إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (54) - النوع الرابع والخمسون في كناياته وتعريضه

عرض كتاب الإتقان (54) - النوع الرابع والخمسون في كناياته وتعريضهللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أساليب القرآن ومناحيه البلاغية كثيرة، فقد عجز العرب عن الإتيان بأقل سورة منه، ومن تلك الأساليب: استخدام الكناية والتعريض؛ حيث إن دلالتهما على الكلام أقوى من الحقيقة والتصريح، ولهذا وردت الكناية والتعريض في القرآن الكريم لأسباب عدة وفوائد كثيرة، زادت المعنى وضوحاً وقوة.

    1.   

    الكناية والتعريض

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فنأخذ سريعاً ما يتعلق بالنوع الرابع والخمسين من كتاب الإتقان: في كناياته وتعريضه.

    تعريف الكناية

    ذكر السيوطي رحمه الله تعالى في هذا النوع وهو من الأنواع المرتبطة بعلم البلاغة، حيث قال: هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة، وقد تقدم أن الكناية أبلغ من التصريح.

    وعرفها عند أهل البيان: بأنها لفظ أريد به لازم معناه.

    فكأن اللفظ الظاهر ليس هو المراد، وإنما المراد لازمه.

    والطيبي ذكر: أنها ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم، فينتقل منه إلى الملزوم.

    وأيضاً ذكر أن قوماً ممن أنكروا المجاز أنكروا أيضاً وقوع الكناية.

    ولا نريد أن نطيل في هذا؛ لأن فيه أمثلة فقط نمر عليها سريعاً ونناقش بعضها.

    أسباب الكناية

    ونلاحظ مثلاً عند ذكر قضية الكناية في قوله سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] ذكر أنه كناية عن آدم عليه السلام.

    وذكر أن هذه الكناية سببها التنبيه على عظم القدرة، وهذا كما في قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] وكونه آدم عليه السلام هو الظاهر، فلا يحتاج إلى مثل هذه الكناية، لكن يمكن أن يقال: عبر بشيء بديل عن اللفظ فبدلاً من أن يقول: خلقكم من آدم قال: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189]، وقد يكون لما ذكره من عظم القدرة، مع أنه لو قيل: خلقكم من آدم. لكان دالاً على هذا المعنى، بمعنى أن هذه الفائدة وهي كونه دالاً على عظم القدرة، لا يؤثر فيها كونه يقول: خلقكم من آدم أو يقول: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف:189] فهما متساويان.

    السبب الثاني: ترك اللفظ إلى ما هو أجمل، وذكر مثالاً لذلك: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ [ص:23] فكنى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك؛ لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه، ولهذا لم يذكر في القرآن امرأة باسمها إلا مريم .

    ووجه الجمال فيه هو: عدم التصريح بذكر النساء.

    لكن الملاحظ أنه يغلب في ذكر العرب للنساء في مثل هذه المواطن ذكر الحبيبة، فإنهم يصرحون بذكرها، وهذا من باب التلذذ بذكر اسمها، إذا أردنا أن نرجع إلى عادة العرب وكلامهم؛ لأن عادة العرب وكلام العرب محكم في مثل هذا، فهنا أيضاً ملحظ في هذه وهو كونه قال: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [ص:23] بناءً على التفسير المشهور، ولم أر ورود غيره عن السلف: أن المراد بالنعجة في هذا الموطن المرأة.

    فيكون هذا كناية عن المرأة، لكن لا تكني العرب عن المرأة في الغالب كما ورد في أشعارها إلا إذا كان في مقام يراد فيه الستر على المرأة، وغالباً ما يكون الستر على الحبيبة، لكن يكثر عندهم أيضاً ذكر اسمها صريحاً، فكونه من عادة العرب ترك التصريح بذكر النساء، هذا ليس بدقيق، بل العرب قد تصرّح باسم النساء، وقد تكني على حسب الحال، فالحال هو المحكم في مثل هذا الأمر.

    لكن الكلام هنا عن أنه وقعت الكناية في هذه الآية عن المرأة بالنعجة فنقول: على قول من ذهب إلى تفسير النعجة هنا بالمرأة، وعليه تفسير السلف.

    السبب الثالث: أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره، ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول والسر في مثل قوله: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة:235]، والغشيان في قوله: فَلَمَّا تَغَشَّاهَا [الأعراف:189].

    ذكر روايات عن ابن عباس قال: المباشرة الجماع ولكن الله يكني.

    وفي رواية أخرى عنه قال: إن الله كريم يكني ما شاء، وإن الرفث هو الجماع.

    وهذا من باب استخدام اللفظ الأحسن على السمع، مع ملاحظة أن في غير القرآن وإن كان في اللفظ شيء من الشناعة يكون مقصوداً ومراداً، فإن ذكره في محله أولى.

    مراعاة الحال في الكلام

    ولهذا دائماً نقول قاعدة: إن الأصل في الكلام أنه مرتبط بالحال.

    إذا تساوى الأمر فتأتي هنا قضية الاختيار. بمعنى: أنه لو ذكر هذا أو هذا لدل على المعنى، فصارت المسألة هنا مسألة اختيارية، لكن الحال في مثل هذا هو المقدم، فمحاولة تأطير كلام العرب بمثل ما يذكره المؤلف وهو ينقل عن علماء البلاغة، هذا في الحقيقة يحتاج إلى مراجعة لضبط هذه المسألة وهي مسألة: الحال واختيار الكلام المناسب له، وبناءً عليه إذا كان كذلك فلا يلزم أن يكون مثل هذه الأسرار التي ذكروها مقصودة بلاغة بهذه الطريقة التي ذكروها، يعني: أن من البلاغة هذا النوع وقصد الكناية عن كذا، مثل قصد الكناية عن المرأة بالنعجة، وأن هذا من عادة العرب في الكناية!! نقول: لا، إنما كني عنها في هذا الموطن قصداً لشيء معين فقط.

    وذكر أمثلة كثيرة جداً، وبعضها قد يكون فيه إشكالات من جهة المعنى مثل: أنه كنى عن الجماع أو عن المعانقة باللباس في قوله: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، مع أن قصر المعنى على هذا فيما يتعلق بالزوجة فيه تقصير في المراد بمعنى اللباس في هذا الموطن، وهذه الآية من دقائق بلاغة ألفاظ القرآن في اختيار الألفاظ، والدالة على جملة من المعاني، ولو أخذنا في مثل قوله: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] وأردنا أن ننظر إلى ما هو أعلى شأناً من قضية الجماع أو قضية المعانقة، فإن هناك ما هو أشمل من هذا كما وصف الله سبحانه وتعالى الزوجة بأنها سكن، وهنا وصفها بأنها لباس وبأن الرجل لباس لها، ففيها معنى المخالطة، وفيها معنى الستر، ومعنى الستر عندي مهم جداً في التنبيه على بلاغة القرآن فيما يتعلق بالمعاشرة الزوجية، وكأن الأصل في الحياة الزوجية هي الستر بين الزوج والزوجة؛ لأن المرأة لباس يغطي الرجل وعيوبه، والرجل لباس يغطي المرأة وعيوبها. وكذلك فيه هذا المعنى.

    فالمعنى القرآني أوسع مما ذكره المؤلف.

    فذكر أمثلة كثيرة، ومما أورده في هذه القضية: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [الأنبياء:91] هل هو كناية عن تصريح فرج القميص، أو هو تصريح بالفرج المعروف؟ فالمؤلف قال: وأورد على ذلك كلاماً وتكلم عن قضية كون التصريح بما يستقبح يذهب به إلى الكناية، أنه ذكر الفرج صراحة هنا، فهو يقول معلقاً على هذا. وأجيب بأن المراد به فرج القميص.

    أي: المراد بقوله: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [الأنبياء:91] فرج القميص، والتعبير عن المراد به فرج القميص وإن كان محتملاً إلا أنه أضعف، وإنما الصواب أن المراد به الفرج المعروف.

    وهذا فيه مدح لها بالطهارة التامة في كونها أحصنت فرجها، فلا يلزم أن يكون التعبير بالكناية في مثل هذا الموطن أن يكون أفضل من التصريح، بل مقام التصريح هنا أقوى مما لو كان كناية، والدليل عليه هو استخدام القرآن كونه قال: أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [الأنبياء:91].

    وأورد كلاماً في أنه كيف يظن أن نفخ جبريل وقع في فرجها؟! وإنما نفخ في جيب درعها، وهذا توهم غريب، والصحيح أنه نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى فرجها، وهذا ليس فيه إشكال، والله سبحانه وتعالى هو الذي أمر أولاً وآخراً، فلا يعلق على أمره وحكمه بمثل هذا التعليق، وأنا أخشى أن تكون الأسباب مثل هذه إنما تكون من أسباب مقدمات عقلية.

    أثر المقدمات العقلية على المسألة العلمية

    وهذه المشكلة سبق أن ذكرنا أنه أحياناً بعض المقدمات العقلية تؤثر على معرفة المسألة العلمية كما هي، دون أن يكون عندنا هناك نوع من التشتت الذهني، وسيأتي إن شاء الله أمثلة لذلك في أن الخلل العقلي في فهم المسألة يؤثر على الوصول إلى النتيجة والحقيقة.

    مثال ذلك ما ذكره المؤلف أيضاً في قوله: من أسباب الكناية: [ قصد البلاغة والمبالغة ] ذكر: [ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] كناية عن سعة جوده وكرمه جداً ].

    هذه الكناية هي مرادة من قوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، لكن هل هو تفسير لقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]؟ هل هذا هو المعنى المراد فقط، أو هذا من لوازم المعنى في كون الله سبحانه وتعالى يداه مبسوطتان؟

    الجواب: نجد أنه من لوازم المعنى وليس هو المعنى فقط، و السيوطي رحمه الله تعالى ومن يذهب مذهب التأويل يرى أن هذا هو المعنى ولا يثبت لله يداً حقيقة والتي هي صفة لله عز وجل.

    ومما ذكره أيضاً قصد الاختصار، ثم التنبيه على مصيره، وذكر فيها: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]، أنه ذكر: اللهب كناية عن مصيره، مع أنه قال: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:3] وأشار صراحة إلى هذا، لكن الذي نريد أن نقف عنده تتمة للقضايا العقلية التي تؤثر على الأصل، أو تؤثر على فهم المعنى.

    ثم ذكر استنباط الزمخشري قال: [ استنبط نوعاً من الكناية غريباً، وهو أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر ].

    لاحظ جعل المعنى على خلاف الظاهر، فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز، فتعبر بها عن المقصود كما تقول في نحو: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]: إنه كناية عن الملك؛ فإن الاستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك فجعله كناية عنه، وكأنه كناية في كناية.

    وهذا في الحقيقة مشكل؛ لأن فيه نوع من الإلغاز في كلام الله سبحانه وتعالى، وهنا قاعدة يجب أن ينتبه لها، وقررها بعض العلماء منهم ابن عطية رحمه الله تعالى: أن القرآن ليس محلاً للإلغاز. فالقرآن واضح وجاء سهلاً يفهمه العربي، فليس محلاً للإلغاز.

    هذا الذي ذكره عن الزمخشري ولم يعترض عليه، وأيضاً ذكر: وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67]، هذه كما ذكرنا ناتجة عن مقدمات عقلية معينة جعلته يقبل مثل هذا الكلام، وإلا فلو تأملنا كلام الزمخشري فإنه لم يفهم هذا المعنى بهذا الأسلوب إلا الزمخشري ، أي: بهذه الطريقة العقلية التي أدارها لم يفهمها إلا هو، مع أن غيره من العلماء من سلف الأمة فهموا الآية على غير هذا الوجه، فلا نحتاج إلى مثل هذه الأمور؛ لكي نغيّر ظواهر المعاني، لكن من باب التنبيه وأن يكون فيه نوع من العدل وأنه حينما نأتي إلى مثل هذا ونخطئ هؤلاء العلماء الكبار، ونخطئ ما وصلوا إليه من نتيجة، يجب أن يكون عندنا نوع من التنبؤ إلى أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من باب التنزيه، ونحن نتفق على مبدأ التنزيه، لكن الإشكالية عندهم في كون هذا إذا أثبت لله صفة يكون فيه نقص في التنزيه، وإذا أوّل يكون فيه كمال في التنزيه.

    فنقول: إن الإشكالية هي في هذا الموطن فكون الله سبحانه وتعالى يصف نفسه في آيات متعددة كقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، لا يمكن أن يصف نفسه في آيات متعددة بهذا الوصف، ويكون كله من باب الإلغاز على هذا الأسلوب إطلاقاً، بل إنما هو على باب الحقيقة.

    وأيضاً ليس من المعقول أن يصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأوصاف كثيرة مثل ما ورد في قوله: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، وأيضاً في قوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وأيضاً في قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، آيات كثيرة جاءت في الصفات الخبرية سواء ذاتية أو فعلية، صفات متعددة جداً وكثيرة في كتاب الله، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتكون كل هذه ليست على ظاهرها!! هذا لا يمكن؛ لأن هذا نوع من الإلغاز، ولهذا يجب أن يتنبه إلى أن المؤول لا يمكن أن يؤول حتى يمر بقنطرة التمثيل وليس التشبيه فقط؛ لأنه يتصور أنه إن أثبت هذه الصفة فأن هذا تمثيل، والله سبحانه وتعالى قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فإذاً يجب علينا أن ننتقل إلى التأويل.

    فهذه إشكالية يجب أن ننتبه لها ونحن نناقش هذه المسائل؛ لأن علم البلاغة بأركانه هذه التي قرأناها هو الذي دخل منه بعض من ضل في هذه الأبواب لإثبات هذه القضايا العقدية التي يثبتونها كما تلاحظون الآن في مثل هذه الأمثلة.

    وذكر بعد ذلك التذنيب وأنه من أنواع البديع التي تشبه الكناية الإرداف، وفرّق بينه وبين الكناية.

    الفرق بين التعريض والكناية

    ثم قال بعد ذلك: [ للناس في الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة ]، وذكر قول الزمخشري : [ الكناية: ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، والتعريض: أن تذكر شيئاً تدل به على شيء لم تذكره ].

    وكما نلاحظ أن التعريض أن تذكر كلمة ثم تدل على شيء آخر، ويتبين ذلك بالمثال: ومن أشهر أمثلتها ما ورد عن إبراهيم عليه السلام عندما قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]، فنسب الفعل إلى الكبير، وكأنه يعرّض بعجز هذه الأصنام وبسفاهتهم أيضاً في عبادتها، يعني: تعبدون هذه الأصنام التي لم تستطع الدفاع عن نفسها، بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63] فإذا كان هذا الذي فعله، فهذه آلهتكم لم تستطع أن تدافع عن نفسها. فهذا المراد به التعريض.

    توجيه الخطاب في قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك)

    ومما ذكر أيضاً في قضية التعريض قال: [ وإما لاستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم ومنه قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] ].

    فالخطاب الآن في قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، هذا موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هناك إشكال أن يوجه هذا الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

    لكنه قال هنا: [ خوطب النبي صلى الله عليه وسلم وأريد غيره لاستحالة الشرك عليه شرعاً ].

    فاستحالته شرعاً واقع، ما نخالف في هذا، لكن هذا الخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم ومقصود به.

    وبناءً على كلام المؤلف، وكذلك أبي حيان مع جلالة قدره في علوم العربية ذهب إليه، وتمحل في أن الخطاب هذا ليس للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بصواب، وهذه مشكلة قائمة على مفهوم العصمة عند هؤلاء الفضلاء، فمفهوم العصمة عندهم فيه إشكال، فيقع مثل هذا في محاولة تحويل الخطاب الذي وجّه قصداً للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تتبعه أمته بعد ذلك إلى أن يكون ليس مقصوداً به النبي صلى الله عليه وسلم إطلاقاً: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]، ولو كان المراد توجيه الخطاب لغير النبي صلى الله عليه وسلم لوجه إليهم، وإذا كان هذا موجه لغير النبي صلى الله عليه وسلم كيف نفعل بآيات الإسراء، عندما قال الله سبحانه وتعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ [الإسراء:74] والخطاب له، لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:74-75] وهذا مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فلماذا تكون هناك حشمة ورعاية لمقام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكون هناك حشمة ورعاية لمقام كلام الله سبحانه وتعالى؟ والأصل أن ما يتعلق بحق الله أولى مما يتعلق بحق النبي صلى الله عليه وسلم، فترتيب الأولويات هذه مهم، فلوجود هذا الإشكال في مفهوم العصمة، وقع عند المؤلف رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهبه هذا الإشكال، في أنهم يقولون: أن الخطاب لم يكن موجهاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو موجه لأمته، لكن نقول: الصواب أنه موجه لمحمد صلى الله عليه وسلم مباشرة، وإذا كان وجّه هذا الخطاب لمن لم يقع ولن يقع منه الشرك، فمن باب أولى من يقع منه ذلك، فهذا يكون أقوى وأبلغ، يعني: إذا كان يخاطب بهذا الخطاب من لا يقع في ذلك وينبه عليه، فمن باب أولى أن يكون من يقع منه هو الذي يحترز في ذلك.

    لكن إشكالية مفهوم العصمة وطريقة التعامل والعناية بهذا تجعل بعض العلماء يذهب إلى مثل هذا المذهب، وأنا عندي أن هذا المذهب فيه نظر وفيه حشمة ورعاية لمقام النبوة، ولكنه في المقابل ليس فيه حشمة ورعاية لمقام كلام الله سبحانه وتعالى الذي تكلم به وهو أعلم سبحانه وتعالى بما يقول، فلا نحتاج إلى أن نأول كلام الله سبحانه وتعالى ونصرفه إلى معنى آخر ليس مراداً به مثل هذا المعنى العقلي الذي يقع فيه بعض الناس.

    طبعاً كما تلاحظون لو رجعنا إلى هذه الأنواع، لا شك أنكم تلاحظون أن لها أثراً فيما يتعلق بالتفسير؛ لأنها مرتبطة ببيان المعاني، وبناءً عليه ستكون هذه العلوم المذكورة من علوم البلاغة.

    1.   

    الأسئلة

    العلاقة بين الكناية والتشبيه

    السؤال: [ما العلاقة بين الكناية والتشبيه من خلال الكناية عن المرأة بالنعجة ]؟

    الجواب: الكناية فيها قدر من التشبيه، لكنه كنى فهو لم يقل: إن أخي هذا له تسع وتسعون امرأة ولي امرأة واحدة، بل كنى عن المرأة بالنعجة، وإذا كان المراد نفس النعاج فيكون حقيقة ما يكون كناية.

    وفي الحقيقة لا نريد أن ندخل في تأويل الآية، لأن هذا ليس مقام تحقيق في هذه الآية؛ لكن أنا ذكرت عبارة؛ لكي يكون عندك نوع من التوقف وأن تفسير السلف جاء على أن المراد بالنعجة المرأة، ولهذا لما نقول تفسير السلف، بعض الناس يكون عنده نفس الإشكالية التي سبق وأن ذكرناها وهي قضية العصمة وغيرها، فيضرب بكلام السلف كله عرض الحائط بدعوى أنه خالف العصمة، وهذا ليس بصحيح، فلن تكون أكثر تنزيهاً للأنبياء من هؤلاء الكرام، أمثال ابن عباس و ابن مسعود و ابن زيد وغيرهم. فلا تتصور أنك تكون أكثر تنزيهاً لهم وأعلم بكتاب الله منهم، فكونهم يذهبون إلى هذا المذهب، فأنت لا بد أن تتفهم أقوالهم قبل أن ترد عليها.

    والمشكلة أننا نرد كلامهم؛ لأن القضية محسومة عندنا بأنه لا يتصور هذا أن يقع من داود عليه السلام، فانتقلنا إلى أن هذا كله باطل وكذب، ونحن لا نتكلم عن التفاصيل، بل نتكلم عن الأصل.

    وأيضاً لو قال: خلقكم من آدم واحد، نفس القضية، أنا لا أشعر أن فيه فرقاً.

    كونه ذكر واحدة في قوله: نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] في هذا تنبيه، لكن أقول: أنا عندي يستوي قوله: نفس واحدة وقوله آدم، فيستوي هذا وهذا، مثلما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن حواء خلقت من ضلع أعوج، يعني: من آدم. فـحواء خلقت من آدم، فكل الناس أيضاً رجعوا إلى آدم وهذا أبلغ في القدرة.

    سبب التكنية عن المرأة بالنعجة

    السؤال: لماذا يكنون عن المرأة بالنعجة أو بالشاة؟

    الجواب: لا أعرف تحليل هذا عند العرب، لكنه لا شك موجود، ولو رجعنا إلى شروح المعلقات أو غيرها، أو عادات العرب قد نجد لماذا خصوا مثلاً الشاة أو النعجة بالتعبير عن المرأة، وكذا عندما يصفونها بالريم أو غيره وهذا معروف، أو ببقر الوحش مثلاً؛ لاتساع عينيها، يعني: فيه وجوه تشبيه، لكن الشاة الآن لا أذكر لهذا سبباً معيناً.

    وقوع الشرك الأصغر من الأنبياء

    السؤال: [ هل يتصور وقوع الشرك الأصغر من الأنبياء ]؟

    الجواب: طبعاً لا شك، وأكيد قد يقع عندهم الشرك الأصغر وهو لم يفصل، لكن الشرك الأكبر بالإجماع أنه لا يقع.

    حكم تشبيه المحسوس بالمعقول

    السؤال: بالنسبة لتشبيه المحسوس بالمعقول ولعله الرازي ، صرّح في جانب من هذا وقال: وأما القسم الرابع وهو المحسوس بالمعقول فهو غير جائز.

    الجواب: يعني: أن هذا لم يقع في القرآن، بل منعه الإمام أصلاً؛ لأن العقل مستفاد من الحس، فالمحسوس أصل للمعقول.

    لعلنا نقف عند هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756531575