إسلام ويب

عبادة الاستغفارللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الاستغفار عبادة جليلة يحتاجها كل مسلم، خاصة في الأزمنة الفاضلة كرمضان الذي يزخر بالخيرات الكثيرة، وفيه ليلة القدر التي يسن للمسلم الدعاء فيها بالمغفرة. ومن خيرات رمضان: إخراج زكاة الفطر كما بينها الشرع الشريف.

    1.   

    أهمية الاستغفار وأحواله

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبطاعته تطيب الحياة وتتنزل البركات.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة بعد الممات، وبلوغ أعلى الجنات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، دلنا على سبل الخيرات، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ما تعاقبت الأوقات.

    أما بعد:

    فأوصيكم ونفسي بتقوى الله, فإنه: مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:3-4].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    إخوتي في الله! روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يدخلني مع أشياخ بدر, أي: إذا دعا أهل بدر في مجلس ضم إليهم عبد الله بن عباس ، فقال بعضهم: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال لهم عمر رضي الله تعالى عنه: إنه ممن قد علمتم. ثم قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: فدعاهم مرة ودعاني معهم, وما رأيت إلا أنه دعاني ليريهم، يعني: ليريهم علم ابن عباس ومنزلة ابن عباس .

    فلما اجتمعوا عند أمير المؤمنين قال لهم: ما تعلمون في قول الله سبحانه وتعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، قال ابن عباس : فقال بعضهم: أمرنا أن نحمده ونستغفره إذا فتح علينا ونصرنا، وسكت آخرون فلم يقولوا شيئاً، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ما تقول أنت يا ابن عباس ؟ قال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه.

    هذا فقه ابن عباس للآية، إنه إعلام من الله تعالى لرسوله بأن الأجل قد اقترب، وأن الرحيل قد حان، إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، فهو أجلك، فأكثر بعد ذلك من الاستغفار، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر: 3].

    هذا العمر الشريف، العمر الفاضل الذي أقسم الله عز وجل به في القرآن لشرفه، أقسم الله في القرآن بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وعمره، فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72]، عمر شريف فاضل لا يشابهه عمر، ولا يناسبه وقت، أقسم الله عز وجل به لشرفه ومكانته، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يختمه بالاستغفار إذا حان الأجل.

    تقول عائشة : ( فكان بعد ذلك يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، أي: يعمل بالقرآن. لما جاءه التوجيه بالإكثار من الاستغفار جعل الاستغفار لزيمه في ركوعه وسجوده, مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من ملازمة الاستغفار في سائر عمره.

    الأزمان الفاضلة والأعمار الشريفة تختم بالاستغفار، هكذا أدبنا الله عز وجل في كتابه، وهكذا فعل رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته وسيرته.

    الاستغفار عقب العبادات

    ونحن نعيش أيها الأحباب! آخر أيام هذا الشهر، فمناسب جداً أن يكثر العبد من الاستغفار في آخر هذه الطاعة الجليلة، في أعلى موقف يقفه الناس موقف عرفة الذي يباهي الله عز وجل بهم الملائكة، ويقول: ( هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً غبراً أشهدكم أني قد غفرت لهم )، في هذا الموقف العظيم يأمرهم الله عز وجل بعده بالإكثار من الاستغفار، يقول لهم: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].

    كان عليه الصلاة والسلام يختم صلاته بالاستغفار، كما تقول عائشة : ( كان إذا انصرف من صلاته، قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله )، فالأعمال الصالحة بحاجة إلى أن تذيل بالاستغفار، فما أحد يقدر على أن يوفي مقام العبودية حقه، والملك يسجد لله سبحانه وتعالى أمد الآماد، فإذا قامت الساعة رفع رأسه من السجود، وهو يقول: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك، سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.

    فما أحوج المسلم إلى أن يشغل نهاره وليله فيما بقي من هذا الشهر بالاستغفار! لعله يجبر نقصاً وقع في هذه العبادة، أو يكفر زلة قارفها لسانه أو عينه.

    يقول الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه: أكثروا من الاستغفار على موائدكم، وفي بيوتكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، فإنكم لا تدرون متى تتنزل المغفرة. فأنت لا تدري متى تنزل عليك مغفرة الله! أفي لحظات القيام، أم في لحظات الصيام، أنت في السوق أم في البيت, فلازم الاستغفار وأكثر منه.

    يقول لقمان الحكيم لولده: يا بني! أكثر من الاستغفار فإنك لا تردي أي ساعة يغفر لك.

    الاستغفار قرين التوحيد

    ما أحوجنا عباد الله إلى الإكثار من الاستغفار في هذه الأزمان الفاضلة، هذه العبادة الجليلة التي جعلها الله عز وجل قرينة التوحيد في أكثر من موضع من كتابه الكريم، يقول سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ [فصلت:6]، ويقول في سورة محمد: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19].

    فأسباب النجاة من النار سببان رئيسان: التوحيد ينجيك الله عز وجل به من الخلود في نار جهنم، والاستغفار ينجيك الله عز وجل من الدخول فيها ولو دخولاً مؤقتاً، ولذلك جمع الله عز وجل بين الأمر بالتوحيد والأمر بالاستغفار في أكثر من آية من كتابه الكريم.

    حاجة كل إنسان إلى الاستغفار

    ما أحوج المسلم إلى الاستغفار! أنى كانت مرتبته، ومهما علا في العبادة كعبه، فما من أحد إلا وهو بحاجة إلى الاستغفار، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة، يبدأ بصديقها وينتهي بالأعرابي حديث العهد بالإسلام الذي لا يعلم من الإسلام شيئاً.

    ففي الصحيح أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهو من هو, خير هذه الأمة بعد نبيها, جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في بيتي وفي صلاتي، فقال له عليه الصلاة والسلام: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً, وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني, إنك أنت الغفور الرحيم )، هذا الدعاء يعلمه النبي عليه الصلاة والسلام الصديق ، أفضل هذه الأمة بعد نبيها.

    وكذلك كان يعلمه الأعرابي الذي يرد إليه ليتعلم الإسلام، يقول أنس كما في صحيح مسلم : ( كان إذا جاء الرجل من الأعراب علمه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والصلاة، وعلمه هذه الكلمات: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني )، فهذه خمس كلمات الأعرابي بحاجة إلى أن يتعلمها بعد أن يتعلم الإسلام والصلاة، وأولها: اللهم اغفر لي وارحمني.

    فالناس على تفاوت مراتبهم واختلاف أقدارهم، كلهم بحاجة إلى أن يستغفروا، من الصديق إلى الأعرابي فما بالك بنا نحن؟! أكثروا من الاستغفار فإن الإنسان لا يسر يوم القيامة ولا يفرح بشيء كفرحه بصحيفته إذا وجد فيها استغفاراً، يقول عليه الصلاة والسلام: ( من أحب أن تسره صحيفته يوم القيامة فليكثر فيها من الاستغفار )، ويقول: ( طوبى )، يعني: الخصلة الطيبة وهي الجنة، ( لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ).

    استغفار الأنبياء عليهم السلام

    هذا الاستغفار الكثير كان أنبياء الله خير قدوة فيه, نصبهم الله تعالى أساتذة لنا نهتدي بهديهم، ونقتدي بفعالهم، وأخبرنا عن استغفارهم في كتابه، أخبرنا عن نبيه آدم عليه السلام أنه تاب إلى الله ورجع ولجأ واعتصم بالاستغفار، فقال: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

    وأخبرنا عن نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام، أنه كان يقول: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41].

    وأخبرنا عن نبيه نوح أنه كان يقول: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28] .

    وأخبرنا عن نبيه موسى أنه قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأعراف:151]. وهكذا فعل داود، وهكذا قال سليمان، والقرآن مليء بحكاية استغفار المستغفرين.

    أما نبينا صلى الله عليه وسلم فكان له وللاستغفار شأن آخر، به يفتتح يومه، وبه يختتم ليلته، وجعل كلمات هي سيد الاستغفار، من قالها في صباحه فمات في يومه دخل الجنة، ومن قالها في ليله فمات في ليلته دخل الجنة، كان يقول: ( استغفروا الله! فإني أستغفر الله) , ( ما أصبحت غداةً قط إلا استغفرت الله فيها مائة مرة ) . كل صباح يفتتحه عليه الصلاة والسلام بالاستغفار مائة مرة.

    ويقول صاحبه ولزيمه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه: ( كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يقول: اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت الغفور الرحيم أكثر من مائة مرة )، هذا في المجلس الواحد، فكيف في سائر يومه وليلته؟

    ما أحوج العبد إلى الإقرار والاعتراف بذنبه! وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وأنه بحاجة إلى مغفرة الله، وبذلك يدرأ عن نفسه الشرور، ويدفع عن نفسه المهالك، ويرد عن نفسه كيد الشيطان.

    جاء في الحديث: أن ( الشيطان يقول: أهلكت بني آدم بالذنوب والمعاصي، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار )، أقسم هذا اللعين أنه ليغوينهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فرد الله عز وجل كيده في نحره، وأقسم سبحانه، فقال: ( وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما استغفروني ).

    هذه العبادة الجليلة هي الحكمة من إيجاد الخلق، ولولا قيامهم بها لما كان لوجودهم معنى، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( لولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى فيغفر لكم -لو لم تفعلوا هذا- لذهب الله بكم, ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر الله تعالى لهم ).

    نحن بحاجة أيها الأحباب إلى الإكثار في ختام هذا الشهر من هذا الاستغفار.

    ثم هناك مسألة أخرى وهي: أن من حكمة الله تعالى الجليل أنه جعل في كثير من المناسبات وفي كثير من الأحوال خير الشيء آخره، فقد جعل خير الرسالات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فهي خاتمة الرسالات وآخرها.

    وجعل آخر الرسل خيرهم وسيدهم، وجعل خير الكتب آخرها وهو هذا الكتاب الذي منَّ الله -عز وجل- به علينا. فالأواخر لها من الشرف ما ليس للأوائل.

    فجدير بالإنسان العاقل أن يغتنم ما بقي من ساعات هذا الشهر, فإنك لا تدري في أي لحظة منه توافق مغفرة الله عز وجل ورحمته.

    1.   

    فضل ليلة القدر والحث على اغتنامها

    نحن لا نزال أيها الأحباب! نستقبل أشرف ليلة من ليالي هذا الشهر, ليلة السابع والعشرين التي كان يقسم بعض الصحابة أنها ليلة القدر؛ للعلامة التي أخبرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومذهب جمهور العلماء أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين، فجد يا عبد الله واجتهد فيما بقي من عمرك، ونستقبل ليلة أخرى شريفة وهي الليلة الأخيرة من رمضان حين يوفى العاملون فيها أجرهم، ( قالوا: أهي ليلة القدر يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن العامل يوفى أجره إذا انتهى من عمله أو إذا أتم عمله ).

    لا نزال نستقبل أزماناً شريفة وأوقاتاً فاضلة, جدير بنا أن نبذل الجهد في سبيل إدراك معالي الأمور فيها، والموفق من أعانه الله عز وجل على نفسه ولم يكله إليها.

    في هذا الشهر الكريم أيها الإخوان أمرنا الله تعالى وشرع لنا بأن نكثر من ذكره في ختامه، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] ، بعد أن أمرنا بإتمام العدة، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    عبادات تعقب رمضان

    زكاة الفطر

    الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين، ونشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأن محمداً عبده ورسوله سيد الأوابين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إخوتي في الله! من العبادات الجليلة العظيمة التي شرعها الله عز وجل في ختام هذا الشهر إخراج زكاة الفطر, شرعها الله عز وجل لحكمة بالغة طهرة للصائم من اللغو والرفث، وتكميلاً لهذا الصيام وترقيعاً له من النقص، كما في الحديث (طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم ).

    وهذه الفطرة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فرضه رسول الله فهو كما فرضه الله، يقول أبو سعيد رضي الله تعالى عنه: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب ) وفي بعض الروايات: ( أو صاعاً من أقط ), والصاع من الرز ثلاثة كيلوات تقريباً، وقدره بعض العلماء بكيلوين ونصف، ولكن الأحوط أن يخرج الإنسان ثلاثة كيلوات عن الشخص الواحد.

    يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعن من تلزمه نفقته من نسائه وأبنائه الصغار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يخرجوه عن أنفسهم وعمن يعولون.

    والأولى في هذه الفطرة أن تخرج من الطعام موافقة لهذا الحديث، وهو ما عليه أكثر أهل العلم، ولكن بعض العلماء قديماً وحديثاً أفتوا بجواز إخراجها قيمة -أي: من الريالات- لا سيما إذا كان في ذلك مصلحة للفقير، وهذه الزكاة محلها في الأصل البدن الذي يزكى عنه فتخرج في البلد الذي يوجد فيه البدن الذي يزكى عنه زكاة الفطر، ولكن إذا دعت الحاجة إلى إخراجها أو نقلها كوجود مجاعات في المسلمين فذلك مما رخص فيه.

    هذه الصدقة وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلها وقت جائز ولها وقت فاضل، أما الوقت الجائز فيجوز إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين عند الحنابلة رحمهم الله، ولا يجوز بأكثر من ذلك، فيجوز لهم أن يخرجوها بعد انقضاء السابع والعشرين، فيخرجوها يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين.

    ورخص بعض أهل العلم كما هو مذهب الشافعي وأصحابه بإخراجها من أول الشهر، ولكن الأحوط ألا يخرجها الإنسان إلا قبل العيد بيوم أو يومين.

    أما الوقت الأفضل في إخراجها فأن تخرج يوم العيد قبل الصلاة؛ لأنها أدعى إلى إغناء الفقير في ذلك اليوم، ويجوز في قول كثير من أهل العلم إخراجها بعد الصلاة إلى غروب شمس يوم العيد، أما إذا غربت شمس يوم العيد ولم يخرجها عامداً فقد أثم وارتكب حداً من حدود الله, وعليه أن يتوب إلى الله ويخرجها بعد ذلك.

    هذه الصدقة أيها الأحباب! صدقة ترضي ربنا سبحانه، وتكفر ذنوبنا، وترقع ما كان من فساد في صيامنا.

    التكبير في آخر رمضان ويوم العيد

    شرع الله عز وجل في ختام هذا الشهر الإكثار من التكبير، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185].

    والتكبير في آخر رمضان تكبير مطلق بسبب الفطر من رمضان، فيشرع الإكثار من التكبير بعد غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان إلى التحريم بصلاة العيد، فيكثر العبد من التكبير في طريقه وفي سوقه وفي بيته، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]. وهو مظهر من مظاهر شكر الله تعالى على نعمه، ونعم الدين أحق وأولى النعم بالشكر، وأن يتوجه الإنسان لله تعالى بالاعتراف له بالفضل من أجلها، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].

    صلاة العيد

    شرع الله تعالى في ختام هذا الشهر وتكميلاً له صلاة العيد, فأمر النساء وأمر الرجال بالخروج إلى مصلى العيد حتى الحيض اللاتي لا يصلين، أمرهن صلى الله عليه وسلم بالخروج, وأن يعتزلن المصلى ليشهدن دعوة المسلمين, فلا ينبغي للمسلم أن يحرم نفسه من هذه الصلاة, وهي مظهر من مظاهر شكر نعمة الله تعالى في أيام هذا الشهر ولياليه.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يتقبل منا اليسير، وأن يتجاوز عن التقصير.

    ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

    اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً.

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام برحمتك نستغيث, أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها, دقها وجلها، وأولها وآخرها، وسرها وعلانيتها.

    اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

    اللهم إنا نسألك الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله, ما علمنا وما لم نعلم.

    اللهم اغفر لنا ما مضى, وأصلح لنا ما بقي، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا أرحم الراحمين.

    اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.

    اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وسائر أحبتنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم لا تدع لنا في هذا المقام ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته.

    اللهم اقض حاجتنا برحمتك يا أرحم الراحمين، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا يا أكرم الأكرمين.

    اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعز الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين.

    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

    اللهم مكن لدينك وشرعك في الأرض يا رب العالمين! اللهم عليك بأعداء الإسلام فإنهم لا يعجزونك, خذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا عزيز!

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755966485