إسلام ويب

فضل سورة البقرةللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سورة البقرة سورة عظيمة، وردت في فضلها أحاديث صحيحة كثيرة لمن حفظها وداوم على قراءتها، وهي مع طولها ترتكز على موضوعين رئيسين، هما: الحديث عن بني إسرائيل وأساليبهم مع الأنبياء، والحديث عن الأحكام العلمية التي يحتاجها المسلم في حياته الدنيوية.

    1.   

    بعض الأحاديث الواردة في فضل سورة البقرة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    البقرة أطول سور القرآن حيث استغرقت جزئين ونصف الجزء تقريباً، وقد وردت الأحاديث الكثيرة في فضل سورة البقرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة )، وهذا الحديث فيه حث منه عليه الصلاة والسلام على قراءة سورة البقرة في البيوت، وقوله: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ) يعني: لا تشبهوها بالقبور، فإن القبور لا يصلى داخلها، ولا يقرأ القرآن، فلا تجعلوا البيوت شبيهة بالقبور، بل صلوا فيها واقرءوا القرآن، فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة تفر منه الشياطين.

    وجاء في فضلها أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: ( تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة )، يعني: السحرة، فبصدق الاعتماد على الله، والتوكل على الله، وحفظ سورة البقرة أو قراءة سورة البقرة يحمى الإنسان من السحرة، ولا يقدرون عليها.

    وجاء في فضلها مع سورة آل عمران قوله صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا الزهراوين ) يعني: البقرة وآل عمران: ( فإنهما يأتيان يوم القيامة غمامتان أو غيايتان تظلان صاحبهما ). والأحاديث في فضل سورة البقرة كثيرة.

    وهذه السورة الطويلة سورة البقرة كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرؤها هي وآل عمران والنساء في ركعة.

    1.   

    المواضيع الرئيسة التي وردت في سورة البقرة

    وهذه السورة الطويلة سورة البقرة تدور حول قضيتين عظيمتين وهما:

    الحديث عن اليهود وأساليبهم تجاه الدعوة

    القضية الأولى: موقف اليهود أعداء الدعوة الإسلامية في المدينة، وكيف تلقوا هذه الدعوة. ففي قوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75]، تيئيس من الله عز وجل للمؤمنين بإيمان هؤلاء اليهود.

    وفي قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ[البقرة:83]، وقوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ[البقرة:84]، إخبار عن هذه الجماعة كيف كانت تتلقى أحكام الله، يعني: إذا جاءهم الأمر أو النهي فإن الله يأخذ عليهم العهود والأيمان، ويقسمون أنهم سيفعلون بهذا الشيء، ثم بعد هذه العهود والمواثيق أيضاً يتخلفون، ويغيرون.

    ومع كل هذه الأوصاف التي في السورة كان الشيطان يغرر بهم، ويضحك عليهم، ويعدهم بأنهم هم أصحاب الجنة، وهم الذين يفوزون بالنعيم المقيم، وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً[البقرة:80]، يعني: كانوا يقولون للمسلمين: نحن سندخل النار أياماً قليلة بعدد الأصابع أو أقل، ثم نخرج منها وتخلفونا أنتم معشر المسلمين في النار.

    لكن انظروا كيف كان الجواب القرآني، وهو أن المسائل ليست أماني، ليس هناك أحد من الناس بينه وبين الله علاقة نسب، أو علاقة قرابة أبداً، الله عز وجل يأتيهم بالجواب القاطع للأماني الباطلة: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] يعني: من قال: أنا من أصحاب الجنة، أنا سائر إلى الجنة، هو أحد رجلين: إما إنسان معه عند الله عز وجل عهد بأن يدخله الجنة، وإما إنسان يقول على الله ما لا يعلم، فالله عز وجل يقول لهم: أنتم من أي الفريقين أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا )) أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:80]، الجواب هو الثاني: أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:80]؛ لأنهم ليس لهم عند الله عهد أن يدخلهم الجنة.

    ومن هؤلاء الذين لهم عند الله عهد أن يدخلهم الجنة؟ الذين عاهدهم الله ووعدهم بأنهم أصحاب الجنة ذكرهم في الآية الثالثة بعدها: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:82]، فأنت إذا أردت أن تكون من الفريق الأول الذي يتخذ عند الله عهداً أن يدخله الجنة فالطريق سهل وبسيط، وهو أن تتزود بالإيمان والعمل الصالح: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ [البقرة:82]، هؤلاء هم الذين يعطيهم الله العهد وهم في الدنيا، بأن يدخلهم الجنة إذا ماتوا، وهكذا قال عليه الصلاة والسلام: ( خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة، من حافظ عليهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة )، هؤلاء هم أصحاب العهد، أصحاب الإيمان والعمل الصالح، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، أما هؤلاء الذين يتحدث الله عنهم في القرآن فلن يتخذوا هذا الطريق بل اتخذوا العناد والاستكبار، والاستخفاف، فكلما أمروا بأمر تحيلوا بأنواع الحيل لإبطاله والفرار منه، وكلما نهوا عن نهي تحيلوا بأنواع الحيل للوصول إليه، فلم يتخذوا عند الله عهداً بطاعته.

    الحكمة من ذكر أساليب بني إسرائيل في القرآن

    المهم أن السورة في قسم كبير منها تتحدث عن هذا الفريق: بني إسرائيل، وشأنهم، وسيرتهم، وحياتهم، لكن لماذا هذا كله؟ لماذا يسرد الله علينا قصتهم؟

    لأن الله عز وجل يريد أن يبين كيف يتحول الإنسان من ولي لله إلى عدو له، من أحباب الله؛ لأنهم هم أنفسهم يقول لهم الله مرتين في السورة نفسها: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47]، أي: اذكروا نعمتي فقد جعلتكم أفضل الأمم في زمانكم، يعني: في زمن موسى، وبعد ذلك كانت العاقبة: فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [البقرة:90]، ففي أكثر من موطن يبين سبحانه وتعالى بأنهم أهل غضب، أهل لعنة، كما جاء في الآية الأخرى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ [البقرة:88]، ما هناك أحد من البشر تربطه بالله علاقة غير الإيمان والعمل الصالح، فلما كانوا من أهل الإيمان والعمل الصالح قال: فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:122]، ولما تنكروا لهذا فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [البقرة:90].

    هذا كله سرد لك أنت أيها المسلم حتى تتجنب هذا الطريق، تبتعد عن هذه السيرة، انتبه أن تتشبه باليهود فلا يربطك بالله عز وجل علاقة إلا إيمانك وعملك الصالح.

    السيرة العملية التي يحتاجها المسلمون

    القضية الثانية في السورة: السيرة العملية للجماعة المسلمة، كيف يمشون، كيف يفعلون، لماذا يؤمنون؟ ماذا يفعلون في حياتهم؟ سورة البقرة تجيب عن هذه الأسئلة، فيها بيان الإيمان بالله والرسل في أول السورة وفي ختامها، فيها الحديث عن الصلاة وفوائدها، فيها بيان الزكاة وثمارها، فيها الحديث عن الصيام وأحكام الصيام، فيها الحديث عن الحج وأحكام الحج، وأحكام البيع، وأحكام الدين، وأحكام الربا، وأحكام الطلاق، وأحكام النكاح، وحقوق المرأة، وحقوق الزوج، وحقوق الطفل عند الرضاع والفطام، هذا كله في سورة البقرة، منهج متكامل لحياة الإنسان المسلم، حقوق الله عز وجل عليه، وحقوق زوجه عليه، وحقوق ولده عليه، وحقوق جيرانه وحقوق الأمة عليه.

    لما نسمع هذه السورة ينبغي أن نسمعها بقلوب متفتحة لنهتدي بما فيها، فقد فتحها الله بأنها هدىً للمتقين.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يرزقنا حسن تدبر كتابه والعمل به.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756474518