إسلام ويب

دعوة للمصارحةللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد خلق الله الإنسان مجبولاً على الخطأ والنقص، وكل عمل بشري معرض للخطأ سواء كان عملاً فردياً أو جماعياً؛ لكن الجنس البشري كثيراً ما يتهرب من تحمل مسئولية الخطأ ومصارحة النفس بعثراتها بطريقة أو بأخرى، وهذا يؤدي مع المدى إلى أضرار جسيمة كان يمكن تداركها لو كان المرء شجاعاً يصارح نفسه ويدعوها لمعالجة الأخطاء.

    1.   

    معنى المصارحة

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فهي فرصة طيبة أن نلتقي بالإخوة الكرام في هذا البلد الحرام الذي جعله الله عز وجل مثابة للناس وأمناً، والذي جعل الله سبحانه وتعالى الناس يؤمونه ويقصدونه ويسعون إليه من كل فج عميق.

    موضوعنا أيها الإخوة الكرام لهذه الليلة بعنوان: دعوة للمصارحة، ولعلنا نقف قليلاً حول المعنى اللغوي لهذه الكلمة قبل أن نبدأ في الموضوع:

    يقول الأزهري : صرح الشيء وصرحه وأصرحه إذا بينه وأظهره، ويقال: صرح فلان ما في نفسه تصريحاً إذا أبداه، والتصريح: خلاف التعريض، ومن أمثال العرب: صرحت بجدان وجلدان إذا أبدى أقصى ما يريده.

    وفي اللسان: انصرح الحق أي: بان، وكذب صرحان أي: خالص، ولقيته مصارحةً ومقارحةً وصراحاً وكفاحاً بمعنىً واحد إذا لقيته مواجهةً، وصرح فلان بما في نفسه، وصارح: أبداه وأظهره.

    أي أن هذا المعنى الذي نستعمله معنىً صحيح لغة، وذلك أن بعض الكلمات قد تستعمل في غير موضعها، فمن ثم كان لا بد من تحقيق مثل هذا المعنى وصحة استعماله لغةً.

    1.   

    المصارحة نوع من الصدق وعدمها ضرب من الكذب المذموم

    معشر الإخوة الكرام! الصدق: خلق محمود، ومطلوب شرعاً، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] ويعد الله سبحانه وتعالى الصدق ضمن صفات عباد الله عز وجل الصالحين: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ [الأحزاب:35] إلى آخر الآية وفيها قول الله عز وجل: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ [الأحزاب:35] ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار) وفي الحديث الآخر: (الصدق مع البر وهما في الجنة، والكذب مع الفجور وهما في النار) .

    وفي المقابل: فالكذب خصلة شنيعة، وصفة مرذولة يحق على صاحبها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ألا لعنة الله على الكاذبين، وهو سلم وطريق للفجور الذي يؤدي هو الآخر إلى النار: (وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار) وفي الحديث الآخر: (الكذب مع الفجور وهما في النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).

    وحين يكون المؤمن جباناً أو بخيلاً فإنه لا يمكن أن يكون كذاباً أبداً، وكما أن الصدق صفة مطلوبة شرعاً، وصفة يستحق صاحبها الثناء، وكما أن الكذب مذموم بالشرع مغموص صاحبه بصفة من صفات المنافقين حتى يدعها؛ فهما كذلك في الخلق المستقيم والفطرة السليمة، فما زال الناس برهم وفاجرهم يدركون أن هناك تناسباً بين الكذب وبين السب والانتقاص؛ لذا لا يطيق أحدهم أن يوصف بأنه كذاب.

    إن غاية السب والشتم لأي امرئ من الناس كائناً من كان أن تتهمه بأنه كذاب، وحتى أكذب الناس الذي يتخذ الكذب حرفة ويأخذ على ذلك أجراً ويجعله صنعته، هو الآخر لا يرضى أن يوصف بالكذب؛ لأن الكذب صفة مرذولة.. مذمومة في فطر الناس السوية قبل أن تأتي الأديان باستحسان رفضها وتركها ودعوة الناس إلى الصدق، فما بالكم حين يكون الصدق بعد ذلك بنص الشرع طريقاً إلى البر والبر طريقاً إلى الجنة، وحين يكون الصدق قريناً للبر وهما في الجنة، وحين يكون الصدق صفةً يوصف بها المسلمون والمسلمات وتكون سلماً ووسيلة لأن يعدهم الله عز وجل بعد ذلك بالأجر العظيم.

    لئن كانت هذه شناعة الكذب على الناس وممارسته على الناس لئن كان بهذا القدر من الشناعة والرفض، فما بالكم بمن يمارس الكذب على نفسه، إن القضية أكبر شناعة وأكبر خطأً واستخفافاً بالنفس أن يمارس المرء الكذب على نفسه.

    نعم معشر الإخوة الكرام! إننا أحياناً نمارس الكذب على أنفسنا.. أحياناً أفراداً.. وأحياناً جماعات.. وبصورة تفرض سحباً من الأوهام المفتعلة وتضع سياجاً يحول دون الرؤية الصادقة الواضحة، فكم نفتعل العمش والعشى بل والعمى والتعامي نفتعل ذلك ونحن نستطيع أن نبصر الحقيقة بأم أعيننا!

    ومن حقنا أن نتساءل: من المستفيد والخاسر من حجب الحقائق وافتعال الضبابية حول الواقع؟

    لئن كان الكذب على الناس مرفوضاً. بالفطرة السليمة والشرع القويم، وكان من خلق الرجل الجاد فضلاً عن الرجل الملتزم بالشرع أن يكون صادقاً.. أن يكون صريحاً.. أن يكون واضحاً في حديثه مع الناس فأحرى به أن يكون صادقاً وواضحاً وصريحاً مع نفسه!

    1.   

    أهمية المصارحة الفردية للنفس

    إن مرحلة العواطف والحماسة مرحلة يجب أن نتجاوزها، ومرحلة ستر العيوب وإخفاء الأخطاء سلوك يجب أن نتخلى عنه، ومن ثم كان لا بد من دعوة للمصارحة، فهي دعوة للمصارحة على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي:

    أما على المستوى الفردي: فمن سجية النفس وطبيعتها التي فطرها الله عز وجل عليها أنها ترهب الخطأ وتهاب الانحراف وترفض تأنيب الضمير واللوم الداخلي، وتلك صفة يكفي في استحقاقها كون المرء إنساناً، فالناس كل الناس مؤمنهم وكافرهم.. برهم وفاجرهم.. أياً كانوا تلومهم أنفسهم حين يقعون في الخطأ، ويواجهون سياطاً من اللوم والعتاب من تلقاء أنفسهم حين يرون أنهم وقعوا في الخطأ أياً كان هذا الخطأ ومهما كان مصدره.. ومهما كانت مقاييسه وموازينه.

    وقد يكون الخطأ عند زيد من الناس هو الصواب بعينه عند عمرو، وقد يكون الحق عن طائفة هو الباطل عند طائفة، لكن الناس يشتركون في أنهم يرفضون الخطأ ويهابونه وتلومهم أنفسهم لوماً عنيفاً عندما يقعون في الخطأ، فهم يشتركون في هذا الأصل وإن اختلفوا في مقياس الخطأ والصواب، وهذا أمر لا يعنينا، إنما الذي يعنينا هو أن تأنيب النفس ولومها أمر مشترك عند الناس جميعاً.

    أما المسلم الذي يدرك قيمة الحياة وغايتها ويعلم أن الدنيا دار ممر، وأن الدنيا وسيلة للدار الآخرة فهو أشد لوماً لنفسه وأشد عتاباً ومحاسبة لنفسه، ومن ثم فإنه تواجهه نفسه بسياط مؤلمة من اللوم والتأنيب والمحاسبة على الخطأ الذي يقع فيه، وحين تثقل على النفس تبعة الخطأ وتنوء بحمل نتائج التقصير فإن الإنسان حينئذ يمارس حيلاً لا شعورية مع نفسه لينفي عنها الخطأ أو يهون من حدوده، أو يخفف تبعاته، كل ذلك يعمله مع نفسه حتى يسلم من اللوم والعتاب الداخلي، وتارةً يحاسب نفسه ويراجعها؛ لكن هذه الحيل تساهم في إخفاء الحقيقة وفي تكوين ركام من الأوهام تحجب عنه الرؤية الصادقة.. تحجب عنه الحقيقة.. فحينئذ يخادع نفسه ويكذب على نفسه ومن ثم كان لا بد له من دعوة للمصارحة.. حتى يكون صريحاً مع نفسه.

    1.   

    وسائل التخلص من مسئولية الخطأ

    تحميل الآخرين مسئولية الخطأ

    معشر الإخوة الكرام! إننا نمارس الكذب كثيراً على أنفسنا.. نمارس الكذب أفراداً، ونمارس الكذب جماعات، أما على المستوى الفردي فإن المرء حين يقع في الخطأ -كما قلنا- تلومه نفسه، وتؤنبه، فهو يحاول أن يتخلص من هذا اللوم، ويحاول أن يتخلص من هذا التأنيب فيفتعل حيلاً نفسية لا شعورية يحاول أن يدفع بها عن نفسه تبعة الخطأ ومرارة تحمل المسئولية، فيمارس الكذب على نفسه، ويحق على هذا السلوك كل شناعة تحق على الكذب.

    فلئن كان الكذب فجوراً وشناعةً حين يمارسه المرء على الآخرين، فهو كذلك حين يمارسه على نفسه، بل هو يزيد على ذلك استغفالاً لنفسه وسلوك مسلك النعامة التي تخفي رأسها وتظن أن العدو لا يراها كما يقال في المثل.

    إن الفرد يمارس أحياناً أسلوب الإسقاط وتحميل المسئولية على الآخرين، فالطالب الذي يفشل في الامتحان مثلاً لم يكن ذنبه أنه كان مهملاً، بل هو كان جاداً وقد بذل كل الجهد لكن الأستاذ كان فاشلاً، فالأستاذ كان لا يجيد شرح المادة، أو أن أعمال السنة كانت هي السبب ولو كانت نسبتها ضئيلة؟ نعم هي السبب في رسوبه.

    وربما لم يكن هذا وذاك ولكن أسئلة الامتحان كان مفاجئة وكانت غامضة، أو كان التصحيح غير دقيق، أو كانت نفسيته يوم الامتحان غير مستقرة فلم يوفق للإجابة، وهكذا يفتعل هذا الطالب ألواناً من الحجج والمعاذير ليقنع نفسه ويخدع نفسه أنه لا يتحمل المسئولية.

    أما لو كان جاداً.. وبعبارة أخرى: لو كان صادقاً مع نفسه لاعترف بأنه يتحمل المسئولية أياً كان، فالطالب مثلاً يعرف أستاذه طوال العام، فلئن كان الأستاذ جدلاً لا يجيد شرح المادة فكان بإمكان الطالب أن يعطي هذه المادة جهداً مضاعفاً حتى يعوض القصور الذي يأتي من أستاذه.

    والطالب ليست هذه أول مرة يدخل فيها قاعة الامتحان فهو يتوقع أن تأتيه الأسئلة على أي صورة وعلى أي احتمال، المهم: أنه لو كان جاداً وصادقاً وصريحاً مع نفسه لاعترف أنه سبب الفشل.. ولاعترف أنه يتحمل المسئولية.

    فهكذا يحمل الآخرين المسئولية، وهذا الكلام يقوله لنفسه ولا يقوله للآخرين.

    وهكذا نجد الحجة أيضاً نفسها تتبدى عندما يسلك الشاب سلوكاً غير مستقيم، فيواجه بالمناصحة فيحتج بأن والده لم يحسن تربيته أو أنه نشأ في بيت غير محافظ، بل حين ترى أنت مثلاً شاباً مستقيماً صالحاً خيراً وترى فيه عيباً فتناقشه فيه، كأن يكون هذا الشاب ليس جاداً.. ليس حريصاً على طلب العلم الشرعي.. فيه جانب من جوانب القصور أياً كان هذا الجانب، فتناقشه وتصارحه فماذا سيقول لك؟

    سيقول لك: إني تربيت مع مجموعة غير جادة.. إني كنت مع رفقة كانوا غير حريصين على العلم حتى مضى زهرة عمري وريعان شبابي ولم أستفد، والسبب هو فلان فهو الذي يتحمل المسئولية.. السبب هو أستاذي..

    إنه يجيد أن يحمل المسئولية لأي شخص كان ولو لم يكن له علاقة بالأمر من قريب أو بعيد، أما أن يكون شجاعاً صادقاً فيحمل نفسه المسئولية فيقول: أنا وإن تربيت في بيت يعج بالفساد والفتنة فإني مكلف شرعاً أن أسمع كلام الله عز وجل وأحضر إلى صلاة الجمعة مع الناس فأسمع ما يقوله خطيب الجمعة.. أدرس في المدرسة وأقرأ وأسمع من الأستاذ وأسمع من هنا وهناك؛ فقد كان هذا كله جديراً بأن يوقظني إن كان في قلبي حياة.. لكنه لا يملك الشجاعة التي تؤهله أن يقول هذا الكلام.

    الاعتذار بسوء التربية والوسط الذي يعيش فيه

    والآخر الذي يحتج مثلاً بالتربية والوسط الذي عاشه.. يحتج بهذه التربية على كونه عاش هزيلاً.. على كونه عاش مفرطاً في جانب العلم أو الدعوة، هو الآخر غير جاد مع نفسه، وإلا فهو يسمع كما يسمع الآخرون ويقرأ كما يقرأ الآخرون.

    معشر الإخوة الكرام! في غزوة بني قريظة حين حكم فيهم النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ رضي الله عنه فحكم فيهم: بأن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم.. كان كل من بلغ الحلم قتل، ومع ذلك كان هذا الشاب صغير السن ربما يبلغ الرابعة عشرة أو الثالثة عشرة أو أكثر أو دون ذلك، وقد عاش في بيت يهودي، فأبوه يهودي وأمه يهودية، وعاش في وسط أحياء اليهود، وهو من الصغر يرضع الحقد على هذا الدين.. ويسمع من والده ومن عمه ومن أقاربه ومن أمه.. ومن الوسط الذي هو فيه؛ يسمع ذم هذا الرجل وأنه كذاب غير صادق، ومع ذلك قتل، فهل قتل ظلماً؟

    الجواب: لم يقتل ظلماً فهذا حكم الله من فوق سبع سماوات وسيلقى الله عز وجل ويحاسبه.

    فلئن كان أحد -معشر الإخوة الكرام- يعذر بسوء التربية فهؤلاء أولى بالعذر من غيرهم ممن عاش في بيئة مسلمة يسمع الكلمة صباح مساء، فلماذا نتهرب من المسئولية ونحملها الآخرين، ونسقط تبعاتنا على غيرنا، تارة على الأب.. تارة على الأستاذ.. تارة على فلان أو فلان من الناس.. تارة على الوسط الذي نعيش فيه، ونتفنن في ارتفاع الرقم الذي يصل إليه الذين يتحملون المسئولية وننسى أشخاصنا وننسى أنفسنا؟

    أسلوب التبرير

    وهناك أسلوب ثالث: أسلوب التبرير، أن نلتمس الأعذار فنرى أنه ليس هناك شخص بعينه يمكن أن نحمله المسئولية لكن ثمة أعذار كانت هي السبب وراء وقوعنا في ذلك، ففلان الذي وقع في المعصية والانحراف! يرى أنه مسئول عن نفسه، ويرى أن والده أو قريبه أو مربيه لا يتحمل المسئولية، ولكن من جهة أخرى: يرى أنه عاش في عصر بدت أمامه الفتن لا يستطيع دفعها.. يرى أنه عاش في مرحلة أو فترة لم يستطع فيها أن ينتصر على تلك الفتن التي واجهته فهو معذور!

    أو فلان الذي لا يستيقظ للصلاة مثلاً: يرى أنه ثقيل النوم.. يرى أن هناك سبباً من الأسباب يمنعه من الاستيقاظ للصلاة!

    والآخر الذي يمتنع عن مجال من مجالات الدعوة هو الآخر يفترض ويفتعل أمامه مفاتن يخشى أن تترتب على عمله، ويرى أنه لا ينبغي أن ينزل إلى الواقع.. لا ينبغي أن ينزل إلى الميدان وهكذا يفتعل أعذاراً وأوهاماً يرى أنها عذراً له عن قعوده وتخليه، والعذر الأول والأخير لو كان صريحاً وصادقاً مع نفسه هو الكسل، وليس غير الكسل.

    وحين يفشل الفرد في الإسقاط فلا يجد من يحمله المسئولية ويفشل في التبرير لعمله يسلك أسلوباً ثالثاً: أن يتهرب من التفكير في المشكلة أصلاً:

    فهو حين يبدأ جلسة صريحة يحاسب فيها نفسه، فحينئذ يكتشف أنه يتحمل المسئولية بنسبة (100%) كما يقال، ولم يجد من يحمله المسئولية، ولم يجد عذراً لنفسه.. يكتشف بعد فترة أنه صار يفكر في موضوع آخر وانساق به التفكير إلى موضوع آخر ونسي القضية الأساس، فما السبب؟

    هو دون شعور يتهرب من التفكير في مشكلته.. وإذا أردت أن تتأكد .. فأمسك بأي إنسان تراه في الشارع من الناس المعرضين، بل دون ذلك.. أمسك بإنسان من الصالحين الأخيار الذي تراهم يقعون في أي خطأ من الأخطاء وقل له: أسألك بالله أن تجلس نصف ساعة فتفكر في نفسك، تجده لا يطيق ذلك.. فلا يطيق أن يفكر في نفسه، بل يتهرب من التفكير.

    وحتى حين يجلس عازماً على التفكير في نفسه يتهرب فتصده نفسه، لأنه لو فكر في نفسه تفكيراً صادقاً صريحاً لتوصل إلى نتيجة لا مجال للمجادلة فيها أنه هو يتحمل المسئولية فحينئذ تؤنبه نفسه، ويلومه ضميره، وهو لا يستطيع أن يتحمل هذا التأنيب وهذا اللوم، فيختصر الطريق من أوله وينصرف عن التفكير في نفسه وفي مشكلاتها أصلاً.

    عقدة البحث عن الحل والعلاج

    رابعاً: حين يفشل في ذلك كله تبدو له عقدة البحث عن الحل والعلاج:

    فحين يفشل المرء في الحيل السابقة ويتكرر إخفاقه مع نفسه يعمد إلى أسلوب يتصور من خلاله أنه يبحث عن الحل، بل إنه يمارس العلاج وهو يزيد الأمر تعقيداً، فهناك من يقصر في طاعة من الطاعات أو يقع في معصية من المعاصي ويفشل في مجاهدة نفسه واستنقاذها، فيعمد بعد ذلك للبحث عن العلاج، والعبارة: أنا شاب أشكو من كذا وكذا فما الحل؟ هذه العبارة كثيراً ما نراها ضمن أسئلة المحاضرات أو نقرؤها في زاوية الفتاوى والمشكلات التي تعرض في الصحف، أو نقرؤها في رسالة يحملها البريد.

    إن هذا لا يعني الاعتراض على السؤال أو طرح المشكلات؛ لكن الواقع أوسع من ذلك، إنك ترى هذا الشاب يطرح السؤال في كل مناسبة ويلقيه في أكثر من لقاء، ويبقى مع ذلك في تطلع إلى الحل.. يبقى يثير السؤال نفسه ويطرحه؛ ولهذا ترى السؤال الذي يطرح في هذا اللقاء هو السؤال الذي يطرح في لقاء الغد وربما من الشخص نفسه وبنفس اللغة: أنا شاب أشكو من هذه المشكلة فما الحل وما العلاج وما الوسيلة؟!

    ومكمن الداء هنا: انصراف الشاب عن الحل الحقيقي والعمل على البحث عما وراء ذلك، فالمعصية طريقها واضح لا خفاء فيه، وما نهى الله عز وجل الإنسان إلا عما يطيق، والطاعة طريقها أبلج لا يختلف إلا على من اعوج عن الطريق، فلا يزيغ عن طريق الله عز وجل إلا هالك: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7] .

    ومع تكرار السؤال والإلحاح فيه دون جدوى يغيب عن بال الشاب أن الحل بيده وأن العلاج ببساطة هو أن يترك ما كان يفعل أو يفعل ما كان يترك.. وأن يجاهد نفسه على ذلك، وحين يفشل في هذا فلا يعني أن هناك عشرين خطوة نسي هو الخطوة العشرين وهي العقدة وهي السبب في عدم الوصول إلى الحل، إن مكمن الداء وأساس المشكلة هو ضعف الإيمان وضعف العزيمة والإرادة.

    نماذج من المشكلات المتكررة مع وضوح العلاج

    ولنعرض أيها الإخوة نماذج من الأسئلة التي كثيراً ما تصلنا حتى لا نحلق في الخيال.. سؤال وصلني في أحد الدروس: شاب يقول: إنني أعق والدي فما الحل؟

    أجيبوني بالله عليكم كيف تجدون الحل لمثل هذه السؤال؟! إني لا أجد أن أقول لهذا الشاب إلا ما قلته له: الحل أن لا تعق والديك، فهل هناك حل آخر غير هذا الحل؟!

    سؤال آخر يتكرر أيضاً: إنني أسمع الغناء وأريد أن أتخلص من الغناء فما الحل؟

    إنني شاب لي صحبة فاسدة وأريد أن أتخلى عنهم، فكيف أتخلى عنهم؟

    الحل: أن تترك سماع الغناء.. الحل: أن تترك الصحبة الفاسدة.. فالحل في يدك، حين تفشل فالمشكلة ليست في أن هناك عشرين خطوة أو ثلاثين خطوة لم نذكرها لك، أو أننا ذكرنا لك هذه الخطوات كلها ونسيت أنت الخطوة الأخيرة وصارت هي العقدة في الحل.

    لا أستيقظ لصلاة الفجر فما الوسيلة لذلك؟

    مشكلتي أنني أقع في العادة السرية وأجاهد نفسي لكني لا أستطيع، فما الحل؟

    وهي قائمة طويلة معشر الإخوة الكرام من الأسئلة تتكرر كثيراً، فيجاب عن السؤال ثم ترى السائل نفسه يعرض السؤال مرة أخرى وبنفس اللغة وعلى الشخص نفسه مرة أخرى، وهكذا يبقى في حلقة مفرغة.

    معشر الشباب! إننا لا نرفض أبداً أن يطرح الشاب مشكلاته.. لا نرفض أن يسأل.. أن يبحث عن الحل، وأيضاً لا نعترض على المتحدث حين يجيب وحين يذكر خطوات للحل، لكننا نخشى أن تتحول القضية إلى عقدة يتصور الشاب بعد ذلك أنه معذور؛ لأنه لم يصل إلى الحل.

    شاب اتصل علي بالهاتف فجلس معي قرابة الساعة يشكو مشكلته وأعرض له الحل، ثم قال: إني ذهبت إلى فلان من طلبة العلم سبع مرات، وفلان كذا وكذا مرة، وفلان، قلت له: هل أنت مقتنع بعد ذلك مما عرضت لك أنه هو الحل؟ قال: لا، قلت: أتريد حلاً لم تأت به الشريعة الإسلامية، لست أدري؟!

    المشكلة هي منك أنت وحدك.. المشكلة أنك إنسان ضعيف الشخصية.. ضعيف الإيمان.. ضعيف العزيمة والإرادة، فلا داعي أن تضيع أوقات الناس وتشغل الناس بهذا السؤال: هذه مشكلتي!

    إذا لم تستطع فكن صريحاً واقعياً مع نفسك وقل: إنني ضعيف! وجاهد نفسك ولا داعي لإضاعة الوقت؛ لأنك حين تبحث عن الحلول فإن هذا يهون عليك بشاعة الخطأ الذي وقعت فيه ويخفف عليك من لوم النفس وتأنيبها؛ لأنك تتصور أن هناك حلاً لا يملكه إلا رجل رأيته في المنام ولما تراه إلى الآن في اليقظة، فأنت تسأل بكل مناسبة وكل لقاء علك أن تجد من رأيته في المنام، ولعلك ترى ملك الموت قبل أن ترى هذا الذي رأيته في المنام والذي يملك الحل السحري الذي تتوهمه أنت.

    معشر الإخوة الكرام! إنها مخادعة وحيلة نفسية نتخلص بها من عيوبنا، وخير لنا أن نكون صرحاء مع أنفسنا.. أن نكون واضحين فنحدد أسباب المشكلة ونعرف أن مكمن الداء هو تقصيرنا.. هو ضعف إيماننا.. هو ضعف همتنا، وحينئذ نستطيع أن نحل المشكلة أو على الأقل أن نعترف بالمشكلة، وأن نعترف بمسئوليتنا خير لنا من المخادعة والمراوغة.

    شاب أرسل لي رسالة يشتكي فيها مشكلته، ويذكر لي أنه أرسل إلى عدد ممن لم يتجاوبوا معه، فأرسلت له رسالة مطولة من ثلاث صفحات وتفاعلت مع مشكلته، وظننت أن هذه الرسالة ستكون الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، فرد علي بالشكر والترحيب بالاهتمام برسالته وأخبرني أنه استفاد مما أعطيته، ثم بعد ثلاثة أشهر أتسلم رسالةً وأقرأ الرسالة فأرى أن الخط ليس غريباً علي، والقلم ليس غريباً علي، وإذا بالاسم نفسه لكن العنوان يختلف، ثم أنظر إلى ظرف الرسالة فأرى أنها أرسلت من مكتب البريد الذي أرسلت منه الرسالة السابقة، فأعود إلى المنزل وأقارنها بالرسالة السابقة وإذا هي هي، فإذا هو الشاب نفسه يرسل لي الرسالة بنفس اللغة وبنفس المشكلة: أنني شاب أشتكي من هذه المشكلة .. ثم حكى لي قصته، فما الحل؟

    فرددت عليه قلت له: الآن اقتنعت أن الحل السابق هو ما قلت لك.. إنك باختصار ضعيف الإرادة.. ضعيف العزيمة.. فأرجو أن لا تشغل نفسك بالبحث عن الحل أو البحث عن تلك الخطوات السحرية التي تنتظرها من فلان وفلان، الحل تملكه أنت وحدك، وخير لك أن تكون صريحاً مع نفسك من أن تشغلها بالبحث عن حل ليس هو الحل الناجح والنافع.

    مرة أخرى معشر الإخوة الكرام! لسنا نعترض على السؤال وعلى طرح المشكلات وعلى الحديث عنها؛ لكن حين نطرحها يجب أن نطرحها باقتصاد، ويجب أيضاً أن نتصور مكمن الداء وأساس المشكلة، وحين نجيب أيضاً عن السؤال وعن المشكلة فيجب أن نوقف السائل على أن الحل بيده.

    وأن الحل ليس هذه الخطوات المرقمة التي أعطيناها إياه.

    الورع البارد

    وخطوة وأسلوب خامس: هو أسلوب الورع البارد..

    في مقابل تلك الحجج السابقة هناك من يدرك تبعات العمل الجاد وتكاليفه على النفس، فلا يطيق الصبر ولا يستطيع المداومة فيصعب عليه أن يصارح نفسه بالكتم ويفاتحها بالخمول، فيتعلل حينئذ بأنه يتورع عن تحمل المسئولية ويخاف من الأمانة.

    وكم نرى نماذج ممن يملك القدرة والعلم والوقت فيضيع عمره سدى وأوقاته هدراً، وحين يدعى إلى العمل والمشاركة يعتذر بأنه ليس أهلاً، وأن الأمانة أكبر والمسئولية أشق مع أنه يعلم أن الكثير ممن هم في الميدان دونه بمراحل، ولولا ثقتنا بحسن نوايا هؤلاء وطيب قلوبهم وصدق إيمانهم لقسنا حالهم بحال من قال: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي [التوبة:49].

    التهرب من المسئولية بنقد الآخرين

    وأحياناً يسلك صاحبنا مسلكاً آخر: فينتقد العاملين ويتحدث عن زلاتهم وأخطائهم ويرى أن هذا الميدان من العمل فيه من الأخطاء هذا الخطأ والثاني والثالث والرابع.. والميدان الآخر: فيه من الخطأ كذا وكذا، ومن يحاضرون يخطئون في كذا وكذا، ومن يتصدرون لحلق القرآن يخطئون في كذا وكذا، ومن يربون الشباب يخطئون في كذا وكذا .. فيعطيك قائمة من الأخطاء للناس جميعاً، هذه الأخطاء والزلات لم تصدر فعلاً عن قناعة تامة، إنما صدرت من حيلة نفسية.. من رجل كسول لا يستطيع العلم ولا يطيق الصبر على تحمل لأواء الطريق ومشقته، فحينئذ لا مناص له من خيارين لا ثالث لهما:

    الخيار الأول: أن يقول: إن أولئك عاملون جادون ناصحون صادقون وأنا رجل كسول.. فاشل.. لا أستطيع العمل، وهذا خيار صعب على النفس أن تقوله، فحينئذ يلجأ إلى الخيار الثاني:

    إنه لا يطيق أن يتحمل.. لا يطيق أن يضحي.. لا يطيق أن يهدر تلك الأوقات التي يقضيها مع أقرانه في انبساطة وأحاديث جانبية ويسافر هنا وهناك حيثما أراد .. فحينئذ يعمد إلى حيلة نفسية فينتقد العاملين ويتحدث عن أخطائهم، وقد يتحدث عن أخطاء واقعة فعلاً لكنه هو لا يعمل مثقال ذرة مما يعمله أولئك، والباعث إلى الحديث عن هذه الأخطاء كلها هو أوهام يفترضها أمام نفسه حتى لا يرى أنه مقصر ومهمل ويصارح نفسه بالحقيقة المرة.

    1.   

    معوقات المصارحة على المستوى الجماعي

    خوف البلبلة وتفريق الصف

    كل ما سبق على المستوى الفردي.

    أما على المستوى الجماعي فنمارس ذلك كثيراً، فمع هذه الصحوة المباركة واليقظة الخيرة لا بد من أخطاء وتجاوزات، والآن وقد اتسع نطاق الصحوة وامتد رواقها فكان لا بد من أن تكون الأخطاء مكشوفة والعيوب ظاهرة، وفي المقابل فالتصحيح لا مناص ولا سبيل له إلا أن يكون تحت ضوء الشمس وبمستوى وضوح الأخطاء.

    ولست أدري متى نتجاوز تلك المرحلة التي نمارس فيها دفن الأخطاء ومواراة العيوب والتستر على الحقائق باسم المصلحة، ومتى ننتهي من إشهار سلاح إثارة الفتنة والبلبلة في وجه الناصح والمنتقد، ويصبح هذا السلاح عصاً يلوح بها بين حين وآخر، فنمارس ألوان الإرهاب الفكري في وجه من يدعو إلى التقويم ومن يدعو إلى التصحيح ويسعى للإصلاح.

    إن هذا هو المعوق الأول للمصارحة، أعني: خوف الفتنة والبلبلة وتفريق الصف، فنمارس دفن الأخطاء والعيوب والتستر عليها حتى لا يكون هناك فتنة وحتى لا يكون هناك بلبلة في وسط الصحوة، حتى تأتي الطامة الكبرى والبلبلة الكبرى بعد ذلك.

    عقدة القنوات الخاصة

    والمعوق الثاني: عقدة القنوات الخاصة، هنا من ينادي وبصدق أن نقد المربين يسمعه المتربون ونقد الأساتذة يقرؤه الطلاب، ونقد الآباء صار بمحضر الأبناء، ومن ثم يدعو أولئك إلى أن يكون النقد من خلال قنوات وزوايا خاصة، هذه القنوات ليس لها وجود إلا في أذهان أصحابها، نعم يستطيع الأب أن يوجه اللوم للأم بلقاء خاص ويستطيع مدير المدرسة أن ينتقد الأساتذة وحدهم، لكن قطاعات الصحوة أكبر من ذلك كله، والحديث عن أخطائها لا يمكن إلا من خلال كلمة تسجل وتسمع في الآفاق من الجميع، أو مقالة تطبع وتقرأ من الكافة، وحين يسمع الجميع عن الخطأ كان ماذا؟ أليس هذا مدعاة أن يعلموا أن قضيتهم في أيد أمينة.. أليس هذا مدعاة أن يعلموا أن هناك من يتحدث بالنيابة عنهم.

    معشر الإخوة الكرام! إن أخطاءنا لم تعد سراً.. ولم تعد خافية، فنحن مثلاً حين نتحدث أن أخطاء المربين فسيسمع بها المتربون حتماً ويقرئونها؛ لأنه لا مجال للحديث إلا تحت ضوء الشمس، فأي الطريقين خير لنا: أن يعيش أولئك المتربون وهم يرون الأخطاء بأم أعينهم أو يسمعونها حينئذ من الناصحين فيدركون أن هناك من يتحدث بالنيابة عنهم، وهنا من يحامي عن أخطائهم، وهناك من يطالب بحقوقهم ويصححها؟

    إن مشكلتنا -معشر الإخوة الكرام- من عقدة التلازم بين الخطأ والانحراف، فنتصور أن من وقع في الخطأ فهو منحرف.. أن من أخطأ مرة فهو فاشل، وتهربنا من هذه العقدة التي نفترضها يريحنا كثيراً من هاجس التخوف من المصارحة، فنريد أن نتحدث وبوضوح ونقول: هذه أخطاؤنا ونحن مع ذلك ناجحون.. هذه أخطاؤنا ومع ذلك لم نفشل، فهل نصل معاشر الإخوة الكرام إلى هذا المستوى من النضج والتفكير؟

    فنتحدث عن الأخطاء والزلات ونحن نشعر أن تجاربنا ليست فاشلة، وهذا هو النتاج الذي نراه الآن بأم أعيننا، إنه نتاج النجاح الذي لا يستطيع أحد أن يتصور أنه نتيجته وحده وأنه ثمرة جهده وحده، فهو نتاج جهد الجميع.

    إن هذا النتاج الذي نراه ليس إلا دليلاً واضحاً على النجاح ولكن فشلنا في تجربة لا يعني أننا فاشلون، وخطؤنا مرة لا يعني أننا قد فقدنا الصواب حتى النهاية.

    خوف استثمار الأعداء

    والمعوق الثالث: استثمار الأعداء مما يعيق المصارحة عند البعض:

    التخوف من استثمار أعداء الصحوة لهذه الأخطاء والاتكاء عليه، مع أن هذه الأخطاء لم تعد سراً وأمراً لا يدركه إلا الخاصة، وسيأتي مزيد حديث عن هذا الجانب عند الحديث عن المنهج القرآني.

    التبرير بأن الخطأ حتم لا ينفك عنه البشر

    المعوق الرابع: لا ينجو أحد من الخطأ:

    إن البشر من طبيعتهم الخطأ والقصور فهو ملازم لأعمالهم وجهودهم، لكن أيسوغ أن يكون ذلك عذراً لارتكاب الخطأ والتهاون والإهمال، فحين تنتقد وتطلب الإجابة عن خطأ يرتكب يقال لك: إن الخطأ من صفات البشر والقصور ملازم لأعمالنا، فكيف يسوغ لنا أن نحتج دائماً على أخطائنا وتقصيرنا وإهمالنا بأن الخطأ ملازم للبشر، ولا يسوغ لمن يقع في الكبائر أن يحتج هو الآخر بأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

    إن العصمة لغير الأنبياء مطلب مستحيل ولا شك، بل واعتقاد ذلك خلل في المنهج وانحراف في المعتقد، فلا بد من الخطأ والتقصير، لكن هذا شيء وكون هذا يعتبر سلاحاً يشهر في وجه الناصح، ووسيلة للدفاع عن الأخطاء شيء آخر.

    إنه لا يسوغ لنا أن نستر عيوبنا وأخطائنا وندافع عنها بحجة أن البشر يقعون في الخطأ ويقعون في القصور ولا بد.

    1.   

    وقفات مع المنهج القرآني في المصارحة

    أخيراً: بعد هذه المعوقات للمصارحة سواء كانت على مستوىً فردي، أو على مستوىً جماعي، وبعد تلك الأعذار والأساليب والحجج التي نفتعلها لتكون عائقاً لنا وحاجزاً عن الوصول إلى الحقيقة، بل نسلكها لتكون وسيلة لممارسة الكذب على أنفسنا؛ نقف وقفات مع المنهج القرآني:

    القرآن الكريم يعاتب رسول الله وهو بين المشركين في مكة

    إننا نقرأ القرآن معشر الإخوة الكرام، فنقرأ فيه عتاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل وفي سورة مكية: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ [عبس:1-11].

    فيعاتب الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في آيات تتلى ويقرؤها المسلمون جمعياً، بل ويسمعها كفار مكة، ويجهر بها صلى الله عليه وسلم ويقرأ بها في الصلاة أمام الناس، ومع ذلك لم يكن هذا العتاب منقصاً لشخصية محمد صلى الله عليه وسلم.

    كان بالإمكان أن يكون هذا العتاب رؤيا يراها صلى الله عليه وسلم ورؤيا الأنبياء وحي، أو كلمة يقولها له جبريل، أو أي نوع من أنواع الوحي يوحيه الله عز وجل، لكن لحكمة بالغة يأتي هذا العتاب قرآناً يقرؤه الناس إلى يوم القيامة عتاباً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القدوة المثلى ليكون ذلك قدوة ومنهجاً يسلكه الناس.

    مصارحة الصحابة وعتابهم في مكة

    ونقرأ كثيراً عتاباً صريحاً، بل أحياناً قاسياً ووعيداً للجماعة المسلمة ولأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على شتى مراحل الدعوة، فنقرأ في القرآن المكي قول الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].

    مصارحة المسلمين بعد غزوة بدر

    ويهاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويستقر هناك، ويعيش المسلمون ويخوضون أول معركة كانت فرقاناً بين الحق والباطل -وهي معركة بدر- وصارت تلك المعركة شهادة لكل من خاضها وعاش فيها: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ومع ذلك يواجه أولئك بعتاب يقول الله عز وجل فيه: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال:67-68] إنه عتاب يأتي لأهل بدر.

    مصارحة المسلمين بعد غزوة أحد

    ثم تدور الأيام وتأتي بعدها غزوة أحد، ويعاتب أولئك أيضاً في عتاب صريح وإيقاف لهم على مكمن الداء وأساس المشكلة: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

    ثم يقول الله عز وجل بعد ذلك: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ [آل عمران:152-153] .

    وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ [آل عمران:154] .

    إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:122] .

    ولهذا قال أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت أعلم أن منا من يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية.

    مصارحة المسلمين بعد حادثة الإفك

    مصارحة المسلمين بعد غزوة حنين

    المصارحة بالخطأ لا تمنع من الفضيلة وعلو المنزلة

    وهكذا نقرأ في القرآن الكريم آيات عظيمة كثيرة يواجه فيها المسلمون ويواجه فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعتاب يسمعه المنافقون أعداء الله ورسوله.. ويسمعه اليهود أهل الكتاب.. ويسمعه كفار قريش والمشركون الذين يتربصون الدوائر، ويبقى هذا القرآن يتلى إلى قيام الساعة، ومع ذلك كله لم يكن مانعاً من أن يكون أولئك خير القرون، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).

    ولم يكن ذلك كله مانعاً من أن يكون أولئك أمنة لهذه الأمة، يقول صلى الله عليه وسلم: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).

    ولم يكن ذلك مانعاً من أن يكون أولئك كلهم ممن قال الله عز وجل فيهم: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [النساء:95].

    ولم يكن ذلك مانعاً من أن يكون أساس النجاة ومعيار النجاة إلى يوم القيامة هو اقتفاء أثر ذلك الجيل.

    أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله! قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

    معشر الإخوة الكرام! كان ذلك النقد تواجه به الأمة ويواجه به المجتمع صريحاً واضحاً تحت ضوء الشمس، وفي وضح النهار، وفي آيات تتلى ويقرؤها الجميع، ويسمعها الأعداء والمنافقون وأهل الكتاب والمشركون، كان ذلك النقد ضرورة للتربية.. ضرورة للبناء.. ومع ذلك لم يكن هذا النقد كله معوقاً لذلك الجيل ولتلك النخبة أن تصل إلى تلك المنزلة، فما بالنا نريد أبراجاً عاجية! وما بالنا نفرض حول أنفسنا أسواراً من الأسلاك الشائكة! لخوف النقد الذي نتصور أنه يعني الفشل.. نتصور أنه يعني إثارة الفتنة.. أنه يعني إثارة القلاقل.. أنه يعني استثمار الأعداء لهذه الفرص .. إلى غير ذلك من الأوهام التي نفتعلها لنخادع أنفسنا، ولنمارس نحن حجب الحقائق عن أنفسنا.. ولنمارس صنع الركام وصنع العشا على أعيننا حتى لا نرى الحقيقة، وخير لنا أن نرى الحقيقة!

    1.   

    النتائج المرة لعدم المصارحة

    أيها الإخوة! هل بقي بعد ذلك من حاجة إلى أن نقتنع بأننا بحاجة بل بضرورة إلى المصارحة، وحين تتخلف هذه المصارحة فما النتائج المرة لتخلفها؟

    تراكم الأخطاء حتى الوقوع في الهاوية

    أقول أولاً: إن المصارحة ولو دون تصحيح الخطأ خير لنا على كل حال، إننا حين نكون صرحاء سواءً كنا أفراداً أو جماعات نكون واضحين، فنقرر أننا نحن مخطئون.. وأننا نتحمل المسئولية كاملة وهذا خير لنا ولو فشلنا في علاج الخطأ، أو لم نكن نملك الحل، فأن نعرف الواقع خير من أن نخادع أنفسنا ونتصور أننا على طريق سليم، وأننا على الجادة، ولا نكتشف ذلك إلا حين تقع القاضية.

    استفحال الأخطاء واستمراؤها

    ثانياً: إن ممارسة حجب الحقائق على أنفسنا سواءً كنا أفراداً أو جماعات مدعاة إلى استفحال الأخطاء واستمرارها واستمرائها حتى تحول الأخطاء إلى جزء من تفكيرنا أصلاً، فنصبح نحن نتفكر بمنظار هذه الأخطاء، وبعد ذلك نستنكر على كل ناصح ومنتقد.

    فتح باب النقد للمرتزقة والوصوليين

    ثالثاً: إن عدم المصارحة مجال لفتح الباب على مصراعيه أمام من ينتقد وهو لا يريد الإصلاح، هناك من يرتزق ويكتسب من نقد الصحوة والطعن في رموزها وبرامجها ووسائلها، وهي قضية لم تعد خافية على أحد.

    أتدرون معشر الإخوة الكرام! أننا حين نمارس حجب الحقائق وحين نسكت الأصوات الناصحة الصادقة فإننا نفتح المجال لأولئك المرتزقة، لأن أولئك الذين يتاجرون لا بد أن ينطلقوا من أخطاء تقع فعلاً فيضخمونها ويستعملون كل أنواع المضاعفات العددية فيضرب العدد في أضعافه ثم يربعه بعد ذلك حتى يجعل من الجزء اليسير خطأ شنيعاً ظاهراً أمام الناس، فيتحدث مع أولئك الذين لم يعتادوا أن يسمعوا إلا الثناء.. ولم يعتادوا أن يسمعوا النقد فيرون فعلاً أن هناك خطأ.. وأن أولئك يتحدثون عن واقع فيجتمعون ويستجيبون لأولئك المنتقدين.

    لكن لو بنينا منهجاً من النقد الذاتي الصريح وكنا صرحاء واضحين، وسمحنا للصوت الناصح الذي يتحدث بحكمة فينتقد الأخطاء ويضعها في موضعها الشرعي لما وجد أولئك مجالاً، ولكان أقلنا تفكيراً وأضعفنا إدراكاً يستطيع أن يقول وبأعلى صوته لأولئك: نعم، إن ما تقوله فيه جزء من الحقيقة ولكن هذا لا يعني الفشل.. ولا يعني أن كل ما تقوله هو الحق.. ولا يعني سلامة نيتك ومقصدك وإرادتك.

    إنه لا سبيل لتجاوز هذه العقبة، ولا سبيل لإسكات تلك الأصوات إلا ببناء منهج للنقد واضح صريح نتحدث به عن أخطائنا تحت ضوء الشمس وفي وضح النهار، وإلا فلنعلم أن هذا سينشئ أولئك الذين لا يجيدون النقد سواءً كانوا عن حسن نية أو كانوا عن سوء نية، ولا يهمنا نيتهم، المهم: أن إسكات الأصوات الصادقة التي تجيد النقد والنصح مدعاة لإظهار وبروز تلك الأصوات النشاز.. الأصوات الشاذة التي لا تعرف المنهج السليم، فتدعو إلى إسقاط كل هذا العمل وذاك الجهد بحجة هذا الخطأ أو ذاك.

    السقوط في النهاية

    رابعاً: من نتائج حجب الحقائق: السقوط في النهاية؛ لأن الحواجز التي نفترضها تبقى حواجز مؤقتة فلا بد أن يكتشف الناس الخطأ بعد ذلك، ولأضرب لكم مثلاً واقعياً:

    الجهاد الأفغاني: بدأ الجهاد في وقت نسيت فيه الأمة الجهاد حتى صار من يدرس في الفقه يترك باب الجهاد؛ لأنه يشعر أنه يتحدث عن غير الواقع، فقام هذا الجهاد وأحيا هذه الفريضة في الأمة، وكان طبيعياً أن يكون هذا الجهاد فيه خطأ وفيه قصور وفيه تجاوزات.. والجهاد الأفغاني والأمة الأفغانية جزء من الأمة لا يمكن أن نفصل أمراض الأمة عن أمراضها، فكان طبيعياً أن تمتد العدوى بأمراض الأمة إلى الجهاد الأفغاني ومن باب أولى أن تمتد أمراض العمل الإسلامي والصحوة إلى الجهاد الأفغاني، فكان في الصف منافقون.. كان في الصف وصوليون.. كان في الصف من يريد السلطة.. كان في الصف فرقة وفتنة.. كان في الصف أخطاء، ومع ذلك كله لم تكن تلك الأخطاء مخرجة للجهاد عن كونه جهاداً شرعياً قام بواجب شرعي.. يجب على الأمة أن تدعمه وأن تقف معه، ولكن ما الذي كان يدور؟

    كنا نتحدث في ذاك الوقت وبعاطفة جياشة عن أولئك المجاهدين وكأنهم صحابة أو تابعون، ونبالغ في سوق الكرامات والقصص والتي كثير منها لا أصل له، وكثير منها ربما كان مصدره ممن تعرفونهم من أصحاب الطرق وغيرهم ممن يتاجرون بمثل ذلك، ونساهم في إخفاء الحقائق أمام الناس، وحين يقع خطأ ظاهر نسارع في البحث عن تزويقه وتزيين الصورة، فهذا الخطأ يفتعله الأعداء.. الأعداء هم الذين يسعون إلى تفريق المجاهدين.. الأعداء هم الذين يفعلون.. الأعداء هم الذين يحيكون المؤامرات.

    وحين يدخل رجل منافق في الصف فيقال: ليس صحيحاً هذا الأمر .. لقد تاب.. لقد رجع إلى الله عز وجل إلى غير ذلك، وحين بدت أصوات ناصحة تحذر المجاهدين فتقول لهم: إن في الصف منافقين ... لا بد من تنقية الصف.. لا بد من المراجعة.. لا بد من المحاسبة، ووجهت تلك الأصوات الناصحة في أن مرادها الطعن في الجهاد.. وأن هذا يعني الوقوع مع الأعداء في خندق واحد.. ويعني الوقوف ضد الجهاد .. إلى غير ذلك، وصارت تمارس ألوان الإرهاب الفكري ضد هؤلاء بأنهم ضد الجهاد.. بأنهم يثبطون.. بأنهم.. بأنهم إلى غير ذلك.

    وحين تواجه هذا المتحدث في لقاء خاص وحديث صريح يقول لك: أعترف بأن هناك أخطاء ولكن حين نقول هذه الأخطاء أمام العامة ماذا يصنع العامة؟ لن يدعموا الجهاد.. فمن المصلحة أن نستر هذه الأخطاء والعيوب، وحين تقوم الدولة الإسلامية بإذن الله ستتجاوز هذه الأخطاء والعيوب.

    وكان ما كان وحان قطف الثمرة، وصارت النتيجة التي سمعتم عنها، فتخلى الكثير من الناس عن الجهاد حتى سمعنا ممن ذهب ابنه شهيداً بإذن الله في تلك البقاع من يتندم ويبكي يقول: كيف ذهب ابني شهيداً في هذه الصفوف، وسمعنا العامة يقولون: إن أولئك دجالون كذابون أخذوا أموالنا إلى غير ذلك، وصاروا يتهمون الدعاة بأنهم خدعوهم، أو أنهم مغفلون خدعوا إلى غير ذلك.

    أرأيتم ما النتيجة التي جنيناها؟ فما رأيكم لو كنا صرحاء من البداية؟ وقلنا للناس: معشر المسلمين! إن هذا جهاد فيه أخطاء.. فيه كذا وكذا، ولكن هذه الأخطاء لا تمنع من التصحيح.

    ولو كنا نقول وبوضوح للمجاهدين: إن لديكم أخطاء فصححوا كذا.. افعلوا كذا.. اصنعوا كذا، لكان هذا مدعاة أن يعي الناس.. وأن يستعدوا حتى ولو لم يصحح الخطأ لقبول النتيجة المؤلمة التي صار إليها الواقع والتي صار الجميع يتندمون فيها على تلك الأموال التي يظنون أنهم أضاعوها هدراً وذهبت هدراً.

    إننا نحن المسئولون عن هذه النتيجة؛ لأننا مارسنا حجب الحقيقة.

    ولنتجاوز هذا الحدث ولا داعي لإثارة الماضي، والرجل الجاد ينظر إلى ما أمامه، فلنعتبر بتلك الأحداث ولنكن في المستقبل صرحاء مع أنفسنا.. صرحاء مع الناس.. ولنعرف أننا مهما مارسنا حجب الحقائق، ومهما مارسنا افتعال الأسوار الشائكة، فإن الناس لا بد أن يعرفوا الحقائق.

    فخير لنا أن نكون صرحاء مع أنفسنا أفراداً وجماعات مع الناس ومع أنفسنا حتى لا نحصد تلك الثمرة والمرارة المؤلمة.

    1.   

    آداب المناصحة والمصارحة

    وأخيراً: فمع الدعوة للمصارحة لا بد من الاعتدال والتوازن، فلا يفرط الفرد ويبالغ في النظر إلى أخطائه فيحمل نفسه أخطاء لا يتحملها بحجة المصارحة، أو يبالغ فلا ينظر إلى نفسه إلا من زاوية واحدة وهي زاوية الخطأ، فحينئذ يصل إلى نهاية مفادها أنه لا يحمل إلا الأخطاء.

    وعلى مستوى الجماعة أيضاً فليس كل ما يعلم يقال، ولكل مقام مقال، ونحن حين نطالب بالنقد الواضح والصريح فإن هذا لا يعني أن نتحدث عن كل خطأ نعلمه في كل مناسبة وكل لقاء.

    وحين ندعو إلى المصارحة فإن هذا لا يعني أن يغيب عن بالنا أيضاً المنهج الشرعي في النقد والنصح وهذا أمر معروف للجميع، وليس هذا وقت التفصيل في الحديث عنه، ولكن أقصد أننا حين نتحدث عن الدعوة للمصارحة سواءً على مستوى الفرد أو الجماعة فإننا مع ذلك يجب أن نعلم أن هذا ينبغي أن يبقى في دائرة التوسط والاعتدال، فلا نفرط نحن معشر الأفراد في النظر إلى أخطائنا وعيوبنا فنحمل أنفسنا أخطاء لا نتحملها، ولا أيضاً نفرط في الحديث عن أخطاء الصحوة بمناسبة أو غير مناسبة مما يكون مدعاة إلى الخلل بالمنهج الشرعي ونشوء مفاسد تترتب على ذلك.

    1.   

    الأسئلة

    تنبيه على لفظ حديث الإخبار عن خيرية القرون الثلاثة

    السؤال: ذكرت حديث (خير القرون ...) ولكن لفظه في الصحيحة: (خير الناس قرني) هذا ما قاله الإمام ناصر الدين الألباني .

    الجواب: نشكر الأخ على تنبيهه، فالإنسان مع الحديث والاستمرار فيه قد لا يستحضر النص كاملاً، وقد يخطئ في الآية وهو يحفظها، فهذا أمر طبيعي، ونشكر الأخ على تنبيهه، وطيب أن يكون بيننا مثل هذا التواصل والتنبيه، فقد يكون الخطأ ناشئاً عن سهو أو سبق لسان، وقد يكون الخطأ ناشئاً عن كون المرء حفظ الحديث خطأً أو أنه وقع في مثل هذا الخطأ، فنشكر الأخ على تنبيهه ونأمل أن يستمر مثل هذا السلوك عند الإخوان جميعاً.

    التفريق بين النصيحة والفضيحة

    السؤال: إن مما يفهم من خلال حديثك أنك ما فرقت بين المناصحة على انفراد والفضيحة بين البشر، مع العلم أن منهج تصويب الخطأ هو منهج قرآني، ومع أنه تصويب لكنه تصويب يظهر في أحسن كلام وأجمل عبارة إلى آخر السؤال..

    الجواب: يعني: أظن أننا أشرنا إلى هذا في آخر التنبيه، والأخ معذور؛ لأنه كتب السؤال مبكراً.

    تدارك الخطأ في المستقبل

    السؤال: قد يستطيع الشخص أن ينتقد ويعرف أن هذا تصرف خطأ لكنه إذا صار في مكان ذلك الشخص المخطئ يقع فيه وهو لا يدرك ذلك؛ هذا لأنه إذا صار في مكان المواجهة يرتبك بينما إذا زال عنه يفكر بهدوء ويعرف ذلك فما رأيك؟

    الجواب: نعم، هذا وضع طبيعي، أنت الآن مثلاً عندما تقيم كلاماً تستطيع أن تستخرج عليه أخطاء كلحن في الكلام.. أو خطأ استشهاد .. أنا لو أخذت الشريط واستمعت إليه بهدوء بعد ذلك أستطيع أن أكتشف الأخطاء، لكن وأنا أقوم في العمل لا أستطيع ذلك، وهذا لا يمنع من أن نتواصل بالمناصحة واكتشاف الأخطاء، وأن الإنسان إذا اكتشف أخطاءه يكون هذا مدعاة إلى أن يتداركها فيما بعد.

    استمرار ظهور الأخطاء

    السؤال: بعد أن صارحت نفسي وجدت الأخطاء فاستطعت أن أعالج كثيراً من الأخطاء، ولكن السؤال: ظهرت أخطاء كثيرة غير الأولى فأحسست أني أغرق في الأخطاء، فأنا أعالج من هنا وتظهر أخطاء من هنا، فما الحل وإلى متى؟

    الجواب: الحل أن تستمر، أولاً: أنت تتصور أن يأتيك وقت لا تستطيع أن تكتشف الأخطاء؟ وهذا لن يأتيك إلا إذا انغلق التفكير، وإلا فالإنسان لا بد أن يقع في الخطأ، فاكتشافك الخطأ لا يعني أن يكون مدعاة للشعور بالفشل.

    ثم أنت عادة تنظر إلى الخطأ وتنسى جوانب الصواب وجواب الإبداع التي في نفسك؛ لأنك دائماً لا تنظر إلا إلى الخلف، الآن المسجد الذي عندنا لو نظرنا إليه مثلاً مع ما فيه من الزينة -وإن كان الأولى اجتناب ذلك- فإذا كانت سلمية ليس فيها مشكلة فإنها لا تلفت انتباهنا، لكن لو كان فيها خلل فإن كل واحد يدركها واضحة.. الإضاءة التي في المسجد لو كان فيها مصباح واحد لا يضيء فإن كل واحد منا يراه.

    فالخطأ يرى بوضوح، أما الصواب فلا يرى؛ ولهذا فأنت عندما تركز على الأخطاء وحدها تتضخم عندك فتتصور أنك أصبحت -كما تقول- غارقاً في الأخطاء، ومهما كان فاكتشافك للأخطاء دليل على نجاحك، ودليل على أنك بدأت تسير في الطريق الصحيح، فاستمر في علاج الأخطاء.

    اعتذار المربي عن التقصير والخطأ

    السؤال: ما رأي فضيلتكم في المربي الذي يعتذر عن بعض التقصير فيه بسبب وجود هذا التقصير في المربين؟

    الجواب: قد يكون هذا سبباً لكنه ليس عذراً، وفرق بين الأمرين، أضرب مثالاً: إنسان خرج للسوق يريد أن يشتري كتاباً فرأى امرأة متبرجة ففتنته ثم استمر معه الأمر حتى وقع في المعصية، فتبرج هذه المرأة هو السبب في وقوعه في المعصية لكن هل هذا عذر له أمام الله؟ ليس عذراً.

    وإذا فرقنا بين الأمرين عرفنا، فأنت إنسان مكلف تتحمل المسئولية ويجب أن تعرف أن المربي لك أياً كان مستواه وإدراكه لا بد أن يكون عنده قصور.. لا بد أن يكون عنده خطأ، فيجب أن تكون على مستوى أنك ترتفع إلى مستوى إدراك أخطاء المربي وتجاوزها، وكل مرب فيه سلبيات وأخطاء لا يعني أن ترفضه، بل لا بد أن يكون فيمن يربيك والدك وأستاذك أو شيخك أياً كان لا بد أن يكون فيه أخطاء وسلبيات، وقد تدركها أنت واضحة بأم عينك لكن هذا لا يعني فشله بحال، فأنت يجب أن تتجاوز السلبيات والأخطاء وتستفيد مما عنده.

    وإذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

    النقد الشرعي المنضبط

    السؤال: عندما ينتقد بعض المربين أو المشايخ تقوم بعض الأنشطة بنشر هذا النقد على شكل خلاف بين الطرفين، ما يثير الشك في ضعاف الإيمان ويقيم ثغرة الأعداء ومرضى القلوب، هذا كله يمنع من النقد فما الحل؟

    الجواب: مرة أخرى أقول: نحن حينما ندعو إلى النقد المنضبط.. ندعو إلى النقد الشرعي، كوني أنا مثلاً أنتقد واحد من الناس المشهورين بالخير والصلاح والدعوة في محضر من الناس هذا أمر غير لائق وأمر غير شرعي، وبإمكاني أن أصحح الخطأ بصورة وأخرى، فدعوتي للنقد لا تحملني مسئولية أي نقد آخر غير منضبط، فأنا لا أدعو إلى النقد المفتوح على مصراعيه وإنما إلى النقد والمصارحة المنضبطة بالضابط الشرعي.

    التبرير للتقصير بعدم صلاح المجتمع

    السؤال: يوجد معي شاب في العمل يريد الهداية ويقول: إن المانع أنه لا يوجد شباب صالحون في الحي الذي يسكنه، فما الحل؟ وجزاك الله خيراً، أرجوا الدعاء ولإخواني الموجودين من المسلمين الثبات على دين الله عز وجل.

    الجواب: هذا من أساليب التبرير.. افرض أنك أنت موجود في مجتمع كلهم كفار.. فهل هذا عذر لك؟! وإذا كان جاداً يعرف أنه سيلقى الله، وليست القضية أن ينظر طريق الخير إن استطاعه وإلا فلا شيء عليه، فليعلم أنه طريق واحد وليس أمامه خيار في سلوكه، وأن البديل هو الخسارة؛ ولهذا فهو يخادع نفسه.

    أضرب لك مثالاً.. هذا في العمل، هل العمل مثل إنسان تخرج الآن من الجامعة ويريد أن يتوظف فقالوا له: لا يوجد وظيفة إلا في قرية بعيدة أو في مكان بعيد يحتاج أن تسكن بعيداً وإلا فلن تتوظف، هل ممكن أن يقول: لن أتوظف .. لم أجد وظيفة؟ لا، بل سيكون عنده استعداد أن يمشي ستين كيلو على التراب حتى يعمل ويتحمل من أجل الوظيفة؛ لأنه يعرف أنه ليس له إلا هذا الخيار.

    واحد لم يجد قبول في الجامعة فإنه يذهب إلى جامعة أخرى.. منطقة أخرى.. لأنه يبحث عن الدراسة.. ولأنه مصر على الهدف، فإذا كان هذا الإنسان جاداً استطاع أن يجد الناس الصالحين وإذا بحث عنهم وجدهم ولو في غير حيه.

    يا أخي! إذا كنت جاداً ومشكلتك أنك نذرت لله يميناً ألا تصاحب إلا من في حيك فلك مجال غير الكفارة وهو أن تنتقل إلى حي آخر غير هذا الحي، وأظن الهداية وطريق الخير يستحق أن تبذل هذا الثمن، مع أنك لو كنت جاداً لوجدت طريقاً بسهولة وأنت ساكن في حيك وبين عشيرتك.

    المنهج المنحرف في النقد

    السؤال: ألا تعتقد أن العنف في معالجة الأخطاء من الآخرين والخوف من قسوة العقاب، من أسباب الهروب من المصارحة؟

    الجواب: من ضمن الأسباب المنهج المنحرف في النقد والمصارحة أعني أن هناك مناهج منحرفة في النقد موجودة في الساحة الآن، وهي مدعاة لأن نرفض النقد لأننا أصبحنا نرفض ونتصور عن كل من ينتقد صورة أخرى، لكن أنا أقول: إن السبب في البداية أننا روجنا لهؤلاء بأننا لم نقم منهجاً للنقد، لكن لو كان هناك منهج واضح للنقد تربينا عليه لما كان هناك مجال لأولئك أصلاً أن يكون لهم وجود وثقل في الساحة.

    حكم إسبال الثوب لغير خيلاء

    السؤال: هذا الأخ يسأل عن حكم إسبال الثوب إذا كان لغير خيلاء ولا كبر؟

    الجواب: إسبال الثوب محرم سواء كان لخيلاء أو لغير خيلاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جز إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، وفي الحديث الآخر: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي لنار) فالحديث الأول مقيد، والثاني مطلق، فاختلف الحكم.. فالحكم في الحديث الأول: أن الله لا ينظر إليه يوم القيامة، والحكم الثاني أنه في النار، فلا يجوز أن نحمل المطلق على المقيد إلا إذا اتحد الحكم.

    ثم في حديث آخر صريح يزيل عنك الإشكال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أزرة المؤمن إلى نصف ساقه، فإن أبى فإلى الكعبين، ومن جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، وما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأقسام ثلاثة:

    قسم يجعل إزاره إلى نصف ساقه أو إلى الكعبين.

    وقسم يجر إزاره خيلاء، هذا لا ينظر الله إليه.

    وقسم أسفل من الكعبين يعني: ليس عن خيلاء، فدل هذا الحديث على أن التحريم ليس قاصراً على الخيلاء.

    نعم، إذا جره خيلاء فهو معصية أخرى وعقوبة أشد؛ لأن عدم نظر الله إليه أشد من مجرد توعده بالنار، ثم إن هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينكر فيها على المسبل دون أن يسأله عن قصده، ولو كان الإسبال خاصاً بالخيلاء لسأله: هل أنت تفعل ذلك خيلاء ولم تفعله خيلاء.

    بل في حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة) يعني: إسبال الإزار سبب أصل للمخيلة.

    كيفية المحافظة على الإجازة باستغلالها في الخير

    السؤال: هذا يسأل عن بعض الوصايا خلال الإجازة أو على الأقل بعض المقترحات المعينة على الحفاظ على الإجازة ..

    الجواب: نحن اليوم نودع الأسبوع الأول من الإجازة، لكن أقول: إننا يجب دائماً أن لا نتوقف، أحد الشباب في الحرم يسألني: أنا جاد وبدأت أستغل وقتي وأقرأ، لكن لا أجد الكتب المناسبة للقراءة!

    قلت: هل تعرف كتاب رياض الصالحين، قال: نعم. قلت: ما رأيك هل هو مناسب للقراءة؟ قال: نعم، قرأته؟ قال: لا.

    هل تعرف كتاب جامع الأصول؟ نعم، هل هو مناسب للقراءة؟ نعم، قرأته؟ لا، تعرف تفسير ابن كثير.. مناسب للقراءة؟ نعم، قرأته؟ لا.

    قلت إذاً: ليست مشكلتك أنك لا تعرف الكتب التي تناسب للقراءة لكن هذا أسلوب من أساليب عدم المصارحة مع النفس، ومشكلتك أنك ليس عندك عزيمة على القراءة.

    فأقول: الناس يختلفون في مستوياتهم وقدراتهم وطاقاتهم، فكل يحفظ وقته بما يرى أنه بحاجة إليه، فمثلاً: بعض الشباب يرى أنه ينبغي أن يوفر وقتاً لحفظ القرآن في الإجازة.. البعض مثلاً في حفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.. في حفظ بعض المتون.. في قراءة.. في دعوة .. البعض في برنامج هنا أو هناك .. فالناس يختلفون على حسب مواقعهم، المهم أن الهاجس عندنا هو أن نحفظ وقتنا.

    وأصلاً كونك تضع برنامجاً للناس كلهم فهذا خطأ؛ لأني عندما أقول لك مثلاً: اجتهد في حفظ القرآن قد تكون أنت حفظت القرآن.. عندما أقول لك: احفظ السنة أو جزءاً من السنة قد تكون لم تحفظ القرآن والأولى أن تبدأ بحفظ القرآن، فأهم شيء أنك تعرف ما الشيء الذي تحتاج إليه، ثم تجتهد في أن ترسم برنامجاً يعينك على حفظ إجازتك أو على حفظ وقتك فيما أنت بحاجة إليه.

    ثم أيضاً مع هذا نتخلص من عقدة الإجازة، أعني أن هناك أوقاتاً نهدرها غير الإجازة.

    اقتراح محاضرة

    السؤال: نشكركم على شريط: يا أبت! وأنا أول من استفدت منه، وأهديته لوالدي فكان لهذا أكبر أثر عليه، وليتنا أن نرى شريطاً بعنوان: يا بني! على غرار: يا أبت! أولاً وإخواني ثانياً.

    الجواب: هناك فكرة، لكن ذلك قد يطول ولا يأخذ وقتاً، وهذا أدعى أن تكون المحاضرة ناضجة وتجتمع فيها الأفكار، وهو اقتراح وجيه، وأتمنى أن الأخ عندما يقترح موضوعاً يقترح بعض العناصر وبعض الأفكار وإذا كان يعرف مراجع تكلمت عن الموضوع فليفدنا بها حتى يكون الموضوع متكاملاً، فأحب أن يكون هناك تواصل ومراسلة مثلاً، سواء في اقتراح موضوعات أو عناوين أو ملاحظات أو انتقادات أو غيرها.

    أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم متحابين بجلاله، وأن يجعلنا وإياكم ممن اجتمعوا لأجله سبحانه وتعالى، وأن يمن علينا وعليكم في هذا المجلس العظيم المبارك بالتوبة الصادقة النصوح، وأن يكفر عنا سيئاتنا وذنوبنا، وأن يرزقنا سبحانه وتعالى العلم النافع والعمل الصالح.

    وأكرر شكري في نهاية هذا اللقاء للإخوة في مركز الدعوة في مكة على هذا البرنامج الحافل الذي نظموه، والذي هذه المحاضرة ليست إلا جزءاً يسيراً منه، وأيضاً نكرر شكرنا لهم على حسن ظنهم ودعوتهم لنا، ونسأل الله عز وجل أن نكون عند حسن ظنهم، وأن يجعلنا خيراً مما يظنون بنا، وأن يغفر لنا ما لا يعلمون.

    هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756404198