إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. محمد حسن عبد الغفار
  5. سلسلة شرح كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
  6. شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - صفة الكلام لله عز وجل والقرآن كلام الله

شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - صفة الكلام لله عز وجل والقرآن كلام اللهللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صفة الكلام لله تعالى، وأنه سبحانه يتكلم أثبتها أهل السنة والجماعة، من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه، إلا أنه لم تطب أنفس أهل البدع بإثبات هذه الصفة، فنفوها عن الله منزهين له -بزعمهم- عن مشابهة المخلوقين، ولقد وقعوا في شر مما هربوا منه، حيث شبهوا الله بالعجماوات، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

    1.   

    صفة الكلام لله عز وجل

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    إن صفة الكلام صفة ثبوتية فعلية، وهي قديمة النوع حادثة الأفراد.

    والصحيح الراجح: أن صفة الكلام صفة فعلية ثبتت لله بالكتاب وبالسنة وإجماع أهل السنة.

    الأدلة من الكتاب على إثبات صفة الكلام لله

    أما الأدلة من الكتاب: فقد قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، ووجه الدلالة من هذه الآية على أن الله يتكلم، أن الكلام أضيف لله، والمضاف إلى لله نوعان: إضافة معان، وإضافة أعيان. وإضافة المعاني: إضافة صفة للموصوف، والكلام معنى. وأما إضافة العين: كالكعبة بيت الله، وكعيسى روح الله. وأما الكلام فهو: معنى مضاف، ونقول: إن المعنى إذا أضيف إلى الله فهو إضافة صفة إلى الموصوف.

    ومن الأدلة من الكتاب على أن الله يتكلم: قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، وَإِذْ قَالَ والقول كلام.

    وأيضاً: قوله تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى [الشعراء:10]، والنداء من الكلام.

    وأيضاً: قول الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164].

    وقوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143]. فهذه كلها دلالات على كلام الله جل في علاه.

    الأدلة من السنة على إثبات صفة الكلام لله

    وأما الأدلة من السنة، فمنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة بين يدي كلامه صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقول فيها: (إن أصدق الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، فأضاف الكلام إلى الله جل في علاه.

    وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فهذا الحديث فيه دلالة على أن الله يتكلم، وفيه دلالة على أن الكلام صفة من صفات الله، ووجه الدلالة من الحديث وجهان:

    الوجه الأول: أنه أضاف الكلام إلى الله، والكلام ليس بعين، وإنما هو معنى، وإضافة المعنى هو إضافة صفة للموصوف.

    والثاني: أن الاستعاذة عبادة، ولا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي علم هذه الأمة التوحيد أن يستعيذ بمخلوق، فلو كان كلام الله مخلوق لما استعاذ به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن الشرك، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بكلمات الله)، يعني: أستعيذ بصفة من صفات الله وهي صفة الكلام. فإذاً: الله يتكلم بصوت مسموع وبحرف سبحانه جل في علاه.

    الأدلة على أن كلام الله بصوت مسموع

    أما الدليل على أن الله: يتكلم بصوت مسموع فقد دل الكتاب والسنة على ذلك.

    أما من الكتاب: فقد قال الله تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الشعراء:10]، والنداء في اللغة معناه: الكلام بصوت، والمناداة لا يمكن أن تكون إلا بصوت.

    وأيضاً قال تعالى: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف:22]، فهذه أيضاً فيها نداء من الله جل في علاه. والنداء لا يكون إلا بصوت مسموع.

    وأما من السنة: فقد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحشر الخلائق من أول آدم إلى آخر الخليقة فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب)، فهذا أيضاً فيه دلالة على سماع صوت الله يوم القيامة، إذاً: فهو يتكلم بصوت.

    وأيضاً يتكلم بحرف؛ لأن الكلمات تتكون من حروف. وقد بينه الله في كتابه عندما قال: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم:1]. وقال الله تعالى: حم [غافر:1]. وقال تعالى: عسق [الشورى:2]. وقال تعالى: كهيعص [مريم:1]. فكل هذه حروف تدل على أن الله يتكلم بصوت وبحرف.

    فكلام الله جل في علاه ثابت بالكتاب وبالسنة وبإجماع أهل السنة.

    1.   

    كلام الله قديم النوع حادث الأفراد

    إن صفة الكلام قديمة النوع، أي: أن الله جل وعلا يتكلم من الأزل وقتما يشاء أن يتكلم؛ لأننا لا نستطيع أن نقول أنه كان يقول في الأزل: يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:11-12] فما قال ذلك حتى جاء موسى عليه السلام عند الشجرة، فقال الله جل في علاه: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12] فهي قديمة النوع حادثة الأفراد، أو حادثة الآحاد، يعني: يتكلم الله بما شاء وقتما يشاء.

    وقد ضرب بعض العلماء لذلك مثلاً فقال: إنك إذا دخلت على رجل وقد سكت ثم في لحظة تكلم، فإنك لا تستطيع أن تصف هذا الرجل بأنه ما كان يستطيع الكلام، وأنه أخرس، بل تقول: إنه كان ساكتاً ثم تكلم حيث شاء، أو وقتما شاء أن يتكلم. ولله عز وجل المثل الأعلى، فكلامه يتعلق بالمشيئة، ولكن الصفة قديمة النوع وحادثة الأفراد.

    1.   

    اعتقاد أهل البدع في صفة الكلام، وشبهاتهم حولها والرد عليهم

    إن بعض أهل البدعة والضلالة لم يقروا بهذه الصفة لله، وقالوا: إن الله لا يتكلم. ثم أوردا شبهة شديدة جداً، فقالوا: لو قلتم بأن الله يتكلم فإن ذلك يستلزم لوازم باطلة. وهي:

    أنه لا كلام إلا بمخرج، فتكونون قد شبهتم الخالق بالمخلوق، ولذلك قالوا: إن الله لا يتكلم.

    والجواب على ذلك بأن نقول: إن الأصل أنه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ولا يستلزم من الكلام المخرج.

    وأيضاً: لم يرد في الشرع أن لله فماً، ونحن لا نثبت لله صفة إلا إذا أثبتها لنفسه، فنحن نسكت عن هذا.

    وأما ما أوردوه من إلزام فنقول: إن هذا اللازم باطل؛ لأننا لو قلنا بقولكم فقد كيفنا الصفة، والكيف مجهول بالنسبة لنا، ونحن نفوض الكيفية. بل إن في المخلوقات ما يتكلم ونحن لا نعرف كيفية كلامه. مثال ذلك: السماوات والأراضين، فعندما خلقهما الله قال لهما: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11].

    وأيضاً: تكلمت الجنة وتكلمت النار، ففي الصحيحين: (أن الجنة والنار احتجتا عند الله جل في علاه، فقالت النار: يدخلني المتكبرون، وقالت الجنة: يدخلني الضعفاء). فتكلمت الجنة وتكلمت النار. ولا نعرف كيفية كلامهما، وإن كان هذا في المخلوق فمن باب أولى ألا نعلم كيفية كلام الله جل في علاه، لكنه يتكلم، ويسمع من يشاء بكلامه، فقد أسمع الملائكة، فجبريل عليه السلام سمع صوت الله، بل وملائكة السماء سمعوا صوت الله جل في علاه كما في الحديث الصحيح: (أن الله إذا أراد أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، فيسمعون صوت الله، وتأخذ السماء منه رجفة أو رعدة شديدة)، فهذه دلالة على أنهم يسمعون صوت الله جل في علاه، وجبريل قد سمع صوت الله بتلاوة القرآن، وأخذ القرآن ونزل به إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: الله يتكلم، ولا نعلم كيفية كلام الله جل في علاه، فنحن نثبت الصفة بلا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل.

    ويزيد من بطلان إلزامهم بأن الكلام يستلزم المخرج، أن هذا تكييف، والكلام في اللغة معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

    ثم إنكم أيها المبتدعة خالفتم ظاهر القرآن وظاهر السنة وإجماع الصحابة، وهذا يلزم منه لوازم باطلة لا يمكن أن نقر بها.

    إذاً فنقول في الرد عليهم: إن هذا اللازم الذي قلتم عليه أنه لازم باطل وليس بلازم، فإن هناك مخلوقات تتكلم ولا يستلزم من وجود الكلام وجود المخرج، ولا نعلم كيفية هذا الكلام، فمن باب أولى نقول: إن الله جل في علاه يتكلم ولا نعرف كيفية هذا الكلام.

    1.   

    القرآن كلام الله غير مخلوق

    إن القرآن من كلام الله جل في علاه؛ فهو صفة من صفات الله، فقد تكلم الله بالقرآن. وهناك آيات وأحاديث تثبت أن القرآن كلام الله وليس بمخلوق. لأن بعض المبتدعة قالوا: كلام الله مخلوق. والآن كثير من هؤلاء يزعمون بأن الله جل وعلا لم يتكلم بالقرآن، وأن هذا القرآن مخلوق كالسماء والأرض والشجر والحجر.

    ومن هؤلاء: سيد قطب رحمة الله عليه، فإن من الأخطاء الفادحة التي وقع فيها في كتابه الظلال، أنه لما كان يتكلم عن القرآن يصور بديع القرآن كبديع خلق الله السماء والأرض، فقال: والقرآن كالسماء وكالأرض وكالشجر. فعندما يشبه القرآن بالسماء فقد شبه صفة من صفات الله بمخلوق. فكأنه يقول: القرآن مخلوق، وإن كنا لا نأخذ عليه هذا لأنه ليس بعالم، وإنما هو أديب. ولكن هذا الكلام هو كلام المعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن القرآن خلقه الله في الشجرة، والشجرة قالت لموسى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12].

    الأدلة على أن الكلام صفة ثابتة لله

    فالمقصود: أن القرآن كلام الله، والكلام صفة من صفات الله جل في علاه، دل على ذلك آيات كثيرات. منها: قول الله تعالى: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ [الطلاق:5]، والأمر هو من قول الله تعالى.

    وأيضاً قول الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ [التوبة:6]. فأضاف الكلام لله جل في علاه.

    وقول الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1].

    وأيضاً قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، إلى أن قال في الآية الأخرى: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ [الطلاق:5].

    وأيضاً من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، والقرآن يدخل في عموم الكلام.

    1.   

    اعتقاد أهل البدع في القرآن وأدلتهم والرد عليها

    أما أهل البدع والضلالة فقد نظروا إلى كتاب الله وقرآن الله، فقالوا: هذا ليس من كلام الله؛ لأن الأصل عندهم أن الله لا يتكلم. فإذا قلت: إن الله تكلم بالقرآن. قالوا: الأصل أن الله لا يتكلم.

    وأن هذا القرآن مخلوق وليس بكلام الله. واستدلوا على ذلك بأن قالوا: قال الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3]، والجعل أصله: الخلق، فيكون الجعل هنا أصله: الخلق. فقوله تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً)، يعني: خلقناه قرآناً عربياً. فقالوا: هذا دليل واضح جداً على أن القرآن مخلوق، وليس بكلام الله جل في علاه.

    وعندنا الأدلة الكثيرة التي أثبتنا بها أن القرآن هو كلام الله، قال تعالى: تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة:80] .. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].

    وأيضاً الأدلة الكثيرة من السنة على أن القرآن هذا وحي من الله، قال الله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:4-5].

    وعندما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الشبعان الجالس على أريكته بقوله: (يأتيه الأمر من أمري، فيقول: ننظر في كتاب الله) كأن المبتدع هذا يرى أن هذا كلام الله وهؤلاء لا يقرون بهذا، فيقول: ننظر في كتاب الله فإن وافق الحكم ما في كتاب الله أخذنا به، وإلا لم نأخذ به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني قد أتيت القرآن)، يعني: وحياً من الرب سبحانه وتعالى (ألا وإني قد أتيت القرآن ومثله معه)، يعني: السنة التي هي قرينة أو صنو القرآن.

    إذاً: فالأدلة من الكتاب والسنة تثبت أن القرآن كلام الله، وهم يعاندون رسول الله، ويقولون: إن الله لا يتكلم، وإن القرآن ليس بكلام الله، وهو مخلوق.

    والرد عليهم أولاً: قال تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1]، فهذه الآية ظاهرة جداً في أن الكتاب من الله جل في علاه، سمعه جبريل، ونزل به لمحمد صلى الله عليه وسلم.

    وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1].

    وقال تعالى: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ [الرحمن:1-3].

    وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1] .

    وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ [يس:82]، والأمر من قول الله جل في علاه.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن، فإن لكم بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول: ألم حرف، ولكن أقول: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).

    وأيضاً ورد عن الصحابة بأسانيد صحيحة أنهم كانوا يصفون الله بالكلام، ويقولون: القرآن كلام الله. كما جاء عن أبي بكر وعمر رضي الله عنها وأرضاهما، فـعمر رضي الله عنه كان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. وأيضاً أبو بكر رضي الله عنه عندما رأى أن الروم ستغلب الفرس، قالوا: هذا من كلامك أم من كلام شاعر؟ أي: النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: بل هو من كلام الله، فنسب الكلام لله جل في علاه.

    و عائشة رضي الله عنها عندما قالت: (والله إن شأني في نفسي لأحقر من أن يتكلم الله بي)، أي: بقرآن من فوق سبع سماوات.

    ويقول عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في شعب الإيمان للإمام البيهقي رحمه الله بسند صحيح: لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله جل في علاه.

    وأيضاً روي عن ابن مسعود رضي الله عنه بسند صحيح أنه كان يقول: من أراد أن يختبر حبه لله فليعرض نفسه على كلام الله، فإن أحب كلام الله فقد أحب الله جل في علاه؛ لأنه قد أحب صفة من صفات الله جل في علاه.

    وقال بعض السلف: لا يتعبد لله بأفضل مما خرج منه، والذي خرج منه هو القرآن، فهذا إثبات بأن القرآن كلام الله جل في علاه.

    وأما الرد على شبهتهم بأن الجعل هو الخلق، فنقول قال الله تعالى: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189]، فهل خلق منها زوجها؟!!

    وأيضاً إن جعل: تحتمل الخلق وتحتمل التحويل، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:1-5] فهل خلقهم كعصف مأكول، أم خلقهم بشراً مثل سائر بني آدم؟ فجعلهم هنا ليست بمعنى: خلقهم.

    إذاً: فقوله تعالى: جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3]، أي: جعل هذا الكلام عندما أنزل به جبريل باللسان العربي المبين، فإن الله تكلم مع موسى بالعبرية، وتكلم مع عيسى بالسريانية، وتكلم مع كل نبي بلغة قومه. فلما تكلم بالقرآن تكلم باللغة العربية، قال تعالى: (فجعلناه قرآناً عربياً)، يعني: تكلمنا به بلغة العرب لا باللغة العبرانية، ولا باللغة السريانية. فهذه فيها دلالة واضحة على أن الجعل أيضاً يكون بغير الخلق وهذا رد على هذه الشبهة.

    فالقرآن ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله. ومن قال بأن القرآن مخلوق، فنقول له: لقد خالفت ظاهر القرآن، وخالفت ظاهر السنة، وخالفت إجماع أهل السنة والجماعة.

    وأيضاً نقول له: لقد رددت القول على الله؛ لأن الله فرق بين الخلق والكلام وأنت جمعت بينهما، قال الله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فعطف الخلق على الأمر بالواو العاطفة، والأصل في العطف: المغايرة. فعلمنا أن الخلق غير الأمر، فالأمر صفة من صفاته، والخلق فعل من أفعاله جل في علاه، فإذا أضيف الخلق إلى الله فتكون الإضافة إضافة تشريف، وأما بالنسبة للأمر فهو صفة من صفات الله، تكلم به جل في علاه.

    وأيضاً قال الله تعالى: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ [الرحمن:1-3]، فغاير بين تعليم القرآن وبين خلق الإنسان، ولو كان القرآن مخلوقاً لقال الله تعالى: الرحمن خلق القرآن وخلق الإنسان. ولكن قال: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ [الرحمن:1-3] فغاير بين تعليم القرآن وبين خلق الإنسان.

    أيضاً نقول: يلزم من قولكم بأن القرآن مخلوق لوازم باطلة، وهي:

    أولاً: أن موسى عليه السلام عندما جاء لميقات ربه إلى الشجرة قال الله تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12]، وهل المخلوق يتجرأ ويقول لموسى: إني أنا ربك؟ وهل الله جل وعلا يأمر موسى أن يعبد غيره؟ وهل يصح هذا في الأذهان؟ فهذا لازم باطل، فلو كان القرآن مخلوقاً فالمخلوق هو الذي يأمر موسى، ويقول له: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12] وهذا لازم باطل؛ لأن الله لا يأمر بالكفر، وإنما يأمر بالإيمان وبالتوحيد.

    وأيضاً من اللوازم الباطلة: أن موسى عليه السلام لما جاء لميقات ربه قال: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف:143]، فهل المخلوق يحجب عن موسى ويقول: لَنْ تَرَانِي ؟

    هذه هي الردود على أهل البدعة والضلالة الذين يقولون: بأن القرآن مخلوق. ونحن نقول لهم: القرآن كلام الله، وصفة من صفات الله جل في علاه، وقد تكلم الله بهذا القرآن، وسمعه جبريل، ونزل به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحياً.

    1.   

    الفرق بين إضافة القرآن إلى الله وإضافته إلى جبريل وإلى نبينا محمد

    يبقى إشكال لا بد من حله وهو أن الله أضاف القرآن لجبريل عليه السلام، وأضاف القرآن لمحمد؛ لأن الله قال: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ [التكوير:19-20]، فأضاف القول للرسول الكريم الذي له القوة عند ذي العرش، وهو جبريل عليه السلام، وأضاف أيضاً القول للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض الآيات، فالإشكال هو: هل محمد هو الذي تكلم بهذا الكلام، كما قال طه حسين : بأن الكلام هو من الشعر الجاهلي، وهو من كلام محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم هو من كلام جبريل؟ أم هو من كلام الله؟ ولا بد علينا لزاماً أن نجيب على إضافة القول لجبريل، وإضافة القول للنبي صلى الله عليه وسلم.

    ونقول: إن الله جل وعلا يقول: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40]، فأضاف القول للرسول الملكي وهو جبريل عليه السلام، فالآية تحتمل أمرين، الأمر الأول: أن مبدأ الكلام من هذا الرسول الكريم، وتحتمل أيضاًًًً: أن يكون إضافة القول للرسول إضافة تبليغ. كقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67].

    فإذاً: قول الله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير:19]، إضافته لهذا الرسول الكريم إضافة تبليغ، ويكون القول أصالةً مبدؤه من الله جل في علاه، فهو تكلم به، وسمعه جبريل، فلما بلغه جبريل أضيف إليه إضافة تبليغ. كما تقول: بنا الفسطاط عمرو بن العاص ، أو بنا مصر عمرو بن العاص ، وليس هو الذي بناها، وإنما بنيت بأمر منه.

    فهنا أمر الله جبريل أن يبلغ هذا لمحمد، فأضافه إليه إضافة تبليغ.

    وبهذا يحل الإشكال، وتصفو الأدلة، ويكون الله جل في علاه يتكلم بكلام، وبصوت مسموع وحرف، والله جل في علاه يتكلم حيثما شاء، وبما شاء، وقتما شاء، والقرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: بأن القرآن مخلوق فقد كفر كما قال الإمام أحمد بن حنبل . وليس هذا المجال مجال تفصيل الكلام على الذين قالوا برد القرآن من المبتدعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755979374