إسلام ويب

عبادات أهل الإسلام والإيمان وأهل الشرك والنفاق - العبادة وأصناف الناس فيهاللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن العبادة لا تكون إلا لله جل وعلا، فما ثبت في الشرع أنه عبادة فصرفه لله توحيد وصرفه لغير الله شرك، وذلك كالنذر والدعاء، لكن ينبغي التفريق بين دعاء غير الله والتوسل في الدعاء. وأصناف الناس تجاه العبادة ثلاثة: المؤمنون والكافرون والمنافقون، فالمؤمنون: هم الذين حققوا عبوديتهم لله تعالى مع غاية الذل والمحبة، والكافرون: هم الذين عبدوا غير الله تعالى وأشركوا معه بعض مخلوقاته، والمنافقون: هم أهل الأهواء والضلال، عبدوا الله تعالى بغير التوحيد، واتبعوا أهواءهم، وقدموا العقل على النقل.

    1.   

    العبادة

    الفرق بين العبادة والشرك

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    القاعدة العظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان، وعبادات أهل الشرك والنفاق هي: كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، مثال ذلك الطواف.

    تعريف العبادة وأركانها

    العبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

    ولها ركنان، وهما: غاية الذل مع غاية الحب.

    ولابد من اقتران الحب مع الذل؛ لأنه لو اختل ركن من الركنين لم تكن عبادة، فالذي يتعبد الله بالذل أو بالقهر دون المحبة، فإنه سيكون حرورياً يقنط من رحمة الله.

    مثال ذلك: الخوارج فقد قنطوا عباد الله من رحمة الله، فقالوا: فاعل الكبيرة كافر يخرج من الملة، فمن شرب الخمر فإنه خالد مخلد في نار جهنم والعياذ بالله!

    فهؤلاء الخوارج تعبدوا لله بالذل فقط.

    والطرف الآخر: وهم المرجئة تعبدوا لله بالمحبة فقط، فصار عندهم غلو في الرجاء فلا يهتمون بأوامر الله، ولا يرجون لله وقاراً ولا تعظيماً، فمن تعبد لله بالذل فإنه لا يكون محباً لله، ومن تعبد لله بالحب دون الذل فإنه لا يكون معظماً لله جل في علاه.

    وفي بني البشر يمكن للإنسان أن يذل للإنسان وهو لا يحبه، كأن يكون مقهوراً له، أو يكون عليه دين له، فيكون المذل أبغض الناس إليه، فهذا الذل لغير الله.

    ويمكن للإنسان أن يحب إنساناً، ولا يكون له ذليلاً، بل يكون فوقه ومتكبراً عليه، فغاية الذل مع غاية المحبة لا تكون مجتمعة إلا لله.

    1.   

    أقسام الناس تجاه العبادة

    والناس على أقسام ثلاثة:

    مؤمنون خلص، وكافرون خلص، وبين بين وهم منافقون خلص.

    وقد بينها شيخ الإسلام فقال:

    أهل التوحيد والإيمان.

    وأهل الشرك والإلحاد.

    وأهل البدعة والضلالة.

    تعريف أهل التوحيد والإيمان

    فأهل التوحيد والإيمان هم الذين عبدوا الله بالتوحيد الكامل، فلم يشركوا معه غيره، وعبدوه بما شرع، كما بين الله جل في علاه أنه ما خلق الخلق إلا لعبادته، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    وما أرسل رسولاً إلا وبين أن الحكمة العظيمة والجسيمة لإرسالهم هي التوحيد، قال الله تعالى مبيناً لنا قول كل رسول بعثه إلى قومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].

    وقال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].

    فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256].

    وقد قال الله تعالى على لسان عيسى بن مريم: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران:51].

    وعلى لسان نوح عليه السلام: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:1-3] فيعبدون الله أي: يوحدونه بما شرع على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم، فكل رسول كان على الإسلام.

    تعريف الإسلام

    والإسلام معناه: التوحيد الخالص.

    أي: أن توحد الله جل في علاه ولا تشرك به شيئاً، كما قال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ [البقرة:131] أي: استسلمت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131].

    وقال تعالى حاكياً عن يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].

    وعن نوح عليه السلام: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72].

    وقال إسماعيل وإبراهيم: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً [البقرة:128].

    وقال سحرة فرعون: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126].

    وقال جل وعلا: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة:44].

    وقال جل في علاه عن بلقيس عندما أسلمت مع سليمان: رب إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44].

    وقال عن أتباع المسيح عليه السلام: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة:111].

    وقال جل في علاه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:18-19].

    فما من نبي إلا وهو على الإسلام، ولكن اختلفت الشرائع، فكل الأديان دين واحد، وليست أدياناً متعددة، بل كلها دين سماوي واحد وهو الإسلام، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فموسى ويوسف وعيسى ونوح وإبراهيم وشعيب وصالح وآدم كانوا على الإسلام.

    فالإسلام معناه: توحيد الله جل في علاه، والاختلاف بين الأديان كان في الشرائع، قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] وصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأنبياء إخوة لعلات) أي: إخوة من أب واحد، والأمهات شتى، مثال ذلك: الرجل الذي تزوج بأربع نساء فخلف من كل واحدة منهن أولاداً، فالأولاد يسمون إخوة لعلات، لأن أمهاتهم شتى، وأباهم واحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وشرائعهم شتى).

    وهذا ظاهر جلي لمن تفحص في شرائع الذين سبقونا، فمثلاً: في شريعة التوراة أو الشريعة اليهودية إذا وقعت النجاسة على ثوب واحد منهم فتطهيرها بأن يقص ذلك الجزء من الثوب الذي وقعت فيه النجاسة.

    أما في ديننا وشريعتنا: إذا وقعت النجاسة فإنه يطهرها بالماء.

    وأيضاً: في شريعتنا أن الزاني المحصن حده الرجم حتى الموت، لكن في التوراة المحرفة حده الجلد والتحميم.

    وكذلك في شريعتنا: حل الغنائم للمجاهدين الذين يذبون عن الإسلام، وعن أهل الإسلام، فعندما يغنمون الغنائم فإنهم يأكلونها هنيئاً مريئاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي) وكان في شريعتهم أن الغنيمة تؤخذ كلها فتوضع قرباناً فتنزل نار من السماء فتأخذها، ولذلك فإن بعضهم سرق شيئاً من الذهب فلم تقبل، فقال نبيهم: فيكم الغلول، فصافح مقدم كل قبيلة حتى لصقت يد واحد منهم فأخرجه من قومه، فجاءت نار من السماء فأكلتها. فالغنيمة في الشرائع التي سبقت لم تكن حلالاً، وفي شريعتنا حلت، فهذا مصداق لقول الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48].

    إذاً: دين الأنبياء واحد وهو الإسلام، لكن الشرائع مختلفة، فهؤلاء هم الموحدون الخلص أو المؤمنون الخلص.

    تعريف أهل الكفر

    الصنف الثاني: الكافرون الخلص: وهم عباد الأصنام الذين يشركون مع الله غيره في العبادة.

    فمنهم من عبد البقر، ومنهم من عبد البشر، ومنهم من عبد الأصنام، فهؤلاء عبدوا الله لا على التوحيد، ولا بما شرع الله جل في علاه، كما قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].

    وأيضاً: قال الله فيهم على لسانهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] وكذبهم الله في ذلك وبين أنها لا تملك شيئاً مع الله.

    تعريف أهل النفاق

    أما الصنف الثالث: فهم بين بين، وهم أهل الأهواء والضلال، أو أهل النفاق.

    وهم الذين يعبدون الله بغير التوحيد، لأنهم أدخلوا هواهم في التوحيد، فكلما هووا شيئاً عملوه، قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان:43].

    وأيضاً: قدموا العقل على النقل، فما عبدوا الله بالتوحيد الخالص، وما اتبعوا رسول الله الاتباع الخالص فلو خالف العقل النقل قدموا العقل على النقل.

    وقد ذمهم الله جل في علاه، وذمهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وصدق فيهم قول الله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755825457