إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. محمد حسن عبد الغفار
  5. سلسلة شرح كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب لابن خزيمة
  6. شرح كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب - ذكر أبواب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

شرح كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب - ذكر أبواب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلمللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد خص الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بشفاعات دون غيره، ومنها: الشفاعة العظمى لفصل القضاء بين الخلائق، ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة؛ لأن الجنة لا تفتح إلا له صلى الله عليه وسلم، ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بأن يخفف عنه العذاب، وقد خصه سبحانه بهذه الشفاعات إظهاراً لرفعته ومكانته عنده سبحانه، وهو كذلك يشترك مع بقية الرسل والأنبياء والملائكة والمؤمنين في بقية الشفاعات.

    1.   

    تعريف الشفاعة لغة واصطلاحاً

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ذكر أبواب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، التي قد خص بها دون الأنبياء سواه، صلوات الله عليهم لأمته، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء، صلوات الله عليهم، وشفاعة بعض أمته لبعض أمته، ممن قد أوبقتهم خطاياهم وذنوبهم، فأدخلوا النار ليخرجوا منها، بعدما قد عذبوا فيها بقدر ذنوبهم وخطاياهم التي لا يغفرها لهم، ولم يتجاوز لهم عنها بفضله وجوده، بالله نتعوذ من الله].

    الشفاعة: اسم مشتق من شفع يشفع، وهو ضد الوتر، والشفع: أن تجعل الشيء اثنين، وكأنه مشتق من أن الشافع يضم شفاعته مع سؤال المشفوع له؛ حتى تقبل هذه الشفاعة.

    واصطلاحاً هي: التوسط من وجيه أو من له وجاهه للغير؛ لجلب منفعة أو دفع مضرة، والمصنف هنا يشير إلى الشفاعة الأخروية.

    1.   

    حقيقة الشفاعة الدنيوية وحكمها

    الشفاعة شفاعتان: شفاعة دنيوية، وشفاعة أخروية: أما الشفاعة الدنيوية: فهي التوسط من الصالح أو من الوجيه لبعض إخوانه لجلب منفعة أو دفع مضرة.

    كأن يتوسط رجل وجيه عند ولي الأمر لشخص ما لدفع مضرة أو عقوبة أو لجلب منفعة لهذا الشخص.

    هذه الشفاعة الدنيوية جائزة، بل ويؤجر عليه المرء، ودليلها من الكتاب: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ [النساء:85]، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء)، فمن شفع لأخيه في تفريج كربة فرج الله كربته يوم القيامة، ومن شفع لأخيه في حاجة آتاه الله أفضل مما شفع فيه.

    لكن لنا ملحظ مهم جداً، وهو أن بعض الذين يشفعون لتيسير أمور معينة يأخذون على هذه الشفاعة أجرة، وهذا لا يجوز؛ لأن الشفاعة عبادة، وكل عبادة أجرها على الله جل في علاه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء).

    والأصل في العبادات ألا يؤخذ عليها أجرة أبداً، كما قلنا في الإمامة والأذان وتعليم القرآن، كل ذلك لا يجوز أخذ الأجرة عليها، إلا المستثنى منه بالأدلة الشرعية التي ليس هذا بابها.

    الغرض المقصود أن الأصل في الشفاعة والتوسط للغير أنه لا يجوز للمرء أن يأخذ عليه أجراً.

    ولا تجوز الشفاعة في حد من حدود الله جل في علاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينتصر لنفسه قط، وما كان يغضب لنفسه قط، إلا أن تنتهك محارم الله، ففي الحديث: (كانت امرأة من بني مخزوم تجحد العارية، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها حد السرقة، وهو: قطع اليد، فقالوا: من يشفع عند رسول الله؟ فقالوا: حب رسول الله أسامة بن زيد فقام أسامة -وهو لا يعلم أن هذا لا يجوز- فكلم رسول الله في شأن المرأة المخزومية، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال: أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). إذاً: الشفاعة لا تجوز في حد من حدود الله جل في علاه إذا وصلت وبلغت إلى ولي الأمر.

    وهذه في الشفاعة الدنيوية.

    1.   

    أنواع الشفاعة الأخروية

    أما الشفاعة الأخروية فهي: شفاعة، مثبتة، وشفاعة منفية.

    الشفاعة المنفية

    الأولى: الشفاعة المنفية: هي الشفاعة للمشركين، وهذه لا تقبل بحال من الأحوال؛ لأن المشركين لا شفاعة لهم، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:48].

    وقال الله تعالى حاكياً عن المشركين أنهم قالوا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101].

    وقال جل وعلا: أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254] إذاً: الشفاعة للمشركين منفية نفياً باتاً.

    أيضاً من الشفاعة المنفية شفاعة الأصنام عند الله جل في علاه، فالمشركون عبدوا الأصنام -لتشفع لهم، وهي شفاعة متوهمة باطلة- فلما سئلوا عن ذلك قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ [الزمر:3]، فقال الله تعالى لهم إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3].

    فالله جل وعلا نسبهم إلى الكفر والكذب، إذ إن الأصنام ليس لها مكانة عنده جل في علاه.

    ومن أنواع الشفاعة المنفية: الشفاعة بغير إذن الله، ولو كانت من أولياء الله جل في علاه، ولو كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الشفاعة المثبتة وشروط صحتها

    الشفاعة الثانية: الشفاعة المثبتة: وهي التي أثبتها الله جل في علاه، وهي الشفاعة للمؤمنين الموحدين فقط.

    وحتى تقبل هذه الشفاعة لا بد لها من شرطين اثنين:

    الشرط الأول: إذن الله جل في علاه لهذا الشافع، قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ البقرة:255].

    وقال جل في علاه: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ [النجم:26]، هذا الشرط الأول.

    الشرط الثاني: أن يرضى الله عن الشافع، وعن المشفوع، كما قال الله تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] وقال تعالى: مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].

    فلا بد من الرضا عن الشافع والمشفوع.

    الحكمة من الشفاعة:

    أولاً: إكرام الشافع وإظهار فضله ومكانته وكرامته على الله جل في علاه.

    ثانياً: جلب النفع للمشفوع له، أو دفع الضر عنه.

    1.   

    أقسام الشفاعة المثبتة

    لقد قسم العلماء الشفاعة المثبتة إلى قسمين: شفاعة خاصة، وشفاعة عامة.

    الشفاعة الخاصة

    الشفاعة الخاصة: هي التي تختص برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه لا يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أحد أبداً، وإنما خصها الله برسوله صلى الله عليه وسلم كرامة له، وإظهاراً لحبه، ورفعة له يوم القيامة، وهذا هو المقام المحمود الذي وعد الله له رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وهي أنواع ثلاثة: أعظمها: شفاعة الموقف، عندما يشتد الكرب ويزلزل الناس زلزالاً شديداً، في يوم: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2] حينها يقول الناس كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (نذهب إلى آدم، فآدم أبو البشر خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، فله الكرامة عند الله حتى يفصل بيننا، فيذهبون إلى آدم فيقول: لست لها، قد أكلت من الشجرة ونهاني ربي عنها، لكن اذهبوا إلى نوح فهو أول رسول إلى البشرية، فيذهبون إلى نوح فيقول: لست لها، قد سألت الله ما ليس لي به علم، لكن اذهبوا إلى إبراهيم أبي الأنبياء، فيذهبون إلى إبراهيم فيقول إبراهيم عليه السلام: لست لها، قد كذبت ثلاث كذبات، لكن اذهبوا إلى موسى كليم الله، اصطفاه الله جل وعلا برسالاته وبكلامه، فيذهبون إلى موسى فيقول موسى عليه السلام: لست لها، وفي كل مرة يقولون: ألا ترى ما ألم بنا؟! ألا ترى ما نحن فيه من كرب؟! ألا ترى ما نحن فيه من الشدة؟ وكل رسول يقول: لست لها، فموسى يقول: اذهبوا إلى عيسى روح الله، فيذهبون إلى عيسى فيقول: لست لها، اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم وما تأخر، فيذهبون إلى رسول الله فيقول: أنا لها، أنا لها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأستأذن على ربي فأذهب إلى تحت العرش فأخر ساجداً).

    وهذه كرامة وشرف له صلى الله عليه وسلم، فقد أذن الله له فقام أمام الخلق أجمعين؛ ليظهر الله جل وعلا كرامته بأن قبله شفيعاً، فيذهب فيخر تحت العرش ساجداً لله.

    ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (فأحمد الله جل في علاه بمحامد لم أكن أعلمها أعلمنيها ربي، وأثني عليه، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع محمد صلى الله عليه وسلم في الفصل بين العباد، فيأتي الله جل وعلا ويفصل بين العباد).

    وهذه الشفاعة العظمى خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].

    فهذا هو المقام المحمود، وكما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حضنا أن نقول بعد انتهاء الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم المقام المحمود، الذي وعدته)فالمقام الذي وعد الله جل في علاه نبيه صلى الله عليه وسلم هو أن يقوم يوم القيامة -بعدما تنحى كل رسول وقال: نفسي نفسي- فيقول: أنا لها، أنا لها، فيشفع لفصل القضاء بين عباد الله يوم القيامة.

    النوع الثاني من الشفاعة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم: هي شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ لأنه لا يدخل الجنة قبله أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من يشفع في الجنة) بعدما يفصل الله بين العباد ويأمر بأهل النار فيقذفون فيها، يبقى أهل الجنة ينتظرون الإذن بدخول الجنة، يريدون الدخول فلا يستطيعون؛ لأن الملك الذي وقف على باب الجنة لا يفتح إلا لشخص واحد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أول شافع) وقد أشار الله في كتابه إلى ذلك حيث قال عن الجنة: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ [الزمر:73]، لكن عندما تكلم عن النار قال: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ [الزمر:71] أي أن النار، لم تنتظر أحداً، فهي مشتاقة للكفار، أما الجنة فقال الله عنها: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ [الزمر:73] هذه إشارة أنهم ينتظرون حتى يشفع لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، (فيدق رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الجنة، فيقال: من؟ فيقول: محمد فيقول: بك أمرت، ألا أفتح لأحد قبلك، فيفتح لأهل الجنة فيدخلون الجنة)، وهذه شفاعة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إظهاراً لفضله وكرامته.

    وشفاعة أخرى خاصة برسول الله لا يشترك معه فيها أحد ألا وهي: شفاعته لـأبي طالب ، وأبو طالب مستحق الخلود في النار، والشفاعة لأهل النار منفية، كما قال الله تعالى حاكياً عنهم: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101].

    فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لـأبي طالب؛ لأن أبا طالب كان يحوطه ويناصره ويدافع عنه حتى مات، فكرامة لهذه المدافعة وهذه الإحاطة لأكرم خلق الله على الله، فإن الله شفع رسوله خاصة في أبي طالب ، حتى أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام لم يشفعه الله في أبيه.

    لما قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا فعلت لعمك، فقد كان يناصرك ويحوطك وكان وكان؟ فقال: لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار، هو الآن في ضحضاح من نار، له نعلان يغلي بهما دماغه) يعني خفف الله عنه العذاب بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً، نعوذ بالله من النار، ونعوذ بالله أن ندخلها لحظة واحدة.

    فهذه الأنواع الثلاثة من الشفاعة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الشفاعة العامة

    الشفاعة العامة هي التي يشترك فيها رسول الله، والأنبياء والمؤمنون والملائكة، وهي أنواع: أولها: الشفاعة لأهل الجنة أن يرفع الله لهم درجاتهم، فلو كان أحدهم في درجة أقل شفع له النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون في الفردوس الأعلى مثلاً، اللهم اجعلنا جميعاً مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى.

    ودليل ذلك إشارة من الكتاب وتصريح من السنة، أما الإشارة من الكتاب فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21] أي: إذا كان الأب في درجة عليا والابن في درجة دنيا، فإن الأب يشفع لابنه، فالله جل وعلا يقبل الشفاعة من الأب للابن، فيرفعه إلى منزلة الأب، والعكس صحيح، إذا كان الابن في درجة عالية والأب في درجة أقل، فيشفع الابن للأب، فالله جل وعلا يرفعه إلى درجة ابنه، وفي هذا إشارة إلى أنه إذا كانت هذه الشفاعة للمؤمنين فللأنبياء أولى وأحرى.

    أما التصريح من السنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما مات أبو سلمة : (اللهم اغفر لـأبي سلمة وارفع درجته في المهديين).

    إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في رفعة الدرجات، وهذا فيه دلالة على أن الأنبياء والمرسلين يشفعون لرفع الدرجات.

    الثانية: الشفاعة في دخول من استحق النار الجنةَ حتى لا يعذب، وهؤلاء هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لكن السيئات غلبت على الحسنات فاستحقوا النار، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي المؤمنون فيشفعون فيهم، فيشفعهم الله في هؤلاء فيدخلهم الجنة ولا يدخلون النار، والدليل على ذلك: أهل الأعراف، فهم لا يدخلون النار، وقد وصفهم الله جل وعلا وصفاً بديعاً فقال: وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:46-47].

    وهذا حديث ظاهر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل يموت فيصلي عليه أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه).

    يعني: هذا الذي مات هو ممن يستحق النار، فيأتي أربعون رجلاً من أهل التوحيد الخلص فيصلون عليه فيشفعون فيه فيشفعهم الله فيه، ووجه الدلالة: العموم الذي في قوله: ما من رجل، فمن كان ولياً لميت فليتحر أهل السنة وأهل التوحيد للصلاة عليه، حتى لو تأخر دفنه؛ صحيح أن من السنة إكرام الميت والمسارعة في دفنه، لكن لولي الميت أن يؤخر ذلك للمصلحة، والمصلحة الأكبر أن يبحث عن أهل الدين والتقوى وأهل السنة والتوحيد الخالص حتى يصلوا عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه إذا صلى عليه أربعون رجلاً فالله جل وعلا يشفعهم فيه ويقبل دعاءهم، فيدخله الله الجنة ولو كان مستحقاً للنار.

    إذاً: هذه الشفاعة الثانية التي يشترك فيها والملائكة والأنبياء والمؤمنون.

    الثالثة: الشفاعة لأهل الأعراف بدخول الجنة: فالله جل وعلا يشفع الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فيهم، وذلك عندما يقول المؤمنون: (ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويحجون معنا ويزكون معنا، وهم في النار فيتفضل الله بفضله ومحض نعمته سبحانه جل في علاه فيأمرهم أن يذهبوا ويخرجوا من يعرفون من إخوانهم من النار ممن كان في قلبه مثقال شعيرة، أو ذرة من خير إلى أن يتناقص حتى يصلوا إلى من لم يعمل خيراً قط) فهذه لا تكون إلا لله جل في علاه.

    فالمؤمنون يخرجون إخوانهم، والملائكة يخرجون من يعرفون بأثر السجود.

    1.   

    الرد على منكري الشفاعة لأهل الكبائر

    الخوارج والمعتزلة ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر، وأفراخ المعتزلة اليوم ينكرون هذه الشفاعة، ومنهم مصطفى محمود ، فهو ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر، وقيل إنه رجع عن هذا القول، وهذا كلام المعتزلة وكلام الخوارج؛ لأن الخوارج أصل اعتقادهم أن فاعل الكبيرة كافر، وهو خالد مخلد في النار، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لفاعل الكبيرة فهذا يهدم أصلهم الذي اعتقدوه، ولذلك ذهبوا إلى هذه الأدلة فهدموهما وردوها، واستدلوا على قولهم بقول الله تعالى: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101].

    والرد عليهم أن هذه الآية خاصة بالكافرين، وأهل الكبائر ليسوا بكافرين -لكن فاعل الكبيرة على خطر عظيم- إذا إن الله جل وعلا أرحم ما يكون بعباده، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما كبر: (جاءني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتي وهو يقول: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقام أبو ذر وقال: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، ثم قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق وعلى رغم أنف أبي ذر).

    إذاً: هذه الآية خاصة بالكافرين، وأما الذين آمنوا ووحدوا الله جل في علاه فهم أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه).

    فنسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من أهل التوحيد الذين أخلصوا دينهم لربهم جل في علاه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755811023