أيها الإخوة: هذا هو الدرس الثالث والعشرون، في ليلة الإثنين السادس والعشرين، من شهر ربيع الأول لعام (1411هـ) وعنوان هذا الدرس هو: (سلطان العلماء).
لا تنتظروا مني -أيها الإخوة- أن أتحدث لكم عن تفصيلات عن حياة العز بن عبد السلام، أنه ولد في عام (577هـ) أو توفي في عام (660هـ) أو عاش في الشام، أو مات في مصر.
فإن هذه التفاصيل محلها كتب التراجم والتاريخ وهي لا تعنينا في كثير ولا قليل، فضلاً عن أن هذه المعلومات متوفرة بشكل واضح في مصادر ترجمة الإمام العز بن عبد السلام، ككتب طبقات الشافعية للسبكي، والأسنوي وابن قاضي شهبة، وبعض الرسائل الجامعية التي قدمت عن حياة هذا العالم الجليل.
والتي كتبها مجموعة من الباحثين كـعبد العظيم فوده، والدكتور عبد الله الوهيبي، وعلي الفقير، وسيد رضوان الندوي، وغيرهم.
إذاً: ليست مهمتي في هذه الجلسة أن أتحدث لكم عن ترجمة العز بن عبد السلام الملقب بـسلطان العلماء، كلا، وإنما أريد أن أقف عند جوانب ووقفات مهمة في حياة هذا الرجل، وقد تتساءلون: لماذا أتحدث عن ترجمة هذا الإمام؟
فأقول: إن التاريخ يعيد نفسه، فأحداث الأمس هي نفسها أحداث اليوم، والمواقف المنتظرة من رجال اليوم، هي المواقف التي كان يفعلها رجال الأمس، والأمة تمر بها أزمات متكررة في عصورها تحتاج فيها إلى أن ترجع إلى ماضيها وتعيد النظر فيه.
إني تذكرت والذكرى مؤرقة مجداً تليداً بأيدينا أضعناه |
أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصاً جناحاه |
كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يملكنا شعبٌ ملكناه |
بالله سل خلف بحر الروم عن عرب بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا |
وإن تراءت لك الحمراء عن كثبٍ فساءل الصرح أين العز والجاه؟! |
وانـزل دمشق وسائل صخر مسجدها عمن بناه لعل الصخر ينعاه |
هذي معالم خرسٌ كل واحدة منهن قامت خطيباً فاغراً فاه |
الله يعلم ما قلبت سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه |
واسترشد الغرب بالماضي فأرشده ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه |
يجب أن نعود إلى ماضينا، إلى تاريخنا نستلهم منه الدرس والعبرة.
وخلاصته أن العز بن عبد السلام كان محتسباً على عِلْية القوم من الأمراء والسلاطين، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وكان ذا قوة وسطوة وهيبة تذل عندها كل القوى، وتضعف عندها كل الإمكانيات.
والشيخ الإمام العز بن عبد السلام عاش في الشام ثم في مصر، وعايش دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين، وكانت دولةً قوية، ولكن في آخر عصرها تنافسوا على الملك وأصبح بعضهم يقاتل بعضاً، حتى اضطر بعضهم إلى أن يتحالف مع الصليبين النصارى من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه، وبني عمه، أو يستعين بهؤلاء النصارى الصليبيين في قتالهم وفتح بلادهم.
ثم كان في آخر دولتهم أن حكمت امرأة ولأول مرة في تاريخ الإسلام تملك المسلمين امرأة كانت تسمى شجرة الدر، وحيث أنها لما مات زوجها أخفت خبر وفاته وعينت رجلاً يحكم بالاسم، وكانت هي تدير الأمور، وظلت على هذا الحال ثلاثة أشهر تقريباً حتى امتعض الناس من هذا الأمر وغضبوا، ثم تنازلت هي عن الأمر وعاد الحق إلى نصابه.
وهذه من الأشياء التي يتمسك بها بعض الذين يحاولون أن يقولوا: إن المرأة يمكن أن تتولى السلطة والحكم في بلاد الإسلام، يحتجون بأنه على مدى أربعة عشر قرناً حكمت امرأة ثلاثة أشهر، ولا أدري كيف يحتجون بثلاثة أشهر ولا يحتجون ببقية القرون كلها، التي لم يحدث فيها ولا من قبيل المصادفة أن امرأة حكمت، ولم يحدث فيها مرة واحدة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما خرج من المدينة -مثلاً- في أحد الغزوات أو السرايا أنه كان يجعل امرأة تكون نائباً عنه في المدينة المنورة؟! والمهم أن هذا هو حال دولة بني أيوب.
بعد ذلك آل الأمر إلى ما يسمى بالمماليك، وكانوا من الأتراك وغيرهم وكانوا عبيداً مماليك للحكام، ثم قفزوا على السلطة وحكموا فيها فترة من الزمن، وقد عاصر الإمام السلطان العز بن عبد السلام - سلطان العلماء - عاصر بداية وجود هذه الدولة وعاش فترة فيها.
فمثلاً لما جاء مروان بن الحكم وغير بعض سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقدم خطبة العيد على الصلاة ثم خطب على المنبر، قام أبو سعيد الخدري وأنكر عليه، وكذلك قام رجل آخر فيما بعد وأنكر، فقال أبو سعيد الخدري: أما هذا فقد قضى ما عليه، بل إن الرجل وقف للأمير وجره بثوبه وقال له: خطبت قبل الصلاة وكانت الصلاة قبل الخطبة فقال: قد ترك ما هنالك.
وهكذا كان عمر رضي الله عنه يقف على المنبر، فيأمر وينهى، فيقوم إليه الرجل فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ويحتج عليه وهو على المنبر، فجدد العز بن عبد السلام هذا الهدي والسمت الذي كان معروفاً عند الصحابة والتابعين والأئمة المهديين فكان ينكر على هؤلاء العلية من القوم، على السلاطين وغيرهم علانية، ولم يكن يعتقد أن في هذا ضرراً أو إثارة فتنة.
أولا: أن العالم يعذر ويعرف الناس أنه قال وتكلم وأمر ونهى فلم يطع؛ فيعذر، ولا يكون مجالاً لحديث الناس أن يقولوا: داهن، ونافق، وسكت عن الحق، لا، بل يعرفون أنه قال بملء فيه ولكن لم يستجب له فحينئذٍ هو معذور في ذلك.
وقد مررت بعددٍ من بلاد الإسلام في أقاصي الأرض بل وفي غيرها من البلاد الكافرة التي يوجد بها بعض المسلمين، فوجدت أنهم يعتبون كثيراً على علماء الأمة أنه حصل كذا، وحصل كذا، وحصل كذا، وما سمعنا كلمة حق.
إذاً: العالم إذا قالها صريحة واضحة؛ فإنه يكون في ذلك العذر له عند الناس.
ومن فوائد ذلك -أيضاً- التفاف العامة حول هذا العالم إذا رأوه يقول كلمة الحق بقوة وشجاعة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنهم إذا رأوا ذلك التفوا حوله، وأحاطوا به، وأخلصوا له الود، ووفوا معه، لماذا؟ لأنهم يعرفون أن هذا عالم يريد وجه الله والدار الآخرة، ليس له مطامع، ولا مقاصد، وأنه بذل نفسه في سبيل الله عز وجل.
فمن أجل ذلك يحيطون به، ويفدونه بأرواحهم ومهجهم، ويبذلون من أجله وفي سبيل الحفاظ على مكانته كل غالٍ ونفيس، بخلاف ما إذا لم يكونوا يعلمون بما يقول ويفعل فإنهم قد يتهمونه، ويسوء ظنهم به، وينفضون من حوله، فيبقى العالم منفرداً ليس معه أتباع، ولا يستجيب له أحد، ولا ينتفع بعلمه أحد.
ومن فوائد إنكار العالم بهذه الطريقة: أنه يشجع الآخرين على الإنكار، فإن كثيراً من الناس يقولون: إذا سكت العالم فغيره من باب الأولى، وإذا سكت طالب العلم فكذلك.
فكان العز بن عبد السلام رضي الله عنه ورحمه الله حين يصدع بها عالية مدوية على أعواد المنابر وفي ملأٍ من الناس، كان يفتح الطريق للآخرين ويقودهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن لا يهابوا ولا يخافوا في الله لومة لائم.
ومن الفوائد: قبول الحق، فإن الحق إذا قيل علناً، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، من قبل عالم موثوق معروف بصدقه وإخلاصه وأنه لا يريد الحياة الدنيا ولا زينتها، ولا يبغي علواً في الأرض ولا فساداً كان إعلانه بذلك سبباً في قبول الحق الذي قال به والإذعان له.
ومن أهم فوائد ذلك: رفع مستوى الأمة، وعدم حجب الحقائق عنها، بمعنى أن العالم إذا جهر بالحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر كأنه يقول للأمة كلها: أنتم الحكم بيني وبين خصمي، فأنا قلت الحق وأنتم اسمعوا، فيرتفع مستوى الأمة حينئذٍ، وتصبح أمة مؤثرة قوية، كل فرد منها له قيمته، وله مكانته ورأيه، وله كلمته، وليسوا مجرد أتباع يؤمِّنون ويؤيدون ولا يعرفون هذا من ذاك، ولا يستطيعون أن يشاركون بالرأي والمشورة، لا،بل أصبحت أمة قوية لها ثقل ولها مكان.
وهذا لا يكون إلا إذا أشركها العلماء في أمورهم، وأمرهم، ونهيهم، وصدعهم بالحق؛ وجعلوا الأمة تشارك معهم في هذا العمل، لا يحجبون الحقائق عن الأمة بحجة أن الناس رعاع والناس همج والناس فيهم، وفيهم، لا،كانوا يعلنونها للناس ويجعلون الناس يتبنون الدفاع عن الحق بمجرد أن قاله العالم ونطق به.
فقال له العز بن عبد السلام: كل ما فعلتَ لا يضيرني، بل هو أمر كنت أتمناه منذ زمان، وأما قولك بأن كلامي يثير الفتنة فأنا ما تكلمت إلا بالحق، ورد البدع لا يثير الفتن، إنما الذي يثير الفتن هو السكوت على البدع وجحد الحق وكتمانه.
العز بن عبد السلام رحمه الله كان ينطلق من مبدأ صريح، وموقف واضح عبّر عنه في خطابه الذي أشرت إليه قبل قليل، فقال لهذا الأمير الذي عاتبه: "ثم إننا بعد ذلك نـزعم أننا من جملة حزب الله عز وجل وأنصار دينه وجنده، والجندي إذا لم يخاطر بنفسه فليس بجندي" هكذا يقول العز بن عبد السلام "الجندي إذا لم يخاطر بنفسه فليس بجندي".
إذاً ليس صحيحاً أن الإنسان يدعي أنه جندي من جنود الله عز وجل، مجاهد في سبيل الله، آمر بالمعروف ناه عن المنكر ثم لا يخاطر بنفسه في هذا السبيل ولو مرة واحدة، هذا لا يكون أبداً، الذي يريد السلامة لا يكون جندياً، ولا يلبس لباس الجند، ولا يحمل البندقية؛ بل يجلس في بيته، هذه هي طريقة العز بن عبد السلام رضي الله عنه.
وبعد فترة حصل أن الملك الصالح إسماعيل حالف النصارى الصليبيين أعداء الله ورسله، وسلّم لهم بعض الحصون كـقلعة الشقيق وصيدا وبعض الحصون وبعض المدن، أعطاها لهم من أجل أن يستعين بهم على قتال الملك الصالح أيوب بـمصر.
فلما رأى العز بن عبد السلام هذا الموقف الخياني المتآمر الموالي لأعداء الله ورسله لم يصبر، فصعد على المنبر وتكلم وأنكر على الصالح إسماعيل تحالفه مع الصليبيين، وقالها له صريحة، وقطع الدعاء له في الخطبة بعد ما كان اعتاد أن يدعو له، وختم الخطبة بقوله: اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً، تعز فيه وليك وتذل فيه عدوك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ثم نـزل، وعرف الأمير الملك الصالح إسماعيل أنه يريده، فغضب عليه غضباً شديداً، وأمر بإبعاده عن الخطابة وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج واضطرب أمر الناس أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة.
بعد ذلك خرج العز بن عبد السلام من دمشق مغضباً إلى جهة بيت المقدس فصادف أن خرج الملك الصالح إسماعيل إلى تلك الجهة والتقى بأمراء النصارى قريباً من بيت المقدس، فأرسل رجلاً من خاصته وبطانته وقال له: اذهب إلى العز بن عبد السلام ولاطفه ولاينه بالكلام الحسن واطلب منه لعلك تأتي به معك إلي ويعتذر مني، ويعود إلى ما كان عليه.
فذهب الرسول إلى العز بن عبد السلام وقال له: ليس بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وأعمالك وزيادة على ما كنت عليه إلا أن تأتي وتقبل يد السلطان لا غير، فكل ما في الأمر أن تأتي إلى الملك الصالح إسماعيل وتقبل يده، وتعود إلى ما كنت عليه ونـزيدك مناصب جديدة.
فضحك العز بن عبد السلام ضحكة الساخر، وقال: يا مسكين! والله ما أرضى أن الملك الصالح إسماعيل يقبل يدي فضلاً عن أن أقبل يده! يا قوم، أنا في وادِ وأنتم في وادٍ آخر، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، فقال له: إذن نسجنك، فمعي أمر إذا لم تمتثل أن تسجن، فقال: افعلوا ما بدا لكم.
فأخذوه وسجنوه في خيمة، فكان يقرأ القرآن في هذه الخيمة، وفي إحدى المرات كان الملك الصالح إسماعيل قد عقد مجلساً أو مؤتمراً مع بعض زعماء النصارى الصليبيين، وكانوا قريبين من العز بن عبد السلام بحيث يسمعون قراءته للقرآن، فقال: هل تسمعون هذا الذي يقرأ؟ قالوا: نعم، قال: هذا أكبر قساوسة المسلمين، -يريد أن يفتخر عندهم بهذا العمل- سجناه؛ لأنه اعترض علينا في محالفتنا لكم، وتسليمنا لكم بعض الحصون والقلاع، واتفاقنا معكم على قتال المصريين، فماذا قال له ملوك النصارى؟ -لقد ظن أنهم سوف يشكرونه على هذا العمل- لكنهم قالوا له: والله! لو كان هذا القسيس عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها.
أي لو كان عندنا رجل بهذا الإخلاص للأمة وبهذه القوة، وبهذه الشجاعة؛ لغسلنا رجليه وشربنا الماء الذي غسلنا به رجليه، فأصيب الملك إسماعيل بالخيبة والذل، وكانت هذه بداية هزيمته وفشله، فجاءته جنود المصريين وانتصرت عليه وعلى من كانوا متحالفين معه من الصليبيين، وأفرجت عن الإمام العز بن عبد السلام.
هذا موقف صدع به العز بن عبد السلام -رحمه الله- بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على رؤوس المنابر، ورأى أن هذا الذي يسعه، مع أنه كان يستطيع غير ذلك، لكن رأى أن هذا هو الأسلوب المناسب خاصةً أن الصليبيين في تلك الوقعة دخلوا شوارع دمشق ومدنها وتجولوا في أسواقها ودكاكينها، وكانوا يشترون الأسلحة من المسلمين.
ولذلك وجه إليه استفتاء: هل يجوز أن نبيع السلاح إلى النصارى؟ فأفتى رضي الله عنه بأن بيع السلاح إليهم لا يجوز، لأنك تعلم أنهم سوف يصوبون هذه الأسلحة إلى صدور المسلمين.
وكان المتوقع أن العز بن عبد السلام يقول: هذه مناصب توليتها ومن المصلحة أن أحافظ عليها حفاظاً على مصالح المسلمين، وأن لا أعكر ما بيني وبين هذا الحاكم خاصة أن الملك الصالح أيوب في مصر مع أنه رجل عفيف وشريف، إلا أنه كان رجلاً جباراً مستبداً شديد الهيبة، حتى إنه ما كان أحد يستطيع أن يتكلم بحضرته أبداً، ولا يشفع في أحد، ولا يتكلم إلا جواباً لسؤال لشدة هيبته.
حتى إن بعض الأمراء في مجلسه يقولون: والله إننا دائماً نقول -ونحن في مجلس الملك الصالح أيوب-: ما نخرج من المجلس إلا إلى السجن؛ لأنه رجل مهيب وإذا سجن إنساناً نسيه، ولا أحد يستطيع أن يكلمه فيه أو يذكره به، وكان حوله الخدم، والحشم، والأعوان، والشرط.
رجل له هيلمان، وسلطة، وصولجان، وخوف، وذعر في نفوس الناس، والخاص والعام، فماذا كان موقف العز بن عبد السلام مع هذا الرجل؟ كان له موقف في غاية الطرافة: في يوم العيد خرج الموكب، موكب السلطان يجوب شوارع القاهرة والشرطة مصطفون على جوانب الطريق والأمراء، وهذه كانت عادة سيئة موجودة عند الأمراء في ذلك الوقت يقبلون الأرض بين يدي السلطان، فكان له هيبة وأبهة والسيوف مصلتة.
فوقف العز بن عبد السلام وقال: يا أيوب! -يخاطب الحاكم- يا أيوب التفت إليه الحاكم مذهولاً من الذي يخاطبه باسمه الصريح، هكذا بلا مقدمات: يا أيوب فالتفت إليه، فقال له: ما حجتك عند الله عز وجل غداً إذا قال لك ألم أُبَوِّئ لك ملك مصر فأبحتَ الخمور.
فقال: ويحدث هذا في مصر؟ قال: نعم، في مكان كذا، وكذا، حانة يباع فيها الخمر، فقال: يا سيدي! هذه من عهد أبي أنا ما فعلت هذا، فهز العز بن عبد السلام رأسه، وقال: إذن أنت من الذين يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف:23] فقال: لا، أعوذ بالله وأصدر أمراً مرسوماً بإبطالها فوراً ومنع بيع الخمور في مصر.
موقف عجيب وانتهى الموقف، ورجع العز بن عبد السلام رضي الله عنه إلى مجلسه يعلم الطلاب ويدرسهم، وكان يعلمهم مواقف البطولة والشجاعة قبل أن يعلمهم الحلال والحرام، ويعلمهم الغيرة على الدين مثلما يعلمهم الأحكام، لأنه لا قيمة لطالب يحفظ القرآن والصحيحين والسنن وكتب الفقه والحديث، ومع ذلك غيرته ميتة على الإسلام، لا يغضب لله ورسوله، لا يتمعر وجهه إذا ما رأى المنكر، لا يتطلع إلى منازل الصديقين والشهداء، ما قيمة هذا العلم؟!
فرجع العز بن عبد السلام إلى مجلس درسه، فجاءه أحد تلاميذه، يقال له الباجي، يسأل، فيقول: يا سيدي، كيف الحال؟ قال: بخيرٍ والحمد لله، قال: كيف فعلت مع السلطان؟ قال: يا ولدي، رأيت السلطان في أبهة ومنظر ومظهر فخشيت أن تكبر عليه نفسه فتؤذيه، فأردت أن أهينه.
إذاً: العز بن عبد السلام كان يربي السلطان، كان العز يستطيع أن يقول للحاكم بأذنه: في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر، لكن لماذا أعلن هذا الأمر على الناس؟ إنه يريد أن يربي السلطان، فهو يريد إنكار منكرين في وقت واحد، المنكر الأول -وهو صغير بالنسبة للثاني-: الحانة التي يباع فيها الخمر، ويمكن أن تزال ببساطة.
لكن المنكر الثاني الأكبر هو: هذا الغرور، وهذه الأبهة، وهذا الطغيان الذي بدأ يكبر في نفس الحاكم، فأراد أن يقمعه ويقعده ويزيله، قال: فأردت أن أهينه لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه، فقال له الباجي (تلميذه): يا إمام، أما خفت؟ قال: لا والله يا ولدي، استحضرت عظمة الله عز وجل فرأيت السلطان أمامي كالقط.
إلى هذا الحد! يا سبحان الله! لكن ما رأيكم في طالب علم أصبح يخاف حتى من القط! هل يأمر؟ هل ينهي؟ لا، ولذلك أقول: كان العز بن عبد السلام رضي الله عنه يتخذ هذه المواقف لأغراض عديدة منها -كما سيأتي- تربية الناس على مثل هذه المواقف وأن يجر الأمة كلها إلى مواقف شجاعة قوية.
المهم أنه كان كبير القضاة بمصر، فكان كلما جاءته رقعة فيها بيع أو شراء أو نكاح أو شيء لواحد من هؤلاء المماليك يراها لا تصلح فيبطلها؛ لأن هذا عبد مملوك حتى لو كان أميراً كبيراً عندهم أو قائداً في الجيش، فيرده ويقول له: يجب أن يُحَرر فيباع أولاً، وبعد ذلك يصح بيعهم وشراءهم وتصرفاتهم كلها، أما الآن فهم عبيد.
لهذا فإنهم تضايقوا من هذا العمل، وجاءوا إليه يقولون له: ماذا تصنع بنا؟ قال: أريد أن أبيعكم، فغضبوا أشد الغضب، ورفعوا أمره إلى السلطان، فغضب السلطان وقال: هذا أمرٌ لا يعنيه، هذا يتدخل فيما لا يعنيه -وهذه كلمة قديمة تستخدم: هذا يتدخل فيما لا يعنيه- فلما سمع العز بن عبد السلام هذه الكلمة، تصرف تصرفاً بسيطاً لكنه مهم، فقام وعزل نفسه من القضاء.
إذاً: من أهم جوانب قوة العز بن عبد السلام أنه كان أكبر من المناصب، وأكبر من الوظائف، وأكبر من الأسماء، ولذلك ما كان يتطلع إليها أو يستمد قوته منها، بل كان يستمد قوته من إيمانه بالله عز وجل، ومن وقفته إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بكلمة الحق، ثم من هذه الأمة التي أعطته مهجها وأرواحها.
وأصبح العز بن عبد السلام في حياتهم وقلوبهم هو تاج الزمان ودرته، وأصبح هو أعظم عالم وداعية وإمام في العالم الإسلامي في وقته، فلذلك عزل نفسه من القضاء؛ لأن كل أمور المسلمين تدخل تحت تصرف القاضي، والعالِم يحكم فيها بحكم الله ورسوله.
ثم قام بتصرف آخر مشابه، وهو أنه جمع متاعه وأثاث بيته واشترى حمارين، وضع الأثاث والأمتعة -البسيطة- في حمار، وركّب زوجته وطفله على الحمار الآخر وأمسك رسن الحمار، ومشى باسم الله. فإلى أين هذا الموكب البسيط المتواضع؟ إنه يريد أن يخرج من مصر ويرجع إلى بلده الأصلي، يرجع إلى الشام، وليس في الأمر ما يدعو إلى أن يذكر.
إنها قصة عادية رجل ركب حمارين ومشى لكن ما الذي حدث؟!
لقد خرجت الأمة كلها وراء العز بن عبد السلام، حتى ذكر المؤرخون أنه خرج وراءه العلماء والصالحون والعباد والرجال والنساء والأطفال، وحتى الذين لا يؤبه لهم، هكذا تقول الرواية: أي النجارون، الصائغون، والصباغون، والكناسون وكل أصحاب الحرف والمهن الشريفة والوضيعة من الأمة خرجت وراء العز بن عبد السلام في موكب مهيبٍ رهيب.
فجاء الناس إلى السلطان وقالوا له: من بقي لك تحكمهم إذا خرج العز بن عبد السلام وخرجت الأمة كلها وراءه؟! ما بقي لك أحد، قد ذهب ملكك، فأسرع الملك الصالح أيوب إلى العز وركض يدرك هذا الموكب، ويسترضيه، ويقول له: ارجع ولك ما تريد، قال: لا أرجع أبداً إلا إذا وافقت على ما طلبت: أن نبيع هؤلاء المماليك، قال: لك ما تريد، افعل ما تشاء.
فرجع العز بن عبد السلام، وبدأ المماليك يحاولون به: أمعقول يبيعنا؟! أمعقول أن مسئولاً كبيراً في دولة المماليك يعلن عليه بالأسواق بالمزاد العلني: من يشتري؟ من يشتري؟ لا يمكن هذا! فغضبوا حتى قام نائب السلطنة وهو واحد منهم وذهب وقال: لا بد من تصفية جسدية، لا يوجد حل إلا أننا نقتل هذا الرجل؛ لأنه أصبح غصة في حلوقنا فلابد من قتله.
فذهب نائب السلطنة -وهو مملوكي وهو أول من سوف يحرج عليه في المزاد العلني- ذهب ومعه مجموعة من الأمراء ثم طرق باب العز بن عبد السلام وكانت سيوفهم مصلتة يريد أن يقتله فخرج ولد العز بن عبد السلام واسمه عبد اللطيف، فلما رأى ما رأى -موقف مهيب مخيف- رجع إلى والده، وقال: يا والدي انج بنفسك، الموت، الموت، قال: ما الخبر؟ قال: الخبر: كيت، وكيت، فقال العز بن عبد السلام لولده: يا ولدي والله! إن أباك لأحقر وأقل من أن يقتل في سبيل الله عز وجل.
ثم خرج مسرعاً فما لبس ثياباً ولا شيئاً؛ لأنه يخشى أن تفوته هذه الفرصة خرج مسرعاً إلى نائب السلطنة فلما رآه يبست أطرافه وتجمد! وأصابته حالة عصبية من الذعر والرعب، وأصبح يضطرب، وسقط السيف من يده، واصفر وجهه، وبدأ يضطرب، وسكت قليلاً، ثم تراد إليه نَفَسُه، فبكى وقال: يا إمام، حدِّث، ماذا تعمل؟ قال: أبيعكم. قال: تحرج علينا؟ قال: نعم، قال: تقبض الثمن؟ قال: نعم، قال: أين تضعه؟ قال: في مصالح المسلمين العامة، في بيت المال أضعه، فطلب منه الدعاء، لقد بكى بين يديه وطلب منه الدعاء له، ثم انصرف.
لقد فعلها العز بن عبد السلام رضي الله عنه، فقام وجمع هؤلاء، وأعلن عنهم، وبدأ يبيعهم، وكان لا يبيع الواحد منهم إلا بعد أن يوصله إلى أعلى الأسعار، لا يبيعه تحلة للقسم، لا،بل يريد أن يزيل ما في النفوس من كبرياء، فكان ينادي على الواحد بالمزاد العلني مثل البائع الشحيح، فلا يبيع الأمير إلا بعدما يستوفي قيمته.
وهذه القصة حكم مجموعة من العلماء والمؤرخين بأنها لم تحدث في تاريخ البشرية كلها، وأعتقد أن هذا صحيح، طيلة تاريخ البشرية في جميع الأمم، إذا أتوا يفاخرونا نفاخرهم بأئمة أفذاذ من أمثال العز بن عبد السلام، هاتوا لنا عالماً يقف مثل هذا الموقف! أو شخصية فكرية في الأمم كلها يقف مثل هذا الموقف! وتاريخ الإسلام كله لا يعرف فيه مثل هذا الموقف الذي حصل للعز بن عبد السلام رضي الله عنه وأرضاه.
وقد سجل هذا الموقف بقلمه البارع وأدبه الرفيع الأديب مصطفى صادق الرفاعي رحمه الله في كتابه وحي القلم تحت عنوان (أمراء للبيع) وألف أحد المعاصرين كتاباً سماه العز بن عبد السلام بائع الملوك.
هذا جانب، إذاً، العز بن عبد السلام كان شجاعاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهر بكلمة الحق، وكان يرى أن يقول ذلك علانية وصراحة ولا يداهن ولا يخاف في الله لومة لائم.
ومن هنا نلاحظ كيف أن الأمة كانت تواصل العلماء، فتخبرهم بما يجري وما يقع؛ لأن العالم ليس كالشمس يشرق على هذه الدنيا كلها، بل يحتاج من تلاميذه وممن حوله أن يقولوا له: حصل كذا وحصل كذا، بحيث أن الأمة كلها تمد جسورها مع العالم، فجاءوا وقالوا له: الأمر كيت وكيت، فتأكد لديه الخبر، فجمع أولاده وبعض تلاميذه، وذهب إلى هذا المكان الذي يسمونه طبل خانة، ثم أخذ الفأس وبدأ باسم الله وهدمه هو من معه حتى سووه بالأرض.
فهل اكتفى بهدم هذا المنكر وإزالته؟ لا، فالرجل طموح، فقد قام وأصدر بياناً أو قراراً بأن الوزير هذا ساقط العدالة فلا أحد يقبل شهادته ولا يقبل منه أي خبر من الأخبار، وأعلنه للناس فسرعان ما تناقلت الأمة هذا الخبر عن العز بن عبد السلام.
وكانوا يظنون أن الخبر محصور في مصر فقط، لكن تعجبوا أشد العجب وعظمت مصيبتهم حينما حصلت القصة التالية: أرسل ملك مصر إلى الخليفة العباسي رسالة بواسطة أحد الأشخاص، رسالة شفهية، فلما وصلت الرسالة إلى الخليفة العباسي، قال للرسول من أين سمعت هذه الرسالة؟ هل سمعتها من ملك مصر مباشرة. قال: لا، سمعتها من فلان -يعني الوزير الذي أسقط العز بن عبد السلام عدالته-.
فقال الخليفة: ارجع فلن أقبل هذا الخبر حتى تأتيني به من حاكم مصر مباشرة، فرجع الرسول وقال لهم: القصة كيت، وكيت، فعرفوا أن الأمة كلها فعلاً مع العز بن عبد السلام.
أولا: أن العز بن عبد السلام كان يتولى بنفسه -أحياناً- مباشرة تغيير المنكر باليد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} والعز كان يستطيع أن يغير بيده، فتغييره رضي الله عنه باليد يعتبر موقفاً وسطاً بين صورتين تقعان في كل زمان ومكان:
الصورة الأولى: صورة بعض المتعجلين الذين يتولون تغيير المنكرات بأيديهم، لكنهم ليس لديهم قوة ولا مكانه بحيث أن تغييرهم للمنكر قد يعود بنتائج سلبية، وهذا ما نلاحظه في هذا العصر، في كثيرٍ من البلدان يكون تغيير المنكر باليد -بإتلافه، أو إحراقه، أو هدمه، أو منع وقوعه- سبباً في مضاعفة المنكر.
وبمقابل ذلك وهي الصورة الثانية، التي يكون فيها التهاون والسكوت، فموقف العز موقف متميز عن بعض طلبة العلم والمحسوبين على الدعوة وعلى الخير ممن إذا رأى المنكر طأطأ رأسه، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، وربما في المرة الثانية لا يأتي من عند هذا المكان حتى لا يرى المنكر!
فنقول: لا، لا يصلح الهروب من المنكرات، فهروبك من المنكر لا يعني أن المنكر قد زال، وقولك: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا طيب وذكر لله عز وجل، لكن يجب أن تشفع ذلك وتؤيده بموقف إيجابي فعال، تعمل فيه على إزالة المنكر، فكان موقف العز بن عبد السلام موقفاً وسطاً، فهو رجل متمكن له قوة وقدرة استطاع بها أن يغير المنكر بيده، فهذا جانب.
الجانب الثاني: أن الذي جعل العز بن عبد السلام رضي الله عنه يقف هذا الموقف هو أن الأمة كلها وراءه، ولذلك لما أصدر القرار بإسقاط عدالة هذا الرجل، لم يعد أحد يقبل منه أي قول، ويمكن أن زوجته لو رجع إليها في البيت ليخبرها بخبر، لقالت له: ما أقبل منك هذا الكلام لأنه قد أسقط عدالتك العز بن عبد السلام!
إذا كانت الأمة فعلاً ملتفة حول علمائها وقاداتها الشرعيين فإنها تكتسب بهم قوة، وتكسبهم قوة أما هم فإن الواحد منهم يستطيع أن يأمر وينهى، لأن وراءه حشد من الأمة، إذا غضب غضبت له ألوف وألوف، ومن جهة أخرى، أن الأمة تتقوى بهم؛ لأن هؤلاء العلماء ما اكتسبوا مكانتهم إلا لأنهم كانوا هم المدافعين الحقيقيين عن مصالح الأمة، كما سوف أبين ذلك بعد قليل.
أولاً: مما لا شك فيه أن العالم حلقة وصل بين العامة والخاصة، بين الحاكم والمحكوم، لماذا؟ لأن الحاكم يحتاج إليه، لتأييد مواقفه، وكسب الناس، ولذلك كان أول ما يتولى الحاكم المملوكي أو غيره أول من يبايعه العز بن عبد السلام، ثم بعد ذلك يبايعه الوزراء، ثم الناس، فكان الحاكم يدري أنه يحكم أمة مسلمة، تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنه لا يستطيع أن يستقر ويضمن هذه الأمة، إلا إذا حكمها بكتاب ربها وسنة نبيها، وأرضى الواسطة بينه وبين هذه الأمة وهم العلماء.
فكان العالِم يحتاجه الحاكم، وفي نفس الوقت تحتاجه الرعية؛ لأن الرعية لها حاجات ومطالب وآراء واجتهادات لا يمكن أن يوصلوها بأنفسهم، فكانوا يحتاجون إلى العالم حتى يوصل هذه الأمور إلى من فوقه، فهو حلقة وصل.. رابطة.. واسطة بين الأمة وبين حكامها ومسئوليها.
ولعل من أبرز الصور التي تتجلى فيها مدافعته عن مصالح الأمة: الناحية الاقتصادية، وقد سبق القول بأن الاقتصاد من الأمور التي يشترك الناس كلهم في الغضب لها أو الرضا لها، فإذا مست الجوانب الاقتصادية في حياة الناس؛ سخطوا، وإذا أرضوا بالمال؛ رضوا كلهم؛ طيبهم وفاجرهم.
ولذلك كان العز وغيره من العلماء يحرصون على حماية مصالح الناس، ومن المؤكد أن العز بن عبد السلام لم تكن عنده امتيازات شخصية، ولا كان عنده رواتب فخمة، ولا كان عنده قصور ولا شيء في هذا، بل -كما ذكرت سابقاً- كان الموكب الذي أراد أن يخرج به من مصر عبارة عن حمارين، وكان أثاثه كله يوجد في هاتين المزادتين.
فمرة من المرات لما كان في دمشق حدثت مشاكل وزوبعة، وأخذ ورد، وكان بسبب ذلك انخفاض في الأسعار وأصبحت البساتين تباع بأسعار زهيدة، فقالت له زوجته بعد أن باعت مصاغها وحليها: خذ، اشتر لنا بستاناً نصطافُ فيه، نخرج في الصيف نجلس فيه، فأخذ الحلي وذهب وباعها ثم وجد الناس محتاجين فتصدق بها، ورجع إلى البيت، فقالت له زوجته: اشتريت بستاناً؟ قال: نعم، اشتريت لك بستاناً ولكن في الجنة، قد رأيت الناس محتاجين ففرقت هذا المال فيهم، فقالت له: جزاك الله خيراً.
إذاً، الأمة عرفت أنه رجل يبذل ماله ويحرص على قضاء حقوق المحتاجين ولو من مال ومصاغ زوجته، فهذا يستحق أن تقف الأمة وراءه، وهذا في أموره الخاصة، وإن كانت أموراً بسيطة لأن العالم عادةً ليس عنده أموال يوزعها، وليس هو موزع أموال، العالِم في تاريخ الأمة كلها ما كان يوزع أموالاً إلا في حالات نادرة، إنما يوزع الهداية بين الناس، هداية الدلالة والإرشاد.
والمواقف العامة هي الأخطر، فقد كان العز بن عبد السلام مدافعاً عن مصالح الناس الاقتصادية والمالية يدافع عن جيوبهم، يمنع ظلمهم والاعتداء على حقوقهم، وخذ هذا المثال:
ونحن نواجه عدواً اجتاح بلاد العراق والشام ووصل إلينا، وقد تنتهي دولة الإسلام على يديه فلا بد من المقاومة، فقد يوافق بعضهم في مثل هذه الظروف وهم يواجهون الخطر والعدو.
لكن العز بن عبد السلام لم يوافق، وقال له: هذا لا يمكن، إلا بعد أن نأخذ كل ما عندكم أنتم وبقية سلاطين المماليك وأمرائهم، فكل ما عندكم من الخوائص المذهبة، والآلات النفيسة، والأموال الطائلة، والامتيازات والاختصاصات حتى لا يصبح مع الواحد منكم إلا ثيابه ومركوبه، فرسه وسلاحه وثيابه، فإذا كفت أموالكم فالحمد لله رب العالمين وإذا لم تكف فحينئذٍ ننتقل إلى أن نأخذ من أموال الناس، فوافق قطز مضطراً على هذا العرض وجمع أموال المماليك وأمراء المماليك فكفت وزادت على الكفاية.
هذا الموقف تتناقله الأمة، وتشعر من ورائه بأن الذي حفظ أموالها وحماها من أن تظلم أو يؤخذ مالها بغير حق هو العز بن عبد السلام، فتفي له بهذه المواقف، وتدرك أن هؤلاء العلماء هم الذين يستحقون أن تقف الأمة وراءهم. فهذا مثال يكشف عن قدرة العز بن عبد السلام على ما يمكن أن نعبر عنه بقيادة الناس وقيادة الأمة.
فعلى سبيل المثال كان منهم غيورون على الإسلام يدركون أن الإسلام يحارب من الشرق بالتتار ومن الغرب بالصليبيين، وأنه لابد من حماية هذا الإسلام والدفاع عنه، وكانوا يدافعون عن الإسلام بكل ما يملكون.
وكان منهم أناس يمكن أن نصفهم بأنهم من العلماء، بنوا المدارس، وأقاموا الإسكانات للطلاب، والأوقاف، والمكتبات، والجامعات، والمدارس التي كانوا يسمونها مدارس الحديث ودور الحديث والفقه وغيرها، وحرصوا على تنمية القدرة العلمية للأمة، وكان منهم علماء نور الدين كان متبحراً في العلم حتى أنه ألف كتاباً في الجهاد، وبعده صلاح الدين، فقد كان حافظاً للقرآن، ويحفظ مع القرآن كتاب التنبيه في الفقه الشافعي ويحفظ أيضاً ديوان الحماسة، هذا صلاح الدين! وكان في كل مجلس يحضر الفقهاء والمحدثين والمؤرخين ويقرءون عليه القرآن والفقه والحديث والتاريخ وغير ذلك.
الملك الكامل كان عالماً أخرج أربعين حديثاً صنفها في كتاب بإسناده، وله تعليقات على صحيح مسلم.
فإذا كان حال علية القوم فمن دونهم كذلك، فكان العلم مبذولاً وكان الذي يتولى هذه الحركة العلمية هم العلماء، وهذا يكشف لنا عن سر وهو أن بضاعة العلم رائجة.
ولذلك الذين يملكون هذه البضاعة وهم العلماء لهم رواج، ولهم مكانة، ولهم ثقل في الأمة، أما إذا كانت الأمة يخيم عليها الجهل، فيصبح العالِم هنا -كما يقولون- مثل الريحانة في وسط النتن، لا يعرف الناس ما عنده، ولذلك لا يهتمون له، ولا يسعون إليه، ولا يقدرونه، لأنهم لا يعرفون البضاعة التي عنده.
أرأيت لو أن مجموعة من الناس، جهلة، بدائيين لا يعرفون شيئاً فجاءوا إلى رجل عنده ذهب وهم جياع مثلاً فقال لهم: عندي ذهب، فإنهم لن يلتفتوا إلى هذا الذهب، فهو والبعر عندهم سواء، لا يعرفون قيمته! فهكذا الأمة إذا عاشت بجهل فإنها لا تقدر العالم ولا تعرف بضاعته، لذا فمن أعظم الوسائل لربط العالم بالأمة وربط الأمة بالعالم: نشر العلم والقعود للتدريس، والإفتاء، والتعليم، وأن تكون الأمة كلها في حركة لا تتوقف.
وخذ على سبيل المثال فضلاً عن المواقف التي ذكرتُ وهي كافية، لكن خذ جانباً آخر وهو الكتب التي كتبها العز بن عبد السلام، صحيح أن العز بن عبد السلام له كتب في الفقه والحديث والأصول والتفسير وغيرها.
لكن مع ذلك لاحظ بعض الكتب التالية للعز بن عبد السلام: كتاب اسمه الفتن والبلايا والمحن والرزايا يتكلم فيه عن المصائب والصبر عليها وما أشبه ذلك، وهذا له علاقة كبيرة بالمصائب والمشاكل التي كانت تعيشها الأمة، وله كتاب اسمه ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام.
وقد ألف هذا الكتاب لما اجتاح الصليبيون بلاد الشام، وبدءوا يحاربون المسلمين، ففزع كثيرٌ من المسلمين، وبدءوا يفرون إلى الأمصار الأخرى ويهربون، فكتب هذا الكتاب ليثبت المسلمين ويحاول أن يجعلهم يقيمون في بلاد الشام ولا يخرجون منها، بل على العكس فقد حث المسلمين في الأمصار الأخرى أن يحرصوا على الانتقال إلى الشام وسكناها ومدافعة الأعداء فيها.
وله كتاب اسمه أحكام الجهاد تكلم فيه عن الجهاد وأحكامه وما يتعلق به وفضله، إضافة إلى أنه -هو نفسه- كان يقوم بالجهاد مباشرة ويشارك فيه، حتى إنه في أحد المرات لما غزا التتار بلاد مصر وخاف الحاكم منهم، جاء العز بن عبد السلام إلى الحاكم -وهم في رمضان- وقال له: لماذا أنت جالس إلى الآن؟! لماذا تجلس ولا تحارب هؤلاء القوم؟! قال له: هل تضمن لي على الله النصر؟ قال له: نعم، أضمن لك على الله النصر، قم فقاتل، فقام وقاتل وكان العز بن عبد السلام في جيشه يثبت الناس، ويرفع معنوياتهم، ويقويهم، ويلهب حماسهم حتى كانت الدائرة على الأعداء وانتصر المسلمون.
وللعز بن عبد السلام كتب في الفتاوى يفتي بها للأسئلة التي ترد من كل مكان وهي مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالواقع الذي كان يعيشه.
أيضاً مرة أخرى لما غضب عليه أحد أمراء الشام ومنعه من التدريس والخروج وفرض عليه الإقامة الجبرية، ذهب أحد الفقهاء الأحناف وكان فقيهاً مهيباً، فوقف عند الباب على حماره، فقال الحاكم: دعوه يدخل، فلما دخل قام إليه وأنـزله بنفسه، وقدمه، وقدره، وأبى أن يأكل إلا بعده، فقال له: ما الذي جاء بالشيخ؟ قال: ما الذي حدث بينك وبين الإمام العز بن عبد السلام. قال: كذا، وكذا، وذكر القضية.
فقال هذا الفقيه: والله لو كان العز بن عبد السلام في الصين أو الهند لكان جديراً بك أن تسعى في أن يحضر إليك فإنه شرفٌ لك أن تملك أمة فيها مثل العز بن عبد السلام، فينبغي أن تسترضيه، فوافق على ذلك، وأرضى العز بن عبد السلام، وجعله في مقام رفيع.
فتضامن العلماء يكسبهم مقاماً قوياً، ويجعل يدهم واحدة، وكلمتهم واحدة، أما إذا اختلفوا فإن بعضهم يضرب بعضاً، وقديماً قال رجل لأولاده:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعتدى خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا |
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا |
وقد استفاد الشيعة من هذا الأمر، فأذكر أنني قرأت منذ زمن في ترجمة الهالك الخميني أنه غضب عليه حاكم إيران في وقته لمواقفه، وحاول أن يصدر قراراً بإعدامه وقتله، فماذا فعل رجالات الشيعة في إيران؟ لقد اجتمعوا سريعاً وأصدروا قراراً بترقية الخميني إلى مرتبة آية الله.
وهذه مرتبة دينية عندهم لآياتهم وزعمائهم الدينيين ومراجعهم العلميين، ومن وصل إلى هذه المرتبة فإنه لا يمكن أن يكون في حقه إعدام ولا حكم من هذا القبيل، فرفعوه بذلك، ومنعوا الحاكم من أن يقتله، فاستغلوا قضية التضامن فيما بينهم على ما هم عليه من باطل وفساد في منع أي ظلم أو اعتداء لأحد منهم.
إن العز بن عبد السلام رضى الله عنه تربى على يد علماء فيهم قوة مثل فخر الدين بن عساكر الذي كان في دمشق وألزموه بالقضاء، فرفض القضاء ثم وليه بعد جهد جهيد، ولم يدم فيه، وكان هذا الرجل قوياً في الحق حتى إنه أنكر على حاكم دمشق أنه كان يضمن الناس الخمر والمكوس التي يتلفونها، فإذا أتلفوها طلب منهم الضمان فأنكر عليه ابن عساكر هذا الأمر، فهذا من شيوخ العز بن عبد السلام. ومن شيوخه أيضاً رجل اسمه عبد الصمد الحرستاني وهذا أيضاً ألزم بالقضاء، فلما ألزموه به صار فيه على طريقة السلف الصالح على الجادة، وفي إحدى المرات كان في مجلس القضاء فجاءه خصمان، فأحدهما قدم له ورقة خطاب، فأخذ الخطاب وجعله في الدرج، ثم قال: ماذا عندك، وأنت ماذا عندك، فسمع كلام الخصوم، ثم بعد ذلك حكم لهذا، ثم فض الخطاب، فلما فض الخطاب قرأه وإذا هو خطاب من الحاكم يشفع فيه لهذا الرجل الذي حُكم عليه أن حاول أن تنظر في أمره وأن تجعل الحق معه، فألقى بالكتاب في القمامة، وقال: قد غلب كتاب الله كتاب هذا الرجل، حكمت قبل بالحق ولا أحكم بالباطل بمجرد أنه أتاني خطاب من السلطان!
فذهب هذا الرجل إلى الحاكم يظن أنه سينتصر له، وقال له: حصل كذا، وكذا، فقال: صدق، كتاب الله مقدم على كتابي. فما دام حكم بالشرع بالكتاب والسنة، فهل يرجع عن الكتاب والسنة لكتابي؟! هو صادق فيما قال.
فكان هذا من شيوخ العز بن عبد السلام وعلى يد هؤلاء العلماء تعلم العز بن عبد السلام دروس القوة، والشجاعة، والغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن بعد العز بن عبد السلام تلقى على يديه رجال من أمثال ابن دقيق العيد مثلاً، فقد عزل نفسه من القضاء مرات فكل ما حصلت مشكلة يعزل نفسه عن القضاء، ويقول: ما لي به حاجة، أنتم ألزمتموني به ولا أحتاجه، ثم يعزل نفسه عن القضاء، وقد حصل لـابن دقيق العيد موقف مشابه لموقف شيخه العز بن عبد السلام، فإن السلطان محمد بن قلاوون أراد أن يجمع المال لحرب التتار من الناس ولو بالقرض مثلما فعل قطز من قبل.
فجمع العلماء، فقال له ابن دقيق العيد: لا يمكن أن تأخذ الأموال من الناس إلا بعد أن تجمع الأموال من السلاطين، والأمراء، ومن حريمهم، حتى قال له: إن منكم -من أمرائكم- من جهز بنته لتزف إلى زوجها وعمل في حفلها الجواهر، واللآلي، والحلي الفاخرة، وجعل معها الأواني من الذهب والفضة، وإن منكم من رصع مداس زوجته بالجوهر، فإذا أتيتم بهذه الأموال ولم تكف فبعد ذلك ننتقل إلى أموال الرعية. فهو موقف مشابه يذكرنا بموقف العز بن عبد السلام.
إذاً القضية -أيها الأحبة- قضية تربية، العز تلقى هذه الشجاعة والقوة في الحق من مثل ابن عساكر وعبد الصمد الحرستاني وأدى الأمانة إلى من بعده كـابن دقيق العيد وغيره من التلاميذ.
وهكذا أقول: يجب على طلبة العلم والمعلمين اليوم ألا يحرصوا على حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات الجافة فقط، تجد الطالب أحياناً يستطيع أن يحفظ متناً أو يقول لك حكماً أو يذكر خلافاً أو ما أشبه ذلك، لكن ليس لديه غيرة، لا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا يعد نفسه حتى يكون قائداً للأمة، رضي من الغنيمة بالإياب، هذا لا يصلح أبداً، ينبغي أن يكون العالم مدرسة تخرج تلاميذ فيهم التكامل، فيهم العلم الشرعي المبني على الدليل، فيهم العمل، الصدق، الإخلاص، العبادة بحيث أن الأمة تلتف من ورائهم، والأمة أحوج ما تكون لمثل هؤلاء؛ لأن الأمة اليوم في مشارق الأرض ومغاربها قد التفت حول العلمانيين، واليساريين، والمنحرفين، والضالين، لماذا؟ لأنهم خدعوا الأمة، قالوا: نحن ندافع عن حقوق الناس.
فالشيوعيون -مثلاً- يدعون أنهم يحفظون أموال الأمة ويدافعون عن حقوق ما يسمونهم بالكادحين، فالشيوعيون مذهبهم نظرياً أن الحكم للكادحين، للعمال الذين يسمونهم بطبقة البروليتاريا، وهذه دعاوى عريضة باطلة لكن هكذا خدعوا الناس، ولذلك قال زعيمهم ماركس: يا عمال العالم اتحدوا.
الشيعة أيضاً خدعوا الأمة بمثل هذه الدعاوى الباطلة ولذلك كانوا يدعون أنهم يحافظون على حقوق من يسمونهم بالمستضعفين، ويحاربون قوى الاستكبار العالمي وغير ذلك من هذه العبارات والمصطلحات الكاذبة التي ضللوا بها الأمة، وقل مثل ذلك في العلمانيين وغيرهم، فإن الأمة أحوج ما تكون إلى طلبة العلم الذين تلتف حولهم.
الموقف الأول: كيف طلب العلم؟
كان جاهلاً أول أمره وكبر سنه وهو لم يتعلم -وهذا عبرة لبعض الذين كبروا ولم يتعلموا- وفي أحد الأيام كان نائماً في الكلاسة -وهي زاوية في الجامع الأموي بـدمشق- لأنه كان في سكن للطلاب حينذاك وللناس عموماً، فكان نائماً والليلة شديدة البرد فاحتلم في تلك الليلة واستيقظ فذهب بسرعة وكان ثمة بركة في طرف المسجد شديدة البرودة حتى ربما أنها متجمدة، فخلع ثيابه ونـزل في تلك البركة واغتسل في ماء بارد ثم خرج حتى كاد أن يغمى عليه وذهب ونام مرة ثانية، ثم احتلم مرة أخرى أيضاً فاستيقظ.
حتى ذكر ابن السبكي القصة هذه عن والده يقول: ما أدري حصلت له القضية مرتين أو ثلاث، في ليلة واحدة، وفي كل مرة كان يذهب إلى هذا المكان البارد ثم يلقي بنفسه فيه حتى أنه قال أغمي عليه في المرة الثانية أو الثالثة أغمي من شدة البرد، فاستيقظ بعد ذلك وجلس حتى طلع الفجر، بعد ذلك قيل أنه أغفى إغفاءة بسيطة وسمع واحداً يقول له في النوم: هل تريد العلم أو العمل؟ فقال: لا، أريد العلم؛ لأن العلم يقود إلى العمل.
فلما أصبح الصباح أخذ كتاب التنبيه في فقه الشافعي، واعتكف عليه حتى حفظه ثم بعد ذلك ظل يطلب العلم حتى أصبح -كما يقول السبكي- أعلم أهل زمانه، وكان كثير التعبد لله جل وعلا، فهذا درس فيه عبرة وفيه عجب.
الموقف الثاني: وإذا كان الموقف الأول يتعلق ببداية طلبه للعلم وبداية حياته العلمية، فإن الموقف الثاني يتعلق بنهاية حياته، ففي نهاية حياته، لما حضرته الوفاة، وقرُب موته جاءه السلطان بيبرس وكان يحبه، حتى إنه لما مات قال السلطان بيبرس: لا إله إلا الله ما اتفق موت الشيخ إلا في زمني وفي عهدي -يعني: هذا ليس بخير أن يموت الشيخ في زمني- جاءه في مرض موته وقال له: المناصب التي أنت فيها عين أولادك -وكان عنده أكثر من ولد من أشهرهم عبد اللطيف طالب علم مترجم له- يقول: عَيَّن المناصب لأولادك، فلان في القضاء، وهذا في المدرسة التي تدرس فيها، والثالث... فقال: ما فيهم من يصلح -المسألة ليست مجاملات ولا تتم الأمور بهذه الطريقة فأولادي ما فيهم من يصلح- وإنما أعين فلاناً -وذكر رجلاً بعيداً أجنبياً- وقال: إنه هو الذي يصلح وهو الجدير بمثل هذه المناصب.
أيها الأحبة: إنما قصدت من عرض سيرة العز بن عبد السلام ليس المتعة فقط ولا الرواية التاريخية، إنما قصدت أمراً آخر وهو أن الأمة إذا ندَر الرجال في واقعها دائماً تلتفت إلى الوراء، تلتفت إلى الماضي، تبحث عن هؤلاء الرجال، وهذه الأمة ما عقمت أرحام النساء أن تخرج لنا رجالاً من أمثال العز بن عبد السلام وغيره؛ بل ومن هم أفضل منه -بإذن الله تعالى- لكن على الأمة أن تعي دورها، وتبدأ بإعداد نفسها لمثل هذه المواقف الرجولية الصلبة التي هي أحوج ما تكون إليها، فإن الأمة مقبلة على تاريخٍ طويل، الله أعلم بما يلقاها فيه من الفتن، والمحن، والشدائد، وهي أحوج ما تكون إلى الرجال الذين يكونون كالقمر في الليلة الظلماء.
الجواب: أعني بالالتفاف: أن الأمة يجب أن تعتبر أن العلماء الشرعيين هم لبها، وروحها، وقيادتها، ويكون ذلك: بتعظيم العلماء، وتقديرهم، ومنع النيل منهم، منع الاعتداء عليهم، أو ظلمهم، أو التنقص من حقهم، وحفظ مكانتهم وقدرهم، وأن يعرف القريب والبعيد أننا نحترم علماءنا.
بل إنني أدعو -وخاصةً طلبة العلم- إلى أن نشعر الناس بتقديرنا لبعضنا البعض، وتقدير طلبة العلم بعضهم لبعض، وتقديرهم العلماء ولو بصورة أكثر مما هو الواقع، بمعنى أنه إذا كان معي أحد من طلبة العلم، وعندي عامة، أو جهلة، أو فساق فأقدم هذا الزميل -مثلاً- أو القريب أقدمه وأفضله وأجعله يبدأ بالحديث قبلي، ويدخل قبلي، ويخرج قبلي بحيث يشعرون هم بالاحترام؛ لأن الأمة إذا وجدت طلبة العلم يحترمون العلماء؛ احترمتهم.
ولذلك من الأخطار أن طالب العلم -أحياناً- قد يزدري العالم لخطأ وقع فيه، ومن الذي لا يخطئ خطأ أو عشرة أو عشرين أو خمسين؟! ولو أن كل عالم أخطأ رفضناه وتركناه وتخلينا عنه لما بقي أحد، بل إذا أخطأ العالم التمس له عذراً لعله أُتي من قبل اجتهاده أو غفلته عن جانبٍ من الأمور أو ما أشبه ذلك.
وعلى كل حال فهو معذور إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، فلا ترفض العالم لمجرد أنه أخطأ خطأ أو خطأين، ولا تسمح بأن ينال من قدر العالم، أحياناً يقال في مجلس هذا العالم: الدنيا في يده، له أموال، وله كذا، وله كذا، ويكذب عليه. وقد حضرت مجالس يتكلمون فيها عن بعض العلماء أن عندهم، وعندهم، وأعرف أن هؤلاء العلماء عليهم ديون!
وأحدهم وهو من أكبر علماء المملكة يستدين إلى الراتب -تصوروا هذا الأمر- لأحواله وأموره وحاجاته، فإذا جاء الراتب سدد الديون التي عليه، وأحياناً يُنال من العالم أنه يخالف ما يقول، حتى إن أحدهم قال: إن العالم الفلاني الذي يقول كذا، ويقول كذا ويحارب الاختلاط -في المستشفيات وفي المدارس وفي الجامعات وفي غيرها- بنته تدرس في بلد كذا وكذا في جامعة مختلطة، يدرس فيها الشباب والبنات سوياً، فقال له أحد الحضور: أنت تكذب فإن هذا العالم أصلاً عقيم لم يولد له أولاد ولا بنات.
وأحياناً ينال من العالم بأنه لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وأنت لا تعلم، قد يكون هذا العالم يأمر وينهى لكن بينه وبين صاحب المنكر، لم ير مصلحة لإعلام ذلك على الناس، وبغض النظر عن هذا الاجتهاد؛ إلا أننا نقول: ينبغي أن تبحث له عن عذر، وألا تسمح لا لنفسك ولا لغيرك بالنيل من العلماء، بل ينبغي لكل فرد من أفراد الأمة أن يعتبر أن من أعظم مهماته حماية أعراض العلماء.
كم هو والله مؤسف أنه أحياناً في بيئات دينية صالحة يأتي ذكر فاسق من الفساق، معروف بعدائه للإسلام، فتجد الثناء عليه: بأنه إداري ناجح، يهتم بأمور الناس، وهو أديب، وشاعر، ومصلح، وهكذا يلقون عليه من الألقاب ما لا يستحق، فإذا جاء ذكر عالم جليل -وهذا والله يجرح الفؤاد- وجدت هذا يتهمه بشيء وهذا يقول فيه شيئاً، وهذا ينال منه، وهذا يلمزه، وهذا على أحسن الأحوال يسكت، فهذا لا يصلح، فينبغي أن يكون كل فرد من الأمة من أهم مهماته حماية أعراض العلماء، ليس فقط حماية أعراضهم؛ لأن هذا واجب عليك تجاه كل إنسان.
لكن نريد أكبر من هذا، نريد مع حماية أعراضهم: الثناء عليهم، وتبجيلهم، وحفظ مقامهم، وتقديرهم، يا أخي ما الذي يمنع الأمة أن تشعر كل الناس أن علماءنا يبجلون، ويقدمون، لا أتكلم بين يديه إلا بأدب، ولا أخاطبه بأي لهجة لا تناسب، ولا أرفع صوتي بين يديه، ولا أسير أمامه، ولا أتقدمه بفعل، وأحاول أن أخدمه بقدر ما أستطيع ولو رفض ذلك وكان لا يريده، لأنه ليس المقصود أن نعطي نحن الناس مكاناً لا يستحقونه، لكن مقصودنا أن نربط الأمة بقياداتها الحقيقية، وأن لا نسمح بتسلل الخفافيش إلى هذه المواقع المهمة في الأمة.
الجواب: نعم هذا الذي أريد أن يثور في نفوسنا أننا نحاول أن نربط أنفسنا بتاريخنا وبماضينا، وندرك أن هذه القصص والمواقف لا تقال لمجرد التسلية والمتعة التاريخية، وإنما تقال للعبرة والقدوة.
الجواب: هذا من جهة صحيح، ولذلك أقول كما قال الشاعر لما نسبوه إلى الجبن وأن موقفه كان موقفاً غير شجاع في المعركة قال:
ولو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرّتِ |
أي لو أن من خلفي رجال شجعان أقوياء؛ لتشجعت، لكن الذين خلفي كانوا نساءً وأشباه رجال، ولذلك انسحبت من المعركة، هذا معنى كلام الشاعر، لكن نأتي للسؤال: لماذا لا تقف الأمة مع العالِم الآن؟ صحيح، نحن نقول: يجب أن تقف الأمة معك -أيها الداعية، أيها المصلح- إنما يجب أن تسأل نفسك السؤال: لماذا لم يحصل هذا؟ فليس صحيحاً أن نلقي بالمسئولية على الآخرين -دائماً- ونخرج نحن أبرياء، لا،ينبغي أن نسأل أنفسنا: ما هو السبب في انفصال الأمة في كثير من الأمصار والأقطار عن علمائها؟
والأسباب واضحة فلا بد للعالم أن يكون مع الأمة، وأن يكون الدفاع عن مصالح الأمة هو همه الأكبر، فـابن تيمية رحمه الله، لماذا كان بتلك المكانة؟ لأنه كما يقول الذهبي في ترجمته، أما العامة فكان منتصباً لخدمتهم ليلاً ونهاراً بلسانه وقلمه، يحاول أن يقضي حقوق الناس، ويدافع عن مصالحٍ يحميهم، وبذلك تحس الأمة فعلاً بأهمية هؤلاء الناس؛ لأن الناس -مهما كان الأمر- مرتبطون بدنياهم، هذا جانب.
والجانب الآخر: الاستعلاء عن الدنيا بالكلية ومحاولة التخلي عن الدنيا، حتى يدرك الناس أن هذا العالم إنما يريد الله والدار الآخرة لا يريد علواً في الأرض ولا فساداً.
الجانب الثالث: المواقف الشجاعة، فالناس يعجبون بالشجاع، والسيف البتار يثني عليه الجميع، والرجل للمواقف القوية وكلمة الحق، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يتناقل الناس أحاديثه وأخباره.
ولذلك قيل قديماً: إن الناس قلوبهم مع علماء الحق ولو كانت سيوفهم مع أمراء الباطل، أي ولو بالقوة قاتل مع فلان إلا أن قلبه مع العالِم، والأمة مهما كان الأمر لا قوام لها إلا بعلمائها.
الجواب: وحي القلم كتاب أدب في ثلاثة مجلدات، للأديب العربي مصطفى صادق الرافعي، وهو كتاب جيد وإن كان مستوى أسلوبه رفيعاً، قد لا يتقنه ولا يستطيع أن يفهمه كل إنسان، لكن الذي لديه تمكن في الأدب واللغة يستفيد من الكتاب.
الجواب: هناك كتب كثيرة جداً في هذا الموضوع، وقد أشرت في مطلع المحاضرة إلى كتب طبقات الشافعية وبعض الرسائل الجامعية، ولعل أفضل كتاب في سيرة العز بن عبد السلام كتاب اسمه العز بن عبد السلام ومنهجه في التفسير للدكتور عبد الله الوهيبي.
هذا في مطلعه حوالي 100 صفحة ترجمة جيدة للعز بن عبد السلام، وكتاب لـسليم الهلالي اسمه صفحات مطوية من حياة العز بن عبد السلام وهي ليست صفحات مطوية، بل صفحات مكشوفة لكنه وقف وقفات جميلة مع ترجمة العز بن عبد السلام وبأسلوب جيد.
الجواب: أما مسألة رضي الله عنه فما أعتقد أنني نهيت عنها، قلت: إن هذا الشعار أكثر ما يستخدم للصحابة رضي الله عنهم ولو استخدم في حق غيرهم ممن بعدهم فلا حرج في ذلك، لكنه شعار يطلق غالباً على الصحابة رضي الله عنهم.
الجواب: "غنيٌّ عن التعريف" المقصود بها أنه معروفٌ عند السامعين لا يحتاج إلى أن أقول: إنه ولد عام كذا، ودرس كذا، وتخرج، وتوظف في الوظيفة الفلانية، ولا أجد في هذه الكلمة -إن شاء الله تعالى- حرجاً.
الجواب: أنصحك أن تسعى إلى أن توجد لنفسك قيمة، فمثل ما طالبنا العلماء والأئمة أن يكون للعالِم قيمة عند الأمة حتى يغير المنكر، كذلك أنت في البيت لن تستطيع أن تغير إلا إذا كان لك في البيت قيمة، وكيف يكون لك قيمة في البيت؟ أن تكون إنساناً فعالاً مؤثراً، فلا يصح أن يكون الإنسان مقصراً في حقوق الأهل في البيت، ثم يريد أن يغير، إذا كان للأهل مشوار فاذهب بهم أنت، أو احتاج الأهل شيئاً من السوق فأحضره أنت، أو عند الأهل مناسبة أو وليمة فحاول أن تكون أنت القائم عليها، أو زواج فتكون أنت المشارك فيه، بعد ذلك ثق ثقة تامة أن الأهل سوف يطيعونك فيما تأمرهم به وتنهاهم عنه.
اجعل في البيت مكتبة صوتية، هاتِ لها بعض الأشرطة المختارة، ومكتبة صغيرة فيها بعض الكتب الصغيرة المناسبة للأطفال والنساء والشباب واجعلها في متناول أيديهم، يسمعون متى شاءوا.
وإذا استطعت أن تجعل في البيت حلقة علمية ولو بعد حين، يلتقون فيها، يقرءون آية من كتاب الله، أو حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبياتاً من الحكمة، أو أحكاماً شرعية، كصفة الصلاة، وما أشبه ذلك، وهكذا شيئاً فشيئاً، لكن لا تتعجل الأحداث.
الجواب: في الواقع أنه يسرني مثل هذا السؤال، وقد تكرر، لماذا؟ لأن المقصود أصلاً من طرح مثل هذه الموضوعات هو أن يثار مثل هذا السؤال في أذهاننا، وهذه بداية العافية، وبداية الشفاء، أن يثار عندنا مثل هذا السؤال: ما هو الواجب علينا؟
وأقول الواجب علينا أمور:
أولها: أن ندعم مكانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بكل وسيلة، ومن دعمهم أن نرفع مقامهم عند الناس، أرأيتم -أيها الإخوة- إذا دخل العالم في مجلس أو مناسبة ثم رأى عامة الناس ممن قد لا يعرفون هذا العالم -مثلاً- رأوا الحفاوة والتكريم والتفاف الطلاب حوله والسؤال وما أشبه ذلك، فإن الناس يخضعون لقوله ويسمعون له ويطيعونه ويقدرونه، لكن إذا كان العالم يضيع في الدهماء، وقد يضرب كتفه كتف آخر، ولعله لا يقول: السلام عليكم، أو كيف حالك يا فلان أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يصلح.
والواجب الثاني: أن تراسل العلماء بما ترى من المنكرات، وقد سبق أن ذكرت في بعض المحاضرات طريقة يسلكها بعض الدعاة -وهي طريقة جيدة- فيوم من الأيام فتحت صندوق البريد، فوجدت فيه قُصاصة من جريدة مكتوباً فيها رسالة مختصرة صغيرة بحجم هذه الورقة مثلاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه القُصاصة من جريدة كذا، نُشرت يوم كذا، وفيها ما ترى، نرجو أن تقوموا بواجبكم في هذا المجال.
أنا متأكد أن الذي أرسل هذه القصاصة أرسلها على الأقل بخمسين أو مائة ممن يعرف ومن السهل أن يعرفهم ويراسلهم وبناءً على هذه القصاصة التي وصلتهم سوف يقومون بدورهم وأقل شيء أن أحدهم رفع سماعة الهاتف -مثلاً- على صاحب المنكر، وقال: يا أخي قرأنا في الجريدة كذا، وكذا، وجزاك الله خيراً نرجو أن تراعوا هذه الأمور أنه لا يجوز، وفي القرآن كذا، وفي السنة كذا، ومشاعر الناس، وما أشبه ذلك.
فيحاول أن يؤثر فيه، فإذا حصلت عدة اتصالات على صاحب المنكر أو وسائل أخرى في التغيير فإن هذه لا بد أن تحدث صدى كبيراً، فأقل شيء يجب عليك هو أن يكون دورك الإعلام بوقوع المنكر بطريقة مؤكدة إلى من تعتقد أنهم سوف يقومون بالاحتساب.
واجبك الثالث: هو أن تحتسب بنفسك إذا استطعت، ما الذي يمنعك؟ فلا أحد يمنع أبداً أن ينكر الإنسان المنكر كبيراً أو صغيراً بالأسلوب الحسن، فتقول: حصل كذا وهذا لا يجوز ثم ماذا يضرك؟ لا يضرك شيء أبداً -إن شاء الله- حتى لو فرض أنه ما قبل منك، أو سخر منك، أو استهزأ بك، أو ضرك في نفسك ومالك أو أهلك، فلا يضير هذا، فهو في سبيل الله.
الجواب: لا، في الواقع ليس في كلامي ما يتناقض، في اعتقادي أن العالِم قد يُنكر بالطريقة التي يراها وهو عند الله تعالى معذور، إذا اجتهد وعلم الله تعالى أنه مجتهد، وليس هدفه إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحجة، فأنكر بطريقة سرية أو علنية فإنه معذور عند الله تعالى وعند خلقه، فليس صحيحاً، أنني أقول: إن العالم مقصر أو قاعد لأنني لم أعلم بإنكاره، قد يكون أنكر وما علمت، وهذه من الأعذار التي يجب أن نلتمسها للعلماء، لكن مع ذلك لست أرى مانعاً أن يكون في الأمة هؤلاء وهؤلاء، وأن يكون في الأمة من ينكر المنكر علانية ويقيم الحجة ليقطع دابر مثل هذا الكلام الذي قد يقال، وقد يقوله أناس لا يستأذنوننا أن يقولوه، ويقولوه وإن كرهناه وإن لم نرضه، لكن يقوله الناس، فالناس لا تستطيع أن تضع في أفواههم أقفالاً فلا تتكلم إلا بما نريد، قد يقولون كلاماً -وليس بحق- أن العالم -مثلاً- لا يُنكر.
وقد واجهت شيئاً من ذلك في بعض البلاد -كما أشرت إليه- وبذلت جهدي في إيضاح وجهة نظر بعض علمائنا الذين أعلم أنهم مخلصون وجادون كسماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز، وأن الواحد إذا بذل جهده واستفرغ وسعه فإنه معذور، ولا نشك أنهم مخلصون يبذلون ما يستطيعون، وكون الواحد يقول: إني فعلت كذا، وفعلت كذا، وفعلت كذا، هذا لا يراه هو.
الجواب: هناك كتابات -في الواقع- موجودة في بعض الصحف وفي بعض المجلات وفي بعض وسائل الإعلام، أما أنها غير كافية فأنا معك أنها غير كافية، ولكن نحن نقول -أيها الأحبة- بالمناسبة باختصار، سبق أن تكلمت في محاضرة عنوانها "
مثلاً، تنتقل إلى الإعلام تجد نفس المشكلة، تنتقل إلى التعليم تجد نفس المشكلة، إذن الأمة في بداية يقظة ونحن بحاجة إلى تضافر الجهود وبحاجة إلى أن هذا السؤال يتحول من: لماذا لا يصنع العلماء كذا؟ إلى سؤال يوجهه الأخ الحبيب الكريم لنفسه: لماذا لا أصنع أنا هذا الأمر بدلاً من أن أقول لماذا فلان لم يفعل؟ أسأل نفسي!
ولذلك من أعظم خصائص الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله والتي تعجبني أنك إذا أتيته وأخبرته بمنكر وقع لا يقول: يجب على العلماء أن يفعلوا كذا، ويجب على فلان أن يفعل كذا، أبداً بل يقول: نحاول، ونبذل الجهد، ونكتب، ونتصل، ونعمل ما يلزم، وإن شاء الله لا يحصل إلا الخير، لكن تأتي للبعض فيقولون: يجب على العلماء أن يفعلوا، ويجب على المسئولين، ويجب على طلبة العلم، فنوزع الواجبات ونخرج نحن خارج الدائرة، هذا لا يصلح!
الجواب: لا بأس بهذا -إن شاء الله- ما دام الذي يوزع الأوراق -جزاه الله خيراً- خدمنا بهذا، فلا حرج في هذا -إن شاء الله- أو يحضر الأخ السائل أوراقاً، لكن بشرط أن الأخ لا يحضر أوراقاً دعائية أيضاً.
الجواب: نعم حقق وكتب العز بن عبد السلام كتباً كثيرة جداً تقارب الأربعين كتاباً، منها كتاب التفسير ومنها كتب في أصول الفقه > قواعد الأحكام، ومنها كتب منوعة: منها كتب في مقاصد الصلاة، في مقاصد الصيام، وكتب في الجهاد، وأشرت إلى شيء من ذلك، ومنها كتاب في مشكل القرآن، وكتابان في التفسير إلى غير ذلك.
الجواب: نعم لعل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يشبه العز بن عبد السلام أو يضارعه أو يفوقه في مثل هذه المواقف البطولية، وسوف أخصص محاضرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية ومواقفه الشجاعة في قول كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تكون المحاضرة الثالثة أو بعدها بقليل -إن شاء الله-.
الجواب: أما مسألة فيه نـزعة صوفية، نعم فيه نـزعة صوفية، لكنها صوفية أقرب إلى الاعتدال فكأن العز بن عبد السلام -رضي الله عنه ورحمه الله- كان يحسن الظن بـالصوفية ويحضر بعض مجالسهم ويسمع إليهم وكان يتكلم في كتبه عما يسمى بالحقيقة والشريعة، وإن كان يقول: إن الحقيقة خاضعة للشريعة وقد أنكر على الصوفية الغلاة بعض انحرافاتهم وضلالاتهم في عدد من كتبه، وكان عنده تصوف لكنه فيه نوع من الاعتدال وإرجاع التصوف للكتاب والسنة.
الجواب: إذا كان التقليد ليس على سبيل السخرية فهو جائز، لكن مما أستسمجه أن يقلد صوته بطريقة دائمة، بصورة تدل على أنه يقلده، بمعنى أن التقليد نوعان: فأحياناً يكون التقليد عفوياً أي: أنك من كثرة ما سمعت لهذا العالم أو لهذا القارئ -مثلاً- تسرب إليك صوته فأصبحت تقلده بدون أن تقصد، فهذا لا حرج فيه -إن شاء الله- لكن بعض الناس يتعمد أن يقلد شخصاً ما أو قد ينتقل من شخص إلى آخر في أصواته أو قراءته أو ما أشبه ذلك فهذا مما لا أرى أنه مناسب.
الجواب: في الواقع أن العالم يمر بمرحلة خطيرة هذا صحيح، وأحياناً إذا رأيت وسمعت قلت: سبحان الله! هذه بداية الفتن والملاحم التي يخشى أن يكون لها ما بعدها على مستوى الأمة وعلى مستوى العالم، فالعالم يمر بمرحلة خطرة هذا صحيح، لكن هذه المرحلة الخطيرة لا تمنع الإنسان أن يهتم بالأمور الأخرى كأمور الحلال والحرام، وينبه على هذا المنكر أياً كان هذا المنكر، ولا يأخذ منك التنبيه على إنكار الإسبال -مثلاً- دقيقة واحدة، ولن تضيع وقتك كله في هذا الموضوع.
ويمكن أن تشتغل بقضايا الأمة ومشاكلها؛ لأن الذي يستنكره كثيرون هو أن بعض الناس أصبح لا هم لهم إلا بعض المنكرات الموجودة في المجتمع مثل إسبال الثياب -مثلاً- أو حلق اللحى، أو التدخين، لا يتكلمون إلا فيها، ولا شك أن من قصر كلامه على هذه الأمور فهو مخطئ، بل ينبغي أن يتكلم في هذه الأمور ويتكلم في غيرها مما هو أهم منها.
الجواب: لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية، لما رواه الطبراني وغيره بسند صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأةً لا تحل له}.
الجواب: إذا عبد الإنسان غير الله، سجد لغير الله أو عبد غير الله فهذا يكون من الشرك، وكذلك إذا استحل محرماً معلوم تحريمه من الدين بالضرورة فهو كذلك، وإلا فالذنوب لا يكفر بها صاحبها كما قال الإمام الطحاوي: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يخلدون في النار، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن كانوا غير تائبين بعد أن لاقوا الله عارفين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر