إسلام ويب

تفسير سورة السجدة [5 - 7]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله عز وجل عظيم قدرته وخلقه، ومن أعظم دلائل قدرته أنه خلق السماوات السبع دون عمد، وخلق الأرض والجبال، وخلق الإنسان من ماء مهين، وكان أصل خلقته من تراب، كل ذلك خلق العزيز الرحيم الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه، وصوره في أجمل صورة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة السجدة: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:6-7].

    لما ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى في الآيات السابقة كيف أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، فذكر من خلقه العظيم السماوات والأرض والعرش، ثم ذكر أنه ليس للخلق من دونه من ولي ولا شفيع، إذا كانت هذه مخلوقات الله سبحانه تبارك وتعالى، خلقها وسخرها وسيرها وألزمها بما يريده سبحانه تبارك وتعالى، فأتت ربها طائعة خاشعة لله كما قال سبحانه: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72] فهذه السماوات وهذه الأرض وهذه الجبال أقوى من الإنسان بكثير.

    ولذلك يقول الله سبحانه: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [النازعات:27-33].

    فذكر أن الإنسان ضعيف بأصله وخلقته، ضعيف بما آتاه الله عز وجل من قوة، فهو ضعيف إذا قارن نفسه بهذه الأرض التي يعيش فوقها، والتي يموت فيدفن بداخلها، فلو أنه ضرب بقدمه الأرض ما استطاع أن يخرق الجبال، ولذلك قال الله عز وجل للإنسان: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء:37] مهما أوتيت من قوة، ومهما أوتيت من شيء لن تقدر على أن تخرق الأرض إذا ضربتها بقدمك، بل تتقطع قدمك ولا تستطيع أن تخرقها، ولو أنك تطاولت ورأيت نفسك أطول من غيرك لن تبلغ طول الجبال، فارجع إلى نفسك وتب إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا تغتر بنفسك.

    وهنا يذكر خلق السماوات والأرض وخلق العرش العظيم، ثم يقول: مالكم من دون الله سبحانه من ولي ولا شفيع، والولي: القريب الذي يدافع عنك من أعمام أو إخوة أو بني أعمام ونحو ذلك، مالكم من دونه من ولي ولا أقرباء يناصرونكم، ولا شفعاء يأتون فيسترحمون من أجلكم إلا أن يأذن الله لمن يشاء، فتذكروا واعتبروا واتعظوا بذلك، أفلا تتذكرون قدرة الله سبحانه ومخلوقاته فتعرفون قدر ربكم سبحانه؟! وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر:67].

    ثم ذكر أنه سبحانه: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5].

    يُدَبِّرُ يقضي ويقدر وينزل سبحانه تبارك وتعالى.

    قوله: الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فتنزل الملائكة بأمر الله سبحانه وتدبيره في كونه يأمرهم: افعلوا كذا وافعلوا كذا.. وأتوا بكذا.. فتنزل الملائكة بأمر الله، ويتعاقبون فيكم بالليل وبالنهار، فتعرج ملائكة الليل وتنزل ملائكة النهار، فهؤلاء يقضون النهار مع البشر، وهؤلاء يقضون الليل مع البشر، ويعرج كل منهم إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، فهذا النزول بأمر الله، وهذا العروج بالإخبار لله سبحانه تبارك وتعالى، وهذا القدر الذي ينزلون فيه لو أن مخلوقاً من مخلوقات الله عز وجل -غير الملائكة-أراد أن ينزل وأن يصعد بما آتاه الله عز وجل من سرعة ما قدر على ذلك في ألف سنة، ولكن الله جعل للملائكة القدرة على أن ينزلوا ويصعدوا في مقدار يوم واحد، فينزلون بالليل والنهار فيما لا يقدر عليه الخلق في مدة ألف سنة قال تعالى: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ .

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك عالم الغيب والشهادة ...)

    قال تعالى: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [السجدة:6] (ذلك) اسم إشارة للبعيد، والمقصود منه هنا التعظيم والإشارة للبعيد، فإذا أراد الإنسان أن يتكلم إما أن يقصد البعيد في مكان، وإما أن يقصد التعظيم، فقد يتكلم الإنسان عن شخص قريب منه فيقول: هذا، فإذا أراد تعظيمه يقول: ذلك، وهو قريب منه، فالله عز وجل يعبر عن نفسه سبحانه بـ (ذلك) لأنه الخالق العظيم سبحانه تبارك وتعالىز

    و(عالم الغيب والشهادة) قدم الغيب على الشهادة لأن الغيب خفي، فلا يدري الإنسان عن الغيب شيئاً إلا بما يعلمه الله سبحانه تبارك وتعالى، فـ(ذلك عالم الغيب) أي: ما غاب عنكم من أشياء غيبها الله سبحانه تبارك وتعالى فما غيبه الإنسان في ضميره وأخفاه فإن الله يعلمه سبحانه، يعلم ما سيفعله الإنسان ولم ينوه بعد فعلم الله علم غيب، يعلم ما كان في الماضي، وما سيكون في المستقبل، بل وما لم يكن، الشيء الذي لم يوجد يعلم أن لو كان كيف سيكون سبحانه تبارك وتعالى، فيعلم كل شيء، يعلم ما أسره الإنسان لغيره، وما أخفى من السر وغيبه في نفسه ولم يقله لغيره، وما هو أخفى من ذلك مما لم يعلمه الإنسان بعد، وسيعلمه وسيفعله بعد ذلك، فأنت لا تعلم ما الذي ستكسبه في الغد والله أعلم بذلك، وأنت لا تعلم متى ستموت؟ وأين تموت؟ وكيف تموت؟ والله يعلم ذلك سبحانه، فهو عالم الغيب والشهادة سبحانه تبارك وتعالى.

    والشهادة: هي الشيء المشاهد، ما يشاهده الإنسان أمامه، والله يعلمه ويراه سبحانه تبارك وتعالى، وما خفي عن الخلق فالله عز وجل يعلمه، فهو عالم الغيب والشهادة (العزيز الرحيم)، هذا الاسم العظيم العزيز مناسب لما قبله، وكذلك الرحيم، فعالم الغيب لا يخفى عليه شيء مهما أراد الإنسان أن يخفيه ويغالب في إخفائه، فالله مطلع عليه لا يغلبه أحد أبداً، فالله هو الغالب الذي لا يغلب، والعزيز القاهر فوق عباده سبحانه الذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن، ولابد أن يكون بأمر الله سبحانه، وهو العزيز الذي يقضي الشيء ولابد أن يكون على ما قضاه الله، فمستحيل أن يتخلف الشيء عما أراده الله عز وجل له، لا شيء يغالب الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا شيء يمتنع على الله سبحانه.

    الله عز وجل رءوف ولطيف بعباده، فإذا ذكر ما يفيض القوة والشدة ذكر ما يفيض رحمته العظيمة سبحانه تبارك وتعالى، فهو عالم الغيب والشهادة، اطلع على غيب كل مخلوق، واطلع على ما يفعله ويشاهده غيره سبحانه تبارك وتعالى، فيحاسب كل إنسان على ما يفعله، والله هو العزيز الغالب يحاسب الكافر والظالم فيأخذه أخذ عزيز مقتدر، والله هو الرحيم يحاسب المؤمنين فيسترهم سبحانه تبارك وتعالى ويغفر لهم، ويتكرم عليهم بفضله ورحمته سبحانه، فهو عزيز رحيم سبحانه تبارك وتعالى، والرحيم صفة لله عز وجل فيها رحمته، وهو صيغة مبالغة، فهو الرحمن الرحيم، الرحمن: ذو الرحمة العظيمة الجليلة، والرحيم: ذو الرحمة العظيمة الجليلة، فالرحمن يختص بالرحمة العامة العظيمة من الله عز وجل لكل خلقه، فيدخل فيها المؤمن والكافر بأن يعطيه ويرزقه ويتفضل سبحانه تبارك وتعالى على خلقه بالهداية ويمن وينزل عليهم كتابه، ويرسل إليهم رسولاً فيبين للإنسان الخير والشر، ويبين للجميع سبحانه تبارك وتعالى، فهو الرحمن سبحانه، ولما طلب إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام من ربه قال: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126] أهل البيت مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ [البقرة:126] فيرزق الله عز وجل الجميع، فهذا من رحمته سبحانه، فلم يخلق الخلق ليأتوا إلى الدنيا فلا يجدوا ما يأكلون، وإنما خلق هذا وهذا.

    إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام طلب الرحمة للمؤمنين، وطلب الرزق لهم، فالله عز وجل أخبر أنه يرزق الجميع مؤمنين وكافرين، وهذا مقتضى رحمته سبحانه تبارك وتعالى، يرزق جميع خلقه، ويبين لجميع خلقه سبحانه تبارك وتعالى رحمته.

    وهو الرحيم برحمة خاصة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، فإن رحم الجميع في الدنيا بأن بين ورزق وأعطى لكن في الآخرة لا تكون رحمته إلا للمؤمنين وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43] سبحانه تبارك وتعالى، فيرحمهم ويدخلهم الجنة، وأما الكافر فإن أعطاه الله رحمة في الدنيا فيوم القيامة مصيره إلى جهنم؛ لأنه لم يرع ذلك، ولم يقدر ربه سبحانه حق قدره، ولم يعبد ربه، بل أشرك بالله مع ما أعطاه فاستحق أن تكون نهايته في نار جهنم والعياذ بالله قال تعالى: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [السجدة:6].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه ...)

    قال الله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7] كل خلق الله حسن، وكل خلق الله يليق بما خلقه الله عز وجل له، فخلق الإنسان وسواه فعدله، وجعله يمشي على رجلين منتصباً قائماً، وجعل الإنسان على هيئة معينة تليق بهذا الإنسان الذي كرمه الله سبحانه تبارك وتعالى، وخلق الحيوان على هيئة معينة تليق بهذا الحيوان، وخلق الطير والدواب والحشرات وكل مخلوق من خلقه سبحانه خلقهم فأحسن خلقته سبحانه على ما يليق بهذا المخلوق.

    الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ إذا رأى الإنسان شيئاً قبيحاً فيقال له: هذا وإن كان قبيحاً هل تقدر أن تخلق مثله؟! الله عز وجل له في كل شيء آية، فيخلق الخير والشر سبحانه، ويخلق الشيء الدميم والقبيح، لولا وجود القبيح ما علم الإنسان قيمة الجمال، فلو كل شيء جميل في نظرك ما عرفت قيمة هذا الشيء الجميل إلا بأن يخلق الله عز وجل ضده، ولا عرفت قيمة الصحة التي أنت فيها إلا أن يخلق الله عز وجل المرض، ولا عرفت قيمة البياض وجماله إلا أن يخلق الله عز وجل السواد، فتقارن بين هذا وذاك, ولذلك يقولون: والضد يظهر حسنه الضد (وبضدها تتميز الأشياء)، فالشيء لا يتميز عن غيره إلا بالضد الذي يوجد، فيعرف الإنسان قيمة هذا وقيمة هذا.

    الله سبحانه تبارك وتعالى قد خلق هذا كله فأتقن كل شيء خلقه وأحكمه وأحسن فيه، فكل خلق الله سبحانه بإضافته إلى الله فهو حسن، وكل خلق الله عز وجل بإضافته إلى الله فهو خير من الله سبحانه تبارك وتعالى، وإن كان في الدنيا هذا خير وهذا شر، الكافر هذا شر، ولكن الله عز وجل خلقه لخير يعلمه سبحانه تبارك وتعالى، يخلق هذا الكافر ليبتلي به المؤمن ويرتفع في درجات الجنة، وإلا فكيف سيبتلى إن لم يوجد هذا الكافر ليؤذي المؤمن وليجاهده ويكتسب الثواب والحسنات والدرجات عند الله؟! فيكون الله عز وجل هو الذي خلق هذا وخلق هذا، فهذا خير من هذا.

    قوله: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ هذه قراءة الكوفيين، وقراءة نافع أيضاً، وهذا فعل، وقراءة بقية القراء الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ف (خَلَقَهُ) فعل، و(خَلْقَهُ) مصدر، وكأن المعنى على الأول: الذي أحسن كل ما خلقه عز وجل، فقد أحسنه أي: أتقنه وأحكم في صنع هذا الشيء الذي أوجده سبحانه وتعالى.

    إذاً: أحسن كل شيء في الخلق والإيجاد من العدم، فكل شيء أوجده الله سبحانه تبارك وتعالى فقد أحسن في إيجاده، وقد ينظر الإنسان في الشيء ويقول: لماذا هذا الشيء خلقه الله عز وجل هكذا؟! وهو لا يدري أن هذا فيه نفع للإنسان من حيث يدري ومن حيث لا يدري، فكل مخلوق في هذا الكون إنما هو مخلوق لحكمة من الله سبحانه تبارك وتعالى، حتى إن بعض علماء الحشرات من أكابر العلماء يقولون: لولا وجود العنكبوت لفني الإنسان ومات! فوجود هذا العنكبوت يعمل توازناً في البيئة التي هو موجود فيها هذا الإنسان، فهو لا يدري إلا فيما يشاهده أمامه هذا عنكبوت يؤذيني ويضايقني ويعمل كذا.. ولكن لا يدري أن هذا مخلوق خلقه الله عز وجل لحكمة منه سبحانه، ولنفع أراده الله سبحانه، أنت اطلعت عليه أو لم تطلع عليه، فإن الله هو عالم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى، فالإنسان يحتاج إلى هذا الشيء، وإذا قضى عليه سيجد أنه خسر أشياء أخرى من ورائه، فهذا العنكبوت يقضي على أشياء كثيرة تؤذي الإنسان، والعنكبوت يتكفل بأمر الله عز وجل بأن يقضي عليها.

    كذلك الإنسان ينظر إلى النمل على أنه مؤذ فيزيله ويبعده، والله عز وجل يخلق الشيء لحكمة من الحكم سبحانه تبارك وتعالى، وينهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النمل، ويقول العلماء: إن هذه النملة من فوائدها التوازن البيئي، فيقضي على أعداء للإنسان بحيث يأكلها، ويقضي على أشياء من فطريات تصيب طعام الإنسان فتؤذيه، ولعل عدم وجود هذا النمل يفسد على الإنسان أطعمة كثيرة جداً، كان النمل سبباً في أنه يقضي على ما يتلف هذه الأطعمة.

    وقد ذكرنا أن أهل اليمن يأتون بالنمل من الغابات، يقطعون فروع الشجر المليئة بالنمل وينقلونها على ظهور الجمال إلى الحدائق التي فيها البرتقال واليوسفي وغيرها من الفواكه؛ وذلك لأجل أن يقضي النمل على أشياء من فطريات موجودة في هذه الأشجار التي تؤذي الإنسان وتفسد عليه الفواكه، فالنمل يقضي على أعداء هذه الفواكه فيستفيد الإنسان من طعامه وشرابه.

    فهذه حكم عظيمة من حكم الله سبحانه، والإنسان قد يعرف بعضها، وقد يغيب منه الكثير من هذه الأشياء فيقول: لماذا خلق الله عز وجل هذا الشيء؟ والله يقول: (لا يسأل عما يفعل) سبحانه تبارك وتعالى، فلا تسأل الله عز وجل لماذا خلقت؟! وإنما تقول: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] فالله هو الذي أحسن كل شيء خلقه.

    ورد أن عبد الله بن مسعود صعد إلى شجرة من أشجار الأراك يجني من ثمارها للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر إليه الصحابة وضحكوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (علام تضحكون؟ قالوا: نعجب من دقة ساقيه)عبد الله بن مسعود كان قصيراً ونحيفاً جداً، فتعجب الصحابة من نحافته وضحكوا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن خلق الله كله حسن سبحانه تبارك وتعالى، وأخبرهم لعل هذه القدم التي تنظرون إلى نحافتها أثقل من جبل أحد.

    رجل آخر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد لبس ثوباً يجره على الأرض، فأمره برفع ثوبه إلى أنصاف ساقيه، فالرجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني حمش الساقين أي: فيها شيء من الاعوجاج، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: (كل خلق الله حسن) خلق رجليك نحيفة أو معوجة فكل ما خلقه الله فهو حسن، افعل ما أمرك الله به من ألا تجعل ثوبك سابغاً، فإن الله لا يقبل صلاة إنسان قد أطال ثوبه حتى وصل إلى الأرض.

    الله الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة:7] سبحانه تبارك وتعالى، والله هو الذي بدأ خلق الإنسان من طين، وأصل الإنسان هو آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وآدم خلق من طين، فبدأ خلق الإنسان من طين بعد أن كان عدماً، وخلق الله من آدم هذا الإنسان الذي يخاصم ويجادل ربه سبحانه تبارك وتعالى بالباطل، قال: وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7] ثم جعل نسل هذا الإنسان الذي هو آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام من سلالة من ماء مهين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755947475