إسلام ويب

صور من حياة الصحابةللشيخ : عوض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الناظر في تاريخ هذه الأمة يجد فيها كثيراً من الصور المضيئة، والتي نحن بأمس الحاجة إليها في عصرنا هذا؛ لكي تكون لنا قدوة نقتدي بها، وأعظم قدوة للمسلمين هو محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه الذين رباهم بيديه وعلمهم الكتاب والحكمة. وفي هذه المادة تعيش لحظات سعيدة مع أولئك الأكارم الأمجاد، فلعلك أن تجد بغيتك عندهم.

    1.   

    أمة الإسلام

    اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تقدست أسماؤك، وتعالت صفاتك، ولا إله إلا أنت سبحانك، سبحانك اللهم وبحمدك عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، نشهد أن لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك، وصفيك من خلقك وخليلك، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أيها الإخوة المؤمنون: نحن أمةٌ قد أشاد الله بذكرها في كتابه الكريم، وتفضل عليها حين جعل قائدها حبيبه من العالمين، وزاد في الفضل والنعمة حين أنزل لها وحيه نهجاً لها في هذه الحياة، ومنهاجاً وطريقاً وشرعاً، أمةٌ جعلها الله سبحانه وتعالى، شاهدةً على الأمم، وقائدةً ورائدةً للأمم.

    أمةٌ هذا شأنها لا شك أن تاريخها سيكون مليئاً بالصور المضيئة في هذه الحياة، ونحن في أشد الحاجة في هذا الزمن إلى أن ننقب في تاريخ أمتنا، ونخرج لأجيالنا ما فيه من صور مضيئة، ونقول لدعاة التغريب ودعاة التجهيل والجاهلية لأجيال الأمة وشبابها، نقول: إن في أمتنا لأجيالنا وشبابنا ورجالنا أسوة وقدوة، وضياءٌ وضوء، ونورٌ وهدىً وتقى، وإن في أمتنا عظمةٌ ومجدٌ ونبلٌ، ونحن في أشد الحاجة إلى أن نحييها مرةً أخرى.

    إننا في زمنٍ -أيها الإخوة- ضللت فيه أمة الإسلام، وأصبح أسوة وقدوة شبابها كل دعي ضائع، وكل جاهلي ٍلا يعرف إلى الحق طريقاً، ولا يعرف الحق إلى قلبه طريقاً.

    كلما ترك لي الخيارُ كان من أكثر اختياراتي الحديث عن سير الغر الميامين؛ أسلافنا الذين رباهم محمد صلى الله عليه وسلم، والذين تربوا على يديه، والذين شعوا من أنواره، والذين نهلوا من منهله العذب، والذين أضاءوا جنبات الحياة، وجنبات تاريخ البشرية، والذين سعدت في ظل حضارتهم ومدنيتهم البشرية، والذين ما عرفت الأرض الحق إلا تحت ظل راياتهم.

    أيها الإخوة المؤمنون: والصور المضيئة في تاريخنا، يتحدث الإنسان عنها مرات ومرات ولا ينقضي الحديث، ويتحدث عنها كراتٍ وكرات ولا يستوعبها حديثه، موقفٌ واحد من مواقف شخصيةٍ من شخصيات جيلٍ من أجيالنا تستدعي منا أن نتحدث فيها طويلاً، فكيف ونحن نريد أن نقول لرجال وشباب وأجيال الإسلام: هذه مواقف متعددة وصورٌ مضيئة.

    ولنبدأ -أيها الإخوة المؤمنون- نتنقل من صورةٍ إلى صورة، ومن حديثٍ إلى حديث، ومن شخصيةٍ إلى شخصية، ومن جيلٍ إلى جيل، حتى نرى من أي أمةٍ من الأمم نحن، وأي تاريخٍ تاريخنا الذي نتحدث عنه.

    1.   

    النبي صلى الله عليه وسلم وبداية الوحي والدعوة

    أيها الإخوة المؤمنون: لقد كان أستاذ هذه الأمة وقائدها ورائدها، وعظيمها محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي كان يلقب في مجتمعه بالأمين صلى الله عليه وسلم، وكان إذا اختصم قومه في أمر أو حزبهم أمر عادوا عن رأيه ومشورته، كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، ثم نزل عليه الوحي في وقتٍ ما كان يفكر فيه ولا يتوقعه، كانت غاية أمنيته أن ينعزل عن الحياة، وعمّا فيها من ظلم وظلمات، وأن يبتعد عن ظلمها وظلماتها.

    وإذا بوحي رب العالمين ينـزل عليه صلى الله عليه وسلم، وينتشله من عزلته، ويخرجه من غاره: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:1-4] .

    قم حتى تسمع صوتك إلى أقصى مدىً في الأرض، وإلى أقصى فردٍ من أفراد البشر، لقد مضت حياة الدعة والراحة، لقد مضت حياة السكون والسكينة، لقد مضت الحياة التي كنت فيها تعتزل الناس وتبتعد عن الناس، وحين يأتي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل ، وكان ممن علموا علم الكتاب الأول، ويقص عليه خبره، فيقول: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى، ليتني فيها جذعٌ حين يخرجك قومك، فيتعجب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يشار إليه بالبنان في مجتمعه، وهو الذي يسمى بالأمين في مجتمعه، وهو الذي يحكم في كل معضلةٍ في مجتمعه .. ما الذي سيجعله يخرج من مجتمعه صلى الله عليه وسلم؟! فيقول متعجباً: (أومخرجي هم؟! فيقول ورقة : نعم. ما جاء رجلٌ بمثل ما أتيت به إلا عودي وأخرج).

    وتأتي الأيام بعد ذلك وتثبت ما قال ورقة حينما يودع محمدٌ صلى الله عليه وسلم الجاهلية بأعرافها وتقاليدها وعاداتها، ويقوم لا تأخذه في الحق لومة لائم، ويدعو إلى ربه سبحانه وتعالى، وتبدأ قريشٌ تساوم محمداً صلى الله عليه وسلم، وتبدأ المساومة والخطط والأحابيل على مراحل شتى، يبدءون أولاً فيعرضون عليه الدنيا؛ أو في البداية يتجاهلون دعوته ولا يلتفتون إليه، وحين يرون الحق يلج إلى القلوب بدون استئذان، ويكتسب كل يومٍ رجلاً جديداً، ويكتسب كل يومٍ طائفةً جديدة، يتجهون إليه وجهةً أخرى، فيساومونه ويقولون: (إن كنت دعوت إلى ما دعوت إليه رغبةً في المال جمعنا لك حتى تكون أغنى رجلٍ فينا، وإن كان مقصدك الملك ملكناك علينا، وإن كانت إربتك في النساء زوجناك أجمل نسائنا وبناتنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلمة واحدة تقولونها فتدين لكم بها العرب وتملكون بها العجم، فيقول قائلهم: ألف كلمة وأبيك!) كلمةٌ واحدة تدين لنا بها العرب ونملك بها العجم!! نقول ألف كلمة! فيقول صلى الله عليه وسلم: (تقولوا: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، فقالوا: أجعلت الآلهة إلهاً واحداً؟!) لقد حطم آلهة الهوى والشهوات، وآلهة الأعراف والعادات والتقاليد، وآلهة الحجر والشجر والكهانة والسحرة والجن .. وجعل الألوهية لله وحده سبحانه وتعالى! وأنَّى لسدنة هذه الآلهة المتعددة الكثيرة أن تستجيب لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وتهدر مصالحها، وتبيعها من أجل هذه الكلمة التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    إيذاء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

    وتشتد المساومة، ويضغطون عليه بعمه أبي طالب وكان ما زال على دين قومه ويقول: (يا ابن أخي! إن قومك قد نابذوا للعداوة، فأبقِ على نفسك وعلي، فيقول: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أقتل دون ذلك) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    حصار الشعب وعذاب آل ياسر

    وحين رأى المجرمون درساً في الثبات، وأن قائد القافلة قد مضى لا يلوي على شيء، يبذل الغالي والنفيس في سبيل إرضاء رب العالمين، اتجهوا وجهةً أخرى، فبدءوا بالعذاب، وبدءوا بالإيذاء الجسدي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه، بدءوا حرباً إعلامية واقتصادية وإيذاءً بدنياً جسدياً.

    فحصروا المسلمين في شعب أبي طالب، ومنعوهم الطعام والشراب، ومنعوا أن يتزوج منهم أحد أو يزوجهم أحد، ومنعوا أن يبتاع منهم أحد أو يبيعهم أحد -حصارٌ اقتصادي- حتى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه يقول: خرجت في ليلة من الليالي أقضي حاجتي .. وحين وقع منه الماء، قال: وإذا بي أسمع -أحس- صوت الماء على شيء، قال: فبحثتُ فإذا أنا بجلد بعير، قال: فأخذته فأحرقته ثم فركته، ثم أكلته أنا وبعض المسلمين.

    وأكلوا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقهم وهم ثابتون على الحق، لا يعودون ولا يتراجعون، ونزل العذاب بأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بادئ ذي بدء بالموالي والمستضعفين، وكان بلال رضي الله عنه وأرضاه إذا اشتد عليه العذاب وقالوا: اكفر بإله محمد قال: أحدٌ أحد، فيقولون: ألا تحسن غير هذه الكلمة؟ فيقول: والله لو كنتُ أعلم أن كلمة غيرها تغيظكم أكثر مما تغيظكم هذه الكلمة لقلتها، ثم يردد أحدٌ أحد.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يمر بـعمار ويمر بـياسر ويمر بـسمية ، وهم يعذبون في بطحاء مكة ، حتى سقط ياسر وسمية مضرجين بدمائهم شهداء في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا أن يقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).

    بل وصل الإيذاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر أهل السير أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، كان يوماً في داره، وإذا ببعض المسلمين يقولون: يا أبا بكر لقد نال المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم وهم يكادون أن يقتلوه، فينطلق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ويصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بالقوم قد أخذوا بتلابيب ثوبه، وهم يجرجرونه، فيحول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، ويدفع هؤلاء مرة، ويدفع هؤلاء مرة، ويصيح بأعلى صوته، أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! وما يزال بالمشركين، حتى تركوا النبي صلى الله عليه وسلم ويلتفت المشركون إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فيضربونه على وجهه وعلى أنفه حتى يسقط مغشياً عليه رضي الله عنه وأرضاه.

    وحين يُحمل إلى داره رضي الله عنه وأرضاه .. ويفيق من غشيته تكون أول كلمةٍ ترد على لسانه: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فتقول أمه: ألا يكفيك ما أنت فيه، فيقول: [والله لا يقر لي قرار حتى أعلم ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: لا نعلم أين هو! فيقول: ابعثوا إلى فاطمة بنت الخطاب ، فيؤتى بـفاطمة بنت الخطاب ، فيسألها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: طيبٌ صالح، فيقول: أين هو الآن؟ فتخبره فيخرج يهادى بين اثنين، حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول حين يراه: فداك أمي وأبي يا رسول الله! كل مصيبةٍ دونك تهون] أو كما يقول رضي الله عنه وأرضاه.

    دعوة قبائل العرب في مكة والخروج إلى الطائف

    ويبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل، قبيلةً قبيلة..

    يقول: (من يمنعني حتى أبلغ دعوة ربي؟ فإن قريشاً منعتني من أن أبلغ دعوة ربي) من يحميني حتى أبلغ دعوة ربي؟ فإن قريشاً قد منعتني أن أبلغ دعوة ربي، ويعرض نفسه على القبائل قبيلةً قبيلة، ومرةً بعد مرة، حتى يأتي إلى أهل الطائف ويعرض عليهم دعوة الله التي جاء بها من عند الله سبحانه وتعالى، فيؤذونه أشد الإيذاء.

    حتى إن عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل نالك من الأذى مثل ما نالك في يوم أحد؟) وأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد كسرت رباعيته، وشج وجهه، وسقط في حفرة، حتى كان صلى الله عليه وسلم، لا يستطيع أن يصلي بعد ذلك زمناً إلا وهو جالسٌ صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم. لقد نالني أشد من يوم أحد، وذلك حين ردني أهل الطائف ، حين جاء إليهم فدعا سادتهم إلى دعوة الحق، فأبوا أن يكلموه، قال: ما شأنكم لا تردون عليّ؟ قالوا: إن كنتَ نبياً -يستهزئون به- فأنت أعظم من أن نكلمك، وإن كنتَ كاذباً فأنت أقل من أن نكلمك، قال: أما وقد أبيتم أن تقبلوا دعوتي فاستروا عليَّ، فقاموا فأغروا به سفهاءهم، وأطفالهم ومواليهم، فصفوهم له على الطريق صفين، يرجمونه بالحجارة صلى الله عليه وسلم، حتى أدموا قدميه الشريفتين، وانتعل الدم صلى الله عليه وسلم -وكان معه زيد بن حارثة- وكان صلى الله عليه وسلم إذا أضرجوه بالحجارة جلس حتى يحتمي، فينزل اثنان منهم، فيأخذان بعضديه صلى الله عليه وسلم ويقيمانه ثم يعودون لرجمه مرةً أخرى صلى الله عليه وسلم، ثم كان أن الله سبحانه وتعالى جعل لدعوته قبولاً عند أهل المدينة (يثرب) لما قدر الله لهم من الخير في سابق علمه سبحانه وتعالى.

    كانت هناك حرب شعواء ضروس بين الأوس والخزرج من أهل المدينة ، فأتى بعض الأوس لكي يحالف قريشاً على الخزرج، فلما وصلوا إلى مكة لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مكة وافد إلا عرض دعوته عليه صلى الله عليه وسلم، على الرغم مما فعلت قريش لمنع وصول الدعوة إلى الناس.

    فقد جعلوا على كل طريقٍ من طرق مكة رجالاً يتناوبون في الليل والنهار، فلا يدخل إلى مكة داخل إلا وقد حذروه من النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: إن بين أظهرنا رجلاً قد فرق جماعتنا وسفه أحلامنا، وعاب آلهتنا، ونال من آبائنا وأجدادنا، فإياك أن تستمع إلى مقاله فيسحرك، فتعود إلى قومك بشر ما يعود به وافد إلى قومه.

    هذه هي الحرب الإعلامية التي سلطوها على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكتفوا بأن يجعلوا على طرق مكة رجالاً يتناوبون، وكانوا يؤثرون في الناس حتى إن الطفيل بن عمرو رضي الله عنه وأرضاه، يحدث عن نفسه فيقول: لقد لقيني هؤلاء الرجال على إحدى طرق مكة فما زالوا بي، حتى وضعت القطن في أذني خشيةً أن أسمع النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهكذا الشياطين في كل زمانٍ ومكان، ينالون من دعوة الحق، يشوهون صورتها، ويلمزون حملتها، ويستهزئون بهم، ويسخرون بهم، ويشوهون صورتهم في المجتمعات، حتى ينفروا الناس عنهم، إذ أن للشيطان جنوداً يبثهم في الأرض من الإنس والجن، فينفرون الناس عن الحق، ويمنعون وصول دعوة الحق إلى الناس.

    وبالإضافة إلى هؤلاء الناس الذين يتناوبون على الطرق جعلوا معه عمه أبا لهب ، فإذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم وحدثهم، واستطاع أن ينفذ من هذه الخطوط الإعلامية الرهيبة، يكون معه عمه، بعد أن يقضي النبي صلى الله عليه وسلم حديثه، يقوم أبو لهب فيقول: يا معشر العرب! إن هذا ابن أخي وأنا عمه وأعلم الناس به، ولو كان فيما يقول خيرٌ وحق لكنت أولى الناس به، فإياكم إياكم!

    فهي حرب اقتصادية .. حرب بدنية .. حرب إعلامية .. على شتى وعلى جميع الأصعدة تنال من محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذاك ليعظم أجرهم عند الله سبحانه وتعالى، وليصلب عودهم، ولتشتد شكيمتهم، وليعلموا أن السلعة التي من أجلها يناضلون ويجاهدون سلعة غالية لا تأتي بالثمن الرخيص: (ألا إن سلعة الله غالية.. ألا إن سلعة الله غالية.. ألا إن سلعة الله الجنة) كما قال صلى الله عليه وسلم.

    وقد قال الله سبحانه وتعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] فهكذا العقد بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده المؤمنين في كل زمانٍ ومكان.

    1.   

    دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للأوس وإرساله لمصعب بن عمير

    وحين دعا صلى الله عليه وسلم الأوس مالت قلوبهم إلى الإسلام، بل أسلم بعضهم، وعادوا إلى قومهم فحدثوهم عن الإسلام، فجاء إلى مكة في الحج من العام القابل اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر رجلاً وقد أسلموا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم.

    فبعث معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه -و مصعب بن عمير هذا له حديثٌ عجيب وشأن غريب، سنذكره بعد قليل- بعثه معهم معلماً وداعياً إلى الله سبحانه وتعالى، وكان كما يقال: أول سفيرٍ في الإسلام، فهاجر إلى المدينة ، فانتشر الإسلام فيها على يديه، حتى لم يمض عام إلا وفي كل بيت أناسٌ قد أسلموا، وأصبح الإسلام هو قضية أهل المدينة الرئيسية، وأسلم بعض سادة أهل المدينة ، وفي حج العام القابل جاء مصعب بن عمير ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان قد دخلوا في دين الله سبحانه وتعالى.

    ومصعب بن عمير هذا كان أنعم فتىً في مكة، حتى أنه كان إذا مر من الطريق عرف الناس الذين يمرون بعده أن مصعب بن عمير قد مر من هذا الطريق بسبب رائحة الطيب التي يتركها في طريقه تلك.

    فلما عرف محمداً صلى الله عليه وسلم، وعرف دعوة الحق، اعتنق هذا الدين، فقامت أمه فمنعت عنه النفقة، ومنعت عنه الطعام والشراب، واشتدت عليه بالإيذاء، ثم أخيراً خرجت إلى الشمس وقالت: والله لا أستظل أبداً حتى تعود عن دينك الذي كنتَ فيه، أو أموت في الشمس، فيسبك العرب بي ما حييت أو ما بقيت.

    فقال: [يا أماه! والله لو كانت لك مائة نفس تخرج واحدةً بعد الأخرى ما عدت عن دين الله سبحانه وتعالى، فكلي إن شئت، واستظلي، واشربي، أو دعي ذلك].

    ثم هاجر رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة ، وكان من أوائل من هاجر، بل كان أول من هاجر على الحقيقة، وكان يحمل لواء النبي صلى الله عليه وسلم، في يوم بدر، فلما أتى في يوم أحد ، كان يحمل أيضاً لواء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا لبس لامته وسلاحه أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وحين رآه المشركون وهو لابسٌ لامته، ظنوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدوا عليه في الهجوم فقطعت يده اليمنى فحمل الراية باليسرى، فقطعت اليسرى، فاحتضن الراية بعضديه رضي الله عنه وأرضاه، حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه.

    فأتوا به ليدفنوه، فلم يجدوا له إلا رداءً، إن غطي به رأسه انكشفت رجلاه، وإن غطيت به رجلاه انكشف رأسه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال: (لقد رأيته وهو أنعم فتىً في مكة، ثم أمرهم أن يغطوا رأسه ويكشفوا رجليه).

    وكان عبد الرحمن بن عوف بعد ذلك في زمن عثمان كان صائماً رضي الله عنه وأرضاه، فقرب إليه إفطاره وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، فبكى ثم قال: [لقد كان مصعب بن عمير خيرٌ مني، وكان حاله عندما مات كذا وكذا، وإني لأخشى أن تكون قد عجلت لنا في الدنيا طيباتنا] .

    بيعة العقبة

    حين وصل الثلاثة والسبعون امرأ في ليلة بيعة العقبة -التي هي مرحلة فاصلة في تاريخ هذه الأمة- واعدهم في منى عند جمرة العقبة ، في الثلث الأخير من الليل، في الليلة الأولى من ليالي منى ، وأخذ معه عمه العباس ، وجعل على أحد فمي الشعب أبا بكر وعلى فم الشعب الآخر علياً رضي الله عنهما.

    واجتمع إليه الأنصار، وتحدث معهم صلى الله عليه وسلم وقالوا له: (يا رسول الله! خذ لك ولربك، فقال صلى الله عليه وسلم: أريدُ منكم أن تحموني مما تحموا منه أنفسكم ونساءكم وأولادكم، فقالوا: لك ذلك يا رسول الله) ثم قام خطيبهم فقال: (يا رسول الله! إن بيننا وبين الناس حبالٌ وإنا قاطعوها، فلعلك إن أظهرك الله عدت إلى قومك وبني عمومتك، فقال صلى الله عليه وسلم: بل الدم الدم، والهدم الهدم، المحيا محياكم، والممات مماتكم، فقام خطيبهم الآخر وقال: يا رسول الله! إن نحن وفينا لك ببيعتنا فقتل رجالنا، ويتم أطفالنا، ورملت نساؤنا، وذهبت أموالنا، ورمتنا العرب عن قوسٍ واحدة، فما لنا يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: إن وفيتم فلكم الجنة).

    وانظروا -أيها الإخوة المؤمنون- إلى هذا الفهم العجيب لهذه الفئة المؤمنة، وهم على أعتاب الدخول في دين الله، وفي أول يوم يلجون فيه إلى دين الله، علموا أن العقد مع الله سبحانه وتعالى يقتضي ذهاب النفوس، ويتم الأطفال، وترمل النساء، وذهاب الأموال، وحرب الأصفر والأبيض.

    علموا ماذا تعني كلمة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، ولذلك أيضاً أراد صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم أن الثمن غال كبير، كان يمكن أن يقول صلى الله عليه وسلم: أعدكم يا معشر الأوس! بأن تملكوا فارس، وأعدكم يا معشر الخزرج! بأن تملكوا الروم.

    أو أعدكم يا أولئك بأن تملكوا كذا من الجزيرة ، وأولئك كذا من الجزيرة؛ لكنه علم أن كل هذه لا تساوي شيئاً في مقابل ما يقدمه المؤمن، وأن الثمن الحقيقي لما يقدمه المؤمن هي جنةٌ عرضها السماوات والأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن وفيتم فلكم الجنة) هذا هو المطلب والمقصد، وهذه هي الغاية التي من أجلها وإليها يسعى المؤمنون، وعليها يتنافس المتنافسون: الجنة..

    المهم -أيها الإخوة المؤمنون- أن الأنصار بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة، قام قائلهم فقال: يا معشر الأنصار! إن كنتم توفون للنبي صلى الله عليه وسلم ببيعته فهو والله عز الدنيا والآخرة، وإن كنتم إذا عضتكم السيوف خليتم بينه وبين الناس، فهو والله عار الدنيا والآخرة، فدعوه الآن وهو بين قومه، فقام أسعد بن زرارة، وقال: امدد يدك يا رسول الله! والله لا نقيل ولا نستقيل..

    هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر

    أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب البيعة أن ينطلقوا إلى المدينة بعد ذلك، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يأذن للناس بالهجرة، وأراد أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أن يكون سابقاً في الهجرة، كما كان سابقاً في الإسلام، وكما كان سابقاً في كل خير، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أريد أن تأذن لي في الهجرة، فقال له صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يجعل لك صاحباً يا أبا بكر) فعلم أبو بكر أن الصاحب هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وعلم أنها فرصة العمر التي لا تفوت ولا تضيع.

    علم أن محمداً آخر نبي وأن الهجرة مرة واحدة، وأن الصحبة فيها مرة واحدة، وأنها لن تتكرر بعد ذلك في تاريخ البشرية.

    وإن كان يمكن أن يكون من دونها قتلٌ، وسفك دم، وذهاب مال، وهتك أعراض، لكن كل ذلك يهون في سبيل هذه المغالب:

    تلك المكارم لا قعبان من لبـنٍ     شيباً بماءٍ فعادا بعد أبوالاً

    فسكت أبو بكر وجهز راحلتين، وجهز مالاً وأعد خطة وأعد دليلاً، تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (وفي يومٍ من الأيام وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يلج علينا في ساعةٍ ما كان يلج علينا فيها، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا من مكانٍ ما كان يدخل منه صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر : يا أبا بكر ! أخرج من معك في الدار، فقال: إنما هم أهلك يا رسول الله، اطمئن يا رسول الله) وإن كانت عائشة لم تبلغ الثامنة وإن كانت أسماء لم تبلغ العاشرة، وإن كان عبد الله ما زال غلاماً حدثاً، لكنهم تربوا في بيت الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فكل واحد منهم تسند إليه أخطر المهام، وأعظم المسئوليات ويتحملها ولا يفرط فيها، إنما هم أهلك يا رسول الله! إنما هم ثمار دعوتك يا رسول الله! إنما هم نبات غرسك يا رسول الله! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد أذن لي في الهجرة، فيقول أبو بكر -مذكراً للنبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن يكون قد نسي أو قد تبدل الأمر أو تغير- الصحبة يا رسول الله! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم الصحبة يا أبا بكر).

    تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: فما رأيت أحداً يبكي من الفرح قبل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، قال: (يا رسول الله! لقد جهزتُ راحلتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آخذ إحداهما بثمنها؟ فيقول أبو بكر رضي الله عنه: حباً وكرامةً يا رسول الله).

    وينطلق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه مع النبي صلى الله عليه وسلم فيمضي مرةً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومرةً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ! مالي أراك تفعل أمراً ما كنت تفعله قبل ذلك؟!)

    فيقول: يا رسول الله! أتذكر الرصد من أمامك، فأخشى عليك من أمامك، وأتذكر الطلب من ورائك فأخشى عليك من وراءك، وأحب أن أفديك بنفسي يا رسول الله!

    ويصلان إلى الغار .. فيقول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: (يا رسول الله! أمهلني قليلاً حتى استبرئ لك الغار، فيدخل ويتأكد أن الغار سليمٌ من الهوام والحشرات ومما يمكن أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج ويقول: ادخل يا رسول الله! فداك أمي وأبي) ويكون أبو بكر قد استنفر قبل ذلك جميع إمكانياته، أخذ ماله كله، وأنفقه في سبيل الله، تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: لقد أتى أبو قحافة وهو رجلٌ كبير السن على دين قومه -أتى إلى عائشة وأسماء - فقال: أين ذهب أبوكم؟ قلن: العلم عند الله، فقال: ما أرى إلا أنه قد رزأكم في نفسه كما رزأكم في ماله، قالت: وكان يضع أبو بكر ماله في كوةٍ في الدار، ويضع عليها قطعةً من القماش -وكان المال كما تعلمون قطعاً من الفضة والذهب توزن وزناً- قالت: فوضعنا أحجاراً صغيرة في مكان المال، ثم جعلنا عليه قطيفة، ثم أخذنا بيد الكاهل الضرير فوضعناها على هذه الحصى، فقال: أما وقد ترك لكم هذا، فقد أحسن إليكم.

    قالت: ثم جاء بعد ذلك أبو جهل فسأل أسماء وكانت الكبرى منهما: أين ذهب أبوكِ وصاحبه؟ فأبدت له عدم العلم، فلطمها على وجهها حتى أسقط قرطها من أذنها رضي الله عنها وأرضاها، وكانت رضي الله عنها تعد الطعام، وتذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الليل في تلك الشعاب الموحشة والقفار البعيدة! وفي ليلةٍ من الليالي لم تجد ما تربط به الوعاء الذي فيه الطعام، فمزقت نطاقها إلى قسمين، ثم ربطت بقسمٍ منه الوعاء والقسم الآخر تتزر به، فلقبت منذُ ذلك اليوم بلقب ذات النطاقين.

    وكان عبد الله يصحب أخته في الليل، فيحدث النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بما تحدثت به قريش، وبما أعدت من خطط في نهارها، ثم يعود عبد الله وأسماء أدراجهما آخر الليل.

    وينطلق عامر بن فهيرة وكان أحد المستضعفين الذين أعتقهم أبو بكر؛ ينطلق بغنم أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فتخفي آثار أسماء وعبد الله ويحتلب منها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه.

    أقول: حتى غنم أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، كان لها دورٌ في أعظم حدثٍ في تاريخ الأمة المسلمة، كان لها مهمةٌ أدتها في هذا الحدث العظيم، وذاك من فضل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وعظم منـزلته عند ربه سبحانه وتعالى، حتى إنه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أشرقت الشمس ولا غربت بعد النبيين على أفضل من أبي بكر ) رضي الله عنه وأرضاه.

    1.   

    صور مضيئة من حياة الصحابة

    وينطلق النبي صلى الله عليه وسلم، ويصل مع صاحبه إلى المدينة ، ويقيم دولة الإسلام، ويبدأ الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولا أريد -أيها الإخوة المؤمنون- أن أطيل لكم في الحديث أو أن أستعرض وأسرد أحداث السيرة سرداً، لكنني كما قلت: نريد أن نأخذ صوراً ومواقف من حياة أسلافنا رضي الله عنهم وأرضاهم، وتتعدد الوقائع بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، ويكون أول هذه الوقائع موقعة بدر ، ويقوم النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس، ويقول:

    (أيها الناس: أشيروا عليّ، فيقوم أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ويخطب ويحسن ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس: أشيروا عليّ، فيقوم عمر فيخطب ويحسن الكلام.

    ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس: أشيروا عليّ، فيقوم المقداد بن عمرو فيخطب، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ، فيفطن سعد بن معاذ سيد الأنصار في يوم بدر ، يفطن إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الأنصار، إذ أنهم كانوا سواد الجيش، وكان العهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنعوه مما يمنعوا منه أنفسهم ونساءهم وأطفالهم، أي: إنه قد يفهم أن المراد بذلك حماية النبي صلى الله عليه وسلم ما دام في المدينة.

    فيقول سعد بن معاذ : لكَأنكَ تقصدنا يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: أجل. فيقول رضي الله عنه وأرضاه: يا رسول الله! امض لما أمرك الله، فوالله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجلٌ واحد، وإنا لنرجو أن يريك الله منا غداً ما تقر به عينك -أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه- فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير وقال: إن الله سبحانه وتعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، وكأني أنظر إلى مصارع القوم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    سعد بن معاذ

    من المواقع التي تجلت فيها صورٌ مضيئةٌ في حياة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل في يوم أحد ، وما أكثر ما حصل في يوم أحد ، حين حلت الهزيمة بالمسلمين، ونزل بهم ما نزل.

    يقول سعد بن معاذ ؛ وسعد بن معاذ هذا هو سيد الأوس، أحد سيدي الأنصار وهو الذي استشهد في غزوة الخندق، مات متأثراً بجرحٍ أصابه في غزوة الخندق، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عرش الرحمن قد اهتز لموته رضي الله عنه وأرضاه.

    يقول سعد بن معاذ: [كنتُ في يوم أحد وإذا بي بـأنس بن النظر قد مر بي وهو يخطر بسيفه رضي الله عنه وأرضاه، وكان قد غاب عن غزوة بدر ، وقال: والله لئن أحضرني الله سبحانه وتعالى غزوةً أخرى لأرين الله ما أفعل.

    فلما جاء في يوم أحد -يقول سعد بن معاذ - حين أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لحق بربه: ألقيتُ بيدي فيمن ألقى بيده- أي: توقف عن القتال -قال: فمر بي أنس بن النظر وهو يخطر بسيفه.

    وكثيرٌ من الناس -أيها الإخوة- يخطرون بسيوفهم، ويستعرضون إمكانياتهم في أوقات السعة والراحة، أما الذين يخطرون بسيوفهم في أوقات البلاء والأزمات والفتن فهم قليلٌ في هذه الحياة، ومنهم أنس رضي الله عنه وأرضاه، يقول: فقلت: إلى أين يا أنس ؟ فقال: إليك عني يا سعد! والله إني لأجد ريح الجنة من دون جبل أحد .

    قال: ثم استعرض القوم فما زال يقاتلهم حتى استشهد، ووجدنا في مقبل من جسمه تسعين طعنةً وضربة، وما عرفناه إلا بأثر في بنانه -في إصبعه- إذ أن معالمه قد تغيرت من كثرة ما طعن وضرب بالسيوف رضي الله عنه وأرضاه].

    خبيب بن عدي

    ومن الصور المضيئة التي يحدثنا عنها أهل السير ما كان من خبيب بن عدي رضي الله عنه وأرضاه، ذاك أن قبيلةً من مشركي العرب جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! إننا نريد الإسلام، ونريد أن تبعث معنا من يعلمنا القرآن فبعث معهم ستةً من القراء، كان منهم خبيب بن عدي رضي الله عنه وأرضاه، فلما وصلوا في منتصف الطريق غدرت بهم هذه القبائل وقاتلوهم، حتى قتلوا بعضهم، وأسروا بعضهم، وذهبوا بهم إلى قريش فباعوهم منهم ليقتلوهم بمن قتل منهم في يوم بدر .

    المهم أنه كان ممن أسر لدى قريش خبيب بن عدي رضي الله عنه وأرضاه، فيقول القوم الذين أسر لديهم: ما رأينا رجلاً أكثر صلاحاً ولا بركة من خبيب رضي الله عنه وأرضاه.

    يقولون: لقد كنا نضع لديه الماء البارد في اليوم القائظ الشديد الحر، وكنا نرى لديه العنب يأكل منه، وهو في فصل الشتاء ولا عنب في الأرض، ثم أخرجوه ليقتلوه ويصلبوه، فلما علق على الخشب واقتربوا منه ليطعنوه، قال له أحد المشركين: يا خبيب ! هل تحب أن تكون سليماً معافى في أهلك، وأن محمداً في مكانك الذي أنت فيه؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما وددت أن محمداً يصاب بشوكةٍ واحدة وأني سليم معافى في أهلي.

    هكذا يكون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، وهكذا تكون محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكثر من محبة الإنسان لنفسه، ثم قام رضي الله عنه وأرضاه، وقال: ائذنوا لي بعض الوقت حتى أصلي ركعتين، فلما قضى من الركعتين، قال: والله لولا أني خشيت أن تقولوا: إنما أطالهما جزعاً من الموت لأطلتهما كما كنتُ أطيلهما قبل ذلك.

    فلما على الأعواد ليصلب ردد أبياتاً كان من هذه الأبيات قوله:

    ولست أبالي حين أقتل مسلماً     على أي جنبٍ كان في الله مصرعي

    ثم دعا على القوم فقال: [اللهم أحصهم عدداً، ولا تبق منهم أحداً، ومزقهم بدداً] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

    وكان سعيد بن عامر الجمحي وكان أحد ولاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على بلاد الشام في حمص ، وكان عمر بن الخطاب يبعث من لديه - محمد بن مسلمة أو غيره- فينـزل في الولايات، ثم يسأل ضعفاء الناس وفقراء الناس، ويقول: [كيف ولاتكم فيكم] فعاد إليه أحد رسله من أرض حمص ، وقال: [وجدت الناس يثنون على سعيد بن عامر الجمحي كل الثناء، إلا أنهم يشكون منه أربع خصال.

    أما الخصلة الأولى فيقولون: لا يخرج لنا حتى ترتفع الشمس.

    وأما الخصلة الثانية فيقولون: مهما دعوناه في الليل لا يخرج إلينا.

    وأما الخصلة الثالثة فيقولون: لا يخرج لنا يوماً في الأسبوع.

    وأما الخصلة الرابعة فقالوا: يغشى عليه أحياناً في مجلسه].

    فبعث إليه عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقال: [اللهم لا تخيب ظني فيه] فلما وصل إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، وكان شديداً في اختبار الرجال، وفحص الرجال، ومعرفة الرجال، حتى إن أهل البصرة قد أرسلوا إليه وفداً، وكان فيهم الأحنف بن قيس ، فلما رأى الأحنف أعجبه منطقه وقوله فحبسه لديه لمدة عام ثم أمر به أن يعود، وقال: لقد بلوتك فرأيتُ منكَ خيراً، وإني لأرجو أن تكون سريرتك خيراً من علانيتك، أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

    أما سعيد بن عامر الجمحي بعث إليه عمر رضي الله عنه وأرضاه، فلما وصل إليه، قال: [كيف ولايتك؟ فأثنى خيراً: فقال: إن رعيتك قد اشتكوا فيك أربعة أمور:

    أما الأمر الأول فكذا، وأما الثاني فكذا، وأما الثالث فكذا، وأما الرابع فكذا.

    فقال: يا أمير المؤمنين! أردد عليك ولايتك وتدع هذه الأمور بيني وبين ربي؟ فقال: قد عزمت عليك أن تحدثني بشأنك فيه، قال: يا أمير المؤمنين! هذا شأنٌ خاصٌ بي، ولا يهم المسلمين في شيء، قال: لقد كان ذاك في الزمن الأول، أما الآن فلابد أن أعرف عنك كل شيء، فأخذ يقص عليه الأمور أمراً أمراً، قال: أما بالنسبة للأمر الأول حين اشتكوا أني لا أخرج إليهم .. إلا في وقتٍ متأخر أو قد مضى من النهار بعض الشيء، فيا أمير المؤمنين! أهلي مرضى في بيتي، وليس هناك من يعجن ويخبز ويطعمهم سواي؛ فأنا أعجن عجيني، وأخبز خبزي، وأطعم أهلي وأطفالي .. ثم أخرج إلى مصالح المسلمين.

    وأما بالنسبة للأمر الثاني: وهو أني لا أخرج إليهم في الليل، وأخرج إليهم في النهار، فقد جعلت النهار لكَ ولهم، أفلا ترضون أن أجعل الليل لله سبحانه وتعالى.

    وأما الأمر الثالث: وهو أني أخرج إليهم إلا يوماً واحداً في الأسبوع: فإنني يا أمير المؤمنين! لا أملك إلا ثوباً واحداً فأنا أغسله في كل أسبوع مرة وأجففه، فلا أخرج إليهم ذلك اليوم.

    وأما الأمر الرابع: وهو الغشية التي تأخذني في مجلسي، فلقد كنتُ غلاماً حدثاً مع المشركين حين قتلوا خبيب بن عدي فسمعته يدعو علينا، ويقول: اللهم أحصهم عدداً، ولا تبقِ منهم أحداً، ومزقهم بدداً، أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه، قال: فوالله ما تذكرت تلك الدعوة إلا وقعتُ مغشياً عليَّ، فقال له عمر رضي الله عنه وأرضاه: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك، عد إلى ولايتك وإلى أهل مصرك، قال: يا أمير المؤمنين! والذي بعث محمداً بالحق نبياً لا أتولى ولايةً لأحد من بعد هذا اليوم].

    سعد بن أبي وقاص

    ومن الصور المضيئة في تاريخنا في زمن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بربه سبحانه وتعالى- ما يحدثنا عنه أهل السير حين أصيب المسلمون في موقعة الجسر في أرض العراق ، بعد ذهاب خالد إلى بلاد الشام ، وجرح المثنى بن حارثة الشيباني قام عمر وندب الناس، وأرسل إلى أقطار الجزيرة ، وقال: لا يبقين رجلٌ فيه قوةٌ أو رأيٌ أو لديه سلاح، فاستطاع أن يحشد أربعة وعشرين ألفاً من المسلمين، وأراد أن يخرج بنفسه لقتال الفرس، وخرج إلى إحدى ضواحي المدينة ، فلحق به علي رضي الله عنه وأرضاه، وقال: يا أمير المؤمنين! إني لأخشى إن أصبتَ في وجهك هذا ألا تقوم للإسلام بعدك قائمة، وأن تستأصل شأفة المسلمين، فأرى أن تبعث رجلاً ممن تثق بدينه وعقله وشجاعته، وتكون له ردءاً، فإن كان النصر فتلك التي أردنا، وإن كانت الأخرى كنتَ فئةً يفيء إليك المسلمون وردءاً يعود عليك المسلمون، فقال: أشيروا عليّ أيها الناس! قالوا: الرأي ما أشار به علي رضي الله عنه وأرضاه، فقال: أشيروا علي بمن، فكانوا يتداولون الرأي وإذا برسالةٍ قد وصلت من سعد بن أبي وقاص ، وكان على صدقات هوازن وهو يقول: يا أمير المؤمنين! لقد بعثتُ إليك بألف فارس على ألف فرس، فلما رأى الورقة، قال وجدته الأسد في براثنه - سعد بن أبي وقاص - فبعث إليه برسالة ووصل إليه ثم قام عمر رضي الله وأرضاه، فوضع خطته الحربية، بكل تفصيلاتها وجزئياتها وسلمها إلى سعد بن أبي وقاص ، ووصاه ووصيةً لا زالت تدوي في سمع الزمن، وتحدثنا عن مقاييس النصر وأسباب الهزيمة، كان يقول رضي الله عنه وأرضاه:

    [يا سعد بن وهيب ! لا يغرنك أن يقول الناس: خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس بين الله وبين أحدٍ نسبٌ إلا بالتقوى، فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون كما أخبر الله سبحانه وتعالى] .

    سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأحدٍ سواه: فداك أمي وأبي، الذي كان رضي الله عنه وأرضاه أول من رمى بسهمٍ في الإسلام، والذي كان لا يرى عمر أنه فوق النصح والنصيحة، بل ينبغي أن ينصح عندما يعوج، بل ينبغي أن يسدى إليه النصح قبل الاعوجاج، فيدفع بذلك الاعوجاج، فليس لدى المسلمين ولا في أمة الإسلام من هو فوق التقويم أو النقد والنصح والإرشاد كائناً من كان، قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] .

    وكان رضي الله عنه وأرضاه مع تقواه وورعه يرى أنه في أشد الحاجة إلى أن يوصيه إخوانهُ ويأمروه بما يفعل.

    المهم: أنه بعد أن وصل سعد بن أبي وقاص إلى أرض القادسية أخرج رستم لهم مائة وأربعين ألفاً وقيل: مائة وعشرين ألفاً، أخرجهم يزدجر زعيم فارس بقيادة رستم ودفع إلى هذا الجيش بأعظم قادة فارس، وجعل بينه وبينهم رجالاً كل رجل على بعد خمسمائة خطوة من الرجل الآخر، فينقلون إليه الأخبار باستمرار -أخبار المعركة- فتصل إليه وهو على سريره في مدائن كسرى في القصر الأبيض.

    فلما وصلوا إلى أرض القادسية أصيب سعد رضي الله عنه وأرضاه بدمامل وقروح في ظهره وفي مقعدته وفي فخذيه، فكان لا يستطيع أن يبقى إلا ملقى على وجهه رضي الله عنه وأرضاه، فقال: [ابنوا لي بنياناً ثم اجعلوا عليه وسادة، حتى أستلقي عليها وآمركم بأمري وأنظر إلى ما تفعلون].

    فألقوا له وسادة على نشزٍ من الأرض أو على بنيانٍ قد بنوه له، ثم حمل حتى وضع على بطنه على هذه الوسادة، فخطب في الناس وحمد الله سبحانه وتعالى وقال: [إن هذا يومٌ له ما بعده لا ينبغي فيه فخر ولا خيلاء، وإن الجنة قد فتحت أبوابها، وإن الحور قد تزينت لخطابها، فأين أنتم يا شباب الإسلام؟ ثم قام رضي الله عنه وأرضاه فقال: إنني مكبرٌ ثلاثاً، فإذا أنا كبرت الأولى فانهضوا من أماكنكم، فإذا كبرتُ الثانية فخذوا حذركم وأسلحتكم، فإذا كبرت الثالثة فابدءوا القتال].

    وكان رستم قبل ذلك قد راسله، وقال: ابعث لي بعض أصحابك حتى أفاوضهم في أمرنا وأمركم، فأرسل إليه سعد رضي الله عنه وأرضاه ربعي بن عامر وكان رجلاً مفوهاً، صاحب لسان ومنطق، وكان رث الثياب رث الهيئة، فلما أتى إلى رستم ، وإذا بهم قد أجلسوه على سريرٍ من الذهب .. وإذا بالخدم يحيطون به من كل مكان .. وإذا بأرائك الحرير، وإذا بمشغولات الفضة .. وحين رأى هذه الزينة كلها .. أخذ يفكر ماذا يفعل، فأراد أن يلقنهم درساً قاسياً فيما يظنون أنهم يؤثرون به على المؤمنين فأخذ يمشي عليها بفرسه، حتى اقترب من رستم ثم خرق أريكةً من الأرائك وربط بها فرسه، ثم أخذ يمشي على ذلك السجاد ويخرقه برمحه، حتى وصل إلى رستم، فلما رآه رستم ورأى هيئته ورأى شكله وكان كما قلنا: رث الثياب ورث الهيئة، ورث السلاح قال له: يا هذا! لقد علمنا أن الذي أخرجكم إلينا هو تشاغلنا عنكم، واجتراؤكم علينا، وجوع حل بأرضكم، فإن شئتم أمرت لصاحبكم بعشرة أحمالٍ من الطعام، وأمرت لكل رجلٍ منكم بحمل بعيرٍ ودرهمين وتعودوا، وإن أبيتم دفنتكم في خندق القادسية.

    فقام ربعي بن عامر وقال: [أما ما ذكرت من حالنا في الجاهلية فما بلغت والله كنهه، كنا والله شراً مما تقول، كان أحدنا ينـزل في المنـزل فيتخذ أربعة أحجار يجعل ثلاثة منها تحت القدر ويجعل الرابعة رباً يصلي له ويسجد ويركع، وكان أحدنا يقتل ولده مخافة أن يشركه في طعامه، ثم بعث الله لنا رجلاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته، فصدقه قومٌ منا، ونابذه آخرون، وكنتُ ممن نابذه، قال: فما زال يقاتل من نابذه بمن وافقه حتى أظهره الله سبحانه وتعالى علينا، ورأينا من الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة ما يجعل صاحب العقل يتبعه صلى الله عليه وسلم، ثم أمرنا بأن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإسلام، فإن قبلتم ذلك فأنتم إخواننا؛ لكم ما لنا وعليكم ما علينا، نترك فيكم كتاب الله، تحلون حلاله وتحرمون حرامه، فإن أبيتم ذلك فتدفع الجزية لنا عن يدٍ وأنت صاغر، فإن أبيتم ذلك فالسيف بيننا وبينكم، ونحن ننذركم ثلاثاً، فاضطرب رستم وهاج وماج، وقال: أتستقبلوني بمثل هذا الكلام، قال: نعم. أستقبلك بمثل هذا الكلام، قال: لأدفننكم في خندق القادسية ، قال: إن هي إلا إحدى الحسنين؛ النصر أو الشهادة، والشهادة أحب إلى نفوسنا من النصر].

    ثم خرج من عند رستم وعاد إلى سعد رضي الله عنه وأرضاه، وحدثه بما كان من شأنه مع رستم ، وكان قوله قد أوقع في قلب رستم الرعب، فأرسل إلى كسرى يفاوضه .. قال في أن نتقي شر هؤلاء الناس بأي أمرٍ يريدونه، فوالله لا يقف لهم شيء، ولا يقف أمامهم شيء، ولا يغلبهم شيء، ثم كانت بعد ذلك معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون كما تعلمون، وقتل فيها رستم وقتل فيها كبار قادة الفرس.

    قتيبة بن مسلم الباهلي

    ومن الصور المضيئة في تاريخنا، وأنا كما قلت: لا أسرد لكم سرداً، إنما نتنقل من صورةٍ إلى صورة:

    من الصور المضيئة في تاريخنا ما حدثنا عنه أهل السير من أن قتيبة بن مسلم الباهلي كان يقاتل في أواسط شمال آسيا حتى وصل إلى حدود الصين، أنه في إحدى غزواته حالت الثلوج بينه وبين المسلمين، ولم يستطع المسلمون أن يمدوه بشيء، وقطعته عن المسلمين شهرين، واجتمع عليه ثمانية من ملوك أواسط آسيا، فلما تصاف الجيشان قال قتيبة بن مسلم الباهلي لبعض من حوله، ابحثوا لي عن محمد بن واسع الأزدي وانظروا ماذا يفعل في هذه اللحظات، وكان محمد بن واسع الأزدي من علماء التابعين وخيارهم وفضلائهم، وكان من أزد السراه.

    كان من هذه المنطقة من جبال السروات، وكان عالماً مجاهداً فاضلاً، وكان طلبة العلم إذا أرادوا العلم عنه والرواية لحقوا به في أحد الثغور، فقال قتيبة: انظروا ماذا يفعل محمد بن واسع في هذه اللحظات فذهبوا، ثم عادوا فقالوا: لقد رأيناه في طرف المعسكر متكئاً على رمحه يشير بأصبعه إلى السماء، فقال: الله أكبر! نصرتم بإذن الله، والله لتلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف.

    نعم يا أحبة! أصبعٌ تقية نقية مهدية، إذا أشارت إلى الله استحى الله أن يردها خائبة، خيرٌ لنا من مائة ألف سيف، بل خير لنا من مليون طائرة، أو دبابة، أو مدفع .. -أيها الأحبة- كما قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [لقد أعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله سبحانه وتعالى] وكما قال عبد الله بن رواحة في يوم مؤتة حين أقبل المسلمون أربعة آلاف، ولقيهم من النصارى مائة ألف، وحين رآهم بعض المسلمين اضطربوا وقالوا: نكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: تكتبون إليه ماذا؟

    أهناك وحي بعد الوحي الذي بلغكم به صلى الله عليه وسلم، والله لقد علمتم أنا لا نقاتل الناس بعددٍ ولا عدة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين، وإن هي إلا إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، فحين نشبت المعركة بين المسلمين وكفار الترك في أواسط آسيا ، والترك كانوا في بلاد تركستان ، وتركستان تعني: بلاد الترك.

    أما الأتراك الذين أصبحوا بعد ذلك في الأناضول فهم بعد أن اعتنقوا الإسلام على يد قتيبة ومن بعد قتيبة حملتهم موجات الفتح حتى أسقطوا الدولة الرومانية البيزنطية، واستوطنوا على ما يسمى الآن بـتركيا، أما مواطنهم أصلاً فكانت في أواسط آسيا هناك.

    المهم نشب القتال وكان النصر المؤزر للمسلمين، ولما انقضت المعركة كان من الغنائم تاجٌ عظيم مشهورٌ بين ملوك أهل الأرض، فجيء به إلى قتيبة فلما رآه سجد لله شكراً، وقال: الحمد لله الذي سلبه أعداءه وجعله لأوليائه، ثم قال للناس: يا معشر المسلمين! أترون أن في الأرض من يزهد في مثل هذا التاج، فقام أحد القادة وقال: ما أرى أن في الأرض من يزهد في مثله، إذا جاءه من طريق حلال، فقال: لأرينكم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لا يساوي هذا التاج عنده التراب الذي تحت رجليه، ابحثوا لي عن محمد بن واسع ، فذهبوا يلتمسونه في اليوم الآخر بعد انقضاء المعركة، فوجدوه وقد قضى حلقة العلم وهو في طرف المعسكر يصلي ركعتي الضحى رضي لله عنه وأرضاه ورحمه الله، ومحمد بن واسع صاحب هذه الأفعال كان يقول لتلاميذه: والله لو كان للمعاصي والذنوب رائحة لما ساكنني أحدٌ في بلدي، هذا محمد بن واسع.

    المهم فقالوا: يا محمد بن واسع ! القائد يريدك، فأتى إليه ظنه يريده يستشيره، فلما وصل قال: يا محمد! لقد علم إخوانك ببلائك في القتال، وطابت أنفسهم لك بهذا التاج تأخذه، فقال: أيها الأمير ! لقد علمتَ أنه لا حاجة لي فيه فاعفني منه، قال: عزمت عليك أن تأخذه، فأخذه وانطلق، قال: أو رأيت كيف أخذه؟ قال: ابعثوا أحدكم في أثره ليرى ماذا يفعل به، فانطلق محمد بن واسع ولما وصل في طرف المعسكر، وإذا ببعض فقراء المسلمين الذين دخلوا في الإسلام من أهل تركتسان يسألون المسلمين أن ينفلوهم من الغنائم، فالتفت محمد يمنةً ثم التفت يسرةً، ثم ألقى التاج بين يدي السائل وذهب، فأخذوا السائل والتاج وأتوا به إلى قتيبة ، فاشتراه منه بألف ألف درهم؛ يعني: بمليون درهم.

    وبعث به إلى بيت مال المسلمين، وقال: أرأيتم أن في أمة محمد من لا يساوي تاج خاقان لديه التراب الذي تحت رجليه، ثم قال: بهذا والله وأمثاله نصرتم، وما نصرتم بسيف قتيبة ولا بشجاعته.

    ألب أرسلان

    كان ممن دخل الإسلام على يدي قتيبة بعد أن فتح تلك الأرض، قوم من الترك يسمون: السلاجقة، واعتنقوا الإسلام، وأخذوا يجاهدون، وكان من أشهر مجاهديهم بعد المائتين من الهجرة، بل قرابة ثلاثمائة من الهجرة، أحدُ القادة الفاتحين وكان يسمى: ألب أرسلان ، اسم أعجمي سلجوقي تركي، لكن قلبه قد خفق بلا إله إلا الله محمد رسول الله، وعرف الحق فعمل به، وعرف الباطل فاجتنبه.

    كان يجاهد في آسيا وبلغه وهو على حدود الصين ، بأن قيصر الروم وكان يسمى: أرمانوس قد جهز ثلاثمائة وخمسين ألفاً، وجمعهم من أوروبا كلها، وأراد أن يغزو بهم بلاد المسلمين، وعين لولاته في أوروبا وهو في القسطنطينية ، عين الولاة على مكة وعلى المدينة وعلى دمشق وعلى بغداد وعلى القاهرة ، وكان يقول للوالي الذي عينه على بغداد: استوص بهذا الشيخ خيراً. يقصد الخليفة، يستهزئ ويسخر.

    وحين علم ألب أرسلان بهذا توجه بجيشه، وكان جيشه لا يتجاوز اثني عشر ألفاً، ووصل وإذا بقيصر الروم قد استولى على أرمينيا التي هي الآن في روسيا ، هذه فتحت بسيوف الصحابة ودماء التابعين، ثم ضيعناها نحن بعد ذلك، أرمينيا وأذربيجان وبخارى وسمرقند وتركستان، كل هذه فتحت ورفرفت عليها راية لا إله إلا الله، بسيوف أجدادنا ثم أتينا نحن بعد ذلك فضيعناها؛ المهم أنه وصل وإذا بقيصر الروم قد استولى على أرمينيا، وأصبح قريباً من أذربيجان ، ويريد أن يجتاح بلاد الإسلام، فنظر وإذا هي ثلاثمائة وخمسون ألفاً أو ثلاثمائة وعشرون ألفاً في مقابل اثني عشر ألفاً، ماذا تفعل!!

    فاستشار الذين كانوا معه، فقالت بطانة السوء أهل الدنيا في كل زمان ومكان عباد الدرهم والدينار، قالوا له: لا طاقة لك بهذا، ونرى أن تتركه وشأنه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقام أحد العلماء الصالحين، وقال: يا ألب أرسلان إذا فررت من هذا الموطن أتخلد في الدنيا؟

    قال: لا. قال: فإن بقيت في هذا الموطن أيأتيك الموت قبل أجله؟ قال: لا. قال: أفتريد عار الدنيا ونار الآخرة؟ قال: لا. قال: فاثبت في موطنك وإن هي إلا إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وإني لأرجو أن ينصر الله الإسلام بك.

    قال: بماذا تشير عليَّ؟ -هكذا بطانة الخير دائماً تشير على الإنسان بالأعمال الصالحة، وبالخير- فقال: بماذا تشير عليَّ؟ قال: أرى أولاً أن تخرج من المظالم إن كنت وقعت في شيء من المظالم، وأن تتوب إلى الله توبةً صادقةً نصوحاً، وأن تخرج من كان في جيشك من العصاة، ثم تلبس كفنك وتتذلل لله وتتضرع، فإذا علمت أن المسلمين قد اعتلوا المنابر في يوم الجمعة، وأخذوا يدعون لعل الله يقبل دعاء بعض المسلمين، إذا علمت ذاك فابدأ القتال مع عدوك، فانتظر إلى يوم الجمعة، فلما ظن أن الخطباء قد اعتلوا المنابر وأخذوا يدعون للمجاهدين في ثغور الإسلام خرج بين الجيشين، وقد لبس أكفانه، وهو يبكي ويمرغ وجهه في التراب، ويقول: اللهم لا تهلك أمة محمد بسبب ذنوبي، اللهم إن كنت قدرت هلاكاً على أحد بسبب ذنوبي فخذني وحدي، اللهم إن العباد عبادك، وإن الدين دينك، وإن الحرمات حرماتك، وإنك أغير من خلقك.

    ويدعو ربه سبحانه وتعالى! وكان الدعاء يستجاب في ذلك الوقت؛ ما نزل الربا في البطون، وما انتشرت البنوك الربوية في بلاد المسلمين، وما تعامل الناس بالغش والاحتكار والكذب أبداً .. كان الدعاء يستجاب.

    النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يلقي الرجل باللقمة الحرام إلى جوفه فلا ترفع له دعوة أربعون يوماً) فكيف بمن أكله ربا، وأكله غش، وأكله احتكار، وبمن هو في الوظيفة يأخذ الراتب كاملاً ولا يداوم إلا الساعة العاشرة، ومن الساعة العاشرة إلى الواحدة يشرب الشاي ويقرأ الصحف، والساعة الواحدة يخرج، وإذا جاءه المراجع المسكين رده بعد أسبوع، وذاك طرده، وذاك غشه، وذاك ظلمه، وسارت الحياة كلها حراماً في حرام، و(أيما جسم نبت من سحت فالنار أولى به) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    ثم قام ألب أرسلان، فنشب القتال بين ثلاثمائة وخمسين ألفاً وبين اثني عشر ألفاً، واستمر القتال من وقت صلاة الجمعة إلى بعد صلاة العصر بقليل، وما قربت الشمس من الغروب إلا وقد مُزقت جيوش النصارى، ووقع قيصر في الأسر في أيدي المسلمين؛ وهو الذي كان يقود ثلاثمائة وخمسين ألفاً، وقع أسيراً في أيدي المسلمين، ومزقت جيوشه وقتل منهم أكثر من مائة ألف، وحين أتي به إلى ألب أرسلان ، ورآه ألب أرسلان سجد للإله سبحانه وتعالى، فقال له قيصر: أين الجيوش التي كانت معك يا ألب أرسلان؟! قال: هذا هو الجيش الذي ترى، قال: والله ما هذا بالجيش الذي قاتلنا، والله ما هذا بالجيش الذي أسرني، لقد سالت علينا شعاب أرمينيا وجبالها برجالٍ بيض، على خيلٍ شقق، هم والله الذين قتلونا وأسرونا. نعم: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31] .

    أيها الإخوة المؤمنون: وانتصرت القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، وكان المقياس هو ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الغار في حادث الهجرة حين رأى أبو بكر الدنيا كلها تبحث عن رأس محمد وصاحبه، وبذل كل ما يستطيع، وفوجئ بأقدام المشركين فوق الغار، فاضطرب وقلق رضي الله عنه وأرضاه، إلى أي مكانٍ يأوون بعد ذلك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما، يا أبا بكر ! لا تحزن إن الله معنا).

    فإذا استطاعت الأمة المسلمة -بل إذا استطاعت فئةٌ من الأمة المسلمة- أن تجعل الله سبحانه وتعالى معها، فسيعلي الله سبحانه وتعالى شأنها، ويرفع رايتها، وينصرها على العالمين مهما كثر عددهم وعدتهم.

    كان خالد بن الوليد في يوم اليرموك وهو يمر على الرايات -وكنت أريد أن أستطرد في الحديث حتى أصل إلى العصر الحاضر لكن الوقت أدركنا- كان وهو يمر على الرايات رضي الله عنه وأرضاه، وعدد المسلمين أربعون ألفاً، وعدد النصارى مائتان وأربعون ألفاً، فيقول أحد المسلمين: يا خالد ! ما أكثر الروم؟!! فيقول: اسكت. أي: أما زلت إلى الآن لم تتفقه في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم؟!

    أما زلت إلى الآن تنظر إلى الأمور نظرةً مادية سطحية، ثم يقول خالد بعد كلمة (اسكت): إنما يكثر القوم بنصر الله ويقلون بخذلانه!! وددت أن الروم قد أضعفوا لنا العدد -ربع مليون آخر- وأن الأشقر قد برئ من وجعه. أي: فرسه التي تضلع برئت من وجعها، ضلاعها في يدها ما يساوي ربع مليون من عدوها هذه الضلاع في يد فرسه، لماذا؟ لأن القوم يكثرون بنصر الله، ويقلون بخذلانه.

    يا أحبة: كل شخص قد يقول: هل أنا معني بهذا الكلام!! نعم والله! أنت معني في بيتك، ومعني مع أولادك وأسرتك وجيرانك وتلاميذك ومرءوسيك .. ومعني مع المسلمين، ومن الأمة المسلمة إلا أنا وأنت، وفلان وفلان .. فإذا استقام كل منا على أمر الله، وعمل به في نفسه، ودعا إليه على بينةٍ وبصيرة، فاعلموا أن الحياة تتبدل: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] .

    وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، وإن كان هناك لدى الإخوة أسئلة نترك الوقت أو ما بقي من الوقت إلى الإقامة للأسئلة، ومعذرةً إن كنت أثقلت عليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    1.   

    الأسئلة

    أخبار الجهاد الأفغاني

    السؤال: ما هي آخر أخبار الجهاد الأفغاني باختصار؟

    الجواب: أما بالنسبة للجهاد الأفغاني فالحديث عنه لا يقبل الاختصار، الجهاد الأفغاني -يا أحبة- جهادٌ سالت فيه دماءٌ قرابة مليونين ممن يشهدون أن لا إله إلا الله، جهادٌ تكالبت فيه قوى الباطل في العالم كله من يهودية وصليبية وشيوعية وبوذية وهندوسية وعلمانية وقومية بحرب راية لا إله إلا الله.

    جهادٌ تجلت فيه قدرة الله سبحانه وتعالى، حين أصبح الناس يصرفون لا أقول حقوق الألوهية، بل حتى حقوق الربوبية، إما لـأمريكا أو لـروسيا، فما أصبح في ذهن أحدٍ من الناس أن أمريكا تُغلَب، أو أن روسيا تُغلَب، وأصبحت تسمى بالقوى العظمى، القوى التي لا تُغلَب، وأصبحت هي الدول التي لها حق الفيتو في مجلس الأمن.

    مثل ما يقول الشيخ سياف يقول: كنا ندرس قديماً: الطواغيت كثيرون ورءوسهم خمسة، أما رءوسهم الخمسة الآن فهم الأعضاء في مجلس الأمن. يقول هذه رءوس الطواغيت الآن، أصبح لهم حق النقد يفعلون ما يريدون في الكرة الأرضية.

    أنا أذكر حادثة حدثت بها. في أيام تهديد أمريكا -بعد حرب الثلاثة والسبعين- باحتلال منابع النفط في الخليج أيام أمر الملك فيصل عليه رحمة الله بإيقاف النفط عن أمريكا وعن الغرب .. كان هناك رجل عسكري يقول لي ولبعض الناس معي: إذا قررت أمريكا احتلال الخليج فالقرار العسكري الصائب ألا تقاوم بطلقةٍ واحدة، لماذا؟

    قال: لأن النتيجة محسومة سلفاً، أي: منتهية، ليس هناك حتى نسبة واحد في المليار .. فلماذا نقاتل؟ هذا ما يتحدث به العسكريون المتخصصون. ولو قيل لنا: إن دولةً أو شعباً من الشعوب المسلمة سيهزم أمريكا أو روسيا لأُخذ قائل هذا القول إلى مستشفى الأمراض العقلية قبل ذلك.

    أليست إسرائيل دويلة هزمت الجيوش العربية في ثلاثة عقود مرةً بعد أخرى؟ أليس هذا الذي حصل؟ يعني: كم تساوي قوة المجاهدين الأفغان في مقابل الجيوش العربية، آلاف الدبابات، وآلاف الطائرات، وملايين المقاتلين والصواريخ والقطع البحرية، وهزموا وهزموا وهزموا .. هل انتصرنا على إسرائيل مرةً واحدة؟!

    مسرى النبي صلى الله عليه وسلم منذُ أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً وعاهرات اليهود والبغايا يعيثون فيه فساداً!!

    صلاح الدين الأيوبي كان عمره كله لا يتبسم! يقول: إني لأستحي من الله أن أتبسم والصليبون في مسرى النبي صلى الله عليه وسلم!!

    ونحن ماذا فعلنا؟!

    ثم أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول للبشرية: إن الملك لا زال بيد الله وسيبقى بيد الله، وأنه قادرٌ على أن يذل روسيا وأمريكا، وغير روسيا وأمريكا، فجعل المواجهة بين أقوى قوة طاغوتية في الأرض الشيوعية، وبين أفقر شعوب الأرض!

    وقد اطلعت على إحصائية الأمم المتحدة، فوجدت أفقر شعوب الأرض على الإطلاق هو الشعب الأفغاني وأكثر شعوب الأرض على الإطلاق أمية هو الشعب الأفغاني، لكن ما الذي في الشعب الأفغاني؟

    انظروا .. سبحان الله! كيف يقدر الله أقداره. الشيوعية -لأن أفغانستان قريبة جداً من روسيا- انتشرت بين الشباب الأفغان، وفي المجلات والصحف والإذاعات، حتى الدراسة كانوا يدرسون في روسيا، لكن خرج في عام الخمسين شاب تخرج من الثانوية، وذهب للدراسة في الأزهر في مصر، اسم هذا الشاب محمد غلام ميازي، الذي ذهب لـأفغانستان يعرفه كل المجاهدين، يسمونه مولوي شهيد محمد غلام ميازي ، فلما جاء للدراسة في مصر ليدرس كعادة كثير من أبناء المسلمين، ويرجع ليتوظف في وظيفة .. لقي بعض الرجال الربانيين الذين يهدون الخلق إلى الحق سبحانه وتعالى، فدعوه إلى الله، ففتحوا في قلبه الفطرة، ونزعوا من قلبه رواسب الجاهلية، فتحمس للإسلام، وهؤلاء الرجال بعد ذلك بعضهم قتلهم جمال عبد الناصر وبعضهم ألحقهم السادات في آخر عهده، وكان ممن أثروا على هذا الرجل كمال السنانيري إن كنتم تسمعون به، وكان قبل عبد القادر عودة ومجموعة معه.

    فلما رجع من مصر بدأ يبث ما عرف من الحق لتلاميذه، فالتزم على يديه الإسلام: عبد رب الرسول سياف، وبرهان الدين رباني، وحكمت يار، ويونس خالص، ومجموعة غيرهم؛ حتى أصبحوا ثلاثة عشر -أول مجموعة تتكون من ثلاثة عشر!- فعرفوا الحق فبدءوا يدعون إليه قليلاً قليلاً قليلاً، فظهرت الشيوعية وظهر الإسلام، وحمل هؤلاء سلاحهم، وكانت المنازلة، وقتل في السجون من الشباب المسلم قبل أن تدخل روسيا أكثر من مائة ألف.

    فلما أحست روسيا بالهزيمة دخلت بقواتها لإنقاذ الشيوعيين الأفغان، وفرض الشيوعية بالقوة، وحين دخلت القوات الشيوعية -القوات الروسية- إلى أفغانستان، صرح متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية -وهذا مثبت في الصحف- يقول: ستستمر المقاومة الأفغانية على الأرجح ستة أيام، فيقول قائد القوات الروسية: لنفترض أنها استمرت ستة أسابيع. وإذا بالمقاومة تستمر عشرة أعوام؛ يدمر فيها للروس أكثر من ستة آلاف طائرة، والمجاهدون ما يملكون طائرةً واحدة، ويدمر لهم أكثر من ثلاثة عشر ألف دبابة، والمجاهدون ما يملكون دبابةً واحدة، ويدمر لهم أكثر من سبعة وعشرين ألف آلية، والمجاهدون آليتهم الخيل والبغال والجمال!! ويقتل منهم من يقتل، وتظهر عجائب قدرة الله سبحانه وتعالى.

    يا أحبة: ذهبت لمجاهدينا ربما أربع مرات أو خمس مرات، والله -يا أحبة- رأينا العجب، المجاهد عنده رشاش صغير (كلاشنكوف) يحدثني محمد ياسر يقول: أول مرة حصلنا على غنيمة كلاشنكوف، فكنا نمشي به مع الشيخ برهان الدين رباني، لتصورنا الصحف فيظن العدو أن عندنا رشاشات! يقول: والله ما كان عندنا إلا هذا الرشاش، أما البقية فبنادق عادية قديمة، وعدوهم طائرات الميج والساخواي، وصواريخ الاسكود والقنابل العنقودية، والقنابل الارتجاجية، والدبابات والمدرعات، والجنرالات، وكليات القيادة والأركان، والأقمار الصناعية.

    وفي النهاية هزموا وخرجوا يجرون أذيال الخيبة والهزيمة، وقال القائد الذي يقول: دعنا نستمر ستة أسابيع عندما عبر نهر جيحون هارباً فاراً، وهو أمام كاميرات شاشات التلفاز العالمية وهو يبكي -رأيته بعيني في التلفاز وهو يبكي-: ما ظننتُ أني أنجو من هذه المذبحة.

    يا أحبة: الأفغان ما نصروا إلا بالإيمان، أحدثكم عن بعض نماذج الإيمان التي رأيناها:

    كنا في واد من الأودية يسمى وادي جوبند -وهو واد قريب من كابل، جرت فيه معارك ضارية- فأول ما نزلنا الوادي وجدنا معالف خيل المجاهدين على بروج الدبابات -وبرج الدبابة هو المدفع القاذف للذخيرة- المدمرة، والوادي جباله كلها محروقة سوداء، من قصف الجو وقصف الأرض، والمجاهدون مسيطرون عليه سيطرة كاملة الآن والحمد لله.

    فكنا في الوادي في هذه الليلة، فجاءت الطائرة تضرب بالقنابل المضيئة وتقصفنا فاستيقظ جميع العرب هناك، وكل مقاتل أخذ رشاشه .. ماذا يعمل الرشاش مقابل طائرة؟! إلا أفغانياً استمر نائماً -وهو شاب فُطم في ساحات الجهاد- فأيقظناه، ولما رأى الطائرات رد رداءه ورقد فلما جاء الصباح قال زملاؤه: لم يكن يعلم أن هناك طائرات، قلت: بل يعلم، فلما جاء الصباح قلت: يا عبد الله! كيف تضرب الطائرات والنيران تشتعل وأنت مازلت نائماً، قال: يا أخي! إنني أعلم أن استيقاظي لن يطيل عمري، وأن نومي لن يقرب أجلي!

    فقلت في نفسي: أين هم أساتذة العقيدة في كليات الشريعة، كان معنا بعض أساتذة العقيدة، ورأيت حالي وحالهم، هذا هو الإيمان الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، التقسيمات التي ندرسها في الكليات وإن كانت حقاً، لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، لم يقل: هذا توحيد ربوبية، وهذا توحيد أسماء وصفات، وذاك توحيد الألوهية، وذاك كذا..

    ما كانت موجودة عندهم! كلمة (عقيدة) ما كانت معروفة، لكن صلى الله عليه وسلم عملياً سكبها في قلوبهم، فخرج رجال العقيدة فغيروا الدنيا كلها، أما نحن اليوم إذا درس الواحد منا الطحاوية من الجلدة إلى الجلدة ظن أنه أصبح رجل عقيدة -عقيدته سليمة- والواقع والمحك العملي ما الذي يخرج؟ أعطيكم مثالاً:

    وجدتُ شاباً بلغ الواحد والعشرين من عمره يقود موقعاً من مواقع المجاهدين، فسألت قالوا: منذُ بلغ الحادية العشرة وهو في خضم المعارك.

    قلتُ: ما حالة أسرته؟

    قالوا، لقد كان أخوه الأكبر قائداً واستشهد السنة هذه، استشهد يوم (22) شعبان، وأخوه الثاني كان قائداًواستشهد يوم (29) شعبان، وأخوه الثالث كان قائداً واستشهد يوم [27] رمضان، وهذا هو القائد الرابع.

    هل بقي منهم أحد؟

    قالوا: نعم. الأكبر لديه سبعة أطفال، والأصغر ثلاثة أطفال، والثالث الذي استشهد طفلين وهذا عنده طفل!

    هل لهم عائل؟

    قالوا: هذا الذي بلغ الواحد والعشرين ويقود موقعاً من مواقع المجاهدين، نذهب نزور أسرتهم، فنلقاهم في غرفتين من الطين وخيمة في مخيم، هذه الأسر كلها مع أمهم وأختين لهم أيضاً.

    ووجدته والله -يا أحبة- أكثر استبشاراً بموعود الله، وثقةً بالله، وكان يأتي عندنا ويسلينا، ويقول: لا تحزن يا أخي! إن الله معنا، هذا هو الإيمان الذي انتصر به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وأمثالهما على الدنيا كلها.

    يقول الشيخ سياف : حتى لو لم نفعل شيئاً في المستقبل أرى أن ما حققناه للأمة المسلمة يعتبر شيئاً عظيماً، في مقابل الثمن الذي دفعناه، لقد أعدنا إلى هذه الأمة ثقتها بنفسها وإمكانية أن تقف مرةً أخرى أمام أهل الكفر في الأرض.

    شعر الحداثة وعلاقته بالشيوعية

    السؤال: حبذا لو تعطينا نبذة عن شعر الحداثة؟ وعلاقته بـالشيوعية ، وهل بقي له مفعول الآن أو استمرار جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الحداثة منهجٌ ضالٌ مضل، إلحادي مادي علماني، مثل الشيوعية أو وجهٌ آخر للعملة الشيوعية التي يقاتلها المجاهدون في أفغانستان ، هذه قناعتي التي أدين الله بها، بعد بحثٍ واستقصاء، وقد يكون فيها بعض المضللين الذين لا يعرفون حقيقتها.

    ويجتمع تحت راية الحداثة الشيوعي والماسوني والوجودي والعلماني والبعثي والإباحي وكل من يرفض الإسلام منهجاً للحياة، ونظاماً للمجتمع وقيماً ومثلاً وأخلاقاً -انطوى تحت راية الحداثة - عندما أصبح لديه قلمٌ يكتب به .. أو لسانٌ يتكلم به، هذه قناعتي عن الحداثة.

    أما هل لازالوا موجودين؟ فنعم، هل سمعتم أن أحداً مات منهم؟

    أنا ما سمعت، وإذا كان أحدكم سمع شيئاً أنا ما أدري، أو بلغكم من أحد منهم، يعني: أزيح من موقع من مواقع التأثير الفكري عن امتداد الساحة الإسلامية التي كانوا فيها، ما بلغني شيءٌ من هذا، ما زال شعراؤهم وأدباؤهم وكتابهم وصحفيهم في مواقعهم التي هم فيها.

    والشيء الوحيد الذي تحقق أن الأمة المسلمة عرفتهم على حقيقتهم، وأدركت خطورتهم، وكشفت ألاعيبهم، وأصبحوا والحمد لله أصحاب ورقةٍ محروقةٍ خاسرة لا قبول لهم بين المسلمين بإذن الله.

    وقد يستغرب بعض الإخوة من كلامي هذا وتحاملي، لكن استمعوا -أيها الأحبة- أعطكيم مثالاً من شعرهم حتى تروا بعد ذلك هل أنا تحاملت عليهم، أم أنني أعطهم حقهم بعد: أحد شعراء الحداثة يسمى: عبد الوهاب البياتي ، شاعرٌ عراقي، أنا لا أتحدث عن أعماله خارج بلادنا، لكني أحدثكم بأنه دعي إلى الجزيرة مرتين، وأنه ألقى المحاضرات في النادي الأدبي في المدينة وفي النادي الأدبي في الرياض ، وفي النادي الأدبي في جدة ، وأن الصحف نشرت عنه، حتى أن إحدى الصحف أشادت به، فقد كتب أحدهم يقول: ثلاث خطرات في حضرة البياتي ، والآخر يقول: البياتي يضيء قناديل الشعر في ليل جدة ، أعطيكم قصيدة من قصائده حتى ترون من هو البياتي يقول في إحدى قصائده -وتعالى الله عما يقول، ونعوذ بالله مما يقول- يقول:

    الله في مدينتي يبيعه اليهود الله في مدينتي مشردٌ طريد

    وهذا هو منهج الشيوعيين.

    أراده الغزاة أن يكون لهم أجيراً شاعراً قواد

    تعالى الله عما يقول! تعالى الله عما يقول...

    لكنه أصيب بالجنـون حين أراد أن يصون

    زنابق الحقول من جرادهم أراد أن يصون

    هذا هو شعرهم، عامي من المسلمين أو عجوز -لا نقول: علماء ولا قضاة المسلمين- لو قدم له هذا، هل يحكم عليه بغير القتل؟ هؤلاء هم أهل الحداثة.

    كيفية نصح من يستمعون الغناء وحكم سرقة الأشرطة

    السؤال: يوجد عندي في البيت إخوةٌ يستمعون الغناء، وكلما حذرتهم نهروني، ولم يستجيبوا لي، فيقول: ماذا أفعل، وما حكم سرقة أشرطة الغناء؟

    الجواب: أما بالنسبة لما تفعل: فواصل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بأساليبها الشرعية: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] .

    ادع الله سبحانه وتعالى في أوقات الإجابة؛ في أوقات السحر، ومواطن الإجابة زماناً أو مكاناً: أن يهديهم ويصلحهم .. وتحبب وتودد إليهم وأهد لهم الهدايا، وادع لهم وعاونهم في أمورهم؛ لأنهم إذا اقتنعوا بك اقتنعوا بدعوتك، وإذا أحبوك أحبوا دعوتك.

    وحاول أن توجد لديهم البدائل، بدل الأغنية تعطيهم أنشودة، وتجعل في البيت شريط القرآن، وتجعل شريط المحاضرة التي تتحدث عن الغناء، وذكرهم بأيام الله، وأخرجهم في زيارةٍ شرعية إلى المقابر القريبة، وقل: هذا قبر فلان -تذكره- وهذا قبر فلان، ماذا يفعل الآن تحت الجنادل والصخور؟ ذكرهم بمصارع القوم، ذكرهم بالمآل والمصير في كل معصية ليس في هذه وحدها.

    أما ما حكم سرقة أشرطة الغناء، فأنتم تعلمون أن ما كان منكراً فلا حرمة له، خاصة إذا سرقت سرقة لطيفة، سجل عليها محاضرات وأناشيد وقرآن، وأعدها مرةً أخرى إلى البيت دون أن يعلموا، فتكون هذه السرقة سرقة مستحبة.

    المراكز الصيفية وأهميتها

    السؤال: نرجو أن تخبرونا عن المراكز الصيفية، وهل تنصحون الآباء بتسجيل أبنائهم في المراكز سواء هذه أو القادمة؟

    الجواب: أقول عن قناعة بما علمت عن المراكز الصيفية والمخيمات التربوية إن كانت كلها على ما عرفت: من أهم الوسائل لبناء الشخصية المسلمة هذه المراكز وهذه المخيمات.

    وأنا أقول عن نفسي: إن تأثير المراكز والمخيمات أكثر من تأثير دراستي السنوات الطويلة، وأقول كمثال كنا في الجامعة مائة طالب، وكان الذين يشاركون في في المخيمات والمراكز الصيفية في دفعتنا قرابة العشرة ربما كان بعض زملائنا أكثر من هؤلاء العشرة تفوقاً في الدرجات في الدراسة في المناهج، لكن بعد ان أنتهت الدراسة، الذين انتفعت بهم الأمة ولهم أثرٌ الآن في الساحة -وأنتم تعرفون كثيراً منهم- هم الذين كانوا في المراكز والمخيمات، أما الذين كانوا في بيوتهم، ومن مقاعدهم إلى أسرتهم، فهم أيضاً الآن من سيارتهم إلى كراسيهم التي يعملون فيها.

    فمن أراد أن يخرج من بيته داعياً إلى الله فمن أقرب الطرق، أو من أكثر الطرق إمكانية لحصول هذا هي المراكز الصيفية والمخيمات، ولو لم يكن فيها إلا حفظ أوقات الشباب؛ لأنها إن لم تحفظ بالطاعة ضاعت في المعصية.

    إن الشباب والفراغ والجده     مفسدةٌ للمرء أي مفسده

    لو لم يكن في هذا إلا حفظ أوقات الشباب لكفى، فكيف وهم يعودون إليك بمحاسن العادات والأخلاق، والسلوك والعلم، وتعلم القرآن، والصحبة الصالحة، والحب لله ولرسوله وللمؤمنين، والقدرة على الحديث وعلى الخطابة وعلى الكتابة.

    ملة ورقة بن نوفل ورؤية النبي له وهو بثياب بيض

    السؤال: هل كان ورقة على ملة إبراهيم؟ وهل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم رآه في الجنة؟

    الجواب: نعم. ورد حديث أنه رآه وعليه ثيابٌ بيض، وورد أنه كان على ملة عيسى، وليس على ملة إبراهيم، وكان يكتب الكتاب، أي: ينقله باللغة العبرانية، يعني: كأنه من بقايا أهل الكتاب الذين لا زالوا على الحق، مثل الذين كانوا مع سلمان كما تعلمون في قصة هجرته وسفره.

    الحث على استغلال الأوقات

    السؤال: توجد ظاهرة وهي ضياع الوقت من بعض المتعلمين في السهر إلى الساعة الثانية من الليل، حبذا لو وجهت الشباب في هذا الأمر؟

    الجواب: ربما يقومون الليل، وما يدريك؟ وربما يقضون هذا الوقت في التهجد وقراءة القرآن وطلب العلم، والسهر على مصالح المسلمين، وهذا حسن، أما إن كانوا يقضونها في غير ذلك فالشكوى لله! ذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه) وقوله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصحة والفراغ).

    يا أحبة: من رزق الصحة فسيأتي في يوم من الأيام يتمنى أنها موجودة وهي ليست موجودة، واسأل الذين فقدوها، يتمنون أنها موجودة ليستغلوها في طاعة الله.

    أيها الأحبة: أعرف بعض الناس إلى ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر ليس عنده يوم فراغ؛ برنامجه كله مليء والحمد لله، فإذا كان هذا في طاعة الله، فأين يجد صاحب الفراغ الفراغ؟! سبحان الله! يقضيه في طاعة الله وعبادته، أو ينام حتى يستيقظ في آخر الليل .. هل تعلمون بماذا وصف الله سبحانه وتعالى السابقين؟ (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] .

    يقال: إن في زمن التابعين بيعت جارية فلما بيعت عادت اليوم الثاني إلى سيدها تقول: رحمك الله، أتبيعني إلى قوم سوء؟! قال: كيف؟ قالت: لا يقومون الليل.

    كيف لو جاءت في زمننا هذا؟! ما الذي كانت ترى، هكذا كان حال المسلمين، يقولون: كان ينادي المنادي في بيوت المسلمين في طرقاتهم:

    يا رجال الليل جـدوا     رب صوت لا يرد

    لا يقوم الليل إلا     من له عزم وجد

    في الطرقات يتنادون بهذا، لكن تبدلت أحوال المسلمين وتغيرت، لو بعث أحد من الصحابه أو التابعين لما ظن أنه بين المسلمين في هذا الزمن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756516872