إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (161)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الم * غلبت الروم)

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع آدم السوداني مقيم برياض الخضراء، أخونا يسأل عن تفسير بعض آيات من القرآن الكريم، بدأها بالسؤال عن تفسير قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:1-3] أرجو من فضيلة الشيخ تفسير هذه الآية الكريمة، ومن هم الروم المذكورون فيها؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فـالروم هم النصارى المعروفون، وكانت الحالة بينهم وبين الفرس سجال في الحرب، يدال هؤلاء على هؤلاء تارة وهؤلاء على هؤلاء تارة، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم غلبوا -يعني: غلبتهم الفرس - في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، فوقع ذلك فغلبت الروم الفرس، وكان ذلك في أول المبعث حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك من الآيات والدلائل على صدقه صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقاً، إذ وقع الأمر كما أخبر به في كتابه العظيم.

    الله جل وعلا هو العالم بالمغيبات، ويخبر نبيه بما يشاء منها سبحانه وتعالى كما أخبره عن كثير مما يكون في آخر الزمان، وكما أخبره عما كان فيما مضى من الزمان من أخبار عاد وثمود وقوم نوح وفرعون وقومه وغير ذلك، وكما أخبره أيضاً عليه الصلاة والسلام بما يكون يوم القيامة وحال أهل الجنة وحال أهل النار إلى غير ذلك، فهذا من جملة الأخبار الغيبية التي أخبر بها القرآن فوقعت كما أخبر، وكان ذلك من علامات صدق رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ...)

    السؤال: يسأل أيضاً عن تفسير قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:38-40].

    الجواب: هذه الآية الكريمة فسر أولها النبي عليه الصلاة والسلام، وهي قوله جل وعلا: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس:38] ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر قال: (يا أبا ذر! أتدري ما مستقرها؟ فقال أبو ذر: الله ورسوله أعلم، قال: مستقرها تحت العرش) تسجد تحت العرش لربها عز وجل ذاهبة وآيبة بأمره سبحانه وتعالى، سجود الله أعلم بكيفيته سبحانه وتعالى، فهذه المخلوقات كلها تسجد لله وتسبح له جل وعلا تسبيحاً وسجوداً يعلمه سبحانه وإن كنا لا نعلمه ولا نفقهه، كما قال عز وجل: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44] وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ [الحج:18] الآية، فهذا السجود يليق بها ويعلمه مولاها ويعلم كيفيته سبحانه وتعالى، فهي تجري كما أمرها الله، تطلع من المشرق وتغيب من المغرب حتى ينتهي هذا العالم، فإذا انتهى هذا العالم كورت، كما قال سبحانه: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1] فتكور ويذهب نورها وتطرح هي والقمر في جهنم؛ لأنه ذهبت الحاجة إليهما بزوال هذه الدنيا.

    والمقصود أنها تجري لمستقر لها ذاهبة وآيبة، ومستقرها سجودها تحت العرش في سيرها طالعة وغاربة ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام:96] هو الذي قدر هذا سبحانه وتعالى، العزيز المنيع الجناب الغالب لكل شيء، العليم بأحوال خلقه سبحانه وتعالى.

    وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ [يس:39] الله جعل القمر له منازل كما أن الشمس لها منازل، في كل ليلة له منزلة وهي ثمان وعشرون منزلة، ويقال لها: ثمان وعشرون نوءاً، يعني: نجماً ينزلها كل ليلة، والليلة التاسعة والعشرون ليلة الاستصغار؛ وليلة الثلاثين كذلك إذا لم يهل، فقد يهل في الثلاثين ويكون الشهر ناقصاً، وقد يستكمل الشهر فلا يهل إلا في الليلة الحادية والثلاثين، وإذا كان في آخر الشهر ضعف نوره وصار في آخر الشيء كالعرجون القديم، والعرجون هو: العسب الذي يكون في قدو التمر ينحني ويكون كالعرجون القديم، يعني: منحنياً نوره ضعيف، وقد يذهب نوره بالكلية في آخر الشهر حتى لا يبقى له نور وإنما يبقى صورة خلقته، هذه من آيات الله سبحانه وتعالى.

    لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس:40] لما ذكر أن القمر مقدر منازل وهكذا الشمس تجري لمستقر لها ذكر أن الليل والنهار جاريان كما أمر الله، والشمس والقمر جاريان كما أمر الله سبحانه وتعالى، فالشمس لا تدرك القمر والقمر كذلك، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس:40] يعني: كل من هذه المخلوقات لها مقدار بإذن الله سبحانه وتعالى لا تتجاوزه، لا تتجاوزه أبداً بل هي في سيرها تسير سيراً متقناً وهكذا القمر وهكذا الليل والنهار، فالشمس لا تخرج في سلطان القمر ولا تذهب بنور القمر، والقمر كذلك لا يذهب بنورها ولا يطلع في سلطانها، كل له وقت وكل له سلطان، فالشمس سلطانها في النهار والقمر سلطانه بالليل، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يعني: تحيط به وتقضي عليه وتذهب بنوره، ليس لها سلطان في هذا، فسلطانها في النهار، والقمر كذلك لا يذهب بنورها، هو له سلطان ولها سلطان كل في فلك يسبح، كل في فلكه الذي قدره الله له سبحانه وتعالى، وهكذا الليل والنهار، هذا في وقته يأتي بظلامه والنهار في وقته يأتي بضيائه، لا يسبق هذا هذا ولا هذا هذا، كل منهما له سير مقدر لا يزيد عليه ولا ينقص عنه إلا بإذن الله، فتارة يزيد الليل وينقص النهار، وتارة بالعكس، يتقارضان في مدة أربع وعشرين ساعة، هذا ينقص تارة ويزيد الآخر تارة، ثم يأتي العكس فينقص هذا ويزيد هذا؛ ولهذا يقول جل وعلا: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:38-40].

    1.   

    حكم من جامع امرأته في نهار رمضان في ثلاثة أيام

    السؤال: الرسالة التالية وصلت إلى البرنامج من المستمع (أ. س. ب. ن) أخونا يقول: أبعث لكم برسالتي هذه متضمنة مشكلتي وهي أنني وقعت في أهلي نهار رمضان ثلاث مرات في ثلاثة أيام من ذلك الشهر قبل ست سنوات تقريباً، وقد ندمت على فعلتي تلك، وقد كنت أظن أن كفارة ذلك هي إطعام فقط، ومن ثم أهملت ذلك لعدة سنوات ظناً مني أنه يجوز لي أن أطعم في أي وقت أشاء، وفي الفترة الأخيرة علمت حقيقة الكفارة، فما رأي فضيلتكم، هل يجوز لي أن أطعم عشرة مساكين عن كل يوم، أم ماذا؟ وهل على زوجتي أيضاً كفارة؟ وهل هناك فرق بين كونها مكرهة أو غير مكرهة، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الواجب عليكما جميعاً التوبة والاستغفار والندم على ما وقع؛ لأن الله حرم على الصائم تناول المفطرات ومن أشدها الجماع، فلا يجوز للمؤمن حال صومه رمضان وهو صحيح مقيم أن يتناول المفطرات لا الجماع ولا غيره، ولا يجوز له أيضاً أن يكره زوجته على ذلك، وليس لها أن تطاوعه على ذلك، بل يجب عليها أن تمتنع، وعليكما الكفارة جميعاً، وهي: عتق رقبة مؤمنة عن كل واحد منكما عن كل يوم، يعني: ثلاث رقاب عن كل يوم رقبة وعنها كذلك، فالجميع ست رقاب عليك ثلاث وعليها ثلاث عن الأيام الثلاثة، إذا كانت مطاوعة غير مكرهة.

    فإن عجزتما فعليكما صيام شهرين متتابعين كل واحد يصوم شهرين متتابعين عن كل جماع في يوم، فعليك ستة أشهر عن الأيام الثلاثة وعليها ستة أشهر عن الأيام الثلاثة، إلا أن تكون مكرهة، يعني: أكرهتها بالقوة حتى لم تستطع منعك.

    فإن عجزتما عن العتق والصيام فعليكما إطعام ستين مسكيناً عن كل جماع، يعني: عن كل يوم وقع فيه الجماع، فالمعنى: إطعام ثلاث كفارات ستين مسكيناً، يعني: ثلاث مرات، ثلاثين صاعاً، وثلاثين صاعاً، وثلاثين صاعاً، تسعين صاعاً توزع بين ستين مسكيناً، كل مسكين له صاع ونصف، عن كل يوم نصف صاع، وعليها مثل ذلك إذا كانت مطاوعة، تسعون صاعاً عن الأيام الثلاثة، عن كل يوم ثلاثون صاعاً لستين فقيراً، هذه التسعون الصاع تسلم لستين فقيراً، يعني: تدفع إليهم كل واحد يعطى صاعاً ونصف عن الثلاثة الأيام، كل نصف صاع عن يوم، ونصف الصاع كيلو ونصف تقريباً، يعني: أربعة كيلو ونصف عن الثلاثة الأيام من الحنطة أو من الرز أو من التمر من قوت البلد، هذا هو الواجب عليكما مع التوبة والاستغفار والندم وعدم العودة إلى مثل هذا، وأنتما أعلم بحالكما، فمع الاستطاعة يجب العتق، ومع العجز الصيام، ومع العجز عن الصيام الإطعام هو الأخير.

    الله يهدينا جميعاً لما يرضيه.

    1.   

    حكم من حج وترك رمي الجمرات وطواف الوداع

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من أختنا أم أحمد عبده من تعز، أختنا رسالتها مطولة بعض الشيء، وتقول فيها: إني أضع مشكلتي هذه التي سببت لي القلق والحيرة آملة عدم إهمال الرد على مشكلتي، وهي: ذهبت إلى الحج وقد خرجت من بيتي ومعي أربع نساء من الحي مع إخوانهن، وكذلك كان ابني برفقتي من بيتي إلى المطار إلى أن وصلت إلى جماعة النساء واللائي كان معهن إخوانهن، واستقبلني زوجي في المطار، وبعد ذلك قمنا بالبدء بأداء شعائر الحج، وحل وقت العيد ورميت الجمرات يوم العيد وثاني العيد وكلت زوجي، وثالث العيد قلت لزوجي: أريد أن أرمي الجمرات فمانع لشدة الزحام، وعلى إثر ذلك وقع بيننا شيء من الخصام فلم أوكله ولم أرم الجمرة ولم أطف أيضاً طواف الوداع نتيجة ما حصل بيننا، والآن أنا قلقة على ذلك النقص الذي حصل مني، أرجو أن توجهوني جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الحج صحيح والحمد لله، ولكن عليك فديتان:

    إحداهما عن ترك الرمي تذبح في مكة ذبيحة من الغنم كالضحية، إما جذع ضأن أو ثني معز تذبح في الحرم في مكة وتوزع بين الفقراء.

    والفدية الثانية: عن طواف الوداع؛ لأنك سافرت ولم تودعي، وظاهر كلامك أنك سافرت بدون محرم من بلدك إلى مطار جدة، وأن ابنك معك إلى المطار ثم تلقاك زوجك في المطار في جدة، وأنت معك نسوة، وهذا إن كان صحيحاً ما ظهر من سؤالك هو لا يجوز، ليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، ولو أن معها من يصحبها إلى المطار ويتلقاها في المطار؛ الرسول عليه السلام قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فإن كان هذا هو الواقع وأنك سافرت بدون محرم فعليك التوبة إلى الله والاستغفار وعدم العود إلى مثل هذا، والحج صحيح والحمد لله، وعليك ما ذكرنا من الفديتين: ذبيحة عن ترك الرمي، وذبيحة أخرى عن ترك الوداع.

    1.   

    تفصيل أنساك الحج

    السؤال: أخونا السوداني الكسلاوي بابكر صالح الشريسابي يسأل ويقول: أعلم أن الحج ثلاثة أقسام: قران، وتمتع، وإفراد، وأريد منكم أن تحدثوني عن كل واحد جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: نعم، هو كما ذكرت، الأنساك ثلاثة: حج مفرد، وعمرة مفردة، وقران بينهما، وقد أجمع العلماء على جواز الأنساك الثلاثة والحمد لله، وإنما اختلفوا في الأفضل، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الأفضل هو التمتع بالعمرة، كون المتوجه من بلده إلى مكة يحرم بالعمرة أولاً، إذا كان في أشهر الحج يحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج فيلبي، فيقول: اللهم لبيك عمرة، أو اللهم قد أوجبت عمرة ونحو هذه العبارة، بعدما يتأهب لذلك، بعدما يغتسل ويتطيب، هذا هو الأفضل، يغتسل ويتطيب في بيته أو في المطار أو في بيت إن كان قريباً من المطار أو في الطريق يغتسل ويتنظف ويأخذ ما يحتاج إلى أخذه من قص شارب أو قلم ظفر أو نتف إبط أو حلق عانة إذا دعت الحاجة إلى ذلك من باب النظافة، ويتطيب في بدنه في لحيته ورأسه وبدنه لا في الملابس بل في بدنه، ثم يلبس ملابس الإحرام إزاراً ورداء إن كان رجلاً، والمرأة تلبس ما شاءت من الملابس لكن تكون ملابس غير جميلة وغير لافتة للنظر حتى لا تفتن أحداً بسبب الخلطة في المطاف بالطواف وغيره، ثم بعد هذا كله يركب المؤمن أو المؤمنة السيارة، فيلبي وهو في السيارة راكباً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبي إذا انبعثت به راحتله إذا قام به جمله لبى بعد ذلك وهو راكب عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل، وإن أحرم وهو في الأرض قبل أن يركب فلا بأس، لكن الأفضل أنه يتأهب وهو في الأرض بما شرع الله من الغسل والطيب والتنظف ثم يلبس ملابس الإحرام ثم يركب، ثم يلبي بعد الركوب، فيقول: اللهم لبيك عمرة إذا كان متمتعاً بالعمرة إلى الحج، أو كان قصد العمرة في غير أوقات الحج كرمضان وغيره.

    فإذا وصل إلى مكة وهو متمتع بالعمرة إلى الحج بعد رمضان طاف وسعى وقصر وتحلل، فإذا طاف بالبيت سبعة أشواط ثم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.

    أما الطواف يبدأ بالحجر الأسود ويختم به سبعة أشواط من وراء الحجر ولا يدخل الحجر، لا يدخل في الفرجة التي في الحجر لا، بل يطوف من وراء الحجر وقد يغلط بعض الحجاج في ذلك، فالواجب أن يطوف من وراء الحجر سبعة أشواط من الحجر إلى الحجر ثم يصلي ركعتين ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم أو في أي مكان من الحرم، ثم بعد ذلك يذهب إلى السعي فيسعى سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ويمشي مشي العادة إلا في بطن الوادي فإنه يهرول بين العلمين الموضوعين هناك، ويكبر على الصفا والمروة، يكبر الله ويذكره ويدعوه ثلاث مرات، كما أنه يذكر الله ويدعوه في الطواف بما يسر الله له، وإن قرأ القرآن فلا بأس ليس فيه شيء محتم بل ما تيسر، يذكر الله في طوافه ويدعو في طوافه ويقرأ القرآن كله طيب والحمد لله.

    وهكذا في السعي يدعو الله بما تيسر ويذكر الله بما تيسر ويقرأ القرآن إذا أحب، وعلى الصفا يكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا على المروة، فالبدء يكون بالصفا والختام يكون بالمروة، ثم يحلق إن كان رجلاً أو يقصر وتمت العمرة، والمرأة تقصر فقط ليس لها حلق لا تحلق رأسها ولكن تقصر من كل أطراف الشعر قليلاً، إن كان الشعر مفتولاً من كل عميلة قليل وإن كان غير مفتول بل منقوض جمعت شعرها وقصت من أطرافه قليلاً والرجل كذلك، وبهذا تمت العمرة وحل للرجل والمرأة كل شيء حرم عليهم بالإحرام، حل له جماع زوجته، حل له لبس المخيط، حل له الطيب كسائر المحلين.

    فإذا جاء يوم الثامن من ذي الحجة لبى بالحج الرجل والمرأة، هذا هو الأفضل وهذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع لما قدموا وبعضهم قد أحرم بالحج مفرداً، وبعضهم قد أحرم بالحج والعمرة جميعاً قارناً، قال لهم: (اجعلوها عمرة) فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا، فلما كان يوم الثامن أمرهم أن يلبوا بالحج عند توجههم إلى منى، أما هو صلى الله عليه وسلم فكان قد أحرم بالحج والعمرة جميعاً قارناً لأن معه الهدي، لأنه قد ساق معه إبلاً من المدينة هدياً تذبح في مكة، والمهدي لا يحل؛ فلهذا أحرم بالحج والعمرة جميعاً، فمن كان مثل النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج والعمرة جميعاً، إذا كان مهدياً إبلاً أو بقراً أو غنماً يلبي بالحج والعمرة جميعاً هذا هو الأفضل، ولا يحل حتى يحل يوم النحر.

    النسك الثاني: الإحرام بالحج والعمرة جميعاً، يقول: اللهم لبيك عمرة وحجاً. في الميقات ميقات بلده، هذا هو النسك الثاني، والأفضل تركه، وهو أن يقول: اللهم لبيك عمرة وحجاً، أو يقول: اللهم لبيك عمرة، ثم في أثناء الطريق يلبي الحج ويدخله على العمرة، فيكون قارناً بين الحج والعمرة، فإن كان معه هدي فهذا هو الأفضل له ويبقى على إحرامه حتى يوم العيد مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ما معه هدي شرع له أن يحل كما حل الصحابة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة، وإن كان قد لبى بالحج والعمرة جميعاً عند الميقات، فالسنة له أن يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل ويجعل إحرامه عمرة ويسمى فسخاً، يقال: فسخ إحرامه من القران إلى العمرة كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بذلك.

    وهكذا يفعل من أحرم بالحج من الميقات مفرداً وهو النسك الثالث قال: اللهم لبيك حجا، أو اللهم قد أوجبت حجاً، يعني: في الميقات، فإن كان معه هدي يبقى على إحرامه ولا يحل حتى يحل يوم العيد، وإن كان ما معه هدي ليس معه إبل ولا بقر ولا غنم فإنه يفسخ حجه بالعمرة مثلما فعل القارن سابقاً، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، تكون عمرة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه المفردين بذلك، فإذا كان اليوم الثامن لبى بالحج، قال: اللهم لبيك حجاً، يعني: يغتسل ويتطيب مثلما فعل في الميقات، إذا تيسر يغتسل ويتطيب ويتنظف إن احتاج إلى ذلك من قص الشارب ونحوه ثم يلبي بالحج وهو في منزله .. في خيمته .. في الأبطح .. في داخل مكة، في أي مكان، يفعل ما يشرع من الآداب الشرعية عند إحرامه .. الغسل والطيب ونحو ذلك، ثم يلبي في مكانه ما في حاجة يدخل إلى مكة حتى يطوف، ما في وداع عند الخروج إلى منى، يحرم من منزله سواء كان في الأبطح أو كان في أي مكان من مكة أو في ضواحيها يحرم من مكانه في الخيام أو في المنازل هذه السنة، وإن دخل مكة وطاف فلا حرج، لكن خلاف السنة، السنة أنه يحرم من مكانه ويتوجه إلى منى ملبياً، والأفضل إذا كان عنده مركوب ألا يلبي حتى يركب كما تقدم في الميقات، هذا هو الأفضل، فإن كان ماشي على قدميه إلى منى فعند توجهه ماشياً يلبي، يقول: اللهم لبيك حجاً، ثم يكثر من التلبية في الطريق، من الميقات الذي أحرم من الميقات يلبي والذي أحرم من منزله بالحج يلبي، كلهم يلبون، من الميقات إلى مكة، ومن منزله حين خروجه إلى منى كذلك يلبي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، النبي عليه الصلاة والسلام كان يلبي بهذه التلبية في طريقه من المدينة إلى أن وصل مكة يكثر منها ويرفع صوته عليه الصلاة والسلام، يقول: (إن جبرائيل أمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال) يعني: بالتلبية، فكان يلبي ويجهر ويأمر أصحابه بذلك عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا شعار الحج شعار عظيم، فالسنة رفع الأصوات بذلك رفعاً لا يضر أحداً، هذا هو السنة، وهذه هي الأنساك الثلاثة وهذه أعمالها.

    1.   

    حكم الإنصات عند قراءة الإمام في الصلاة

    السؤال: أخونا أيضاً يسأل يقول: إنني شاب في الثامنة والعشرين من عمري، ومحافظ -ولله الحمد- على الصلوات جماعة، لكني أرغب أيضاً في كثير من المعلومات، فمثلاً: أسألكم عندما يقرأ الإمام الفاتحة وبعدها يقرأ سورة طويلة، في تلك اللحظات هل أسأل الله سبحانه وتعالى بعض الدعاء، أم أقرأ أم أنصت؟

    الجواب: الواجب الإنصات؛ لقول الله سبحانه: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا) إلا الفاتحة فإنه يقرؤها، سواء سكت الإمام أو ما سكت يقرؤها، إن كان يسكت قرأها في السكتات، فإن كان يتابع القراءة قرأها ثم أنصت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فيقرأ بها سراً ثم ينصت لإمامه.

    1.   

    حكم الحلف بالطلاق

    السؤال: أحد الإخوة يقول عوض ثابت أحمد مصري يعمل بالعراق، يقول: اتهمني صاحبي ذات يوم أنني تحدثت إلى أحد أقاربه بكلام يسيء إليه، ثم قمت بإحضار قريبه ذلك وأثبت له أنني بريء من تهمته، وفي لحظة غضب أقسمت بالطلاق أنني لابد أن آخذ منه حقي ولو بعد حين، وبعدها سافرت للعراق وعلمت بعد فترة أن صديقي هذا توفي، ماذا علي؟

    الجواب: إذا كنت قصدت من ذلك التأكيد على نفسك أنك تأخذ حقك وتقتص منه ولم ترد إيقاع الطلاق وإنما أردت التأكيد على نفسك وإلزام نفسك بأنك تأخذ حقك، فإنه ليس عليك إلا كفارة اليمين، عليك كفارة يمين وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإذا أطعمت عشرة مساكين عشيتهم أو غديتهم أو أعطيت كل واحد كيلو ونصف تمر أو رز كفى ذلك، أو كسوتهم كسوة على قميص قميص كفى ذلك، أو أعتقت رقبة كفى ذلك، فإن عجزت صمت ثلاثة أيام، هذا الواجب عليك.

    أما إن كانت نيتك إيقاع الطلاق على أهلك إن لم تنتقم هذا قصدك فإنه يقع طلقة واحدة على أهلك بهذا الطلاق، وتراجعها، لما علمت أنه مات ولم تنتقم تراجع زوجتك؛ لأنه وقع لها طلقة، تشهد اثنين بأني راجعت زوجتي، تقول: اشهد يا فلان وفلان أني راجعت زوجتي فلانة، هذا إذا كنت أردت الطلاق، أردت إيقاع الطلاق ولم يسبق منك طلقتان سابقتان، أما إن كنت لم ترد الطلاق وإنما أردت التأكيد على نفسك والعزم على نفسك أنك تنتقم، فإنه لا يقع طلاق وعليك كفارة اليمين، أما إن كنت أردت الطلاق وقد سبق منك طلقتان فإن هذه تكون الثالثة، فلا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك؛ لقوله سبحانه في الطلاق: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] إلى أن قال سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] يعني: الثالثة فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] أرجو أنك فهمت المراد.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم دائماً على خير.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا: مطر محمد الغامدي . شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767294125