أما بعــد:
فعنوان هذا الدرس: الأحاديث الواهية.
الكذب على الناس كبيرة، فكيف إذا كان على رسول الناس؟! فكيف إذا كان على رب الناس سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟! قال سبحانه: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60] مسودة من الكذب؛ لأن الكاذب دائماً خجول ودائماً حقير وذليل.
والمقصود من هذا الدرس: هو بيان بعض الأحاديث التي انتشرت بين الناس وهي ضعيفة أو موضوعة، وسوف أبين بحول الله الموقف من الأحاديث الضعيفة، هل يستشهد بها، وهل يستدل بها؟ ومتى وما شروط ذلك؟
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] ومعنى (لا تقف): قيل: لا تتبع، وقيل: لا تقف على ذلك، وقيل: لا تورده على الناس وأنت لم تتحقق منه، وقيل: لا تشيعه بين الناس فإن بعض الناس يحدث بكل ما سمع.
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع} أي: يكفي الإنسان إثماً وخطيئة أنه كلما سمع قصة ومقالة قالها ونشرها بين الناس. وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وحرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات} ومعنى قيل وقال: أي كثرة الكلام، قال فلان ورد عليه فلان، وقالوا وقلنا، وهذا معناه: ضياع الوقت والعمر والدين. يقول سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] وهذا تهديد لمن يتكلم في غير مرضاة الله عز وجل.
والمقصود هنا من الحديث: أن أبين بعض الأحاديث التي يستدل بها بعض الخطباء وبعض المتحدثين وهي منتشرة بين العوام فيحذر منها؛ لئلا تنتشر، وفي الأحاديث الصحيحة غنية والحمد لله.
يقول أبو سفيان عند هرقل: فلولا أن يأثروا عني الكذب لكذبت، أي: أخاف أن ينقل عني العرب أني كذبت فتركت الكذب. وهو يومئذٍ مشرك!
و النابغة الذبياني وفد على النعمان بن المنذر -وهو أحد الملوك في الجاهلية- وكان النابغة رجلاً شاعراً افتري عليه عند النعمان بن المنذر فأمر بقتله؛ فوفد وقال له:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب |
لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب |
ويقول كعب بن زهير للرسول عليه الصلاة والسلام:
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل |
وذلك في قصيدته الرائعة الجميلة التي يقول في مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول |
إلى أن قال:
إن الرسول لنور يستضاء بـه مهند من سيوف الله مسلول |
إلى أن يقول فيه وهو يمدحه عليه الصلاة والسلام:
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل |
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل |
ثم انتهى منها فأعطاه عليه الصلاة والسلام بردته، وعفا عنه وسامحه.
يقول عليه الصلاة والسلام عن سمرة عند مسلم: {من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين} أي: أحد الكاذبين على الله؛ لأن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ككذب على أحد، ولأن كلامه وأفعاله صلى الله عليه وسلم تشريع، وهو مسئول من الله، ومبعوث لإحياء جيل، ولإقامة شريعة، فمن كذب عليه فقد سنن للناس الكذب.
يأتون بقصص واهية، ويظهرون شناعة لهذا الدين، وفي ظاهرهم أنهم يريدون الدفاع عن الإسلام، لكن يزرون بالإسلام وأهله.
قبل أشهر ذكروا امرأة من نجران وصوروا المرأة، وقالوا: هذه تشافي المرضى وتخرج الزجاج من العيون، ثم أظهروها وهي تدخل لسانها في عين مريض، ماذا يقول الغربيون إذا رأوا هذه الجريدة وهي تقرأ في كل بلاد العالم؟! كلما أتت خزعبلة في مكان من الأمكنة من بلاد الإسلام نقلوها للناس، وكأنهم يدافعون عنها وهم يحللونها ويطرحونها، مثل بعض المبتدعة يقولون: يُؤتى بالشبهة فيتوسع فيها كثيراً، ثم يرد عليها رداً ضعيفاً، فتتمكن الشبهة في قلوب الناس، فعلى كل حال عل هذا الكلام أن يبلغ بعض قراءهم أو محرريهم، وقد كتب لهم تنبيه في ذلك عل الله أن يصلح حالهم؛ لأن المسلم مسئول عما يكتب ويقرأ ويقول تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25].
عمر الإسلام ألف وخمسمائة سنة وهو محفوظ قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] والشيوعية عمرها اثنان وسبعون سنة منذ أن كتب ماركس مذكراته في سويسرا ودخول لينين موسكو؛ عمرها اثنان وسبعون سنة ثم انهارت، ولكن الإسلام يزداد قوة، والإسلام الآن ينتشر انتشاراً رهيباً حتى انتشر في ولايات روسيا وألمانيا الشرقية، هذه الولايات يدخل أهلها في الإسلام زرافات ووحدانا؛ لأنه الدين الحق أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].
في الصحيحين عند البخاري ومسلم: {أن
فذهب أبو موسى إلى الأنصار، فاستشهدهم فقام معه أبو سعيد فشهد عند عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال الحديث.
وكان ابن مسعود فيما صح عنه -وهذا يرويه جمع من أهل العلم كـابن ماجة وغيره- إذا قام يوم الخميس يعظ الناس، يرتعد وينتفض ويرتعش خائفاً أن يوقع كلمة مكان كلمة أو يخطئ في لفظة، حتى إذا انتهى قال: أو شبه هذا أو نحو هذا أو مثلما قال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حذراً أن يزل في حرف لم يقله عليه الصلاة والسلام.
ويقول الدارمي راوياً عن أنس: [[لولا أن أخطيء على الرسول عليه الصلاة والسلام لحدثتكم بأشياء سمعتها منه]].
وصح أن عروة بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كان أبي إذا أراد أن يتبرد في الحر وضع ثيابه أي: نزع ثيابه وكنت ألعب في آثار الجروح التي أصيب بها في المعارك.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب |
تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب |
هذا الزبير بن العوام يأتي يوم القيامة والشهادات في آثار جسمه رضي الله عنه وأرضاه مما أصيب به في سبيل الله، يقول له ابنه: ما لك لا تتحدث إلا كالسحابة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار} فكانوا يحذرون أشد الحذر!!
قال الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية: إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً. هذا ذكره صاحب معرفة علوم الحديث، لا يسمى عالماً من يورد السقيم، حتى يقول الشاعر:
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل |
ونصيحتي للإخوة خطباء المساجد وطلبة العلم والأساتذة، إذا أرادوا أن يحضروا موضوعاً أن يراجعوا الأحاديث، وأن يخرجوها أو يسألوا طلبة العلم، ولا يقول قال الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يدري من أخرجه ومن رواه، وهل هو صحيح أو ضعيف أو باطل حتى يكون على بينة؛ لئلا يفتري على الله.
تجد أن بعضهم من أسهل ما يجد عليه أن يورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أحاديث، وهذا خطر عظيم.
هذا لا أصل له، وقد أورده ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة والموضوعة، قال ابن تيمية: هذا الحديث موضوع.
وقصة الحديث: أن إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق ليلقى في النار جاءه جبريل عليه السلام، فقال: ألك إلي حاجة؟ قال: أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم، ثم قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، وهذا يخالف القرآن والسنة، ويخالف أصول الشريعة، وليس بصحيح.
معنى الكلام يقولون: إن إبراهيم عليه السلام يقول: حسبي من سؤالي علمه بحالي، أي: ما دام أن الله يعرف حالي فلا داعي أن أسأله، وهذا خطأ، لا يكفي أن يعرف الله حالك عن الدعاء، هو يعلم أنك فقير ومريض ومحتاج، فلا يصح أن تقول: الله يعلم أني فقير فلا داعي أن أدعوه.
أو لو كنت مريضاً في المستشفى وقيل لك: ادعو الله أن يشافيك، فتقول: لا، الله يعلم أني مريض نقول: هذا خطأ، وهو خلاف كلام أهل السنة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف:55] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
والله جل وعلا يذكر الأنبياء في القرآن فيقول: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] إذاً الحديث معناه لا يصح؛ بل هو موضوع، لأن إبراهيم عليه السلام يقول: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37] وكل نبي دعا الله عز وجل، فكيف يقال: إن علم الله يكفي عن السؤال، لا يكفي، ولو كفى لما كتب علينا الدعاء: {الدعاء هو العبادة} لأن أصل الدعاء مطلوب سواء وقعت الإجابة أم لم تقع؛ لأن الدعاء عبادة، فلا يكفي أن تقول: ما دام أن الله يعلم أني فقير، إذاً لا أدعوه، ولذلك غلاة الصوفية يأخذون هذا المبدأ، فمنهم من يقول: أنا لا أدعو قلنا لماذا؟ قال: أستحي أن أذكر مسألتي بين يدي ربي كأن الله جاهل عن مسألتي..! سبحان الله! الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى عليهم السلام وأنت لا تدعو!
وكان الصوفية هؤلاء يستشهدون ببيت لشاعر عربي وهو أمية بن أبي الصلت يقول لـابن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء |
إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء |
يقول هذا الشاعر لعظيم من عظماء الجاهلية: أنا لا أطلب منك سؤالاً؛ لأنك تعرف حالي، وهذا خطأ.
ومن غلاة الصوفية من يذكر الاسم مجرداً بدون سؤال، يأتون في الليل ويقولون: يا كريم! يا كريم! يا كريم! يا كريم! يا كريم! يا كريم! ولا يسأل.
يقول أحدهم وهو جالس عند روضة المصطفى عليه الصلاة والسلام في المسجد النبوي بجانب القبر -صوفي من الغلاة، عنده مسبحة طولها ما يقارب مترين، ما تحمل إلا على حمار- فيقول: يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! يا لطيف! من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فيقول له أحد طلبة العلم: أنت تدعو من العشاء إلى الفجر يا لطيف.. يا لطيف، ماذا تريد من اللطيف؟ قال أوصاني شيخي -شيخ الطريقة- أن أردد يا لطيف! يا لطيف! سبعة آلاف مرة.
ولله المثل الأعلى لو طرق شخص باباً وقال: يا محمد! فتخرج وتقول له: نعم. قال: يا محمد! يا محمد! قلت: نعم. قال: يا محمد! يا محمد! قلت: ماذا تريد؟ قال: يا محمد! يا محمد! هذا ليس بحق، ولا يصح في الأذهان
وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل |
وهذا الحديث: {حسبي من سؤالي علمه بحالي} ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء، وأشار إلى ضعفه، ومعنى الحديث باطل؛ لأنه يخالف الكتاب والسنة.
إذاً: حديث: {الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله} ليس بصحيح، ولفظه وسنده منكر، ولا يصح رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
أما قوله: الصبر نصف الإيمان فلا أعرف في ذلك حديثاً لكن ورد {الصوم نصف الصبر} وهذا معناه صحيح.
روى هذا الحديث القضاعي، وذكره المنذري في الترغيب من رواية أبي الشيخ، ثم قال: ورفعه منكر، وضعفه العراقي وغيره، فيظهر لنا تضعيفه.
ومن الطرف كما ذكرها ابن الجوزي وغيره- أن أحد الحمقى من المصحفين كان يقرأ على الناس في المسجد: فأراد أن يقرأ: المؤمن كيس فطن، فقال: المؤمن كيس قطن! وهذه يضعفونها كثيراً.
ويذكر ابن الجوزي -أيضاً- عن أحد من الحمقى الذين لا يعرفون القراءة، يقول: كان عنده مصحف قديم، ويدرس الأطفال في المسجد، فقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ [الحديد:13] فقال هو: فضرب بينهم بسنور له ناب، وهذا من جهله.
ومر ابن تيمية على أحد الجهلة وهو يقرأ: فخر عليهم السقف من تحتهم، بدلاً"من فوقهم" السقف دائماً لا يخر إلا من فوق، وما سمعنا أبداً أن سقفاً خر من تحت، فقال ابن تيمية: لا قرآن ولا عقل، أي: ليس عندك قرآن ولا عندك عقل تعرف أن السقف دائماً من فوق، يقول الله عز وجل يقول: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:26] والسقف لا يأتي من تحت، وخذها قاعدة العرصة من تحت والسقف من فوق.
وأما قوله: حذر، فهي زيادة في الحديث تضعفه في هذا السياق، بل تجعله موضوعاً.
وهؤلاء إذا قلت لهم: ما لكم؟ هذا شرك. قالوا: لا، نحن نريد البركة فقط، ونحن لا نعبد إلا الله، وهؤلاء حالهم مثل المشركين، قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] قال لهم صلى الله عليه وسلم: لا تعبدوا الأصنام، قالوا: نحن لا نعبد الأصنام ولا نسجد لها ولكن نتقرب بها إلى الله. وهذا مثل من يطوف بضريح الحسين والسيدة زينب وأحمد البدوي والجيلاني وأمثالهم في العالم الإسلامي، هؤلاء تماماً مثل من قال: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].
واسمحوا لي الآن -عفا الله عنكم- أن أقرأ عليكم كلمة مفيدة للشيخ العظيم شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة وهي مفيدة جداً يقول: والأحاديث الواردة في التوسل به صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين: صحيح وضعيف، أما الصحيح فلا دليل فيه البتة على أنه توسل بذات أو بجاه النبي صلى الله عليه وسلم مثل توسلهم به صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وتوسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم؛ فإنه توسل بدعائه لا بجاهه ولا بذاته صلى الله عليه وسلم، ولما كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن، كان التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن وغير جائز.
وأحسن من كتب في هذا الموضوع هو شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه التوسل والوسيلة فلينتبه لذلك.
لك أن تقول: اللهم بحبي لك اغفر لي، اللهم بمتابعتي لرسولك عليه الصلاة والسلام ارحمني، اللهم ببري لوالدي اغفر لي، وهذا نص عليه صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت: {أن ثلاثة انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فقام أحدهم يتوسل ببره بوالديه، والثاني، أن بنت عمه دعاها فلما تمكن منها تركها خوفاً من الله والثالث بأنه كان له أُجراء فأعطاهم حقهم إلا أجيراً فر ثم أعطاه حقه، فأزاح الله لهم الصخرة حتى خرجوا} فهؤلاء توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة فهذا يصح، أما من يذهب إلى قبر صالح ويقول: يا أيها الرجل -وهو في قبره- اغفر لي، أو ادعو الله أن يغفر لي أو افعل بي كذا، كما فعل البرعي وهو شاعر يمني يجيد الشعر، ولكن سيء في العقيدة أتى إلى المسجد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام فوقف عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وقال:
يا رسول الله! يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما |
فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب بالذنب سبعين عاما |
وهذا شرك وخطأ وابتداع.
ويقول البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم |
إن لم تكن في قيامي آخذ بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم |
وهذا شرك وابتداع.
ويقول أحدهم وهو ابن عربي الطائي فيما ينسب إليه -نسأل الله أن يعافينا مما ابتلاه به- يقول وهو واقف عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يقول في بيتين جميلين لكنه أساء في البيتين:
في حالة البعد نفسي كنت أرسلها تقبل الأرض عنكم وهي نائبتي |
وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي |
قال الخرافيون: فانشق القبر، ومد الرسول صلى الله عليه وسلم يده وقبلها.. وهذا كذب كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5] وهذه القصة موجودة يذكرها مثل النبهاني وأمثاله من الخرافيين.
ولو أن ابن تيمية في مختصر الفتاوى قال: يروى في الحديث، وكلمة يروى في الحديث تشعر بالتضعيف. وقد يكون معناه صحيحاً؛ لكن من حيث السند لا يصح، وإلا فأحياناً تكون نية المؤمن خير من عمله إذا نوى الخير، ثم لم يدرك هذا الخير، مثلاً: نوى أن يصوم وما وفق للصيام، خير من أن يصوم ويرائي بصيامه الناس وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].
لا إله إلا الله! هذه الأمة -الأمة المحمدية- محصت الرجال مثل علم الماس، فبينت الصحيح منهم والضعيف، فحفظت الشريعة، ومعجزتنا عند الغربيين والمستشرقين كما قال جولد زيهر: ليست معجزة المسلمين في الفقه، أو التفسير، أو أصول الفقه؛ فهذه علوم قد يشترك فيها الناس، لكن العجيب في الحديث النبوي: قالوا: فلان ثقة، وفلان ثبت، وفلان ضعيف، وفلان هالك، وفلان كذاب، وفلان متروك، وفلان لين، وفلان سيء الحفظ، كل محدثوا الأمة وضعوا عليه اسماً معروفاً.
ولذلك يخرجون الأحاديث المكذوبة إخراجاً، ويعرفونها تمحيصاً، ويدركونها إدراكاً عظيماً، لا يوضع حديث إلا وفي اليوم الثاني تنبيه على هذا الحديث قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
وقال الدارقطني في الحسن بن قتيبة: هذا متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الأزدي: واهي الحديث، إذاً هذا الحديث لا يصح.
وأنا أرى يا أخي! أن يكون لك مكتبة ولو مصغرة، واصنع قائمة صغيرة بالكتب التي تكون في مكتبتك مع الأشرطة الإسلامية مثل: القرآن الكريم، وتفسير ابن كثير أو أحد مختصراته، ورياض الصالحين وبلوغ المرام وجامع العلوم والحكم وكتاب الاستقامة ومنهاج المسلم وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشرحه فتح المجيد هذا إن شاء الله خير كثير، أرى أن تقرأ في هذه الكتب لكي تنفعك وتقربك من الله، هذا كحدٍ أدنى من الكتب.
إذاً هذا الحديث: {المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد} لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام، أخرجه أبو نعيم في الحلية والطبراني، وقال الهيثمي في المجمع - مجمع الزوائد - رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن صالح العذري ولم أجد له ترجمة وبقية رجاله ثقات.
فيا أيها الإخوة الكرام! اعلموا أن هذا الحديث ليس بصحيح، ولا بثابت عنه عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث: {اختلاف أمتي رحمة} ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية تعليقاً وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس: {اختلاف أصحابي لكم رحمة} وإسناده ضعيف كما قال العراقي في تخريج الإحياء فليعلم ذلك.
لكن أهل السنة يختلفون في الفرعيات ولا يختلفون في الأصول، واختلافهم في الفرعيات رحمة للأمة ليوسع الله على العباد، لكن هذا اللفظ ليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم، فليعلم ذلك ولتكونوا على حيطة.
ومن هي الحميراء؟ هي: عائشة رضي الله عنها؛ وهي من أوثق نساء الأمة، بل هي عالمة الأمة، وكان الصحابة يعودون إليها في كثير من الأحكام.
وقد صح استخدام لفظ الحميراء في ثلاثة أحاديث عنه عليه الصلاة والسلام.
يقول ابن القيم في زاد المعاد: لم يأت في حديث صحيح ذكر الحميراء. فرد صاحب الحاشية الأرنؤوط وقال: بل ورد في ثلاثة أحاديث صحيحة، وأتى بها وبأسانيدها وقد صدق، أما هذا اللفظ: {خذوا شطر دينكم عن الحميراء أو عن هذه الحميراء} ليس بصحيح.
قال ابن حجر: لا أعرف له إسناداً، وابن حجر إذا قال: لا أعرف له إسناداً فحسبك به:
خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل |
ويقول: ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لـابن الأثير، ولم يذكر من خرجه، وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه، وإذا لم يعرف الحديث المزي ولا الذهبي فمن يعرفه؟!!
هذا الحديث مشهور بين الناس: {ما سبقكم
هو من كلام عائشة، ولكن مع ذلك فهو ضعيف، أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث سويد بن غفلة مرسلاً، كذا في تخريج الإحياء، وهو ضعيف لا يصح.
وهنا قضيتان من قضايا الساعة عندنا نحن المسلمين، وهما قضيتان مطروحتان:
القضية الأولى: المخدرات، والقضية الثانية: البث المباشر.
أما المخدرات الآن فقد أحدثت ضجة إعلامية في العالم، فـروسيا تحارب المخدرات، وأمريكا بل كل دول العالم كافرها ومؤمنها، يحاربون المخدرات، ولا نعلم شعباً في الأرض يرضى بالمخدرات، لكن يحاربونها بالحديد والرصاص ونحن نحاربه بالإيمان والإخلاص، يحاربونه بالتنديد والتهديد ونحاربه نحن بكلمة التوحيد، فنحن متى ننجح في منع الناس من المخدرات؟ إذا أتينا بالشباب إلى المسجد، وإلى القرآن، وإذا كان الشاب يسمع الأغنية، ويطالع الصورة الخليعة، ويسهر مع الفيلم، والسهرة، والبلوت، هذا وشيك وقريب أن يقع في المخدرات.
إذا نجحت بإدخال الشاب إلى المسجد، وإجلاسه في مجالس الحديث والدروس والمحاضرات، إذا نجحت في أن تُهدي له كتيباً أو شريطاً فقد قدته إلى الله، وقد جعلت بينه وبين المخدرات حائلاً، نحن لا نستطيع أن نسيطر على الفواحش والمنكرات إلا بالصلاة، وبالإيمان، والقرآن، وذكر الله، وخشيته هذا علاجنا.
البث المباشر أصبح الآن أخطبوطاً في العالم، خاصة العالم المسلم، أما العالم الغربي فهو الذي أنتجه، وبعض الدول العلمانية في العالم العربي التي تريد أن تشوش على الشاشة؛ لئلا تستقبل الصور من الرادار، وبعضها ترى أن تطور شاشتها قبل أن يفد إليها هذا الوافد، وإذا أتى هذا السيل بطلت سيولهم، وبعضهم احتار ماذا يفعل؟
والذي ورد من المحققين، ومن أهل الصحافة والمراقبين أن هذا البث المباشر سوف لا يجدي فيه التشويش، وسيصبح مثل الراديو، ينقل المحطات والقنوات مباشرة، ولا يستطاع أن يشوش عليه.
لا تحدثني عن البث المباشر والعرب سات وأقمار المقامر |
أنا بثي دعوة قدسية تطفئ الشمس وتخزي كل كافر |
والمذيعون علي والبراء وأبو بكر وعمار بن ياسر |
أكبر ما يشوش عليه الإيمان، وعندنا أناس من أبنائنا ومن السعودية، ومن مصر، والكويت، والإمارات، والسودان، واليمن، والعراق يدرسون في أمريكا، لكنهم يعيشون مثل حياة الصحابة، مؤمنون كإيمان أبناء الصحابة وهم هناك..!؛ عندهم ثمانية وخمسون قناة، عندهم قناة في الشارع وفي المكتبة وفي الأوتيل وفي الطريق وفي المقهى، ولكنهم بإيمانهم انتصروا عليها، عندهم زوجاتهم وأطفالهم ويعيشون كحياة الصحابة؛ وعندهم قيام ليل وصيام الأيام البيض ويقرءون القرآن وهم في أمريكا..!
وعندنا أناس قد يسكنون بجانب الحرم لكنهم فجرة بل من أكبر الفجار..!
ذاك في أريزونا وهو مؤمن، وهذا في مكة وهو فاجر، فلا يجدي المكان ولا الزمان، ولا يجدي إلا الإيمان، بأن نأتي بهذا الإيمان ونغرسه في قلوب الناس حتى ننتصر على هذه التخطيطات التي يخطط لها الكافر شرقيه وغربيه.
أنا ذكرت هذا بمناسبة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لأن الناس إذا سمعوا مثل هذا الحديث، قالوا: ما دام أنها لا تزيدنا من الله إلا بعداً؛ إذاً نرتكب الفواحش ثم نتوب فيما بعد ونترك الصلاة معها، ثم نقضيها مرة واحدة..! وهذا خطأ كبير في الفهم نسأل الله العافية والسلامة.
ويقولون: إنه من كلام سعيد بن المسيب رحمه الله، وليس من كلامه عليه الصلاة والسلام.
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند ابن ماجة وأحمد وصححه ابن تيمية وعبد الحق الإشبيلي أنه قال: {من سمع النداء فلم يأت، فلا صلاة له إلا من عذر}.
حمل هذا الحديث بعض الناس أن يضعوا أربعين حديثاً في الفنون مثل الأربعين النووية والأربعين في الجهاد والأربعين في العلم والأربعين في الزهد؛ بسبب هذا الحديث.
ولو نظر فاجر في وجه عالم أو في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم مائة سنة ما نفعه ذلك، كان عبد الله بن أبي ينظر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أدخله الله النار، وكذلك أبو جهل نظر في وجهه عليه الصلاة والسلام؛ فهذا لا يصح سنداً ولا متناً.
الشمس والبدر صوت من ا لغور أم نور من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار |
يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعمارٍ وأقطار |
تطوي الدياجير مثل الفجر في ألق تروي الفيافي كمثل السلسل الجار |
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار |
لكن هذا اللفظ لا يصح، بل هو ضعيف الإسناد أخرجه ابن إسحاق من طريق ابن جرير، وكذلك أخرجه ابن جرير عن ابن إسحاق، وهو لا يصح لعلل كثيرة في سنده.
يذكر في التاريخ: أن عبد الملك بن مروان تولى الحكم، وكان هذا الرجل يحب الإقدام والشهرة، فكان الناس يحبون الشهرة، وتولى الوليد بن عبد الملك بعده فكان يحب العمار والتوسعة، فكان الناس يحبون العمار، وتولى سليمان بن عبد الملك فكان يحب الأكل كثيراً وكان مغرماً بالأكل، وكان أكثر الناس أكلاً رحمه الله، فكان الناس يحبون الأكل، ولا يتحدثون في المجالس دائماً إلا بالأكل، وتولى بعده عمر بن عبد العزيز فكان رجلاً صالحاً عابداً خاشعاً زاهداً ولياً فأصبح الناس يزهدون ويتوجهون إلى الآخرة: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129].
أما لفظ هذا الحديث فلا يصح: {كيفما تكونوا يولى عليكم} أخرجه الديلمي عن أبي بكرة مرفوعاً، قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف في إسناده إلى مبارك مجاهيل.
شلت يمينك إن قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المتعمد |
أيها الإخوة الكرام! هذه طائفة من الأحاديث، وإذا يسر الله عز وجل وكان في العمر بقية فستعرض إن شاء الله سلسلة من الأحاديث الضعيفة وتبين، وكلام أهل العلم عنها؛ حتى يكون الإنسان على بصيرة من دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولأهل العلم آراء للاستدلال بالحديث الضعيف: منهم من يرى الاستدال بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بثلاثة شروط:
الأول: ألا يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله.
الثاني: ألا يكون شديد الضعف.
الثالث: أن تؤيده قواعد الإسلام.
ورأى قوم من العلماء ألا يستدل بالحديث الضعيف لا في الأحكام ولا في الفضائل، وهذا هو الصحيح والراجح إن شاء الله.
الجواب: تكلم الشعراء بكثرة في وصف الدنيا وذموها، وأنا أذكر بعض المقطوعات، يقول أبو العتاهية في جنازة المهدي الخليفة العباسي وقد خرجوا في جنازته، وكان هذا الخليفة شهير بـابن أبي جعفر المنصور، وخرج معه بناته في الجنازة، وخرج الناس والأمراء والوزراء والعلماء والجيش، وأخذوا يتباكون، ورأى بناته يلطمن خدودهن فقال أبو العتاهية:
نح على نفسك يا مسكيـ ـن إن كنت تنوح |
سرن في الصباح معهن الحرير وعدن من البكاء والندم عليها المسوح |
كل بطاح من الناس له يوم بطوح ستر الله بنا إن الخطايا لا تفوح |
ويقول المتنبي في مقطوعة عامرة من أجمل قصائده:
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق |
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا |
أين الجبابرة الأكاسرة الألـى كنزوا الكنوز فلا بقينا ولا بقوا |
من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق |
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق |
فالموت آت والنفوس نفائـس والمستعز بما لديه الأحمق |
ويقول الألبيري وهو شاعر من شعراء الأندلس -من أسبانيا - وهو من أشعر الشعراء:
ولم تخلق لتعمرها ولكن لتعبرها فجد لما خلقتا |
وإن هدمت فزدها أنت هدماً وحسن أمر دينك ما استطعتا |
وتطعمك الطعام وعن قليل ستأكل منك ما منها طعمتا |
مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعتا |
تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا |
وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا |
ويقول نبطي حكيم -واسمحوا لي أن أذكرها بالنبطية، ولو أن النبطي هذا يحارب العربية لكن نذكره لمن يفهم النبطي -:
لحى الله دنيا تتعب القلب والبصر إذا قلت طابت يخدش العود عودها |
صحبنا بها الأخيار في الحضر والسفر فلما تصافينا بكتنا عهودها |
بنينا بها بيتاً من الطين والحجر فدكت مبانيها وهزت نوردها |
هذه بعض المقطوعات، والكلام له بقية.
الجواب: هذا حديث صحيح يقال به بعد الفجر والمغرب، وهو حديث مسلم بن الحارث التميمي.
الجواب: لا يصح بهذا اللفظ، وليس بثابت عنه عليه الصلاة والسلام.
الجواب: الواقدي صاحب السير كذاب وضاع، يقول الإمام أحمد: اغتررت به، وكنت أظن أنه عالم. فلما اكتشف الإمام أحمد أنه ليس بعالم أخذ الكتب التي كتبها الواقدي كلها، وجعلها مجلدات يجلد بها كتبه تحميها من المطر والشمس، أي جعل كتب الواقدي أغلفة لكتبه.
الجواب: من يتضايق فهو لا يعرف شيئاً في الإسلام، نبدأ بالعقيدة ولا ننتهي عنها، ونكررها في المجالس والمحاضرات وفي الدروس، وهي قضيتنا الكبرى.
ومن خطط العلمانية الآن التهوين من شأن العقيدة، فهم لا يريدون عقيدة ولا سلوكاً، ويقولون: الآن العقيدة مفهومة عند الناس، وبعض الدعاة السذج صدقوهم، ويقولون: انتهى عصر العقيدة، ويقولون: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب انتهى عصرها، وهي تصلح للعوام وللقبوريين الذين كانوا يعبدون القبور وينذرون لها، وقد انتهى عصرها، ونحن الآن في عصر التكنولوجيا وعصر تحديث الناس عن الصناعات وسر الخلق وعن هذه المعلومات.. لا، قضيتنا الكبرى قضية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وهي العقيدة، لا بد أن نكررها ونبدأ بها ونعيدها ونقول للناس: لا ينذر ولا يذبح لغير الله، ولا يستغاث بغير الله، ونخبرهم بالوسيلة والتوكل وأحكام العقيدة بكل صيغة وبكل أسلوب.. وهذا هو الصحيح.
الجواب: هذا الكتاب غير جيد ولا يليق أن يدخل الدور، يبدأ في أول الموضوع بآية وحديث لكن يلخبط المسألة بشيء يُستحى منه، ولا يليق بالمسلم أن يقرأ هذا الكتاب إلا أن يكون طالب علم حاذق وحذر، يقرأ ما يفيده، ويحذر من مطباته، ولكن يتجنبه، ولو قرأ مثلاً في العقد الفريد كان أسهل وأهون ولو أن فيه مطبات، وعيون الأخبار أحسن منهما، وأحسن منها كلها أنس المجالس لـابن عبد البر؛ لأن ابن عبد البر محدث يخاف الله، وأقبح منها كتاب الأغاني لـأبي فرج الأصبهاني، فيه كلام ماجن تستحي أن يذكر في المجالس -خمر وخمريات وبلاوي وسفاهات وخزعبلات- فعليك بـأنس المجالس لـابن عبد البر وهو من أحسن ما كتب.
الجواب: رأي الغزالي معروف، غفر الله له، وقد كتب هذا في كتبه وذكره في مقابلاته، وقد خالف العلماء جميعاً، وهذا رأي المعتزلة الفرقة المبتدعة، وقد رد عليه، وتجدون الرد عليه في كتاب حوار هادئ مع الغزالي لـسلمان العودة، وهنا كتاب: الغزالي في مجلس الإنصاف.
الجواب: لا يصح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كم منزل في الأرض يعشقه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل |
الجواب:
أولاً: نسأل الله عز وجل أن يتوب علينا وعليك، وفي هذا السؤال قضايا:
أولها: غفر الله لوالدك فقد أساء لما أخر زواجك وأنت أصبحت في سن الزواج، فهو بذاك أساء إساءة عظيمة نسأل الله أن يغفر له؛ لأن تأخير البنت والقريبة والأخت إذا حان زواجها؛ وتقدم لها الكفء يعتبر من الذنوب العظام والخطايا الجسام، والآثام العظيمة الوخيمة؛ التي يتسبب فيها هؤلاء السفهاء في تضليل المجتمع وإيراث الفاحشة والجريمة وقتل المبادئ.
صدق أو لا تصدق..! أن فتاة أصيبت بهستريا لما منعت من الزواج حتى بلغت الثامنة والعشرين، وهذه بأسانيد صحيحه مثل الشمس، أتاها مرض؛ لأن الله عز وجل فطر الناس على أن يتزوج الرجل من المرأة: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49].
القضية الثانية: الخطأ الوارد عندنا وهو كثير في المجتمع أن الأب يريد أن يزوج ابنته بمن يريد هو لا ما تريد هي، كأنه هو الذي سيتزوج!
بعض الآباء كأنه هو الخطيب، إذا أعجبه رجل ذهب وقال لابنته: تزوجيه؟ فتقول البنت: لا أريده. قال: لا، والمشعاب جاهز والهراوة في يده..! أي أنه دكتاتوري، وهذا خطأ عظيم.
بل تتزوج هي بمن ترغب؛ لأنها هي التي ستعايشه في البيت وفي الفراش، أتعطيها رجلاً مثل الصخرة عليها، لأنه قدم ماله أو أعجبتك زيارته ووظيفته..!
أنت الذي سيتزوج أم هي؟! أنت ما عليك إلا أن تسحب المال والمهر والسيارة وأول ليلة، ثم تدخلها جحيم ستين سنة! ولذلك فشلت الزواجات التي تسير على هذا الأمر؛ لأن الأب والأخ يريدان أن يكيفا البنت على ما يريدان هما وهذا خطأ، بل لابد أن تعرض عليها وتسألها: هل تريدين فلاناً؟ فلو أرادته فوافق على زواجها ولو كان من أفقر الناس، ولو رفضته فارفضه أنت ولو كان ملك الدنيا.
وهذه الأخطاء تكررت في المجتمع كثيراً، وسببت في الطلاق بعد شهر أو شهرين من الزواج، بمعنى أن الحياة تحولت إلى جحيم!
أتى شاب أخبرني وهو يقول: أبي طلق بالثلاث ألاَّ أتزوج إلا من فلانة، وأنا أريد بنت عمي، فتزوج من فلانة التي أراد أبوه، وبعد ثلاثة أشهر طلقها وكان هذا جزاء والده.
هذا الزواج ليس شراءً ولا بيع سيارات ولا عقارات.
الزواج حياة، والزواج إذا لم يأتِ من الحب لا يستقيم ولا يصلح، ولا يستقيم المجتمع عليه.
وقد سن الرسول صلى الله عليه وسلم رؤية الخاطب للخاطبة قبل العقد، فيراها رؤية أي: يكون أقاربها موجودون في البيت وتدخل هي ويراها الرجل، وتراه حتى يؤدم بينهما، لأنه قد لا يتألف عليها بعد أن يعقد عليها، فتوصف بأنها حوارء شقراء جميلة زرقاء، إذا جلست قرت وإذا قامت استقرت، لا طويلة ولا عريضة، سحراوية العين في الليل، بيضاء في النهار، طويلة الشعر؛ أما إذا دخل بها وإذا بها عكس الأوصاف تماماً فيطلقها..! هذا ليس بصحيح.
ويوصف لها الزوج بأنه عنترة في الشجاعة، وحاتم في الكرم وابن تيمية في العلم، وعلي بن أبي طالب في الخطابة، فإذا دخلت وجدته كالصخرة؛ فتبغضه.. وهذا لا يصح، فلا بد من الرؤية.
إذاً: هؤلاء أخطئوا خطأً بيناً، أما وقد تزوجت من رجل دين ومستقيم فاحمدي الله على ذلك، واسأليه أن يؤلف بينك وبينه.
واعلمي أن تعلقك بالأول ليس له أصل وارضي بما قدره الله لك، والله عز وجل يدري أي الخير لك، وقد كتب لك هذا، فأسأل الله أن يرضيك بهذا، وأن يرضيه عنك، وأن يحييك معه حياة سعيدة فإنه على ذلك قدير، ونسأل الله أن يصرف قلبك عن الأول فقد انتهى وذهب، وكل ميسر لما خلق له.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر