إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 113للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في السنة العاشرة من الهجرة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله تعالى عنه إلى اليمن، فوصل إلى همدان وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان، وأسلمت قبائل اليمن، قبيلة بعد أخرى، فسر رسول الله وأرسل إلى قبائل اليمن من يجبي منهم الصدقات، كما أرسل كذلك إلى أنحاء الدولة الإسلامية ولعل أهم أحداث السنة العاشرة هو حجة الوداع؛ إذ لم يعش بعدها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بضعة شهور، وتوفاه الله عز وجل.

    1.   

    إرسال النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى اليمن وإسلام همدان

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    ها نحن مع أحداث السنة العاشرة من الهجرة النبوية الشريفة ..

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين [ورابع أحداثها] أي أحداث السنة العاشرة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.

    [إرسال النبي صلى الله عليه وسلم علياً ] يعني علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن عم رسول الله وصهره [إلى اليمن، وإسلام همدان]

    [وفي هذه السنة العاشرة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن] واليمن من جنوب مكة إلى المحيط [وقد كان أرسل فيها خالد بن الوليد ] في هذه السنة أيضاً أرسل خالد بن الوليد [إليهم يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فأرسل علياً وأمره أن يقفل خالداً ] أي: يرجع خالد [أو من شاء من أصحابه ففعل] علي رضي الله عنه [وقرأ علي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل اليمن، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد] أسلمت القبيلة كلها في يوم واحد، فهناك فرق بين خالد سيف الله في أرضه وبين علي .

    قال: [فكتب بذلك] أي علي [إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] بأن همدان أسلمت كلها في يوم واحد [فقال] أي النبي صلى الله عليه وسلم [( السلام على همدان )] ثلاث مرات، ففازوا بها، وهذا شأن من يقبل على الخير ولا يتردد، فازوا بالسلام عليهم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    [ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام] أصبحوا يدخلون قبائل قبائل في الإسلام [وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد شكراً لله تعالى] لما جاء كتاب علي يبشره بأن القبائل اليمنية تدخل قبيلة بعد أخرى في الإسلام خر لله ساجداً شكراً له، وهذا السجود يسمى سجود الشكر، فإذا بُشرت بخير لك أو لأحد إخوانك اسجد لله، ولو على غير وضوء.

    1.   

    نتائج وعبر من إرسال علي إلى اليمن وإسلام همدان

    قال: [نتائج وعبر] لهذه المقطوعة الوجيزة البسيطة.

    [إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً هي الآتية:

    أولاً: فضيلة همدان؛ إذ أسلموا في يوم واحد، وسلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً.

    ثانياً: مشروعية سجود الشكر عند حصول النعمة] إذا كانت امرأتك حبلى وجاء من يبشرك بأنها قد وضعت ولداً قل: الله أكبر! واسجد، ولو بدون وضوء، فليس السجود كالصلاة، وكذلك ليس فيه سلام، أو جاء من يبشرك بأن ولدك نجح في الابتدائي، مباشرة اسجد، وكلما بُشرت بخير اشكر الله تعالى بهذا السجود، وقد سجد نبي الله داود شكراً لله تعالى، قال عز وجل: وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24].

    إذاً: هذه سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذا بشر بخير سجد لله شكراً.

    [ثالثاً: فضيلة علي بن أبي طالب إذ هدى الله على يديه ما لم يهد على يد خالد رضي الله عنهما معاً] لما كان علي في خيبر أعطاه رسول الله الراية، وقال له: ( لأن يهدي الله على يدك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) فالآن هدى الله على يديه آلاف، فهنيئاً له.

    1.   

    بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراء على الصدقات

    قال: [وخامس أحداثها] وخامس أحداث السنة العاشرة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

    [بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراء] جمع أمير [على الصدقات] أي الزكوات يجلبونها من البلاد التي دخلت في رحمة الله، وأسلمت قلوبها ووجوهها لله.

    [إن شأن الزكاة في الدولة الإسلامية عظيم] ونحن من إندونيسيا إلى موريتانيا ما جبت الزكاة دولة قط من دولنا التي تزيد على أربعين دولة، باستثناء دولة الحرمين، وبلغوهم هذا، قولوا لهم: لم لا تجبون الزكاة؟ ألا تريدون أن تدخلوا في الإسلام؟! تجد البلاد تستقل، وتقوم فيها دولة وطنية من رجالها، ثم يعرضون عن أركان الدولة الإسلامية، لقد أصبحنا نتوقع أن حكام المسلمين ومسئوليهم سحرهم اليهود، وقد بلغتنا أخبار من هذه؛ فاليهود هذه مهمتهم، ونحن نجالسهم في الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن، وكأس من الشاي فقط يعمل فيه السحر، وإلا كيف يستقل الإقليم عن فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا ثم يعرض عن أركان الدولة الإسلامية، وهو يقرؤها ويسمع بها طوال حياته؟!! أليس هذا مسحوراً؟!

    أما كلمة الخوف فلا خوف، يكذب من يقول: إنه خوف من الدولة الاستعمارية، فالدولة الاستعمارية تفرح لو حصل هذا!! والله يقول: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] كيف لا نطيعه في هذا إذا كنا نريد أن نفوز ونسود؟ ومن ثم دويلاتنا في هم، وكرب، وذل، وخزي، وعار إلى أن نتوب، وسنن الله لا تتبدل، فالسم يقتل، ومن احتساه مات!

    كان المفروض أن تجعل الصلاة ومن يوم الاستقلال إجبارية، في الجيش، وفي الشرطة، وفي كل المواطن، والذي يرفضها يقتل، ونكون بذلك قد طهرنا قلوب الناس، ووجهناهم إلى الله عز وجل.

    ثانياً: الزكاة تلزم إلزاماً، ولكنهم عوضوا عنها بالضرائب الفادحة، ومن عجيب ما تسمعون أن فرنسا أيام استعمارها لنا في الديار المغربية والجزائرية، كانت تكتب على ورقة الضريبة: (الزكاة)؛ حتى تطمئن قلوب المؤمنين لها، وأنها فريضة كالزكاة فلا يكربوا ولا يحزنوا، ولما حكمنا نحن واستقللنا عنها -والله- ما كتبنا تلك الكلمة؛ حتى لا نذكّر الناس بالزكاة، وكأننا نقول: مت أيها الإسلام، فلا تذكر!!

    لم لا تجبى الزكاة؟ أليست قاعدة من قواعد الإسلام؟ ثم بدل الضرائب قل: الزكاة ..!

    قال: [فهي -من جهة- حد فاصل بين الكفر والإيمان] من لم يؤتِ الزكاة جاحداً لها فهو كافر، ومن لم يؤتها وهو مؤمن بها يقاتل حتى يدفعها أو يقتل [ومن جهة أخرى: فإن مصالح الدولة والأمة قائمة على المال، والزكاة هي المورد الثابت لذلك، فمن هنا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار الأكفاء] أهل القدرة والكفاية [لهذه المهمة.

    وها هي ذي قائمة بأسماء المصدقين -أي: جباة الزكاة وجامعيها- وسميت الزكاة صدقة؛ لأنها تدل على صدق إيمان مؤديها] والذي لا يؤديها ليس بمؤمن، لم يصدق الله ولا كتابه ولا رسوله.

    [أولاً: المهاجر بن أمية بن المغيرة بعثه إلى صنعاء فخرج عليه العنسي ] الذي ادعى النبوة [وهو بها.

    ثانياً: زياد بن لبيد الأنصاري بعثه إلى حضرموت.

    ثالثاً: عدي بن حاتم الطائي، بعثه إلى طيء وأسد.

    رابعاً: مالك بن نويرة بعثه إلى بني حنظلة.

    خامساً: الزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم بعثهما إلى بني سعد بن زيد مناة بن تميم.

    سادساً: قيس بن عاصم .

    سابعاً: العلاء بن الحضرمي بعثه إلى البحرين.

    ثامناً: علي بن أبي طالب بعثه إلى نجران؛ ليجمع الزكاة والجزية من نصارى نجران، واستخلف رضي الله عنه على الجيش الذي كان معه] أي: مع علي [رجلاً من أصحابه، وسبقهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حاجاً حجة الوداع] علي لما كان في نجران يجبي الزكاة والجزية التي على نصارى نجران، وكَّل من ينوب عنه في الجيش والعمل، وأتى مكة ليدرك الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال: [فعمد الرجل المستخلف إلى الجيش فكساهم كل رجل حلة من البز] أي: ثوب من الكتان [الذي مع علي، فلما دنا الجيش من مكة خرج علي ليتلقاهم، فرأى عليهم الحلل فنزعها عنهم، فشكا الجيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] قالوا: نائب الإمام كساها، وهذا نزعها [فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً] لأنها قضية ذات شأن [فقال: ( أيها الناس! لا تشكوا إليّ علياً ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يُشكى )] فأسكتهم.

    1.   

    نتائج وعبر من بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراء على الصدقات

    قال: [نتائج وعبر:

    إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نوجزها كالآتي:

    أولاً: أهمية الزكاة وجبايتها والتأمير عليها في الإسلام ودولتها الرشيدة] أخذنا هذا من بعثه صلى الله عليه وسلم علياً وغيره لجباية الزكاة.

    [ثانياً: مشروعية أخذ الجزية على أهل الكتاب]؛ لأن علياً أخذ الجزية من نصارى نجران بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن المعاهدة تمت على هذا قبل أقل من سنة.

    [ثالثاً : مشروعية المبادرة إلى تغيير المنكر، إذ نزع علي ما كان قد كساه خليفته أفراد الجيش بدون إذن الأمير.

    رابعاً: فضل علي رضي الله عنه إذ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخشن في ذات الله أو سبيله من أن يشكى وتُقبل الشكوى فيه].

    1.   

    حجة الوداع والبلاغ

    قال: [وسادس أحداثها:

    [حجة الوداع والبلاغ] هيا نودع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    [هذا الحدث] أي: حجة الوداع والبلاغ [ذو أهمية كبرى؛ لما بين الحبيب صلى الله عليه وسلم في حجته هذه من شرائع وأحكام وآداب، وسميت حجة الوداع؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم فيها: ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )] إشعار بنهاية الحياة [كان مشعراً بالوداع] فسميت حجة الوداع [وكذلك كان، إذ لم يعش بعدها صلى الله عليه وسلم إلا بضعة شهور وتوفاه الله عز وجل، وتسمى أيضاً حجة البلاغ] إذ بلغ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يبلغ من أحكام هذه الملة وشرائعها [لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الكثير من الأحكام: إنه لما دخل شهر ذي القَعدة] القِعدة والقَعدة كالحِجة والحجة لغتان [أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يتجهز] يعد الجهاز [وأمر الناس بالجهاز كذلك، معلناً لهم أنه يريد الحج، ولما بقي خمس ليال من شهر ذي القعدة] يوم خمسة وعشرين أو أربعة وعشرين [استعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا دجانة أو سباع بن عرفطة الغفاري ] واحد منهما والياً أو حاكماً يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.

    إنه أستاذ الحكمة صلى الله عليه وسلم، فكيف يترك المدينة فوضى بلا والي، فاستخلف أحد هذين الرجلين الكريمين على المدينة المنورة.

    قال: [وخرج] أي: من المدينة [وخرج المسلمون معه وهو لا يريد إلا الحج، فلما كان بوادي العقيق على سبعة أميال من المدينة نزل عليه جبريل -عليه السلام- بالسلام من رب العالمين فقال له: إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: إنك بالوادي المبارك، فصلّ فيه، وقل: عمرة في حجة] علمه كيف يحرم، وأن يدخل العمرة على حجه، بعد أن كان قد خرج لا يريد إلا الحج فقط، ثم جاءه أمر الله من فوق سبع سماوات أن يضيف إلى حجه عمرة، فيصبح قارناً، أي: جامعاً بين حج وعمرة.

    قال: [وخير أصحابه بين الإفراد والتمتع والقران] وأصحابه كانوا حوالي مائة ألف، فخيرهم من شاء أن يفرد الحج فليفرد، ومن شاء أن يقرن فليقرن، ومن شاء أن يتمتع بعمرة فليتمتع [فمنهم من أهلّ بحج، ومنهم من أهلّ بعمرة، ومنهم من أهلّ بحج وعمرة، وساروا حتى إذا بلغوا (سَرِف)] قريباً من مكة [حيث جاءت عائشة رضي الله عنها العادة الشهرية] حاضت [فبكت وطمأنها الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي يا عائشة كل ما يفعله الحاج إلا أنك لا تطوفين بالبيت حتى تطهري )] فإذا طهرت اغتسلت وطافت، وهذا لـعائشة ولكل مؤمنة إلى يوم القيامة، فإذا حاضت المؤمنة بعدما أحرمت فإنها تبقى على ذلك، وتفعل كل ما يفعله الحاج من الوقوف بعرفة والرمي وغير ذلك .. حتى إذا طهرت طافت بالبيت.

    قال: [ثم أمر من لم يسق الهدي أن يجعل حجه عمرة تخفيفاً عليهم] أمر من لم يسق الهدي أن يجعل حجه عمرة تخفيفاً عليهم [ورحمة بهم وبمن يأتي بعدهم] لأنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، بل يعدونها من أعظم الذنوب، وهذا في الجاهلية، حتى إذا انتهى الحج وأقبل شهر صفر صحت العمرة لمن اعتمر، فرحمة بهذه الأمة قال النبي صلى الله عليه وسلم للذين أفردوا، ولم يكن معهم هدي: تحللوا بعمرة؛ طوفوا واسعوا وقصروا.

    فأيما مؤمن الآن يأتي محرماً بالإفراد ولم يسق معه الهدي ودخل مكة، له أن يقلبها إلى عمرة فيطوف ويسعى ويتحلل ولا حرج، بدلاً من أن يجلس محرماً كذا يوم، فقبل أن يطوف ينوي العمرة ثم يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، ويبقى في مكة حتى يأتي يوم التروية للحج.

    قال: [ولما دخل مكة طاف بالبيت وسعى] صلى الله عليه وسلم [ولم يتحلل لسوقه الهدي] إذ جاء من المدينة بأربعين بعيراً، وجاء علي بستين، فكانت مائة هدي [وبقي بعض أصحابه مفردين] ما تحللوا [-وليس معهم هدي- فلم يتحللوا فأمرهم بالتحلل، وقال مرغباً لهم: ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة )] فخفف عنهم.

    ومعنى: (لو استقبلت من أمري) أي: لو عشت إلى عام آخر، لما أتيت ومعي الهدي، ولحللت وجعلتها عمرة بدل الحج بالإفراد.

    [فحلّوا من إحرامهم] حولوا الإحرام إلى عمرة [وسألوه: ( هل هذا لعامنا هذا خاصة -أي: التحلل بالعمرة- فقال: لا، بل لأبد الأبد )] ولو كان لهم فقط لما صح لأحد أن يتحلل، فأيما مؤمن يأتي مفرداً، ويبدو له أن يحوّل الحج إلى عمرة صح له ذلك، فيطوف ويسعى ويقصر، وعليه الهدي كما هو معلوم.

    [أي: يجوز لأي مسلم يأتي مفرداً بالحج وليس معه هدي أن يفسخ الحج إلى عمرة] ومن هذا اللفظ أخذ الظاهرية ومن سلك مسلكهم بحرمة الإفراد، وأنه لا يصح، وهذا فهم باطل، فكل ذي علم وذوق لا يفهم من هذا العمل هذا الكلام الذي فهمه الظاهرية.

    [ومكثوا بمكة محلّين] أي: متحللين [حتى يوم التروية، فأحرموا بالحج وخرجوا إلى منى وباتوا بها، وبعد صلاة الصبح من يوم عرفة (تاسع الحجة) خرجوا إلى عرفة، وعلَّم أثناء ذلك الناس مناسكهم وسنن حجهم، وخطب خطبة بعرفة لم يُسمع مثلها في طولها، ولما اشتملت عليها من الشرائع والهدى، وهذه جل فقراتها، فلتقرأ وليُوقف عند كل جملة منها؛ فإنها كواكب هدى تضيء للمسلم الدجى].

    وإلى درس آخر إن شاء الله مع خطبة الحبيب صلى الله عليه وسلم في عرفات.

    1.   

    تحقيق ولاية الله عز وجل

    أقول: يا أولياء الله! ولا تخافوا من هذه الكلمة، فقد كتب علماؤنا أيام الهبوط، أن من قال: أنا ولي، يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة!! وعليه فلا تقل: أنا ولي الله! إذاً ماذا أقول:؟ عدو الله يعني ..!!

    والسر في هذا أيها الزوار الكرام! لماذا قنن هذا القانون وقالوا للمسلمين: لا تقولوا: نحن أولياء الله؟! ومن قال: أنا ولي الله يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة، لماذا؟

    الجواب: أراد الثالوث الأسود: المجوس واليهود والنصارى أن يحرموا أمة الإسلام من ولاية الرحمن، فحصروا الولاية في الأموات، فلا ولي في المدينة ولا في القرية إلا من مات، وبني على قبره قبة بيضاء أو خضراء، ووضع على قبره تابوت من خشب، عليه ستائر من حرير، توقد عليه الشموع ليلتي الإثنين والجمعة، وكان عنده بابه بواب أو حارس يأخذ الزيارات.!!

    فحصروا الولاية في الأموات من أجل أن يستبيح المسلمون فروج نسائهم، وقتل أرواحهم، وأخذ أموالهم، وشتم وسب رجالهم ونسائهم؛ لأنهم ليسوا بأولياء لله، أما ولي الله فلا يستطيع أحد أن يسبه أو يشتمه، أو يلوك لسانه بكلمة ضده، فضلاً عن أن يفجر بامرأته أو بنته، مستحيل، فهذا ولي الله!

    إذاً: حصروا الولاية في الموتى، والأحياء كلهم ليسو بأولياء لله، والدليل انتشار الزنا والفجور والكذب والسرقة والسب .. كل هذا منتشر، ولو عرفوا أنهم أولياء لله ما آذى بعضهم بعضاً، وإلى الآن لم يفق الناس، ولم يعرفوا هذا، ونحن نكرر هذا القول منذ أربعين سنة، ولم ينتبه الناس بعد!!

    فلا يحل لمؤمن أن يسب مؤمناً، أو يشتمه أو يمسه بيده، أو بعوده، فضلاً عن أن يقطع رأسه، ولا يحل لمؤمن أن يفجر بامرأة مؤمن أو ابنته، ولا يحل لمؤمن أن يأخذ مال أخيه، كيف يجوز هذا وهو ولي الله؟ فلما سلبونا الولاية عملنا الذي عملناه.

    يا أولياء الله! بم تتحقق ولايتكم لله؟ بشيئين:

    أن تؤمنوا بالله حق الإيمان، وأن تتقوا الله، فلا تفسقوا عن أمره ولا تخرجوا عن طاعته، وبذلك تكونون أولياء لله، واحفظوا آيتي سورة يونس: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:63-64]، وهي: الرؤيا الصالحة.

    إذاً: ولاية الله تحقق بالإيمان والتقوى، والتقوى تتحقق بحب ما يحب الله وفعله، وبترك ما يكره الله وكرهه.

    1.   

    من مكاره الله تعالى ومساخطه

    والآن مع المحاب والمكاره لله عز وجل، والليلة مع بعض المكاره ..

    قال: [الإلحاد في الحرم].

    إن الميل والظلم، والفسق، والفجور في الحرم من كبائر الذنوب، والله عز وجل يبغضه ويسخط عليه، فلنتحاش أن نميل عن الحق في مكة أو المدينة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أبغض الناس إلى الله ثلاثة ) من هؤلاء؟ قال: ( ملحد في الحرم ) هذا واحد.

    والثاني: ( مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية )، يعني: يطلب سنن الجاهلية وعاداتها في الإسلام، وأكثر الأعراف عند المسلمين اليوم من أعراف الجاهلية، جعلوها شريعة يعملون بها.

    قال: ( ومطلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه ) يدعي على آخر بأنه قتل ابنه أو أخاه؛ لينال دمه بدون حق.

    إذاً: فاحذر يا طالب ولاية الرب تبارك وتعالى أن تبغّض نفسك إلى ربك، فتصبح من أبغض الناس إلى الله تعالى، واحذر من هذه الثلاث:

    الأولى: الإلحاد في الحرم المكي، وهو الميل عن الحق إلى الباطل؛ وذلك بترك شيء من عبادة الله، أو الشرك فيه، أو ظلم الناس بارتكاب معصية الله تعالى، أو ظلم إنسان أو حيوان بأذيته بأي نوع من الأذى.

    الثانية: عملك في الإسلام -وأنت مسلم- بسنن الجاهلية؛ وذلك كالنياحة على الميت، أو التحاكم إلى الأعراف والعادات الجاهلية، وعدم التحاكم إلى شريعة الله التي حواها كتابه.

    الثالثة: مطالبتك بدم باطل ليس بحق، لتريق دماً ظلماً وعدواناً.

    فاذكر هذا يا طالب ولاية الله ولا تفوته؛ لتوافق ربك تعالى في مكارهه ومحابه، فتتم لك ولايته وتصبح حقاً ولياً من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، في الحيوات الثلاث: في الدنيا والبرزخ والدار الآخرة.

    حقق الله تعالى ذلك لي ولك آمين.

    وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755815457