إسلام ويب

الإيمان [2]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المقرر في شريعتنا أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولذلك كان لزاماً علينا تفقد الإيمان في قلوبنا وسؤال الله ثباته فيها، ولزيادة الإيمان أسباب ومظاهر كالتعرف على الله وأسمائه وصفاته، وطلب العلم، والاستكثار من النوافل وغيرها. ولضعفه مظاهر كالوقوع في المعاصي، والتكاسل عن الطاعات، وعدم إتقان العبادات وضيق الصدر وغيرها.

    1.   

    زيادة الإيمان ونقصانه

    الحمد لله على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسمائه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأوليائه، وسلم تسليماً كثراً مزيداً إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه

    أيها المسلمون عباد الله! فقد تقدم معنا الكلام في أن الناس في الإيمان ليسوا سواء، بل إيمانهم يزيد وينقص، منهم من زاد إيمانه حتى صار عالم الغيب كعالم الشهادة، ومنهم من ضعف إيمانه حتى صارت الشبهات والشهوات ترديه، ومصداق ذلك من القرآن قول ربنا الرحمن: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125]، وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4].

    أسباب زيادة الإيمان

    هناك أسباب من أخذ بها زاد إيمانه، هذه الأسباب خلاصتها التعرف على الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وطلب العلم الشرعي، والاستكثار من النوافل والطاعات، والبعد عن المعاصي، وصحبه الأخيار، والإكثار من الدعاء، وقراءة القرآن بالتدبر والتفهم، وتقديم ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على هوى النفس.

    هذه الأسباب لو أن المسلم أخذ بها وواظب عليها، فإن الله عز وجل برحمته يزيده إيماناً، كما قال سبحانه: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا [مريم:76].

    1.   

    الحث على تفقد الإيمان في القلوب وسؤال الله ثباتها عليه

    أيها المسلمون عباد الله! إن حرياً بكل عاقل أن يتفقد قلبه، وأن يراقب نفسه؛ لأن المعول على القلوب، وقد قرأنا في نصوص القرآن أنه: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22]، وقرأنا في نصوص القرآن أن الجنة موعود بها: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:33]، وأنه لا ينجو يوم القيامة إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89]، وقرأنا في نصوص القرآن أن الله تعالى يحول بين المرء وقلبه، يحجز بينه وبين ما يريد، فقد ( يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا).

    كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: ( لا، ومقلب القلوب )؛ لأنه صلوات ربي وسلامه عليه يعلم أن القلوب تتحول وتتبدل، وأنها ليست على حالة واحدة.

    وقد ثبت في مسند الإمام أحمد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما سمي القلب إلا من تقلبه، وإن مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة تقلبها الريح ظهراً لبطن ).

    هكذا القلب يتقلب كالريشة في مهب الريح؛ ولذلك المؤمن يكثر من الدعاء بأن يثبت الله قلبه على الإيمان، وأن يزيده هدى وتقى، إذا راقب المؤمن قلبه فإنه يستطيع أن يميز زيادة الإيمان من نقصانه.. حلاوة الإيمان من عدمها.. يستطيع أن يعرف أين يقف وأين يكون؟

    1.   

    من مظاهر ضعف الإيمان

    أيها المسلمون عباد الله! إن لضعف الإيمان علامات، كل منا ينظر في نفسه ويراقب حاله، أهو ضعيف الإيمان ولا حول ولا قوة إلا بالله؟ أم أن إيمانه في زيادة والحمد لله؟

    الوقوع في المعاصي

    أيها المسلمون عباد الله! من مظاهر ضعف الإيمان: الوقوع في المعاصي، واستسهال المحرمات، وإدمان الفسوق، تجد الواحد يأتي المعصية وهو يضحك، يقع في الفسوق وهو بذلك مسرور، يدمن المعصية مرة بعد مرة حتى تتحول إلى عادة، ولا يجد لها في قلبه نكيراً، بل والعياذ بالله قد يصبح المعروف عنده منكراً، والمنكر عنده معروفاً، بل قد يجاهر بالمعاصي بغير حياء من الله ولا من الناس؛ فيدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة: أن يعمل الرجل العمل بالليل فيستره الله، فيصبح يكشف ستر الله عليه، يقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا )، يفاخر بالمعصية والعياذ بالله، يبارز الله بالحرب.

    التكاسل عن الطاعات

    أيها المسلمون عباد الله! من مظاهر ضعف الإيمان: التكاسل عن الطاعات، واستثقالها، كما حكى ربنا عن المنافقين فقال: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، تجد الواحد منهم ثقيلة خطواته إلى بيوت الله، بطيئاً عن طاعة الله، لا ينشرح صدره إذا سمع المنادي ينادي: حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم بعد ذلك هو إلى المعصية مسارع وخطواته حثيثة، أما في الطاعات فهيهات هيهات، إذا أقبلت مواسم الخير كرمضان أو الحج لا يفرح ولا يسر، وإذا فاتته وما أدى فيها طاعة ولا عبادة على الوجه المطلوب فإنه لا يألم لذلك ولا يتأثر.

    حكى ربنا جل جلاله عن ناس كان إيمانهم في زيادة؛ بأنهم رضوان الله عليهم إذا عجزوا عن المشاركة في الجهاد لعذر من الأعذار، كانت أعينهم تفيض من الدمع حزناً، فقال عز وجل: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ [التوبة:91-92]، هؤلاء هم المؤمنون الكمل، إذا فاتتهم مشاهد الخير ومواسم البر فإنهم يحزنون على ما فاتهم؛ ولذلك كافأهم الله عز وجل، رغم أنهم ما شاركوا، إلا أنه جل جلاله برحمته جزاهم بصدق نياتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قافل من غزوة تبوك: ( إن بالمدينة نفراً، ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا شركوكم في الأجر؛ حبسهم العذر )، رغم أنهم ما شاركوا في الجهاد، ولا عانوا من المشقة، ولا قاسوا شدة الحر ومرارة العطش، رغم ذلك شاركوهم في الأجر؛ لأن نياتهم صادقة؛ لأن قلوبهم سليمة؛ لأن توجههم إلى الله عز وجل صادق.

    عدم إتقان العبادات

    أيها المسلمون عباد الله! من مظاهر ضعف الإيمان: عدم إتقان العبادات، تجد الواحد منهم إذا صلى لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، إذا توضأ لا يسبغ الوضوء، صلاته ونسكه حركات جوفاء لا روح فيها، لا يشعر للذكر بمعنى، لا يشعر للقرآن بحلاوة، لا يتدبر، لا يتفهم، وإنما هو واجب يؤديه، يريد أن يطرحه عن ظهره ليستريح، هذا حال كثير من الناس -نسأل الله السلامة والعافية- لا يشعرون للعبادة بلذة؛ لأنهم لا يتقنونها، لا يصلون كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يتوضئون نحو وضوئه، لا يتشبهون به في نسكه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، إلا غفر الله له )، وقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وقال: ( لتأخذوا عني مناسككم )، هؤلاء هم المؤمنون المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم.

    الشح والبخل

    أيها المسلمون عباد الله! من مظاهر ضعف الإيمان: الشح والبخل، تجد ضعيف الإيمان بخيلاً شحيحاً مقتراً مسيكاً، إذا أخرج الدرهم فكأنما قطعت من جلده قطعة، تجده ممسكاً بالمال، هو عبد الدينار، عبد الدرهم، عبد الخميصة، عبد القطيفة، يرى في هذه دنياه وآخرته، لا يلتفت إلى شيء سواها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم، ولا يجتمع في قلب شح وإيمان أبداً )، الشح والإيمان نقيضان لا يجتمعان، الشح والإيمان لا يجتمعان في قلب عبد من عباد الله، لا بد أن يطرد أحدهما الآخر، قال الله عز وجل: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].

    التزلزل عند حلول المصيبة

    من مظاهر ضعف الإيمان: أيها المسلمون عباد الله! التزلزل عند حلول المصيبة، الاضطراب عند وقوع القارعة، تجد أحدهم إذا أصيب في ماله، أو في نفسه، أو في أهله، أو في وظيفته، تجده شاخص البصر، زائغ العينين، مضطرب القلب، وجل النفس، كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ [الأنفال:6]؛ لأنه قد جعل الدنيا غاية همه، ومبلغ علمه، ما علم أن الدنيا سنة الله فيها التداول: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، لا تبقى الدنيا لأحد قط، هذا الإنسان يغفل عن هذه السنة الإلهية، يحسب أنه سيعيش غنياً ويموت غنياً، يعيش شاباً ويموت شاباً، لا يعتريه السقم فيها لحظة، يحسب أن هذه الدنيا تستقر على حال واحدة وقد تعلق بها قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت الدنيا همه شتت الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له. ومن كانت الآخرة همه جمع الله عليه شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة ).

    يا أيها المسلمون يا عباد الله! كونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا، خذوا من الدنيا ما يعينكم على آخرتكم، ما يبلغكم رضا مولاكم، اجمعوا المال من حله، وأنفقوه في حله، لا يكن هم الواحد منا الدرهم والدينار يجمعه من كل سبيل، ثم بعد ذلك يخلفه وراء ظهره فيحاسبه الله عليه.

    ضيق الصدر

    أيها المسلمون عباد الله! من مظاهر ضعف الإيمان: ضيق الصدر، وانحباس الطبع، والتأفف لأدنى شيء، تجد ضعيف الإيمان كأن على قلبه ثقلاً، فهو متضجر متأفف، لا تسمع منه كلمة رضا، ولا كلمة استحسان، تجده والعياذ بالله ساخطاً على الله، ساخطاً على الناس، لا يشكر لله ولا يشكر للناس، هكذا دائماً ضعيف الإيمان والعياذ بالله.

    أما قوي الإيمان فإن صدره منفسح، قلبه منشرح، الدنيا لا تسع صدره، قدوتنا وأسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ( كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وقال: أرحنا بها يا بلال )، ما كان يتأفف، ما كان يتضجر، ما كان يتلفظ بالكلمة النابية، ولا اللفظة الفاحشة، ولا سمع منه أحد شيئاً يكرهه، كان عليه الصلاة والسلام أوسع الناس صدراً، أعظم الناس حلماً، أحسن الناس خلقاً؛ لأنه كان أكمل المؤمنين إيماناً، صلوات ربي وسلامه عليه.

    عدم الحزن لمصاب المسلمين

    أيها المسلمون عباد الله! من مظاهر ضعف الإيمان: أن ضعيف الإيمان لا يحزن لما يصيب المسلمين، لا يسعى في تنفيس كرباتهم، ولا في قضاء حوائجهم، لا يغيث ملهوفاً، لا يعين صانعاً، لا يصنع لأخرق، لا يجيب سائلاً، لا يحنو على مسكين، لا يمسح على رأس يتيم، هو قاس القلب والعياذ بالله تجاه المسلمين، قال الله عز وجل ذاماً بني إسرائيل: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74].

    1.   

    من عوامل تقوية الإيمان

    يا أيها المسلمون يا عباد الله! من أراد أن يقوى إيمانه فليكثر من الاستغفار، من أراد أن يقوى إيمانه فليكثر من ذكر الله، من أراد أن يقوى إيمانه فليدم الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أراد أن يقوى إيمانه فليقرأ القرآن وليتدبره، من أراد أن يقوى إيمانه، فليواظب على الصلاة مع جماعة المسلمين في بيت الله، من أراد أن يقوى إيمانه فليحضر مجالس الذكر.

    أسأل الله عز وجل أن يرزقنا إيماناً يباشر قلوبنا، حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتب لنا، اللهم رضنا من المعيشة بما قسمت لنا، نسألك إيماناً صادقاً، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة.

    عباد الله! توبوا إلى الله واستغفروه.

    1.   

    كثرة توالي الآيات الكونية في زماننا الحاضر

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

    أما بعد:

    كل شيء يحدث في هذا الكون بقدر الله

    أيها المسلمون عباد الله! فيقيننا معشر أهل الإيمان أن الله على كل شيء قدير، وأن الله بكل شيء عليم، وأن الله غني عن العالمين، وأن قوله جل جلاله لأمر إذا أراده أن يقول له كن فيكون، يقيننا أن الله عز وجل بيده مقاليد الأمور، وأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، (لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما امتد إليه بصره من خلقه).

    الحكمة من إرسال الله الآيات الكونية لعباده

    ربنا جل جلاله، الغني، القوي العليم الحكيم، يرسل لنا الآيات مرة بعد مرة، كما قال سبحانه: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59]، آيات يخوف الله بها عباده، قبل خمسة عشر يوماً يخسف القمر، فيقوم الناس لصلاة الخسوف، واليوم يوم الجمعة تنكسف الشمس فيفزع المؤمنون إلى الصلاة اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( ألا إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    يا أيها المسلمون! قبل يومين اثنين يضرب زلزال مدمر جزر هاييتي، فيأتي على الأنفس والمباني والأموال، تتناثر الجثث في الشوارع، حتى القصر الرئاسي يخر على من فيه، ويخرج الناس هائمون على وجوهم في الظلام الدامس، خائفون، ومن تكرر الزلزال وجلون، هذه كلها آيات يخوف الله بها عباده: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

    من أسباب نزول العذاب وكثرة الآيات الكونية

    يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إنه ( لا أحد أغير من الله، وإن الله يغار أن يزني عبده أو تزني أمته)، واليوم قد امتلأت الشوارع والطرقات بمعاصي الله عز وجل، نرى المتبرجات الكاسيات العاريات، اللائي كشفن ما أمر الله بسترة، وكثر اللقطاء وأولاد السفاح ممن يخرجون إلى الدنيا يشكون إلى ربهم ظلم العباد، وانتهاك الحرمات، الجرأة على المعاصي، والكفر البواح الذي ينشر على صفحات الجرائد، واسترخاص الدماء، نجد اليوم أنه صار الدم رخيصاً عند بعض الناس، حتى عند الصغار، نقرأ في أخبار الأمس أن طالباً في جامعة السودان عمد إلى طعن زميله بالسكين في قلبه فمات من فوره، سبحان الله! ما هذا؟ لو وجد تربية مستقيمة، ولو وجد من يخوفه بالله لما فعل ذلك، لكن لا نعجب إذا كان بعض أبنائنا لا يزال ينتمي إلى الأحزاب الجاهلية، إلى الحزب الشيوعي، إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، هذا الذي يدعو إلى قومية منتنة ما أنزل الله بها من سلطان؛ إذا كان بعض أبنائنا يحتفل مع النصارى بأعيادهم وكأنه واحد منهم، فماذا ننتظر أيها المسلمون؟

    بل أبلغ من ذلك: نسمع في أخبار الأمس أن عدو الله ورسوله الشيوعي الحاقد، المنتمي للحركة العنصرية، الساعي بالفساد في الأرض، المحارب للفضيلة، الداعي إلى الرذيلة، يرشح نفسه ليكون رئيساً لهذه البلاد، والله

    لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس

    شخص لا يتمتع بدين ولا خلق يريد أن يكون رئيساً على الناس، أمن أجل أن ينصر ديناً، أو من أجل يقيم شريعة، أو من أجل أن يأمر بمعروف، أو من أجل أن ينهى عن منكر؟ اللهم لا هذا ولا ذاك، ولكن من أجل أن يكمل مشوار العمالة في العداوة لله ورسوله.

    أسأل الله عز وجل أن يهلك من في هلاكه صلاح المسلمين، وأن يصلح من في صلاحه صلاح المسلمين، اللهم ول علينا خيارنا، ولا تول علينا شرارنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه وليك، ويذل فيه عدوك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

    اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.

    وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755953969