[ باب ما جاء في التيمم.
حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين).
قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس .
قال أبو عيسى : حديث عمار حديث حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: علي وعمار وابن عباس وغير واحد من التابعين، منهم: الشعبي وعطاء ومكحول ، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم -منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم والحسن- قالوا: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي ].
الصواب أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، كما دل عليه حديث عمار ، وحديث عمار رواه الشيخان، وفيه أن عماراً خرج مع عمر رضي الله عنه فأجنب، قال: فنزعت ثيابي فتمرغت كما تتمرغ الدابة، وأما عمر فإنه توضأ، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره، فقال: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ومسح بها وجهه وكفيه)، وهذا هو الصواب.
أما القول الثاني بأن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين فهول قول بعض الصحابة الذين خفيت عليهم السنة فاجتهدوا.
وقد روي عن عمار أنه قال: (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط) فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط.
قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي : حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار : (تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الى المناكب والآباط) ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوجه والكفين. والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) ].
يحمل قوله: (تيممنا مع النبي إلى المناكب والآباط) على أنهم فعلوا هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغهم السنة، فلما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم وبين لهم أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.
[ ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمه إلى الوجه والكفين.
قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس
.قال أبو زرعة : وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس : أنه سئل عن التيمم؟ فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] وقال في التيمم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] وقال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] فكانت السنة في القطع الكفين، إنما هو الوجه والكفان، يعني التيمم. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح ].
ضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط، فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث الوجه والكفين ومعارض له، فضعفه للاختلاف والاضطراب.
والجواب عن تضعيف بعض أهل العلم لحديث عمار أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين هو أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه عماراً، فلا تعارض بين الحديثين.
و إسحاق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه .
قوله: (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم).
قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: أي أن عماراً انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين، فكان هو آخر الأمرين:
فالأول: ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم.
والثاني: ما انتهوا إليه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به، ويدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عماراً رضي الله عنه اجتهد أولاً، ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ترك.
وحديث عمار أخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري ، وروى الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذا اللفظ لـمسلم .
وفي رواية للبخاري : (وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه).
وهذا الحديث هو الثابت في الصحاح والسنن، لكن طريق سنن الترمذي غير طريق الصحيحين.
والتيمم يبدأ فيه بالوجه ثم اليدين، يقول تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [النساء:43] ولابد من الترتيب.
[ باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال مالم يكن جنباً.
حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد قالا: حدثنا الأعمش وابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال مالم يكن جنباً).
قال أبو عيسى : حديث علي هذا حديث حسن صحيح، وبه قال غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء، ولا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر.
وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ].
الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
وقال المنذري : ذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة .
وحكى البخاري عن عمرو بن مرة : كان عبد الله -يعني ابن سلمة- يحدثنا فنعرف وننكر، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه.
وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث، وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي : وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي ، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة، هذا آخر كلامه.
وذكر الخطابي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان يوهن حديث علي هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة، انتهى كلام المنذري .
والحديث فيه عبد الله بن سلمة -بكسر اللام- المرادي الكوفي يروي عن عمر وعلي ومعاذ وصفوان بن عسال .
وعنه: عمرو بن مرة وأبو إسحاق السبيعي وأبو الزبير المكي .
قال البخاري : لا يتابع في حديثه. ووثقه العجلي ، وأخرج له الأربعة، قال البخاري في خلق أفعال العباد: لا يتابع في حديثه.
وفيه عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي الكوفي الأعمى، وهو ثقة عابد كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء.
وفيه ابن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو صدوق سيء الحفظ جداً،
إذاً: فيه محمد بن أبي ليلى، وفيه عبد الله بن سلمة هذا صدوق وهذا سيئ الحفظ اجتمعا، فيحتاج الحديث إلى متابعة.
وننقل هنا كلام أحمد شاكر في المتابعة، قال: وعبد الله بن سلمة هذا قال العجلي : تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة، يعد في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصحابة، وقد توبع عبد الله بن سلمة في معنى حديثه هذا عن علي ، فارتفعت شبهة الخطأ عن روايته إذا كان سيئ الحفظ في كبره كما قالوا.
فقد روى أحمد في المسند: حدثنا عائذ بن حبيب حدثني عامر بن السمط عن أبي الغريف قال: (أُتي
وهذا إسناد صحيح جيد.
عائذ بن حبيب أبو أحمد العبسي شيخ الإمام أحمد ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأثرم : سمعت أحمد ذكره فأحسن الثناء عليه، وقال: كان شيخاً جليلاً عاقلاً، ورماه ابن معين بالزندقة، ورد عليه أبو زرعة بأنه صدوق في الحديث.
و عامر بن السمط -بكسر السين المهملة وإسكان الميم- وثقه يحيى بن سعيد والنسائي وغيرهما.
و أبو الغريف -بفتح الغين المعجمة، وكسر الراء وآخره فاء- اسمه عبيد الله بن خليفة الهمداني المرادي، ذكره ابن حبان في الثقات، وكان على شرطة علي ، وأقل أحواله أن يكون حسن الحديث تقبل متابعته لغيره. ا.هـ.
والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- متساهل في التصحيح والتضعيف، فيصحح لبعض الضعفاء، وقد يقال: إن الطريقين يشد أحدهما الآخر، فيكون الحديث حسناً.
و عبيد الله بن خليفة المرادي أبو الغريف الكوفي يروي عن علي وابنه الحسن ، وعنه أبو روح وعطية والأعمش ، قال أبو حاتم : تكلموا فيه ووثقه ابن حبان .
ويدل الحديث على أن الجنب لا يقرأ القرآن، وأما غير الجنب فإنه يقرأ، ويذكر الله في جميع أحواله، وكذلك الجنب يذكر الله بجميع أنواع الذكر إلا القرآن.
وهذا هو اختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، أن الحديث لا بأس به وأن الجنب لا يقرأ القرآن؛ لحديث أبي الغريف : (فأما الجنب فلا ولا آية) ولهذا الحديث -حديث عبد الله بن سلمة- عن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً) ].
فهذان الحديثان يشد بعضهما بعضاً، أما الحائض والنفساء فاختلف العلماء فيهما، فالجمهور قاسوا الحائض والنفساء على الجنب، وقالوا: إنهما لا تقرآن القرآن قياساً على الجنب، واستدلوا -أيضاً- بحديث ضعيف فيه أن الحائض والنفساء لا تقرآن.
والقول الثاني لأهل العلم: أن الحائض والنفساء لا تقاسان على الجنب؛ لأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الجنب مدته قصيرة، ويستطيع أن يغتسل ويقرأ القرآن، بخلاف الحائض والنفساء، فإن مدتهما تطول، فقد تطول مدة النفاس إلى أربعين يوماً فتنسى القرآن إذا كانت حافظة، وقد تكون مدرسة أو طالبة تحتاج إلى قراءة القرآن، فلماذا تمنع هذه المدة الطويلة بغير دليل؟! والقياس على الجنب قياس مع الفارق، والحديث ضعيف، ولهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الحائض والنفساء تقرآن من غير مس المصحف.
وإذا قرأ الجنب الآية بنية الذكر لا بنية القراءة (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فنعم، وإن كان بنية قراءة القرآن فلا.
[ باب: ما جاء في البول يصيب الأرض.
حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : (دخل أعرابي المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد تحجرت واسعاً، فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلواً من ماء، ثم قال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).
قال سعيد : قال سفيان : وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه نحو هذا.
قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وواثلة بن الأسقع .
قال أبو عيسى : وهذا حديث حسن صحيح.
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق ، وقد روى يونس هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة ].
وهذا الحديث حديث صحيح، وفيه قصة الأعرابي الذي جاء ودخل المسجد وبال في المسجد، فزجره الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه) فلما قضى بوله دعاه عليه الصلاة والسلام وعلمه أن المساجد إنما بنيت لذكر الله، لا للبول ولا للقذر، وأمر بأن يؤتى بذنوب من ماء ويصب على بوله، وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) إذا كنتم تعملون بالشريعة التي بعث الله بها نبيه عليه الصلاة والسلام فقد بعثه الله سبحانه وتعالى بالتيسير، وكان هذا هو الحكمة؛ لأنهم لو زجروه وقام لألحقوا به مفاسد متعددة تلافاها النبي صلى الله عليه وسلم، منها: الضرر الصحي الذي يحصل له في قطع البول.
ومنها: تلويث المسجد، فبدل أن يكون البول في مكان واحد يكون في عدة أمكنة، وهذا يحتاج إلى تتبع مكان البول.
ومنها: تلويث جسمه وثوبه.
ثم التنفير من الإسلام، فهذه كلها تلافاها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا تزرموه)، فلما انتهى دعاه وعلمه برفق وقال: (إن هذه المساجد إنما بنيت لما بنيت له) أي: لم تبن للبول والقذر، وإنما بنيت لذكر الله، فلما رأى الأعرابي أن الصحابة زجروه وأن النبي صلى الله عليه وسلم رفق به قال: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً) أخرجه الجماعة إلا مسلماً ، لكن رواية الترمذي فيها تقديم وتأخير، حيث ذكر أن الأعرابي دخل المسجد فصلى ثم دعا بالدعاء: (اللهم ارحمني ومحمداًً)، وقال: (فلم يلبث أن بال في المسجد).
وقصة البول صحيحة ثابتة.
والعلماء تكلموا في ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة وقالوا: إذا وردت النجاسة على الماء -كما لو صب بول في إناء فيه ماء- فإنه ينجس، إلا إذا كان أكثر من القلتين، أما إذا ورد الماء على النجاسة -مثل بول الأعرابي- فإنه يطهرها، ولو أقل من قلتين، فهذا ذنوب من ماء لا يبلغ قلتين، ومع ذلك طهر النجاسة، ففرقوا بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة.
والنجاسة لا يطهرها الشمس والريح، خلافاً لـأبي حنيفة! فـأبو حنيفة يقول: تطهرها الشمس والريح، ولو كانت تطهرها الشمس والريح لتركها النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أمر بصب الماء عليها، فدل على أنه لا بد من الماء، وأن الريح والشمس لا يكفيان في تطهير النجاسة، لكن لو نزل المطر من السماء تطهرت؛ لأنها لا تحتاج إلى نية، أو كان ثوب فيه نجاسة ثم نزل عليه المطر فإنه يطهر، بخلاف دفع الزكاة، فلو دفعت الزكاة عن شخص فإنها تجزي حتى ينوي؛ لأنها عبادة، وكذلك الاستنجاء والاستجمار، فإذا استنجيت أو استجمرت ولم تنو كفى ذلك، بخلاف الوضوء، فالوضوء لابد فيه من النية.
والبلاط إذا وقع عليه البول فإنه يصب عليه الماء ويكاثر ويكفي ذلك، مادام أن النجاسة ليس لها جرم، أما إذا كان لها جرم -كالعذرة- فإنها تنقل ثم يصب الماء على ما بقي.
قال الشوكاني في النيل: استدل به -يعني حديث الباب- على أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالماء لا بالجفاف بالريح والشمس؛ لأنه لو كفى ذلك لما حصل التكليف بطلب الماء، وهو مذهب العترة والشافعي ومالك وزفر .
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: هما مطهران؛ لأنهما يحيلان الشيء.
قوله: (يحيلان) يعني: يحولان.
وقال النووي في شرح مسلم : وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها، ولا يشترط حفرها، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة : لا تطهر إلا بحفرها.
وقال الحافظ في الفتح: كذا أطلق النووي وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بينما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها. انتهى كلام الحافظ .
قلت: الأمر كما قال الحافظ .
وقال العيني في شرح البخاري : قال أصحابنا - يعني الحنفية-: إذا أصابت الأرض نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة صب عليها الماء حتى يتسفل فيها، وإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وتسفل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيها العدد، وإنما هو على اجتهاده وما هو في غالب ظنه أنها طهرت، ويقوم التسفل في الأرض مقام العصر فيما لا يحتمل العصر، وعلى قياس ظاهر الرواية يصب عليها الماء ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة وإن كانت الأرض صلبة، فإن كانت صعوداً يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل إلى الحفيرة ثم يكبس الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزال عنها الماء لا يغسل؛ لعدم الفائدة في الغسل، بل تحفر.
وعن أبي حنيفة : لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب انتهى كلام العيني .
هذا ليس بصحيح، والصواب أنه يصب عليها الماء، ويكفي ذلك والحمد لله.
الجواب: يحتمل هذا أنه تصرف من بعض الرواة، ويحتمل أن هذا كان أولاً؛ لأنهم في أول الإسلام كانوا يحلفون بآبائهم، وكانوا يقولون: ما شاء الله وشئت، ثم منعوا.
الجواب: لا حرج عليك إذا أعطاك مالاً فأخذته وأنفقته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك) فإذا جاءك مال إعانة من أب أو من أخ أو من أمير، وأنت لست مشرفاً فخذه، إلا إذا كان مقابل سكوتك عن حقك أو لتتكلم بالباطل، فلا تأخذ المال.
الجواب: القراءة المعتدلة أن يقرأها قبل فوات الوقت، لكن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مرة لبيان الجواز، ولا ينبغي للإنسان أن يفعل، لكن بعض الأئمة قد يفعل السنة ويؤخر الجماعة، وهذا فيه مشقة على الناس.
الجواب: التوسل بالأنبياء والصالحين فيه تفصيل، فإن كان المقصود التوسل بمحبة الأنبياء والإيمان بهم فهذا مشروع، كأن تقول: أتوسل إليك بمحبة نبيك وإيماني به، فهذا جائز، أما التوسل بذواتهم فهذا من البدع، مثل التوسل بذات فلان أو بجاه فلان أو حق فلان، فهذا من البدع، وكون الكاتب يستدل على جواز التوسل بالأنبياء والصالحين مطلقاً بقوله تعالى في سورة الإسراء: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57]، ويقول: الوسيلة: القربى، وقيل: الدرجة، وقوله: (أيهم أقرب) معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى فيتوسلون به، نقول: لا، فالآية: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [الإسراء:57]، المراد بالوسيلة فيها: هي التقرب إلى الله بطاعته، فيرجون رحمته ويخافون عذابه.
ثم قال الكاتب: كما قال البغوي وغيره في التفسير، وأيضاً لما أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما والنسائي في عمل اليوم والليلة والطبراني والحاكم والبيهقي وصححوه عن عثمان بن حنيف : (أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في، قال
أقول: هذا الحديث يسمى حديث الضرير، وقد اختلف العلماء: هل هو صحيح أو ضعيف؟! والصواب أنه صحيح، ولكن فيه التوسل بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبدعائه وهو حي، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو وهو يؤمن، ولهذا قال: (اللهم شفع في نبيك) يعني: اقبل دعاءه، فهذا توسل في حياته بدعائه، وهذا ليس فيه إشكال، وليس فيه خلاف، فكونك تتوسل بدعاء حي حاضر يدعو الله لك لا بأس به، لكن التوسل بميت ممنوع، ولهذا كان الصحابة يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستسقون به إذا أجدبوا، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو وهم يؤمنون، فلما مات عليه الصلاة والسلام توسلوا بـالعباس.
وكان عمر إذا أجدب قال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، قم -يا عباس- فادع الله) فلو كانوا يتوسلون بذاته لتوسلوا بذاته وهو في قبره عليه الصلاة والسلام، لكن لما عدلوا عن التوسل به بعد موته إلى العباس دل على أنهم كانوا يتوسلون بدعائه في حياته، فلما مات صار هذا غير ممكن.
فالتوسل بالأنبياء والصالحين بذواتهم هذا ممنوع عند أهل السنة والجماعة وهو من البدع، كالتوسل بذات الرسول أو بجاهه أو بحقه، فهذا ممنوع، وهو من البدع، أما التوسل بمحبة الرسول والإيمان به واتباعه فهذا هو أصل الدين وهو جائز.
ثم قال الكاتب: ولا فرق في ذلك بين حياتهم ومماتهم، وذلك لأن التوسل في الحقيقة ليس بذواتهم المجردة، وإنما هو بما لهم من منزلة ومكانة وجاه عند الله سبحانه وتعالى، فهو باق في الحياة وبعد الممات.
أقول: هذا خطأ، والصواب أن التوسل بهم في حياتهم فقط بدعائهم، أما بعد الموت فلا يتوسل بهم، إلا إذا توسل بالإيمان بالأنبياء ومحبة الصالحين فلا بأس؛ لأن الإيمان بالرسول ومحبة الصالحين هو عملك أنت، أما التوسل بذواتهم فهذا ممنوع، فلا يتوسل بهم إلا في حياتهم بدعائهم، أما بعد الموت فممنوع، ولهذا يتبين أن هذا خطأ على طريقة أهل البدع.
الجواب: ورد في حديث: (من كان له إمام فقراءته له قراءة) لكن الحديث ضعيف، وفي قراءة الفاتحة للمأموم خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنه في الصلاة الجهرية تكفي قراءة الإمام، والقول الآخر لأهل العلم أن الفاتحة مستثناة؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فتكون الفاتحة مستثناة من قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، وفي الحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا)؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
الجواب: هذا حديث ضعيف جداً أو موضوع، وليس بصحيح، بل هو حديث باطل، فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إنما تقتضي التوحيد والإيمان، قال أبو هريرة : (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) هذا هو أسعد الناس بشفاعته، أما من زار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله سيئة، أو وهو مشرك أو مصر على المعاصي والبدع فلا تنفعه الزيارة، لكن إذا زاره وهو موحد فلا بأس.
الجواب: ينبغي أن يوافقه إذا كان اسمه حسناً.
الجواب: هذا ليس بصحيح، فالظن أصله الشك، لكن قد يأتي بمعنى اليقين، مثل قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ .. [البقرة:46] يعني: تيقنوا، أما الظن بنفسه فهو بمعنى الشك، مثل قوله تعالى: وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24] يعني: يشكون.
الجواب: لا يصلح هذا؛ لأن الطبل خاص بالنساء في الأعراس، فلا ينبغي للرجل أن يسمعه.
الجواب: نعم، فقد ورد أن من قتله في الضربة الأولى فله مائة حسنة، والضربة الثانية دون ذلك، قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة، ح: وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير، ح: وحدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل -يعني ابن زكريا -، ح: وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان، كلهم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث خالد عن سهيل إلا جريراً وحده فإن في حديثه: (من قتل وزغاً في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك).
وحدثنا محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل -يعني ابن زكريا - عن سهيل حدثتني أختي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في أول ضربة سبعين حسنة).
الجواب: يعني: مستشار، والله ليس له معين ولا مشير يستشيره، فالملوك والأمراء وغيرهم لهم مستشارون يستشيرونهم في بعض الأمور، والله تعالى ليس له مشير ولا معين ولا وزير ولا ظهير؛ لكمال علمه وكمال قوته واقتداره سبحانه وتعالى.
الجواب: الصلاة بين السواري مكروهة عند أهل العلم، إلا إذا كان هناك حاجة، كأن يمتلئ المسجد فيحتاج الناس إلى الاصطفاف بين السواري، فلا بأس، أما إذا لم يكن هناك حاجة فهي مكروهة؛ لأن السواري تقطع الصف، ولو صلوا بين السواري صحت الصلاة، لكنها مكروهة، فالذي ينبغي أن يكون الصف أمام السارية أو خلف السارية، إلا إذا امتلأ المسجد أو صلوا لحاجة ما فتزول الكراهة.
الجواب: الطواف معناه الدوران، والطواف في المعنى الشرعي الطواف بالبيت الحرام، والطواف بين الصفا والمروة، هذا هو المعنى الشرعي، أما المعنى اللغوي فواسع.
الجواب: الأرض كروية، بمعنى أنها مستديرة الشكل، وقد نقل أبو العباس ابن تيمية أن جميع الأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع، فالأرض والسماوات كلها كروية، فجميع الأفلاك مستديرة، إلا العرش، فإنه ورد ما يدل على أن له قوائم، كما في حديث: (إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من أفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)، فثبت أن له قوائم.
وقال بعض أهل الكلام: العرش أيضاً مستدير، وهو يعتبر غلافاً لهذا العالم.
وعلى كل حال فالعرش هو سقف المخلوقات، سواء قيل: إنه مستدير أو ليس بمستدير، والله تعالى فوق العرش الذي هو سقف المخلوقات، والله تعالى فوق المخلوقات كلها.
والأرض ثابتة وقارة، ونقل الإجماع على أن الأرض قارة وثابتة القرطبي في تفسير سورة الرعد، وكذلك ابن القيم، والنصوص تدل على هذا، وفق الله الجميع.
الجواب: إذا جاءت مناسبة ودعا في أثناء الكلام فإنه لا يكون مرتلاً، ويدعو على صيغة الكلام، ومثال هذا الدعاء أن يقول عند ذكر الجنة: أسأل الله أن يجعلنا من أهلها، وعند ذكر النار يقول: نعوذ بالله من النار، في أثناء الكلام أو في أثناء الخطبة.
الجواب: الأنبياء معصومون من الشرك، ومعصومون من الكبائر، ومعصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله، لكن قد يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم خلاف الأولى، وقد تحصل منه الصغائر، كما قال الله لنبيه: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى [عبس:1-4].
وهذا من الأمور السهلة، وقد عاتب الله موسى عندما سئل من أعلم الناس؟ فقال: أنا، والأنبياء قد يجتهدون في بعض الأشياء، ولكن لا يقرون على الخطأ.
والمقصود أن النبي معصوم من الشرك، ومعصوم من الكبيرة، ومعصوم من الخطأ فيما يبلغ عن الله، أما ما عدا ذلك قد يقع منه خلاف الأولى.
الجواب: هذا يخشى أن يكون ردة والعياذ بالله، إلا إذا لم يحسن التعبير، ومن تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم يكون مرتداً والعياذ بالله، والرسول عليه الصلاة والسلام هو أنجح الناس في دعوته عليه الصلاة والسلام، فإذا لم ينجح الرسول صلى الله عليه وسلم فمن الذي ينجح في دعوته؟!!
فهذا إن كان متعمداً هذا القول فإن في قلبه مرضاً وفي قلبه زيغاً، ويكون ذلك ردة، أما إذا كان لا يحسن الكلام، أو أنه له قصداً آخر، فينظر في شأنه، والمقصود أن هذه الكلمة خطيرة جداً، نعوذ بالله، ونسأل الله السلامة والعافية.
الجواب: يعني: لا يهتدون لمكانهم، فالله تعالى عاقبهم بالتيه في صحراء سيناء بين فلسطين ومصر، فكلما مضوا رجعوا إلى مكانهم لا يهتدون إلى معرفة الطريق، وعاقبهم الله بالتيه؛ لأنهم امتنعوا عن الجهاد والخروج مع موسى، فحرم الله عليهم تحريماً قدرياً دخول بيت المقدس، قال تعالى: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة:26] أي: يرجعون إلى مكانهم لا يهتدون إلى البلد، نسأل الله السلامة والعافية.
الجواب: آدم نبي ورسول إلى بنيه، لكن نوح هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وكان قبله أنبياء كآدم وشيث، وآدم بعث إلى بنيه ولم يكن هناك شرك، ولم يبعث إلى أحد غير بنيه، وأما نوح فإنه بعث إلى بنيه وغير بنيه، وبعث بعد وقوع الشرك، فلهذا قال ابن عباس في قوله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] قال: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ثم وقع الشرك).
الجواب: هناك خلاف، والأقرب هو ذكره شيخ الإسلام أن الرسول هو الذي يبعثه الله برسالة إلى أمة كافرة فؤمن به بعض الناس ويكذبه بعض الناس، وأما النبي فهو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة، مثل أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى كداود وسليمان وغيرهم، وكلهم كلفوا بالعمل بالتوراة، وكلهم كانوا يبعثون إلى مؤمنين، فهذا هو الأقرب.
إذاً: الرسول هو الذي يبعث إلى أمة كافرة يؤمن به بعضهم ويرد عليه دعوته بعضهم، مثل: إبراهيم وموسى وعيسى وشعيب وهود وصالح ولوط ونبينا محمد عليهم الصلاة والسلام.
أما النبي فهو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة، مثل أنبياء بني إسرئيل الذين جاءوا بعد موسى كداود وسليمان وزكريا ويحيى وغيرهم، فكلهم كلفوا بالعمل بالتوراة.
الجواب: لا أذكر أنه ورد حديث بهذا المعنى، لكن كون الناس يخرجون من دين الله أفواجاً كما دخلوا في دين الله أفواجاً هذا في آخر الزمان بعدما تكثر الفتن، وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المرء غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)، قال العلماء: إن هذا يكون في آخر الزمان إذا كثرت الفتن ونزع الخير من المدن والقرى، ولم يوجد فيها جمعة ولا جماعة ولا واعظ ولا علم ولا تعليم، وخشي الإنسان على دينه، فيفر من القرى والبلدان إلى الصحاري والفيافي والقفار حتى يسلم له دينه، ويأتي هنا قول الشاعر إذ يقول:
عوى الذئب فاستأنست إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير
أما إذا كان في المدن خير، وفيها جمعة وجماعة، وفيها تعلم وتعليم؛ فلا ينبغي للإنسان أن يتركها ويسكن في البراري، بل يكون عليه وعيد من تعرب بعد الهجرة وصار أعرابياً؛ لأنه في هذه الحالة لا يسمع الذكر، ولا يسمع خطبة الجمعة، ولا يحضر الجمعة ولا الجماعة، لكن هذا الحديث لا أعرف صحته، بل جاء ما يدل على هذا المعنى في أحاديث آخر الزمان.
الجواب: هذا قاله بعض العلماء، فبعض العلماء يرى أن الإيثار يكون في مسائل الدنيا، لكن في مسائل العبادات ليس هناك إيثار، كأن تفضل إنساناً عليك وتقوم من مكانك في الصف الأول ليجلس مكانك، أو تؤثره بشيء من القرب ومن الطاعات، وقال آخرون: لا بأس بالإيثار في العبادات.
الجواب: لا بأس ولا حرج، والممنوع هو التسوك في الصلاة أو في وقت سماع خطبة الجمعة؛ لأن خطبة الجمعة يجب الاستماع لها، ولا يتكلم الإنسان فيها كما لا يتكلم في الصلاة، ولا يرد على من سلم عليه باليد، ولا يجيب من عطس، كالصلاة، لكن عند الأذان لا بأس بينه وبين نفسه أن يؤمن ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا ليس من كلام الناس، والممنوع أن يكلم الناس أثناء الخطبة أو يمس الحصى.
الجواب: الأذان له صيغ، منها أذان أبي محذورة وهو الترجيع، فـأبو محذورة علمه النبي صلى الله عليه وسلم الترجيع، فيكون تسع عشرة جملة، وهو أن يأتي بالشهادتين سراً ثم يأتي بهما جهراً، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله بينه وبين نفسه، ثم يرفع صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، يرجع بها مرة ثانية، هذا أذان أبي محذورة.
وأذان بلال ليس فيه ترجيع، وأذان بلال أفضل؛ لأنه الذي كان يؤذن به بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا عمل بأذان أبي محذورة فلا حرج، والإقامة كذلك لها أنواع، والاستفتاحات أنواع، والتسبيح بعد الصلاة أنواع، فإذا عمل بكل نوع فذلك حسن.
الجواب: تلحين الأذان مكروه، ففي البخاري في كتاب الأذان أن عمر بن عبد العزيز قال لمؤذن له: أذن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا. قال العلماء: يكره تلحين الأذان وتلحين القراءة، لكن لا ينافي هذا تحسين الصوت بالأذان، لكن التمطيط والتلحين الزائد لا ينبغي؛ فإنه مكروه كراهة تنزيه.
الجواب: الواجب على المسلم ألا يتتبع الرخص وأخطاء بعض العلماء، فلو فرضنا أن فيها خلافاً فلا ينبغي للإنسان أن يتتبع الرخص، وإذا تنازع الناس في مسألة فإنه يرجع فيها إلى النصوص، قال الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].
وبيع العينة هو أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها نقداً بثمن أقل، كأن يبيع سيارة لشخص بمائة ألف مؤجلة.....ثم يشتريها البائع بثمن نقداً بأقل، هذه هي العينة، وهي حرام؛ لأنه كأنه باع مائة ألف بثمانين ألفاً، وجعل السيارة حيلة، وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى تراجعوا دينكم).
الجواب: هذه الصفات التي أضيفت إلى الله عز وجل على لفظ الفعل تبقى على حالها" (من أتاني يمشي أتيته هرولة) فإنه يثبت لله الصفة كما يليق بجلال الله وعظمته، ولكن من أثر صفة الهرولة أن الله تعالى أسرع بالخير من العبد، وأن العبد إذا زاد في العمل زاد الله له في الثواب، وأن الله لا يقطع الثواب من العبد حتى يقطع العمل.
والإمام النووي رحمه الله وجماعة يقولون في قوله تعالى في الحديث القدسي: (من أتاني يمشي أتيته هرولة) وحديث: (وإن الله لا يمل حتى تملوا): معناه أن الله لا يقطع الثواب حتى يقطع العبد العمل، هذا هو أثر الصفة، والصواب أن الملل والهرولة وصف يليق بالله ولا يلزم منه النقص؛ لأنه سبحانه لا يشابه المخلوقين في شيء من الصفات، لكن من أثر الصفة أن الله أسرع بالخير من العبد، وأن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل.
الجواب: هذا الفعل يحتاج إلى دليل، ولا أعلم له أصلاً، وتركه أولى، وإنما ينبغي للإنسان أن يخشع بجوارحه ويستمع.
الجواب: قال بعض العلماء: إذا تكرر خروجه من المسجد فإنه في آخر مرة يصلي، ومثل هذا ذكر العلماء الذين يوجبون الإحرام على من دخل مكة، فقالوا: إن الذي يكثر ترداده إلى مكة كالحطاب والحشاش لا يجب عليه الإحرام في كل مرة، لكن في آخر مرة.
والصواب أنه لا يجب الإحرام إلا على من أراد الحج والعمرة، كذلك من تكرر خروجه من المسجد لا يصلي كل مرة، لكن في آخر مرة يجلس فيها ويصلي ركعتين.
الجواب: في الفريضة والنافلة يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) وكذلك الدعوات الأخرى في الفريضة وفي النافلة في آخر التشهد يأتي بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) أي: تدعو من أمور الدنيا والآخرة بما لم يكن فيه إثم ولا قطيعة رحم.
الجواب: المعية العامة عامة للمؤمن والكافر، وهي معية اطلاع وإحاطة، وتأتي في سياق المجازاة والمحاسبة، مثل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، وقوله سبحانه تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] ثم جاء التهديد: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4]، هذه المعية العامة مقتضاها الإحاطة، وتأتي في سياق المجازاة والمحاسبة والتخويف.
أما المعية الخاصة فهي خاصة بالمؤمن، وتأتي في سياق المدح والثناء، كقوله تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] وقوله تعالى: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] وقوله عز وجل: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، وقال الله تعالى لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، فلما أدخل معهما فرعون في الخطاب جاءت المعية العامة: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ [الشعراء:15].
الجواب: الغراب من الفواسق، وسميت فواسق لأنها خرجت عن طبع غيرها من الحيوانات، فالفأرة تخرب وتجر الفتيلة حتى تحدث الظلام على أهل البيت أو الحريق، والحية معروف أنها تلدغ، والعقرب والكلب العقور كذلك، والغراب لأنه يقطف سنبل الزرع، ولأنه ينقر الجرح الذي في ظهر البعير إذا برئ بمنقاره حتى يدميه، ويعيد الجرح من جديد، وهذا من فسقه، فلذلك أمر بقتله، فهو فاسق في الحل وفي الحرم.
أما النملة فليست من الفواسق، فلا تقتل، إلا إذا كانت تؤذي فإنها تقتل، وكل شيء مؤذ يقتل، وغير المؤذي يترك.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم عجل زكاة سنتين من عمه العباس، فأخذ العلماء من هذا أنه لا بأس بتعجيل الزكاة إذا كان هناك مصلحة بتعجيلها، وإذا زاد المال فإنه يخرج الزيادة، وإذا نقص فله أن يحتسبها من الزكاة في المستقبل أو يجعلها صدقة تطوع.
الجواب: الصواب أن قول الله تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] المراد به الجهاد في سبيل الله خاصة، أي: قتال الأعداء، وذلك بأن ينفق المال على المجاهدين وعلى شراء الأسلحة والعتاد، والإنفاق على المجاهدين إذا لم يكن لهم مرتبات من بيت المال وعلى أسرهم خاصة، ولا يدخل في هذا طلاب العلم وإن كان العلم نوعاً من الجهاد، لكن لا ينفق عليهم من الزكاة، إلا إذا كان العلماء أو طلبة العلم الذين ينفق عليهم فقراء، فإنهم يعطون من الزكاة ما ينفقون به على أنفسهم وأهليهم وما يشترون به كتباً، أما إذا لم يكن طالب العلم بحاجة فلا، هذا هو الصواب.
وقال آخرون من أهل العلم: قوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] عام في شمول الخيرات، لكن هذا قول ضعيف؛ لأننا لو أنفقنا المال في سبل الخيرات كالمساجد والمدارس والمستشفيات وإصلاح الطرق فإن معنى ذلك أنه لا يبقى شيء إلا دخل في هذا، والله تعالى جعل الزكاة في ثمانية أصناف، قال عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] أي: في الجهاد خاصة، في قتال الأعداء وشراء السلاح والإنفاق على المجاهدين الذين لا يصرف لهم مرتبات، وعلى أسرهم وقت الجهاد خاصة، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون.
الجواب: أما بعد الحيض فإنه إذا رأت المرأة الطهر ثم رأت كدرة وصفرة فلا تلتفت إليها وليست من العادة؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) فإذا طهرت المرأة ورأت الطهر ثم رأت كدرة أو صفرة فإنها لا تعتبر حيضاً، وذلك دم فاسد، بل تتطهر وتستثفر وتصلي، أما قبلها فإنها إذا كانت متصلة بالعادة أو في وسط العادة فإن الكدرة والصفرة في زمن العادة تعتبر من الحيض.
الجواب: إذا كان الدين على مليء فإنه يزكيه الإنسان إذا حال عليه الحول، أما إذا كان الدين على فقير معسر لا تدري أيأتيك مالك منه أو لا يأتيك، أو مماطل قد ينساك وربما يضيع حقك، فهذا لا تزكيه إلا إذا قبضته، وبعض أهل العلم يرى أنك إذا قبضته فإنك تزكية لسنة، وبعضهم يرى أنه يستقبل به حولاً جديداً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر