إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - فضائل عمر بن الخطاب [2]للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم جيلاً كانوا نبراساً للحياة، وقدوة يقتدى بهم في جميع جوانب الحياة، ومن هؤلاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، هذا الصحابي الجليل الذي تمثلت شخصيته في العدل والإنصاف والقوة والثبات والحلم والأناة، فعلى المسلم أن يقرأ سيرهم ليأخذ الدروس والعبر منها، وتكون له نبراساً في حياته.

    1.   

    مواقف من عدل عمر بن الخطاب

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    الإخوة الكرام! ما زلنا مع شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للعلامة اللالكائي ، في الكتاب الأخير، والكلام عن فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وما زلنا مع الخليفة الثاني - الفاروق - الذي فرق الله به بين الحق والباطل، ونصر الله به الدين، ورفع به رايته، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لو سلك عمر فجاً لسلك الشيطان فجاً غير فج عمر)، وقد لقي عمر الشيطانَ في أحد جهات المدينة فتصارعا فصرعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

    فلنقف مع جوانب العظمة في شخصية هذا الخليفة الفذ الراشد رضي الله عنه وأرضاه، فمن جوانب العظمة في شخصية الفاروق رضي الله عنه وأرضاه؛ العدل البشري الذي بلغ المنتهى في الكمال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد خليفته أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فالعدل صفة من صفات الله جل وعلا، والله جل وعلا يحب أن يرى آثار هذه الصفات بأن تظهر على عباده جل وعلا، فالله رفيق يحب كل رفيق، والله جميل يحب كل جميل، والله عدل يحب كل عدل، ويحب العدل في الأقوال، وفي الأفعال.

    عمر رضي الله عنه وأرضاه ضرب لنا أروع الأمثلة في مسألة العدل، التي هي صفة من صفات الله جل وعلا، فقد تخلق بهذا الأثر في نفسه ثم في أهله ثم في رعيته حتى انتشر العدل في الرعية، وأروع هذه الصور ما شهد به الأعداء، فإنه لما دخل مبعوث الروم الكفرة يسأل عن قصر خليفة المسلمين -قصر عمر بن الخطاب - فقيل له: هذا أمير المؤمنين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يتوسد نعله تحت ظل شجرة، فذهب فوجد عمر بن الخطاب يتوسد نعله تحت ظل شجرة، فتعجب الرجل مندهشاً، ثم شهد بالفضل لهذا الفاروق وقال: يا عمر ! حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت، يا لها من كلمات تحفظ في الصدور وتكتب بماء الذهب.

    فانظروا إلى عدل عمر رضي الله عنه وأرضاه في عام الرمادة وفي غيره، فإنه كان لا يرتدي إلا اللباس العادي، وكان لا يرتقي ولا يتكبر على عباد الله جل وعلا، ولا يأكل إلا من أكلهم بل أدنى من أكلهم.

    وانظروا إلى قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنه، فإنه بعد ما قتل أهل فارس وهدم الله عروش كسرى على يد عمر رضي الله عنه كما سنبين في -إحدى المعارك في أراضي فارس- قبل القادسية أو عند القادسية، انتصر المسلمون وغنموا غنائم كثيرة، واشترى ابن عمر هذه الغنائم من أصحابها؛ لأنه عندما تقسم الأسهم فإن كل من أخذ الغنيمة يمتلكها، فله بعد ذلك أن يبيعها، أو أن يهديها، فاشترى ابن عمر من أصحاب الغنائم غنائمهم بأربعين ألفاً، وذلك من أجل أن يتاجر فيها، فلما أقبل على عمر سأله من أين لك هذا؟ قال: اشتريت الغنائم بأربعين ألفاً، قال: قام الناس فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله، وابن أمير المؤمنين، وأحب الناس إليه، قد أرخصوا لك فيه، والله لا تربح عليها إلا كما يربح التجار في قريش، درهم لكل درهم، فأخذ الغنائم فباعها بثمن كثير، ثم أعطاه درهماً على كل درهم، يعني: ثمانين ألفاً، ثم أخذ الباقي فبعثه إلى سعد بن أبي وقاص وقال: وزعه على الناس أو في مصالح المسلمين.

    مثال آخر من أمثلة العدالة أو العدل الذي انتشر في عصر عمر رضي الله عنه وأرضاه، جاء قوم إلى عامل من عمال عمر فأكرمهم أيما إكرام، ثم أعطى السادة وترك الموالي، فبعث إليه عمر يبين له العدل والسوية، وأن لا فرق بين الناس إلا بالتقوى، كما قال الله جل وعلا: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فلا فرق بين سيد وعبد، ولا فرق بين أبيض وأسود، ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، كان هذا هو ميزان العدل عند عمر ، فبعث إليه فقال: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، فهلا ساويت بينهم؟ يعني: هلّا أعطيت كل واحد من السادة والعبيد ولم تفرق بينهم؟

    وأروع من ذلك حادثة عمرو بن العاص حينما كان والياً على مصر، فتسابق ابنه مع قبطي، فسبقه القبطي، فغضب ابن عمرو وضربه بالسوط، وقال: خذها وأنا ابن الأكرمين، فعلم القبطي عدل عمر فذهب إليه يشتكي فقال: ضربني ابن الأمير، فبعث عمر بن الخطاب برسالة صارخة يوبخ فيها عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه بكلمات شديدة، مع أن الشكوى جاءت من قبطي، فانظروا إلى سماحة الإسلام، إلى الحرية بحق، إلى العدالة بحق، إلى السماحة بحق، كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه إلى عمرو بن العاص فقال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراًً؟ عزمت عليك أن تأتي أنت وولدك، فذهب عمرو بن العاص مذعوراً فأتى بابنه حتى مثل أمام الخليفة، وعنده القبطي، فلما أقر ابن عمرو بن العاص بما فعل، قام عمر بن الخطاب وقال للقبطي: قم، فقام القبطي فأعطاه الدرة أو السوط، وقال قل له: خذ وأنا ابن الأكرمين، واضربه، ثم قال لـعمرو بن العاص : اخلع عمامتك، وقال للقبطي: اضربه على صلعته؛ لأنه أباح لابنه أن يضربك، ويتعدى حقه، وهذا فيه تأنيب وتعزير لـعمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه ترك المجال لابنه أن يضرب هذا القبطي، وإن كان تحت إمارته، وإن كان كافراً؛ لأن الظلم لا يقبل، فقال الرجل: قد أخذت حقي يا أمير المؤمنين، وهذه من أروع الصور التي تمثل عدل عمر رضي الله عنه وأرضاه، ولو تكلمنا كثيراً عن عدل عمر لن ننتهي، ولكن هذه نبذ يسيرة من الصور التي تبين عظمة شخصية هذا الفاروق .

    1.   

    تعامله مع أهل الكتاب

    من جوانب العظمة في شخصية عمر : حسن تعامله مع أهل الكتاب، فإنه كان يعرف كيف يفرق بين الناس، ويتعامل بموازين الحق مع كل البشر، فتعامل مع أهل الكتاب على حسب نوعهم كما جاء في كتاب الله جل وعلا، فإنه سبحانه وتعالى قد قسم لنا أهل الكتاب إلى ثلاثة أقسام: قسم هم أهل حرب يقاتلون أهل الإسلام، ينفقون أموالهم ليلاً ونهاراً ليصدوا عن سبيل الله، يقاتلون من قال: لا إله إلا الله، يحاربون من ينشر دعوة الله جل وعلا، فهؤلاء جاء فيهم قول الله تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ [التوبة:14]، وقوله تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:191]، وقوله جل وعلا: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193]، فهؤلاء لا ينفع معهم إلا السيف، ولا ينفع معهم إلا قطع الرقاب؛ لأنهم واجهوا الله جل وعلا، وواجهوا دين الله جل وعلا، وصدوا عن سبيل الله جل وعلا، وسنرى كيف تعامل معهم عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    القسم الثاني من أهل الكتاب: هم أهل ذمة وعهد، وهؤلاء هم قوم في بلادنا -في أرض الإسلام- وتحت أيدينا، فلهم خيار من ثلاثة خيارات: إما القتل، وإما الجزية، وإما الإسلام، فإن أبوا الإسلام وقالوا: نجلس تحت أيديكم، يحكم علينا شرع الله جل وعلا، وحكمكم نافذ فينا، وأنتم تقاتلون عنا، وندفع لكم الجزية، فهؤلاء هم أهل الذمة -أهل الجزية- يدفعون الجزية، ولهم شروط كما سنبين الشروط العمرية على أهل الجزية.

    القسم الثالث من أهل الكتاب: قوم هم أهل حرب على المسلمين، لكن طلبوا الأمان من أهل بلدة من بلاد الإسلام، مثل رخص الدخول من جوازات وفيز وغير ذلك مما يسمونه الآن، فهذا يعتبر عقد أمان لهم؛ لأنهم يدخلون بتصريح من ولي الأمر، فهؤلاء أهل أمان وليسوا أهل ذمة، وهم في الأصل أهل حرب، ولذلك فأمانهم لا بد أن يكون مؤقتاً لا على الديمومة، فهؤلاء يكون لهم الأمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)، فأقل واحد لا بد أن يوفي بهذه الذمة، لكن للمسلمين الاستفادة منهم، بأن يضربوا عليهم الأعشار، ويفرضوا عليهم الضرائب في تجارتهم، كما فعل عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    تعامله مع المحاربين من أهل الكتاب

    ذكرنا أن أهل الكتاب ثلاثة أقسام، القسم الأول: قوم حاربوا دين الله جل وعلا، وهم حرب على أهل الإسلام، وأنفقوا ما لهم من أجل الصد عن سبيل الله، فهؤلاء كيف تعامل عمر معهم رضي الله عنه وأرضاه؟

    هؤلاء لا ينفع معهم إلا السيئ، هؤلاء لا ينفع معهم إلا الشدة، ولا نقول: هذا مناف ومضاد لسماحة الإسلام، أو للدين الحنيف، أو للرأفة التي أمرنا الله جل وعلا أن نتعامل مع الناس بها، ونحن نعلم أن أحب القلوب عند الله ألينها وأطيبها وأرحمها بالناس، ولكن تجاه من كفر بالله ورسوله، وحارب الله ورسوله والذين آمنوا، يجب ألا يكون في قلب المسلم لهم رحمة ورأفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الرحيم الرءوف، ومع ذلك كان يقاتل أهل الكفر، وأهل الزيغ والبطلان، فـعمر بن الخطاب شد وطأته على أهل الكفر، ونصر الله به الإسلام، وبه رفعت راية لا إله إلا الله ترفرف خفاقة عالية في أرض فارس، وفي الجبهة الغربية، وقد هاجم الروم، وهاجم الفرس.

    أما نحو المشرق فمعارك طاحنة حدثت بين المسلمين -تحت راية عمر بن الخطاب - وبين أهل فارس، وأقوى هذه المعارك هي معركة القادسية، فهي المعركة الفاصلة بين راية الحق وراية الباطل، فهدم الله عرش كسرى على يد عمر بن الخطاب، حتى إن كنوز كسرى كلها جاءت إلى عمر بن الخطاب ، فلما نظر إليها بكى وقال: قوم يؤدون هذه الكنوز إنهم لأمناء! فقال علي بن أبي طالب بعد ما بكى عمر : يا أمير المؤمنين! كنت عدلاً فكانوا كذلك، وكنت أميناً فكانوا كذلك، رضي الله عنهم أجمعين، ففي هذه المعركة كانوا قد تشاوروا أن يؤمر عليهم عمر ، لعل الله أن يفتح عليهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: ابق هنا يا أمير المؤمنين، إن حدث لك شيء فجع المسلمون بك، فأمر عليهم من ترى وتختار، فقال عمر: إذاً فاختار أنت، قال: ما هو إلا خال رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، الذي كان يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ارم فداك أبي وأمي)، ولذلك قال علي بن أبي طالب: ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أباه وأمه لأحد إلا لـسعد بن أبي وقاص، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (هذا خالي فليرني أحدكم من خاله) يعني: افتخاراً بهذا الخال، فقام عمر وكتب إليه: لا يغرنك قول الناس: هذا خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يغرنك طاعتك، واعلم أنك تواجه قوماً أصحاب عدة وعتاد، وبينكم وبينهم الطاعة والمعصية، هم يعصون الله جل وعلا، فإن عصيتم الله استويتم في المعصية، وكانت الغلبة للأقوى، وهم الأقوى عدة وعتاداً، وإن التمست ما عند الله جل وعلا فإنما عند الله لا يؤخذ إلا بطاعته، فأنتم لا تقاتلون القوم بعدة ولا عتاد، وإنما تقاتلونهم بالإيمان، فأخذ سعد بن أبي وقاص بهذه النصيحة وجعلها نصب عينيه، ثم قال له: أرسل إليه بالوفود، لعل الله جل وعلا يهديه على يدك، فاختار أكثر من نقيب حتى تكون سفارة بليغة تذهب إلى رستم قائد الفرس، لعل الله جل وعلا يهدي قلبه إلى الإسلام، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، فبعث إلى رستم ، ربعي بن عامر ، وما أروع ما قاله ربعي! ذكر أهل العلم أن رستم كان عنده الملك الكثير من الفرش الوفير والذهب، والقوارير والفضة، وكانت له السطوة على العرب والكلمة الكبرى عليهم، وكانت دولته أكبر قوة في العالم، فدخل ربعي ساخراً من هذه القوة والفخامة والقدرة، دخل عليهم ومعه سيف صغير ورمحه وبغلته، دخل يمزق برمحه هذه الفرش الوفيرة، وهم يتعجبون من جراءته، فمنعوه فقال لـرستم : طلبتموني، فإن أردتموني دخلت بما أنا عليه وإلا رجعت أدراجي، فقال: اتركوه، فدخل بعزة الإسلام، وبقوة المسلم، ثم قطع وسادة وربط بغلته، ودخل بالسيف، فنظروا إليه وضحكوا وقالوا: ما هذا السيف؟! سيف صغير ماذا تفعل به؟ فنظر إليهم مزدرياً قولهم مبيناً قوة وثبات وجأش المسلمين، وقال لهم: سيف صغير أتقدم به في نحور الأعداء ولا أفر ولا أتأخر، فخاف القوم، ثم دخل على رستم ، فقال له رستم وهو متعجب من حاله: من أنتم؟ وماذا تريدون؟ فقال بعزة المسلم: نحن عباد لله، ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، كلمات توضع على الجبين، وتحفر على الصدور بماء الذهب، كلمات من رجل يلبس الرداء الرث، يسير ومعه السيف الصغير، لا عدة ولا عتاد، لكنها قوة كمنت في القلب، إنها قوة الإيمان والعقيدة. قال: نحن عباد لله، أهم عزة وأشرف عزة هي العبودية لله جل وعلا، لا أطأطئ رأسي ولا أتذلل إلا لربي جل وعلا، ولا أنصر إلا دين الله جل وعلا، قال: نحن عباد لله، ابتعثنا الله لنخرج عباد الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، لك إحدى ثلاث خصال: إما الإسلام، فلك ما لنا وعليك ما علينا، ولك نصرتنا في الدين، وتخرج وترجع إلى بلادك أميراً على أصحابك، قال: ما الثانية؟ قال: تعطي الجزية عن يد وأنت صاغر، قال: وإن لم تكن هذه؟ قال: المنابذة، السيف بيننا وبينك، ثم بعدما رحل قام رستم فقال: أرأيتم ما يقول الرجل! تعجباً مما فعل وقال، فازدروا فعله وقوله، فدخل عليهم المغيرة فقال لهم مثلما قال ربعي ، فعلم رستم أن هؤلاء القوم ليسوا بالهينين، بل لهم قوة، هذه القوة كامنة في الإيمان الذي يحملونه في قلوبهم.

    وحدثت الكرامات لهذا الجيش بفضل الله جل وعلا، فهم الطائفة المؤمنة التي تقاتل من أجل دين الله جل وعلا، وترفع راية لا إله إلا الله، ومن هذه الكرامات ما حدث معهم عند عبور البحيرة فقد كانت بينهم وبين جيش رستم بحيرة، فأخذ سعد يفكر كيف نصل إلى القوم؟ فقال لـسلمان الفارسي : أنت الذي خططت للنبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، فانظر كيف نصل إلى هؤلاء؟ فقال: دعني أنظر، فدخل يبحث في القوم ليلاً، فوجد أصحاب الرايات الحقة قياماً يتلون كتاب الله جل وعلا، ويذكرون الله ويستغفرونه في السحر، ووجدهم فرساناً في النهار، كما قال عامل الروم لملك الروم: رأيتهم رهباناً بالليل، فرساناً بالنهار، فهم يأخذون بالسبب المادي مع وجود السبب الشرعي الذي هو الأصل الأصيل لهذه الأمة، فلما نظر سلمان إلى هؤلاء ورأى حالهم هذه قال لـسعد : والله لقد رأيت هؤلاء رهباناً بالليل، فرساناً بالنهار، وقد رأيت قوم موسى أدنى من هؤلاء، وقد أمر الله البحر فانشق من أجل قوم موسى، وأنتم والله خير من قوم موسى، ويصنع الله لكم أفضل مما صنع لقوم موسى، فتوكل على الله بإذن الله، وشق البحر، فاقتنع سعد بكلام سلمان، وعلم أن الكرامات تنزل على أولياء الله الذين ينصرونه، وينصرون دينه، فقام سعد وركب فرسه، ثم نزل إلى البحيرة باسم الله، فكأنه يمشي على أرض صلبة، فقد جعل الله جل وعلا البحر كأنه أرض صلبة، ودخل الجيش وراء سعد حتى دخلوا على جيش كسرى وقتلوهم شر قتلة، وقتلوا رستم، وأعلى الله الدين بهؤلاء الذين نصروه، فنصرهم الله مصداقاً لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، هذا شرط شرطه الله جل وعلا، فإذا تحقق الشرط تحقق المشروط يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، ولذا فإن الله جمع كل كنوز كسرى للمسلمين عندما صدقوه ونصروه، ودخل بها الساعي إلى حجر الكعبة وقال: رجحت راية لا إله إلا الله على أرض فارس، هذا أول مشوار عمر وفتوحاته مع أهل الكفر الذين أنفقوا أموالهم صداً عن سبيل الله جل وعلا.

    أما في الجهة الغربية -نحو الشام- فإن الله فتح عليه الشام بما فيها القدس، وكذلك مصر، فبعد أن نصر الله المسلمين في أجنادين بقيادة عمرو بن العاص، ظهروا على بيت المقدس وحاصروها، وكان على بيت المقدس رجل من الروم لقبه أرطبون الروم، وكان داهية الروم، فقال عمر قولته المشهورة -كما قال أبو بكر : لأقطعن وساوس الشيطان عن الروم بـخالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه -قال عمر : لأضربن أرطبون الروم بـأرطبون العرب، وهو عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فحاصر المدينة وتم حصار القدس، لكن أرطبون الروم بعث إلى عمرو بن العاص أو إلى أبي عبيدة -اختلفت الروايات- وقال: هذه المدينة لا تفتح إلا برجل واحد صفته عندنا الخليفة عمر بن الخطاب، فاستشار عمر الناس، فقالوا له: لا بد أن تذهب لعل الله يفتح على يديك هذه المدينة، فذهب عمر -الفاروق أمير المؤمنين الذي ملكه الله مشارق الأرض ومغاربها- على بعير واحد فقط هو ومولاه، يتناوبان على البعير، نوبة يمشي فيها عمر ويركب المولى، ونوبة يمشي فيها المولى ويركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، حتى وصلا إلى بيت المقدس وكانت النوبة في المشي والأخذ بخطام البعير لـعمر بن الخطاب ، والمولى هو الذي يركب، فاستاء أبو عبيدة بن الجراح لما رأى هذا من عمر بن الخطاب ، ثم إنهم عند مرورهم على مشارف بيت المقدس مروا على بركة، فقام عمر فخلع نعله وتأبطه، أي: جعله تحت إبطيه، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين! لا أحب أن يراك القوم وأنت على هذه الهيئة، فقال عمر : يا أبا عبيدة لو قالها غيرك لصفعته؛ لأن أبا عبيدة كانت له مكانة كبيرة عند عمر ، فقال: كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين -اللهم أعزنا بهذا الدين، واجعلنا حماة له، واجعلنا نصرة لهذا الدين، لا نعمل إلا له، ولا نموت إلا له، ولا نحيا إلا من أجله، ومن أجل ابتغاء وجهك الكريم يا رب العالمين- فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، ففتح الله على يده بيت المقدس.

    تعامله مع أهل الذمة والشروط العمرية عليهم

    ذكرنا تعامل عمر رضي الله عنه وأرضاه مع صناديد الكفر، الذين أنفقوا أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فكيف كان تعامل عمر مع الطائفة الثانية، التي قال الله جل وعلا فيها: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، يعني: تحسنوا المعاملة معهم، وهم أهل الذمة، أو أهل الجزية، هؤلاء هم الذين رفضوا الإسلام، ولكن رضوا بدين الله جل وعلا أن يكون حاكماً عليهم، ورضوا أن يكونوا تحت قيادة المسلمين، وأن يدفعوا الجزية؟

    عمر رضي الله عنه وأرضاه وضع لهم مكانة، وبين لهم حدوداً يتعامل فيها المسلم معهم، فاشترط عليهم شروطاً أنقلها لكم إجمالاً، هذه الشروط هي: أباح لهم حرية العبادة؛ لأن الله تعالى يقول: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256]، فأباح لهم أن يعبدوا الله جل وعلا على طريقتهم، لكنه منعهم من إظهار شعائرهم، فحرم عليهم أن يظهروا صليباً، أو يدقوا ناقوساً، أو يرتدوا زياً كزي المسلمين، وذلك حتى يتميزوا عن المسلمين، أيضاً لا يشربوا خمراً أو يبيعوها بين المسلمين، ولا يأكلوا خنزيراً علناً، لكن في بيوتهم لهم أن يفعلوا ذلك، وأن يعطوا الجزية وهم صاغرون.

    فهذه هي الشروط التي اشترطها عمر ، والتي سميت بالشروط العمرية، ولا تحتاج إلى البحث عن أسانيدها؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول، وشهرتها عالية جداً، قال الخلال في كتاب (أحكام أهل الملل): عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال: اتخذت لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه حين صالح النصارى -أهل الكتاب- وشرط عليهم فيه أولاً: ألا يحدثوا في مدينتهم، ولا في ما حولها ديراً ولا كنيسة، ولا بيعاً ولا صوامع، إذاً أول شرط من هذه الشروط عدم الإحداث، يعني: تبقى الكنيسة التي كانت موجودة كما هي، لكن يمنعون من إنشاء كنيسة جديدة، ومن إنشاء صوامع بيع جديدة، وإذا هدمت الكنيسة القديمة لا تنشأ مكانها كنيسة جديدة؛ لأن هذا فيه إضمار للرضا بما هم عليه من كفر، فنقول لهم: تعبدوا بطريقتكم لكن لا تعلنوا بكفركم أمام المسلمين، وكل هذا فيه قمع للدين الباطل، وإظهار للدين الحق.

    الثاني: ألا يمنعوا أحداً من المسلمين من النزول في هذه الكنائس، وعليهم طعامهم وإيواؤهم، إذاً: إذا مر عليهم مسلم وجب عليهم ضيافته ثلاثة أيام، ويدخل المسلمون الكنيسة ويجلسون في ساحتها، ولهم أن يصلوا فيها، فهذا فيه جواز الصلاة في الكنائس، قال: ولا يئووا جاسوساً؛ لأنهم إذا آووا جاسوساً فقد انتقض عقد الصلح بيننا وبينهم.

    قال: ولا يؤذوا مسلماً؛ لأن أذى مسلم واحد تنتقض به الذمة، قال: ولا يكتموا غشاً، يعني: لا يضمروا غشاً للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يضمروا شركاً، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام، ولا يردونهم إلى النصرانية.

    قال: وأن يوقروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم، وإذا أراد المسلم الجلوس قام النصراني من مكانه وجلس المسلم، احتراماً لدينه، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

    قال: ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم، والآن المسلم هو الذي يتشبه بالكافر، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    قال: ولا يتسموا بكنى المسلمين، ولا يركبوا فرساً، ولا يتقلدوا سيفاً، حتى لا يظهروا قوتهم، ولا يظهروا كبراً، ولا مكانة أمام المسلمين، ولا يبيعوا لحم الخنازير، وأن يشدوا الزنار على أوساطهم، ولا يظهروا شيئاً من كتبهم بين المسلمين، إلى آخر هذه الشروط التي اشترطها عمر بن الخطاب ، وقد ضرب هذه الشروط، فإن اختل شرط واحد منها فقد انتقضت الذمة، وأصبحوا من المحاربين، ولا بد أن يبلغوا مأمنهم، ثم يشهر في وجوههم السيف.

    تعامله مع أهل الأمان

    أما القسم الثالث: وهم أهل الأمان: فإن عمر تعامل معهم بأن أدخلهم على بلاد المسلمين تجاراً، ومنعهم من مكة والمدينة والحجاز، وأجلى يهود خيبر -كما بينا في فقه عمر - وفرض عليهم ضرائب، ونستفيد من هذا أنه يجوز أخذ المال من الكافر إذا كنت كفيلاً له في بلاد المسلمين، كما ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الضرائب على أهل الكفر عندما مروا على ديار الإسلام يتاجرون ويستفيدون من أموال المسلمين، فللمسلم أن يستفيد منه بوجوده بعهد الأمان في البلاد الإسلامية.

    1.   

    وفاته رضي الله عنه وأرضاه

    أختم حديثي هذا بالحديث عن وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فإنه قد تمنى الشهادة، ودعا الله كثيراً بهذا، وفي يوم استلقى على ظهره في البطحاء فقال: رب! قد كبر سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، اللهم اقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط.

    هذه أمنية لأمير المؤمنين الذي ملأ الأرض صدقاً وعدلاً، وملكه الله مشارق الأرض ومغاربها، وقد تحققت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال عندما اهتز أحد: (اثبت أحد، فإن عليك نبياً، وصديقاً، وشهيدين)، ويقصد بالشهيدين عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين، وقد قتل شهيداً، قتله أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر مسموم؛ لأنه اشتكى من المغيرة فقال له: اتق الله في مولاك، فغضب هذا المجوسي وأخذ خنجراً مسموماً، وقتل عمر في صلاة الفجر بعد أن كبر تكبيرة الإحرام، فقال عمر: قتلني الكلب، ثم استخلف عبد الرحمن بن عوف فصلى بالناس، فأخذه ابن عمر على فخذه فقال: دع وجهي، أو ضع خدي على التراب، لعل الله جل وعلا أن يرحمني، فلم يفعل، فقال: ويح أمك ضع خدي على التراب لعل الله جل وعلا أن يرحمني، ثم إنه عند موته لم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد دخل عليه رجل، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: يا بني ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك.

    وقال له ابن عباس: أبشر يا أمير المؤمنين، والله لقد كنت عدلاً وأميناً، ثم عدد فضائله، فقال: أتشهد لي بذلك عند ربك يوم القيامة؟ قال: والله أشهد بذلك، فقال عمر: ليتني خرجت منها لا لي ولا علي.

    ثم قال لـابن عمر : أحب ما يكون إلي أن تستأذن لي عائشة رضي الله عنها وأرضاها، تقول لها: عمر بن الخطاب ، ولا تقل: أمير المؤمنين، فلست الآن بأمير المؤمنين، فقال: قل لها: عمر يستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فذهب ابن عمر إلى عائشة فسمعها تبكي على عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فقالت عائشة : كنت أريد هذا لنفسي، فآثرت عمر بن الخطاب على نفسها، ووافقت، ودفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مع صاحبيه.

    قال علي بن أبي طالب بعد أن مات عمر بن الخطاب : ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، يعني: بمثل عمل عمر بن الخطاب، فايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، فإني كنت كثيراً ما أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر)، دعوت الله أن يحشرك مع صاحبيك، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فرحم الله الفاروق .

    وقبل أن يموت لم يستخلف أحداً من بعده؛ لأنه أراد ألا يكون العبء عليه، وقال: إن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني -أبو بكر- وإن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الأمر شورى بين الستة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم: عبد الرحمن بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله - طلحة الخير- والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعلي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وترك سعيد بن زيد مع أنه من العشرة المبشرين بالجنة؛ لأنه من ذوي القرابة، وأيضاً عبد الله بن عمر بن الخطاب لا يقل فضلاً عن هؤلاء الستة، لكنه لم يكتبه معهم؛ لأنه خشي عليه من تبعات هذه المسئولية، لكنه قال: يشهد المشورة عبد الله بن عمر ، وإذا اختلفتم إلى ثلاثة وثلاثة، فـعبد الله بن عمر يفصل بين الثلاثة، حتى وصلوا إلى الاتفاق على خلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه.

    1.   

    الأسئلة

    السؤال: كم قتل أبو لؤلؤة بعدما طعن عمر ؟ وماذا حدث له بعد ذلك؟

    الجواب: لقد كان الخنجر الذي مع أبي لؤلؤة له رأسان، فبعدما قتل عمر بن الخطاب قام في الصفوف هائجاً وطعن به ثلاثة عشر شخصاً، فمات منهم سبعة، ثم قام بعض الصحابة الذين من ذوي المهارة فألقوا عليه ثوباً، فلما علم الخبيث أنهم سيمسكون به نحر نفسه بالسم فمات متردياً عليه من الله ما يستحق.

    عدد من قتلهم أبو لؤلؤة المجوسي من المسلمين عندما قتل عمر

    السؤال: كم قتل أبو لؤلؤة بعدما طعن عمر ؟ وماذا حدث له بعد ذلك؟

    الجواب: لقد كان الخنجر الذي مع أبي لؤلؤة له رأسان، فبعدما قتل عمر بن الخطاب قام في الصفوف هائجاً وطعن به ثلاثة عشر شخصاً، فمات منهم سبعة، ثم قام بعض الصحابة من ذوي المهارة فألقوا عليه ثوباً، فلما علم الخبيث أنهم سيمسكون به نحر نفسه عليه من الله ما يستحق.

    سبب قتل أبي لؤلؤة لعمر رضي الله عنه

    السؤال: ما أصل أبي لؤلؤة ؟ وما سبب المشكلة التي أدت إلى قتل عمر ؟

    الجواب: أبو لؤلؤة مجوسي الأصل، كان عبداً من موالي المغيرة بن شعبة ، وكان سبب المشكلة أن المغيرة بن شعبة كان يطلب منه أن يعمل مقابل أربعة دراهم في اليوم، والباقي له؛ لأن العبد لا يملك فالمال مال لسيد.

    فاستثقل الأربعة الدراهم، فاشتكى إلى عمر ، فقال له: اتق الله في مولاك، فغضب، وسارع في قتل عمر ؛ لأن هذا كان قدراً مقدوراً.

    حكم شرب الخمر وأكل لحم الخنزير بالنسبة لأهل الذمة في بلاد المسلمين

    السؤال: ما حكم شرب الخمر وأكل لحم الخنزير بالنسبة لأهل الذمة في بلاد المسلمين؟ وماذا يفعل من رآهم يفعلون ذلك؟ وهل يجوز للمسلم أن يبيع الخمر والخنزير لهم؟

    الجواب: بالنسبة لشرب الخمر وأكل لحم الخنزير من قبل أهل الذمة؛ فإن كانوا يفعلون ذلك خفيةً في بلاد المسلمين دون أن يعلم المسلمون بذلك، فلا شيء عليهم في ذلك، وكذلك لا شيء عليهم في بيعها فيما بينهم دون إظهار ذلك بين المسلمين.

    أما إذا أظهروا ذلك بين المسلمين فهذا يعتبر نقضاً للعهد بيننا وبينهم.

    وبالنسبة إذا وجد المسلم أحدهم يشرب الخمر أو يأكل لحم الخنزير خفيةً، فيجب على المسلم أن يدعوه، ويبين له حرمة ذلك، وهذا من باب الإنقاذ للناس.

    وأما أن يبيع المسلم لهم الخنزير أو الخمر، فهذا لا يجوز في حال من الأحوال، والمال هذا مال محرم، ولذلك عمر بن الخطاب لما بعث إليه أبو موسى الأشعري : إن النصارى ما استطاعوا أن يدفعوا الجزية، لكن عندهم خمر، أفنأخذها منهم، ونأخذ المال؟ فقال عمر: لا، بل هم يتولون بيعها؛ لأنهم يستحلون ذلك، وأنتم تأخذون الثمن.

    لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس فقط

    السؤال: هل تؤخذ الجزية من أهل الكتاب فقط أم من جميع الكفار؟

    الجواب: هذه مسألة خلافية عريضة بين الفقهاء، والصحيح الراجح في ذلك: أن أهل الكتاب فقط هم الذين تؤخذ منهم الجزية، ودليل ذلك قول الله تعالى في سورة المائدة: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، فقيد أخذ الجزية بالذين أوتوا الكتاب، ومفهوم المخالفة: الذين ليسوا من أهل الكتاب لا تؤخذ منهم الجزية، ويستثنى من ذلك المجوس، ومنهم أهل فارس، فقد كانوا مجوساً، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم -كما في السنن- عن المجوس فقال: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب)، يعني: خذوا منهم الجزية كما تأخذونها من أهل الكتاب، أما الإمام مالك فيرى أن الجزية تؤخذ من جميع الكفار، وهو ما رجحه كثير من أهل العلم.

    كيفية التعامل مع أهل الأمان من الكفار

    السؤال: كيف نتعامل مع أهل الأمان من الكفار؟

    الجواب: يكون التعامل معهم بألا نعتدي عليهم، ولا نظلمهم، ثم بعد ذلك نتعامل معهم كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ألا نبدأهم بالسلام، وإن كانوا في الطريق فيضطرهم إلى أضيقها، وأيضاً إن استطعت ألا يكون مديرك أو المسئول عنك كافراً تفعل؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، يعني: إن وجدت نفسك مثلاً في شركة كلها هندوس من الصغير إلى المدير، فأولى لك أن تذهب إلى شركة فيها مسلمون، ويكون مديرك مسلماً، فإنه سيراقب الله فيك، أما الكافر فإنه سيتربص بك الدوائر، يقول الله جل وعلا: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:10]، فهو إن استطاع أن يقطع دابرك سيقطعه، فالكافر يضمر لك في قلبه حقداً دفيناً. لكن لو عملت في شركة وهذه الشركة مديرك فيها كافر، أو صاحب لك زميلك في العمل كافر، فيجب عليك ألا تظلمه، وتؤدي له حقه، ثم تعامله بما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم بألا تبدأه بالسلام في حال من الأحوال، ولا تهنئه في عيد من أعياده الكفرية.

    حكم تمكين المستأمنين من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير

    السؤال: هل يجوز لأهل الأمان أن يشربوا الخمر ويأكلوا لحم الخنزير في بلاد المسلمين؟

    الجواب: يجوز لهم ذلك، كما ورد في كلام عمر بن الخطاب أنه أباح لهم شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، لكن يكون ذلك في بيوتهم، ولا يظهرون ذلك أو يعلنونه أمام المسلمين؛ لأن في إظهار ذلك أذية للمسلمين، ودعوة إلى ما حرم الله تعالى.

    هل كان أبو لؤلؤة المجوسي مسلماً أم كافراً

    السؤال: هل كان أبو لؤلؤة المجوسي مسلماً أم كافراً؟

    الجواب: ورد في بعض الروايات عن عمر أنه قال: الحمد لله الذي لم يجعل أجلي على يد أحد من أهل القبلة، وهذه الرواية تبين أن أبا لؤلؤة ليس من أهل الإسلام، لكن أنا أرجح أنه كان منافقاً؛ لأن أبا لؤلؤة المجوسي قتل عمر في المسجد بعدما أخذ عمر يسوي الصفوف، أي: أنه وقف خلف عمر، وعمر يراه وهو يسوي الصفوف، فهذا دليل على أنه من أهل النفاق.

    ثم نقول: إن كان كافراً -ولم يعلم بكفره أحد- فعليه ما يستحق على كفره، وإن كان قد أسلم ونافق فأيضاً عليه ما يستحق على نفاقه، لكن إن كان كافراً وظهر كفره، فهذا يبدأ الإشكال؛ لأنه كان في المدينة وفي المسجد النبوي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، وقد أخرجهم، فهل يجوز للمسلم أن يتخذ مولى نصرانياً فيدخل به المدينة ومكة؟ هذا فيه نظر، وتحتاج المسألة إلى تأمل ومراجعة.

    كل من المسلمين واليهود والنصارى ينتظرون المسيح ولكن لكل منهم اعتقاده

    السؤال: هل يجوز إطلاق كلمة (مسيحي) على النصراني؟

    الجواب: من الخطأ إطلاق هذا اللفظ على النصراني؛ لأن المسيحي معناه: أنه تابع للمسيح عليه السلام، وهم ليسوا كذلك في الحقيقة، لكن لو قصد بها مآلهم أنهم أتباع المسيح الدجال، فهذا قد يكون له وجه؛ لأنهم حقاً أتباع المسيح الدجال، واليهود كذلك.

    ومن العجب أن الأمم الثلاث كلها تنتظر المسيح: المسلمون واليهود والنصارى، وكل من اليهود والنصارى يؤمنون بمعركة هرمجدون التي تحدث في آخر الزمان، وينتصرون فيها على المسلمين حسب زعمهم، كما يؤمنون بأن هذه المعركة لا تكون إلا قبيل نزول المسيح، والمسيح لن ينزل إلا بعد بناء الهيكل، وهذه من عقائدهم التي حرفوها في التوراة والإنجيل، فلذلك هم يمهدون لإسرائيل بناء الهيكل حتى ينزل عيسى الذي ينتظرونه، وهو عند النصارى عيسى المخلص، عيسى الرب، وبه سوف ينتصرون على من سواهم، والحقيقة أنه سوف ينزل يقتلهم، ولا يقبل منهم أي شيء غير الإسلام.

    واليهود ينتظرون عيسى كذلك، عيسى الذي بشر به موسى، لكنهم لا يعتقدون أن عيسى بن مريم هو الذي بشر به موسى، فهم لا يزالون ينتظرون عيسى الذي بشر به موسى حتى يخرج المسيح الدجال، فإذا خرج أصبحوا من أتباعه؛ لأن الشيطان سوف يلبس عليهم بأن هذا هو المسيح الذي بشر به موسى عليه السلام.

    فانظروا كيف أضل الله النصارى عن المسيح، وأضل اليهود عن المسيح، وهدى الله هذه الأمة من كمال رحمته، وكمال منته عليها، هداها إلى مسيح الهدى، فإننا ننتظر مسيح الهدى -عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم- فإنه سوف ينزل على جناح ملك، ثم تلتق حوله الطائفة المؤمنة، ويقوم بملاحقة المسيح الدجال، ثم يقتله بالرمح، ويخلص البشرية منه، ثم يوحى إليه أن الله جل وعلا أخرج قوماً لا قبل لكم بهم، فيذهب إلى جبل الطور فيخرج يأجوج ومأجوج. فالمقصود أن الأمة الإسلامية تنتظر مسيح الهدى، والأمة النصرانية التي أضلها الله عن مسيح الهدى ينتظرون الرب المخلص -كما يزعمون-، واليهود ينتظرون المسيح الدجال الأعور، فأتباع الأعور هم اليهود ومعهم النساء.

    الفواحش محرمة في جميع الأديان

    السؤال: هل الخمر والزنا حلال عند اليهود؟

    الجواب: لا يوجد نص مكتوب عندهم بأن الزنا حلال، حتى في التوراة المحرفة لا يوجد ذلك، فالزنا عندهم حرام، وكذلك الخمر، حسب علمي والله اعلم، ولكن أهواءهم هي التي قادتهم إلى تحليل ذلك.

    الربا عند اليهود حرام بينهم حلال مع الناس -حسب زعمهم-

    السؤال: هل الربا محرم عند اليهود؟

    الجواب: اليهود عندهم الربا محرم، لكنهم جعلوه محرماً فيما بينهم، وحلالاً على الناس، يعني: أنهم يتعاملون مع الناس بالربا لكي يحصلوا على المال منهم، لكنه فيما بينهم يعتبر حراماً لا يجوز!

    نقض العهد من قبل الذمي أو صاحب الأمان

    السؤال: إذا قام الذمي أو صاحب الأمان بنقض العهد، فما العمل معه؟

    الجواب: إذا نقض العهد بأن خالف شرطاً من الشروط، كأن اعتدى على مسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم)، فنقول له: أنت قطعت أمانك وعهدك، ويقوم ولي الأمر بإبلاغه مأمنه، وهو المكان الذي يأمن فيه على ملكه، ثم بعد ذلك إذا أعلن علينا الحرب أعلنا الحرب عليه، وبهذا نكون غير ظالمين له.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756012373