إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة [3]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة، والتي يستدل بها الفقهاء على مسائل الأذان والإقامة؛ حديث: (أقامها الله وأدامها)، وحديث: (إذا سمعتم المؤذن يثوب للصلاة فقولوا مثلما يقول)، وحديث: (ألا إن العبد نام)، وحديث: (بين كل أذانين صلاة خلا المغرب)، وحديث: (إذا قام المؤذن قام أناس من أصحاب رسول الله يصلون حتى تقام الصلاة..) وكلها أحاديث لا تصح.

    1.   

    حديث: (أقامها الله وأدامها)

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أول أحاديث هذا المجلس: هو حديث أبي أمامة عليه رضوان الله، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن يقول: قد قامت الصلاة، قال: أقامها الله وأدامها ).

    هذا الحديث أخرجه أبو داود في كتابه السنن، و ابن السني في عمل اليوم والليلة، من حديث محمد بن ثابت العبدي ، عن رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    علة حديث: (أقامها الله وأدامها)

    وهذا الحديث ضعيف وهو معلول بعلل:

    الأولى: الاختلاف على محمد بن ثابت فتارة يذكر فيه شهر بن حوشب وتارة يسقطه، فرواه عن محمد بن ثابت سليمان بن داود العتكي ، ورواه أبو الربيع الزهراني ، كلاهما عن محمد بن ثابت عن رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفهم في ذلك وكيع كما رواه الطبراني في كتابه الدعوات من حديث وكيع عن محمد بن ثابت عن رجل من أهل الشام، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسقط فيه شهر بن حوشب ، وهذا الاضطراب في الحديث علامة وأمارة على عدم حفظه، وتقدم معنا أن عدم حفظ الإسناد على وجهه أمارة على عدم ضبط المتن، وهذا أول اختلاف وأدناه ممن دون محمد بن ثابت العبدي .

    العلة الثانية: أن محمد بن ثابت العبدي متكلم فيه، وقد تقدم معنا في حديث سابق، وهو حديثه في التيمم في روايته عن نافع ، عن عبد الله بن عمر : ( التيمم ضربتان )، فهذا حديث منكر، أنكره الأئمة قاطبة، أحمد ، و أبو داود ، و أبو حاتم و الدارقطني ، و البيهقي ، وسائر الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين، ورفعه في ذلك غلط، والراوي إذا كان له أحاديث يتفرد بها فإن ذلك أمارة على ورود الخطأ فيه، خاصة في الأحاديث الأصول، فتفرد الراوي في حديث مما يؤخذ عليه، إذا كان هذا الحديث من المسائل المشهورة والمعاني الجليلة هذا يساوي أحاديث كثيرة عند غيره مما هو دون هذا المتن، فالراوي مثلاً حينما يأتي يتفرد في بابٍ من الأبواب جليلة القدر مما يبعد أن يتفرد بها إنسان، فهذا يؤاخذ به أشد، وأما ما لا يحتاج الناس إليه، كتفرد الإنسان في بعض الفضائل البعيدة، أو نحو ذلك، أو فضائل الأعمال التي لا يتلبس فيها إلا أفراد ونحو ذلك، فهذا لا يسقطه؛ لأنه يغيب عن الذهن العمل بذلك، أما التفرد في مسائل في الصلاة والطهارة ونحو ذلك، فهذا مما يسقط الراوي غالباً، ومسائل التيمم في التفريق بين الضربة والضربتين، ونحو ذلك، هذا مما يحتاجه الناس كثيراً، ولا يخلو الإنسان في كثير من الأحيان من الحاجة إلى التيمم، خاصة في الأزمنة الغابرة، فإنهم كانوا يتيممون كثيراً، ففي كل أسفار ونحو ذلك لا يحملون معهم الماء، بخلاف زمننا فإن الماء متيسر ولو لم يحمله الإنسان في حله وترحاله.

    وهذا الحديث تفرد به محمد بن ثابت العبدي ، و محمد بن ثابت العبدي ضعيف، وهذا الحديث الذي تفرد به منكر، وشيخه في ذلك مجهول، و محمد بن ثابت في روايته لهذا الخبر لم يصرح بهذا الشيخ، وكذلك هذا الشيخ يرويه عن شهر بن حوشب ، وشهر بن حوشب من الرواة الذين اختلف فيهم كلام العلماء، فجاء عن ابن عون كما رواه النضر عن ابن عون قال: إن شهراً نزكوه، قال مسلم رحمه الله في كتابه المقدمة: يعني: وقعوا بألسنتهم فيه، يعني: أن الناس قد طعنوه وأكثروا من طعنه، وقال شعبة بن الحجاج : لقيت شهراً ولم أعبأ به، يعني: أني لم آخذ من حديثه شيئاً، وكذلك قد ضعفه وطعن فيه غير واحد كـابن هارون ، وكذلك النسائي ، وغيرهم، وجاء عن بعض العلماء أنه قوى حديثه، وقال: جاء عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: ما يرويه عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب لا بأس به، وقال بذلك أيضاً أبو حاتم ، وقال الإمام أحمد رحمه الله: روى شهر عن أسماء بنت يزيد أحاديث حسانا، وهذا يدلنا على أن شهر بن حوشب ليس ضعيفاً على الإطلاق، وإنما أكثر أحاديثه الأصل فيها أن ما يتفرد به شهر أنه مردود، ويحتاج إلى المتابعة، خاصة في الأصول، وأما ما يرويه عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب فهو مقبول، فالإمام أحمد رحمه الله جاء عنه أنه قوى أمر شهر بن حوشب ، كما نقل ذلك عنه غير واحد من الرواة من أصحابه، وكذلك جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه لين شهراً، فنحمل ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله من تقوية حال شهر بن حوشب على أنه أراد أحاديث عبد الحميد بن بهرام ، وهذه التقوية لا يمكن أن تكون إلا في أحاديث كثيرة، فلا يمكن الإمام أحمد رحمه الله أن يوثق راوياً وهو مضعف من جهة الأصل، إلا والأحاديث التي يوثق الإمام أحمد هذا الراوي لأجلها كثيرة، والأحاديث التي يرويها عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب هي نحوٍ من السبعين حديثاً، قال الإمام أحمد رحمه الله: روى عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب سبعين حديثاً طوالاً، يحفظها كالقرآن، يعني: أن عبد الحميد بن بهرام في روايته عن شهر بن حوشب يروي أحاديث كثيرة، فيستحق التوثيق لأجل هذا العدد، لهذا يتباين كلام بعض الأئمة رحمهم الله في الرواة الذين يوثقون من وجه ويلينون من وجه آخر، فتختلف ألفاظ الجرح والتعديل فيهم، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد .

    روى عنها أحاديث حسنة، ولكن الأصل أن ما يرويه شهر بن حوشب ولم يوافق عليه فإنه ضعيف، ويستثنى من ذلك ما تقدمت الإشارة إليه من رواية عبد الحميد بن بهرام كما استثناه الإمام أحمد رحمه الله، وأبو حاتم ، وغيرهم، وكذلك رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد ، و شهر بن حوشب من أئمة القراءة وكذلك رجل صاحب ديانة وتنسك، وطعن فيه بعض الأئمة، تارة لحفظه وتارة لما اتهم في دينه، والكلام في ذلك تقدمت الإشارة إليه، منهم من أخذ عليه بعض المفسقات ونحو ذلك، ومنهم من طعن فيه بسبب قربه من السلطان.

    ومن العلل وهي العلة الرابعة في هذا الحديث: أن هذا الحديث لو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الحقيقة لوجب أن يروى بأصح الأسانيد ويشتهر، وهذا المتن لا يحتمله مثل هذا الإسناد، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الخبر يروى عنه ( أنه إذا سمع المؤذن يقول: قد قامت الصلاة قال: أقامها الله وأدامها )، وبقية ألفاظ الأذان يقولها كما هي، كما جاء في حديث عبد الله بن عمر ، فهذا يلزم أن يشتهر.

    تضعيف الحديث بورود ما هو دونه من حيث التشريع بأسانيد أقوى منه

    ثم إن الإقامة أكثر حضوراً من الأذان، الأذان الناس أوزاع كلٌ في داره، أما عند الإقامة فالناس مجتمعون، فينبغي أن يرد الترديد في الإقامة بأسانيد أصح وأكثر من الأذان؛ لأنها تشاهد أكثر من غيرها، ولهذا نقول: إن هذا الحديث مع نكارته إسناداً منكر متناً، والأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترديد في الأذان كثيرة، وفي الصحيحين كحديث أبي سعيد الخدري وهو في صحيح البخاري و مسلم ، وكذلك حديث معاوية ، و عبد الله بن عمرو ، و جابر ، وغيرهم عليهم رضوان الله في الترديد، وجاء أيضاً من حديث عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى الترديد خلف المؤذن، فهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقله الصحابة واشتهر، والترديد في الإقامة لو كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله والصحابة يفعلونه لنقل عنهم؛ لأن الناس في حال الأذان في الغالب أنهم متفرقون، وأما بالنسبة للإقامة فإنهم يجتمعون، فيسمع بعضهم بعضاً في حال الترديد خلف المقيم، وأما بالنسبة لهذه اللفظة (أقامها الله وأدامها) لو قلنا بمشروعية الترديد للزم أن استثناء هذه اللفظة في قوله: قد قامت الصلاة، أنها ترد بعد ثبوت الأصل، بمثله أو أقوى منه، وثبوت الأصل هو الترديد في حال الإقامة، فيأتي الاستثناء في نص مشابه آخر مثله أو أقوى منه، وهذا من علامات نكارة هذا المتن، وكذلك أحاديث كثيرة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها أن النبي عليه الصلاة والسلام ينقل من أقواله وذكره مما يفعله النبي عليه الصلاة والسلام وهو أقل من ذلك، فالإقامة يشهدها عامة الصحابة، وعامة من يحرص على صلاة الجماعة يشهد الإقامة، ومع هذا فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو دونه واستفاض مثل: أذكار الصباح والمساء، وما يذكره الإنسان في صلاة الليل، بل في دعاء السجود الذي لا يكاد يسمعه أحد إلا من دنا من الإنسان، وكذلك في ذكر الإنسان لبعض الأحوال العارضة ونحو ذلك من ذكرٍ عند طعام، وعند دخول المسجد، ونحو ذلك، فالإنسان في الغالب أنه يدخل المسجد وحده، وقد يصاحبه واحد، أو اثنان ونحو ذلك، ومثل هذا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عن أصحابه قولاً وعملاً، وهذا مما ينبغي أن يشتهر ما هو أقوى منه بالأسانيد في أحاديث هذا الباب لو صحت، ولهذا نقول: إن الأحاديث في أبواب الأذان وكذلك في غيره من هذه المسائل علامات على نكارة هذا الحديث.

    1.   

    حديث: (إذا سمعتم المؤذن يثوب للصلاة فقولوا مثلما يقول)

    الحديث الثاني في هذا الباب: حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم المؤذن يثوب للصلاة فقولوا مثلما يقول )، وهذا فيه من الدلالة ما تقدمت الإشارة إليه.

    هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله من حديث عبد الله بن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث منكر؛ تفرد به زبان بن فائد ويرويه عنه عبد الله بن لهيعة وقد توبع عليه، تابعه رشدين بن سعد عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و عبد الله بن لهيعة و رشدين بن سعد ضعفاء، و زبان بن فائد قد تفرد بهذا الحديث عن سهل بن معاذ ، و زبان بن فائد قد تكلم فيه غير واحد وهو منكر الحديث، وقد طعن فيه غير واحد من الأئمة كـابن حبان ، و يحيى بن معين ، وغيرهم، ولا يتفرد بشيء ويكون مقبولاً، وكذلك سهل بن معاذ في روايته عن أبيه نكارة، أشار إلى هذا يحيى بن معين رحمه الله كما في كتابه التاريخ، وهذا الحديث في الترديد خلف المقيم أو التثويب للصلاة، فيه من الدلالة ما تقدم، ومع الطعن في إسناده فإن متنه منكر، ويعل بما أعل به من علل متن الحديث السابق، وعلى طالب العلم كما تقدمت الإشارة إليه مراراً أن يستحضر محفوظه في الباب، وكذلك في غيره مما هو أولى منه أن ينقل، ولا يعل الإنسان الحديث بحديث واحد، وإنما يعله بمجموع الأحاديث التي ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر في السنن التي نقلت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ينظر في اليوم والليلة، وكذلك في الأسبوع وفي الشهر، وكذلك في السنة، فإذا استفاض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من الأعمال الحولية أو الشهرية، أو الأسبوعية، أو اليومية وهي أقل من ذلك، والترديد في الأذان يكون في اليوم والليلة خمس مرات، وعلى هذا ينبغي أن يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وأوفر من الأعمال التي يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم مرة أو مرتين فضلاً عن الأشياء التي تأتي في الشهر أو في الأسبوع كما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً في يوم الجمعة وأضرابها، ولهذا نقول: إن مجموع الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك تدل على نكارة هذا المتن.

    1.   

    حديث: (ألا إن العبد نام)

    الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى، ( أن بلالاً أذن بليل، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع وأن ينادي: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام )، يشير إلى بلال ، يعني: أنه أخطأ في وقت أذانه.

    هذا الحديث رواه أبو داود في كتابه السنن، و الدارقطني و الطبراني و البيهقي وغيرهم، من حديث نافع عن عبد الله بن عمر ، تفرد به حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن عبد الله بن عمر .

    وتفرد حماد بن سلمة بهذا الحديث منكر، وذلك من وجوه: أن الثابت عن بلال عليه رضوان الله تعالى كما تقدمت الإشارة إليه أنه كان يؤذن بليل، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )، وفرق بين هذا الحديث وهذا الحديث، وذلك أن حديث هذا الباب وهو حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن عبد الله بن عمر فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام عاتب بلالاً على أذان، وأمره أن يرجع، وهذا الحديث وهو حديث عبد الله بن عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم مكتوم )، إشارة إلى الاستمرار، وعدم الإنكار؛ بل المعنى كلما يؤذن بلال أذاناً بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، ولم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يرجع، وهذا علامة على النكارة. وعامة الأئمة على نكارة حديث ( ألا إن العبد نام )، والعلة في ذلك هي تفرد حماد بن سلمة في هذا الحديث، وقد خولف فيه كما يأتي الكلام عليه.

    علة حديث: (ألا إن العبد نام)

    الحديث معلول بجملة من العلل، أولها: تفرد حماد بن سلمة عن سائر الرواة ممن يرويه، فقد رواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى قال لمؤذن له اسمه مسروح ، ولم يقل النبي عليه الصلاة والسلام لمؤذنه، فهذا موقوف وذاك مرفوع، والصواب فيه الوقف على عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، و حماد بن سلمة في تفرده في هذا الحديث اقترن ذلك مع مخالفته لغيره من الثقات.

    وعلة ثانية: وهي أن حماد بن سلمة ، في حديثه عن أيوب وهم وغلط، كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وأبو حاتم ، فهو يهم ويغلط، وقد خولف في هذا الحديث فجعل مرسلاً، خالفه في ذلك معمر بن راشد فرواه عن أيوب، وجعله مرسلاً، كما رواه عبد الرزاق و الدارقطني في كتابه العلل، وهذا الحديث قد جاء من وجوه متعددة عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، تارة يكون متصلاً، فيرويه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن عمر بن الخطاب ، وتارة يجعل من حديث نافع عن عمر ، ويسقط عبد الله بن عمر ، وهذا هو الصواب، أنه عن عمر بن الخطاب أيضاً منقطع، مال إلى ترجيح ذلك جماعة من الحفاظ، كـالإمام أحمد رحمه الله، و الترمذي ، و البيهقي ، و ابن رجب ، وغيرهم، أن الموقوف عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى منقطع، وجاء في بعض الروايات رواية شعيب بن حرب في روايته عن عبيد الله فجعله متصلاً، وهذا وهم وغلط، والصواب في ذلك هي رواية الانقطاع، كما رواه ابن أبي رواد ، وقد توبع عليه شعيب في روايته عن ذلك، فرواه مدرك بن عامر وهو غلط، ووهم في ذلك، كما نص على ذلك الدارقطني رحمه الله كما في كتابه السنن، وهذا الحديث جزم الإمام أحمد رحمه الله، و الترمذي ، وكذلك ابن حبان ، و الأثرم ، و العقيلي ، والحافظ ابن رجب ، وكذلك ابن عبد البر ، و البيهقي ، و الدارقطني ، وغيرهم، على أنه من مفاريد حماد بن سلمة ، وأنه وهم فيه وأخطأ، وأن الصواب في المتن هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )، وقد جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجملة من المسانيد وهي معلولة، جاء ذلك كما تقدمت الإشارة إليه في أذان بلال عليه رضوان الله تعالى، وفي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أذان بلال مبكراً قبل طلوع الفجر، جاء من حديث أبي يوسف عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ، والصواب في ذلك الإرسال، فيرويه غير أبي يوسف عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً، وجاء أيضاً من حديث الحسن البصري مرسلاً، وجاء أيضاً في بعض المراسيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تصح، ولا يعضد بعضها بعضاً لمخالفتها للنصوص الثابتة، ولكن لو كان هذا الحديث لا يخالفه شيء لأمكن القول به، وذلك أنه ينبغي التفريق بين الأحاديث التي ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلة، وتأتي من وجوه أخر مرسلة، ولا مخالف لها، فهذه يمكن أن تقبل ويقال: إن لها أصل، ولكن إذا كانت الأحاديث التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كهذه الأحاديث منها المتصل الضعيف، ومنها المرسل كذلك، ولها ما يخالفها من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه لا يمكن أن نقول بصحتها، و بلال عليه رضوان الله تعالى ما زال يؤذن بليل، وهذا العمل الذي بقي عليه الناس في المدينة، كما تقدم معنا في قول مالك : ما زال الناس يؤذنون بليل، كما نقله الإمام أحمد رحمه الله بإسناده عن مالك بن أنس عليه رحمة الله، وتقدم تقوية البيهقي رحمه الله لتأذين بلال بالليل بعمل أهل الحرمين، وتقدم معنا أيضاً حديث شداد مولى عياض بن عامر وإن كان فيه انقطاع وهو معلول، فتقدم الكلام عليه أيضاً بتمامه معنا في هذا الباب، نعم.

    تنبيه الناس بخطأ المؤذن في الوقت

    وهنا مسألة: وهي: هل يشرع تنبيه الناس بأن المؤذن وهم في الوقت؟

    والجواب: نعم، خاصة إذا كان الخطأ يجر الناس إلى الفساد، أو العمل المخالف، كشخص قال على المنبر: إن هذا الفعل حلال واهماً، فجاءه شخص قال: إنك قلت حلال؟ قال: لا، أنا قلت حرام، فيجب عليه أن يعلن ذلك، كذلك في الأذان؛ لأنه يجعل الناس تصلي في غير الوقت خاصة من كان في الدور من النساء، وأهل الأعذار، ويشتد ذلك إذا اجتمع مع الصلاة الصيام، خاصة في الفطر في صلاة المغرب؛ لأن الإنسان ربما يفطر أو المرأة تفطر ثم تصلي قبل دخول الوقت، فاجتمع حينئذ إفساد الصيام وإفساد الصلاة، ولهذا نقول: ينبغي له أن يرجع، وأن ينبه الناس، سواءً بإعلان أن الوقت باق، وأن الأذان كان مبكراً، أو خطأ ونحو ذلك، بالمعلومة التي تصل إلى الناس بهذا.

    1.   

    حديث: (بين كل أذانين صلاة خلا المغرب)

    الحديث الرابع من الأحاديث: هو حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه عليه رضوان الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بين كل أذانين صلاة خلا المغرب ).

    وهذا الحديث حديث منكر، تفرد به حيان بن عبيد الله ، يرويه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وهذا الحديث خالف فيه حيان الثقات في الإسناد والمتن:

    أما من جهة الإسناد فخالف فيه حيان فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بخلاف أنس ، و عبد المؤمن ، و سعيد الجريري ، فإنهم يروونه عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل ، فجعلوه من حديث عبد الله بن مغفل ، وأما حيان بن عبيد الله فجعله عن عبد الله بن عبيدة عن أبيه، سلك فيه المجرة، أي: الجادة المطروقة، لهذا نقول عن الأفلاك مجرة؛ لأنها تجري على نسق واحد، لأن غالب روايات عبد الله بن بريدة هي عن أبيه، فالراوي الذي لا يضبط يجري على هذه القاعدة، فسلك المجرة، وهي الغالب في ذلك، ولكن الحفاظ إذا خالفوا المجرة فهذا أمارة على ضبطهم، وكذلك من دونهم إذا خالفوا المجرة فإن ذلك علامة على أنه ما جرى على اللسان غلط، وأنه مخالف متعمداً، خاصة إذا كان يعرف رواية الراوي على وجهين من الرواة المكثرين، هذا بالنسبة لخطأ الإسناد.

    أما بالنسبة لخطأ المتن فهذا المتن فيه استثناء المغرب، واستثناء المغرب منكر، والأحاديث التي جاءت في حديث عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل ليس فيه استثناء المغرب: ( بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة )، ومما تعل به رواية حيان بن عبيد الله أنه جاء في رواية عبد الله بن المبارك عن كهمس ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عبد الله بن مغفل ، أن ابن بريدة يعني: عبد الله ، كان يصلي قبل المغرب، وهذا فيه إشارة إلى أن ذلك الراوي الذي روى الحديث عنه حيان بن عبيد الله صلى قبل المغرب، فكيف يروي حديثاً ويستثني المغرب ثم يصليها، وأعله بذلك ابن خزيمة رحمه الله في كتابه الصحيح، أعل المرفوع بالموقوف على عبد الله بن بريدة ، وهذا تقدم معنا مراراً، أن الراوي إذا جاء عنه حديث وثبت موقوفاً عنه خلافه، فإن ذلك يعل المرفوع؛ لأن الصحابة وكذلك أجلة التابعين وأهل الفقه لا يخالفون ما يروونه، بل إننا نقول: إن روايته للحديث المرفوع يدل على أن لديه علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ولو جاء منفرداً عنه وخالف الحديث المرفوع لقلنا: إنه لم يعلم بهذا المروي، أو روى غيره حديثاً وجاء بفعل يخالف ذلك الذي يرويه غيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلنا: إنه لا يعلم، أو لم يبلغه الدليل.

    وذكر الاستثناء في هذا الحديث منكر، أنكره جماعة من الأئمة، كـابن حبان ، و الدارقطني ، و البيهقي ، و الأثرم ، و الحافظ ابن رجب وآخرين.

    كذلك هذا الحديث يعل بأن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا يصلون قبل المغرب، كما جاء في حديث أنس بن مالك ، كما في الصحيح أنه قال: ( إذا أذن المؤذن قام أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدروا السواري يصلون ركعتين )، وهذا جاء على سبيل العموم عن جماعة من الصحابة كما رواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف عن مجاهد عن ابن أبي ليلى قال: أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بين كل أذانين ركعتين، وهذا لفظ عام.

    ويعل أيضاً بما جاء عند ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين يدي كل فريضة ركعتان )، وهذا يدل على ضعف الحديث في استثناء صلاة المغرب، وكذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، وقال في الثالثة: لمن شاء )، وهذا يدل على أن هذا الفعل جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عن عبد الله بن عمر و أبي بن كعب ، و أبي أمامة ، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولكن هل هذا عليه عمل الصحابة؟

    الجواب: نقول: جاء عن بعضهم أنه لم يكن يصلي قبل المغرب، فقد جاء عند ابن أبي شيبة من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب قال: لم أر فقيهاً يصلي قبل المغرب إلا سعد بن أبي وقاص ، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك إما لضيق الوقت، أو انشغال الناس ونحو ذلك، أو أنه أراد المداومة أنهم يداومون على ذلك، أي لم يكن أحد يداوم إلا سعد بن أبي وقاص فهذا محتمل أنه أراد هذا الأمر.

    1.   

    حديث: (إذا قام المؤذن قام أناس من أصحاب رسول الله يصلون حتى تقام الصلاة..)

    الحديث الخامس: هو حديث موسى بن أنس عن أبيه أنه قال: ( إذا قام المؤذن قام أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون حتى تقام الصلاة، صلاة المغرب، وقام بعضهم يصلي ركعتين ويجلس ).

    هذا الحديث جاء من حديث معلى بن جابر عن موسى بن أنس عن أبيه قال: (بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام يشاهدهم، في هذا الحديث نكارة مع كون معلى بن جابر راوياً مشهوراً، ولكن في هذا الحديث نكارة وهذه النكارة: هي أنهم يقومون للصلاة أكثر من ركعتين، ويستمرون في الصلوات حتى تقام الصلاة، وهذا لم يعهد عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، ولو ثبت لكان من أعلم الناس به أصحابهم، ولهذا نفاه سعيد بن المسيب ، لكن نقول: ورد ركعتان، أما هذا الإكثار فلم يكن من عادتهم عليهم رضوان الله تعالى، ولهذا سعيد بن المسيب يقول: لم أر فقيهاً قط يصلي قبل المغرب ركعتين إلا سعد بن أبي وقاص ، وهذا من أمور النكارة، ومثل هذا التفرد يرد به، أما صلاة ركعتين ثم الجلوس فهذا أمر ثابت.

    ومن الوجوه: أنهم يقومون يصلون ركعتين إذا قام المؤذن للأذان، يعني أنهم لا يرددون بل رفع بمجرد الأذان يقومون، وهذا يحمل على أمور: منها أنهم يرون وقت المغرب قصيراً، فيريدون أن يصلوا، ويرون أن الصلاة أولى من الترديد خلف المؤذن، ولكن هذا يخالفه فعل الصحابة أنهم يصلون أكثر من ركعتين، فصلاتهم أكثر من ركعتين يعني أن في الوقت متسعاً، فإذا قلنا بهذا التأويل فإنه يعارض بعضه بعضاً، ولو صلوا ركعتين في أول الأذان لاحتمل أن الوقت لا يكفي لأداء الركعتين، ولكن قد جاء عند الإسماعيلي بسندٍ صحيح أنه قال: إذا أخذ المؤذن الأذان قام نباض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: الكبار، والصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، يعني قالوا بصلاة الركعتين، يعني في حال الأذان، ويحتمل أن فعلهم ذلك إما أن يكون هذا على فعل الاستثناء لا على سبيل الدوام، ويحتمل أنهم يرون أن الترديد خلف المؤذن مفضول، والأجر فيه دون أجر الإتيان بصلاة الركعتين، ولكن نقول: إن إدراك الإنسان للصلاة بعد الأذان مع إتيانه بالترديد أولى، وهو الجمع بين الأمرين، وفي هذا دليل على أن الترديد خلف المؤذن سنة وليس بواجب، وهذا عليه إجماع الصحابة عليهم رضوان الله، ويدل على هذا: أن عثمان بن عفان كان إذا صعد على المنبر وأخذ المؤذن بالأذان أخذ يسأل الناس عن أحوالهم، وهو على المنبر، والمؤذن يؤذن، والصحابة عليهم رضوان الله تعالى الذين يكونون أمامه هم العلية من الصحابة الكبار، كـعلي بن أبي طالب ، وكذلك الأخيار، كـعبد الله بن عباس ، و عبد الله بن عمر ، وأضرابهم من علية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفقهائهم، وهذا يعني أن المسألة من مسائل الإجماع، وهذا الحديث فيما يظهر لي أنه من مفاريد معلى بن جابر ، وهو وإن كان راوياً مستقيلاً بالحديث ومشهوراً، إلا أن تفرده بالصلاة أكثر من ركعتين في صلاة المغرب إنما أعلناه بذلك لورود جملة من الآثار على أنهم كانوا يقللون من ذلك، ولو كانت صلاتهم أكثر من ركعتين مشتهرة عنهم لكان الأليق أن ينقل ذلك في غير صلاة المغرب، في صلاة العشاء، في صلاة الظهر، في صلاة العصر، ونحو ذلك، وهي أولى، لهذا نقول: إن صلاتهم في حال الأذان الأمر في ذلك سائغ، والمتن ليس فيه نكارة، وأما صلاتهم بعد دخول المغرب أكثر من ركعتين فهذا منكر، لما تقدمت الإشارة إليه.

    وهذا الحديث أخرجه الدارقطني ، في سؤال يا إخوان؟! نعم.

    ونكتفي بهذا القدر.

    1.   

    الأسئلة

    مقدار ما بين الأذان الأول والثاني في الفجر

    السؤال: [هل ثبت في الأذان الأول للفجر شيء وما مقدار ما بين الأذانين؟ ]

    الجواب: الأذان للفجر هذا أمر مستقر، ومعلوم، ولكن ما بين الأذان الأول والأذان الثاني كم يكون؟ جاء من حديث هشام بن عروة عن أبيه أنه قدر سورة البقرة، ومعلوم أن البقرة دون الثلاثة الأجزاء، يقرؤها الإنسان في ساعة إلا قليلاً إذا كان مترسلاً، وبالنسبة للأذان الذي فيه أنهم يؤذنون لطلوع الفجر فهذا المراد به أذان الصلاة لا أذان التنبيه، وينبغي أيضاً في حال النظر في المتون أن نفرق بين أحوال المتأخرين وأحوال الصدر الأول، الصدر الأول: أهل انتباه، الناس في الزمن المتأخر ما ينتبه إلا الساعة التاسعة والعاشرة، أو ربما الظهر، فهو لا يفرق بين أذان النهار عن أذان الليل في بيته، ولا يدري هذا أذان الظهر أو الفجر، نسأل الله العافية، ولكن الأوائل يعلمون، يصلون العشاء ثم ينامون، يميزون، ويدركون، ثم إن الأمور كان ظلمة يدركون أن هذا الأذان الأول أو الثاني، فالنكارة في مثل هذا لا تستقيم، ولهذا نقول: إن ما ورد من أذانهم في حال طلوع الفجر المراد به الأذان الثاني، والأذان الذي يكون في الليل إن ما هو الأذان الأول، وجاء في بعض الأحاديث ( إن ما بين الأذان الأول والثاني هو قدر ما ينزل هذا ويصعد هذا ).

    مدى ثبوت خبر الترديد في الإقامة

    السؤال: هل ثبت خبر في الترديد خلف المؤذن في الإقامة؟

    الجواب: لم يثبت، هناك من يأخذ بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( بين كل أذانين صلاة )، فسمى الإقامة أذاناً، قالوا: فعلى هذا يسن أن يردد، لكن نقول: إن مثل هذا ينبغي أن ينقل لو وجد كما تقدم معنا في التعليل، وأشهرنا للأذان، وأما تخصيص لا إله إلا الله وهي آخر ألفاظ الإقامة والأذان بالقول مجرداً فنقول: لا حرج فيه، وما لا يدركه الإنسان كله لا يفوت بعضه، بعض الناس يكون في غفلة ونحو ذلك، فإذا سمع الأذان قال: لا إله إلا الله، وهذا من الأمور الحسنة ولا حرج في ذلك، نعم، قصر في عدم الترديد، ولكن أتى ولو بشيء يسير، ومثل هذه الأذكار العامة التي لم يرد مبطل لها، ولم يدل دليل على وجوبها بذاتها بحيث يقال: إن لها شروطاً وواجبات، هذه يتسامح في بعض أجزائها، فلو أن الإنسان ينشغل مثلاً عن التسبيح دبر الصلوات، يقول: لا أسبح أحياناً أغفل أو أنشغل، أو أستعجل ولا أستطيع أن أسبح ثلاثاً وثلاثين، هل يترك التسبيح كله أو يسبح ثلاث تسبيحات ثم يمضي؟ نقول: لا حرج عليك، لكن هذا على سبيل الاعتراض لا على سبيل التقنين وإنما نقول: لا حرج عليه أن يسبح ما تيسر ثم يمضي، وإن استدرك بعد ذلك فحسن، وإلا يستدرك فيما يأتي من أذكار.

    حمل الصلاة في قوله: (بين كل أذانين صلاة) على ركعتين

    السؤال: في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( بين كل أذانين صلاة )، هل نقصرها على ركعتين، أم نزيد، خاصة أن النبي عليه الصلاة والسلام عمم؟

    الجواب: إن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( بين كل أذانين صلاة )، هو لفظ عام، يفسره أفعال الصحابة، وأفعال الصحابة كانوا يجعلون بين الصلوات ركعتين، جاء هذا عنهم كثيراً، لكن لو زاد الإنسان فنقول: لا حرج في ذلك، الأمر فيه سعة.

    القول بعدم إعلال المرفوع بالموقوف إذا خالفه لكون الصحابي فعل ذلك ضرورة أو لحاجة

    السؤال: هل هناك مخالف في إعلال المرفوع بالموقوف؟ لماذا لم نقل: إن الصحابي فعل ذلك ضرورة لحاجة؟

    الجواب: الذين ينقلون هذه الأفعال وهذه الفتاوى عن الصحابة ليسوا جهالاً، بل فقهاء، يعرفون حاله الضرورة من أحوالهم، ويعرفون ما ينقل عنهم على سبيل الفتيا، والرأي، ولهذا ما ينقل عن الصحابة عليهم رضوان الله، ويسكت عنه فهو فتوى ودين عندهم، لا الدين على سبيل العموم؛ لأن هؤلاء الصحابة مع فضلهم وإمامتهم لا يشرعون، ولكن نعل المرفوع بالموقوف؛ لأنه لو ثبت المرفوع لكان أولى ما يقول به ذلك الصحابي، ولهذا نقول: إنه ما من حديث يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخالفه الراوي له من الصحابة، ويخلو من مغمز في أحد رواته، أو اضطراب في إسناده، أو خلل في متنه، يكون فيه شيء غير تلك القرينة التي خالف فيها الصحابي مرويه، ويقل هذا شيئاً فشيئاً في التابعين ومن بعدهم، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755829037