وهل الأئمة الأربعة كانوا يتعصبون لأقوالهم ولآرائهم؟
للإجابة عن هذه الأسئلة ستجدها في هذا الدرس.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عنوان هذا الدرس: الشباب وأدب الاختلاف:-
الشباب وأدب الاختلاف هو مجال هذا البحث في هذه الليلة، وسوف يكون بإذن المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالى دروس تخص الشباب؛ كدرس الشباب والهمة العالية، الشباب والتأثير، الشباب والعزلة، الشباب والعلماء، نتكلم عن حديث من أحاديثه عليه الصلاة والسلام، فمنها: سنة الله في الاختلاف سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ومنها أسباب الاختلاف: البغي، الحسد، الكبر، التعصب للأشخاص والمناهج، ضيق الأفق، فساد التصور وضعفه، إلزام مالا يلزم، غلبة العاطفة على العقل، حب الخلاف لذاته، عدم التثبت من الأقوال والأفعال.
أما أدب الاختلاف فمنها:
1/ سماع الحجة والرأي الآخر.
2/ إيراد الدليل.
3/ الهدوء في الرد.
4/ ذكر جوانب الاتفاق قبل الاختلاف.
5/ التواضع في الرد.
6/ تحديد الخلاف.
7/ التحاكم إلى أصحاب الأهلية في الحكم.
8/ الرد إلى الله ورسوله في المسائل الشرعية.
9/ تجنب النيل من الأشخاص والتشفي بهم.
10/ ترك الإزعاج ورفع الصوت والتهويل.
11/ معرفة أنواع الاختلاف أهو تضاد أم تنوع؟
12/ عذر المخالفين في أمور الشريعة.
13/ قصد الحق وطلبه.
14/ الإنصاف مع العدو ومع القريب.
15/ ثم بعض القضايا حول هذا المنهج والله الموقف إلى سواء السبيل.
اعلموا -حفظكم الله- أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119] قال بعض العلماء: وللاختلاف خلقهم، وبعضهم ألف في ذلك كتاباً يرى أن من سر خلق الخليقة الخلاف والذي يظهر أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى خلق الخلق للعبادة -وهو الصحيح- فإن الله يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فخلقهم للعبادة لا للاختلاف، لكن من سننه سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الكون، أنه ميَّز بين الأطعمة والأمزجة والألوان والمطعومات والمشروبات والأفكار، فجعل الحلو والحامض، والظلمة والنور، والليل والنهار، وجعل الحار والبارد وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرعد:4] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الأيام: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وجعل سُبحَانَهُ وَتَعَالى من آياته التي تثبت تدبيره للكون سُبحَانَهُ وَتَعَالى وبديع صنعه، اختلاف الألسنة والألوان، فإن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى خالف بين ألسنة الناس ونطقهم وألوانهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، فسبحان الذي يغير ولا يتغير.
إذاً فلابد أن يقع الاختلاف في الكون، ولا بد أن يقع في المجتمع الصغير، بدأ من الأسرة ثم القرية ثم المدينة ثم الشعب ثم الأمة ثم المعمورة، فلا بد أن يقف الإنسان أمام سنة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الاختلاف.
ما هو موقف الشاب المسلم المقبل على الله عز وجل لأننا في مرحلة كثر فيها المتجهون إلى الله، وكثر الجيل الذي عرف طريقه إلى القبلة، وعرف اتجاهه والحمد لله.
كل البرايا على أصنامها عكفت وقومنا عند باب الله قد عكفوا |
في كفك الشهم من حبل الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرف |
فقائدنا هو محمد عليه الصلاة والسلام، وبيتنا المسجد، ومطلبنا الجنة، وطريقنا الصراط المستقيم، ودستورنا وحي من السماء، وشيوخنا: أبو بكر وعمر وشاعرنا حسان، ومفتينا معاذ.
ماذا تريدون؟!
يريدون وجهه:(دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء، وترعى الشجر حتى يلقاها ربها) وهذه هي أمانة الجيل وهم في مرحلة يريدون فيها تنظير بعض المسائل؛ ليتجهوا إلى الله عز وجل وإلا فالعودة إلى الله فرضت نفسها على مستوى العالم، فكان لهذه القضية أهمية أوجبت على الدعاة أن يتكلموا عنها عن مسألة الاختلاف؛ لأنه يكثر التشاجر والردود والغضب والانفعالات التي إذا أعدتها إلى أصولها لا تجد لها مبرراً.
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم |
وأوله صحيح وآخره خطأ.
وقال المتنبي:
ومن عرف الأيام معرفتي بها وبالناس روى رمحه غير ظالم |
يقول من يعرف الناس مثلي روى رمحه من دمائهم، وهذا ظلم وخطأ.
ويقول الشاعر الجاهلي -أيضاً- في الظلم والطغيان بحق أو بغير حق:
وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا |
يقول نهاجم الأعداء فإذا انتهى الأعداء هاجمنا جيراننا فلا بد أن نهاجم؛ فإنك تجد بعض الناس إذا لم يجد حرباً مع العدو رجع على جيرانه.
وتجد بعض الناس لا يرتاح إلا أن يجلس معك في المجلس؛ فإذا سمع رأيك خالفك وإن كان يوافقك في سره لكن يحب الخلاف، يرى الأمر يجوز لكن إذا سمعك تقول: يجوز، يقول: لا يجوز، ولذلك جعلوا من آداب الصحبة ألا تخالف، وبعض الناس (مرفوس) في رأسه الخلاف، تسافر معه، فتقول له: ما رأيك، نجلس تحت هذه الشجرة؟ قال: لا؛ تحت هذه الشجرة، ما رأيك نجمع العصر مع الظهر؟ قال: لا نجمع الظهر مع العصر، ما رأيكم حفظكم الله نظل يوم الثلاثاء بالعمرة ويوم الأربعاء؟ قال: ما رأيك أنت، فتقول: يوم الثلاثاء، يقول: لا يوم الأربعاء، فيقول: ابن المبارك:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا حياء وعفاف وكرم |
قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم |
وهذا من أبيات التربية الرائعة البديعة اسمع إليه:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا حياء وعفاف وكرم |
قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذاً قلت نعم قال نعم |
وفي بيتين آخرين:
إذا صاحبت قوماً أهل ود فكن لهم كذي الرحم الشفيق |
ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق |
فالمخالف دائماً يكون مبغوضاً، الذي يحب الخلاف مغضوب عليه، والذي يحب أن يخالف بحق له مكانته ورأيه، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [آل عمران:19] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89] اليهود يشهدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول فلما جاءهم بالعمل كفروا والنصارى كذلك بغياً وعدواناً.
ولكل شيء آفة من ضده حتى الحديد سطا عليه المبرد |
جعل الله لكل شيء آفة من ضده، فتجد الحديد هذا ما أقوى منه لكن عليه مبرد يقصمه.
يقول أحد الحكماء: ما أقوى شيء خلقه الله؟ قال: خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الجبال، قالوا: ما أقوى من الجبال، قالوا: الحديد، قالوا: فما أقوى من الحديد، قال: الريح. ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:25] وأثبت العلم الحديث أن الريح أقوى قوة، قالوا: ما أقوى من الريح، قال: الصمت، الصمت أقوى من الريح ولذلك يقول البردوني يحيي الرسول صلى الله عليه وسلم ويحيي دعوته:
بشرى من الغيث ألقت في فم الغارِ وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار |
بشرى النبوة طافت كالشذا سحـراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوار |
وشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من دار إلى دار |
المقصود: أن الحسد هو الذي يحمل بعض الناس على أن يخالف بغير حق، وهذا مذهب بني إسرائيل -والعياذ بالله- لأنهم أحسد الناس فقد ذكر الله تعالى ذلك: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء:54] وهذا سارٍ في الشباب ولو استقاموا.
قيل للحسن البصري أيحسد المؤمن، قال: ويلك أنسيت قصة أبناء يعقوب لما حسدوا يوسف عليه السلام، قال: إذا حسدت فلا تبغ، إذا حسدت أحداً فأخفهِ تسيء في قلبك، ولا تسيء بكلمة، لا تجرح عرضه، لا تسيء إليه بحركة غير مسئولة.
وغمط الناس؛ لأن بعض الناس يتوهم أن الكبر في المظهر الجميل والرسول صلى الله عليه وسلم منع ذلك، يقول أحد الناس يا رسول الله! إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، أفمن الكبر يا رسول الله؟ قال: {لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس} رده وجحده وعدم قبوله، وما حمل أبا جهل على رد الرسول عليه الصلاة والسلام إلا الكبر، وكذلك الوليد، وكذلك الطغاة كفرعون، وهامان وقارون، وإلا فـأبو جهل يقول: إنا نعلم أن محمداً صادق، لكن إذا قال بنو هاشم عندنا النبوة فماذا نقول نحن؛ لأنهم أسرة بنى مخزوم، تعارض بني هاشم دائماً في كل مكان، فقال: إذا قالوا النبوة عندنا فماذا نقول؟ فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] وقال تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ [الأعراف:146].
فالمتكبر يرد الحق ويخالفك؛ لأنه يرى أنه ليس بإمكانه أن يتنازل لك ويسمع منك الحوار والمناظرة، والعالم يعيش الآن مبدأ الحوار وسماع الرأي الآخر، أن يستمع لك بغض النظر عن مستواك، فلاح أو مهندس أو راعي غنم أو بدوي؛ لكن يريد أن يسمع منك، وقف عمر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر يشجع الحوار فقال: [[يا أيها الناس! ما رأيكم إذا رأيتموني عدلت عن الطريق هكذا؟ -يعني طريق الاستقامة- فقام أعرابي في آخر المسجد يرعى غنماً عنده سيف طوله متران فسل سيفه وقال: والله يا أمير المؤمنين! لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، قال: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من لو قلت عن الطريق هكذا لقال بالسيف هكذا]] فهذا مبدأ أن يسمع كل من الآخر، وأن يرى هل الحق معك أم معه.
التعصب للمنهج: يرى بعض الناس أن منهجه ووسيلته وطريقته ما أسعد منها وما أصح منها وغيرها خطأ، وأنه يجب على الناس والشباب أن يمضوا مع منهجه، وأن يسلموا بطريقته، وأن يستسلموا لما يقول، ويرى أن الحق فيما يسير عليه وأن غيره مخطئ وهذا ليس بصحيح، ولذلك يقول هؤلاء أهل المبدأ: هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً [النساء:51].
فمثلاً يقول: أبو جهل كيف يكون الحق مع بلال ومع صهيب وابن مسعود حتى يقول أحد الكفار: لو كان ما جاء به محمد هو الحق ما كان معه بلال وهؤلاء الضعفة.
يقول رجل لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: يا علي! أتظن أن الحق معك والباطل مع طلحة والزبير وعائشة -يعني في الجمل- قال: [[ويلك اعرف الحق تعرف أهله، ولا تعرف الحق بالرجال]] وجوابات علي دائماً تكون مسددة، وقد ذكرت لكم أنه فاجأه رجل فقال: سبحان الله! ما للأمة اتفقت على أبي بكر وعمر واختلفت عليك، قال: [[لأن رعية أبي بكر وعمر أنا وأمثالي ورعيتي أنت وأمثالك]] نعم؛ فالتعصب للأشخاص والمنهاج مصيبة بلغ الإسفاف عند بعض الناس في الأمة أنه يحب مطرباً مغنياً فيتوله به وبحبه ويدافع عنه ويغضب، أو يحب نادياً رياضياً فيعلق إشارة النادي في سيارته وفي غرفة النوم، وفي الطريق وفي كل مكان، ويكتب على سريره هلاليون حتى الموت:
ناصريون نصرهم أين ولى حين داست على الجباه اليهود |
وحدويون والبلاد شظايا كل قطر عن البلاد شريد |
ويقول نزار قباني:
وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء |
ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء |
لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء |
فتجد تعصب بعض الناس حتى للمطرب أو للرياضي، وتجد شركات تقوم بالدعاية على هذا ويتضارب أناس، وتتكسر أيدي، وتدق أنوف، وتطلق زوجات من أجل هذا، وهذه سفاسف تمتلئ بها عقول بعض الناس.
يقول المتعصبون: قولنا حق، وقول غيرنا خطأ، وتجد أحدهم إذا أراد أن ينتصر لنفسه شتم المقابل -في المسائل الفرعية أقصد- واستهزأ به ونال عرضه وأسرته وكل شيء فيه.
ضعف التصور: فإن بعض الناس يتصور بعض الأمور على غير ما هي عليه، كما فعل الخوارج يحملون آيات الكفار على المؤمنين فكلما سمعوا آية قالوا: المقصود بها أولئك وإلا فـأهل السنة يحملون آيات الكفار للكفار وآيات المؤمنين للمؤمنين.
رد بعض الناس على بعض الدعاة فقال: يقولون: إن الإسلام ليس مسائل نقض وضوء، ولا نواقض وضوء ولا حيضاً، والخميني يقول: ليس الإسلام نواقض وضوء ولا حيضاً، إذاً هم مثل: الخميني إذاً فهم رافضة إذاً هم يشتركون مع الخميني، وهذا ليس بصحيح؛ لأن أهل السنة قد يشتركون في قدر نسبي مع أهل البدعة فمعنى العالم في الإسلام إذا قال: ليس الإسلام من الحيض ولا للنفاس ولا لنواقض الوضوء يعني معنى كلامه أنه دين شامل للحياة، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] ومعنى كلام الخميني أن هذا الدين بفرعيات ليس الذي هو شغل به بالناس، إنما المقصود: الحكم، فيلزم بعض الناس البعض بما لا يلزم وليس بصحيح، فإن الخوارج يوافقوننا أحياناً في بعض الجزئيات، واليهود يوافقوننا في بعض الجزئيات، والنصارى يوافقوننا في بعض الجزئيات، فاليهود والنصارى يوافقوننا أن الله موجود، ويخالفوننا في الرسالة والألوهية، بل ما أظن أنه ليس في العالم جنس إلا يتفق مع الجنس الآخر في شيء.
حتى الشيوعيون يوافقوننا أن هناك مؤثراً في الكون ونحن نقول: المؤثر هو الله، وهم يقولون: إنها الطبيعة المؤثرة.
فأحياناً إذا حاورت شاباً تجده إنما يميل إلى هذا الرأي ميلاً وينتصف أكثر مما ينبغي، يخطئ بعض الناس في المحاضرات، تجد بعض الناس يقول: حسبنا الله عليه، لماذا يقول هذا الحديث صحيح وهو ضعيف وقد أخطأ، وهذا يدل على عدم معرفته بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهجره للسنة وعدم اهتمامه بهذا الأثر الشريف، وهذا حماس لا داعي له، البيان أن تبين أنه أخطأ في الحديث، وأن تبين وجهة نظرك.
مشغوفة بخلافي لو أقول لها يوم الغدير لقالت ليلة الغاري |
فبعض الناس مشغول بالخلاف، يحب الخلاف لذاته إذا قمت قعد، وإذا قعدت قام، وإذا تبسمت غضب، وإذا غضبت تبسم، فهو يريد أن يكون دائماً مخالفاً لك في كل شيء، لا لشيء إلا لأنه يحب المعارضة وهذه تنشأ مع الأطفال، أحياناً: تجد بعض الأطفال ينفرد عن أطفال الحارة في لعبهم وجلوسهم وسيرهم فينشأ معه الخلاف حتى يكبر، يقولون: إن الأشتر النخعي كان يحب الخلاف منذ أن كان صغيراً، الناس في كفة وهو في كفة.
وهذا استطراد وهو الذي قتل محمد بن طلحة في معركة الجمل.
خرج إليه ومحمد بن طلحة لا يريد القتال وكان الأشتر شجاعاً مهاباً نظر إليه عمر وقال: ويل لك وويل للعرب منك- اقترب هذا الأشتر من محمد بن طلحة فقتله، فيقول: محمد بن طلحة أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، فقال:
وأشعث قواماً بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم |
شققت له بالرمح جيب قميصه فخر صريعاً لليدين وللفم |
على غير شيء غير أن ليس تابعاً علياً ومن لا يتبع الحق يندم |
يذكرني (حم) والرمح شاجر فهلا تلا (حم) قبل التقدم |
فالخلاف طبيعة في بعض الناس.
وبعضهم يسمع طرف الخبر، ويقوم يبني عليه ويرد ويكتب ويدرب ويعلم وليس كذلك، أهل السنة إذا بلغهم الخبر تثبتوا من صاحبه وراسلوه، ماذا تريد؟ وما مقصدك؟ أما أن تسمع الخبر وتلقيه على عواهنه.
والخطورة التي يعيشها شبابنا اليوم خطورة الشائعات، تجد الآن الشائعة تخرج شبراً وتعود إليك ذراعاً أو متراً أو باعاً، تخرج كلمة ثم تنتشر وتنتشر فلا تعود إليك إلا وهي حبل كبير من المصائب فالناس يحبون الشائعات، تعطيها جارك فيزيد عليها كلمتين، والجار يسلمها جاره بثلاث كلمات وهكذا تدور في الحارة فلا تخرج من الحارة إلا وهي محاضرة.
من الأحاديث يقول الإمام مالك يخرج الحديث من عندنا من المدينة شبراً ويعود من العراق ذراعاً، وهذا مثل كثير من المبتدعة، فإنهم يأخذون الحديث من صحيح البخاري ثم يزيدون عليه ثلاثة أضعاف الحديث، فالمسلم دائماً يتثبت، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36] فوصيتي لإخواني إذا سمعوا خبراً من رجل أو من داعية أو من طالب علم أو من مسئول، أن يتثبتوا منه شخصياً، وأن يتأكدوا حتى لا يكونوا عرضة للتهم وبالمجازفة، ولا للنبز بالعجلة والطيش.
وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: {على مثلها فاشهد} فالمسلم يتهيأ بدليل كامل؛ وثائق أو براهين تدمغ بها خصمك تظهره له، تقول: قلت كذا وكذا يوم كذا وكذا.
أحد الناس في جنيف وهو أبو عمار تلا الآية وأمامه وفد اليهود وبعض وفود النصرانية من الدول الغربية وهو عند المكرفون وهو يتلوها وسمعتها بأذني قال: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] ثم وقف، وقف حمار الشيخ في العقبة؛ لأن المسألة الكبرى هي التي بعد هذا الكلام وماذا بعد هذا الكلام؟ يحملها أبو عمار على أننا نصطلح، والله يقول: أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] فهذا ليس من هذا فبعض الناس يأخذ نصف الحجة وهي عليه لا له، ثم يترك الحجة وهذا مثل ما يقول يحيى بن سعيد القطان وقيل عبد الرحمن بن مهدي -وأظنه الصحيح- أهل السنة يكتبون مالهم وما عليهم، وأهل البدعة لا يكتبون إلا ما لهم. تجد بعض أهل الهوى لا يكتب إلا ما هو له وأما ما هو عليه من الحجج يتركها، إذا نقل شيئاً من كتاب ورأى شيئاً ضده تركه وأهمله، أما أهل السنة فيكتبون ما لهم وما عليهم وهذا منهجهم.
اختلف ابن عمر كما في مسند أحمد وسعد بن أبي وقاص: ابن عمر يرى المسح على الخفين، وسعد يقول: لا المسح على الخفين سنة، فلما وصلوا إلى عمر شكا ابن عمر سعداً إليه، فقال عمر: لا، وقال: إذا قال لك أبو إسحاق قولاً فلا تعدل بقوله، فلك أن تختار شخصاً من الأساتذة أومن العلماء تحكمه في المسألة، ثم تسمع أنت وإياه حتى تنهون هذه المسألة.
وكم من المسائل الخلافية الآن بين الشباب لا تنتهي، سنة كاملة وهم يدورون حول أنفسهم، ولو عرضواها على أعلم منهم لأنهوها في لحظة.
ومن آداب الاختلاف: الرد إلى الله ورسوله في مسائل الشريعة، قال تعالى: فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] الرد إلى الله أي إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي إلى سنته عليه الصلاة والسلام، فإذا اختلفت أنت ورجل في قضية فقل: نحتكم إلى الكتاب والسنة وإلى أهل العلم الذين يبينون الكتاب والسنة وحينها تسمعون الحكم الصريح من الكتاب والسنة، قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83] فالمقصود: لو ردوه إلى أهل العلم لعرفوا القضية، وهذه المحاكمة في العقائد، في العبادات، في الأخلاق، في السلوك، في الآداب العامة، على الاثنين إذا اختلفا ولم يرضخ أحدهما للآخر أن يعيداه إلى أهل العلم بالكتاب والسنة.
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا |
والمعنى: أن التبسم والأريحية والهدوء تقتل الخصم؛ لأن الخصم يريد منك أن تتفاعل وأن تحترق بداخلك، فإذا أظهرت له أنك لا تتأثر وأنك هادئ احترقت أعصابه، وهذا ما يفعله كثير من أهل العلم، فليس من نيل الأشخاص فائدة في باب النقاش فهذا يقع فيه كثير من الناس، فتجدهم ينالون الأشخاص في قضية خالفوهم فيها، مثلاً: يخالفك في قضية فيها ضم اليد اليمنى على اليسرى تحت السرة، وأنت ترى أنه على الصدر فإذا خالفك تقول: وخالفني، وسمعت أنه بخيل، وسمعت أنه جبان، وسمعت وسمعت! ما دخل الجبن والبخل وغير ذلك في ضم اليد اليمنى على اليسرى على الصدر، قضية تُداخلها في قضية أخرى هذا لا يصح وهذا هو عنوان الانهزام.
صلاة الظهر أربع ركعات في الحضر فقط لا تأتي تقول: الحمد لله المجتهد له أجران، والمفتي أجر واحد، هذا يأتي في اختلاف التنوع في الفرعيات، فهذا لا يعتبر مخالفاً فيه مثل العقائد وأصول الإسلام.
وأما مسائل التنوع فهي مثل المسائل التي فيها سعة مثل: الجهر ببسم الله في الجهرية أو الإخفات بها، لا تقل: فيها قول واحد ومن خالفنا فقد ابتدع وخرج من الملة، لا. خالفك قوم ومعهم دليل ويمكن أن الصواب معك، لكنهم اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر واحد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد} حديث صحيح، فلذلك تدعو للناس بالأجر وتلتمس لهم العذر.
فلا يجوز للمخالف في مسائل الفرعيات أن يعنف على من خالفه، مثل: الآن من المسائل الخلافية: دخولك بعد صلاة العصر في المسجد؛ بعض أهل العلم يرى ألا تجلس إلا بعد أن تصلي ركعتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} وآخر يقول: لا يجوز لك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس} هذا مأجور وهذا مأجور، ولو أن الصواب في الظاهر مع من قال يصلي ركعتين؛ لأنها تحية المسجد، لكن كيف تخطئه؟ كيف تعلق عليه؟! قل: قيل بهذا وهذا ولك دليل والذي يظهر لي أن الدليل هذا أرجح وأنا أعمل به، ولا تعمم، أما أن تستهلك قضايا الأمة وقضايا الإسلام ووقتك وعمرك في هذه الجزئيات فهذا غلط، ولذا ترى كثيراً من الشباب لا يعرف إلا أبواب العبادات، يعرف تحريك الإصبع، وصلاة الضحى والبسملة ووضع اليد اليمنى على اليسرى، ولا يعرف من المعاملات شيئاً، وهذا موجود في (90%) من الشباب، أقولها بجدارة وجرأة حتى الآن اسألوا عن بيع العينة، اسألوا عن كتاب الإجارة والمزارعة، كتاب الربا، الرضاعة، الحضانة، النفقات، العدد إلى آخر هذه المسائل، إنما هو في مسائل فقط يركز عليها ويقضي معظم وقته فيها دائماً، وبعضهم إذا حفظ رجلاً من الرجال جلس في كل مجلس: أرأيت في فلان، قرأتم عنه، يقولون: بعض الشباب لا يعرف إلا شهر بن حوشب هذا هو أحد الرواة، قال أهل العلم: صدوق يخطئ واختلف أهل العلم، فكان كلما جلس يقول: يا إخوتي ما أدري بحثت لـشهر بن حوشب ما رأيكم فيه، فكلما جلس سأل عنه فإن قلت ثقة، قال: خطأ، وإن قلت: ضعيف، قال: خطأ، فمع ذلك عنده قضايا محددة في رأسه ما يتكلم إلا عنها.
تجد بعض الوعاظ عنده قضية خاصة لنفسه في الحياة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها، مثل: قضية الدخان هي محرمة بلا شك حرمها أهل العلم، لكنه لا يتكلم إلا عنها، هي القضية السامية عنده فلا يزال يقول: وسافرت ورأيت أناساً يشربون الدخان، وذهبت أمريكا فوجدتهم يشربون الدخان، وسمعت أناساً هنا يشربون الدخان، والناس أصبح بعضهم يشرب الخمر وبعضهم خرج من الملة، ومع ذلك قضية في كل مكان وزمان الدخان الدخان، ويجمع رسائل ويوزع أشرطة -جزاه الله خيراً- لكن يأخذ المسألة بقدرها في الإسلام.
أما المخالفون في فروع الشريعة فلهم أعذار ذكر ذلك ابن تيمية في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، لماذا يقول أبو حنيفة قولاً يخالفه فيه أحمد ويخالفه الشافعي، بعضهم لم يبلغه الحديث فأنت بلغك الحديث وأنا ما بلغني فتقول به وأنا أقول: لا، فأنا معذور أمام الله لأني ما بلغني الحديث في الفرعيات.
الأمر الثاني: قد يصح عندك الحديث وأنا لا يصح عندي، والتصحيح أمر اجتهادي، وبعض الشباب الآن إذا قلت: رواه ابن حبان وصححه، وصححه الحاكم وابن حجر، وصححه ابن تيمية نزل إليك، وقال: لا، ضعفه الألباني، حسناً وهل أنا مخطئ، أنت قلت: الألباني، وأنا أقول: ابن تيمية، وأنا أقول: ابن حجر، وأنت تقول: الألباني، وقلت: ابن حبان، تقول: الألباني، فلماذا ترضى بحكمك وتغضب علي؟ لأني قلت: هو ضعيف أو صحيح والتصحيح أمر اجتهادي.
أيها الإخوة: حذار من التعصب في مبدأ التصحيح، حتى تجد بعض الطلبة لا بد أن تصحح أنت مثل ما صحح فلان وإلا خطأ الدرس ولا يفهم لك، وإذا ضعفت صحيحاً عنده خطأك وليس بصحيح، قد يصح عندي؛ لأني متساهل في الشروط مثل ابن حبان والحاكم، أو يضعف عندي؛ لأني متشدد مثل النسائي وأبي حاتم وغيره.
ومن أسباب أن نعذر المخالفين في الفروع: أن يظن أن الحديث منسوخ وأنت تظن أنه ثابت محكماً، أنا أقول: منسوخ وتقول: لا هو ثابت، يعذر هذا بهذا وهذه أعذارهم وما أرادوا إلا الخير.
الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن أحد ملوك فارس كان عادلاً ويقال فيه أثر وفيه ضعف: {ولدت في حكم الملك العادل} العادل هذا هو: من ملوك فارس، كان عادلاً وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع خصال منها: {أكثر الناس أحلاماً} تجد عندهم سعة صدر للحوار، ولو أن بعض الدول الإسلامية أفضل عند الله منهم، لكن ليس علامة المسلم أن يكون متفوقاً في كل مسألة، تجد الكافر أحياناً أحلم من المسلم، لا يعني أنه أحسن، لكن: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] تجد الكافر أحياناً أكثر تبسماً من بعض المسلمين وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].
تجد بعض الناس إذا خاصم تعدى وظلم، قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] ويتكلم بجهل ويدمر حسنات الآخر، ومع القريب تجد بعض الناس يذب عنه ولو كان خطؤه كالشمس:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا |
تذكر له رجلاً لكن لا يرتاح إليه، قال: ليس بصحيح وفي عقله شيء، وما أرتاح له أنا، تقول: علمه، يقول: فيه نظر أعرف أموراً ما تعرفها أنت، تذكر له قريبة أو صديقه، يقول: سبحان الله! إمام من الأئمة فريد العصر وهو ما يساوي شيئاً، لا إله إلا الله، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [النساء:135] فلا القريب تحملك قرابتك له أن تحمل له منزلة فوق منـزلته، ولا البعيد العدو تحملك عداوتك له أن تضعه عن منـزلته، بل الحق: العدل (كونوا شهداء).
ومنها: بعض الناس يطمس حسنات الناس فإذا خالف إنساناً في قضية نسي حسناته، نسي الحسنات كل الحسنات، يقول الشاعر:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع |
فتجد بعض الناس إذا أخطأ رجل خطأ، خطؤه خطأ كبير لا يغتفر، وبعضهم إذا أتى بخطأ كالجبل كان صغيراً، وبعض الناس ترى له حسنات تنغمر سيئاته بحسناته، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} بعض الناس عنده من الفضل والمكانة الشيء الكثير، فهذا تنغمر فيه السيئات ولا يضر لكن بعض الناس السيئة تظهر عليه؛ لأنه سيئ، يقول الذهبي في ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي الأمير السفاح، يقول: له حسنات منغمرة في بحار سيئاته، وذكر قتادة بن دعامة السدوسي الراوي قال: كان فيه تشيع يسير وكان رأساً في القراءة، رأساً في العبادة، رأساً في الزهد، رأساً في الحديث، رأساً في التفسير {وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث} ويقول بشار بن برد:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه |
وقال أبو تمام:
تريد مبرأ لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان |
هل هناك عود ولو كان من العود الممتاز يفوح بدون دخان على الجمر، لا، لا بد من دخان، ويقول النابغة الذبياني أمام النعمان بن المنذر:
ولست بمستبق أخاً لا تلومه على شعثٍ أي الرجال المهذب |
المعنى: هل تستطيع أن توجد رجلاً ليس فيه عيب ولا تصبر على عيبه؟ أي الرجال المهذب؟
من لك بالمهذب الصافي الذي لا يجد العيب إليه مرتقى |
هذا ما يمكن.
يا أيها الإخوة! اذكروا الناس بحسناتهم وإذا ذكر لك رجل فاذكر ما به من مكارم.
كان ابن المبارك رحمه الله إذا ذكر له بعض أحبابه وأصدقائه، قال: هل يوجد مثل فلان؟ كان كريماً، ويأتي بمناقبه وينسى سلبياته، وهذا من أحسن ما يكون! لكن بعض الناس كما يقول ابن تيمية وقد نقلها الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب المأمول، قال: بعض الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح.
فهو يحب العيوب وينصب على السيئات، وبعض الناس مثل الخنزير -والعياذ بالله- يقول ابن القيم في مدارج السالكين تصف له أهل الفضل أهل الخير فيأبى، فإذا جئت في مذمة فيهم انطلق مثل السهم، فيقول ابن القيم: الآن الخنزير ما يأكل أفضل الفضلات، يأكل أقبح الفضلات؛ فضالات الناس، والعياذ بالله.
ومنها: التعالي في الخطاب تجد الإنسان إذا جادل أو كتب أو رد ولو كان طويلباً، يقول: قلنا وكتبنا ونبهنا، ولنا رد عظيم، وهو الذي نختاره، وهذا الذي يعجبنا؛ سبحان الله! وعمره خمس عشرة سنة، تجده يستطرد أحياناً في الحلقة الصغيرة مع الشباب، ويقول: والذي تطمئن إليه نفسي -ويضرب فخذه- بعد طول بحث وتأمل أن هذه المسألة كذا، وكذا وكنت أرى قبل سنوات هذه المسألة ثم بدا لي! كم عمرك حتى ترى قبل سنوات؟! فالتعالي في الخطاب من العجب وهو مذهب علماء الكلام والمناطقة، أما أهل السنة فهم متواضعون، أتى رجل يمدح ابن تيمية، قال ابن تيمية:
أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي |
يقول ابن تيمية: هكذا كان أبي وجدي فقراء مساكين، وكان يقول ابن تيمية في قصيدة فقرية له:
أنا الفقير إلى رب السماوات أنا المسيكين في مجموع حالاتي |
وإذا مدح قال بيده هكذا: لسنا بشيء، ولولا الله ما عندنا شيء، وما لنا شيء، الفضل لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لكن تجد بعض الناس دائماً يحب تفخيم نفسه، يختم بنفسه حيث يقول: فضيلة الشيخ ويوقع، وإذا اتصل بالهاتف يقول: معكم الشيخ فلان، والناس العقلاء يستصغرونها، وتجده أحياناً يتفاخر بالمشيخة فتجد عليه عمامة وسط الناس، لكن يريد أن يبرز العمامة والنظارات وعكاز ومسبحة وبالسواك باليسرى ويتنحنح ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويظهر لك كأنه العز بن عبد السلام.
أخي المسلم: كُنْ غبراء الناس، البس مثلما يلبس الناس، لا بأس أن تنزل منـزلتك، إذا كنت عالماً جليلاً أو سلطاناً مقسطاً عادلاً، أو شيخاً موجهاً، أن تنـزل منـزلتك؛ لأن النـزول عن المنزلة فيه شيء من الإسفاف، والتعالي على المنزلة كبر حتى تجد بعض الناس يتواضع تواضعاً بهيتاً ما هو صحيح، تجده في القرن الخامس عشر يحمل الحطب في السوق، تقول له: ما هذا، يقول لك: دعني أتواضع لله، لكن المسلم يكون وقوراً هادئاً، والحركات ليس مسئولاً عنها الإسلام.
تجده مثلاً إذا رد على الصوفية قال: وفلان فيه خير وهو من أقربهم إلى الكتاب والسنة، وكان يدعو الناس إلى خير ولكن فيه كذا وكذا وكذا.
لكن بعض الناس بالعكس إذا قلت: في فلان خير يقول لك: بالعكس فيه كذا وكذا وكذا فذكر مثالبه.
كان الإمام مالك يقول: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معصوم، فكانوا يتواضعون ولا يريدون أن يصروا على أخطائهم لو تجلت لهم وإلا فقد ظهر لبعضهم الخطأ فعاد.
وهكذا الصحابة، كان عمر ينبه على كثير من المسائل رضي الله عنه وأرضاه فيعود وسوف أذكر لكم أمثلة من ذلك.
طرق أبو موسى على عمر رضي الله عنه وأرضاه الباب واستأذن ثلاثاً فلم يأذن له عمر، فانقلب أبو موسى راجعاً ففتح عمر الباب فرأى أبا موسى مولياً فدعاه فأجاب، قال: مالك؟ قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع} فظن عمر أنه استحضر هذا الحديث -وعمر لم يسمع بهذا الحديث من قبل- قال: [[والله لتأتيني بمن يشهد لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث أو ليكونن لي ولك شأن، فذهب
من صور التكبر: أن كثيراً من الناس لا يحضر مجالس الذكر ولا المحاضرات؛ لأن المتكلم أصغر منه سناً، وأقل علماً، وقد ولد قبله بأربعين سنة، ولد في الحرب العالمية الأولى، وهو ولد بعد الحرب العالمية الثانية، فتجده ممنوعاً من الفائدة، والذين يحضرون يستفيدون وهو لا يستفيد، وإذا سمع كلمة صد عنها وقال: ليست صحيحة، همه المعارضة؛ لأنه تكبر فهو من أجهل الناس، والعرب تسمي المتكبر احمق، وهو الخطر الداهم الذي يهدد كثيراً من الناس إن لم يتداركوا أنفسهم.
هناك أمور أريد أن أنبه عليها، أيها الإخوة الفضلاء وهي كالتالي:
1/ مسائل خروج الرجال والنساء، أبواب مخصصة للنساء، لا يجوز للرجال أن يخرجوا منها فهي خاصة بالنساء وهذا من تقوى الله عز وجل.
2/ مسائل الأحذية؛ لأن ديننا دين نظافة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن هذا القضايا لأصحابه، هناك أماكن مخصصة للأحذية توضع فيها لكنا فوجئنا بالناس في كل درس يأتون فيضعون أحذيتهم في هذا البهو الذي يصلى فيه كل جمعة ثم يخرجون ويعلمون أنهم قد أساءوا إلى المسجد، والمسجد إنما هو لذكر الله والطاعات.
3/ منها أن كثيراً من الإخوة يأتي في غضون الدرس ويتخطى الصفوف حتى يقترب ويتخطى أعناق الرجال فيزاحمهم وهم أقدم منه وأفضل في المكان وأتوا من قبله هذا كذلك ليس وارد.
4/ منها أنه إذا أقمنا للصلاة تزاحم الناس على الصف الأول حتى شق بعضهم على بعض وهذا ليس بوارد لكن تفسحوا ولا يضر المسلم أخاه.
5/ منها أن كثيراً من الناس لا يعني كثيراً بهذه الدروس، وهذا للغائب وليس لكم، ويقول: ليس فيها جديد ولا أدري ماذا يريد هو من الجديد وعلى كل حال سوف يكون حقها أكثر من باطلها، وخيرها أكثر من شرها، لكن من المكاسب له أن يحضر وأن يأتي بمن يستطيع من زملائه وإخوانه حتى يستفيدوا لو لم تكن هناك فائدة إلا أن الله تعالى يقول في آخر المجلس انصرفوا مغفوراً لكم، وهذا من أعظم الفوائد وأجل المنافع.
هناك أمور أريد أن أنبه عليها، أيها الإخوة الفضلاء وهي كالتالي:
1/ مسائل خروج الرجال والنساء، أبواب مخصصة للنساء، هناك لا يجوز للرجال أن يخرجوا منها فهي خاصة بالنساء وهذه من تقوى الله عز وجل.
2/ مسائل الأحذية؛ لأن ديننا دين نظافة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن هذه القضايا لأصحابه، هناك أماكن مخصصة للأحذية توضع فيها؛ لكنا فوجئنا بالناس في كل درس يأتون فيضعون أحذيتهم في هذا البهو الذي يصلى فيه كل جمعة ثم يخرجون وقد أساءوا إلى المسجد، والمسجد إنما هو لذكر الله والطاعات.
3/ منها أن كثيراً من الإخوة يأتي في غضون الدرس ويتخطى الصفوف حتى يقترب، ويتخطى أعناق الرجال فيزاحمهم وهم أقدم منه وأتوا من قبله، هذا كذلك لا ينبغي.
4/ منها أنه إذا أقمنا الصلاة تزاحم الناس على الصف الأول حتى شق بعضهم على بعض، وهذا ليس بوارد، لكن تفسحوا ولا يضر المسلم أخاه.
5/ منها أن كثيراً من الناس لا يعتني كثيراً بهذه الدروس -وهذا للغائب وليس لكم- ويقول: ليس فيها جديد ولا أدري ماذا يريد هو من الجديد، وعلى كل حال سوف يكون حقها أكثر من باطلها، وخيرها أكثر من شرها، لكن من المكاسب له أن يحضر، وأن يأتي بمن يستطيع من زملائه وإخوانه حتى يستفيدوا، لو لم تكن هناك فائدة إلا أن الله تعالى يقول في آخر المجلس: انصرفوا مغفوراً لكم، وهذا من أعظم الفوائد وأجل المنافع.
فيا أيها الإخوة: الله الله فقد تكلم من قبل سنة؛ بل من قبل سنتين في هذا الموضوع، لكن نرى أن المنطقة لا زالت بحاجة ماسة إلى الدعوة وفي عشرات القرى يسألون الداعية بالله العظيم حتى بالهاتف يسألونه بالله ويعرضونه وجه الله أن ائتي إلينا في محاضرة، ويقول كثير منهم: والله إنها تمر بنا من السنة إلى السنة ما قام داعية في المسجد إلا يوم الجمعة، وإن الخطيب يوم الجمعة يقرأ علينا من كتاب قديم ولا نستفيد منه معلومة، ولا يصحح لنا خطأ ولا ينهانا عن معصية ولا بدعة، فنسألكم بالله..
فأنا أطرح الأمر بين أيديكم والمهمة مشتركة عندنا جميعاً ولا تخص واحداً عن آخر، أذكر على سبيل المثال في العطلة الصيفية يأتينا أناس من الرياض، من الشرقية، من الغربية من القصيم فيلوموننا على التقصير في الدعوة، ونحن نقول لهم: ونحن زملاء ودعاة والبلاد واحدة فنطالبكم بمثل ما تطلبوننا ادعوا واذهبوا أنتم إلى القرى بأنفسكم وتكلموا، فلا بد من التأثير، غالب القرى منها أناس هنا وأريد أن أحملهم مسئولية قراهم قدر المستطاع، ويقول عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} ويقول صلى الله عليه وسلم: {نضر الله امرأ سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها فربَّ مبلغ أوعى من سامع}. لا يصلح البلاد، ولا يستتب الأمن، ولا يرتاح الناس، ولا يجتمع شمل الأمة، إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والعلم يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا}.
يوجد في القرى كبار السن يكسرون في الفاتحة ولا يجيدون قراءتها، وتجدهم يمسكون الإمامة ويحرمون طلبة العلم الجامعيين، بل بعضهم خريج الشريعة وأصول الدين، وبعضهم داعية متفوق أو طالب علم جدير يمنعه أن يقف على المنبر، ويبقى على الناس في خطبة مكتوبة من مائة سنة لا تعالج الوضع، ولا تتكلم في قضايا الساعة، ولا تصلح شيئاً، فيميت المنبر والمصلين ويميت قلبه، ويتحمل من الله أمانة لا يحملها يوم القيامة، وقد شكا كثير من الطلبة هذا الأمر بل بعض القرى يمنعون الداعية أن يتلكم، ما نريد القديم هذا فقط، يتحدث لهم في قضايا السلطان عبد الحميد فقط ويتلكم لهم عن أشياء مر بها الدهر وأكل عليها وشرب، وإلا فمسائل الشريعة كلها جديدة؛ لكن نحن نريد من يصلح ومن يتلكم بشيء يدخل إلى القلوب، ومن يتلكم عن الحالة الراهنة ثم قضايا الساعة، هذا هو المطلوب.
على الإخوة أن يتقوا الله في ذلك وعلى الأئمة من لا يحسن الإمامة أن يتركها لطلبة العلم شريطة أن يتركوا له الراتب؛ لأن مسألة الراتب (خطر ممنوع الاقتراب) ولا يمنع كثير من الشباب إلا من أجله فيكتبون له عهداً وميثاقاً ويشهدون عليه اثنين من كبار الحي بالله العظيم أن الراتب لك ولا نأخذ ريالاً، حينها تستتب الأمور.
لا يجوز للمسلم أن يكون سلبياً في حيه ولا في قريته، يذهب ويأتي للتعلم ثم يسأله الله تعالى عن حيه يوم القيامة، لابد أن تكون إيجابياً مؤثراً إذا ما استطعت أن تتكلم اشتر لك مائة شريط وزعها في البيوت، شريط عن العقيدة؛ شريط عن القرآن؛ شريط عن القبر؛ شريط عن الكبائر، يهدي الله بك مائة بيت ويأتون يوم القيامة في ميزان حسناتك، وهذا الإنفاق في أبواب الخير؛ لأن أهل الباطل ينفقون أموالهم وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36].
يخبرني أحد الشباب المغنين بعد أن هداه الله قال: صاحب استريو لما نزلت لي أغنية بعت لهذه الأغنية فقط بخمسين ألفاً في أسبوع واحد، وهذا يعني أنها أمة بحاجة إلى مغنين ومطبلين، أمة هوى وعشق وهيام، فكيف ينظر إلى من دفع أمواله بل بعضهم يتهادون هذه الأشرطة من حي إلى حي ومن بلد إلى بلد.
الله الله يا أيها الإخوة! في نشر الخير، ونصرة الله عز وجل، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعد من ينصره بأنه سوف ينصره حيث قال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51].
فأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وبإذن الله تكون المحاضرة التي عن تسهيل ملبية للحاجة إن وجدت القرى والأماكن النائية حاجة ماسة إلى تبسيط العقيدة، وإيصال العقيدة سهلة ميسرة بدون اختلاف علها أن تكون في الأسبوع القادم.
أسأل الله لي ولكم في الأخير التوفيق والمغفرة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر