إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الحيض [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الضرورة بمكان معرفة أحوال النساء في الحيض، وتنزيل الحكم بمقتضى حال كل امرأة؛ فالمبتدأة لها حكمها، وكذلك المعتادة، والمتحيرة، والمميزة، ومعرفة الضوابط لكل واحدة منهن، وحكم زيادة الحيضة أو نقصها، وكيفية التعامل مع ذلك، وحكم ما يسمى بالصفرة والكدرة، وأقوال العلماء فيها.

    1.   

    أحكام المبتدأة في الحيض

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    قال المؤلف عليه رحمة الله: [والمبتدأة تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي].

    شرع المصنف رحمه الله بهذه العبارة في ذكر أحوال النساء، فالمرأة الحائض إذا جاءها الحيض لا تخلو من ثلاثة أحوال:

    الحالة الأولى: أن يكون الحيض قد ابتدأها؛ بمعنى: أنها لأول مرة يأتيها دم الحيض.

    والحالة الثانية: أن تكون معتادة؛ بمعنى: أن دم الحيض عاودها حتى ثبتت لها عادة معينة فيه.

    الحالة الثالثة: أن تكون المرأة متحيرة؛ بمعنى: أنه لا يمكنها أن تعرف عادتها لمكان النسيان، سواء نسيت قدر العادة أو مكان العادة.

    المرأة التي يحكم بكونها مبتدأة

    هذه الثلاثة الأحوال هي التي ينصبّ عليها كلام العلماء رحمة الله عليهم في مسائل الحيض.

    ومن عادة أهل العلم أنهم يبدءون بالنوع الأول، وهذا فيه مراعاة لأحوال النساء. فالمبتدأة: هي التي ابتدأها دم الحيض، والمرأة توصف بكونها مبتدأة إذا كان الحيض قد جاءها لأول مرة، هذا أول شرط.

    والأمر الثاني: أن يكون سنها سن المرأة التي تحيض، فإذا كان سنها دون ذلك؛ فإنه لا يحكم بكون هذا الدم دم حيض -كما تقدم معنا-، فمن شرط أن تكون مبتدأة أن يكون دم الحيض جاءها لأول مرة، ولا يعني هذا إلغاء المرأة التي جاءها الدم قبل تسع سنوات، كأن يكون عمرها سبع سنوات أو ثمان سنوات وجاءها الدم، فإن هذا الدم الذي يأتيها دم استحاضة، لكن إذا كان لأول مرة يأتيها بعد بلوغها لتسع سنوات فإننا نحكم بكونه دم حيض؛ لأن الزمان زمان دم الحيض.

    إذن: المرأة المبتدأة هي: المرأة التي بلغت سن الحيض، وجاءها الدم في هذا السن لا قبله.

    والشرط الثالث: أن لا يكون عاودها أكثر من مرة، وهي المعتادة أو التي اختلت عادتها، فلا بد عند حكمنا بكونها مبتدأة أن يكون الدم لأول مرة يأتيها، أعني: دم الحيض.

    حكم المبتدأة

    المرأة التي جاءها دم الحيض لأول مرة لا نردها إلى عادتها؛ لأنها ليس لها عادة. فإذاً: لا بد أن يكون لها حكم خاص، فما الحكم؟

    قال بعض العلماء: كل امرأة مبتدأة فإننا نردها إلى عادة أمهاتها وأخواتها.

    وقال بعض العلماء: كل امرأة مبتدأة فإننا نردها إلى عادة لِدَاتها أو أترابها -كما يعبر العلماء- واللدة والتريبة هي التي تكون في سن المرأة ومثلها، وقال بعض العلماء: المبتدأة تجلس أقلّ الحيض ونحكم بكونها حائضاً بذلك القدر الذي هو أقلّ الحيض، ثم تغتسل وتصوم وتصلي، حتى يعاودها الدم ثلاث مرات على وتيرة واحدة.

    فعندنا ثلاثة أوجه:

    أما الوجه الذي يقول: نردها إلى أترابها -لداتها وأمثالها، أو أمهاتها وأخواتها- فهذا وجه معروف، أي: دليله واضح، وهو: (أن الشيء إذا شابه الشيء أخذ حكمه) أنا لا أقول إن هذه المبتدأة تجلس أقل الحيض، ولكن أقول: تنظر إلى أمثالها، فإن كان عادة أمها ستة أيام، فكل امرأة ابتدأها الحيض وعمرها تسع سنوات فإن عادتها ستة أيام حتى تثبت لها عادة جديدة.

    فالقول الأول والقول الثاني -اللذات يعتبران والأمهات اللاتي هن القريبات- قولان مرجوحان هذا قول مرجوح عند أهل العلم رحمة الله عليهم؛ لأن الرجوع إلى ذات المرأة أو أصل الحيض أقوى من الرجوع إلى العرف، هذا بالنسبة للقول الأول والثاني، فيلغى النظر فيه.

    يبقى عندنا القول الثالث، وهو معارض لقول قررناه، فإننا حينما تكلمنا على أقل الحيض قلنا: قال بعض العلماء: ليس لأقل الحيض حد، وهذا مذهب المالكية واختاره شيخ الإسلام ، وقلنا: هو الراجح.

    وقال بعض العلماء: أقلُّ الحيض يوم وليلة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

    وقال بعضهم: أقله ثلاثة أيام.

    إذن: عندنا قول يقول: لا حد لأقله، فقليل الدم وكثيره حيض. وقول يقول: اليوم والليلة، وما دونها ليس بحيض، وما أصابها وجاوزها حيض. وقول يقول: الثلاثة الأيام حيض وما دونها استحاضة.

    إذا نظرت إلى هذه الثلاثة المذاهب، فالحكم في مسألة المبتدأة مفرّع على هذه الثلاثة المذاهب، فينبغي أن تتنبه إلى أن من يقول: للحيض حد أقلي، سواء يوم وليلة كما يقول الشافعية والحنابلة، أو ثلاثة أيام كما يقول الحنفية، يقول: كل مبتدأة لا أحكم بكونها حائضاً إلا إذا جاوزت أقلّ الحيض، فالشافعية والحنابلة يقولون: كل امرأة بلغت تسع سنوات، وجاءها الدم -دم الحيض- فإنها تجلس يوماً وليلة، وإن استمر هذا الدم معها يوماً وليلة فهي حائض، وإن نقص عن اليوم والليلة فهي مستحاضة والدم دم فساد ومرض، هذا المذهب الأول، وهذا هو الذي درج عليه المصنف رحمة الله عليه.

    والحنفية يقولون: المبتدأة التي يستمر معها الدم ثلاثة أيام، فحينئذٍ تكون حائضاً، وإن نقص عن الثلاثة الأيام تعتبر مستحاضة، والدم الذي معها دم فساد وعلة. هذا بالنسبة لقضية أقل الحيض.

    وعلى القول الذي رجحناه من أنه لا حد لأقله، فيقال: تبقى المرأة إذا بلغت تسع سنوات قدر ما أصابها من دم، فلو مكث معها ساعة فهي حائض، ولا تصوم ولا تصلي في الساعة هذه.

    إذن: نحن رجحنا هذا المذهب الذي يقول: لا يعتد بأقل الحيض، فعلى هذا المذهب بمجرد ما يصيبها الدم بعد تسع سنوات فهو حيض إن كانت فيه أمارات الحيض، وقويت القرائن باعتباره حيضاً. هذا بالنسبة لما رجحناه.

    فلما قال المصنف رحمة الله عليه: للحيض حد أقلي، قال: ما نقص عن هذا الحد الأقلي فليس بحيض؛ فلابد أن يشترط في المبتدأة شرطاً ثالثاً؛ وهو: كونها تصيب الحد الأقلي أو أكثره.

    فتبينت مذاهب العلماء رحمة الله عليهم في مسألة المرأة المبتدأة وصار عندنا اتجاهان:

    اتجاه يقول: هي حائض ولو كان دفعة واحدة، وهو الذي رجحناه.

    المسلك الثاني يقول: تجلس أقلّ الحيض، إما يوم وليلة على قول، وإما ثلاثة أيام على القول الثاني.

    فإذا استمر معها يوماً وليلة، أو استمر معها ثلاثة أيام على القول بالتثليث، فلا يخلو إما أن ينقطع لأقل الحيض، وإما أن ينقطع على أكثر الحيض، أو ينقطع بعد أكثر الحيض.

    فيصير عندنا ثلاث حالات. وعرفنا الحكم إذا ما انقطع لما دون أقل من اليوم والليلة أو أقل من الثلاث، وكلام العلماء فيه، فلو جاءتك امرأة وقالت: إنه أصابها الدم وعمرها تسع سنوات، فما الحكم؟

    تقول: على القول الراجح، هذا الدم الذي أصابك دم حيض؛ لأنه في زمان الإمكان، فتمتنعين عن الصوم وعن الصلاة على القدر الذي يجري معك فيه الدم، فلو استمر معها ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فعلى هذا المذهب لا تصوم ولا تصلي في هذه الأيام وهي حائض، وهذا المذهب هو الراجح كما ذكرناه، لكن الإشكال أين؟ الإشكال على المذهب الثاني الذي يرى اليوم والليلة، أو الذي يرى الثلاثة الأيام، إذا انقطع لأقل من خمسة عشر يوماً أو الخمسة عشر يوماً، فيقولون: نعتبر اليوم والليلة -أو الثلاثة أيام- حيضاً، والزائد استحاضة، ثم نترك المرأة ثلاثة أشهر، فإذا انقطع في الثلاثة الأشهر بعدد واحد بمعنى: جاءها في الشهر الأول خمسة أيام وانقطع، وجاء في الشهر الثاني خمسة أيام وانقطع، وجاء في الشهر الثالث خمسة أيام وانقطع، الحكم؟

    قالوا: تثبت عادتها خمسة أيام، ثم تطالب بقضاء الأربعة الأيام من الشهر الأول، ومن الشهر الثاني، ومن الشهر الثالث؛ لأننا تيقنا أن الأربعة الباقية حيض وليست باستحاضة.

    فصاحب القول الذي يقول: للحيض عندي حد أقلي، يقول: إن انقطع لأقل من أكثر الحيض بمعنى: انقطع لعشرة أيام، أو ستة أيام، أو خمسة أيام، فإنها تمسك عن الصلاة يوماً وليلة؛ لأنه هو اليقين بأنه حيض، ثم بعد اليوم والليلة يقولون: تغتسل وتصوم وتصلي، فإذا استمر معها خمسة أيام في الشهر الأول والثاني والثالث، فما الحكم؟

    يقولون لها: اجلسي يوماً وليلة لا تصومين ولا تصلين، فإذا انتهى اليوم والليلة فاغتسلي ولو جرى معك الدم، ثم تصومين وتصلين، فإن عاودك في الشهر الثاني فالحكم كذلك، وإن عاودك في الشهر الثالث بنفس الوتيرة ثبتت العادة، وتمكثين الخمسة أيام كاملة، ثم تطالبين بقضاء ما مضى، هذا على مذهب الشافعية والحنابلة، واختاره المصنف، لكن الصحيح: فيما إذا انقطع دون أكثر الحيض -أنها تجلس القدر الذي تجلسه، فإذا انقطع عن ستة أيام فهي حائض بالست، وإن انقطع عن سبعة أيام فهي حائض بالسبع وهكذا، فتجلس الأمد الذي يجري معها فيه الدم، والمذهب الثاني الذي فصلنا فيه؛ مذهب مرجوح، والذي ذكره المصنف مذهب مرجوح.

    فعلى قول المصنف لو استمر معها الدم وجاوز أكثر الحيض فهو دم فساد وعلة، فتبقى على اليقين اليوم والليلة أنها حائض والزائد استحاضة، والشهر الثاني كذلك، والشهر الثالث كذلك، حتى تثبت لها عادة بوتيرة معينة، أو تميز دمها، وسنبين كيف يكون التمييز.

    فبالنسبة للمبتدأة، عندنا فيها مذاهب، والجميع متفقون على أنه إذا جرى معها الدم ثلاثة أيام فبالإجماع أنها تعتبر حائضاً، ولكن الخلاف إذا جرى لأقل؛ عند من يضع للحيض حداً أقلياً، فإن جرى أقل من يوم وليلة فالمالكية وحدهم يعتبرونه حيضاً، وإن جرى يوماً وليلة فالجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- يعتبرونه حيضاً، والحنفية لا يعتبرونه حيضاً حتى يبلغ ثلاثة أيام، هذا بالنسبة لمسألة المبتدأة.

    فيشترط فيها أول شيء: أن يكون سنها سن حيض.

    وثانياً: أن تجاوز أقلّ الحيض عند من يقول أن للحيض حداً أقلياً.

    قال المصنف رحمه الله: (والمبتدأة تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي).

    (والمبتدأة تجلس أقله) أقله: الضمير عائد إلى الحيض، وأقله: قال: أقله يوم وليلة على ما اختاره المصنف رحمه الله.

    (ثم تغتسل وتصلي) يعني: نحكم بكونها حائضاً، لكن بشرط أن تجاوز أقلّ الحيض على مذهب المصنف.

    قال رحمه الله: [فإن انقطع لأكثره فما دون اغتسلت عند انقطاعه].

    هذه مسألة ثانية، نحن قررنا أن ما دون أكثر الحيض يُعتبر فيه اليوم والليلة، لكن هناك أمر آخر، قالوا: إذا جرى معها الدم لأول مرة واستمر يوماً وليلة حكمنا بكونها حائضاً، ثم تغتسل بعد اليوم والليلة وتصوم وتصلي، فإن انقطع لأقل من أكثر الحيض -مثلاً- خمسة أيام، سبعة أيام، ثمانية أيام، تسعة أيام، عشرة أيام، أحد عشر يوماً، اثني عشر يوماً، ثلاثة عشر يوماً، أربعة عشر يوماً، لكن ما بلغ أكثر الحيض، فيقولون: عند انقطاعه لأقل من خمسة عشر تغتسل غسلاً ثانياً؛ لاحتمال أن يكون الكل حيض؛ لأنها إلى الآن ما ثبتت لها عادة، فاحتاطوا باحتياطين:

    أولاً قالوا: نرجع إلى اليقين من أنها حائض يوماً وليلة، فنأمرها بالاغتسال بعد اليوم والليلة؛ لأنها بيقين حائض، ثانياً: قالوا: نأمرها بالاغتسال إن انقطع الدم لأقل الحيض؛ لأنه قد تثبت لها عادة بهذا الأقلي، فإذا انقطع بعد خمسة أيام، ما الحكم؟

    تقول: تغتسل غسلاً ثانياً، ثم إذا جاء الشهر الثاني مدة خمسة أيام، والشهر الثالث مدة خمسة أيام، علمنا أن هذا الأمد هو أمد الحيض وهو عادتها.

    الحكم باستقرار عادة المرأة

    قال رحمه الله: [فإن تكرر ثلاثاً فحيض وتقضي ما وجب فيه].

    قوله: [فإن تكرر] أي: الدم الذي معها ثلاث مرات، هذه المسألة تعرف عند العلماء بمسألة العادة، فبم تثبت عادة الحيض؟ أو كيف تعلم المرأة أنها معتادة، أو بم تثبت عادتها؟

    للعلماء وجهان:

    قال بعض العلماء: العادة من العود، فيشترط أن يعاودها مرتين، فإذا جاءها في الشهر الأول خمسة أيام، وفي الشهر الثاني خمسة أيام، فعادتها خمسة أيام ثبتت بالشهر الثاني، وهذا مذهب الحنفية ومن وافقهم، وأخذوا هذا من اشتقاق اللفظ أنه من العود.

    أما الحنابلة ومن وافقهم من الشافعية والمالكية فيقولون: لا بد أن يمر عليها ثلاث مرات، فلا بد من الشهر الأول، والشهر الثاني، والشهر الثالث.

    وينبغي أن يتنبه إلى أنه لا بد أن يمر عليها متتابعاً، فلو مر عليها الشهر الأول خمسة أيام، والشهر الثاني خمسة أيام ثبتت عادتها عند الحنفية، ولم تثبت عند الجمهور، فإذا جاء الشهر الثالث ستة أيام بطل الاعتداد بالشهرين الأولين عند الجمهور، وأصبحت ترجع إلى خمسة أيام عند الحنفية.

    فتثبت عادتها عند الحنفية بعد الشهر الثاني، ولا تثبت عند الجمهور إلا بعد ثبوتها في الشهر الثالث، ولابد أن يأتي كله على وتيرة واحدة، فلو جاءها في الشهر الأول خمسة أيام، وفي الشهر الثاني ستة أيام، وفي الشهر الثالث خمسة أيام، وفي الشهر الرابع ستة أيام، فلا عادة لها، قولاً واحداً؛ لأنه لم يعاودها على وتيرة واحدة.

    1.   

    أحكام المعتادة

    بينا حكم المرأة المبتدأة فيما مضى، وبعد المبتدأة تأتي المعتادة، فأشار إليها رحمة الله عليه فقال: (فإن تكرر) أي: المبتدأة، ثلاث مرات على وتيرة واحدة.

    فانتقل إذن إلى صنف ثانٍ من النساء، وهي المرأة المعتادة التي لها عادة في الحيض، والمرأة المعتادة، قلنا: تثبت عادتها بالعود ثلاث مرات على وتيرة واحدة، ودليل العادة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها) فردها إلى العادة، وهذا يدل على أن العادة محكمة ومعتبرة في الشرع، فإذا جاءتك امرأة وسألتك وقالت لك: إن الدم أصابني هذا الشهر واستمر معي عشرين يوماً فماذا أفعل؟ كم الأيام التي أترك فيها الصلاة والصوم؟ وكم أصلي وأصوم من الأيام؟ ومتى أحكم بكوني طاهرةً فأصوم وأصلي؟ ومتى أحكم بكوني غير طاهرة فلا أصوم ولا أصلي؟

    فتقول لها: هل كان الدم قبل هذا الاختلال الذي جاءك لك فيه عادة؟

    فإذا قالت: نعم، كان من قبل يأتيني خمسة أيام وينقطع.

    فتقول: امكثي خمسة أيام، ثم إذا مضت الخمسة الأيام فاغتسلي وصلي وصومي.

    فنردها إلى العادة، سواء كانت عادتها قريبة أو بعيدة، فلو أن امرأة -مثلاً- كانت عادتها خمسة أيام ثم حملت ثم نفست، وبعد النفاس اضطرب الدم معها، فصار يجري معها الدم عشرين يوماً، فاضطربت عليها العادة، يجري يوماً وينقطع يوماً، أو يجري يومين وينقطع ثلاثة، أو أربعة، والتبس أمرها، فتقول لها: كم كنت تمكثين قبل أن يصيبك الذي أصابك؟ فقالت: ستة أيام، فتقول: إذاً عادتك ستة أيام، فاجلسي ستة أيام يجري فيها الدم، ثم احكمي بكونك طاهرةً بعد انتهاء أمد هذه الست.

    ففائدة معرفة العادة؛ أنه يحتكم إليها عند اختلال دم المرأة، فإذا اختل وضع المرأة إما لجراحة، أو لمرض، أو لولادة، أو غير ذلك، فحينئذٍ ترده إلى العادة، وكما قلنا: العادة بإجماع العلماء مردود إليها.

    قال المصنف رحمه الله: (وتقضي ما وجب فيه).

    يعني: في ذلك الأمد، فتقضي الذي وجب فيه من الصوم والصلاة، فإن كانت في رمضان فالواجب عليها الصوم، وإن كانت في غير رمضان فالواجب عليها الصلاة، فتقضي ما وجب فيه، أي: في ذلك الأمد الذي كانت لا تصلي فيه.

    وقد مرَّ أن المبتدأة تجلس أقلّ الحيض، ثم تغتسل ثم تصوم وتصلي، هذا بالنسبة للمبتدأة، فإذا مكثت يوماً من الشهر الأول، وأفطرت أربعة أيام، ثم مكثت يوماً من الشهر الثاني وأفطرت أربعة أيام، ثم ثبتت عادتها في الشهر الثالث أنها خمسة أيام، فعليها أن تقضي ما وجب عليها فيه، وهو الصوم، أما الصلاة فإن الحائض لا يجب عليها أن تصلي، فتقول: الأربعة الأيام التي كنت تصومين فيها بحجة أنك طاهرة بعد اليوم والليلة تقضينها ويلزمك قضاؤها كما قررناه سابقاً.

    حكم الدم الخارج بعد انقضاء أكثر مدة للحيض

    قال المصنف رحمه الله: [وإن عبر أكثره فمستحاضة].

    قوله: (وإن عبر أكثره) يعني: عبر أكثر الحيض (فمستحاضة) مستحاضة بعد أكثر الحيض بالإجماع، أي: إذا جاوزت أكثر الحيض، والمرأة المبتدأة إما أن ينقطع الدم عنها -كما قلنا- لأقل من أكثر الحيض، أو ينقطع على الأكثر، أو ينقطع بعد الأكثر، أي: إما أن ينقطع دون خمسة عشر يوماً، أو على الخمسة عشر يوماً، أو بعد الخمسة عشر يوماً، فإذا انقطع لأقل من خمسة عشر يوماً، فالحكم أنها تنظر في تكراره على وتيرة واحدة على ما اختاره المصنف، وعلى القول الراجح: تمكث كل الذي دون الخمسة عشر يوماً لا تصوم فيه ولا تصلي على أنها حائض حتى تثبت لها العادة.

    وإن عبر أكثر الحيض قال: (فمستحاضة)، والسؤال: هل نحكم بكونها مستحاضة بمجرد مجاوزتها للخمسة عشر يوماً، أو بعد اليوم والليلة؟ الجواب: مستحاضة بعد اليوم والليلة، فاليوم والليلة حيض، فلما استمر معها الدم أكثر من خمسة عشر يوماً عرفنا أن هذا المستمر دم فساد وليس بدم حيض، وحتى نفهم كلام المصنف ونفهم ما اخترناه على القول الراجح نقول:

    كلام المصنف ينبني على الآتي:

    إن كانت المرأة مبتدأة، وانقطع دمها لأقل من أكثر الحيض، أو مساوياً لأكثر الحيض الذي هو خمسة عشر يوماً، فحينئذٍ: تعتبر نفسها حائضاً ليوم وليلة، وتعتبر نفسها حائضاً في الشهر الأول وفي الشهر الثاني، والشهر الثالث تحكم بكونها معتادة إذا جاءها على وتيرة واحدة، هذا بالنسبة لمذهب المصنف رحمه الله، وهذا إذا انقطع لأقل من أكثر الحيض أو مثله، وأما لو انقطع فوقه فالحكم أن الحيض يوم وليلة وما زاد فهو استحاضة، هذا على مذهب المصنف.

    وعلى المذهب الذي رجحناه نقول: بمجرد ما يأتيها الدم تمسك، حتى ولو استمر عشرة أيام، وهي حائض؛ لأنه زمن حيض وأمد حيض، ولا تقدير من الشرع لأقله، فالأصل واليقين أنها حائض، فإن جاوزت أكثر الحيض قالوا: ما زاد استحاضة وما دونه حيض، وهذا أعدل الأقوال وأولاها بالصواب إن شاء الله تعالى.

    1.   

    أحكام المميزة

    قال المصنف رحمه الله: [فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود، ولم يعبر أكثره ولم ينقص عن أقله؛ فهو حيضها تجلسه في الشهر الثاني، والأحمر استحاضة].

    النوع الثالث: المميزة.

    والمميزة من التمييز، وتمييز الشيء: أن تكون له حلية وأوصاف يتميز بها عن غيره، وهذا النوع يعتبر عند بعض العلماء أقوى من العادة، أي: رجوع المرأة التي تعرف طبيعة دمها إلى تمييزه أقوى عنده من رجوعها إلى العادة، فيردها إلى التمييز قبل أن يردها إلى العادة، وإن كان الصحيح أن العادة أقوى من التمييز لحديث عائشة في الصحيح لما سألت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لتنظر الأيام) ، وقال في الحديث الآخر: (دعي الصلاة أيام أقرائك) وما قال لها: هل تميزين دم الحيض عن غيره أم لا؟ لكنهم يجيبون عن هذا الحديث قائلين: إنها لو ميزت ما سألت، فالمقصود: أن بعض العلماء يرى أن التمييز أقوى.

    وخالف الإمام أبو حنيفة النعمان رحمة الله عليه فضعف التمييز، والصحيح: أن التمييز حجة ومعتبر.

    دليل العلماء في اعتبار التمييز

    ما الدليل على أن التمييز يعتبر في الحيض؟

    قوله عليه الصلاة والسلام لـفاطمة في إحدى الروايات في السنن: (إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة)، الشاهد: (إن دم الحيض دم أسود يعرف) فردها إلى ضابطه وإلى لونه الذي يتميز به، أما اللون الأسود فهو أقواها، ثم يليه الأحمر وهو الطبيعة في دم النساء، ولكنهم قالوا: أحمر محتدم، أي: شديد الحمرة حارق، ويسميه العلماء (القاني) وتعرفه النساء بوصفه، ثم الذي أخف منه هو المشرق، ويسميه بعضهم: الأشقر أو الأشيقر من الشقرة، وقيل: إن الأشقر هو الصفرة التي وردت في حديث أم عطية ، ثم يليه الأصفر، ثم يليه الأكدر، والأكدر: كالماء الكدر، ويكون كالماء المتعكر ضارباً إلى شيء من الخضرة، ثم التربي، هذا بالنسبة لألوان دم الحيض، والمرأة تميز باللون وبالرائحة وبالكثرة والقلة وبالألم وبالغلظ والرقة، هذه ضوابط التمييز، ثم سنفصل فيها.

    التمييز باللون

    تميز المرأة دم الحيض باللون كالآتي:

    إن جاءتك امرأة تسأل وقالت لك: جرى معي دم الحيض ثلاثة أيام أسود، ثم ثلاثاً أحمر، ثم ثلاثاً أسود، وعادتي ستة أيام؟

    فتقول: الثلاثة الأُول حيض، والثلاثة الحمراء استحاضة، والتي بعدها حيض، فأنت طاهر في الثلاث الوسطى، حائض في الأولى والأخيرة، ويحكم بخروجك من الحيض في اليوم التاسع. فهذه قضية التمييز باللون.

    وإذا قالت لك: جرى معي يومين؛ يوم أحمر شديد الحمرة، ثم يوماً خفيف الحمرة، أو يومين آخرين خفيف الحمرة، ثم يومين شديد الحمرة، ثم يومين خفيف الحمرة، وعادتي ستة أيام؟

    فتقول: اليومان الأولان حيض فلا تصومي ولا تصلي، واليوم الثالث والرابع اللذان يليانهما استحاضة فصومي وصلي، ثم اليومان اللذان اشتدت فيهما حمرة الدم فهذه علامة الحيض فأنت حائض، فتضيفين اليومين هذين إلى اليومين الأولين، فهذه أربعة أيام، ثم تحكمين بطهارتك بانقضاء اليوم الرابع، وتدخلين في الاستحاضة في اليوم الخامس والسادس، ثم في اليوم السابع تدخلين في اليوم الخامس من حيضك، واليوم الثامن هو اليوم السادس من الحيضة، فيحكم بانتهاء حيضك في اليوم الثامن، هذا بالنسبة للأحمر.

    وإذا قالت: جاءني أحمر مع اختلاف الأوصاف، فجاءني: يومان أحمر، ويومان أصفر، ويومان أحمر، ثم يومان أصفر، ثم يومان أحمر، ويومان أصفر، ثم يومان أحمر، وعادتي ثمانية أيام؟

    فتقول لها: أيام الحمرة حيض، وأيام الصفرة استحاضة.

    هذا بالنسبة لمسألة اختلاف ألوان الدم، وهذا التمييز باللون.

    التمييز بالرائحة

    دم الحيض له رائحة شديدة النتن، بخلاف دم الاستحاضة فهو أخف منه، فإذا استطاعت أن تعرف دم حيضها برائحته، فقالت: جاءني دمٌ أحمر عشرين يوماً، ففي الحالة الأولى -التمييز باللون- لا بد أن تختلف الألوان، لكن التمييز بالرائحة يكون اللون فيه واحداً وتختلف الرائحة، فتقول: جاءني عشرين يوماً دم أحمر، فهل كله حيض؟ فتقول: لا، ليس بحيض، وتسألها: هل لك عادة؟ فإذا قالت: ما لي عادة، أو قالت: عادتي ستة أيام، فتقول: هل تستطيعين تمييزه بالرائحة؟ فإذا قالت: نعم، رائحته في الستة الأُول كرائحة دم الحيض، وفي الأربع عشرة الباقية ليست فيه رائحة الحيض، فتحكم بكونها حائضاً في الستة الأول دون ما بقي.

    ولو قالت: بقي يومين برائحته، ثم أربعاً بدونها، ثم يومين برائحته، ثم أربعاً بدونها، ثم يومين برائحته. فما الحكم؟

    تقول: تلفقين -وهذا يسمى: مذهب التلفيق- فاليومان اللذان فيهما رائحة دم الحيض فهو حيض، والأربعة الأيام التي ليست فيها رائحة دم الحيض فهي استحاضة، ثم بعدها دخلت في اليوم السابع في ثالث أيام العادة، وفي اليوم الثامن في رابعه، وقس على هذا. فإذاً: تميَّز بالرائحة.

    التمييز بالألم

    الضابط الثالث للتمييز: التمييز بالألم، فإذا كان اللون واحداً -جاءها أحمر- وقالت: لا أستطيع أن أميز بالرائحة، كأن لا يكون عندها حاسة الشم، أو أنها مزكومة مثلاً، أو أن دم حيضها ليس له ضوابط في الرائحة، فيكون التمييز بالألم، فإذا قالت: جاءني عشرين يوماً، ولكن في الستة الأيام الأول كان مؤلماً حارقاً -وعادتي ستة أيام- فتقول: كونه في هذه الأيام بهذه الصفة، فهو دم حيض، والأيام الباقية دم استحاضة.

    التمييز بالقلة والكثرة

    الضابط الرابع في التمييز: الكثرة والقلة، قالوا: إن دم الاستحاضة تثجه ثجاً ويكون نازفاً بخلاف دم الحيض، فقالوا: إنه يتميز بكثرته وقلته، وبعضهم يضع بدل الكثرة والقلة علامة أخرى وهي: الرقة والغلظ، فإذا قالت لك امرأة: جاءني دم الحيض شهراً كاملاً، فاسألها: هل تستطيعين أن تميزي باللون؟ فإذا قالت: لونه واحد، فاسألها عن الرائحة؟ فإن قالت: ما أستطيع، فاسألها عن الألم؟ فإذا قالت: لا أستطيع أن أميز، لكن ألاحظ أن الستَّةَ الأول كان الدم فيها ثقيلاً غليظاً، والأربعة عشر الباقية من العشرين، أو الأربعة عشر يوماً الباقية من الثلاثين كان رقيقاً، فتقول: الست الثخينة والغليظة حيض، والباقي استحاضة، فهذه ضوابط التمييز: اللون، الريح، الألم، الكثرة والقلة، والغلظ والرقة، وقد جمعها بعض العلماء بقوله:

    باللون والريح وبالتألم وكثرة وقلة ميز الدم

    هذا على المذهب الذي يقول بالكثرة والقلة.

    وبعضهم يرى دخول الغلظ والرقة فيقول:

    باللون والريح وبالتألم وغلظ ورقة ميز الدم

    أي: ميز الدم بهذا، هذا بالنسبة لقاعدة التمييز، فالمرأة التي ابتدأها الحيض لو جاءها الدم اليومين الأولين بلون أحمر، ثم اليومين اللذين يليان بلون أصفر، ثم يومين أحمر، ثم يومين أصفر، فنحكم بكونها حائضاً في اللون الذي هو أثقل -الذي هو الأحمر دون الأصفر-

    هذا بالنسبة لقضية تمييز الدم ورجوع المبتدأة إليه، وهكذا بالنسبة لغير المبتدأة.

    قال المصنف رحمه الله: (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود).

    هذه المبتدأة، والكلام الأول إذا كان الدم على وتيرة واحدة، وانظر هنا إلى دقة المصنف حيث جاءك بجميع أحوال النساء، فقال لك: (المبتدأة تجلس أقل الحيض)، ثم قال: (فإن تكرر ثلاثاً) فانتقل إلى العادة وأثبت لها العادة، ثم قال: (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) فانتقل إلى التمييز.

    قال المصنف رحمه الله: [ولم يعبر أكثره ولم ينقص عن أقله فهو حيضها تجلسه في الشهر الثاني والأحمر استحاضة].

    1.   

    التي لا تستطيع أن تميز ترجع إلى غالب الحيض

    قال رحمه الله: [وإن لم يكن دمها متميزاً جلست غالب الحيض من كل شهر].

    ما حكم امرأة جرى معها الدم، وليس لها عادة، وليس لها تمييز؟

    قال: إذا استمر حتى جاوز أكثر الحيض فنردها إلى غالب الحيض، فاستفدنا الآن من الثلاث النقاط التي كنا نبحثها: أقل الحيض، وأكثر الحيض، وغالب الحيض، ففهمنا أقل الحيض في المبتدأة ووضعناه شرطاً وقيداً لها، وأكثر الحيض إذا جاوز أو وازى، وعرفنا حكم كلٍ منهما، ثم إذا كانت لا تستطيع أن تميز ولا تستطيع أن تضبط بضابط فإنها ترد إلى غالب الحيض، أي: غالب الأيام التي تجلسها النساء، وما هو الغالب في النساء إذا أصابهن الحيض؟

    قالوا: الغالب أن المرأة إذا أصابها الحيض يمكث ستة أيام إلى سبعة، ودليلنا على ذلك السنة، من قوله عليه الصلاة والسلام: (تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً) ، فردها إلى الغالب، فقال العلماء: الست والسبع هي غالب حيض النساء، فالمرأة إذا التبس عليها واستمر معها الدم، ولم يمكن معرفة الحيض لا بالتمييز ولا بالعادة، فإنها ترد إلى غالب الحيض، وقد تأتيك المرأة معتادة ولكن نسيت عادتها ولا تستطيع أن تميز، فتردها إلى غالب الحيض، فإن فقدت العادة وفقدت التمييز فإنها ترجع إلى غالب الحيض.

    1.   

    أحكام المرأة المستحاضة المعتادة

    قال رحمه الله: [والمستحاضة المعتادة ولو مميزة تجلس عادتها].

    (المستحاضة المعتادة) المستحاضة: استفعال من الحيض، أي: استمر معها دم الحيض، فالمرأة إذا استمر معها الدم ثلاثين يوماً -كما قررنا - فليس كله حيضاً، بل بعضه حيض وبعضه طهر -الذي هو الاستحاضة- والدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام لما سألته السائلة وهي حمنة رضي الله عنها قالت له: (يا رسول الله! إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟) فهذه امرأة استمر معها الحيض خمس سنوات والدم يجري معها، وهذا يقع في بعض النساء: (إني أستحاض فلا أطهر) ، وفي رواية: (حيضة شديدة فلا أطهر)، أي: لا أرى نقاء ولا طهراً، فهذه المرأة مستحاضة، وكانت لها عادة، فتردها إلى العادة وتقول لها: اجلسي قدر الأيام التي كنت تحيضينها، فلو قالت: عادتي خمسة أيام، فقل لها: هي حيضك، والزائد استحاضة، فإذا قالت: ما عندي عادة، فتقول: ميزي الدم؛ إما بلون، أو رائحة، أو ألم، أو كثرة أو قلة، فإذا قالت: لا أستطيع التمييز، تقول: حينئذٍ أردك إلى غالب حيض النساء، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً)، والباقي استحاضة، ثم احكمي بدخولك في الحيضة الثانية بعد انتهاء الاستحاضة وهكذا.

    1.   

    الحكم في حال نسيان المرأة المميزة لعادتها

    قال رحمه الله: [وإن نسيتها عملت بالتمييز الصالح].

    قوله: (وإن نسيتها) أي: نسيت عادتها، (عملت بالتمييز الصالح)، ولكن في بعض الأحيان تنسى العادة وزمانها، والمرأة المعتادة ينبغي أن تفهم فيها أمرين:

    أولاً: أن تعرف قدر العادة الذي هو الستة الأيام أو السبعة الأيام، أي: قدر ما يجري معها دم الحيض.

    والأمر الثاني: أن تعرف هل عادتها في أول الشهر، أو آخر الشهر أي: كونك تعلم أن حيضها ستة أيام، لا يكفي؛ لأنه قد يرد السؤال: هل تحسب ستة أيام من أول الشهر أو من وسط الشهر أو من آخره؟ فقد تجد امرأة تأتيها عادتها ستة أيام من أول الشهر، وتجد امرأة ثانية تأتيها عادتها ستة أيام من وسط الشهر، وتجد امرأة ثالثة تأتيها عادتها ستة أيام من آخر الشهر، فليست قضية قدر الحيض هي المعتبرة فقط، بل ينبغي أن تعرف في المعتادة أمرين:

    الأمر الأول: قدر العادة، وهو قدر الأيام التي تحيضها.

    والأمر الثاني: زمان العادة -أول الشهر، وسط الشهر، آخر الشهر- لأنه لا تسألك إلا امرأة استمر معها الدم، وقد يستمر معها ستين يوماً، فلو قلت لها: تحيضي ستة أيام، مباشرة ستقول لك: رحمك الله، أستاً من أول الشهر، أم من وسط الشهر، أم من آخر الشهر؟ لأنها التبس عليها الأمر، ونسيت زمان العادة.

    والمرأة أحياناً تنسى قدر الحيض ومكانه، أي: موضعه من الشهر: أوله، أوسطه، آخره.

    وقد تعلم الموضع وتنسى القدر، أو تنسى القدر وتعلم الموضع.

    فالحالة الأولى: أن تنسى القدر ولكن تعلم الموضع، فتقول: كانت لي عادة، ولكن نسيت الآن هل هي خمسة أيام، أو ستة أيام، أو سبعة أيام؟ لكني أعلم أنها دائماً تأتيني في أول الشهر.

    الحالة الثانية: أن تنسى الموضع وتعلم القدر، فتقول: حيضي ستة أيام، ولكن لا أدري: أهي في أول الشهر، أم في وسطه، أم في آخره؟

    الحالة الثالثة: أن تنسى القدر وتنسى الموضع. وهذه الثالثة يسمونها: المتحيرة. وأحياناً يقولون: المحيرة، وكلاهما صحيح. قالوا: متحيرة في نفسها، ومحيرة؛ لأنها حيّرت العلماء رحمة الله عليهم؛ فنسيت قدر أيامها ونسيت موضع حيضها، فإن كانت نسيت قدر الأيام وعلمت المكان، فتقول لها: تحيضي ستاً أو سبعاً، وتردها إلى الغالب، بشرط: أن لا يكون لها تمييز صالح، وإن نسيت الموضع وعلمت القدر فتردها إلى أول الشهر؛ لأنه الأصل، فإذا قالت لك: أنا أعلم أن حيضي ستة أيام، ولكن نسيت هل هي في أول الشهر أو وسطه أو آخره؟ كما لو أغشي على امرأة -والعياذ بالله- بغيبوبة أو إغماء، ثم أفاقت ونزفت وقالت: أنا أذكر أني أحيض ستة أيام، ولكن نسيت أهي في أول الشهر أم في منتصفه أم في آخره؟ فتردها إلى أول الشهر؛ لأنه الأصل، بدليل قولـه عليه الصلاة والسلام: (تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً) ثم يحكم بطهارتها بعد ذلك؛ لأن الأصل أنه لما جرى معها دم الحيض أنها حائض بمجرد جريانه، فلما دخل عليها أول يوم في الشهر فاليقين أنها حائض، ولذلك يقولون: إذا نسيت موضع عادتها ردت إلى أول شهرها.

    ثم أيضاً هذه التي نسيت القدر، في بعض الأحيان تقول لك: أنا متأكدة أنه في وسط الشهر، أو أنا متأكدة أنه في النصف الأول من الشهر، لكن لا أدري أفي النصف الأول منه أم في النصف الثاني؟ أي: في السبعة الأيام الأول أو السبعة الأيام الثانية، ثم إذا قالت لك: أنا متأكدة أنه في آخر الشهر، ولكن ما أدري أفي نصف نصفه الأول الذي هو الربع الثالث، أم في الربع الرابع من الشهر؟ فيلتبس عليها، فهذه صورة ثانية من التي يلتبس عليها موضع العادة.

    فبعض العلماء يقول -كما نبه المصنف عليه-: نردها إلى أول الشهر مطلقاً، سواء استيقنت الموضع ونسيت تحديده، أو نسيت الأمرين. فإذا قالت لك: حيضي في النصف الثاني من الشهر، لكن لا أدري أيبدأ من خمسة عشر، أم يبدأ من ثلاثة وعشرين مثلاً فتقول: اليقين عندي أن تبدأ بأول الشهر كما يقول المصنف، والأقوى أن يقال: تبدأ من نصف الشهر الذي هو من يوم خمسة عشر، كما اختاره بعض العلماء رحمة الله عليهم؛ قالوا: لأننا على يقين أن النصف الأول هي طاهرة فيه، والشك إنما وقع في النصف الثاني، فينبغي أن يقصر الشك على موضع التردد ولا يلحق إلى موضع اليقين، وهذا لا شك أنه أقوى الأقوال، فيقال لها: اعتبري الست من أول منتصف الشهر الثاني، هذا إذا كانت لا تعلم موضعه.

    إذن: لو قالت لك: أنا أعلم أن حيضتي في نصف الشهر الأول، ولكن لا أدري أفي أول الشهر يبدأ، أم من اليوم السابع، فتقول: اليقين أنك تبدئين من أول الشهر، فهي من أول الشهر حائض، وهكذا بالنسبة لنصفه الثاني.

    الحكم في نسيان غير المميزة لعادتها

    قال المصنف رحمه الله: [فإن لم يكن لها تمييز، فغالب الحيض؛ كالعالمة بموضعه الناسية لعدده].

    قوله: (كالعالمة بموضعه الناسية لعدده) سبحان الله العظيم! من دقة الفقهاء رحمة الله عليهم أنه من الممكن أن يجمعوا لك ثلاث مسائل في أصل وشبهه.

    فالآن لما بين لك حكم المرأة الناسية، أدخل عليها كاف التشبيه، فقال: [كالعالمة بموضعه..] فالآن أدخل لك صورتين: صورة الأصل التي نتكلم عليها، ومسألة النسيان.

    قوله: [فإن لم يكن لها تمييز] لو قالت لك امرأة: العادة ليست لي عادة أو نسيت العادة بالكلية؟ فتقول: إذاً ميزي بلون او برائحة الدم؟ فإذا قالت: لا أستطيع أن أميز فإذا كان لا عادة لها ولا تمييز، رجعت إلى غالب الحيض.

    فالدرجات عندنا كالآتي:

    أولاً: العادة، ثم يليها التمييز، ثم يليها الحكم بغالب الحيض. هذا بالنسبة لأحوال المرأة المستحاضة.

    قال المصنف رحمه الله: [كالعالمة بموضعه الناسية لعدده].

    ردها إلى غالب الحيض، ثم أدخل مسألة العالمة بموضعه الناسية لقدره، وأيضاً العالمة بقدره الناسية لموضعه، أو الناسية لكلا الأمرين.

    قال المصنف رحمه الله: [وإن علمت عدده ونسيت موضعه من الشهر].

    كأن تقول: أنا أعلم أني أحيض ستة أيام، ولكن نسيت هل في أول الشهر أو في آخر الشهر.

    (وإن علمت عدده، ونسيت موضعه من الشهر ولو في نصفه جلستها من أوله كمن لا عادة لها).

    قوله: (ولو من نصفه) كما قدمنا الإشارة إلى الخلاف في ذلك.

    قوله: (ولو من نصفه جلستها من أوله) فلو قالت لك: أنا أعلم أن القدر ستة أيام، ولكن لا أعلم الموضع؛ فإنها: ترد إلى أول الشهر مطلقاً.

    والصحيح كما قلنا مذهب التفصيل: فإذا جهلت هل هو في النصف الأول أو الثاني فإننا نردها إلى أول الشهر، ما الدليل؟

    أنه بدخولها في أول الشهر والدم معها فالأصل فيها أنها حائض، فنبقى على اليقين؛ لأن اليقين لا يزول بالشك. فالأصل في الدم أنه دم حيض، وبناءً على ذلك قالوا: نحكم بكونها حائضاً بدخول أول الشهر، لكن قال: (ولو في نصفه) يعني: ولو وقع الشك في النصف الثاني، قال: (جلستها من أوله).

    وقلنا: هذا مذهب مرجوح، والصحيح: أنها يفصل فيها على نصفه الثاني دون أوله.

    1.   

    حكم المعتادة إذا اختلت عادتها

    قال المصنف رحمه الله: [ومن زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت فما تكرر ثلاثاً حيض].

    هنا مسألة أخرى، عرفنا المبتدأة والمعتادة والمميزة والمتحيرة، وعرفنا حكمهن، لكن هناك سؤال: مثلاً عندنا المرأة معتادة لها سنة كاملة وهي تحيض ثمانية أيام على وتيرة واحدة، فلما حملت ووضعت جاءها دم الحيض بعد انتهائها من النفاس والوضع ولكنه أقلّ من الأمد الذي كانت تجلسه، فقد كان حيضها ثمانية أيام، ولكن بعد النفاس جاءها سبعة أيام، أو ستة أيام، أو خمسة أيام، وانقطع وبقيت طاهراً إلى أن جاء الشهر الثاني، فجاءها خمسة أيام وانقطع، ثم بقيت طاهراً، وفي الشهر الثالث جاءها خمسة أيام وانقطع، فما الحكم؟ نقول: انتقلت عادتها من الثمانية أيام إلى الخمسة، هذا إذا كان العدد أقل، لكن الإشكال هنا: لو أن عادتها خمسة أيام، ثم حملت وولدت، وبعد النفاس وانقطاع الدم دخلت في الحيض، فجاءها الحيض سبعاً بالزيادة، أو ثمانياً أو تسعاً، فما الحكم؟

    مذهب الجمهور على أنها تجلس أيام الحيضة الأولى وهي الخمس، والزائد استحاضة، حتى يمر عليها ثلاثة أشهر بوتيرةٍ واحدةٍ، أو شهران عند الحنفية. فنفصل الأقوال على هذه المذاهب:

    الحنفية يقولون: إذا اختلت عادتها بالزيادة، فجاءها في الشهر الأول ستة أيام بزيادة يوم، والشهر الثاني جاءها ستة أيام بزيادة يوم، فهذا اليوم في الشهر الأول نقول لها: صومي وصلي فيه. ثم في الشهر الثاني بعد النفاس جاءها ستة أيام، فتثبت عادتها عند الحنفية ويطالبونها بقضاء اليوم السادس الذي مضى؛ لأنه ثبت أنه من الحيض.

    عند الحنابلة والشافعية -وهو ما اختاره المصنف- يقولون كالآتي:

    لا بد من أن تمر عليها ثلاثة أشهر بعد النفاس: في الشهر الأول ستة أيام، وفي الشهر الثاني ستة أيام، وفي الشهر الثالث ستة أيام، ففي الشهر الأول تصوم وتصلي في اليوم السادس، وفي الشهر الثاني تصوم وتصلي فيه كذلك، وفي الشهر الثالث يثبت أنه حيض، فتطالب بقضاء اليومين: الأول: الذي هو السادس من الشهر الأول، والثاني: اليوم السادس من الشهر الثاني.

    فالخلاصة أنهم يقولون: كل مختلة اختلت عادتها بالزيادة فإننا نحكم بصيامها وصلاتها في الشهر الأول، وفي الشهر الثاني تثبت عادتها عند الحنفية، وعند الشافعية والحنابلة لا تثبت إلا في الشهر الثالث. أما المالكية فيقولون: كل امرأة اختلت عادتها بالزيادة فإنها تستظهر بثلاثة أيام، أي: كل زيادة بلغت ثلاثة أيام وأقل فهي حيض، ففي الشهر الأول بعد النفاس، يلحق المالكية اليوم السادس -الزائد- بالحيض، ثم إذا جاء الشهر الثاني، فإنهم يلحقون اليوم السادس أيضاً بالحيض، وفي الشهر الثالث يحكمون بكونه حيضاً، وبكونها قد صارت عادتها ستة أيام، فلا يطالبونها بالقضاء، فأصبح الخلاف بينهم وبين الشافعية والحنابلة والحنفية في هذا اليوم: أن أولئك يحكمون بصيامها وصحة صلاتها، وهؤلاء يلحقونها بالحائض ما دام أن الزيادة ثلاثة أيام فدون.

    أما دليل المالكية على هذا الاستظهار فقالوا: إن الثلاث مهلة في الشرع؛ ولذلك قال: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65] قالوا: عهدنا من الشرع أن الشيء إذا أراد الإنسان أن يمهل فيه فإنه يمهل بثلاث، فتأخذ بهذا بدل أن نضع ضابطاً من عندنا، وهذه المرأة التي اختل وضعها، يحتمل أنه حيض ويحتمل أنه ليس بحيض، فتحتاط بالثلاثة الأيام، وهذا الاستظهار مردود، ولذلك رده حتى أئمة المالكية، وقالوا: إنه باطل، وممن انتصر لرده الإمام الحافظ ابن عبد البر وقال: إنه لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة، ولذلك نبقى على ما ذكرناه من أن الأصل فيها أنها طاهر، ودليلنا على بطلان هذا الاستظهار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها) فردها إلى العادة ولم يستظهر، فدل على بطلان الاستظهار؛ ولذلك لا اعتداد بهذا الاستظهار، فإذا سمعت -مثلاً- عالماً يفتي بالثلاث فتعلم أنه قد درج على مذهب من يقول بالاستظهار، والصحيح عدم الاعتداد به.

    قال المصنف رحمه الله: [وما نقص عن العادة طهر، وما عاد فيها جلسته].

    هناك فرق بين اختلال عادة المرأة بالزيادة وبين اختلالها بالنقص، فإذا كانت عادتها ستة أيام وزادت عليها فإنها تنتظر ثلاثة أشهر عند الجمهور وشهرين عند الحنفية، هذا في حالة الزيادة، أما إذا كان الاختلال بالنقص فيحكم بكونها طاهراً بمجرد انقطاع الدم عنها.

    1.   

    حكم الكدرة والصفرة

    قال المصنف رحمه الله: [والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض].

    الصفرة والكدرة: الصفرة مأخوذة من اللون الأصفر، كما يقول العلماء رحمة الله عليهم: الصفرة التي تكون من المرأة كالصديد -كلون القيح- فيها خلاف للعلماء على ثلاثة أقوال:

    القول الأول: إلغاؤها مطلقاً، كما هو عند الظاهرية ومن وافقهم.

    والقول الثاني: الاعتداد بها مطلقاً.

    والقول الثالث: التفصيل، وهو أعدل المذاهب، فإن كانت الصفرة والكدرة في زمان الحيض فهي حيض، وإن كانت بعد انقضاء الحيض فليست بحيض.

    والدليل على ذلك: قول أم عطية رضي الله عنها كما في البخاري وغيره: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الحيض شيئاً).

    والدليل على الاعتداد بها: (أن أم المؤمنين عائشة كان النساء -كما في البخاري - يبعثن لها بالدّرجة فيها الصفرة والكدرة من دم الحيض، فتقول: انتظرن لا تعجلنّ حتى ترينّ القصة البيضاء)، الدُرْجة: مثل الخرقة (فيها الكرسف) الذي هو القطن، فيه الصفرة والكدرة من دم الحيض.

    فحكمت بكونها حائضاً، مع أن ذلك صفرة وليس بحمرة ولا غيرها من ألوان الحيض؛ فدل على أن الصفرة والكدرة في زمان الحيض حيض.

    1.   

    تقطع الحيضة

    قال المصنف رحمه الله: [ومن رأت يوماً دماً ويوماً نقاءً؛ فالدم حيض والنقاء طهر ما لم يعبر أكثره].

    هذه المسألة فيها إشكال؛ لو أن امرأة قالت: يجري مني دم الحيض يوماً وينقطع يوماً، ثم يجري يوماً وينقطع يوماً.. وهكذا، فما الحكم؟

    أولاً: مسائل الانقطاع هذه ينبغي أن يتنبه فيها للقاعدة التي ذكرناها في أقلّ الحيض، فعلى مذهب من يقول إنه لا حد لأقله -كالمالكية ومن اخترنا قوله- فإنه إذا مضى نصف يوم ثم كان اليوم الثاني طهر يوماً كاملاً، ثم خرج نصف يوم، ثم جاء طهر يوماً كاملاً فيرون أن ذلك من الحيض، فأيام الدم أيام حيض.

    أما من يقول بالأقل فيشترط في هذه المسألة -عند الشافعية والحنابلة- أن يكون يوماً وليلة، مثال ذلك: أن ترى يوماً وليلة دماً، ويوماً وليلة طهراً.. وهكذا، لكن لو جئت تسأل شافعياً أو حنبلياً أو من يرجح مذهب الشافعية والحنبلية في امرأة جرى منها الدم نصف يوم، ثم انقطع يوماً ونصف، ثم نصف يوم، ثم انقطع يوماً ونصف، فإنه سيقول هذا ليس بحيض وإنما هو استحاضة. فهذه فائدة معرفة أقلّ الحيض، فلا بد عند هؤلاء الذين يقولون بالأقل من أن يكون بلغ أقل الحيض، ولا يحكمون بكونه حيضاً إلا إذا بلغ الأقل، ولذلك قال المصنف: (ومن رأت يوماً دماً ويوماً طهراً).

    والحنفية يقولون: يكون ثلاثة أيام دماً، ويوماً طهراً، وثلاثة أيام دماً، ويوماً طهراً؛ لأن الأقل عندهم ثلاثة أيام.

    إذًا: فرض المسألة على المذاهب بهذا الشكل، عند الحنفية: تكون ثلاثة أيام دم؛ لأنهم يعتبرون الثلاث حداً أقلياً. والمالكية لا يحددون ويقولون: أن ترى الدم، وعند الشافعية: أن يكون يوماً وليلة، والحنابلة مثلهم.

    فقال المصنف رحمه الله: [ومن رأت يوماً دماً ويوماً نقاء فالدم حيض والنقاء طهر].

    هذه مسألة خلافية: لو أن امرأة جاءتك وقالت: مكثت شهراً؛ أرى يوماً دماً ويوماً طهراً.. وهكذا فما الحكم؟ وعادتها خمسة أيام.

    للعلماء فيها قولان:

    قال بعض العلماء: تجلس خمسة أيام من أول ما يأتيها الدم، فيصبح اليوم الأول الذي رأت فيه الدم حيضاً، وكذلك الثاني والثالث والرابع والخامس، ويصبح اليومان اللذان هما متخللان للخمسة أيام -اليوم الثاني والرابع- عند أصحاب هذا القول مع كونهما طهراً حيضاً. هذا مذهب القول الأول.

    القول الثاني يقول: اليوم الذي رأت فيه الدم يصير حيضاً، واليوم الذي رأت فيه النقاء يصير طهراً، ثم تعد بحسب أيام الدم، فاليوم الأول حيض، والثاني طهر، والثالث حيض، والرابع طهر، وهكذا حتى تبلغ الخمسة الأيام، والمذهب الثاني يسمى: مذهب التلفيق، وقال به فقهاء الشافعية والحنابلة والمالكية، وهو الأقوى والأرجح إن شاء الله.

    فللعلماء وجهان:

    مذهب يقول: كل أيامها حيض بقدرها، فإذا كانت عادتها ستاً فإنها تعتبر بتمام اليوم السادس، وهذا المذهب مرجوح كما قلنا.

    المذهب الثاني يقول: إنها تعتبر طاهراً في اليوم الذي فيه نقاء، حائضاً في اليوم الذي فيه دم، وبناءً على ذلك: إذا كانت عادتها ستة أيام فمتى يحكم بخروجها من عادتها على القول الثاني؟ يقولون: اليوم الأول حائض، واليوم الثاني طاهر فتصوم وتصلي، واليوم الثالث والخامس والسابع والتاسع والحادي عشر حائض؛ إذًا: تخرج بتمام الحادي عشر. وهذا يسميه العلماء: مذهب التلفيق؛ لأنها تلفق أيامها، وقال به جمهور العلماء، وهو موجود عند المالكية والشافعية والحنابلة رحمة الله عليهم، وهو أقوى الأقوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علّق الحيض على وجود الدم، وهو أصل في الشرع، فإن تخلّف الدم ورأت النقاء فإنها طاهر، ولا يحكم بكونها حائضاً.

    1.   

    فائدة في مسألة سؤال الشيخ لتلاميذه أمام الناس

    هنا اقتراح يقول: لو كان هناك بعض الأسئلة من قبل الشيخ في نهاية كل درس؛ وذلك لأمرين: حتى يعرف مدى فهم الطلاب وإدراكهم للدرس، ولتمرين الطلاب على المسائل وحلّها ومعرفتها، وجزاكم الله خيراً.

    أقول: جزاك الله خيراً على هذا، و-الاقتراحات- شيء طيب حقيقةً وإذا كان أحد يريد أن يرى رأياً في أمر فيه مصلحة للجميع فهذا لا شك أنه من النصيحة، وجزى الله الأخ الفاضل على هذا الاقتراح خيراً، لكن عسى الله أن يعيننا عليه.

    هذا الاقتراح محل نظر، أولاً: تعرفون أن الدرس نصف شهري، والوقت ضيق جداً.

    والأمر الثاني: أنا أمتنع من السؤال لأمور؛ أولاً: أنه فتنة للمسئول، فقل أن تجد طالباً يقوم يجيب أمام إخوانه، ويسلم من الرياء وحظوظ النفس ووساوس الشيطان، وأنا أقول: قلّ؛ لأن أكثر النفوس ضعيفة، ولعل أن يكون هناك نوادر، لكن هذا أمر آخر، أما الغالب: الفتنة، ولا يجيب أحد غالباً إلا ويفتن، فلو أن إنساناً سلم، يبقى الإشكال في أمر آخر وهو: لو أني اخترت أحداً يجيب، فسألته فلم يستطع أن يجيب فماذا تتوقعون؟ قد تضعف همته، وتنكسر نفسيته، وقد يقول: الشيخ ينظر إليّ نظرة أخرى، ولن أحضر الدرس مرة أخرى، وقد وقع من ذلك شيء لزملاء أعرفهم.

    الأمر الثالث: الطالب حينما تقيمه فيجيب، يحتاج عشر دقائق -الله المستعان- حتى يتهيأ للسؤال، فتصتك القدمان، ويتلعثم اللسان، ويبلع ريقه، ويجلس فترة حتى يستطيع مواجهة الجمهور، وهذا أمر صعب، وخاصة أن الإنسان قد يكون لأول مرة يجيب في محضر، ويضيع الوقت، ثم قد تكون إجابته ناقصة، وأنا حقيقة أراعي ما كنا عليه على أيام مشايخنا، فقد كانوا يستحبون أن لا يتكلم الطالب في مجالس العلم؛ لأن ذلك أدعى للهيبة، وأحفظ لحرمة الدرس، ولكم عليّ -إن شاء الله- ما أخرج من هنا حتى أجيب آخر سائل، وأنا أقول: هذه الطريقة اجتهاداً مني، وقد يكون العلماء والمشايخ والفضلاء لهم طريقة أخرى للمناقشة، لكن الذي أراه: أن نلقي الدروس ونلقي الفوائد، فيذهب الطالب إلى بيته مخلصاً لوجه الله عز وجل، يضع كتابه ودفتره أمامه ويراجع ويحرر، ويرى اثنين من طلاب العلم يسهر معهم أو يراجع معهم أسبوعياً، وإذا به بإذن الله عز وجل قد ضبط العلم وأتقنه.

    أما أن يحُرَج أو يجيب أمام الناس فهي في الحقيقة تذهب الحرمة، وأنا أقول من باب الفائدة: لا أذكر أني تكلمت خلال أكثر من عشر سنوات بين يدي أبي إلا مرة أو مرتين، سألت سؤالاً فقط، وأما غيره فلا ولله الحمد؛ لأنه أدعى للحرمة وأدعى للهيبة، والإنسان الذي هو طالب علم يركز، ويتعود على الفهم بالإلقاء، ولذلك يقولون: درجات الفهم أعلاها وأرقاها: أن يكون الإنسان عنده استيعاب من نفسه، لا من خارج؛ لأن قضية المناقشات والحوار صحيح أنها تحرك الطالب، لكن تحركه متى ما كان الحوار موجوداً، لكن إذا كان طالب العلم الكامل تحركه العلوم وتحركه الفوائد والحكم، وكان متفاعلاً مع ذات العلم لا لمناقشة، فهذه أصالة في الفهم، وقوة في شخصية طالب العلم، وهذا رأي ووجهة نظر، وقد تختلف آراء العلماء، وكلٌ له وجهة نظر، وصحيح أن الحوار فيه فوائد؛ منها: أن الطالب يكمّل نقصه، كما يقولون: يتشجع على مواجهة الناس، وهذه عليها ملاحظة؛ لأن كل ما كان طالب العلم ينتظر من الله أن يفتح عليه فهذا أفضل، والله ما كنا نستطيع أن نقف أمام شخص أو شخصين، وكان يقال: المفروض أنك تتهيب أن تقف أمام الناس، وكان الوالد يقول لي كلمة واحدة، وأقول لكل طالب علم: اصبر، فإن كان عندك علم يراد به وجه الله فسيخرجك الله ولو بعد حين، وسيقبض لك من يأخذ عنك العلم، ويقيض لك من ينتفع بك، ويقيض لك من يحبك ويصدق حتى في علمه وتعليمه والأخذ عنه، هذا أمر يرجع إلى معاملة الإنسان مع الله عز وجل، وهي أسباب، قد تختلف فيها وجهات النظر، لكن أنا أرى الأخذ بالاحتياط والسلامة، هذا في وجهة نظري، خاصة أن الوقت ضيق جداً، وتصوروا لو أننا جلسنا نصف ساعة نناقش لذهب نصف وقت الدرس، وقد يكون الطالب في بعض الأحيان يحب أن يناقش، يعني تأتي تسأله وإذا هو الذي يسألك، وتأتي تستذكر معه -مثلاً- وإذا هو الذي يذاكرك، فقضية المناقشة لها سلبيات عديدة، وقالوا أيضاً عنها: إنها تجرئ بعض طلاب العلم الذين لا يحسنون وتبرزهم في الناس، فعندما يتعود الإنسان على الجرأة ويفتح له المجال في حلق العلم، قد يتجرأ على الفتوى، وقد يتجرأ على العلم، ولذلك تجد بعض النوعيات التي تكون بهذه المثابة تضر بنفسها وتضر بغيرها.

    على العموم: هذه وجهة نظر، لكن لو ترجح عندك أنك تناقش وتناظر، فكل له مشربه.

    ونسأل الله العظيم أن يرينا الصواب وأن يوفقنا له. والله تعالى أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    انقطاع الدم لمدة عام بسبب المرض

    السؤال: امرأة انقطع عنها الدم لمدة عام كامل أو يزيد، فهل هي في طهر طوال هذه المدة؟ وما الحكم إن كان سبب الانقطاع مرضاً؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    مسألة الطهر بحثنا فيها من جانبين:

    أقل الطهر، وأكثر الطهر.

    أقل الطهر: وهي لا تسأل عن أقلّ الطهر، إذ أن أقلّ الطهر تستفيد منه لما تكون المرأة يجري معها الدم، فتقول: إن عادتها -مثلاً- ستة أيام، فستة أيام هي الحيض، وطهرها هو الباقي إذا كان لها عادة، أما إذا لم يكن لها عادة فتعطيها أقلّ الطهر في جريان الدم، لكن لو أن المرأة استمر معها الطهر أكثر من سنة أو سنتين أو ثلاث فلا حد لأكثر الطهر فقد تبقى المرأة طاهرة خمس سنوات أو ست سنوات ويحكم بكونها طاهرة؛ لأن الشرع علّق الحكم على وجود الدم، والدم غير موجود، فهي طاهرة طيلة انقطاع الدم عنها، ولا يحكم بكونها حائضاً بالتقدير والأمد ما دام أن الدم غير موجود. والله تعالى أعلم.

    استمناء الرجل بيد الزوجة أثناء حيضها

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تستمني لزوجها بيدها وهي حائض؟

    الجواب: قد يستغرب البعض من هذا السؤال، لكن اعذروا أخاكم، والحقيقة أن مسائل الدين قد يكون بعضها محرجاً، لكن هذا ديننا وهذه شريعتنا، وافرض أنك طالب علم ويوماً من الأيام سئلت هذا السؤال، فبماذا ستجيب؟

    قال بعض العلماء: أحل الله المرأة للرجل، فله أن يستمني بيدها، وله أن يستمني بالمفاخذة، وله أن يستمني بأي وضع ما لم يكن في الموضع المحرم؛ لأن الله يقول: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، وقال: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، فلما كان ضرباً من الشهوة، والناس يختلفون في انقطاع وانكفاف شهوتهم؛ فإن الأصل حِل الاستمتاع حتى يدل الدليل على المنع، فاستمناء الرجل بيد المرأة أو بالفخذ كل ذلك جائز، ولا حرج فيه حتى يدل الدليل على التحريم والمنع، وقد يجوز الشيء منفصلاً ولا يجوز متصلاً، ولذلك يحرم الاستمناء متصلاً -بيد نفسه- ويحل منفصلاً -بيد غيره كالزوجة مثلاً-؛ لأن الشرع أذن بالاستمتاع بالموضع المنفصل، ولم يأذن بالاستمتاع بالموضع المتصل، فكان محرماً في الاتصال حلالاً في الانفصال، فلا حرج أن يستمني بيد المرأة، ولا إثم عليه ولا عليها في ذلك؛ لأن الرجال يختلفون في الشهوة، والمقصود من زواج الرجل من المرأة أن تطفئ شهوته، وأن تعفه عن الحرام، فالأصل في الاستمتاع الحلّ حتى يدل الدليل على التحريم، ولا دليل هنا على التحريم. والله تعالى أعلم.

    حكم استعمال اللولب

    السؤال: ذكرتم في الدرس الماضي أن استعمال ما يسمى باللولب غير جائز، فهل يعني أنه محرم؟ وماذا تفعل المرأة التي اضطرت إلى تركيبه؛ نظراً لعدم قدرتها على الحمل بكثرة، وهل يلزم عليها إخراجه؟

    الجواب: اللولب لا يجوز، وقد بحثت جميع المبررات التي ذكرت له فلم أر مسوغاً لوضعه.

    أولاً: فيه استباحة النظر إلى الفرج، وقد يكون الطبيب رجلاً، وهذا معلوم أن الأصل حرمته.

    ثانياً: فيه استباحة الإيلاج في الموضع، ويتكرر ذلك مرات وكرات؛ أولاً: لوضعه، ثم للكشف عليه، وتهيئة وضعه ومناسبته للمكان، وكل ذلك يحصل فيه الإيلاج الذي حرم الله عز وجل، فأصبح فيه النظر، وأصبح فيه الإيلاج، مع ما فيه من مفاسد على الموضع، ومفاسد على العادة، فقلّ أن تضعه امرأة -بشهادة أهل الخبرة والأطباء والحس والتجربة- إلا اختلت عادتها، واضطرب عليها حيضها، وأصبح عندها ارتباك حتى تلتبس عليها صلاتها، ويلتبس عليها صيامها، وفيه من المفاسد أنه يمنع النسل، ويحول بين النسل الذي هو مقصود الزواج؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة) فمقصود الشرع: التناسل والتكاثر.

    والحقيقة أن كثيراً من النساء -أصلحهن الله- لا يرغبن في الحمل إلا من رحم الله، وهذا لا شك أنه مخالف للشرع، وفيه تفويت لكثير من المصالح الشرعية، وعلى المرأة أن تتوكل على الله، وأن تحسن اليقين بالله، وقد كان النساء إلى عهد قريب من الزمان تلد المرأة أربعة عشر ولداً وفيهم البركة وفيهم الخير، وهي من أحسن ما يكون وما وقع لها شيء، واليوم تجد المرأة بمجرد ما تضع الابن والبنت إذا بها لا تريد الحمل، وتختلق المبررات والأسباب لكي تقطع الحمل، وهذا من محق البركة، نسأل الله السلامة والعافية.

    يذكرون عن طبيب هندي وثني أنه جاءه رجل مسلم وقال له: أريد أن تربط لزوجتي، فقال له: لماذا؟ قال له: لا أريد النسل، الذي عندي يكفي، فبكى الطبيب، فسأله: ما الذي يبكيك؟ قال له: كان لي أربعة من الولد، ثم لما أنجبت زوجتي الأربعة قالت: لا أريد الحمل، الأربعة يكفون، فعملت العملية لها، ثم شاء الله أن الأربعة ذهبوا في حادث واحد، وبقي هو وامرأته، لا تنجب ولا يستطيع أن ينجب منها.

    فالإنسان إذا حمد نعمة الله بارك الله له فيها، وإذا كفر نعمة الله عز وجل محق الله بركته، وأي بركة في الزواج أعظم من أن تخلف وراءك، وما يدريك أن هؤلاء الأبكار الذين جاءوك قد يكون لا خير فيهم، وقد تكون ذرية غير صالحة، وأن الخير يكون لك في آخر ولد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلعق اليد ولعق الإناء وقال: (إنك لا تدري في أي طعامك البركة) ، فقد تكون آخر لقمة من الطعام هي التي فيها البركة، وقد يكون آخر ابن أو آخر بنت تنجبها هي التي فيها البركة.

    ونسأل الله العظيم أن يرزقنا السداد والصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756455393