إسلام ويب

تفسير سورة الفرقان [21-26]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله تعالى في هذه الآيات مآل أعمال الكافرين المشركين في الآخرة، فهو سبحانه يجعلها هباء منثوراً؛ لأنها لا تقوم على التوحيد ولا على الإخلاص. ثم ذكر مقارنة بين حال المؤمنين الفائزين بالجنة والكافرين المغضوب عليهم بالنيران، فأصحاب الجنة خير مستقراً وموئلاً وعاقبة، والآخرون شر مكاناً. ثم ذكر ما يحصل يوم القيامة من تشقق السماء بالغمام، ونزول الله تعالى لفصل القضاء في ذلك اليوم العظيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقال الذين لا يرجون لقاءنا ....)

    قال الله جلت قدرته: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان:21-22].

    يقول الله جل جلاله عن هؤلاء الكفرة الذين لا يؤمنون بيوم البعث والنشور، ولا يخافون قدومهم على الله ولقاءهم له يوم العرض عليه، إنهم قالوا: لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا [الفرقان:21].

    أي: قالوا لنبيهم: لم لا يرسل إلينا معك -إن كنت رسولاً حقاً- ملائكة من السماء يظهرون لنا ويبرزون ويصدقون نبوتك ورسالتك، ويشهدون لك بأنك الرسول حقاً.

    وإذا لم تأت الملائكة ولم تنزل علينا فليأت ربك بنفسه وليشهد لك بالصدق؛ لنصدقك ولنؤمن بك.

    فهؤلاء الذين كفروا وازدادوا كفراً طلبوا مطالب من لا يعلم من ربه، ولا يعلم صدق نبيه بكثرة ما أنزل معه من معجزات ومن آيات بينات، وأخذوا يتعنتون ويطلبون شيئاً لا يقصدون به معرفة حق، ولا إظهار معجزة، وإنما يريدون التعنت على نبيهم، والإصرار على كفرهم، فقال الله عن هؤلاء: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ [الفرقان:21] أي: لقد تعاظموا وتكبروا وطلبوا ما لا يليق بهم وهم أحقر من أن يخطر ببالهم فضلاً عن أن يطلبوه.

    وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا [الفرقان:21] العتو: هو شدة الظلم والكفر والطغيان، فقد طغى هؤلاء واعتدوا وظلموا وقالوا كفراً وزوراً، وأتوا بما لم يأت به مؤمن.

    ثم قال الله لهم: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [الفرقان:22] أي: يوم يرون الملائكة -وهم سيرونهم- لا تكون رؤيتهم لهم بشرى لهم، بل يكون خزياً ودماراً وخراباً.

    والوقت الذي يمكن أن ترى فيه الملائكة هو ساعة الاحتضار وخروج الروح، وإذ ذاك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.

    فمن احتضر وهو كافر ونزعت منه الروح فسيرى ملائكة العذاب يبشرونه بالويل والثبور واللعنة والغضب، لا يبشرونه بخير ولا بجنة، ثم يرون يوم القيامة ملائكة العذاب الذين يسوقونهم إلى النار وإلى اللعنة والدمار والخزي.

    وأيضاً يرون الملائكة في القبر حين يسألونهم عما صنعوه في حياتهم، فيسألونهم: من ربكم؟ ومن نبيكم؟ وما دينكم؟ ولشركهم فإنهم يجيبون جواب الكافرين الذين لم يؤمنوا يوماً برب ولا نبي، ولم يدينوا يوماً بدين حق قط، فهؤلاء ستكون رؤيتهم للملائكة رؤية ذل وهوان وبشرى بالخزي والدمار والعذاب.

    وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان:22] أي: يقول لهم الملائكة: حراماً محرماً أن تدخلوا الجنة قط، أو ترحموا قط، فقد حجرت الجنة عليكم، وأمسكت أبوابها عن دخولكم؛ جزاءً وفاقاً لشرككم ولكفركم.

    والحجر: المنع، ومنه سمي حجر إسماعيل، أي: منع من أن يطوف الطائفون داخله وإنما يطوفون خارجه، ومنه قولهم: حجر القاضي على الصبي لسفهه، وعلى المفلس لعجزه عن أداء الديون والحقوق، فحجر ماله؛ لتؤدى الحقوق.

    ومنه: الحجر على السفيه الغني الذي يبذل ويصرف ماله في الباطل، ويحرم منه أهله وأولاده، ويصرفه في ما لا يليق بالإنسان أن يصرفه فيه، ويترك أهله وأولاده عالة على الناس، ويصرف ذلك في الليالي الحمراء وفي الفسق والجريمة والعصيان.

    وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان:22] أي: يوم يرى هؤلاء الملائكة يبشرونهم بالويل وبالثبور وبالنار وبالدمار ويقولون: لهم حجراً محجوراً، أي: حراماً محرماً عليكم دخول الجنة، ورحمة الله ورضوانه؛ لكفركم وشرككم إلى أن متم على ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل...)

    قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].

    أي: عمدنا وجئنا، فهؤلاء الذين عاشوا مشركين وماتوا مشركين يعمد الله جل جلاله إلى أعمالهم التي قاموا بها في الحياة الدنيا والتي يظنون بها أنهم أحسنوا بها صنعاً، وأنها أعمال خير وفلاح وصلاح فيجعلها هباءً منثوراً مشتتاً ضائعاً.

    والهباء هو ذلك الغبار الذي يكون في الكوة عندما تشرق عليها الشمس، فيرى غبار منثور لا يمس باليد ولا يرى في الظلام، فهو لا يذكر ولا حساب له ولا عبرة به.

    أي: إن الله يذر أعمالهم ويشتتها حتى تصبح هباءً موزعة منثورة، كذلك الهباء الذي يرى في الكوة وفي النافذة عندما تشرق عليها الشمس فيرى متناثراً، ولا يرى في الظل ولا يمسك باليد، ولو فرضنا أنهم تصدقوا وأعطوا وأحسنوا فهم لا يفعلون ذلك إخلاصاً لله، ولا إيماناً برسل الله، ولا طاعة لأوامر ربهم ونبيهم، فهم لا يفعلون ذلك ديناً ولا امتثالاً، وإنما يفعلونه ليقال وليتظاهروا به رياءً، وقصدهم من ذل الذكر والرياء والسمعة، وها قد سمع ذلك ورئي منهم.

    وأما أن يجازوا عليه بالجنة وبالرحمة فهم في الأصل لا يؤمنون بجنة ولا برب الجنة، ولا يؤمنون بيوم البعث والنشور.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً...)

    قال تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24].

    يقول جل جلاله: (يومئذ) أي: يوم القيامة، ورؤية الملائكة، ويوم البعث والنشور، والعرض على الله يكون أصحاب الجنة المتقون المؤمنون المسلمون الموحدون أحسن مستقراً، وأجمل حالاً، أحسن قراراً، فيستقرون بأعمالهم في الجنة وفي رحمة الله ورضاه وهم قريروا العين برحمة الله، وبما أكرمهم به من جنان ومن رحمة.

    قال تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان:24] (خير) هنا على غير بابها، فخير أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل يقتضي المشاركة والزيادة، وليست هنا للمشاركة بين مستقر النار لأهل النار وبين مستقر الجنة لأهل الجنة فضلاً عن الزيادة، وإنما معنى الكلام: أصحاب الجنة في مستقرهم في خير ونعمة وسعادة واستقرار ورضاً بما هم فيه، وأما أهل النار فهم في الغضب وفي العذاب وفي اللعنة الدائمة المستمرة.

    وقوله: وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24] المقيل من القيلولة، يقال: قال فلان يقيل إذا استراح وقت القيلولة، وهو وقت الزوال وشدة الحر ووقوف الشمس في كبد السماء.

    وتكون القيلولة بنوم خفيف أشبه بالنعاس، ويكون راحة ولا حاجة للنوم فيه، والنوم لا يكون في الجنة؛ إذ ليس فيها تعب ولا نصب، ولكن فيها الراحة والاستقرار، والقيلولة هي من باب الحديث الوارد: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل)، وفي سنده مقال.

    قال تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24] (يومئذ) أي: يوم يرى الناس الملائكة الذين كان الكفار والمشركون يريدون أن يروهم في دار الدنيا؛ ليصدقوا لهم رسالة النبي ونبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يكون أصحاب الجنة خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24] أي: استقرارهم خير ورضا، وإقامتهم دائمة، وهم مغتبطون بالرحمة وبالجنة وبرضا الله.

    فهم عندما ينتهي الحساب والعرض على الله يقيلون في الجنة، ويوم الآخرة يعد بألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا، وهذا اليوم الذي هو ألف سنة يقصره الله تعالى على المؤمن حتى كأنه صلى فريضة واحدة، أو كأنه من شروق الشمس إلى القيلولة، فلا يشعر بطول ولا بشقاء ولا بتعب، فما هي إلا مدة وبرهة يقضيها ثم تكون قيلولته في الجنة.

    فيقيل فيها ويستريح، ويكون بذلك أحسن مستقراً وقراراً وقيلولة من الكافرين المشركين، فهو في خير ورضاً ورحمة، والكافرون في عذاب وفي محنة وغضب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويوم تشقق السماء بالغمام... )

    قال تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان:25-26].

    هذا اليوم يوم البعث والنشور هو يوم تتشقق فيه السماء وتزول وتتناثر، وتنزل ملائكة السماء الدنيا إلى الأرض، ويكون عددهم أكثر من عدد الإنس والجن في الأرض، فالسماء الأولى تتشقق وتتناثر وتتطاير وتزول وتفنى، وينزل ملائكتها للعرض على الله وللحساب.

    قال تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ [الفرقان:25] أي: تتشقق ويظهر منها نور وشعاع أشبه بالغمام، وهو نور من نور الله، فلله نور السماوات والأرض، ونوره جل جلاله ظاهر في الكون، وبه أشرقت السماء والأرض، وبه هدى الله القلوب، وبه أشرقت نفوس المسلمين للحق والهداية، ويهدي الله لنوره من يشاء.

    وهذا النور الذي ينزل كالغمام ينزل منثوراً يراه من في الأرض ومن في السماء، ثم تنزل ملائكة السماء الدنيا إلى الأرض، ثم تتشقق السماء الثانية وينزل كذلك من فيها، وهم أكثر عدداً، وأكثر ملائكة وجموعاً، وأكثر من ملائكة السماء الأولى.

    وهكذا قل عن الثالثة والرابعة والخامسة فالسادسة فالسابعة.

    وينزل من السابعة الملائكة الكروبيون، أي: قادة الملائكة ورؤساؤهم كجبريل وكإسرافيل وكعزرائيل وبقية قادة الملائكة، واسمهم الكروبيون.

    وهؤلاء سكان السماء السابعة أكثر من جميع سكان السماوات الأخر وسكان الأرض، وينزلون كلهم فزعين، منتظرين أمر الله في الحساب والعرض عليه، في يوم كان مقداره كألف سنة مما تعدون.

    فيكون حساب المؤمن يسيراً هيناً، فلا يكاد يشعر به إلا كضحوة نهار إلى القيلولة، وتتم قيلولته على الأسرة في الجنان مع إخوانه المسلمين، إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].

    وأما الكافرون والعصاة المذنبون ممن يريد الله عذابهم وتأديبهم وعقوبتهم فيكون عليهم العذاب والحساب عسيراً.

    قال تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ [الفرقان:25] أي: تتشقق ويظهر منها هذا الغمام والنور، وتكون قد زالت عن أماكنها.

    قال تعالى: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا [الفرقان:25] أي: ينزلون بأمر الله، وينزل كل الملائكة الذين في السماوات جميعاً، وينزل بعد ذلك ربنا جل جلاله يحمل عرشه ثمانية من الملائكة، وكل ملك من هؤلاء الملائكة من طوله ومن عرضه ومن عظمته ومن كبره ما لا يكاد يقبله عقل ولا تتصوره نفس حتى يرى ذلك رؤيا العين.

    وينزل ربنا نزولاً يليق بجلاله وبألوهيته، وكلما يخطر ببالك فربنا مخالف لذلك، وليس في ذلك شيء يشبه الخلق نزولاً وحركة، وإنما هو نزول كقولنا عن الله جل جلاله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وقوله: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]، وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

    ونقول ما قاله ربنا، ونثبت ما أثبته نبينا صلى الله عليه وسلم، ونقرأ مع ذلك قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، ونتلو مع ذلك: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].

    فهو سبحانه لا كفؤ له في ذات، ولا شبيه له في فعال ولا ذات، وهو ربنا جل جلاله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.

    ونثبت ما قاله صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله جل جلاله يوم القيامة للحساب وللقضاء وللفصل بين الناس).

    وتجتمع الملائكة الذي لا يحصي عددها إلا الله، وعددهم كعدد الحصى والرمل سماءً بعد سماء إلى السابعة، وهذا مضاف إلى ملائكة الأرض، فمع كل واحد منا ملكان، الملك الأول الذي عن اليمين يكتب الخير، والذي عن اليسار يكتب الشر.

    فهؤلاء جميعاً يجتمعون ويقفون إجلالاً وعظمة لربهم مع المتقين والمؤمنين كذلك.

    وأما المشركون والعصاة فقلوبهم تصل إلى حلاقيمهم رعباً وفزعاً وهلعاً مما هم فيه، والملائكة يقولون: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فيسبحون ربهم ويقدسونه ويعظمونه، ولا ينقطع لسانهم ونطقهم عن الذكر والتكبير والتهليل والتقديس والتعظيم لربنا جل وعلا.

    قال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:26] أي: الملك الحق هو للرحمن وحده، يوم أن يقول: أين الملوك؟ أين الجبابرة؟ أين الطغاة؟ فلا مجيب، فيجب الله نفسه جل جلاله ويقول: أنا الملك، أنا الديان، أنا الخالق.

    وإذ ذاك لا ملك ولا سلطان ولا جبار ولا طاغية ولا من يقول: أنا، فالكل عبد مطأطئ رأسه؛ ينتظر نتيجة حسابه إما إلى جنة وإما إلى نار.

    ويكون الملك يوم ذاك الملك الحق الرازق الخالق، المنفرد بالملك وبالرزق وبالإحياء وبالإماتة، ويكون قد أمات من أمات وأحيا من أحيا، ثم أعاد الكل إلى الحياة الثانية وإلى البعث والنشور؛ ليحاسب كلاً على عمله.

    قال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ [الفرقان:26] أي: يوم القيامة، وهو يوم تتشقق فيه السماوات السبع، ويبرز منها الغمام والنور الإلهي، وهذا الذي يظهر كأنه الغمام ما هو إلا نور الله جل جلاله، وهو يوم تندثر فيه السماوات وتتوزع وتصبح هباءً وعهناً منفوشاً، وينزل الكل إلى الأرض؛ ليحاسبوا على أعمالهم، فأهل الجنة المؤمنون بالله إلى الجنة، والكفرة العصاة إلى النار.

    قال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:26] أي: الملك الحق ليس لأحد، وأما الملك الذي نراه اليوم فهو ملك زائف معار، لو دام لدام للذي سبقه ولما فني الأول، وما فني الأول إلا ليفنى الثاني، فلا ملك إلا ملك الله، فالله جل جلاله المالك المنفرد بالملك وبالخلق.

    قال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان:26]. وهذا اليوم يكون عسيراً على الكافرين, كما قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:35-37].

    وكما قال تعالى: وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، وهو يوم يشتد العرق بالناس فيه فيأخذ البعض إلى ركبته، والبعض إلى سرته، والبعض إلى صدره، والبعض يغرق في ذلك ولا يموت، ويختنق ولا يموت وهو في العذاب المقيم.

    وهذا اليوم يكون فيه للمؤذنين ميزة، ففي الحديث الصحيح: (المؤذنون يوم القيامة أطول الناس أعناقاً).

    ومعنى كون أعناقهم أطول أي: إنهم في هذا اليوم مهما غرقوا في عرقهم فأعناقهم طويلة فلا يصل العرق إلى حواسهم، فلا يصل إلى أعينهم ولا إلى أذانهم ولا إلى مناخرهم ولا إلى شفاههم، فيكونون بذلك في منجى عن الاختناق.

    فهذا اليوم يكون عسيراً على الكافرين وصعباً وشديداً، وتتعثر بهم الحياة إذ ذاك ويتعثر حسابهم، ثم يسحبون على وجوههم بعد الوقوف، وهم قد أتوا مفلسين من الإيمان ومن الصلاح ومن طاعة الله وطاعة أنبيائه، فيسحبون على وجوههم إلى النار، وهذا بعد أن يكون اليوم كألف سنة مما تعدون.

    وليس يوم القيامة يوماً واحداً بل هو أيام، ولكن الله يقصر ذلك على المؤمنين الأتقياء الصالحين فيكون كما بين الضحوة والقيلولة، وتكون قيلولتهم في الجنة، ولذا قال ربنا: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24] .

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756009854