إسلام ويب

تفسير سورة الكهف [9-11]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان أصحاب الكهف الذي أخبر الله تعالى عن قصتهم فتية شباباً، فروا بدينهم من قوم مشركين، فجعلهم الله تعالى آية على البعث والنشور، واتضح من قصتهم دور الشباب الفاعل في التغيير، للحماسة الجارية في أبدانهم، ولبعدهم عما يقعدهم عن العمل من شواغل الحياة، وإدراك هذا الأمر يرفد الدعوة الإسلامية بطاقات عظيمة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً)

    آيات الله وقدرته العجيبة

    قال تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9].

    لقد قال اليهود لسفيري قريش في قلة: لقد كانت عجائب وغرائب لشباب كانوا في القرون الأولى، فذهبوا ولم يعرف مكانهم، ثم بعد قرون ظهروا وبرزوا وكان من شأنهم وغرائبهم وعجائبهم كذا، فأنزل الله تعالى خبرهم بعد أن مهد للقصة بحمده تعالى وبيان أن القرآن حق، وأنه الذي أوحى به وأنزله على عبده، فجاء به نذيراً للمشركين، وبشيراً للمؤمنين، وبياناً أن الدنيا بما فيها من زينة وزخرف لم تكن إلا ابتلاء، ولم تكن إلا اختباراً، كما يختبر الطالب في مدرسة ليعلم أيرسب أم ينجح، والعبرة بالمستقر في الآخرة، فإما إلى سعير وإما إلى جنة.

    قال تعالى لنبيه: أَمْ حَسِبْتَ [الكهف:9] أتظن كما ظن هؤلاء أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9].

    أيظنون أن هؤلاء الفتية من أصحاب الكهف والرقيم، كانوا من آياتنا عجباً، فأعجب من أمر هؤلاء خلقك -أيها الإنسان- من عدم، ثم إماتتك ثم إعادتك، وأعظم من قصة أهل الكهف خلق السموات والأرض وما بينهما، وأعجب منها الدقائق والغرائب والعجائب في هذا الكون المنظم الذي لا يزيد فيه الليل والنهار عن أربع وعشرين ساعة ثانيةً واحدةً، ولا يزيد فيه أجل إنسان ولا ينقص منه.

    فالدنيا كلها من بدايتها إلى نهايتها لها أجل مسمى عند الله، لا تزيد ولا تنقص، ففصول العام الأربعة لا تزيد ثانية ولا تنقص، فهذا الكون المنظم، من نظمه؟! ومن دبره؟! ومن خلقه؟! إنه الله جل جلاله.

    وماذا ستكون الغرابة في شباب أميتوا دهراً ثم بعثوا بجانب إعادتكم يوم القيامة بعد آلاف من السنين؟! فقصة البعث أعجب وأغرب.

    يقول تعالى: أَمْ حَسِبْتَ [الكهف:9].

    أي: أتظن يا رسولنا، والخطاب له والمقصود أولئك الذين أتوا متآمرين متكبرين من مشركي مكة إلى يهود المدينة، فإن كان قد جاءهم بالقصة الغريبة العجيبة من شأن أولئك الفتية فهو نبي الله حقاً، ولكن إذا كان هؤلاء يريدون الإغراب، ويريدون الإعجاب.

    قال تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9] ولا عجب ولا غرابة في قدرة الله، فهو القادر على كل شيء، يفعل ما يشاء كيف يشاء متى شاء، ولا يعجزه شيء.

    فهنا جاء الجواب بعد انتظار نبينا صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوماً تأديباً له من الله؛ لأنه لم يقل: إن شاء الله.

    وربما انزعج لقول الكفار في تأخر الوحي عنه، ولكن الله لم يخيب عبده، ولم يخيب نبيه، ولكنه أرجأه أياماً لكيلا يعود مرة أخرى إلى ترك الاستثناء بمشيئة الله تعالى، وقد قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ [الإنسان:30].

    فهو أدب له، وهو أدب لكل إنسان، فلا تقل: سأفعل غداً؛ لأن الغد لا تملكه، فكيف تتكلم عن الغد بأنك ستفعل فيه وستقول وأنت لا تعلم هل ستعيش غداً أو تموت، وهل ستملك العمل إن عشت أم لا، فإذا كان الأمر لله، فعليك أن تستسلم، وأن تجعل المشيئة له، فإن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.

    بيان معنى الكهف والرقيم

    والكهف: هو الغار المتسع، ذو العمق الداخلي، بخلاف الغار، فالغار يكون صغيراً.

    والرقيم فيه أقوال كثيرة، حتى إن عبد الله بن عباس قال: علمت القرآن من بدايته إلى نهايته، ولم أعلم ما الرقيم. وإن كان بعد ذلك فسر الرقيم، فقال: لا أدري أهو كتاب أم مكان.

    وقد ورد في تفسيره أقوال عن الصحابة والتابعين وأئمة التفسير، فقد قال بعضهم: الرقيم قرية، وهي قرية أهل الكهف.

    ولكن سياق الآية لا يدل على ذلك، فالرقيم هو حجر أو رصاص جعل على باب الكهف.

    ذكر ما روي من خبر أهل الكهف

    ويروى في الأخبار أن هؤلاء الفتية كانوا في عصر دقيانوس، وقد زعم بعضهم أنه كان في أرض العراق، وزعم بعضهم أنه كان في أرض فلسطين، والأسماء لا عبر فيها ولا ينبني عليها عمل، ولا يمكن القطع بشيء من ذلك؛ بل قد ذكرت أسماء هؤلاء الثمانية الذين كانوا في الكهف، وذكر اسم كلبهم كذلك، واختلفوا في الأسماء، ولا حاجة لهذه الأسماء؛ لأن العبرة ليست في الاسم، ولكن العبرة فيما جرى لهم، وفيما تم على أيديهم، وفي قدرة الله، وأن البعث قد حصل في الدنيا قبل الآخرة؛ ليعلم من ينكر البعث أن الله جل جلاله الذي جعل البعث إلى يوم القيامة قادر على أن يجعله في الدنيا ويبتدئه في الدنيا.

    فـدقيانوس كان وثنياً، فكان يؤتى بالناس كبارهم ثم صغارهم فيأمر بذبحهم على أصنام صنعها ويقول عنها: هي الآلهة، فكان من خالفه يذبحه من ساعته.

    وكان له قرابة بأحداث صغار، ولعلهم كانوا بين الخمسة عشر والعشرين عاماً، فهؤلاء فكروا، فقالوا: كيف يصنع دقيانوس من حجر صنماً ثم يقول للناس: هذه آلهتكم فاسجدوا لها وتقربوا إليها، واذبحوا عليها قرابينكم، وكان كل إنسان منهم يفكر هذا التفكير على حدة.

    وفي يوم احتفال اجتمع الناس، فاجتمع هؤلاء الفتية، وأخذ كل شاب يكلم الآخر بما في نفسه، فتبين أنهم أنكروا الشرك وعبادة الأوثان، وقالوا: لا بد من أن يكون لهذا الكون خالق، فآمنوا بالله، واتبعوا ما سمعوا من أديان سابقة.

    وقد اختلف الناس: هل كان هذا بعد إرسال عيسى أم كان قبله؟

    قال ابن كثير : لو كان هذا بعد عيسى لما دل عليه علماء اليهود، فهم لا يؤمنون بعيسى، ولا يعتقدونه نبياً، ويقذفون أمه، وكيف يدلون أهل مكة على أن يسألوا محمداً عليه الصلاة والسلام عن قصة فتية يؤمنون بما كفروا به؟!

    فذلك يدل على أن هؤلاء كانوا قبل عيسى، كانوا من الموحدين من أتباع الأنبياء السابقين.

    فلما علموا الحق كفروا بالأوثان، واتخذوا مكاناً للصلاة وللعبادة، وإذا بـدقيانوس يبلغه الخبر، فأرسل إليهم: ألستم بمؤمنين بآلهتي؟ فقالوا: لا.

    وقد كان عليه شارة الملك، فأمر بإحضارهم، ثم أرجئوا إلى الغد تكرمة لقرابتهم، وقبل أن يأتي الغد فكروا طويلاً، فقال بعضهم لبعضهم: نحن غداً إما مشركون، ونعوذ بالله من الشرك، وإما مقتولون شر قتلة، فماذا نصنع؟! فتداولوا الأمر، وكانوا سبعة، واتفق الكل على الاختباء في غار ذكروا له اسماً، وذكروا له محلاً، وبينما هم ذاهبون إذا براع يلحق بهم فيسألهم أن يذهب معهم، فأبعدوه، فأصر، فاصطحبوه فتبعه كلبه، فأصبحوا ثمانية ومعهم كلب، فدلهم الراعي على كهف فساروا إليه، فلما دخلوه ضرب الله على آذانهم، فمنع أن يصل إليها سماع أي شيء، لأن النائم إذا كثرت عليه الأصوات أزعجته وأيقظته، والله أراد أن ينيمهم ثلاثمائة من السنين وتسعاً، فأصم آذانهم عن أن يسمعوا شيئاً.

    وكانت الشمس تدخل عليهم صباحاً ومساء ولا تمسهم، فيبقى شعاعها وضوؤها، وإلا لو مستهم الشمس لأضرت بهم.

    وكانوا يتحركون يميناً وشمالاً، فالهواء يدخل، والشمس تنظف وتطهر، ولكن لا تمس الأجساد، بل تتزاور عنهم يميناً وشمالاً في الصباح وفي المساء.

    فلما أفاقوا قال بعضهم لبعض: كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف:19]، وكان الله تعالى قد جعل عليهم في الكهف هيبة، حتى لا يكشف أمرهم قبل أوانه، فكان الناس يأتون الكهف، ومن يحاول الدخول إلى الكهف يشعر بقشعريرة ورهبة وخوف.

    فلما أفاقوا أحسوا بالجوع، فأرسلوا أحدهم ليأتيهم بالطعام، فلما خرج أخذ يتلفت يميناً وشمالاً قائلاً: أهذه البلدة التي كنا نعيش فيها؟! فلقد وجد فيها شعارات الإيمان والتوحيد في الطرقات، ورأى أن الناس كلها تنظر إليه، ورأى لباسه غير لباسهم، وأن لحيته وشاربه قد طالا كثيراً، فشعر بأن الناس ينفرون منه، ويرون عجباً في شكله، فكان يمشي في الطريق وعيناه زائغتان، ويلتفت يميناً وشمالاً فلا يجد في البلد من يعرفه، فأخذ يتساءل: هل هذه المدينة قريبة من مدينتي؟! لا أعرف مدينة قريبة منها، وهكذا إلى أن تجرأ بعد ذلك في عيون زائغة، وفي حركات مريبة، وفي وجه مخيف، وفي حركات غير مستقرة، فوقف أمام صاحب دكان فقدم له درهماً فأخذ الدرهم، وبدأ يحقق النظر فيه، فالوجه غريب، واللحية طالت، وزيه غير الأزياء التي يلبس الناس، فلما أخذ الدرهم وجده قد مضى على ضربه قرون، وفيه اسم دقيانوس ، فأخذ يتساءل: أين دقيانوس ؟ ومتى كان دقيانوس ؟

    فأمسكه، وقال له: لعلك وقعت على كنز، فإما أن تدلني عليه وأما أن أبلغ بك الإمبراطور الحاكم؟! وارتعد وخاف أن يأخذه إلى دقيانوس قريبه، فيلزمه بالشرك أو يقتله، فينكشف إخوانه الذين تركهم جائعين في الكهف، ثم أخذ يطلع جيرانه في الدكاكين على هذا الدرهم، فجمع عدداً، وإذا بالكل يلتف حوله، قائلين: من أنت؟ ومن أين جئت؟ ومن أي بلد؟ فأخذ يتكلم، ثم أخذ يبكي حين شعر بأنهم موحدون، فأخذ يفرك عينيه، ليعلم أصاح هو أم نائم، وما هذه البلدة؟! فهل اختطفته الجن؟! ولم يعرف ما جرى.

    فأخذوه إلى حاكم البلد، وهو يظن أنهم سيأخذونه إلى دقيانوس ، فوقف أمام حاكم البلد، فوجد على الناس شارات الإسلام والإيمان، فسألوه: من أنت؟ فسمى نفسه، وأخذ يقول لهم: لا تأخذوني إلى دقيانوس ، فلم يعرفوا الاسم، وسألوه عن قريبه فقال: دقيانوس ، فقالوا: أنت مجنون، من أين جاءك هذا الدرهم؟! فقال: درهم -والله- لم أسرقه، ولم آخذه من أحد.

    ثم قال: اذهبوا معي إلى إخواني في الكهف، وكانوا قد سمعوا قصة الكهف والرقيم، وهي أن جماعة من الشباب من الأسرة المالكة فروا بدينهم إلى الكهف، ولم يخرجوا، وأن أسماءهم كتبت على لوح من رصاص أو من حجر، ووضعت في جانب من الكهف، فذهبوا فقرءوا اللوح، فأدركوا آنذاك أن هذه معجزة وآية، ففرحوا بأن الله أحياهم ليعلموا أنهم على دين حق، وأن البعث والنشور المنتظر حق، أدركوا ذلك وهم أحياء، فبادروا واتصلوا بملكهم، فجاء مسرعاً، فرأى الرقيم، فدخلوا عليهم، فلما دخلوا عليهم رعبوا، وهابوهم وفزعوا منهم، وجاء ذلك الذي خرج ليأتي بالطعام فدخل الكهف، وبعد أن تجمع الآلاف وحصلت ضجة في البلد مات أصحاب الكهف، فقالوا: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:21].

    فبنوا المسجد، وبقي ذكرى لوجودهم، وذكرى لإيمانهم، وذكرى لما أظهر الله من قدرته على البعث في الدنيا قبل الآخرة.

    وفي سورة الكهف أيضاً ذكر قصة ذي القرنين الذي جاب الآفاق، وفيها قصة ذي الجنتين مع أخيه الذي لا جنة له، وهذه كانت زيادة في الوعظ والإرشاد والتعليم والإيمان، والبعد عن البخل، وعدم أداء الحقوق للفقير والمسكين.

    الاهتمام بالشباب

    قال تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ [الكهف:9].

    والمراد بهم الفتية الشباب، والشباب أقرب إلى التبدل والتغير، فإذا جاء الخير كانوا إليه مسرعين، وإذا جاء الشر كانوا إليه مسرعين.

    ولذا كان أول من آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام هم الشباب، وقلة من الكهول أسنانهم بين الثلاثين والأربعين، وكان ولاته صلى الله عليه وسلم من الشباب، فقد أمر على مكة بعد أن فتحها عتاب بن أسيد وهو شاب، وأمر علياً وهو شاب، وكان قادة الجيوش من الشباب، كـأسامة بن زيد ، فقد أمره صلى الله عليه وسلم وجعله القائد العام قبيل موته وفي الجيش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وكبار القوم، وسنه سبعة عشر عاماً؛ وأما الخليفة فإنه يختار كبيراً حكيماً، ليس نزقاً، حتى إذا ولى الشباب كان هو الذي يكف من حدتهم، وهو الذي يعدل من سيرهم، وكان مستشارو عمر رضي الله عنه من الشباب، فقد كان منهم عبد الله بن عباس ولم يبلغ عمره بعد عشرين عاماً.

    فقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنه ثلاثة عشر عاماً، فأتم الخمسة عشر بخلافة أبي بكر ، ثم ولي الخلافة عمر، فاتخذه مستشاراً وهو ابن خمسة عشر عاماً، إلى أن لقي الله بعد عشر سنوات من الخلافة، ولم تزد سن عبد الله بن عباس على خمسة وعشرين عاماً.

    وكان عمر عليه رضوان الله يقول: إنني أستشير الشباب أبتغي بذلك حدة أذهانهم. فالشباب معروفون بالشجاعة والإقدام، فليس هناك مال ولا جاه ولا منصب يخافون عليه، فإن دفعوا للموت ماتوا، وإن دفعوا للمغامرة غامروا، أما الشيوخ وقد تمولوا وأصبحوا آباءاً وأجداداً، وأصبح لهم جاه وسلطان، فإنهم يخافون على أموالهم وعلى جاههم وعلى أولادهم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (الولد مجبنة مبخلة)؛ فالأولاد يحملون الإنسان على أن يكون جباناً، وعلى أن يكون بخيلاً.

    فيكون جبانا إذا أقدم، فيقول: سأموت وتبقى المرأة أرملة، ويبقى الأولاد أيتاماً، وإذا أراد أن يعطي يقول: لمن أترك أولادي؟! أأعطي الناس وأترك أولادي فقراء؟!

    فالشباب غالباً يكونون مندفعين، وهذه سنة الله في الكون.

    ودائماً تجد الدعوات تنجح بين العمال والطلاب، فالطلاب والعمال غالبهم شباب، فإن كان الداعية صالحاً كانوا صالحين، وإن كان الداعية فاسداً كانوا كذلك، ولذلك كان على الدولة أن تحفظ شبابها -طلاباً كانوا أو عمالاً- من دعاة السوء وأئمة الكفر، حتى لا يقع الشباب ضحايا الكفر والشيطان، لا لحسنة أدركوها في الدنيا، ولا لحسنة أدركوها في الآخرة.

    فالنبي عليه الصلاة والسلام ولى الشباب أعلى المناصب، ونحن نرى ابن العشرين لا يزال يقاد، فهو لا يزال مراهقاً، ونتكلم عنه على أنه لا يزال ولداً، ولا يزال بعيداً عن تحمل المسئولية.

    وهكذا عندما يذل الله أمة ويبعدها عن الحق، وعن الطريق المستقيم، تعيش في السخط، وتعيش في الضلال، ويستعبدها عدوها عقوبة من الله وامتحاناً.

    ذكر بعض خبر النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة

    قال تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9].

    وقد عاش النبي عليه الصلاة والسلام في الغار حتى آن أوان نزول الوحي عليه، فألهمه الله أن يذهب إلى الغار وحده، ولم يكن معه جماعة، فكان يذهب إلى الغار الذي لا يزال معروفاً، وهو غار حراء، فكان يتحنث ويتعبد فيه بالفكر، ويقول في نفسه: هذه الدنيا على عظمتها أيمكن أن تكون بلا خالق؟! أيمكن أن يكون الدين ما عليه قومي، وهم يسجدون للأحجار وللأوثان، ويصنعون من التمر صنماً ثم يجوعون فيأكلونه؟!

    وقد أراد مرة أن يحضر لهوهم في مكة فقال لمن كان يرعى معه: بلغنا اليوم أن هناك عرساً واجتماعاً فارع غنمي حتى أحضر العرس فذهب ليطلع على عرس للمشركين، وإذا بالله الذي يهيئه لرسالة العالم، ولإمامة الأئمة يمنعه عن ذلك، فلم يكد يصل حتى أصيب بما أصيب به أهل الكهف، فنام إلى أن أصبح الصباح ومسه حره الشمس، وإذا بالقوم قد تفرقوا، وأعاد هذا مرة ثانية، فحفظه الله وصانه، وكان ذلك إرهاصاً لما يعد له، إلى أن نزل عليه الوحي في الغار، حيث جاءه جبريل فضمه إليه ضمة شديدة كادت أضلاعه أن تتداخل منها، وكان يقول له: اقرأ، وهو يقول: ما أنا بقارئ.

    وقد اجتمعت برجل ماروني هو الآن أديب مشهور قد تجاوز التسعين، وقد ترك النصرانية وقارب الإسلام، وقد رأى رؤيا أولتها له بأنه قريب من الهداية، فاغتر وظن أنه نبي، وأخذ يدخل المغارات، ويصدر الكتب يعارض بها القرآن والتوراة والإنجيل، ويقول: يا بني آدم، يا ابن آدم، وهكذا تلاعب به الشيطان، حيث انتظر جبريل فلم يأته في الغار، وإذا به يأتيه الشيطان!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إذ أوى الفتية إلى الكهف...)

    قال تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف:10].

    الفتية: جمع قلة، ولا يقال: فتى وفتية إلا للشباب الأحداث، ولذلك قالوا: كانت أعمارهم بين الخمسة عشر والعشرين عاماً عندما أرادوا الفرار بدينهم وبتوحيدهم، واعتزال المشركين وأهل الكفر.

    ولذا قال علماؤنا: عندما تنتشر البدعة، وينتشر الكفر، ويعم الفساد في الأرض يجب على الإنسان أن يعتزل الناس، كما اعتزل الفتية قومه إلى الكهف.

    يقول تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ [الكهف:10].

    و(إذ) هنا مصدرية زمنية أي: اذكر -يا رسولنا- وأنت تسأل عن قصة أهل الكهف، اذكر هؤلاء إذ أووا إلى الكهف، أي: اتخذوه مأوى، واتخذوه معزلاً، واتخذوه مكان اختفاء عن المشركين.

    قال تعالى: فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [الكهف:10].

    أي: من عندك يا رب، لا بما نستحقه، فنحن في الكهف غرباء، لا طعام ولا شراب، ولا حراسة ولا حماية، إلا إذا شئت أنت، فارحمنا حتى لا يفتننا هؤلاء عن ديننا، وحتى لا يقهرونا، وحتى لا يقتلونا ويعذبونا، وحتى لا نضطر فنعود إلى دينهم.

    قال تعالى: وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف:10].

    أعدنا لما يصلحنا، ولما يبعدنا عن المشركين والكافرين من قومنا، ولما نحتفظ فيه بتوحيدك، ونحتفظ فيه بعبادتك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً)

    قال تعالى: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا [الكهف:11].

    أي: ضربنا على آذانهم فأنمناهم، والنائم لا يسمع المتكلم، وإذا كثر الضجيج عنده يستيقظ، ولكن الله تعالى أصم آذانهم، فضرب عليها النوم، فلم يسمعوا ضجيجاً.

    يقول تعالى: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ [الكهف:11].

    أي: أنمناهم لكي لا يسمعوا، وتركناهم يستغرقون في النوم سنين عدداً، وهي ثلاثمائة وتسع سنوات، أي: ثلاثة قرون وتسع سنوات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755832966