إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [079]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء الشرع الحنيف بالحث والتأكيد على صلاة الجماعة، وجاء الوعيد الشديد في حق من يتركها، ومما يبين أهميتها أنه جاء الأمر بالصلاة مع الجماعة لمن كان قد صلى وتكون في حقه نافلة.

    1.   

    ما جاء في الجمع في المسجد مرتين

    شرح حديث: (أن رسول الله أبصر رجلاً يصلي وحده ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجمع في المسجد مرتين.

    حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن سليمان الأسود عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلى وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟) ].

    أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب في الجمع في المسجد مرتين]، والمقصود من هذه الترجمة: أن تكرر الجماعة في المسجد سائغ إذا لم يكن المقصود من الجماعة الثانية أن تتأخر عن الجماعة الأولى، وأنها لا تصلي معها بل تصلي وحدها. أما إذا أرادت ذلك فهذا لا يجوز، وعلى هذا فالجمع في المسجد مرتين أو إقامة جماعتين في المسجد سائغ إن كانت الجماعة الثانية جاءت من غير قصد، وإنما كان السبب هو فوات الصلاة، وأن الذين جاءوا متأخرين سبقوا في الصلاة، فإذا جاءوا وقد سلم الإمام فلهم أن يصلوا جماعة ثانية في المسجد، وإذا كانت الجماعة الثانية لا تريد أن تصلي مع الجماعة الأولى بل تريد أن تصلي وحدها؛ فهي تتأخر عن الصلاة لكي تقيم جماعة ثانية فهذا لا يجوز؛ لما فيه التفرق والاختلاف وعدم الاجتماع.

    وقد كانت من حسنات الملك عبد العزيز رحمة الله عليه: أنه لما تولى على الحجاز، وكانت مكة يُصلى فيها أربع جماعات: الحنفية يصلون على حدة، والمالكية على حدة، والشافعية على حدة، والحنابلة على حدة، ولكل مقام حول الكعبة، فيقال: هذا مقام الحنفي، وهذا مقام الشافعي، وهذا مقام الحنبلي، وهذا مقام المالكي، وتقام هذه الجماعة والذين يتبعون المذهب الآخر لا يصلون معها، وإنما ينتظرون جماعتهم، وهكذا، فكان من أعظم حسنات الملك عبد العزيز رحمه الله أنه أنهى هذا التفرق، وجمع الناس على إمام واحد، فالجماعة المذمومة هي التي قصدها التفرق وعدم صلاة بعضهم وراء بعض، ومن المعلوم أن التفرق غير سائغ، ولو كان الأئمة الأربعة موجودين في زمن واحد لصلى واحد منهم إماماً والباقون مأمومين، وليس كل واحد يصلي وحده.

    فإذاً: هذا العمل الذي كان يحصل من بعض الأتباع من التفرق، وعدم صلاة بعضهم وراء بعض هو من التفرق المذموم الغير جائز، وعلى هذا فإن كانت الجماعة الثانية مقصودها أنها لا تريد أن تصلي مع الجماعة الأولى فهذا لا يجوز، وإن كان الذين جاءوا للصلاة كانوا يريدون الجماعة الأولى ولكنهم سبقوا وفاتتهم الصلاة فلهم أن يصلوا جماعة ثانية، وهذا هو الذي ترجم له أبو داود ، ومراده: إقامة الجماعة الثانية التي يسوغ إقامتها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل مع الرجل خير من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أفضل، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عزوجل) فكلما كانت الجماعة أكثر فهو أفضل، وعموم ذلك يدل على جواز إيجاد الجماعة الثانية إذا لم يكن مقصودها عدم الصلاة مع الجماعة الأولى.

    وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده -يعني: بعد ما صلى الناس- فقال: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) يعني: من يتصدق عليه فيصلي معه فيحصل له أجر الجماعة بوجود ذلك الذي صلى معه؟ وسمى ذلك صدقة؛ لأن فيه إحساناً إليه، وزيادة في ثوابه وأجره؛ لأن صلاته في الجماعة أعظم من صلاته لو صلى وحده.

    إذاً في إيجاد الجماعة بالصلاة معه صدقة عليه، وإحسان إليه بكونه يضاعف أجره، ويزيد ثوابه.

    وقوله: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده) يفهم من هذا أنه بدأ بالصلاة، ودل هذا على أن الجماعة يمكن أن توجد ولو لم تكن من أولها، بل يمكن أنه بعد الدخول فيها تكون الجماعة، فكون واحد يصلي ثم يأتي إنسان ويدخل معه ويصلي معه جماعة لا بأس بذلك، وهذا الحديث يدل على هذا، ويدل عليه أيضاً فعل ابن عباس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نام عند خالته ميمونة وقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ودخل في الصلاة، فقام ابن عباس وتوضأ وجاء وصلى عن يساره فأداره عن يمينه، فالرسول صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة وهو وحده، ثم دخل معه ابن عباس فصارت جماعة، فهذا يدلنا على أنه لا يلزم أن الجماعة لا تكون إلا من بدايتها، وأنها من أولها، بل يمكن أن تكون بعد بدايتها كما يرشد إلى ذلك هذا الحديث، وكما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم في الليل في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    وفي الحديث أيضاً: أن أقل الجماعة اثنان؛ لأنه قال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فيدل هذا على أن الجماعة أقلها اثنان؛ لأن صلاة رجل واحد مع واحد تكون جماعة.

    وأقل الجماعة اثنان عند الفقهاء، كما أن أقل الجمع عند الفرضيين اثنان أيضاً، والله عز وجل يقول: فإن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] ، وأقل عدد يحجب الأم من الثلث إلى السدس هو اثنان، ولا يلزم أن يكونوا ثلاثة، بل إذا وجد اثنان حجباها، وأقل الجمع في الفقه وفي الصلاة اثنان: إمام ومأموم، وهذا الحديث يدل على ذلك؛ لأنه قال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه).

    والحديث فيه دليل على ما ترجم له المصنف من أنه يمكن أن تقام جماعة إذا كان ليس مقصوداً الاختلاف، وتبويب أبي داود رحمه الله على ذلك واستشهاده بالحديث يبين أنه يرى أن الجماعة يمكن أن تقام مرتين في مسجد واحد؛ لأنه ترجم وأورد الحديث الدال على الترجمة، فبعض أهل العلم قال: إنه إذا انتهت الجماعة فإن كل واحد يصلي وحده ولا يصلون جماعة، وهذا الحديث حجة عليهم، وكذلك الحديث الآخر الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الاثنين، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل).

    وهذا الحديث الذي هنا واضح الدلالة على جواز إقامة جماعة ثانية فيما إذا كان الذين حضروا للصلاة قد فاتتهم الصلاة وسبقوا بها، فلهم أن يجمعوا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إقامة الجماعة ولو عن طريق التصدق؛ فإن هذا يدل على أنه إذا لم تكن هناك حاجة إلى الصدقة فإن الجماعة سائغة، فلو جاء اثنان لا يقال لكل واحد: صل على حدة وأنت صل على حدة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد أن يحسن إلى من كان واحداً فإذا جاء اثنان وصليا مع بعض فليسا بحاجة إلى صدقة.

    فهذا الحديث واضح الدلالة على جواز إقامة الجماعة الثانية في المسجد، لكن كما قلت: إذا لم يكن مقصود ذلك هو التخلف عن الجماعة الأولى، وإنما كان الذين جاءوا حريصين على الصلاة، ولكن فاتتهم الصلاة وسبقوا بها فلهم أن يقيموا جماعة ثانية، وأن يصلوا جماعة ثانية، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد الجماعة ولو عن طريق الصدقة فكيف لا يسوغ لمن كانوا جماعة فاتتهم الصلاة أن يصلوا جماعة ويرشدون إلى أن كل واحد يصلي على حدة؟!

    وفي الحديث: جواز صلاة المتنفل خلف المفترض؛ لأن ذاك الذي يصلي مفترض، وهذا الذي يصلي معه ويتصدق عليه متنفل، ويجوز أن يكون المتنفل هو الإمام، ويجوز أن يكون المفترض هو الإمام؛ لأن صلاة المفترض خلف المتنفل جاءت السنة بها، وصلاة المتنفل خلف المفترض جاءت السنة بها، فصلاة المفترض خلف المتنفل يدل عليها هذا الحديث، ويدل عليها حديث الرجلين اللذين كانا في مسجد الخيف بعد صلاة الصبح، وكانا قد صليا في رحالهما وجاءا فجلسا في المسجد، وفيه صلاة المتنفل خلف المفترض، وأما صلاة المفترض خلف المتنفل فيدل عليها فعل معاذ الذي كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في المسجد النبوي، ثم يذهب إلى قومه ويصلي تلك الصلاة، فهو إمام وهم مأمومون، فتصح صلاة المفترض خلف المتنفل، وصلاة المتنفل خلف المفترض.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أبصر رجلاً يصلي وحده ...)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا وهيب ].

    هو وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سليمان الأسود ].

    سليمان الأسود صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي .

    [ عن أبي المتوكل ].

    هو أبو المتوكل الناجي هو علي بن داود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

    [ عن أبي سعيد الخدري ].

    أبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته أبي سعيد وبنسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    1.   

    ما جاء فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

    شرح حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم.

    حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه؛ فإنها له نافلة) ].

    أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم، يعني: أن الإنسان إذا صلى وحده أو صلى مع جماعة، ثم جاء وأدرك الجماعة تصلي فإنه يصلي معهم، فتكون الأولى له فريضة والثانية نافلة؛ لأنه أدى الفرض بصلاته الأولى سواء كان وحده أو في جماعة، لكنه إذا وجد جماعة تصلي فيشرع له أو يسن له أن يصلي معهم، ولا يجلس في المسجد والناس يصلون؛ لأن هذه الهيئة مستنكرة، ومن يفعلها يساء به الظن، فكون الناس يصلون وهو جالس هذا شيء لا ينبغي.

    و أورد أبو داود رحمه الله حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في منى في مسجد الخيف في حجة الوداع، فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته وإذا برجلين قد جلسا في ناحية المسجد لم يصليا مع الناس فدعا بهما، أي: طلب أن يأتيا، فأتي بهما ترتعد فرائصهم، يعني: أنهما خشيا وخافا أن يحصل لهما شيء خطير، وكان عليه الصلاة والسلام مهيباً مع رفقه وقربه من الناس وسهولته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهابونه، كما جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه قال: إنه ما ملأ عينه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً وهيبة له عليه الصلاة والسلام، فهذان الرجلان جيء بهما ترتعد فرائصهما، والفرائص هي في الدابة بين الكتف والجنب، يعني: أنها تتحرك وتضطرب ممن يحصل له خوف وذعر.

    قوله: (فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا) صلاتهما في الرحال يحتمل أن يكون كل واحد صلى وحده، أو أنهما صليا مع بعض، أو أنهما صليا جماعة مع من كان معهما في الخيام؛ لأنهم كانوا ينزلون في منى حجاجاً، ومن المعلوم أن الحجاج يصلون جماعات كثيرة، وكل مجموعة يصلون مع بعض، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤم الناس ويصلي بهم في مسجد الخيف فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    وقوله: (قالا: إنا صلينا في رحالنا) المقصود بالرحل هنا: المنزل.

    فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا) يعني: إذا حصل أنكم صليتم في رحالكما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه، وهذه الصلاة التي تصليانها تكون نافلة؛ لأن الفريضة هي الأولى، فإذا دخل الوقت وصلى الإنسان الفرض سواء كان وحده أو في جماعة فهذا هو الفرض، وما يأتي بعد ذلك يكون نافلة.

    والحديث مطلق يدل على أن أي صلاة يمكن أن تعاد بدون استثناء، وبعض أهل العلم استثنى المغرب والفجر والعصر وقال: إن المغرب ثلاثية، والعصر لا يصلى بعدها، والصبح لا يصلى بعدها، لكن الحديث -كما سيأتي في الراوية الثانية- كان في صلاة الصبح، ومعنى هذا: أنه ولو كان وقت نهي فإن هذه مستثناة لأن لها سبب، وهو وجود الجماعة، فدل هذا على أن إعادة الجماعة الثانية بعد صلاة الفجر لا بأس بها؛ لأنه جاء في السنة ما يدل على ذلك، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) ، يخص منه ماله سبب، وهذه الصلاة هي ذات سبب؛ لأن السبب هو وجود الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد هذين الرجلين وأنكر عليهما كونهما كانا جالسين لم يصليا معه الفجر، وأنه كان عليهما أن يدخلا معه في الصلاة.

    فإذاً: هذا الإرشاد بقوله: (إذا صليتما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكن لكما نافلة) تدخل جميع الصلوات تحت هذا الإطلاق، سواءً كانت بعدها نهي كالصبح والعصر، أو ثلاثية كالمغرب، والحديث جاء في صلاة بعدها وقت نهي، فدل ذلك على استثناء مثل هذه الصلاة من النهي.

    والحديث فيه أيضاً صلاة المتنفل خلف المفترض كما ذكرنا.

    تراجم رجال إسناد حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما...

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].

    حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

    [ حدثنا شعبة ].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرني يعلى بن عطاء ].

    يعلى بن عطاء ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن جابر بن يزيد بن الأسود ].

    جابر بن يزيد بن الأسود صدوق، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .

    [ عن أبيه ].

    هو يزيد بن الأسود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي .

    طريق أخرى لحديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمنى، بمعناه) ].

    أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه بيان أن تلك الصلاة هي صلاة الصبح، وأنها كانت بمنى، والباقي بمعناه، يعني: بمعنى الحديث المتقدم، ولم يسق لفظه وإنما أحال على الحديث المتقدم، وقال: بمعناه، وأتى بالشيء الجديد، وهو أن الصلاة هي صلاة الصبح، وأنه كان بمنى، يعني: في حجة الوداع.

    قوله: [ حدثنا ابن معاذ ].

    ابن معاذ هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

    [ حدثنا أبي ].

    هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه ].

    هؤلاء قد مر ذكرهم .

    شرح حديث: (... إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا معن بن عيسى عن سعيد بن السائب عن نوح بن صعصعة عن يزيد بن عامر رضي الله عنه قال: (جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فجلست ولم أدخل معه في الصلاة، قال: فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى يزيد جالساً، فقال: ألم تسلم يا يزيد ؟! قال: بلى يا رسول الله! قد أسلمت، قال: فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ قال: إني كنت قد صليت في منزلي، وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة، وهذه مكتوبة) ].

    أورد أبو داود رحمه الله حديث يزيد بن عامر رضي الله عنه أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكان قد صلى في منزله، وكان يظن أنهم قد صلوا، فوجدهم يصلون فجلس؛ لأنه قد صلى وأدى ما عليه، ولم يعرف الحكم، ولما انصرف الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال: (مالك يا يزيد ! ألم تسلم؟) يعني: ألست من المسلمين والمسلم يصلي مع الناس ولا يتأخر عن الصلاة ولا تكون له هيئة تغاير هيئة الناس؟ وهذا فيه أن الذي يكون في المسجد جالساً والناس يصلون أنه يساء به الظن؛ ولهذا أنكر عليه وقال: (ألم تسلم يا يزيد ؟!) أي: كيف تكون جالساً والناس يصلون؟ فقال: يا رسول الله! إني قد صليت في منزلي، وكنت ظننت أنكم قد صليتم، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة) يعني: أن هذه التي أدركتها تكون لك نافلة والسابقة مكتوبة، ويحتمل العكس، وإذا كانت الثانية هي النافلة والأولى هي المكتوبة فلا إشكال؛ لأن هذا مطابق للحديث الذي قد مر؛ ولأن الإنسان عندما يصلي بنية الفرض فصلاته قد أداها ووجد منه أداء الصلاة، فتكون الثانية نافلة، أما أن تكون الثانية هي المكتوبة والأولى هي النافلة فهذا لا يستقيم من جهة أن الإنسان قد صلى الفرض وقد أدى ما عليه.

    فإذا كان المقصود بالنافلة هي الثانية والمكتوبة هي التي صلاها من قبل فلا إشكال، وهو مطابق للحديث المتقدم، وإن كان العكس فإنه يكون فيه مخالفة للحديث السابق.

    وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، ولو كان صحيحاً فإن ذلك مقدم عليه، لكن كون النافلة هي الثانية والمكتوبة هي الأولى فإن اللفظ محتمل، فيرد المحتمل إلى الواضح الجلي، ويرد المتشابه إلى المحكم، وبذلك تتفق الأحاديث ولا يكون بينها اختلاف، ويكون الحديث يشهد له ما تقدم، فإذا كان المقصود أن الثانية هي النافلة والأولى هي الفريضة فإن الحديث يصح للأحاديث الأخرى التي دلت على ذلك، وإن كان في إسناده من هو متكلم فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم ...)

    قوله: [ حدثنا قتيبة ] .

    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

    [ حدثنا معن بن عيسى ].

    معن بن عيسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سعيد بن السائب ].

    سعيد بن السائب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ عن نوح بن صعصعة ].

    نوح بن صعصعة مستور، أخرج له أبو داود .

    [ عن يزيد بن عامر ].

    يزيد بن عامر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود .

    شرح حديث أبي أيوب: (... ذلك له سهم جمع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن بكير أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب يقول: حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (يصلي أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة، فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئاً؟ فقال أبو أيوب : سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك له سهم جمع) ] .

    أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه أنه قال له رجل: إني أصلي في منزلي، ثم أجد الجماعة فأصلي معهم فيكون في نفسي شيء؟ يعني: من كونه أعاد الصلاة، فقال أبو أيوب رضي الله عنه: (سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك له سهم جمع) ].

    يعني: له نصيب من هذه الصلاة التي صلاها مع الجماعة، وفسر بتفسيرات أخرى، لكن هذا هو أقربها.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي أيوب: (... ذلك له سهم جمع)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

    هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

    [ قرأت على ابن وهب ].

    ابن وهب هو عبد الله المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ قال: أخبرني عمرو ].

    عمرو هو ابن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

    [ عن بكير ].

    هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب ] .

    عفيف بن عمرو بن المسيب مقبول، أخرج له أبو داود.

    [ حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة ].

    رجل من بني أسد بن خزيمة مبهم، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.

    [ أنه سأل أبا أيوب الأنصاري ].

    أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    ما جاء فيمن صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟

    شرح حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟]:

    حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار -يعني: مولى ميمونة - قال: أتيت ابن عمر رضي الله عنهما على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) ].

    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: [باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟] يعني: هل يعيد أو لا يعيد؟

    وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن سليمان بن يسار مولى ميمونة قال: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ يعني: أنه كان على البلاط لم يصل وهم يصلون، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) وهذا ظاهره يخالف ما تقدم من الأحاديث التي فيها أن الإنسان يصلي مع الجماعة مرة ثانية، وتكون له نافلة، والأولى هي الفريضة، وعلى هذا فيحمل ما جاء في حديث ابن عمر على ما إذا كان المقصود أن الإنسان يصليها ويكررها من غير أن يكون لها سبب، أما ما جاء في الأحاديث المتقدمة فهي إعادة الجماعة بسبب، أما أن يصلي الظهر ثم يذهب يصلي الظهر مرة ثانية، ثم يصلي مرة ثالثة، وهكذا فلا، وإنما إذا صلى ثم وجد ناساً يصلون يصلي معهم.

    فإذاً: تلك التي لها سبب يصليها الإنسان، والأحاديث حيث أمكن التوفيق بينها يوفق بينها، فيقال: إن الصلاة إذا كانت ذات سبب كأن يكون وجد الجماعة تصلي فيصلي معها ولا بأس بذلك، وإن لم يكن هناك سبب وإنما يريد أن يكرر الصلاة فهذا لا يجوز، وليس للإنسان أن يصلي الصلاة مرتين، فلا يصلي الظهر مرتين على أنها فريضة، لكن حيث تكون هناك جماعة وهناك سبب اقتضى ذلك فيصلي، وتكون الأولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة، وعلى هذا فالتوفيق بين حديث ابن عمر هذا وبين ما تقدم من الأحاديث محمول على أن المقصود بما في الأحاديث السابقة ما كان له سبب، وهذا على ما ليس له سبب.

    ومن المعلوم أن هذه جماعة ثانية، لكن لعل ابن عمر لم تبلغه تلك الأحاديث التي فيها أن الجماعة تعاد ولكن لسبب، وعلى أن الثانية نافلة وليست فريضة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)

    قوله: [ حدثنا أبو كامل ].

    هو أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .

    [ حدثنا يزيد بن زريع ].

    يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا حسين ].

    هو حسين بن ذكوان المعلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

    [ عن عمرو بن شعيب ].

    عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

    [ عن سليمان بن يسار ].

    سليمان بن يسار ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ قال: أتيت ابن عمر ].

    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .

    1.   

    ما جاء في جماع الإمامة وفضلها

    شرح حديث: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في جماع الإمامة وفضلها.

    حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي الهمداني قال: سمعت عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ،ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم) ] .

    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب جماع الإمامة وفضلها].

    ويصلح أن يكون: جِماع أو: جُمّاع، والمقصود من ذلك: ما يجمع الأبواب المتعلقة بالإمامة، وهذه طريقة أبي داود رحمة الله عليه؛ فإنه يجمع الأحاديث التي تتعلق بموضوع واحد، ولكن يجعلها تحت أبواب متعددة، مثل ما ذكرنا في كتاب الطهارة أنه لم يجعله كتباً، وإنما جعل للوضوء باباً، ولغسل الجنابة باباً، وللحيض باباً، وجعل كل ما يتعلق بالطهارة كتاباً واحداً، ولم يكرر الكتب، ولكنه جعل كل مجموعات متصلة مع بعض، كالأبواب المتعلقة بغسل الجنابة جعلها مع بعض، والأبواب المتعلقة بالحيض مع بعض، والأبواب المتعلقة بالوضوء مع بعض، وهكذا في الصلاة ذكر أولاً المواقيت، ثم ذكر بناء المساجد وما يتعلق بها وأحكامها، ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالجماعة وفضل الجماعة، ثم بعد ذلك ذكر الأذان، ثم ذكر الجماعة وفضلها، ثم ذكر بعد ذلك التشديد في ترك الجماعة، ثم ذكر هنا ما يتعلق بالإمامة، ثم بعد ذلك سيذكر ما يتعلق بما يصلى من اللباس، والسترة وما يتعلق بها والذي يصلى عليه.

    فهنا عبر بقوله: [جماع الإمامة وفضلها]، يعني: ما يتعلق بالإمامة وما يتعلق بفضلها.

    وهذا الباب أورد تحته حديثاً عاماً، والأحاديث التي ستأتي في الأبواب القادمة هي أحاديث خاصة محددة معينة، وهنا ذكر حديثاً يجمع شيئاً عاماً في الإمامة، وكذلك في فضل الإمامة.

    قوله: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، وإن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم) يعني: أن الخلل والنقص يكون عليه وليس عليهم من النقص شيء، ولكن إن حصل إحسان فهو له ولهم، ومثل ذلك ما جاء في الأحاديث في الأمراء: (يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وكذلك الأثر الذي جاء عن عثمان رضي الله عنه، فقد ذكر البخاري في صحيحه: أنه رضي الله عنه لما حوصر في داره وصار يصلي بالناس واحد من أولئك الذين خرجوا عليه جاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ فقال: (الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم).

    وقوله: (يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم) يعني: أن الإحسان مشترك والفضل مشترك، (وإن أساءوا فلكم وعليهم) يعني: لكم الثواب ولكم الأجر وعليهم إثم ما أساءوا وقصروا ونقصوا.

    أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم) وليس المقصود بذلك الوقت فقط، وإنما كل ما يتعلق بما هو مطلوب في الصلاة، فإن وجد منه إحسان فالإحسان له ولهم، وإن وجد منه نقص وخلل سواء يتعلق بالوقت أو بغيره فعليه ولا عليهم.

    وقوله: (فعليه ولا عليهم) يعني: أن ذلك النقص عليه هو وليس عليهم منه شيء، بل هم ليس لهم إلا الخير وإن وجدت إساءة فهي تخصه وتقتصر عليه ولا تتعداه إلى غيره.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ...)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ].

    هو سليمان بن داود المهري المصري أبو الربيع ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .

    [ حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ].

    ابن وهب تقدم ذكره ، ويحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الرحمن بن حرملة ].

    عبد الرحمن بن حرملة صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

    [ عن أبي علي الهمداني ] .

    أبو علي الهمداني هو ثمامة بن شفي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ قال: سمعت عقبة بن عامر ].

    هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    كراهة التدافع على الإمامة

    شرح حديث: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية التدافع على الإمامة.

    حدثنا هارون بن عباد الأزدي حدثنا مروان حدثتني طلحة أم غراب عن عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم عن سلامّة بنت الحر رضي الله عنها أخت خرشة بن الحر الفزاري قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم) ].

    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في كراهية التدافع على الإمامة]، والمقصود من ذلك: أن الناس يجتمعون ثم يريدون من بعضهم أن يصلي بهم. وكل منهم يمتنع؛ إما لعدم معرفته بأحكام الإمامة، أو لما عنده من نقص في ذلك هذا هو المقصود بالتدافع.

    وقد أورد أبو داود حديث سلامة بنت الحر أخت خرشة بن الحر رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم) يعني: أن كل واحد يصلي ثم يمضي ولا يتقدم من يصلي بهم إماماً.

    وقوله: (من أشراط الساعة) أشراط جمع شرط، والشرط هو: العلامة، يعني: أن هذا من علامات الساعة.

    والحديث غير ثابت؛ لأن فيه مجهولين، ولكن من يكون أقرأ من غيره إذا طلب منه أن يتقدم فعليه أن يتقدم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد ...)

    قوله: [ حدثنا هارون بن عباد الأزدي ].

    هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج له أبو داود .

    [ حدثنا مروان ].

    هو مروان بن معاوية ثقة يدلس أسماء الشيوخ، وتدليس أسماء الشيوخ هو: أن يذكر شيوخه بصيغ مختلفة، فقد يتوهم أن الشخص الذي يذكره غير معروف مع أنه معروف، وذلك لأنه ذكره بغير ما اشتهر به، وهذا نوع من أنواع التدليس؛ لأن هناك تدليس الشيوخ وتدليس الإسناد، فتدليس الشيوخ ليس فيه سقوط أحد، ولكنه يذكر شيخه بغير ما اشتهر به، كأن يذكر اسمه واسم جده، أو اسمه وكنيته، أو اسم أبيه إذا كان مشهوراً بغير نسبته إلى أبيه، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، وكان مروان بن معاوية هذا معروفاً بتدليس الشيوخ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثتني طلحة أم غراب ] .

    طلحة أم غراب لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة .

    [عن عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم ].

    عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم، يعني: مولاة لبني فزارة، وهي أيضاً لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة .

    [ عن سلامة بنت الحر ].

    سلامة بنت الحر صحابية، أخرج لها أبو داود وابن ماجة .

    والمرأتان اللتان دونها كل منهما لا يعرف حالها، فالحديث غير صحيح.

    1.   

    الأسئلة

    الواجب على المسلم من معرفة الله تعالى

    السؤال: ما هو حد المعرفة المجملة الصحيحة لله تعالى؟

    الجواب: الإنسان يتعلم من أمور دينه ومن العقيدة ما لابد منه، ومن الأشياء التي يمكن أن يقال: إنها تناسب أن تكون جواباً لهذا السؤال أن الإنسان يطلع على كتاب الأصول الثلاثة وأدلتها؛ لأن هذا كتاب مختصر يشتمل على الأمور التي لا بد منها، وهو مبني على أصول ثلاثة هي: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي هي موضوع سؤال القبر، فالإنسان يسأل في قبره عن ربه ودينه ونبيه، وهذا الكتاب الصغير الحجم العظيم النفع العظيم الفائدة يبين هذه الأصول الثلاثة بالأدلة.

    بيان أن الصلاة في جماعة ثانية أفضل من الصلاة منفرداً

    السؤال: رجل تطهر في بيته ثم خرج للصلاة في المسجد فوجد الجماعة قد صلوا، ثم أنشأت جماعة ثانية فلم يصل معهم بل صلى منفرداً، فهل يكون له أجر الصلاة مع الجماعة لحديث: (فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك) ؟

    الجواب: يرجى له ذلك، لكن كونه يجد أناساً يصلون جماعة عليه أن يصلي معهم؛ لأنه أمكن وجود الجماعة، والإنسان يصلي وحده إذا لم تكن هناك جماعة؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد الجماعة، وقال في الذي يصلي وحده: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) وكونه يصلي مع الناس جماعة خير له وأولى، وإن كان يحصل الأجر بنيته وقصده، وكونه يجد الجماعة ولا يصلي معهم هذا ليس بطيب.

    حكم لبس المرأة بدلة خاصة ليلة عرسها

    السؤال: ما الحكم الشرعي فيما جرت عليه عادة النساء في ليلة عرس إحداهن من لبسها بدلة تكون خاصة بتلك المناسبة من كونها بيضاء مزخرفة كبيرة الحجم؟

    الجواب: إذا كان ذلك ليس معروفاً عن الكفار، وليس مما اختص به الكفار أو مما جاء عن الكفار فلا بأس بأن تلبس المرأة ما شاءت من أجل التجمل لزوجها، سواء كان في أول ليلة أو في غير ذلك.

    حكم الصلاة فوق سقف المسجد

    السؤال: ما حكم صلاة الجماعة فوق سقف المسجد؟ وهل يعتبر هذا داخل المسجد؟ وهل تصح صلاته؟

    الجواب: نعم تصح، وأي مانع يمنع من ذلك؟ فالإنسان له أن يصلي في سطح المسجد وفي البدروم إذا كان هناك بدروم تحت المسجد، كل ذلك لا بأس به، وكله يقال له مسجد؛ لأن سقف المسجد مسجد وله حكم المسجد.

    وقت غسل الجمعة

    السؤال: هل غسل الجمعة يبتدئ بعد صلاة الفجر أم بعد الإشراق؟

    الجواب: سبق أن مر بنا أن أبا داود ذكر أنه إذا طلع الفجر واغتسل الإنسان يوم الجمعة فيجزئه عن غسل الجمعة ولو كان غسله عن جنابة، وهذا يعني أنه يبدأ من طلوع الفجر؛ لأن اليوم يبدأ بالفجر، وأبو داود ذكر هذا من فقهه؛ لأنه أشار إلى ذلك بقوله: إذا اغتسل المرء بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأه عن الجمعة ولو كان قد أجنب، يعني: أنه لو أجنب وطلع الفجر وعليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر فإنه يجزئه عن غسل الجنابة وعن غسل الجمعة.

    والحاصل: أن وقت غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر.

    جواز الهجر إن وجدت المصلحة لذلك

    السؤال: بعض الناس لا يرون هجر أهل البدع والمعاصي في هذا الوقت، وقالوا: إن ذلك كان في زمن التشريع فقط، فما هو الحق؟

    الجواب: ليس بصحيح أن زمن التشريع هو زمن الهجر فقط وبعد ذلك لا يكون هجراً، بل تتبع المصلحة والفائدة في الهجر، فإذا كان يترتب عليه مصلحة وفيه فائدة فينبغي أن يفعل، وهذا في كل وقت وفي كل حين.

    الموقف مما تتردد فيه النفس

    السؤال: في الحديث: (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) هل هذا لكل شخص، أم لأهل العلم والتقوى؟

    الجواب: الإنسان إذا تردد في شيء ونفسه لم تكن مطمئنة إليه فعليه أن يسأل أهل العلم إذا كان ليس بعالم، وأما إذا كان من أهل العلم وكان عنده معرفة وتردد في شيء هل هو سائغ أو غير سائغ؟ وهل هو مباح أو غير مباح؟ فليتركه إذا كان من أهل العلم، وأما إذا كان من غيرهم فعليه أنه يسأل، ولكنه إذا كان هناك شيء ما اطمأنت إليه النفس ولا ارتاح إليه الإنسان، وفيه شيء من المحاذير، فتركه أولى كما جاء في الحديث الذي ذكره النووي في كتاب رياض الصالحين: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس) وفي الحديث الآخر: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

    وبعض الناس يمكن أنه يتردد في شيء سائغ لا إشكال فيه، وقد يكون متفقاً عليه، ولكن لجهله لا يعرف الحكم الشرعي فيكون في نفسه منه شيء، وهذا لا عبرة به.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755795474