يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
[آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
سنتكلم عن صفة من صفات الله الخبرية وهي صفة الرِّجْل لله سبحانه، فقد أدهش الله العقول وأبهرها بصفاته الجليلة العظيمة، ومنها: صفة الرجْل، فلله رجل تليق بجلاله وكماله لا تشبه أرجل البشر، وقد اشتركت هنا في الاسم، والقاعدة عند أهل السنة والجماعة: أن الاشتراك في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى، فالقرد له رجل، والفيل له رجل، ورجل القرد لا تساوي رجل الفيل، فبينهما اختلاف، وأيضاً رجل النملة ورجل الفيل، ورجل القرد ورجل الحمار، فكل منها تسمى رجلاً ولا تتساوى، وكذا رجل الإنسان ورجل الحمار اشتركتا في الاسم، لكن لو قال رجل لآخر: يا أخي رجلك أراها أشبه ما تكون برجل الحمار لصفعه على قفاه؛ انتقاماً مما يقول، والتشابه في التسمية لا تقتضي التشابه من كل وجه، فمن باب أولى الخالق سبحانه وتعالى.
إذاً: فرجْل الله جل وعلا تليق بجلاله وكماله، وهذه الصفة الجليلة ثبتت في كتاب الله بالإشارة، وفي السنة تصريحاً وتنصيصاً.
فأما الكتاب: فقد قال الله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا
[الأعراف:195]، هنا الله جل وعلا ينكر على من يعبد من له صفات النقص، وكأنه يقول منكراً: أتعبد من ليس له رجل؟! فهذه صفة نقص، وأيضاً قوله:
أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا
[الأعراف:195]، هنا ينكر على من يعبد من ليس له عين، فإن كان الله ينكر على من ليس له رجْل، فهو سبحانه له رجْل جل وعلا؛ لأنه أنكر عبادة من ليس له رجْل، وإن كان يشكل عليّ أنه قال:
أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
[الأعراف:195] فهذه لا مجال للعقل فيها، فلا نقول: له أُذن أو ليس له أذن، حتى تبدو السنة.
وأما إثبات الرجْل في السنة: فقد جاء الدليل منصوصاً بإثبات الرجل لله جل وعلا، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال النار يلقى فيها أفواج، فكلما ألقي فيها فوج قالت: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار رجله فيها)، فهذا تصريح بإثبات هذه الصفة، وفي رواية قال: (فيضع الجبار قدمه عليها).
وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن لله رجْلاً يتصف بها، وهي صفة كمال وجلال تليق به جل في علاه.
فالشاهد من هذا أنه قال: (رجْل جراد من ذهب) يعني: طائفة جراد من ذهب، فتكون المعنى هنا: طائفة من الذين استحقوا النار، وهذا قول الأشاعرة.
ونرد عليهم فنقول: هذا التأويل باطل من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا خلاف الظاهر، والقاعدة التي قعدها العلماء: أن الأصل في اللفظ أن يبقى على ظاهره إلا أن تأتي قرينة تصرفه من الظاهر إلى المؤول، فالظاهر في الرجْل أنها الرجلُ المعلومة في المعنى، والكيف مجهول.
الأمر الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيضع رجْله عليها) أي: يضع الله رجله عليها، والطائفة التي تنزل في النار هم فيها لا عليها، فيأبى هذا اللفظ أن يكون المراد ما قالوه.
الوجه الثالث: أن المضاف إلى الله عموماً إما أن يكون من باب إضافة الأعيان أو إضافة المعان، وهو سبحانه قد أضاف الرجْل إليه، ولو تنزلنا معهم وقلنا: إن الإضافة إلى الله هنا إضافة تشريف، لكان أهل النار أفضل تشريفاً وأفضل عظمة وتكريماً من المؤمنين، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن أهل النار ليس لهم إلا التوبيخ والتقريع والنكال.
الجواب: نعم نثبت صفة الهرولة لله كما جاءت في الحديث، ونقول: بأن الله يهرول، فإن قيل: كيف يهرول؟ فنقول: الهرولة في اللغة معلومة، والكيفية مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة.
الجواب: لا تكفي هذه الآية لذلك، وأما في صفة الرجْل والعين فقد جاءت الأحاديث الصريحة تبين ما أشارت إليه الآية، بخلاف صفة الأذن فلم يأت في الأحاديث إثباتها؛ فإذا أثبتناها سنكون قد أثبتناها بالعقل لا بصريح النص، والعقل لا مجال له في إثبات صفات الله، وكذلك لم نثبت صفة الساق بالآية: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ
[القلم:42]؛ لأنها مطلقة، لكن أثبتناها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (فيكشف سبحانه وتعالى عن ساقه يوم القيامة، فيخرون سجداً لله جل وعلا)، فهذا الحديث فيه إثبات الصفة لله، فأثبتناها.
الجواب: لا، العقل إنما يقرر ما جاء في النص عن طريق قياس الأولى.
الجواب: لا؛ فقد جاء في الحديث: (وكلتا يديه يمين) والرواية التي ذكر فيها الشمال رواية ضعيفة وإن كانت في مسلم، ففيها عمر بن حمزة وهو ضعيف، وهو الذي انفرد بذكر الشمال، لكن رواية مسلم والبخاري المتفق عليها جاءت بدون ذكر الشمال، وإذا وقع الخلاف بين المتفق عليه وبين الذي انفرد به مسلم ، فإنه يقدم المتفق عليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر