إسلام ويب

الأسرة ومفهومها في الإسلامللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأسرة هي اللبنة الصغيرة التي يتكون منها المجتمع، وقد حث الإسلام على تكوين الأسرة الصالحة، فبدأ بالحث على الزواج وتسهيله، ثم اختيار الزوج المناسب، كما دعا إلى استمرار هذا الزواج وخرم زواج المتعة؛ لأنه مؤقت، وبين أن مفهوم الأسرة لا يتوقف عند الزوجين فحسب، بل لا بد أن يوسع مفهوم الأسرة؛ ولذلك حث على الزواج بالودود الولود.

    1.   

    الحكمة من بناء الأسرة

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    روى الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه، من حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه قال: ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفـأتزوجها؟ قال: لا، قال معقل: فأتاه ثانية فنهاه، فأتاه في الثالثة، فقال عليه الصلاة والسلام: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم يوم القيامة ).

    هذا الحديث العظيم يشير فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض الوظائف المرجوة من الأسرة، أي: لماذا تقام الأسر؟

    حديثنا اليوم عن الأسرة لأهمية هذا الموضوع، وهو جدير بأن يتحدث عنه على الدوام.

    فلماذا الأسرة؟ وما مفهوم الأسرة في الإسلام؟ وما هي الجهود التي حث عليها الإسلام لإقامة هذه الأسرة؟

    إنه لحكمة يعلمها الله عز وجل جعل المجتمع البشري الكبير -الذي نراه اليوم- قائماً على أسرة صغيرة في مبدأ أمره، كما قال جل شأنه في أول سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1]، ولو شاء سبحانه وتعالى لبث رجالاً ونساء كثيرين من أول الأمر، ولكنه جعل الأمر أوله بخلق رجل وامرأة، ثم منهما بث رجالاً كثيراً ونساءً.

    والإنسان البشري أطول الكائنات الحية طفولة، ومن ثم فهو أحوج الكائنات إلى أسرة ترعاه في أول أمره، فلا غرابة أن يأتي هذا الدين موافقاً للفطر, وموافقاً للمصلحة, ومحققاً لها على أتم الوجوه.

    1.   

    ترغيب الإسلام في بناء الأسرة والمحافظة عليها

    لقد جاء الإسلام بالترغيب الوفير في إقامة الأسرة، وهو لا يعترف بأسرة إلا إذا كانت من خلال الزواج كغيره من الأديان السابقة، فلا أسرة في الأديان السماوية إلا الأسرة المبنية على رابطة شريفة، وعلى رابطة طاهرة عفيفة، على على رابطة الزواج؛ لأنه لا أسرة إلا من خلال الزواج.

    الترغيب في الزواج وحث الشباب عليه

    ومن ثم رغب الإسلام أشد الترغيب في الزواج، فحث أبناءه عليه، وحث المجتمع عليه؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، وكأن الله يقول: زوجوا الرجال، زوجوا النساء، حتى العبيد والإماء، لا تدعوا أحداً بحاجة إلى الزواج في المجتمع إلا وزوجوه, وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32] .

    ورغب عليه الصلاة والسلام مريد الزواج بالإقدام، وأن الله عز وجل مؤيده ومعينه، فقال: ( ثلاثة حق على الله عونهم، ومنهم: الناكح يريد العفاف ).

    وكانت أعظم وصية وجهها للشباب هي المبادرة والمسارعة إلى الزواج فقال: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ).

    الحرص على المرأة الصالحة

    وجعل حصول الإنسان على المرأة الصالحة أعظم متاع وأكبر مقصود يحققه في هذه الدنيا، وجعله من أغراض هذه الدنيا, فقال: ( الدنيا متاع )، يعني: شيء يستمتع به الإنسان وينتهي, (وخير متاعها المرأة الصالحة), بل جعل حصول الرجل على المرأة الصالحة قياماً بنصف الدين فقال صلى الله عليه وسلم: (من آتاه الله المرأة الصالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي ).

    فالمرأة الصالحة وقيام الأسرة على هذا الأساس من أعظم المقاصد الشرعية.

    الاعتناء بأسباب استمرار الزواج

    وقد نبه الشرع الحنيف إلى الاعتناء بأسباب استمرار الزواج بعد قيامه، وقبل أن يقدم على الزواج ينبغي أن تراعى الأسباب التي تمكن هذا الزواج من الثبات والاستقرار، فحرم الزواج المؤقت الذي يحد بمدة محددة، وهو أن الرجل يتزوج المرأة، وهذا ما يسمى بزواج المتعة، مع أنه كان موجوداً في الناس قبل الإسلام، واستمر في الناس إلى العام الثامن من الهجرة يوم فتح مكة؛ لكن الإسلام يريد استقرار الأسرة فحرم هذا الزواج إلى يوم القيامة، فلا زواج إلا الزواج الذي أنشئ على أن يتم، وعلى أن يبقى، وعلى أن يدوم.

    وأرشد إلى الصفات في الزوجين، والتي من شأنها أن تثبت هذا الزواج بعد قيامه، وتحافظ على الأسرة بعد بنائها، فأرشد الأزواج إلى اختيار المرأة التي تكون سبباً في هذا، فقال: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك )؛ لأن صاحبة الدين كفيلة وجديرة بأن تحافظ على هذه الأسرة؛ كما قال الله: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].

    وأرشد المرأة وأولياءها أيضاً إلى النظر بنفس المنظار، والوزن بنفس الميزان, فقال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، أي: اختاروا للمرأة خير الرجال، فإن الرجل إذا كان صالحاً ديناً فإن دينه يمنعه من ظلمها، وخلقه يدعوه إلى إحسان معاشرتها، ولا تنظروا بعد ذلك إلى صفات لا تتوفر فيها هاتان الصفتان.

    هكذا نظر الإسلام إلى ضرورة قيام الأسرة على الزواج، وضرورة الأخذ بالأسباب التي تعين على ثبات هذا الزواج وبقائه.

    حل النزاع والخلاف بين الزوجين

    حتى في حال النزاع والخلاف بين الزوجين ينبهنا القرآن إلى ضرورة مراعاة أن كراهة الإنسان للمرأة أو كراهة المرأة للرجل لأمور طارئة لا ينبغي أن تبنى عليها مواقف، ولا ينبغي أن تتخذ عليها قرارات, قال سبحانه وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، ربما تكره أنت زوجتك لبعض الصفات الذميمة فيها، لكن القرآن يرشدك إلى أنه لا ينبغي أن تتخذ قراراً بالفراق والطلاق لمجرد كراهتك لشيء منها؛ لأنك ربما كرهت منها شيئاً، وقدر الله عز وجل لك خيرات كثيرة من وراء صفات كثيرة أنت غافل عنها, فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].

    في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: ( لا يفرك )، يعني: لا يبغض، ( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )، فلا تخلو هذه المرأة من أن تجد فيها حسنات وإيجابيات, فلا تعمى عن هذه الحسنات لتتخذ قرار طيش تهدم به الأسرة بعد بنائها، وتفرق شملها بعد اجتماعها.

    وفي المقابل أرشد المرأة أيضاً في حال النزاع والشقاق، وتعنت الرجل وتصلبه وإرادته تفرقة الأسرة أرشدها إلى التنازل هي أيضاً عن بعض حقوقها على زوجها من أجل أن تبقى الأسرة ومن أجل أن تدوم، فقال في سورة النساء: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128].

    الصلح خير من الفراق, فأن تتنازل المرأة عن بعض حقوقها في المبيت أو في النفقة أو نحو ذلك من أجل أن يبقى البيت خير من أن يتفرق, هذه نظرة الإسلام إلى الأسرة.

    1.   

    الحث على تكثير الأسرة

    بعد ذلك الإسلام لا يقصر الأسرة على الرجل وزوجته، ولا يريد أن تنشأ هذه الأسر مبتورة قصيرة الذيل، ولذلك جاء في هذا الحديث: ( تزوجوا الودود الولود )، الودود؛ لأن هذا من أعظم مقاصد الزواج والنكاح وبناء الأسرة في المجتمع, أن يحصل الرجل على السكن النفسي، أن يحصل الرجل في بيته على سكينة النفس وهدوء البال، (فتزوجوا الودود) يعني: التي تتحبب إلى زوجها وتتودد إليه، فهذه من مقاصد النكاح العظيمة, هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].

    ولذلك قال بعض العلماء: وما حاجة آدم في الجنة إذا لم تكن نفس يسكن إليها، الجنة بما فيها من المتع بما فيها من اللذات والشهوات، إلا أن حاجة الرجل إلى المرأة التي يسكن إليها تفوق كل الشهوات وكل اللذات، ولذلك أتم الله عز وجل عليه ذلك بأن خلق له نفساً يسكن إليها منه.

    لكنه لا يريد أن يقف بالأسرة عند هذا الحد فقط رجل وزوجته؛ ولهذا ينعى على من يقتلون أبناءهم ليتخلصوا من الذرية خشية الفقر وخشية العيلة، ويجعل ذنبهم هذا من موبقات الذنوب، وينعى على أولئك الذين يدعون إلى تحديد النسل بقوله: ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ).

    وهكذا يوسع الإسلام مفهوم الأسرة، فالأسرة ليست الزوج والزوجة اللذان يعيشان في بيتهما من وراء الجدر لا علاقة لهما بالمجتمع من وراء ذلك؛ لا، فالأسرة بمعناها الممتد هي الأسرة التي فيها الوالدان, الأسرة التي فيها الجدات والجدود، الأسرة التي فيها الأعمام والأخوال والعمات والخالات وأبناء العم وأبناء العشيرة.

    ويرتب على هذه الصلات أحكاماً شرعية، يوجب على الأبناء النفقة على الأصول، ويوجب على الأصول النفقة على الفروع عند الحاجة والعيلة، ويوجب صلة الرحم، ويجعل قطع الرحم من الإفساد في الأرض، ومن موجبات لعنة الله، ومن أعظم الذنوب والموبقات، وينشئ أحكاماً كثيرة على هذه الروابط كأحكام الميراث فيقول: ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر ).

    ويجمع العاقلة -العصبة من الرجال- حول الإنسان ليحملوا معه المآسي التي تنزل به، فإذا وقع في جناية خاطئة، كأن قتل إنساناً خطأ، أو اعتدى على طرف إنسان بالخطأ أو نحو ذلك، فإن العاقلة من حوله والعصبة حوله تشد أزره وتقوي شوكته فتحمل عنه النفقات، وتحمل عنه التبعات فتتحمل الدية، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( في امرأتين: امرأة ضربت امرأة خطأً فقتلت جنينها, فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة )، ليس على الجاني، وإنما على العاقلة والعصبة من الرجال الذكور الأحرار الذين من حوله.

    هذا هو مفهوم الأسرة في الإسلام.

    كذلك أوجب عليك بر الوالدين، وأخبر في كتابه في مواطن كثيرة أن حق الوالدين تابع لحق الله فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وجعل أولي الأرحام أولى الناس بإحسانك فقال: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، هذه هي الأسرة في الإسلام، الأسرة الكبيرة الأسرة الممتدة.

    ولا شك أن هذه الأسرة إذا قامت على روابط متينة من مودة وإخاء، إذا قامت على النصح، إذا قامت على التسابق إلى الخيرات، لا شك أن المجتمع الكبير سيبقى مجتمعاً قوياً متماسكاً صالحاً، فهذه الأسرة الصغيرة لبنة لذلك المجتمع الكبير، بصلاحها يصلح، وقوته من قوتها، وتماسكه من تماسكها، فما أحوجنا إلى الرجوع إلى آداب الشريعة, وإلى أحكام الشرع المطهر التي زكانا بها وأدبنا بها في أحكام الأسرة لنقوم بها على الوجه الأتم.

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    من وظائف الأسرة

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! هذه الأسرة لها وظائف ليس مجرد قضاء شهوة، ولا الاجتماع للطعام والشراب والمسكن، لم يرد الإسلام إنشاء البيوت لتكون فنادق والساكنون فيها نزلاء لا يلتقون إلا في الاستقبال، ولا يلتقون إلا في مكان التجمعات؛ بل الأسرة في الإسلام لها وظيفة ولها عمل.

    عظم مسئولية الزوجين

    إنها شركة قامت لإنجاز مشاريع، قامت لتحقيق طموح؛ ولهذا أوجب الله عز وجل على أفرادها القيام بمسئولياتهم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[التحريم:6]، فكل واحد منا مأمور بأن يقي نفسه، وأن يقي أهله (ناراً وقودها الناس والحجارة)، قال علي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: أدبوهم وعلموهم، هذه وظيفة موكولة إلى الأسرة وهي الأدب والتعليم.

    الأدب الذي لم يعد الدور فيه قاصراً على الأسرة فقط، بل أصبحت تشارك فيه مؤسسات كثيرة، ولكن يبقى وضع اللبنات الأولى في هذه الأسرة، اللحظات الأولى تقضى في هذه الأسرة، ولا شك أن لهذه اللحظات من الأثر ما لغيرها بعد ذلك من مراحل العمر، والأسرة مأمورة بأن تقوم بهذا الدور.

    لقد كلف الإسلام المرأة والرجل على حد سواء بأن يقوما بهذه المسئولية، وجعل كل واحد منهما راع، وهو مسئول أمام الله عز وجل عن هذه الرعية التي استرعاه الله عز وجل إياها، فقال صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها )، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    فهناك مسئوليات الله عز وجل سائلنا عنها, وقبحاً وخسراً لمن مات وهو غاش لهؤلاء الرعية، قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ).

    الدور المناط بالرجل والمرأة كزوجين

    اختار الله عز وجل لقيادة هذه الشركة وللقيام والإشراف عليها أجدر الناس فيها للقيام بهذه المهمة، وأكثر الناس صلاحية للقيام بهذه الوظيفة، وهذا هو الملائم الموافق لفطرة الإنسان ولعقله، ونحن في مشروعاتنا الدنيوية لا نولي عليها إلا من يصلح لها، ولا يمكن أن يأتي لشركة تجارية بشخص له تخصصات فنية أو تخصصات شرعية أو أدبية؛ لأنه لا يليق بهذا المقام، والأسرة؛ لأنها شركة أقيمت لتنفيذ أعمال ومشاريع اختار الله عز وجل أن يكون الإشراف وأن يكون القيام على هذه الشركة لمن يتمتع بصفات أجدر ليقوم بهذه المهمة, فقال جل شأنه في سورة النساء: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، ليس اعتباطاً وليس عبثاً؛ لكن لأن الله فضل بعض الجنسين على بعض في بعض القدرات، في بعض المواهب، فعقله أكبر من عقلها، ورؤيته أوسع من رؤيتها، وعواطفه أثبت من عواطفها، ومن ثم فهو الأجدر بأن يتولى هو قيادة هذه الأسرة والإشراف عليها بالمودة، والمحبة، والنصح، وبالرفق، واللين، والحكمة، الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].

    ثم أوكل إلى الجانب الآخر القيام بمسئوليات مناسبة ملائمة للقدرات أيضاً: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ [النساء:34]، يعني: طائعات، حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، وبهذا التكامل تستقر الأسرة، وتقوم الأسرة بدورها حينما يراعي كل واحد منا حقوق هذه الأسرة عليه، حقوق الزوجة، حقوق الأبناء، حقوق البنات، تستقر الأسرة وتؤدي المقصود منها، ليست الأسرة مكاناً لقضاء الشهوات ولا مكاناً للنزوات، ولا لأكل الأكلات والوجبات أبداً.

    جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يريد أن يفارق زوجته لأنه يكرهها، فقال رضي الله تعالى عنه وأرضاه: ويحك! أولم تبن البيوت إلا على الحب، يعني: هل تظن بأن البيوت لا تقوم إلا إذا كانوا مغمورين في الحب، أبداً، فقد يعتري الأسر ما يعتريها من الخلاف والشقاق والنزاع، ولكن هناك أمور مهمة ينبغي أن تقوم من أجلها الأسر؛ فأين الرعاية للحقوق والواجبات، وأين القيام بالذمة وأداء الأمانة، والإعذار إلى الله سبحانه وتعالى.

    مسئولية الوالدين في تربية الأولاد

    أوكل الله عز وجل إلينا تربية الأبناء والبنات التربية الدينية، وهي أهم مقومات الفلاح والنجاح لهذا الإنسان، أن تقيم له دينه، وسهل جداً أن يفقد ما وراء ذلك.

    فالدنيا إذا لم يجدها منك سيجدها من غيرك، ولم يوكل الله عز وجل رزقه إليك؛ بل تكفل هو برزقه, وأوكل إليك أن تقوم بتربيته وتنشئته على أسباب نجاحه وفلاحه, ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع, واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ).

    قال فقهاء الإسلام: كل الواجبات الشرعية تقاس على الصلاة، فكل واجب شرعي سيجب على هذا الإنسان بعد بلوغه أمر الله عز وجل وليه بأن يأمره به قبل البلوغ حتى يعود عليه، ويتمرن عليه، فإذا جاء سن التكليف وجرى عليه قلم الثواب والعقاب، وأصبح مسئولاً محاسباً عن كل ما يصدر منه سهل عليه القيام بالتكاليف, فكم هي الخديعة التي يقوم بها الأب الذي لم يأمر ولده قبل البلوغ بصلاة يوماً من الأيام؟

    إذا بلغ هذا الصغير, والبلوغ قد يحصل بالاحتلام، والاحتلام قد يحصل في العاشرة من العمر، قد يحصل بعد التاسعة، فقد يبلغ الولد وهو ابن عشر سنين، والملائكة ترصد عليه كل صغير وكبير، وهو محاسب مسئول, ولكنه لا يشعر بهذه المسئولية، لا يدرك عظم هذه الأمانة، لا يدرك مغبة هذا التقصير، فتكون الخديعة قد جاءت من الأسرة ومن الوالدين على وجه الخصوص؛ لأنهما لم يقوما بما فرض الله عز وجل عليهما.

    نحن بحاجة أيها الإخوان! أن نراجع أنفسنا على الدوام، وأن نحاسب أنفسنا صباح مساء عن حقوق أقرب الناس إلينا لنؤديها على التمام، وكونوا على ثقة بأنه إذا صلحت هذه الأسرة فإن صلاح المجتمع كله أمر سهل يسير، فالمجتمع ما هو إلا أسر مجموعة, إذا صلحت هذه المجموعات صلح المجتمع وسعد، وصلحت حياته في العاجل والآجل.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة:201].

    اللهم أصلح لنا أزواجنا وذرياتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

    رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756435032