إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (627)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم استقبال القبلة في سجود التلاوة

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز !

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين يقول في نهاية رسالته المرسل: المرضي حسب الله محمد سوداني مقيم في الكويت، أخونا يقول في رسالته: عند قراءتي للقرآن تمر بي بعض الآيات بها سجدة، هل يشترط استقبال القبلة فيها، هذا هو سؤاله الأول حول هذا الموضوع شيخ عبد العزيز ؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فسجود التلاوة سنة وقربة وطاعة فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولكن ليس له حكم الصلاة في أصح قولي العلماء، والأفضل أن يسجد إلى القبلة وأن يكون على طهارة إذا تيسر ذلك، لكن لو سجد إلى غير القبلة أو على غير طهارة أجزأ ذلك على الصحيح، أما الجمهور من أهل العلم فيقولون: إنه لابد من استقبال القبلة إلحاقاً له بالصلاة، والأظهر في الدليل أنه يلحق بالذكر لا بالصلاة، فهو من جنس الذكر، كما يذكر الله الإنسان قائماً وقاعداً، وإلى القبلة وغيرها فهكذا السجود، يسجد إلى القبلة وإلى غيرها، لكن الأفضل والأولى أن يكون سجوده إلى القبلة لأن هذا هو الأفضل وفيه خروج من خلاف العلماء.

    1.   

    ما يقال في سجود التلاوة

    السؤال: سؤاله الثاني حول هذا الموضوع: ماذا يقال في هذه السجدة؟

    الجواب: يقول مثلما يقول في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين، مثل سجود الصلاة سواء، فإن هذا يقال في سجود الصلاة، وإذا دعا بذلك فكذلك الدعاء مشروع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) وقال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) ، فالدعاء مشروع في السجود في الصلاة النافلة والفريضة، وهكذا سجود التلاوة وسجود الشكر، يشرع فيها مثلما يشرع في سجود الصلاة.

    المقدم: هل بعدها سلام؟

    الشيخ: ليس لها سلام على الصحيح، إنما يكبر في أول السجود فقط، وليس لها تكبير ثاني وليس لها سلام هذا هو الصحيح، لكن إذا كان في الصلاة سجد للصلاة يكبر عند السجود وعند الرفع إذا كان في الصلاة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا كان في الصلاة يكبر في كل خفض ورفع عليه الصلاة والسلام، أما في خارج الصلاة فإنه يكبر عند السجود فقط، ويكفي.

    1.   

    حكم قول: (يا لطيف) بصوت جماعي بعد الصلاة

    السؤال: سؤاله الثاني: دخلت أحد المساجد لأداء صلاة الجمعة، وبعد نهاية الصلاة والتسبيح بالباقيات الصالحات سمعت الإمام يقول: يا لطيف! وشرع المصلون في قولها، سألت جاري فقال لي: قلها مائة مرة واسمع من أركان المسجد نغمة آمين، يرددها المصلون، فهل هناك دليل على قول: يا لطيف! بعد الباقيات الصالحات؟ وما الحكم؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: لا نعلم على هذا دليلاً، بل هو من البدع التي أحدثها الناس، كونه يقول: يا لطيف! مائة مرة، أو عشر مرات أو أقل أو أكثر، على طريقة ثابتة بعد كل صلاة هذا لا أصل له، بل هو من البدع، أما إذا قالها عارضاً عند قيامه: يا لطيف! الطف بنا، أو: يا لطيف! اغفر لي، أو يا رحمان! اغفر لي، عارض شيء ليس بمعتاد وإنما هو عند قيامه، أو في حال مشيه أو في حال ذكره لله لا بأس بهذا، أما اتخاذ هذا عادة يقولها بعد كل صلاة أو يقولها هو والجماعة بعد كل صلاة في السنة الراتبة عشر مرات أو مائة مرة أو أكثر أو أقل هذا لا أصل له، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني فهو مردود.

    1.   

    حكم الترخص برخص السفر إذا كان السفر غير شاق

    السؤال: أحل للمسافر الإفطار في رمضان، وكذلك قصر الصلاة فكان في الماضي يتعب المسافر لأن السفر كان شاقاً ومتعب، ولم تتوفر سبل المواصلات فكانت على الدواب، وبحمد الله الآن تطورت المواصلات وصارت أكثر من سهلة ومريحة بإمكان المسافر أن يصل مكانه بكل سهولة ويسر ودون عناء، فهل يجوز له أن يفطر في هذه الحالة؟

    الجواب: الرخصة في السفر رخصة عامة في الوقت الحاضر وقبله وفيما يأتي أيضاً؛ لأن الذي شرعها وهو علام الغيوب سبحانه وتعالى يعلم كل شيء، ويعلم أحوال العباد في وقت التشريع وهكذا في الأوقات المستقبلة مثل وقتنا الله يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، ولو كان التشريع يختلف لقال: إذا تيسرت الأسفار أو جاءت مراكب مريحة فلا تقصروا ولا تجمعوا، ما قال هذا، لا قاله الرب سبحانه ولا قاله الرسول عليه الصلاة والسلام.

    قال العلماء: إنما قصرت الصلاة في السفر؛ لأنه مظنة للتعب والمشقة، والمظنة يستوي وجودها وعدم وجودها مادام أنها مظنة فالسفر مظنة المشقة ولكن ليس وجودها شرطاً، فإذا كان السفر مريحاً على إبل مريحة وعلى أوقات مريحة فالقصر مشروع، وهكذا الآن في السيارات والطائرات والقطارات والمركبات الفضائية كلهم طريق واحد، يشرع القصر ويشرع الجمع للمسافر، ولو كان في غاية الراحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين شرع ذلك لم يقيد، والله في كتابه العظيم لم يقيد بالمشقة، فعلم بذلك أن المسافر يقصر ويجمع ويفطر وإن كان سفره مريحاً في السيارة أو في الطائرة أو في غير ذلك، والحمد لله على كل حال.

    1.   

    حكم الجمع بين الصلاتين في المطر

    السؤال: في إحدى المرات كنا عند بعض الجماعة فنزل المطر، وكان ذلك وقت صلاة المغرب، وبعد أن صلينا المغرب قال أحدهم: أقيموا صلاة العشاء فجمعنا العشاء مع المغرب، ولم أكن أعرف شيئاً عن ذلك، ولما سألته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نزل خير فاجمعوا) ولم أذكر بالضبط نص الحديث، فهل صلاتنا صحيحة؟ وهل ورد ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: الجمع في المطر وفي المرض مشروع، وهو من الرخص التي جاء بها الإسلام، وأما الحديث الذي ذكره لك الشخص (إذا نزل خير فاجمعوا) هذا لا نعلم له أصلاً ولا يعرف في السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه من عمل السلف ، من عمل السلف الصالح الجمع في المطر، وهكذا دل الحديث على ذلك حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن النبي جمع صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء والظهر والعصر في غير خوف ولا مطر ولا سفر) فدل ذلك على أن الجمع للمطر أمر معلوم، كما أن الجمع للسفر أمر معلوم.

    فإذا كان هناك مطر يشق على الناس أو دحض في الأسواق وزلق في الأسواق يشق على الناس شرع الجمع من باب التيسير على المسلمين والتسهيل عليهم، وقبول رخص الله سبحانه وتعالى، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته).

    وهكذا المريض يجمع لدفع المشقة.

    1.   

    الوفاء بحقوق المخلوقين عن المتوفى من تركته

    السؤال: رسالة مطولة بعث بها أحد الإخوة المستمعين وقع في نهايتها بقوله المليجي من جدة، أخونا رسالته كالتالي، يقول: والدي دخل شريك مع أحد الأشخاص، على الشخص رأس المال وعلى والدي أن يدير المحل، وكنت أنا الذي أدير المحل، والدي للأسف الشديد كان يأخذ مالاً من محل الشراكة ويدخله في محله الخاص به، وكنت لا أقبل هذا الفعل من والدي، ولكن كنت لا أستطيع أن أعمل شيئاً، وهذا والدي! المهم استمر هذا الوضع إلى أن حان وقت الجرد وانتهت الشراكة وحصل طبعاً خلط في مال والدي؛ لأنه أدخل مال الشراكة في ماله الخاص، وهذا أنا أعرفه خطأ، وبعد ذلك ذهب والدي وحج من ماله المخلوط، الآن والدي توفي يرحمه الله، والشريك توفي يرحمه الله، والسؤال: هل علي أنا شيء لأني كنت أسمح لوالدي أن يأخذ من مال الشراكة؟ وإذا كان علي شيء أنا هل من الممكن أن آخذ العفو والسماح من أبناء الشريك؛ لأنه قد توفي كما أسلفت ولوالدي، أرجو أن تفيدوني حول هذه القضية؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: الواجب عليك السعي في تخليص ذمة والدك، إما بأن تدفع له ما تعتقده أنه حق لهم لأولاد الشريك، وإما أن تستسمحهم إذا كانوا مرشدين فإذا سمحوا عن والدك وعفوا عما أخذ من مالهم فلا حرج، أما إن كانوا غير مرشدين بل قاصرون فإنك تعطيهم حقهم الذي تعتقد أن أباك استأخذه من مال الشركة، تخرجه من التركة وتعطيهم إياه، وإذا كان معك شركاء في التركة تخبرهم بما جرى حتى يوافقوك على ما يبرئ الذمة لوالدك، فإن أبوا هذا إلى المحكمة، ترفع الأمر إلى المحكمة، والمحكمة تأمركم بما ترى في ذلك، أما إن وافق الشركاء معك يعني: الورثة معك من أبيك إذا وافقوا على أنك تدفع لأولاد الشريك ما دخل على أبيك فالحمد لله، أو عفا ورثة الشريك -عفوا- عما دخل على أبيك فالموضوع يعتبر منتهي، والحمد لله.

    1.   

    حكم الصلاة بجوار رجل كان منفرداً خلف الصف

    السؤال: له سؤال آخر يقول فيه: دخلت إلى المسجد ووجدت أحد المأمومين يقف منفرداً خلف الصفوف، ووقفت معه، ودخلت في الصلاة ثم زاد الصف طولاً وانتهت الصلاة، فقلت له: يا أخي! الوقوف منفرداً خلف الصف لا تصح صلاة من فعل ذلك على ما سمعت من هذا البرنامج، قال لي: بأنه حاول أن يسحب أحداً من الصف الذي أمامه لكن لم يستجب له أحد، الآن ما صحة صلاته هو وما صحة ما فعلت أنا؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: إذا كان الشخص الذي سبقك وقف في الصف ثم جئت قبل الركوع أو بعد الركوع صحت صلاتكما جميعاً، أما إذا كان مجيئك بعدما صلى ركعة أو أكثر فإن صلاتك صحيحة؛ لأنك تعتقد سلامة صلاته، وصلاته غير صحيحة عليه أن يعيدها، أما إن كنت تعلم أن صلاته باطلة حين وقفت معه فعليك أن تعيد أيضاً، لكن إذا كنت لا تعتقد ذلك وتجهل الحكم الشرعي فصلاتك صحيحة أو كان وقوفه قبل الركوع أو بعد الركوع لكن جئت معه قبل أن يسجد في الركعة الأولى فإن صلاتكما صحيحة أيضاً، لقصة أبي بكرة لأن أبا بكرة الثقفي رضي الله عنه جاء والنبي راكعاً عليه الصلاة والسلام فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بالإعادة، فدل على أن من وقف دون الصف في الركوع أو فيما بعد الركوع لكنه أدرك السجود في الصف أو صف معه غيره فإن صلاته صحيحة.

    1.   

    تقييم كتاب الروح لابن القيم

    السؤال: يسأل -سماحة الشيخ- عن كتاب الروح لـابن القيم ؟

    الجواب: كتاب مفيد عظيم الفائدة فيه علم جم، ومسائل مفيدة، وفيه بعض الأشياء المرجوحة، طالب العلم إذا قرأه يعرف الراجح من المرجوح، ولكنه كتاب مفيد جداً في بابه وفيه علم كثير، وتحقيقات كثيرة ينتفع بها طالب العلم، ولكن ليس كل ما في الكتاب صحيحاً؛ لأن كل عالم يخطئ ويصيب، وكل عالم يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، فهناك مرائي وأشياء ذكرها قد لا يتابع عليها وكذلك ترجيحه لبعض المسائل قد لا يتابع عليه رضي الله عنه ورحمه، ولكن هذا يحتاج إلى علم.

    فالذي يراجع الكتاب ويقرأ الكتاب إذا كان ذا علم وذا بصيرة سوف يفهم ما يقوم عليه الدليل وما لا يقوم عليه الدليل.

    1.   

    حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

    السؤال: المستمع محمد حازم عبد العزيز من الدمام بعث برسالة يقول فيها: أنا من جمهورية مصر العربية ويوجد بالبلدة التي أعيش فيها مسجد به قبر في غرفة بطرف المسجد، يفصل بينهما باب، أصلي بهذا المسجد أحياناً، أنكر علي بعض الأشخاص وقال: لا تصل في هذا المسجد؛ لأن فيه قبراً، أستشيركم في هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: إذا كان القبر خارج سور المسجد فلا يضر الصلاة في المسجد، ولكن ينبغي مع هذا إبعاده عن المسجد مع المقبرة، حتى لا يحصل تشويش على الناس، أما إذا كان في داخل المسجد فإنك لا تصل في المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق على صحته، ولقوله أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) أخرجه مسلم في صحيحه، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد، فليس لنا أن نتخذها مساجد، سواء كانت القبور للأنبياء أو للصالحين أو لغيرهم ممن لا يعرف.

    فالواجب أن تكون القبور على حدة في محلات خاصة، وأن تكون المساجد سليمة من ذلك لا يكون فيها قبور.

    ثم الحكم فيه تفصيل: فإن كان القبر هو الأول -أو القبور- ثم بني المسجد فإن المسجد يهدم، ولا يجوز بقاءه على القبور؛ لأنه بني على غير شريعة الله، فوجب هدمه.

    أما إن كانت القبور متأخرة والمسجد هو السابق، فإن الواجب نبشها ونقل رفاتها إلى المقبرة العامة، كل رفات قبر توضع في حفرة خاصة ويواسى ظاهرها كسائر القبور، حتى لا تمتهن وتكون من تبع المقبرة التي دفن فيها الرفات، حتى يسلم المسلمون من الفتنة بالقبور.

    والرسول صلى الله عليه وسلم حين نهى عن اتخاذ المساجد على القبور مقصوده عليه الصلاة والسلام سد الذريعة التي توصل إلى الشرك؛ لأن القبور إذا وضعت في المساجد يغلو فيها العامة ويظنون أنها وضعت لأنها تنفع ولأنها تقبل النذور، ولأنها تدعى ويستغاث بأهلها فيقع الشرك، فالواجب الحذر من ذلك، وأن تكون القبور بعيدة عن المساجد تكون في محلات خاصة، وتكون المساجد سليمة من ذلك.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت...)

    السؤال: الرسالة التالية رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين يقول: أخوكم في الإسلام من العراق صلاح محمد شعبان ، سؤالي: أرجو أن تتفضلوا بتفسير الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243] الآية؟

    الجواب: على ظاهرها، على ظاهرها أن يبين سبحانه وتعالى أن الفرار من الموت لا يمنع الموت ولا يمنع من قدر الله شيء سبحانه وتعالى، فالواجب على المؤمن أن يستعد للقاء الله، وأن يعمل الصالحات وأن يتوب من السيئات حتى إذا هجم عليه الأجل إذا هو قد استعد للقاء ربه بطاعته والتوبة إليه، أما فراره من بلد إلى بلد أو من مستشفى إلى مستشفى ليسلم من الموت فهذا لا ينجيه من عذاب الله، ولا يمنع الموت من المجيء إليه، الأجل متى وصل لم يمنع منه مانع، كما قال عز وجل: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11] قال سبحانه: إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس:49] ولهذا قال.. فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243].

    فالمقصود أن الخروج من البلاد أو من القبيلة أو من إقليم إلى إقليم أو من حي إلى حي لأجل خوف الموت لا يمنع من الموت، كما قال الله سبحانه: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] فالموت لابد منه، كما قال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185].

    فالواجب الإعداد للموت والتأهب بالأعمال الصالحات، بأداء فرائض الله، بترك محارم الله، بالوقوف عند حدود الله، بالتوبة إليه من سائر المعاصي، بالتعاون على الخير، بالتواصي بالحق والصبر عليه، هذا هو الواجب على أهل الإسلام، ولا ينبغي أن يغرهم الشيطان بأن صحتهم أو فرارهم إلى مستشفيات راقية أو إلى بلاد صحية أو إلى غير هذا من أسباب الحياة أو من أسباب الرفاة أو من أسباب الصحة لا ينبغي أن يغرهم هذا، فإن الموت لا يمنعه مانع، ولو كان في أصح البلاد، ولو كان في أرقى مستشفى، متى جاء الأجل لم يمنعه مانع كما سمعت من الآيات الكريمات.

    1.   

    كيفية قضاء صلاة الفجر لمن نام عنها

    السؤال: يسأل أخونا أيضاً ويقول: في أحد الأيام لم أستطع تأدية صلاة الصبح بسبب النوم، فكيف أقضيها لو سمحتم؟

    الجواب: الواجب على المسلم أن يتخذ الأسباب التي تعينه على صلاة الفجر في الجماعة، وهكذا بقية الصلوات، فإذا كان المانع السهر، فالواجب عدم السهر أن ينام مبكراً حتى يقوم للصلاة في وقتها، فإن كان المانع ما عنده من يوقظه فيتخذ ساعة منبهة يرشدها على الوقت المطلوب حتى إذا جاء الوقت سمع المنبه فقام إلى الصلاة، أو يؤكد على أهله الذين يثق بهم أن يوقظوه في الوقت.

    أما التساهل وعدم المبالاة فهذا معناه الموافقة على ترك الصلاة، وعدم المبالاة بها والعياذ بالله، فيكون آثماً ومتشبهاً بأعداء الله المنافقين، الذين قال فيهم سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لقد رأيتنا ومن يتخلف عنها -يعني الصلاة في الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق.

    فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة الحذر من التساهل بالصلاة، والواجب اتخاذ الأسباب المعينة على أدائها في الوقت، الفجر وغيره في جميع الأوقات، فالذي يسهر يجب عليه ألا يسهر حتى يقوم لصلاة الفجر، والذي يتساهل في عدم توكيد الساعة على الوقت المطلوب يعتني بالساعة ويوكدها على الوقت المطلوب حتى يسمع التنبيه، والذي عنده أهل يوقظونه يوصيهم بذلك، يفعل الأسباب التي تعينه على أداء الصلاة، وليس له التساهل في ذلك أبداً، وهكذا بقية الصلوات، يعتني بالأسباب التي تعينه على أدائها في الوقت، ولا يتساهل في ذلك حتى يكون في ذلك متشبهاً بالمنافقين، نسأل الله للجميع الهداية والسلامة.

    1.   

    حكم بقاء الزوجة عند زوج لا يصلي ويأمرها بترك الصلاة

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من إحدى الأخوات المستمعات تقول السائلة (م. ر. ع) أختنا تقول في رسالتها إنها فتاة في مقتبل العمر، زوجني أبي بشخص لا يعرف عنه شيئاً سوى أنه من نفس العائلة، وبعد الزواج بدت منه أفعال مشينة لا يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو تارك للصلاة، سيئ العشرة، وما خفي كان أعظم، وأنا الآن أطلب التفريق، وخاصة أنه يطلب مني ترك الصلاة، الأمر الذي وقف في وجهي أنه يطلب أن أدفع له المهر أضعافاً مضاعفة، وجهوني حول هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: لقد أساء والدك عفا الله عنا وعنه في تزويجك على شخص لا يعرف حاله الدينية، فهذا غلط من والدك، والواجب على كل والد وعلى كل ولي أن ينظر لموليته وألا يزوجها إلا ممن يعرف عنه الدين والصلاح والخير، وألا يتساهل في هذا الأمر لا لقريب ولا لغير قريب؛ لأنها أمانة في ذمة الولي فالواجب أن يختار لها من يعرف عنه الصلاح والخير وحسن السمعة والمحافظة على الصلاة في الجماعة.

    وإذا فرط في هذا أساء وأثم، وللمولية الخيار في ذلك، فإذا رأت ما يسوءها من المعاصي فلها أن تطلب الفسخ، تطلب الطلاق، وإذا رأت منه ما يوجب الكفر وجب عليها ذلك كترك الصلاة؛ لأن ترك الصلاة كفر، فالذي يترك الصلاة ويأمر بترك الصلاة من أكفر الناس نعوذ بالله، ولو قال: إنه يعلم وجوبها ويقر بوجوبها، مادام يتركها وعلاوة على ذلك يأمر بتركها فهذا شره عظيم، وقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة).

    فالواجب عليك الذهاب إلى أهلك، وعدم تمكينه من نفسك، حتى يتوب إلى الله عز وجل، ويحافظ على الصلاة كما أمر الله، ثم بعد ذلك يجدد النكاح له، بزواج شرعي إذا رضيت بذلك، وثبتت التوبة يجدد النكاح، لأن نكاح المسلمة التي تصلي من زوج لا يصلي لا يجوز، ولا يصح، فالنكاح غير صحيح، إذا كان لا يصلي حين النكاح وأنت بحمد الله تصلين فالنكاح غير صحيح.

    وليس له حق في المال في المهر؛ لأن الفراق من جهته هو الذي سبب الفرقة بتركه الصلاة، والنكاح فاسد، والمهر لك بما استحل من فرجك، قد استحل من فرجك بهذا النكاح الفاسد ما حرم الله، فيكون لك المهر، وعلى والدك السعي لدى المحكمة بالتفريق بينك وبينه على الوجه الشرعي الذي شرعه الله لعباده، وبما تراه المحكمة الكفاية إن شاء الله.

    المقدم: جزاكم الله خيراً في آخر رسالتها سماحة الشيخ! تنوه إلى أن الوالد غير مستعجل في هذا الموضوع، فهو لا يسعى إلى التفريق؟

    الشيخ: الوالد عليه أن يتقي الله، وأن يتلافى ما فعل من الشر، وأن يتوب إلى الله من عمله السيئ، وعليه أن يسعى في خلاصك كما فعل ما سبب وقوع ما وقع من هذا النكاح الفاسد، الواجب عليه أن يتقي الله وأن يراقب الله وأن يتصل بالمحكمة حتى تفرق بينك وبينه، إلا إذا تيسر أنه يفارق بدون المحكمة ولو أعطاه والدك بعض الشيء من باب إنهاء النزاع بسرعة فلا بأس إذا أعطاه بعض الشيء معروفاً منه، ليخلصك بسرعة فلا بأس بذلك، وإلا فلا حق له عليك؛ لأنه كافر بتركه الصلاة ولأنه استحل من فرجك ما حرم الله بهذا النكاح الفاسد، فوجب لك المهر، وهذه أمور تعلمها المحاكم الشرعية، وفيها الكفاية، والحمد لله.

    لكن إذا اصطلحتم معه أو مع أقاربه على أن تعطوه شيئاً ويطلق ولا تذهبوا إلى المحكمة فلا حرج في ذلك.

    المقدم: جزاكم الله خيراً شيخ عبد العزيز طالبها أيضاً بأن تترك الصلاة هي فيما لو أصر على بقائها معه، كيف تتيقن من توبته؟

    الشيخ: متى تاب سوف لا يطالبها بترك الصلاة، متى تاب سوف يترك هذا الطلب، فإن طالبها بترك الصلاة فهو غير تائب؛ لأن طلبه ترك الصلاة أعظم وأشنع من تركه الصلاة، نسأل الله العافية.

    المقدم: جزاكم الله خيراً والطريق إلى معرفة توبته يا شيخ عبد العزيز هو؟

    الشيخ: بينات العارفين من جيرانه وأقاربه، إذا شهد له عدلان فأكثر بالتوبة، وظهرت ذلك عليه بشهادة جيرانه ومن حوله من أصدقائه فإن هذا يثبت به أمر التوبة إذا كان الشاهدان فأكثر عدولاً.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    إذاً: لا تعود إليه حتى تتيقن تماماً بهذا الأسلوب الذي تفضلتم به؟

    الجواب: ولا تعود إلا بنكاح شرعي جديد؛ لأن النكاح الأول فاسد، فإذا رضيت بالعود إليه بعد التوبة فلابد من تجديد النكاح.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.

    المقدم: اللهم آمين، مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى.

    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756467214