من ذا بالسموم حشاكَا!

    واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو     تحيا وهذا السم يملأ فاكَا!

    يقول: جلس رجلٌ عند بيت نملة، وكان هناك رجل جرادة بجانب بيت النملة، فخرجت النملة فوجدت رجل الجرادة، فحاولت أن تزحزحها وتسحبها إلى بيتها فما استطاعت، فعادت تأخذ نقالات وحمالات؛ لأن النمل ثلاثة أقسام: ملكة، وهذه لا تشتغل وإنما تصدر الأوامر ولها عاملات حولها وخدم، وهناك شغالات همها تبني خلايا البيض والبيوت وتصلح الأعشاش، وهناك خدم عمال، وهؤلاء جنودٌ متطوعون يأتون بالرزق، ذلك من حكمة الواحد الأحد، ذلك خلق الله، قال تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11].. وقال سبحانه: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73] خرجت فحاولت أن تجر رجل الجرادة فما استطاعت، فعادت فأخبرت الشغالات أو الخدم، ففي أثناء عودتها ومعها ما يقارب الثلاثين نملة فأتى الرجل، فرفع رجل الجرادة، فبحثوا في المكان فما وجدوا شيئاً فعادوا، ووقفت النملة وحدها مكانها، فلما رجع البقية أعاد لها رجل الجرادة، فحاولت أن تسحبها ولكنها لم تستطع، فعادت فكلمتهم فأتوا، فرفع رجل الجرادة، فبحثوا ولم يجدوا شيئاً فرجعوا، ثم وضع الرِجل، فأتت تسحب فما استطاعت، فعادت فكلمتهم فأتوا فرفع الرجل فما وجدوا في المكان شيئاً، قال: فتحلقوا على هذه النملة فقطعوها إرباً إربا".

    ذكرها ابن القيم في مفتاح دار السعادة، والعهدة على ابن القيم وهو ثقة عند أهل السنة والجماعة.

    والذي يؤخذ من هذا: أن الفرج من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولا يفرج الكرب إلا هو تبارك الله رب العالمين.

    من ضمن هذه الكرب التي مرت قصة أكررها كثيراً، لكن لا بأس بإيرادها:

    يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي "كان هناك رجل تاجر وخرج في تجارة، فعرض له أحد قطاع الطرق، فلجأ إلى الله فأنجاه الله".

    وهناك قصة إبراهيم عليه السلام حينما أرادوا أن يلقوه في النار، تقطعت به الأسباب، وتقطعت به الحبال إلا من ذي الجلال والإكرام، أتاه جبريل فقال لإبراهيم: "ألك إليَّ حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم" والصحيح أن الإنسان يلجأ لا إلى جبريل ولا إلى ميكائيل ولا إلى إسرافيل ولا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء لا ينفعون ولا يضرون ولا يشافون ولا ينجحون ولا يرزقون ولا يشفون، وإنما يفعل ذلك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].

    1.   

    الأسئلة

    حكم استقدام العمال غير المسلمين

    السؤال: أرجو منكم إيضاح مسألة العمال الذي يتم استقدامهم إلى هذه البلاد، ولا يهتم من يستقدمهم بمتابعتهم وحثهم على إقامة الصلاة؟

    الجواب: كلمني في هذه المسألة كثير من الإخوة، وأنا أتوجه بهذا النداء إلى رجال الأعمال وأهل المؤسسات أن يتقوا الله عز وجل، وأخاطبهم بمسألتين:

    الأولى: ألا يستقدموا إلا مسلماً، فإنه انتشر الآن أنه لا يهم رجل العمل ولا صاحب المؤسسة استقدام مسلم أو كافر، حتى أصبح أكثر العمال الآن هنديين بوذيين وأمثالهم من أعداء الله عز وجل الذين لا يعترفون بدين الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: {أخرجوا اليهود من جزيرة العرب} وفي لفظٍ: {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يجتمع في جزيرة العرب دِينان} وقد نبه كبار العلماء على هذه المسألة أكثر من مرة، لكن من يعي؟ هناك من لا يعي، ولا يهتم إلا بمصلحته سواءٌ أقام الدين أو هدمه.

    كتب أبو موسى إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، إن عندي رجلاً نصرانياً كاتباً حاذقاً فهل أستكتبه عندي في الإمارة؟ فكتب له عمر: [[قاتلك الله! أتقرب من بعَّد الله، وتوالي من عادى الله، وتحب من أبغض الله؟ لا تقربهم ولا تتخذهم كتبة]] فمثل هذا لا يجوز للمسلم أن يستقدم كفرة غير ديانة الإسلام.

    وإذا استقدم مسلمين فليشترط عليهم شروطاً في العقد، إقامة الصلاة في المساجد؛ لأن هجر المساجد التي نشهده في أمكنتنا وخاصةً في هذه المنطقة أرى أن المسئول عنها رجال الأعمال وأهل المؤسسات، يستقدم أحدهم مئات العمال ثم يتركهم يدرجون كالبهائم، لا يدري هل صلوا؟ هل حافظوا على أوامر الله؟ لابد أن يشترط عليهم هذه الشروط، وهذه صرخة أتوجه بها إلى هذا الصنف هداهم الله ووفقهم الله، فإن أكثر من عطل الصلاة هم العمال وأمثالهم بحجة أن صاحب العمل لم يشترط عليهم ذلك وما ذكر لهم ذلك، بل إن بعضهم يجمع الصلوات الخمس مرة واحدة، فهذا نضعه في أعناقهم، وعليهم أن يتقوا الله في عمالهم فإن الله سوف يسألهم عنهم.

    منكرات البيوت

    السؤال: نرجو الحديث عن منكرات البيوت؟

    الجواب: منكرات البيوت سوف يكون فيها خطبة جمعة إن شاء الله وأنا أجمع عناصرها.

    وأقول الآن من منكرات البيوت: الأغنية الماجنة، المجلة الخليعة، الفيديو المهدم، المسلسل المخرب، الاختلاط، ترك الحجاب، الفحش، الغيبة والنميمة، دخول الأجانب، ومما وصلني من رسائل من بعض الإخوة أنه يوجد هناك دخول بعض العمال إلى بعض المحارم، والرجل يدري أن امرأته تكلم العامل ويكلمها، وربما جلس معها، فيحدث من ذلك نتائج لا تحمد عقباها من الفاحشة والزنا والعياذ بالله، ويحدث في بعض النواحي والقرى دخول العمال والرعاة والمزارعين على المحارم، ومن رضي بذلك وفعله فهو ديوث؛ لأنه أقر الفاحشة في بيته، والجنة حرام على الديوث، فليتنبه لذلك.

    وسوف يكون في هذا كلام مفصل.

    صيام التاسع والعاشر من محرم [عاشوراء]

    السؤال: اضطربت في صيام يوم الخميس والجمعة وظننت أن اليوم هو العاشر، وعلمت أن غداً العاشر وصمت اليوم فماذا أفعل؟

    الجواب: إن كنت صمت الأمس مع اليوم فكفاك، وإن كنت صمت اليوم فحسب فصم غداً، أنا أعرف دائماً أن السبت قبله الجمعة وبعده الأحد، لكن جل من لا يسهو.

    وتقبل الله منك، وصم غداً وأنت مأجور على كل حال، فإنك ما أخطأت، وقد تمكن منك اليوم وتمكن منه، فغداً هو اليوم العاشر على ما أفتى به بعض العلماء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لئن بقيت لقابل لأصومن التاسع والعاشر} فصم اليوم وغداً، وإذا لم تصم اليوم فصم غداً وبعد غد، يوم قبله أو يوماً بعده، سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يستطع إلا يوماً واحداً، فليصم يوم عاشوراء، لأنه لم يرد نهيٌ صريح في النهي على إفراده فحسب، لكن من باب الأولى أن تصوم يوماً قبله ويوماً بعده.

    كفارة اليمين

    السؤال: ما هي كفارة اليمين؟

    الجواب: كفارة اليمين ذكرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بقوله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ [المائدة:89]؛ وهذا على التخيير، وأما الصيام فعلى الترتيب، وكفارة اليمين أن تطعم عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك به، ولا يجوز دفع المال؛ لأن الله ذكر الإطعام، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، هذه على الترتيب، وأما تلك التي قبل فمن لم يجد فعلى التخيير، فأنت مخير أن تطعم وأن تكسو، والإطعام ما يكفيه وجبة واحدة، تحضر عشرة فتغديهم أو تعشيهم، الصبوح لا يدخل لأنه رخيص، فلا بد من وجبة دسمة؛ مثل بعض الناس إذا عزم لم يعزم إلا على الصبوح.

    حكم شرب الدخان

    السؤال: أنا مبتلىً بالدخان فما حكمه؟ وكيف أتوب منه؟

    الجواب: نسأل الله لك أن يتوب الله عليك وأن يثبتك وأن يهديك سواء السبيل، الدخان محرم لقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] فتذكر أنك قادمٌ على الله، وأن الله سوف يسألك عن عملك وحالك، ولأنك مسلم فلابد أن تتبع محمداً صلى الله عليه وسلم وأن تقتدي برسالته وتتوب وأن تجتنب جلساء السوء الذين قعدوا في طرق الأنبياء والرسل، وأخذوا شباب الأمة إلى المقاهي والمنتديات فأعطوهم السيجارة، ثم سلموا لهم كأس الخمر، ثم المرأة، ثم أودوهم إلى الشبهة والشرك والعياذ بالله، وكثيرٌ من شبابنا لم يأخذ من الغرب إلا هذه التقاليد البائسة الحقيرة الهزيلة، ما سمعنا شبابنا أنهم قدموا لنا صاروخاً أو صنعوا طائرة أو دفاية أو ثلاجة، إنما أخذوا مخلفات الغرب، كما قال الأول:

    منهم أخذنا العود والسيجاره      وما عرفنا نصنع السيارة

    وصية للمصطافين

    السؤال: ماذا توصينا به ونحن مصطافون؟

    الجواب: أوصيك به وكل نازل أن تتقي الله في هذه المنطقة، هذه البلاد بلاد محمد صلى الله عليه وسلم، بلادٌ ربيت على تقوى الله وعلى لا إله إلا الله، بلاد تهدلت أوراق أشجارها، وصدحت بلابلها على تقوى من الله، أسس بنيانها على بنيان محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109]

    أوصيك بأربع وصايا أيها المصطاف:

    أولاً: شكر الله لك يوم اخترتنا عن الغرب وعن أمريكا، وعن تركيا، فهنا أسلم لك، هنا العفاف والجمال، وهنا القداسة والاحترام، حللت ضيفاً، مرحباً وسهلاً على التبجيل والسعة، وإذا ضاقت الأرض فصدورنا أوسع.

    ثانياً: أوصيك بالصلاة والحفاظ عليها في أوقاتها؛ لأن كثيراً من المصطافين في المنتزهات مثل السودة والقرعاء يؤخرون الصلاة عن أوقاتها بحجة الاصطياف والنزهة، وهذا خطأ فاحش.

    ثالثاً: أوصيك أن تتفكر في آيات الله في الكون، فإذا رأيت سفح الجبل، ورأيت الرابية، والهضبة، والماء، والشجرة، والنحلة، والزهرة، فاعلم أنها آيات بينات تدلك على الله.

    يقول أبو نواس:

    تأمل في نبات الأرض وانظر      إلى آثار ما صنع المليك

    عيونٌ من لجينٍ شاخصاتٌ      بأحداق هي الذهب السبيك

    على قضب الزبرجد شاهدات      بأن الله ليس له شريك

    رابعاً: أن تقدر حرمات الله في المنتزهات، فلا تكشف عورة، ولا تنظر إلى أجنبية، وإنني أنعى على بعض الناس ممن استهجن الحجاب، فكشفوا محارمهم في المنتزهات بحجة أنهم في نزهة، وأنهم في فسحة ولا رقيب، والرقيب معهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والحجاب ضرورة شرعية لابد من التقيد بها للمصطاف ولغير المصطاف.

    حكم كشف المرأة رأسها في السيارة

    السؤال: بعض الناس يترك امرأته كاشفة في السيارة وهو يمشي، فما حكم ذلك؟

    الجواب: إن كان داخل المدينة فهذا من الخطأ، أو في مكان يزدحم بالرائح والآتي، فهذا من الخطأ؛ لأنه يعرض أهله للنظر، وإن كان يمشي في ليلٍ أو في صحراء أو في مكان منقطع، فاتقوا الله ما استطعتم، لا يلزمه أن يحجب وجهها.

    المال المجموع لمساعدة المحتاجين لا زكاة فيه

    السؤال: هل المال الذي يجمعه أمناء القبيلة لمساعدة بعضهم فيه زكاة أم لا؟

    الجواب: هذا المال للحوادث وذلك أن تتفق قبيلة على مال أنه يكون لحوادث السيارات أو لمساعدة المحتاجين المتزوجين وغيره ليس فيه زكاة؛ لأنه للمصارف العامة وقد أفتى به العلماء، كالجمعيات التعاونية عند القبائل وأمثالهم.

    أيها الإخوة الكرام: نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق والرشد والسداد، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحسن لنا ولكم العاقبة.

    وقبل أن أنتهي: هنا مسألة أحب أن أعرضها عليكم -بارك الله فيكم- وهي: أن كثيراً من الشباب سمعت منهم كلاماً ورسائل تخرجوا من الجامعات، وبعضهم يدرس، وقد وصدت أبواب الزواج أمامهم وهم لا يستطيعون تكلفة الزواج، وطلبوا مني أن أوجه الرأي العام إلى مساعدة هؤلاء الطلبة المحتاجين في أن يغضوا أبصارهم ويحفظوا فروجهم وأن يحصنوا مستقبلهم وحياتهم، وأنا أعلم أن في البيوت كثيراً من الفتيات اللواتي أصبحن في سن الزواج، لكن سوء الفهم من آبائهن جعلهم يركنونهن في البيوت، وهذا خطأ شنيع.

    فمن حق الدين عليكم -يا معاشر الآباء والإخوة- أن تنشروا الوعي وأن تنشروا مسألة تخفيف المهور ومساعدة الشباب؛ لأنه ما عمت الفاحشة اليوم إلا من هذه المأساة، وهناك أشرطة تبين هذا الأمر مثل: التبرج والاختلاط والسفور، ومثل: صرخة غيور وغير ذلك تنقل لكم حقائق عن مسألة كيف أدى مغالاة المهور وحبس البنات في البيوت إلى مفاسد لا يعلمها إلا الله، وأمس رأيت رسالة، وهي موجودة في المكتبات اسمها: إليكِ إليكِ احذري الهاتف وفيه كثير من صرخات الفتيات أنهن ضقن ذرعاً بآبائهن في البيوت؛ لأنهم حبسوهن، وحسابهم على الواحد الأحد.

    والله يتولانا وإياكم ويهدينا وإياكم سواء السبيل.

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718711

    عدد مرات الحفظ

    765173588