إسلام ويب

دروس من وصايا لقمان لابنه [2]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من وصايا لقمان لابنه مراقبة الله في السر والعلن، وإقام الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التكبر والإعجاب بالنفس، والقصد في المشي دون خيلاء ولا تمارت.

    1.   

    مراقبة الله في السر والعلن

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    عباد الله! لقد تضمن كتاب الله قواعد كلية ووصايا نافعة، وإرشادات سديدة، من أخذ بها أفلح وأنجح، ومن أعرض عنها خسر في الدنيا والآخرة، ومن تلكم القواعد والوصايا وأسباب السعادة ومسالك التربية وصايا لقمان رحمه الله تعالى لابنه، قال الله عز وجل حاكياً عن لقمان رحمه الله أنه يوصي ابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ [لقمان:16]، أوصاه أولاً بالتوحيد، ونبذ الشرك وشوائبه يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13]، ثم بعد ذلك أوصى لقمان ابنه يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16].

    هذه هي الوصية الثانية من وصايا لقمان رحمه الله لابنه حيث يوصيه بمراقبة الله عز وجل، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ [لقمان:16] أي: وزن، حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ [لقمان:16] الخردل: نبات يضرب المثل بصغار حبه، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ [لقمان:16] أي: في أخفى مكان، أَوْ فِي السَّمَوَاتِ [لقمان:16] أي: في أعلى مكان، أَوْ فِي الأَرْضِ [لقمان:16] أي: في أسفل مكان، فإن الله سيأتي بهذا العمل إن صالحاً فتجازى عليه، وإن كان غير ذلك فستعاقب عليه، يوصي ابنه بأن يراقب الله عز وجل، وأن أي عمل يعمله في أي مكان سواء كان ذلك المكان خفياً، أو كان في أعلى مكان أو أسفل فإن الله مطلع عليه وسامع له، فحري بالمسلم وجدير به وقمن أن يراقب الله عز وجل في أفعاله وأقواله، وأن يستحضر مراقبة الله.

    الله سبحانه وتعالى نصب عليك يا عبد الله! أربعة يراقبونك وسيشهدون عليك يوم القيامة، فالله سبحانه وتعالى مراقب لك، سامع لقولك، شاهد لفعلك، أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [البقرة:77]، وقال سبحانه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7].

    وقال سبحانه وتعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، والسميع الذي وسع سمعه كل المسموعات، والبصير الذي وسع بصره كل المبصرات، بل جعل الله عليك ملائكةً كراماً كاتبين سيشهدون عليك يوم القيامة، ويحفظون عليك عملك، يسجلونها عليك، قال الله عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وقال سبحانه: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وقال سبحانه: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11]، بل جعل الله جوارحك شاهدةً عليك يوم القيامة، قال الله عز وجل: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21].

    وقال سبحانه: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].

    بل الأرض التي تمشي على مناكبها وتدب على ظهرها ستشهد عليك يوم القيامة، قال الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]، قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله تعالى عنهم: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تخبر عن كل عامل بما عمل عليها).

    لا بد يا عبد الله! أن تستحضر هذه المراقبة، وتمام هذه المراقبة، فإنك إذا استحضرت هذه المعاني العظيمة، فإن هذا سيحدث في قلبك رجوعاً إلى الله عز وجل، وحياةً في القلب، ورغبةً في التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.

    وهكذا عباد الله! علينا أن نربي أنفسنا، وأن نربي أولادنا على مراقبة الله عز وجل، وأن الله سامع لأقوالنا، شاهد لأفعالنا، فإن هذا من أعظم الأسباب والدوافع إلى الرجوع والتوبة إلى الله عز وجل، وإقامة أمره، واجتناب نهيه.

    1.   

    الأمر بإقامة الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها

    يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [لقمان:17]، هذه هي الوصية الثالثة التي يوصي لقمان رحمه الله ابنه، يوصيه بأن يقيم الصلاة، والصلاة أمرها عظيم وشأنها كبير، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [لقمان:17]، أي: ائت بها مستقيمةً بشروطها وأركانها وواجباتها، ولم يأمره بأن يفعل الصلاة، بل أمره أن يأتي بها مستقيمة، فالصلاة لا تبرأ بها الذمة بمجرد الفعل، بل لا تبرأ الذمة إلا إذا أتى بها العبد مستقيمةً تامة الأركان والشروط والواجبات، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل هو الصلاة، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم وهو في آخر حياته: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم).

    وقد ذكر اللالكائي رحمه الله تعالى الآثار الكثيرة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفر تارك الصلاة، وفي حديث جابر المخرج في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، وفي حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).

    لا بد يا عباد الله! أن نأتي بهذه الشعيرة العظيمة، مستقيمة الأركان والشروط والواجبات، وإنك لتأسف أن تجد بعض الناس يخل بشيء من أركانها أو شروطها أو واجباتها، ومن الأركان التي يخل بها بعض الناس ركن الطمأنينة، فلا تجد بعض المصلين يطمئن في صلاته، بل تجده يركع مسرعاً، ويسجد مسرعاً، ويرفع بعد الركوع أو السجود مسرعاً، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً في المسجد، فجاء رجل فصلى، ثم أتى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فصل فإنك لم تصل، فعل ذلك ثلاث مرات، وبعد الثالثة قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً).

    لا بد من السجود على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، لا بد من السجود على الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين، فبعض الناس يخل ببعض شروط الصلاة، ومن أهم شروط الصلاة التي يخل بها بعض الناس شرط الوقت، فتجد بعض الناس لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، وربما أخر العصر إلى اصفرار الشمس، وهذا كله إخلال بشرط هو أعظم شروط الصلاة، قال الله عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، وكلنا يعلم أنه لو صلى أحد بلا وضوء فإن صلاته لا تصح، فكذلك أيضاً إذا صلى خارج الوقت فإن صلاته لا تصح، كلنا يعلم أنه لو صام في غير وقت الصيام أو حج في غير وقت الحج فإن عبادته لا تصح، فكذلك أيضاً الصلاة، أيضاً بعض الناس يخل ببعض واجبات الصلاة، ومن ذلك صلاة الجماعة، فيتأخرون عن صلاة الجماعة، وخصوصاً جماعة الفجر، وقد قال الله عز وجل: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، وفي حديث ابن أم مكتوم في قصة الأعمى الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: أجب لا أجد لك رخصة)، وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم هم أن يحرق عن المتخلفين بيوتهم بالنار).

    1.   

    الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ [لقمان:17]، هذه هي الوصية الرابعة من وصايا لقمان لابنه رحمه الله: يوصيه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام العظيمة، وليست خاصةً بجماعة أو طائفة أو هيئة، بل كل مسلم عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن يدعو إلى الله عز وجل، وأن يحمل راية الإسلام، وأن يكون أداة خير وهدىً وإرشاد، وألا يكون معول هدم، قال الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، وقال سبحانه وتعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، وقال سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110].

    وفي الصحيح من حديث أبي رقية تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة) فحصر النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله بالنصيحة، فحري بنا عباد الله! أن نربي أنفسنا على هذه الشعيرة العظيمة، وأن نكون مفاتيح خير، وأن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، نبدأ بأنفسنا ونأمرها بالمعروف؛ نأمرها بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وننهاها عن المنكر؛ عن مشاهدة المحرمات، وسماع المحرمات من الغيبة والنميمة والغناء وغير ذلك، وأن نربي أولادنا على هذه الشعيرة العظيمة، وأن نأمرهم بها، وأن نأمر جيراننا وبقية إخواننا المسلمين.

    أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يجعلني وإياكم ممن يستمع الذكر، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم! اجعلنا من المصلين، واجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

    أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    التحذير من الكبر والعجب

    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم وأبارك على من بعثه الله رحمةً للعالمين.

    وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ [لقمان:18]، هذه هي الوصية الخامسة التي يوصي لقمان ابنه بها: ألا يتكبر على الناس، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ [لقمان:18] بمعنى: لا تمل خدك عن الناس عند ملاقاتهم وحديثهم تكبراً وإعجاباً.

    وفي حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق) يعني: رد الحق، إذا علم الحق فإنه يرده، (وغمط الناس) أي: احتقارهم وازدراؤهم، فالتكبر خصلة ذميمة، وهي من كبائر الذنوب، وفي حديث حارثة بن وهب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر).

    وفي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر)، فما رفع يده إلى فيه، دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم لتكبره.

    1.   

    النهي عن المشي مختالاً معجباً

    وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا [لقمان:18]، هذه هي الوصية السادسة: يوصي ابنه ألا يمشي في الأرض مرحاً، بمعنى: ألا يمشي متكبراً مختالاً معجباً بنفسه، فالميزان عند الله عز وجل هو ميزان الدين والأعمال الصالحة، قال الله عز وجل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وقال الله عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:47].

    1.   

    الأمر بالقصد في المشي

    وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19]، هذه هي الوصية السابعة: يوصي ابنه أن يرفق في مشيته، وألا يتعجل في مشيته، وأن تكون مشيته مشيةً سوية بين الإسراع والتماوت، لا يمشي مشية المتماوت، ولا يسرع سرعة المفرط، وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)، خرجاه في الصحيحين، وثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، رواه مسلم.

    فحري بالمسلم وجدير به أن يربي نفسه على هذا الخلق العظيم، وهو المشية المعتدلة، لا يمشي مشية المتماوت، ولا يمشي مشية المسرع المفرط المتكبر المختال بنفسه المغرور بها، وإنك لتعجب أن تجد بعض شباب الإسلام يفرط في مشيته إذا ركب سيارته، أو أنه يحدث بها أصواتاً تؤذي عباد الله المؤمنين، وقد قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].

    1.   

    الأمر بغض الصوت وخفضه

    وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19]، هذه هي الوصية الثامنة والأخيرة من وصايا لقمان رحمه الله لابنه، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19] أن ينقص من صوته، وألا يرفع صوته عند الحديث، إذ إن من آداب المحادثة أن يخفض المسلم صوته عند محادثته لإخوانه، وألا يرفع صوته بذلك مؤذياً لهم، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات:1-2]، فنهى الله عز وجل أن يجهر عند محادثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما يجهر بعضهم لبعض، وهذا مما يدل على أن الجهر عند المحادثة منهي عنه، وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض بذلك صوته) خرجه الترمذي وصححه.

    فحري بالمسلم أن يتأدب مع إخوانه المسلمين، وأن يأخذ بهذه الوصايا العظيمة، وأن يربي عليها أولاده من البنات والبنين، وأن يربيهم على هذه القواعد وهذه التوجيهات، فالله سبحانه وتعالى لم يذكرها إلا لكي نأخذ بها ونحتذيها.

    حقاً! إنها قواعد كلية، ومسالك تربوية، حري بالمربين والآباء والمعلمين أن يربوا تلامذتهم وأولادهم عليها.

    حقاً! إن من أخذ بها أفلح وأنجح وسعد، ومن تركها خاب وخسر، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمع كتاب الله عز وجل ويتبعه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم! عليك بأعداء الدين، اللهم! عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم! شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم! الدائرة عليهم.

    اللهم! احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم! احفظ عليهم دماءهم، واحفظ عليهم أعراضهم، واحفظ عليهم أموالهم.

    اللهم! آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم! اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.

    اللهم! اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، اللهم! اجعلنا ممن يؤمن بمتشابهه، ويعمل بمحكمه، ويمتثل أمره، ويجتنب نهيه، يا ذا الجلال والإكرام!

    ربنا! هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً.

    اللهم! صل وسلم وبارك عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755948170