-
تفسير قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً...)
يقول تبارك وتعالى:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].
قوله تعالى:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا [آل عمران:169].
إذا رجعنا إلى سياق الآيات السابقة يقول عز وجل:
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ [آل عمران:167]، إلى قوله تعالى:
الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:168].
فنلاحظ أن الله تبارك وتعالى بين في هذه الآيات أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر، كما ذكر أيضاً عن المنافقين في سورة النساء أنهم إذا غنم المسلمون وظفروا قال أحدهم:
يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا [النساء:73]، هذا في حالة الغنيمة، أما إذا وقع البلاء وسقط الشهداء فيقول:
قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا [النساء:72] أي: حاضراً، ليس الشهيد المذكور هنا في الآية هو الذي يقتل في سبيل الله، بل المقصود بالشهيد: هو الذي حضر المعركة، والمنافق يحمد الله أنه لم يكن حاضراً ساعة الجهاد والقتال.
فلذلك هنا يبين الله تبارك وتعالى لهم أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر، بل إن كان في سبيل الله فهو من أجلَّ المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون.
إن الحذر من القتل لا يجدي ولا يغني كما قال عز وجل:
قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154] أي: لا تحسبنهم أمواتاً تعطلت أرواحهم.
حياة الشهداء في الجنة
علاقة الروح بالبدن
وقال
البيضاوي : الآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس الذي نحسه ونراه، بل هو جوهر مدرك بذاته، لا يفنى بخراب البدن. أي: أن هذه الآية تدل أن في الإنسان غير هذا الهيكل الجسماني، وإنما له جوهر مدرك بذاته لا يفنى، عنده إحساس وإدراك؛ لأن الأرواح تتنعم وتستلذ، فلا يفنى الإنسان بخراب البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه، وهذا واضح جداً في حالة النوم، فإذا كان الإنسان نائماً فإنه تطرأ عليه كل المشاعر الإنسانية من اللذة والفرح والغم والهم والسرور والبكاء، وغير ذلك من الأحاسيس التي يجدها الإنسان بروحه عند نومه، فالذي يتنعم أو ينقبض في المنام هو الروح، والبدن ساكن، فهكذا أيضاً بالنسبة للأموات.
ومما يؤيد ذلك قول الله تبارك وتعالى:
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، وكذلك حديث: (
أرواح الشهداء في جوف طير خضر) .
يقول
الشهاب : ليس الإنسان مجرد البدن بدون النفس المجردة، بل هو في الحقيقة النفس المجردة، وإطلاقه على البدن لشدة التعلق به، وهو جوهر مدرك بذاته من غير احتياج إلى هذا البدن، فالبدن يحتاج للروح، لكن الروح في إدراكها وإحساسها لا تحتاج إلى البدن؛ لوصف هذا الإنسان أو الروح بعد مفارقة الجسد بالنعيم والسرور وغير ذلك.
وقال
أبو السعود : وفي الآية دلالة على أن روح الإنسان جسم لطيف، لا يفنى بخراب البدن، ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه.
في الحقيقة هناك معنى مهم يتعلق بهذه الآية، سبق أن ناقشناه بالتفصيل في سورة البقرة عند قوله تبارك وتعالى:
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154]، فهذه الآية تثبت حياة للأرواح بعد الممات.
لكن تنفي أيضاً إدراكنا لكيفية هذه الحياة؛ لأنه قال:
بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154]، فنحن لا نستطيع أن ندرك كنه وكيفية هذه الحياة.
تفسير قوله تعالى: (فرحين بما آتاهم الله من فضله
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران:170].
قوله: (( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )) أي: بما أعطاهم من الثواب والكرامة والإحسان.
(( وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ )) أي: بإخوانهم المجاهدين الذين.
(( لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ )) أي: لم يقتلوا فيلحقوا بهم حتى الآن.
(( مِنْ خَلْفِهِمْ )) أي: بقوا من بعدهم وهم قد تقدموهم، أو لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم.
(( وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )) معنى الآية: ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين، وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة، بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به، وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم لمن خلفهم حث للباقين من بعدهم على الجد في الجهاد والرغبة في نيل منازل الشهداء.
تفسير قوله تعالى: (يستبشرون بنعمة من الله وفضل)
تفسير قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم)
في بعض كتب السيرة: أن المشركين أرسلوا رسولاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في حمراء الأسد، فأخبروه بأنهم قد جمعوا المسير إليه وإلى أصحابه؛ ليستأصلوا بقيتهم، فأخبروه بالذي قال
أبو سفيان وأصحابه، هذا الرسول بلغ الرسالة، فقال الصحابة رضي الله عنهم: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، فأنزل الله تعالى في ذلك:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].
(( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ )) أي: الركب الذين استقبلوهم.
(( إِنَّ النَّاسَ )) أي:
أبا سفيان وأصحابه.
(( قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ )) أي: الجموع؛ ليستأصلوكم.
(( فَاخْشَوْهُمْ )) فلا تأتوهم.
(( فَزَادَهُمْ )) ذلك القول.
(( إِيمَانًا )) أي: تصديقاً بالله ويقيناً، يعني: لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا، بل ثبت به .. الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به وينهى عنه، وفي الآية دليل على أن الإيمان يزيد وينقص (( فَزَادَهُمْ إِيمَانًا )).
(( وَقَالُوا حَسْبُنَا الله )) أي: كافينا أمرهم.
(( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))، أي: نعم الموكول إليه، والمفوض إليه الأمر هو الله تبارك وتعالى.
تفسير قوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل)
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].
(( فَانْقَلَبُوا )) أي: رجعوا من حمراء الأسد.
(( بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ )) أي: رجعوا بالعافية وكمال الشجاعة وزيادة الإيمان والتصلب في الدين.
(( لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ )) أي: لم يصبهم قتل ولا جراح، مع أنهم كانوا مستعدين للجهاد.
(( وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ )) بطاعته وطاعة رسوله بخروجهم.
(( وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )) وفيه تحذير للمتخلف، وتخطئة رأيه، حيث حرم نفسه مما رجعوا به.
وفي قوله تعالى: (( وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))، استحباب هذه الكلمة عند الغم والأمور العظيمة، وهي الكلمة التي قالها المؤمنون هنا كما في هذه الآية حينما قيل لهم: (( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ))، وهي التي قالها إبراهيم عليه السلام حينما ألقي في النار.
وهذا هو الراجح في هذه الآية أن تحمل على غزوة حمراء الأسد، وهي التي تسمى: غزوة بدر الصغرى، أو غزوة بدر الثانية.
روى
ابن جرير : أنه لما عمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعد
أبي سفيان فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش، فيقولون: قد جمعوا لكم، يريدون أن يكيدوهم بذلك ويرعبوهم، فيقول لهم المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى قدموا بدراً فوجدوا أسواقها عافية لم ينازعهم فيها أحد، وتخلف المشركون ولم يحضروا الموعد المتفق عليه.
(( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ))، النعمة أنهم سلموا، والفضل أن عيراً مرت في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح فيها مالاً فقسمه بين أصحابه.
يقول
ابن كثير: والصحيح أن الآية نزلت في شأن غزوة حمراء الأسد.
أقوال المفسرين في قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا....) وما بعدها من الآيات
يقول
السيوطي رحمه الله تعالى في هذه الآيات: ونزل في الشهداء -يعني: شهداء أحد قالوا: (
من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق؛ لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد، فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم).
ثم قال تعالى: (( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا ))، بالتخفيف والتشديد. أي: قُتِلوا أو قتِّلوا.
(( فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))، أي: لأجل دينه.
(( أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ ))، يعني: بل هم أحياء حياة لا يدرك أهل الدنيا حقيقتها، كما قال تعالى:
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154].
(( بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ )) (
أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت)، كما في الحديث الذي رواه
مسلم وغيره.
(( يُرْزَقُونَ )) أي: يأكلون من ثمار الجنة.
(( فَرِحِينَ )) حال من ضمير يرزقون.
(( بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ )) أي: يفرحون.
(( بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ))، أي: من إخوانهم المؤمنين، ويبدل من الذين: (( أَلَّا خَوْفٌ )) أي: بأن لا (خوف عليهم) أي: الذين لم يلحقوا بهم (ولا هم يحزنون) أي: في الآخرة.
المعنى: يفرحون بأمنهم وفرحهم.
(( يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ )) أي: ثواب.
(( مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ))، زيادة عليه.
(( وَأَنَّ ))، بالفتح عطفاً على نعمة، وبالكسر استئنافاً يعني: أنها قراءة أخرى ( وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين) أي: بل يأجرهم.
((الَّذِينَ))، هذا مبتدأ.
اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أي: استجابوا دعاءه بالخروج للقتال لما أراد
أبو سفيان وأصحابه العود تواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سوق بدر العام المقبل من يوم أحد.
يقول القاضي
كنعان: ما ذكره
الجلال السيوطي هو قول
مجاهد و
عكرمة .
وقال
القرطبي : وقد شذا في قولهما هذا.
وذلك أن جمهور المفسرين على أن هذه الواقعة هي غزوة حمراء الأسد، فهي بعد أحد مباشرة.
يقول: وقال
ابن إسحاق و
الواقدي : إنها نزلت ثناء على المسلمين الذين شهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معركة أحد، ثم خرجوا معه في اليوم التالي ليوم أحد، خرجوا معه فساروا ثمانية أميال من المدينة وكانوا ستمائة وثلاثين رجلاً، ووصلوا إلى موضع يقال له: حمراء الأسد، فأقاموا به بضعة أيام، ثم رجعوا إلى المدينة من غير أن يلقوا عدوهم، فعرفت هذه بغزوة حمراء الأسد، وكانت جبراً لخللهم يوم أحد عندما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتفرقوا عنه.
قال
القرطبي : وتفسير الجمهور لهذه الآية أنهم سبعون رجلاً انتدبهم النبي صلى الله عليه وسلم ليذهبوا في أثر كفار مكة مخافة أن يرجعوا.
فلذلك كان قول
السيوطي مرجوحاً كما ذكرنا، إنما المقصود هنا غزوة حمراء الأسد؛ وذلك لقوله تعالى:
مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ، أي: في أحد، وخبر المبتدأ (للذين أحسنوا منهم) يعني: بطاعته (واتقوا) أي: مخالفته.
(أجر عظيم) وهو الجنة.
(الذين) هذه بدل من (الذين) قبله أو نعت.
(قال لهم الناس) أي:
نعيم بن مسعود الأشجعي ، وقد أرسله
أبو سفيان ليثبط المسلمين وهم يستعدون للقاء المشركين في موسم بدر.
(( إِنَّ النَّاسَ ))
أبا سفيان وأصحابه المشركين.
(( قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ )) الجموع ليستأصلوكم إن خرجتم للقائهم في موسم بدر.
(( فَاخْشَوْهُمْ )) ولا تأتوهم.
(( فَزَادَهُمْ )) أي: ذلك القول.
(( إِيمَانًا )) تصديقاً بالله ويقيناً.
(( وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ))، أي: هو كافينا أمرهم.
إن كثيراً من الناس يقولون كلمة: (حسبنا الله) ولا يستحضرون معناها.
حسبي الله معناها: الله يكفيني هذا الشر أو هذا الضر أو هذا الأذى، أو يكفيني الرزق أو غير ذلك من الأمور.
(( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) أي: نعم من يفوض إليه الأمر هو الله تبارك وتعالى.
يقول العلامة
الشنقيطي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ))، قال جماعة من العلماء: المراد بالناس القائلين: (( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ))،
نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من خزاعة، كما أخرجه
ابن مردويه من حديث
أبي رافع.
ويدل لهذا التفسير الإشارة المفردة في قوله تعالى:
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175].
قال صاحب الإتقان: قال
الفارسي : ومما يقوي أن المراد به واحد بكلمة الناس قوله: (( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ ))، فوقعت الإشارة بقول: (ذلكم) إلى شخص واحد بعينه، ولو كان المعنى جمعاً لقال: (إنما أولئكم) فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ على أن المقصود شخص واحد.
يقول: (( فَانْقَلَبُوا )) أي: رجعوا من بدر (( بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ )) بسلامة وربح.
(( لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ )) أي: من قتل أو جرح.
(( وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ )) أي: بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الخروج.
(( وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ))، أي: على أهل طاعته.
-
تفسير قوله تعالى: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه..)
-
تفسير قوله تعالى: (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر)
-
تفسير قوله تعالى: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان..)
-
تفسير قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا أن ما نملي لهم خير لأنفسهم..)
-
تفسير قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه)
-
تفسير قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله...)
-
تفسير قوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء...)
قال عز وجل:
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181].
لما نزل قوله تعالى:
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، قالت اليهود: يا محمد! افتقر ربك فسأل عباده القرض، فأنزل الله (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) الآية.
وروى
محمد بن إسحاق عن
ابن عباس أيضاً قال: (
دخل أبو بكر الصديق بيت المدراس -بيت العبادات عند اليهود- فوجد من يهود ناساً كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له:
فنحاص ، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له:
أشيع ، فقال له
أبو بكر : ويحك يا
فنحاص ! اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول من عند الله، قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل، فقال
فنحاص : والله يا
أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقره، وإنه إلينا لفقير، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا، فغضب
أبو بكر رضي الله عنه فضرب وجه
فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله، فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين.
فذهب
فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما صنعت يا
أبا بكر ؟! فقال: يا رسول الله! إن عدو الله قال قولاً عظيماً، يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربت وجهه، فجحد
فنحاص ذلك، وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله عز وجل فيما قال
فنحاص : (( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ))).
ولما كان مثل هذا القول لا يصدر إلا عن تمرد عظيم لكونه في غاية الشناعة أشار إلى وعيده الشديد فقال تعالى: (( سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ))، أي: ما قالوه مع هذه العظيمة الشنعاء، في صحائف الحفظة.
(وقتلهم الأنبياء) أي: سنكتب أيضاً قتلهم الأنبياء بغير حق، وإنما ضمه مع ما قبله إيذاناً بسوابقهم القبيحة، فلذلك ربط الله سبحانه وتعالى هذا القول الشنيع بجرائم آبائهم، ونسبها إليهم مع أنهم ليسوا هم الذين قتلوا الأنبياء اليهود في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا راضين بذلك، بل هم سعوا في قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فليس قولهم: (( إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ )) بأول جريمة يرتكبونها، ومعلوم أن من اجترأ على قتل الأنبياء لا يستبعد منه أن يقول هذا الكلام.
(( وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )).
فوائد من قوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء...)
هنا بعض الفوائد منها:
الأولى: إيراد صيغة الجمع في الآية مع كون قائلها شخص واحد: (( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا )) فتكلم عن هذا الواحد بصيغة الجمع؛ لرضا الباقين بذلك، ونظائره في التنزيل كثيرة.
الثانية: إضافة عذاب الحريق إضافة بيانية، بمعنى: ذوقوا العذاب الذي هو الحريق.
حاسة الذوق تكون لإدراك الطعم، ثم اتسع فيه لإدراك سائر المحسوسات والحالات، وذكره هاهنا لأن العذاب مترتب على قولهم الناشئ عن البخل والتهالك على المال، وغالب حاجة الإنسان إليه هي تحصيل المطاعم، فالذي دفعهم إلى قولهم: (( إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ )) هو بخلهم، فهم يبخلون بأن يؤتوا مما آتاهم الله من فضله.
المال إنما يقصد بصفة أساسية من أجل أن يأكل الإنسان منه، فأهم شيء عند الإنسان من تحصيل المال هو الطعام؛ فلذلك هم يتهالكون على هذا المال خوفاً من فقدان هذا الطعام، ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال؛ لأن أغلب استعمالات المال هي في الطعام.
كما قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] وقوله تعالى:
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188].
-
تفسير قوله تعالى: (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182]
قوله تعالى: (( ذَلِكَ )) أي: العذاب.
(( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ )) تقديم الأيدي هو عملها؛ لأن من يعمل شيئاً يقدم يده، والتعبير بالأيدي عن الأنفس؛ لأن عامة أفاعيلها إنما تزاول بهن، فهو من قبيل التعبير عن الكل بالجزء الذي مدار العمل عليه.
صيغة المبالغة في قوله: (ظلام) ووجه الإشكال والجواب عنه
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182] (ظَلَّامٍ) صيغة مبالغة من الظلم، تفيد كثرة الظلم، ولا يلزم من نفي الظلم الكثير نفي الظلم القليل، فلو قيل: (وأن الله ليس بظالم) لكان أدل على نفي الظلم قليله وكثيره، فما الجواب عن ذلك؟
الجواب من أوجه:
أحدها: أن الصيغة للنسب من قبيل نسبة البزاز إلى البز والحرير، والعطار إلى العطر، لا للمبالغة.
أن الله لا ينسب إلى الظلم؛ لأنه عندما تقول -ولله المثل الأعلى-: هذا ليس بعطار، فأنت لا تقصد المبالغة، وإنما تقصد نفي نسبته إلى بيع العطر.
الوجه الثاني: أن صيغة (فعال) استعملت في لغة العرب لا على معنى الكثرة والمبالغة، بل تأتي على معنى الفاعل كقول
طرفة :
ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترشد القوم أرشد
هذا في معلقة
طرفة بن العبد التي مطلعها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
يقول
التبريزي في قوله: ولست بحلال التلاع: (التلاع) مجاري الماء من رءوس الجبال إلى الأودية.
(وقوله: (ولست بحلال التلاع) أي أنني لا أتواجد في ذلك المكان ولا أسكنه مخافة أن يراني ابن السبيل والضيف، فهو ينزه نفسه عن البخل؛ لأن الذي يريد أن يهرب من الضيوف بسبب البخل يختبئ في هذه التلاع.
قوله: (ولكن متى يسترشد القوم أرشد).
أي: أنني لا أحل في التلاع، بل أنزل في الفضاء وأرشد من يسترشدني، وأعين من استعانني.
والرشد يكون بالعطية، ويكون بالمعونة.
فمثل هذا الشخص الكريم الذي ينزه نفسه عن البخل، بقوله: (ولست بحلال التلاع) لا يقصد بذلك نفي المبالغة، لأن المعنى سيكون مقتضياً أنه في بعض الأحيان يختبئ من الضيوف أو من ابن السبيل؛ فلذا كان يقصد مجرد الحلول بدون المبالغة؛ فهنا جاءت (فعال) لا يراد بها الكثرة؛ لأن تمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة.
الوجه الثالث: هو أن المبالغة جاءت لمراعاة الجميع، كما تقول العرب مثلاً: فلان ظالم لعبده، ثم يقولون: وهو ظلام لعبيده، فتستعمل كلمة (فعال) إذا كان المتعلق به الفعل جمعاً.
كذلك هنا نزه الله تعالى نفسه عن ذلك بقوله: (( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ))، لرعاية صيغة الجمع في العبيد.
الوجه الرابع: أنه إذا انتفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة؛ لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر، كان للظلم القليل المنفعة أترك.
الوجه الخامس: أن المبالغة لتأكيد معنىً بديع؛ وذلك لأن جملة (( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ )) اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبلها، بمعنى: أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده لغير ذنب.
والتعبير عن ذلك بنفي الظلم؛ لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك، ولتصويره بصورة يستحيل صدور الظلم عنها، كما يعبر عن ترك الإفادة عن الأعمال بإضاعتها، فصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى ولإبراز ما ذكر من التعبير بغير ذنب في صورة مبالغة في الظلم.
(( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ )) فالله سبحانه وتعالى لو عذب الناس بدون ذنب يرتكبونه هل يكون ظلاماً للعبيد؟! هذه صيغة منفرة ينزه الله سبحانه وتعالى عنها؛ بل إنما يعذبهم بسبب ما اقترفوه من الذنوب.
-
تفسير قوله تعالى: (الذين قالوا إن الله عهد إلينا...)
-
تفسير قوله تعالى: (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك...)
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:184].
(فإن كذبوك) أي: بعد بطلان عذرهم المذكور.
(فقد كذب رسل من قبلك) فلا تحزن وتسلَّ.
(جاءوا بالبينات والزبر)، الزبر: جمع زبور أي: الكتب الموحاة منه تعالى.
(والكتاب المنير) أي: الواضح الجلي.
والزبور والكتاب واحد في الأصل؛ وإنما ذكرا لاختلاف الوصفين، فالزبور فيه حكم زاجرة، والكتاب المنير هو المشتمل على جميع الشريعة.
حقيقة القربان عند أهل الكتاب وأنواعه
هنا فائدة تتعلق بقربان أهل الكتاب وتشريعه عندهم:
القربان معناه لغة: ما يتقرب به إلى الله تعالى وسيلة لمرضاته، وكانت ذبائح العبرانيين عجيبة جداً، وكان المستعمل لهذه الذبيحة بتعيين الله: الثيران والنعاج والمعز والحمام واليمام، وكانت الذبائح على نوعين عامين:
الأول: كانت تقرب لتكفير الخطايا.
الثاني: كانت تقرب شكراً لله على نعمة وبركاته.
ثم قال صاحب كتاب (مرشد الطالبين): فالذبيحة اليومية عند أهل الكتاب كانت مشهورة جداً، كان عليهم أن يتقربوا إلى الله سبحانه وتعالى يومياً في الصباح والمساء بهذه الذبائح.
الذبيحة اليومية عندهم خروف ليس فيه عيب، يقدم كفارة للخطايا، وذلك مرتان: صباحاً ومساءً طول مدة السنة، فالتي في الصباح تقدم عن خطايا الشعب ليلاً، والتي في المساء عن خطاياهم نهاراً، وقبل فعل الذبيحة تعترف كل الشعوب بخطاياها فوق الحيوان المراد ذبحه على يد الكاهن الخادم.
ولهذا ينقل الإثم إليه بواسطة وضع وكلاء الشعب أيديهم على رأسه، ثم يذبح ويقرب وقودا، وفي غضون ذلك تسجد الجماعة في الدار وتبخر الكهنة على المذابح الذهبية، ويقدمون الطلبات لله عن الشعب، وأما في يوم السبت فكانت تتضاعف الذبيحة، ويقرب في كل دفعة خروفان.
خلاصة الكلام فيما يتعلق بهذه الآية يقول تعالى: (( تَأْكُلُهُ النَّارُ )) أي: أنه يذبح على هذه الكيفية، فبعدما يذبح تنزل نار من السماء فتأكله، وتكون معجزة وآية كما حصل في عهد موسى وهارون من نزول النار وأكلها الذبيحة، وفي عهد سليمان أيضاً كما جاء في كتبهم: (أن سليمان لما أتم الدعاء هبطت النار من السماء وأكلت الذبائح) وكان جميع بني إسرائيل يعاينون هبوط النار.
-
تفسير السيوطي لقوله تعالى: (الذين قالوا إن الله عهد إلينا..) وما بعدها
يقول
السيوطي رحمه الله تعالى هنا: (( الَّذِينَ )) هذه نعت للذين قبله (( قَالُوا )) أي: لمحمد صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا )) أي: قد عهد إلينا في التوراة (( أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ )) أي: لا نصدق رسولاً (( حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ))، فلا نؤمن لك حتى تأتينا أنت أيضاً بقربان تأكله النار، وهو ما يتقرب به إلى الله من نعم وغيرها، فإن قبل هذا القربان جاءت نار بيضاء من السماء فأكلته وإلا بقي مكانه.
والعهد إلى بني إسرائيل كان موجوداً، لكن في حق المسيح ومحمد لم يعهد إليهم بذلك، قال تعالى: (( قُلْ)) لهم توبيخاً: (( قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ )) أي: بالمعجزات (( وَبِالَّذِي قُلْتُمْ )) كزكريا ويحيى فقتلتموهما، والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان الفعل لأجدادهم؛ لكنهم كانوا راضين بفعل أجدادهم.
(( فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) أي: في أنكم تؤمنون عند الإتيان به.
(( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ )) أي: المعجزات (( وَالزُّبُرِ )) كصحف إبراهيم وفي قراءة بإثبات الباء فيهما.
(( وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ )) أي: الواضح وهو التوراة والإنجيل، والمعنى: فاصبر كما صبر هؤلاء الرسل الذين كُذِّبوا.
-
تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم...)