يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد آن لهذه الأمة -أمة الخيرية، الأمة المنصورة- أن تتعرف على ربها حق التعرف، فتطلع على أسرار حكمته في خلقه وعزته وجبروته وقوته، فتستنشق عبير رحماته وبره ولطفه وجوده بعباده جل في علاه، فهو فوق عرشه مستو عليه، بائن من خلقه، يدبر أمر الكون ثم يعرج إليه في يوم مقداره ألف سنة مما نعد، قال تعالى: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، يرفع أقواماً ويخفض آخرين، يعز أناساً ويذل آخرين، ينصر طائفة ويهزم آخرين، يؤتي ملكه أقواماً وينزعه من آخرين، يمهل ولا يهمل، يملي وإذا أخذ لم يفلت، كما قال سبحانه وتعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].
فعلى هذه الأمة المنكوبة الغافلة التي هي في سبات عميق أن تتدبر عظمة ربها جل في علاه.
انظروا إلى عظيم خلقه الدال على عظمته جل في علاه، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أذن لي أن أتحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)! هذا من عظيم خلق الله جل في علاه، انظروا إلى السماء فوقكم كيف خلقها الله سبحانه وتعالى من غير عمد! انظروا إلى الجبال الشاهقات، وإلى السهول والقفار، وإلى البحار والأنهار! فسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، وأرض ذات فجاج، تدل على عظمة الواحد القهار.
آن لنا جميعاً أن نرجع إلى ما رجع إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونتدبر ما تدبره الصحابة الكرام، نتدبر عظمة الله جل في علاه، ونتعرف على ربنا، وألوان التعرف على الله كثيرة جداً، أسماها وأقواها وأرقاها منزلة: التدبر في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة)، أي: من تدبرها وحفظها ووعاها، وأداها كما سمعها، ومن تعبد الله بها، ومن عايشها واقعاً في حياته اليومية دخل الجنة.
انظر أخي الكريم! رحمة الله بك وأنت جنين في بطن أمك، يصلك طعامك وشرابك من الحبل السري، ثم خرجت إلى هذه الدنيا طفلاً رضيعاً، فأجرى الله جل في علاه اللبن في ثدي أمك بئراً فياضاً، ثم رحمته لم تزل سابغة عليك شاباً، ثم شيخاً كبيراً.
وجماع ذلك كله: أن الله جل وعلا يدبر لعباده من حيث لا يعلمون، ويجعل لهم المصالح من حيث لا يحتسبون، هو اللطيف أخفى الأشياء في أضدادها، يخفي الخير داخل الشر، والنصر في باطن الهزيمة، واليسر في جوف العسر.
إن لم تعلم أخي المسلم بعد تدبر هذا الاسم أن النصر سيأتيك بعملك بهذا الاسم والتعبد به فارجع إلى رسولك صلى الله عليه وسلم، بل ارجع وراء ذلك إلى الأمم والشعوب، وانظر كيف أن الله من فوق عرشه دبر لخلقه ولأوليائه، وكانت العاقبة للمتقين، والنصر والمبشرات لأولياء الرحمن المتقين المؤمنين.
انظر أخي الكري!م وتدبر في اللطيف الذي لطف بيوسف وهو في غيابة الجب، في ظلمات الجب، قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:15]، انظروا إلى ألطاف الله، هذا الطفل الصغير ألقي في غيابة الجب، وأخفى الله له النصر والرفعة والتمكين في هذه الظلمة، وفي ظلمات السجن، فإنه بعدما جاء السفهاء البله، ووجدوه في الجب أخذوه وباعوه بثمن بخس دراهم معدودة، قال عزيز مصر بعدما تفرس به: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [يوسف:21]، لقد لطف الله جل في علاه بهذا الشاب الصغير، فإنه بعدما تربى في بيت العزيز مكن الله له، وأخفى له في ظل الرق عز التمكين، ثم راودته امرأة العزيز عن نفسها، ثم دخل السجن ظلماً وعدواناً وبهتاناً وزوراً، فالله أخفى له التمكين على مصر بأسرها وهو في ظلمات السجن، وذلك عندما رأى الرجلان اللذان كانا معه في السجن الرؤيا، فعبرها لهم، ثم إن الله جل في علاه جعل له سبباً آخر للتمكين أخفاه، وهو في السجن لطف منه جل في علاه، وهذا السبب: هو أن الملك رأى رؤيا فأراد أن يعبرها، فلم يعبرها له أحد مثلما عبرها يوسف عليه السلام، فقال له الملك كما جاء في كتاب الله تعالى: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [يوسف:54].
فانظر أخي المسلم الكريم! كيف أن اللطيف يخفي الأشياء في أضدادها، فمن يصدق أن الذي في السجن سيخرج ويصبح ملكاً على هذه الأرض، يتحكم في رقاب الناس، وفي أقواتهم بمشيئة الله جل في علاه، وهناك ما هو أبعد من هذا، فبعدما اطمأن إخوته أنهم قد ألقوه في غيابة الجب في هذه الظلمات أنبأه الله بأنه سيرتقي عليهم رغم هذا الظنك الشديد، وهذا الكرب العظيم، وأنه سيعفو عنهم، وقد حدث هذا الوعد عندما دخلوا عليه بعدما أخذ أخاه بحيلة كادها له الله جل في علاه، قال تعالى: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [يوسف:88] ماذا قال لهم؟ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:89-90] أعلنها صراحة: أنا يوسف، ظلمت منكم واشتد علي الكرب، لكن ألطاف الله أسرعت نحوي، فبفضل الله ولطفه ورحمته قد أصبحت ملكاً عليكم، ثم قال لهم كما جاء في كتاب الله تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92]، فانظر إلى لطف الله جل وعلا بيوسف عليه السلام، فبعدما اشتد عليه الكرب، وبعدما ألقي في غيابة الجب، وبعدما ظلم وسجن، مكن الله جل وعلا له في الأرض.
وهذه الأمة منصورة -ورب السماوات- إن تدبرت هذا الاسم، ثم عاشته واقعاً في حياتها، فإن الله سيخفي لها النصر في باطن الهزيمة، وسيجعل لها اليسر في جوف العسر، إنه لطيف بعباده سبحانه جل في علاه.
انظر إلى ألطاف الله جل في علاه كيف يخفي النجاة في محل الغرق، ويخفي النصر في محل الهزيمة، ويخفي اليسر في جوف العسر، سبحانه إنه هو اللطيف الخبير، قال الله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [الحج:63]، الذي أخرج الثمرة الطيبة من أرض ضحلة سبحانه وتعالى، فإنه سيخرج النور من الظلام الحالك، قال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ يس:37] سبحانه جل في علاه، وقال سبحانه: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103] .
نسأل الله الكريم أن ينزل علينا لطفه، وأن يبرنا بكرمه وعطفه وجوده سبحانه جل في علاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمنا أسماء الله الحسنى، وكيف نتعبد بها، ثم حثنا على حفظها والعمل بها وتعليمها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)، أي: من تعبد الله بها دخل الجنة، ومن تدبرها دخل الجنة، وقد تدبرها قبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبقها واقعاً، فأتته المبشرات نتيجة لهذا التطبيق الواقعي في حياته صلى الله عليه وسلم.
انظر إلى ألطاف الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تكالبت الدنيا بأسرها عليه، فهذه قريش والعرب أجمعون رموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عن قوس واحدة، أجج اليهود نار الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين العرب أجمع، فاليهود هم الذين عاثوا في الأرض فساداً، وأرادوا ناراً مؤججة على رسول الله حقداً عليه وحسداً، ألبوا قريشاً وألبوا العرب جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءوا بخيلهم ورجلهم، وجاءوا بصناديدهم وسيوفهم وحديدهم، فالتفوا حول المدينة وأحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم شر إحاطة، ثم بعد ذلك نزل الكرب الشديد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً، حيث صور لنا الله الموقف تصويراً بديعاً، وصفهم أنهم جاءوا من فوقهم ومن أسفل منهم، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وقال المؤمنون: ما وعدنا الله ورسوله إلا صدقاً وحقاً، أما المنافقون فقد ضربوا رسول الله من الداخل، جاء الطابور الخامس يرجفون في المدينة ويشيعون الإشاعات بأن رسول الله مهزوم حتماً، كانوا يقولون: هذا محمد الذي كان يعدنا بالنصر على الأعداء، ويعدنا بالتمكين في الأرض، ويعدنا بكنز كسرى وقيصر، يعدنا بهذا كله وأحدنا لا يأمن أن يخرج لقضاء حاجته، أين النصر الذي وعدنا به؟! فهؤلاء هم الذين ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من داخل المدينة، أما من الخلف فقد جاء اليهود فنقضوا العهود؛ لأنهم لا عهد لهم ولا وعد، فقد قام بنو قريظة بنقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد الكرب على رسول الله، وقال لـسعد بن عبادة: (اذهب فأخبر لنا خبر القوم، فإذا علمت أنهم فعلوا ذلك فالحن لي لحناً، حتى لا تفت في عضد أهل الإسلام، فذهب فوجد أن القوم قد نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسل)، انظر أخي الكريم! إلى هؤلاء الكفار كيف أحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جميع الجهات، وهم قلة ضعاف لا يستطيعون حرباً ولا يستطيعون قتالاً، لكن ألطاف الله جل في علاه، وتدبير الله في كونه من فوق عرشه سبحانه وتعالى، فقد أدرك الله رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه من صحابته الكرام في المدينة بألطافه، فإنه يدبر من حيث لا يحتسبون، فكلنا يعلم أن نعيم بن مسعود أسلم بعدما كان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد قلب اللطيف قلبه إلى الإسلام، فأسلم وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله ماذا يفعل من أجل أهل الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذل عنا الناس ما استطعت)، فقام نعيم بتدبير الله ولطفه ففرق بين اليهود والكفار، فقد ذهب إلى قريش فألبهم على يهود بني قريظة، وذهب إلى يهود بني قريظة فألبهم على قريش، وانفض الحصار من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد الله الكافرين بغيظهم لم ينالوا خيراً، ألطاف الله جل في علاه برسوله صلى الله عليه وسلم حينما حفر الخندق، وهو في هم وغم وحزن مما يحدث له ولأصحابه، ومع ذلك يضرب صخرة وهو مستيقن باللطيف الخبير الذي يدبر الأمر من فوق العرش، فيقول صلى الله عليه وسلم: (أبشروا! فتحت لي كنوز كسرى وقيصر ، أعطيت الكنزين: الأحمر والأصفر)، والله الذي لا إله إلا هو إنا مستيقنون بربنا كما استيقن رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه، وإنا سنعطى الكنزين: الأحمر والأصفر، وإن الله جل وعلا سيمكن لدينه في الأرض، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، وإني مصدق في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم)، وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم -مع هذا الكرب العظيم وهذه الشدة التي نزلت به- ابنته فاطمة فقال: (أبشري يا ابنتي! والله لن يترك هذا الدين بيت مدر ولا وبر إلا دخله بعز عزيز وذل ذليل).
إذاً: تعرف على ربك بقدرته، فإنك لن تصل إلى اليأس أبداً، ولن تصل إلى القنوط أبداً، ولن تتسخط على أقدار الله أبداً، ولن تقول: هؤلاء أهل الكفر قد عتوا في الأرض فساداً، وتربعوا على عرش الدنيا، وكل أهل الإسلام الآن في حقارة وفي ذل وفي مهانة، فلم يفعل الله بنا ذلك؟! أقول مجيباً له: تدبر لطف ربك بك، فإن الله يبتليك لترجع إليه، ينزل عليك البلاء تترى حتى يرفعك ويمكن لك، فإن الإنسان لا يمكن حتى يبتلى، قيل للشافعي: يا إمام! أيمكن المرء أم يبتلى؟ فـالشافعي الذي يعرف ألطاف الله وأنه يخفي الخير داخل الشر قال: لا يمكن المرء حتى يبتلى.
هذه سنن كونية قد قدرها الله وكتبها من فوق عرشه في اللوح المحفوظ، فيجب علينا أن نرجع إلى ربنا، وأن نتدبر في أسمائه الحسنى وفي صفاته العلى، وأن نعبده كما عبده رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن نرمي الدنيا خلفنا ظهرياً، فنحن الذين نزعم أننا نؤم الناس ونربيهم وندعوهم، هل فعلنا ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقن بربه فقدم لذلك، أما نحن فقد تحاربنا وتنازعنا على دنيا زائلة، وتهافتنا على جيف لا يتهافت عليها إلا الكلاب، فنحن الذين أتينا بهذا البلاء، وهذا الظلم والعدوان علينا، والله لا نلومن إلا أنفسنا، فالله سبحانه لطيف خبير قدير على كل شيء، يبتلي العبد بالعبد نتيجة عمله، فإنه جل في علاه إذا كشف عن القلوب ووجد أن العمل لغيره فلن يوفق ولن يسدد ولن ينصر أبداً، وهذا من سننه الكونية سبحانه وتعالى، فإن الطائفتين إذا التقتا بسيفيهما وكانتا على الكفر فإن الله يجعل الغلبة للأقوى منهما، أما إذا كانت إحدى الطائفتين مؤمنة مستيقنة متدبرة في أوامر الله جل في علاه، والطائفة الأخرى على الكفر، وهذا واقع ومشاهد، نراه كل يوم ونسمع به، فإن الله يجعل الغلبة لأهل الإسلام لطفاً بهم؛ لأنه يحب أولياءه وينصرهم.
أختم كلامي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن دم المسلم أعظم عند الله وأشرف من الكعبة)، كما وصف ابن عباس مستيقناً في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت الكعبة شرفك الله وعظمك، وإن حرمة دم المسلم أعظم وأشرف عند الله منك).
كونوا من أولياء الله تأتيكم المبشرات ويأتيكم النصر المبين.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أنزل على المؤمنين نصراً مؤزراً، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا، اللهم ارحم أموات المسلمين أجمعين.
اللهم أجمع كلمتنا جميعاً تحت رايتك يا رب العالمين!
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر