إسلام ويب

شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [20]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لصلاة العيدين صفة مخصوصة جاءت بها السنة، وهي أن يبدأ الإمام بالصلاة ركعتين يكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً ثم يخطب بعدها، ويستحب التكبير في العيدين والاغتسال وغير ذلك من الآداب.

    1.   

    آداب يوم العيد

    الفطر قبل الخروج لصلاة عيد الفطر

    تقدم لنا شيء من أحكام صلاة الجمعة، وأتممنا الحديث على هذا الباب، ثم شرعنا في باب صلاة العيدين، وأخذنا شيئاً من أحكام صلاة العيدين، فتكلمنا عن حكم صلاة العيدين، وأن المؤلف رحمه الله يرى أنها فرض على الكفاية، وذكرنا أن الأقرب ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله أنها فرض عين، وأيضاً تكلمنا عن عددها، وكذلك أيضاً عن وقتها، وأن وقتها من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى الزوال، وذكرنا الدليل على ذلك، ثم تكلمنا على قول المؤلف رحمه الله: (والسنة فعلها في المصلى..) إلى آخره.

    قال المؤلف رحمه الله: [والفطر في الفطر خاصةً قبل الصلاة].

    يوم العيد يشتمل على آداب، من هذه الآداب: أن يفطر في الفطر قبل أن يخرج إلى الصلاة، فيستحب للإنسان في يوم عيد الفطر قبل أن يخرج إلى الصلاة أن يفطر، وأن يكون فطره على تمرات؛ لما روى بريدة رضي الله تعالى عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي ).

    وورد أيضاً في حديث أنس رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات، ويأكلهن وتراً ).

    فيستحب قبل خروج الإنسان إلى مصلى العيد أن يفطر على تمرات على ثلاث أو خمس أو سبع، ويبدأ مشروعية أكل هذه التمرات من طلوع الفجر الثاني إلى الذهاب إلى المصلى، فإذا ذهب الإنسان إلى المصلى انتهت هذه السنة؛ لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    والحكمة من أكل هذه التمرات والإفطار قبل الخروج هو تحقيق فطر ذلك اليوم وتأكيده أن ذلك اليوم يوم عيد، ويوم العيد يحرم صومه، فلتحقيق فطر ذلك اليوم يشرع أن يأكل قبل أن يخرج تمرات.

    وأما بالنسبة في عيد يوم الأضحى فالسنة ألا يأكل شيئاً؛ لما تقدم من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطعم يوم النحر حتى يصلي، فإذا صلى وذبح أضحيته أكل منها )؛ لقول الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28].

    قال العلماء رحمهم الله: ويستحب أن يأكل من كبدها؛ لأن الكبد أسرع نضوجاً وأسهل هضماً، ( والنبي عليه الصلاة والسلام لما نحر بدنه -قد أهدى مائة بعير- أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعةً من اللحم، فطبخت في قدر فأكل من لحمها وشرب من مرقها ).

    الغسل

    قال المؤلف رحمه الله: [ويسن أن يغتسل].

    أيضاً هذا من الآداب، في يوم العيدين يستحب للإنسان أن يغتسل، والاغتسال ورد فيه حديثان ضعيفان: حديث ابن عباس وحديث الفاكه بن سعد رضي الله تعالى عنهم، لكنه ثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهو ثابت عن ابن عمر والسائب بن يزيد .

    فنقول: يشرع للإنسان أن يغتسل يوم العيد؛ لورود ذلك عن الصحابة، والغسل يوم العيد يكون من بعد طلوع الفجر الثاني، فإذا طلع الفجر الثاني يوم العيد فإنه يستحب للإنسان أن يغتسل، ولو أن الإنسان وجب عليه الغسل ثم استيقظ بعد الفجر واغتسل فإن هذا كاف.

    التنظف

    قال المؤلف رحمه الله: [ويتنظف].

    المراد بالتنظف أمران:

    الأمر الأول: أخذ ما أمر الشارع بأخذه شرعاً.

    والأمر الثاني: أخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه طبعاً.

    أما الأول فهو أخذ ما أمر الشارع بأخذه فهذا يشمل سنن الفطرة كتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الشارب، هذه الأشياء يقول المؤلف رحمه الله: (يتنظف) يعني: يأخذها في يوم العيد، لكن لم يرد في ذلك سنة.

    والسنة في مثل هذه الأشياء أن يأخذها الإنسان إذا طالت، فإذا طالت هذه الأشياء مع الإنسان فإنه يستحب له أن يأخذها، سواء كان ذلك في يوم العيد أو في غيره، وعلى هذا ينظر الإنسان في يوم العيد فإن كانت هذه الأشياء طويلة يعني أظافره وشاربه وعانته وإبطه فإنه يأخذ ذلك.

    وأما الأمر الثاني: قطع ما يشرع قطعه طبعاً أو تدعو الحاجة إلى قطعه طبعاً فهو قطع كل رائحة كريهة، يقطع كل رائحة كريهة؛ لأنه يجتمع بالناس، وإذا كان عنده شيء من الروائح غير الطيبة ربما تأذى الناس بهذه الرائحة.

    التطيب

    قال المؤلف رحمه الله: [ويتطيب].

    أي: يسن أن يتطيب في يوم العيد، وهذا أيضاً لم ترد فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قال العلماء رحمهم الله: يوم الجمعة يشرع فيه الطيب، وهو يوم عيد، فكذلك أيضاً يوم الأضحى ويوم الفطر كل منهما عيد، فما دام أنه ورد الدليل على التطيب في العيد الأصغر فكذلك أيضاً في العيد الأكبر وهو عيد الفطر وعيد الأضحى.

    1.   

    صفة صلاة العيدين

    قال المؤلف رحمه الله: [فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة].

    صلاة العيد ركعتان بإجماع المسلمين، ولا يشرع لها الأذان ولا الإقامة؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة ولا نداء؛ لأن هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، والعبادات مبناها على التوقيف.

    قال المؤلف رحمه الله: [يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام].

    وهذا دليله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع وفي الثانية خمس ) أخرجه أبو داود ، وكذلك أيضاً حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وهو ثابت يعني يصح بشواهده.

    فيستحب للإمام أن يكبر في صلاة العيد في الأولى بسبع، وفي الثانية بخمس؛ كما ثبت ذلك من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهذه التكبيرات تسمى بالتكبيرات الزوائد، وهذه التكبيرات كما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله سبع في الأولى مع تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس بلا تكبيرة القيام، في الأولى سبع ويحسبون تكبيرة الإحرام، في الثانية خمس دون تكبيرة القيام، وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله، وأيضاً قال به الإمام مالك ، وأيضاً قال به الشافعي إلا أن الشافعي رحمه الله يقول في الأولى: سبع بلا تكبيرة الإحرام، عند مالك وأحمد : سبع مع تكبيرة الإحرام، وعند الشافعي : سبع بلا تكبيرة الإحرام، لا تحسب تكبيرة الإحرام.

    وأما الثانية فهم يتفقون على أنها خمس دون تكبيرة القيام، يعني إذا قمت قلت: الله أكبر هذه لا تحسب، ثم تكبر الخمس الزوائد، هذه يتفق عليها الشافعي ومالك وأحمد ، لكن في الأولى منهم من قال: تحسب تكبيرة الإحرام، ومنهم من قال: سبع بلا تكبيرة الإحرام، وقال أبو حنيفة : التكبيرات الزوائد ثلاث أن يكبر ثلاثاً ثلاثاً، والأقرب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

    قال المؤلف رحمه الله: [ويرفع يديه مع كل تكبيرة].

    يرفع يديه مع كل تكبيرة: الله أكبر، الله أكبر، يرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن هذا ورد في تكبيرات الجنائز عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كـابن عمر وابن عباس ، وورد أيضاً من حديث ابن عمر مرفوعاً في الدارقطني ، وهذا صححه الشيخ عبد العزيز رحمه الله، فيرفع يديه مع التكبيرات، هذا وارد عن الصحابة، وكذلك أيضاً ورد من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وارد عن الصحابة في تكبيرات الجنائز، وكذلك أيضاً في تكبيرات العيد.

    قال المؤلف رحمه الله: [ويحمد الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين].

    يعني: بين كل تكبيرتين يقول: الله أكبر ثم يذكر الله يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أو يقول: الله أكبر، اللهم صل على محمد، الحمد لله، يذكر الله بين كل تكبيرتين، وهذا ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه بإسناد حسن كما أخرجه الطبراني والبيهقي ، وهذا أيضاً قال به الشافعي .

    وذهب بعض أهل العلم كـأبي حنيفة ومالك أنه لا يذكر بين التكبيرات، أبو حنيفة ومالك قالا: لا يذكر بين التكبيرات، بل يوالي بين التكبيرات، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر يوالي بينها، وقال ابن القيم رحمه الله: يفصل بين كل تكبيرتين بسكتة.

    وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله هو الوارد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.

    فإذا شرع في صلاة العيدين يبدأ -أولاً- بالاستفتاح يستفتح، ثم بعد الاستفتاح يكبر التكبيرات الزوائد، يكبر أولاً تكبيرة الإحرام ثم يستفتح ثم بعد ذلك يكبر التكبيرات الزوائد، بعد أن ينتهي من التكبيرات الزوائد يستعيذ ويقرأ ويبسمل؛ لأن الاستعاذة والبسملة هذه ليست للصلاة، وإنما هي للقراءة.

    فالترتيب كما يلي: أولاً يبدأ بتكبيرة الإحرام، ثم بعد ذلك يستفتح، ثم بعد ذلك يكبر التكبيرات الزوائد، ثم بعد ذلك يستعيذ، ثم يبسمل، ثم يقرأ الفاتحة.

    قال المؤلف رحمه الله: [ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة].

    قوله: (يجهر فيهما بالقراءة) لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا الصحابة رضي الله تعالى عنهم أخبروا بما قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم في العيد، فدل ذلك على أنهم كانوا يسمعون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: يجهر فيهما بالقراءة.

    ولم يذكر ما هي هذه السورة التي تقرأ، وإنما قال المؤلف رحمه الله: (يقرأ الفاتحة وسورةً يجهر فيهما بالقراءة)، وقد ورد في ذلك سنتان عن النبي صلى الله عليه وسلم:

    السنة الأولى: أن يقرأ في الركعة الأولى بـ(سبح)، وفي الركعة الثانية بـ(هل أتاك حديث الغاشية)، وهذا كما ورد من حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه.

    والسنة الثانية: أن يقرأ في الركعة الأولى بـ (ق)، وفي الركعة الثانية يقرأ بسورة (اقتربت الساعة).

    هاتان سنتان، وقد سبق أن أشرنا إلى أن السنن التي وردت على وجوه متنوعة يستحب للإنسان أن يقرأ بهذا تارة، وبذاك تارةً أخرى.

    1.   

    الخطبة بعد صلاة العيدين

    قال المؤلف رحمه الله: [فإذا سلم خطب خطبتين].

    يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن هاتين الخطبتين بعد الصلاة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، فإن الجمهور يرون أن هاتين الخطبتين بعد الصلاة؛ كما ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان كانوا يصلون ويخطبون بعد الصلاة.

    وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا بأس أن يخطب قبل الصلاة كالجمعة، قالوا: لوروده عن عمر وعثمان ومعاوية رضي الله تعالى عنهم، لكن الوارد عن عمر وعثمان هذا شاذ لا يثبت، نقول: بأنه شاذ مخالف لما ثبت عنهم في الصحيحين أنهم كانوا يصلون قبل الخطبة في العيد.

    ففي الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة )، فنقول: ما ورد عنهم رضي الله تعالى عنهم شاذ، والصواب في ذلك أن الخطبة في العيدين تكون بعد الصلاة.

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن كان فطراً حثهم على الصدقة، وبين لهم حكمها].

    يقول المؤلف رحمه الله: إن كان العيد عيد الفطر فإنه في الخطبة يبين لهم صدقة الفطر، ويحثهم عليها، يعني يحثهم على صدقة الفطر ويبينها لهم.

    وهذا فيه نظر؛ لأن صدقة الفطر انتهى وقتها، صدقة الفطر وقتها إلى الصلاة، ولهذا جاء في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )، فهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر زكاة الفطر إلى ما بعد صلاة العيد، فإن تعمد ذلك فإنها لا تقبل منه ويكون آثماً، لكن إن كان معذوراً كأن ينسى إخراجها، أو يوكل أحداً لكي يخرجها ولم يخرجها فإنه يخرجها.

    وعلى هذا يكون كلام المؤلف رحمه الله فيه نظر، يقول: يحثهم على الصدقة يعني صدقة الفطر ويبين لهم حكمها هذا فيه نظر؛ لأن وقت الزكاة انتهى، فكونه يحثهم على ذلك هذا يتكلم عن شيء قد مضى حكمه، لكن المؤلف رحمه الله ذكر ذلك؛ لأن الحنابلة رحمهم الله يرون أن زكاة الفطر يمتد وقتها إلى غروب الشمس، يعني يكره أن تؤخرها إلى بعد الصلاة، ويجوز أن تدفعها في سائر اليوم إلى غروب الشمس، فإن كان بعد الغروب فهذا يحرم، والصواب أنه يحرم تأخيرها إلى ما بعد الصلاة.

    قال المؤلف رحمه الله: [وإن كان أضحى بين لهم حكم الأضحية].

    نقول: هذا صحيح، في الأضحى تبين لهم حكم الأضحية، ولا يقتصر على ذلك، بل يبين للناس ما يحتاجون إليه، يعني يتلمس حاجات الناس وما يحتاجون إلى التنبيه عليه ونحو ذلك فيبينه لهم، ويبين أيضاً في خطبته أحكام الأضحية؛ لأن الناس مقبلون على ذبح الأضاحي، وقد يجهلون شيئاً من أحكامها.

    1.   

    حكم التكبيرات الزوائد والخطبتان في صلاة العيد

    قال المؤلف رحمه الله: [والتكبيرات الزوائد والخطبتان سنة].

    التكبيرات الزوائد سنة، يعني لو أن الإنسان كبر للإحرام ولم يكبر التكبيرات الزوائد، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن هذه التكبيرات الزوائد سنة.

    والدليل على أنها سنة أنها زائدة عن الصلاة العادية.

    كذلك أيضاً يقول المؤلف رحمه الله: (الخطبتان سنة)؛ والدليل على أنها سنة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في أبي داود : ( إنا نخطب، ومن أحب أن يجلس فليجلس، ومن أحب أن ينصرف فلينصرف )، فعدم وجوب الاستماع لهما يدل على عدم وجوبهما.

    فهم يقولون: لو كانت خطبة العيدين واجبة لوجب على المأمومين أن يستمعوا لها، عدم وجوب الاستماع يدل على عدم وجوب خطبة العيد، وهذا الاستدلال فيه نظر.

    فنقول: هذا الحديث دل على أنه لا يجب الاستماع إلى خطبة العيد، لا يجب على الإنسان أن يجلس، إن أحب أن يجلس فليجلس، وإن أحب أن ينصرف فلينصرف، لكن بالنسبة للإمام فإنه يخطب بالناس، ولا نقول: بأن الخطبة في حقه سنة، بل هو مأمور بالخطبة؛ لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام داوم على ذلك، وكون النبي عليه الصلاة والسلام داوم على ذلك يدل على أن الخطبة مأمور بها.

    فنقول: الأقرب في ذلك أن الإمام يجب عليه أن يخطب، فإن جلس أحد معه واستمع الحمد لله وهذا هو الظاهر، وإن لم يجلس أحد فإنه يسقط عنه الوجوب.

    وقوله قبل ذلك: [فإذا سلم خطب خطبتين].

    يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن العيد له خطبتان وليس خطبة واحدة، تقدم لنا أن الاستسقاء له خطبة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب في الاستسقاء إلا خطبة واحدة، بالنسبة للعيدين قالوا: بأن لها خطبتين؛ بدليل حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم فطر أو أضحى فخطب خطبةً قائماً، ثم قعد قعدة، ثم قام )، فقالوا: بأن هذا يدل على الخطبتين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام خطب قائماً، ثم قعد، ثم قام، لكن هذا الحديث ضعيف، لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    والمتأمل للسنة الصحيحة يظهر له أنه يشرع خطبة واحدة، هذا الذي يظهر من السنة، النبي عليه الصلاة والسلام خطب خطبة واحدة، خطب الرجال خطبة واحدة ثم بعد ذلك ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النساء وخطبهن وذكرهن.

    1.   

    التنفل قبل صلاة العيد وبعدها

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها].

    يقول المؤلف رحمه الله: إنه لا يتنفل قبل الصلاة ولا بعدها في موضعها، يعني: يأتي ويجلس ولا يتنفل، ثم بعد ذلك إذا انتهت الصلاة فإنه يخرج ولا يتنفل في الموضع؛ ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما )، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله أنه يكره للإنسان أن يتنفل قبل الصلاة أو بعدها في موضعه.

    وعند الشافعي رحمه الله أن هذا لا يكره، أنه يجوز أن يتنفل قبل الصلاة وبعد الصلاة، هذا رأي الشافعي رحمه الله قال: يستثنى من ذلك الإمام، فالإمام ليس له ذلك، أما من عداه فإن له ذلك.

    وآثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم الواردة في هذه المسألة مختلفة، وإذا كان كذلك فإننا نرجع إلى الكتاب والسنة، عند التنازع يكون الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والكتاب والسنة يدلان على أن الصلاة فعل خير، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لمن سأله مرافقته في الجنة: ( أعني على نفسك بكثرة السجود )، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة ).

    وعلى هذا نقول: الإنسان إذا أتى بصلاة العيد لا يخلو من أمرين:

    الأمر الأول: أن تكون الصلاة في المصلى، فنقول: يجلس ولا يصلي؛ لأن المصلى لا يأخذ حكم المسجد فلا تشرع له تحية المسجد، نقول: هذا لا تشرع له، وإن كان وقت النهي لا يزال باقياً فإنه لا يجوز له أن يتنفل، إن كان وقت النهي لا يزال باقياً فإن التنفل لا يجوز له، وإن كان وقت النهي قد زال نقول: الأفضل أن يأتي وأن يجلس وألا يصلي، وأن يشتغل بعبادة الوقت التكبير، يشتغل بالتكبير عبادة الوقت، ولو صلى فإن هذا لا بأس به ولا يكره.

    فتلخص لنا: أنه إن كانت الصلاة في المصلى فإن كان وقت النهي لا يزال باقياً فلا يجوز له أن يصلي مطلقاً حتى التحية؛ لأن المصلي ليس له تحية، وإن كان وقت النهي قد زال طلعت الشمس وارتفعت قيد رمح فلا بأس أن يتنفل، يجوز لكن الأفضل أن يشتغل بالتكبير بعبادة الوقت.

    الأمر الثاني: أن تكون الصلاة في المسجد، فإن كانت الصلاة في المسجد فنقول: أما تحية المسجد فمشروعة مطلقاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي قتادة : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، فنقول: تحية المسجد مشروعة مطلقاً سواء كان فيه وقت نهي أو لم يكن فيه وقت نهي، مشروعة مطلقة، أما التنفل بغير تحية المسجد فنقول كما قلنا في القسم الأول: إن كان وقت النهي لا يزال باقياً فلا يتنفل، وإن كان وقت النهي قد زال فله أن يتنفل، لكن الأفضل أن يشتغل بعبادة الوقت وهي التكبير، هذا فيما يتعلق بالتنفل قبل الصلاة.

    أما التنفل بعد الصلاة فجائز، لكن الأفضل أيضاً ألا يتنفل في المصلى وإنما يتنفل في بيته؛ كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فنقول: لا بأس أن الإنسان يتنفل في المصلى أو في المسجد بعد نهاية الصلاة، لكن الأفضل أن يترك ذلك حتى يأتي بيته فيتنفل فيه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ).

    1.   

    حكم من أدرك الإمام قبل سلامه في صلاة العيد

    قال المؤلف رحمه الله: [ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها].

    يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن صلاة العيد تدرك بإدراك تكبيرة الإحرام، فإذا كبر للإحرام قبل سلام الإمام التسليمة الأولى أدرك صلاة العيد، فيقضيها على صفتها بالتكبيرات الزوائد.

    والصواب في هذه المسألة: أن صلاة العيد كغيرها من الصلوات، وأنها لا تدرك إلا بركعة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، ويدخل في هذا صلاة العيد.

    والصواب: أنه إذا لم يدرك ركعة نقول: بأن صلاة العيد قد فاتت، فلا يقضيها على صفتها، إن جاء والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية نقول: بأن الصلاة قد فاتت، فتصلي ركعتين كسائر النوافل، وأما صلاة العيد فإنها قد فاتت.

    1.   

    قضاء صلاة العيد

    قال المؤلف رحمه الله: [ومن فاتته فلا قضاء عليه].

    يقول المؤلف رحمه الله: من فاتته صلاة العيد فإنه لا يقضي.

    والراجح أنك إذا جئت والإمام قد سلم فإنك تقضي الصلاة، وبهذا قال الشافعي .

    واستدل على ذلك بحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ).

    وأيضاً: ورد عن ابن مسعود أنه قال: ( من فاته العيد فليصل بعدها أربعاً ) أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي ، وإسناده صحيح.

    وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه إذا فاتته صلاة العيد أنه لا يتمكن من قضائها، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأن الإنسان إذا فاتته صلاة العيد فإنه لا يتمكن منها؛ ويدل لذلك حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت: ( أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ).

    يؤخذ من هذا الحديث أن صلاة العيد لا تشرع إلا على هذا الوجه، وأنها لا تشرع على غير هذا الوجه، إذ لو كانت مشروعة لشرع للمرأة أن تصليها في بيتها، ولم تؤمر بالخروج، لو كانت مشروعةً لشرع للمرأة أن تصلي في البيت ركعتين كسائر صلواتها.

    لكن هذا يدل على أنها مشروعة على هذا الوجه وهذا الاجتماع وهذه الهيئة، وأن من لم يصل على هذا الوجه والاجتماع والهيئة فإنه لا يصليها، ولهذا أمرت النساء أن تخرج من أجل أن تدرك هذا الخير، تدرك دعوة المسلمين، وهذا القول هو الأقرب، وأن الإنسان إذا فاتته صلاة العيد فإنه لا يتمكن من قضائها.

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن أحب صلاتها تطوعاً إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعاً].

    إن أحب أن يصلي ركعتين؛ لأن التكبيرات الزوائد سنة فله أن يتركها، وإن أحب أن يصليها على صفتها؛ لأن القضاء يحكي الأداء؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة الفجر صنع كما يصنع كل يوم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755799692