إسلام ويب

تفسير سورة الفيلللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تتجلى عظمة الله وقدرته في الانتقام من أعدائه والانتصار لأوليائه، وتتجلى هذه العظمة في حماية رب العالمين للبيت الحرام عندما أراد أبرهة الحبشي أن يهدم الكعبة، فأرسل الله عليهم جنداً من جنوده وهو الطير، ترميهم بحجارة قاسية، فأردتهم في الهلاك والخزي.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألم ترك كيف فعل ربك بأصحاب الفيل...)

    يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:1-5].

    الإشارة إلى الرسول بأن الله ناصره كما نصر قومه على أصحاب الفيل

    تعد حادثة الفيل من الإرهاصات، كما أن اقتتال الأوس والخزرج يعد من الإرهاصات، أعني: من المقدمات بين يدي بعثة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكتوطئات لبعثة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    وقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ [الفيل:1] قال كثير من أهل العلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل فما رأى صلى الله عليه وسلم الذي حدث في هذا العهد.

    فكلمة ( ألم تر ) في كتاب الله تأتي أحياناً ويراد بها الرؤية الحقيقية، وتأتي أحياناً ويراد بها العلم، كقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243]، وقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ [الفجر:6]، وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28]، فكلمة: ( ألم تر ) أحياناً تأتي بمعنى: ألم تعلم، وتكون الرؤية رؤيا بالقلب، أي: ألم تر بعين قلبك، وأحياناً تكون الرؤيا بالعين.

    فهنا المراد بالرؤيا العلم، أي: ألم تعلم، والهمزة للاستفهام المقتضي التقرير، كما في قول فرعون لموسى: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا [الشعراء:18] أي: قد ربيناك فينا وليداً، فهي همزة للاستفهام الذي يقتضي التقرير، وكما في قول الشاعر:

    ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح

    أي: أنتم كذلك.

    فـ (ألم تر) معناها: ألم تعلم، ومعناها أيضاً: قد علمت يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل.

    وفي قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ [الفيل:1] لم يقل: ألم تر كيف فعل الله بأصحاب الفيل، وأن ربك هو الله، للإشعار بالمؤانسة.

    وأيضاً قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] معناه أن الله ناصرك، فإنه نصر قومك من قبل على أصحاب الفيل، فكلمة (ربك) هنا تشعر بالمؤازرة والمؤانسة، إذ هو ربك وهو ناصرك سبحانه وتعالى.

    ذكر قصة أصحاب الفيل

    أما قصة أصحاب الفيل فإنها لم ترد بسند صحيح لذاته، أي: ليس هناك نص صريح إسناده صحيح لذاته يثبت حادثة الفيل بالتفصيل المعهود، لكن كتاب الله أثبتها إجمالاً، وجاءت الإشارة إليها في بعض الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء عام الفتح، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء يدخل مكة عام الفتح امتنعت ناقته من الدخول، فقال الصحابة: خلأت القصواء، وامتنعت من الدخول، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، يعني: أن المانع الذي منع الفيل من دخول مكة هو الذي منع القصواء من دخول مكة.

    وجاءت جملة أخبار وأحاديث منقطعة ذكرها الطبري رحمه الله، وذكرها ابن إسحاق كذلك في سيرته تفيد أو تذكر تفصيلاً للذي حدث في هذا العام، ولأنها منقطعة؛ نأخذ منها المضمون فقط الذي أيده كتاب الله وأيدته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالحاصل من القصص التي أوردوها في هذا الشأن: أن أبرهة الأشرم وكان من ملوك اليمن، وكان قبل ذلك من الأحباش، وكانت اليمن خاضعة للأحباش، وكان نصرانياً، قال القرطبي : عزم أبرهة على هدم الكعبة ونقل وجهة الحجيج إلى بلاده بدلاً من اتجاه الحجيج إلى مكة؛ حسداً من عند نفسه وانتقاماً وثأراً لبعض شيء أصابه وأصاب بلاده من بعض العرب.

    فعزم على الرحيل لتدمير البيت الحرام ونقل وجهة العباد إلى بلاده، فكان ما ذكره الله سبحانه وتعالى أنه لما اتجه إلى مكة وقبل أن يدخلها أرسل إلى عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سلب منه النعم وسلب الإبل من سائر القرشيين، فجاءه عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستعطفه برد الإبل إليه، بينما أصر أبرهة على هدم الكعبة، فخرج عبد المطلب يدعو ربه سبحانه وتعالى الانتقام من هذا الرجل، فأرسلت الطير الأبابيل التي ذكرها الله في كتابه.

    هذا بإيجاز شديد؛ لأن القصص لا يثبت لها إسناد، إنما هي مقـاطيع وبلاغات وروايات معضلة.

    وقول الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] هل هو فيل واحد أم فيلة؟

    أكثر أهل العلم على أنها مجموعة من الأفيال، ولم تكن فيلاً واحداً، ولكن أفرد الفيل وأريد به أعظم هذه الأفيال وهو الفيل الذي جندوه لسحب وتدمير الكعبة، ومن العلماء من قال: إنه اسم جنس.

    أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل:2] أي: جعل الله تكبرهم ومكرهم في إبطال وضياع.

    قوله تعالى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ [الفيل:3] الأبابيل: الجماعات الكثيرة المتتابعة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ترميهم بحجارة من سجيل)

    تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4] السجيل هو الطين المتحجر القاسي.

    جاءت طيور كما في كتاب الله سبحانه ترمي هؤلاء القوم بحجارة من هذا الطين المتحجر القاسي، وبعض أهل العلم ذكر أن كل من أصيب بهذا الطين أصيب بمرض الجدري، وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يشهد لهذا.

    وقد ذهب بعض المفسرين وهم قلة قليلة لا يكاد يلتفت لقولهم: أن هذا الذي أصاب أبرهة وأصحابه إنما هو مرض سريع تفشى فيهم جميعاً.

    وأجيب على هذا بأن قائل هذا القول يحاول أن يمنع هذه المعجزة التي هي انتقام الله من أصحاب الفيل، فقال: ليس هناك شيء، وإنما المرض تفشى في أبرهة وأصحابه، وأجيب على فرض التسليم بصحة هذه المقولة، أن الذي سلط المرض في هذه اللحظة لحظة إرادة التدمير إنما هو الله سبحانه وتعالى، يعني كأنك فررت من شيء فوقعت في شيء آخر، فإن فررت من قدرة الله على إرسال طير أبابيل، فقد وقعت أيضاً في الاستسلام لتقدير الله بإرسال الأمراض في هذه الأوقات.

    وقوله تعالى: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4] وقد أرسلت هذه الحجارة أيضاً على قوم لوط، قال تعالى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [هود:82].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فجعلهم كعصف مأكول)

    قال تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:5].

    العصف: هو التبن على رأي كثير من العلماء، والمأكول هو الذي قد أكل منه، ومن العلماء من قال: إنه الذي أكل وأصبح روثاً، أي: العصف هو التبن وما تأكله البهائم، فالتبن بعد أن تأكله البهائم يصبح مهروساً على حاله من الإهمال.

    فمنهم من قال: عصف مأكول، أي: تبن أو علف للبهائم أكل منه.

    ومنهم من قال: إنه علف البهائم بعد أن أكلته فأصبح روثاً، فهكذا كان حال أبرهة وأصحابه عندما جاءت الطيور وأرسلت عليهم الحجارة، فتمزقت جلودهم وانسلخت عن عظامهم، وأصبح حالهم كالعصف المأكول.

    وفي هذا بيان لقدرة الله سبحانه وتعالى على الانتقام من أعدائه ولمن أراد ببيته سوءاً، فجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد المطلب ومن معه من القرشيين لم يبذلوا أي شيء في الدفاع عن هذا البيت، إلا أنهم دعوا الله سبحانه وتعالى بأن يهلك العدو، فكانت هذه تقدمة بين يدي بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومن ثم امتن الله على القرشيين بها، كما في السورة التي تليها، والتي جعلها بعض أهل العلم هي وسورة الفيل سورة واحد، ألا وهي سورة قريش.

    وقد ذكر فريق من العلماء أن أبي بن كعب رضي الله عنه كان يجعل سورة الفيل وسورة قريش سورة واحدة ويفصل البسلمة التي بينهما، أما جمهور أهل العلم فيجعلون الفيل سورة مستقلة وسورة قريش سورة مستقلة.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756516339