أما بعــد:
أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحمد الله تعالى أن جمعنا في هذا اللقاء المتجدد المبارك -إن شاء الله تعالى- بعد انقطاع دام أسابيع بسبب ظروف الامتحان.
في هذه الليلة -ليلة الإثنين 25 من شهر ذي القعدة- ينعقد هذا المجلس، وهو المجلس الثاني عشر من سلسلة الدروس العلمية العامة، وكان الاتفاق أن يكون موضوع الحديث في هذه الليلة عن (
إخوتي الكرام: وقفاتنا في هذه الليلة ثلاث:-
وهذه الأيام العشر لها فضل عظيم، فهي من مواسم الطاعات والخيرات والقربات، بل إنها أفضل الأيام عند الله تعالى، حتى أقسم الله تبارك وتعالى بها فقال عز وجل:وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2] قال ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وجماعة من السلف: [[المقصود بالليالي العشر هي عشر ذي الحجة]] ومن هنا قال كثير من أهل العلم: إن عشر ذي الحجة أفضل من العشر الأواخر من رمضان. وقد ثبت في هذا نصوص عديدة -سوف يأتي ذكر شيء منها- تدل على فضل عشر ذي الحجة، وأنها أفضل من العشر الأواخر من رمضان، وإن كان بعض أهل العلم -كـابن القيم وغيره- توسطوا في ذلك وقالوا: أيام عشر ذي الحجة أفضل، وليالي عشر رمضان أفضل، وذلك لأن في ليالي رمضان ليلة القدر وهي خير من ألف شهر، وفي عشر ذي الحجة يوم عرفة ويوم النحر، وهي من أفضل الأيام عند الله تبارك وتعالى وهذا تفصيل حسن لا بأس به.
كذلك من أسباب فضيلة العشر: أن فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر، وهو يوم العيد، يأتي العيد وأول أيامه اليوم العاشر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة، فوجد للأنصار يومين يلعبون بهما؛ قال: {إن الله تعالى قد أبدلكما بهما يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى، وهما عيدنا أهل الإسلام} فيوم عيد الأضحى هو من الأيام التي تعتبر شعائر يفرح بها المسلمون ويسرون، وهو يوم الحج الأكبر، كما قال الله عز وجل: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3] فأذَّن المسلمون بهذا في يوم العيد، يوم الحج الأكبر يوم النحر، وهو أفضل الأيام عند الله تعالى على الإطلاق، كما في السنن من حديث عبد الله بن قرط الثمالي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الأيام عند الله يوم النحر} وهذا الحديث سنده صحيح، ولذلك فلا غرابة أن تكون أيام العشر هي أفضل الأيام، حيث احتوت على هذين اليومين الفاضلين العظيمين عند الله عز وجل، يوم عرفة، ويوم النحر، يوم الحج الأكبر.
وهي تحتوي على أيام العيد التي تشمل يوم العيد، وما بعده من أيام التشريق، ولذلك جاء في السنن من حديث عقبة بن عامررضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب} فأما يوم عرفة فهو عيد من جهات عديدة، ولذلك جاء في الحديث الذي في صحيح البخاري: أن يهودياً قال للمسلمين: لو علينا معشر يهود نـزلت هذه الآية، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، وفي رواية: عيدنا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فقال عمر رضي الله عنه: [[والله إني لأعلم في أي مكان نـزلت، وفي أي يوم نـزلت، نـزلت في يوم جمعة في يوم عرفة]] وجاء في رواية عند أصحاب السنن: [[في يوم عيد]] فعرفة عيد؛ باعتباره مجاوراً ليوم العيد وسابقاً ومقدمة له، وهو يوم سرور للمؤمنين لكثرة تكفير الخطايا، وتجاوز الله تبارك وتعالى عن عباده، حيث إنه يدنو، وجاء في رواية: {أنه ينـزل إلى السماء الدنيا، ويباهي الملائكة بعباده فيقول: ما أراد عبادي؟ هؤلاء أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم} وجاء في رواية: {ووهبت مسيئهم لمحسنهم} ففي هذه الأيام العشر تتحقق هذه الفضائل الكثيرة، ولذلك كانت هذه الأيام العشر أفضل الأيام عند الله تعالى كما سبق.
فقوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28] هذا يشمل عدة أمور منها: ذكر الله تعالى على الذبائح من الأضاحي والهدي، فإنه يجب أن يسمي العبد ربه عليها، فيقول: باسم الله والله أكبر؛ يقول: باسم الله وجوباً، ويكبر استحباباً، وهذا ذكر، ولذلك قال تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج:28] فهذا من الذكر المشروع، ويشمل الذكر غير هذا من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، وغير ذلك من الدعاء وقراءة القرآن وغيرها، فكل ذلك مشروع في هذه العشر وفي غيرها، ويتأكد في العشر.
ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من أيام أعظم عند الله تعالى ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التحميد والتهليل والتكبير} قال المنذري: سنده جيد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. والواقع أن في الحديث ضعفاً؛ فإن فيه يزيد بن أبي زياد، وهو إن خرج له مسلم إلا أنه ضعيف وفيه مقال، وكذلك الحديث فيه شيء من الاضطراب، فقد رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، من حديث يزيد عن مجاهد عن ابن عباس، وقد وهم من اعتبر حديث ابن عباس شاهداً لحديث ابن عمر، بل هو مما يضعفه؛ لأن مدار الحديث على يزيد بن أبي زياد عن مجاهد، قال مرة: عن ابن عمر، وقال مرة: عن ابن عباس، فدل على أنه لم يضبط هذا الحديث. فالحديث ضعيف، لكن له شواهد كثيرة عن ابن عباس في صحيح البخاري، وعن جابر عند أبي يعلى والبزار، وسوف يأتي الإشارة إليهما بعد قليل.
أ/ أنواع التكبير:
من الأذكار الذي تستحب في العشر: التكبير (الله أكبر)، وما أشبه ذلك من صيغ التكبير وهي كثيرة، فيستحب للعبد أن يكبر ويكثر من التكبير في أيام العشر، والتكبير في العشر نوعان:-
النوع الأول: تكبير مطلق يشرع طيلة أيام العشر في كل وقت، ليلاً ونهاراً، في المنـزل وفي السوق وفي المسجد، وفي كل مكان، فيشرع للمسلمين أن يكبروا ويرفعوا أصواتهم بالتكبير، ولهذا قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: [[كان
ففعل أبي هريرة وابن عمر وعمر؛ يدل على مشروعية التكبير في أيام العشر في كل وقت، ويدل أيضاً على مشروعية رفع الصوت بهذا التكبير، ولكن ليس على سبيل أن يكون التكبير بصوت واحد كما يفعله كثير من الناس، حيث يكبرون بصوت واحد تكبيراً جماعياً وبلحن واحد، هذا غير مشروع، إنما يكبر كل إنسان بمفرده، وتختلط الأصوات كما تختلط بقراءة القرآن في المساجد، وكما تختلط بالأذكار في أدبار الصلوات، إلى غير ذلك، فهذا تكبير مطلق.
النوع الثاني من التكبير:هو التكبير المقيد؛ وهو التكبير في أدبار الصلوات المكتوبات، أن يكبر الناس عقب كل صلاة مكتوبة، فيقولون: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، إلى غير ذلك من صيغ التكبير، وهذا التكبير المقيد لم يثبت فيه حديث صحيح، جاء فيه حديث عند الدارقطني لكن سنده ضعيف جداً، وهو حديث منكر، لكن قال الإمام الحاكم: ثبت التكبير المقيد عن عمر وابن عمر وابن عباس وابن مسعود صح ذلك عنهم. وجاء عند ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه [[أنه كان يكبر بعد الفجر من يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق ]] وسند هذا الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه صحيح، وكذلك روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح، عن أبي الأسود [[: أن
وسند الأثرين عن علي وابن مسعود عند ابن أبي شيبة صحيح، وجاء هذا عن جماعة آخرين من الصحابة، مما يدل على أن هذا الأمر مشهور مشروع عندهم، فإذا انضم إلى ذلك ما هو معروف من ورود أحاديث عديدة في مشروعية التكبير في أدبار الصلوات، كما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: [[كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته]] وفي لفظ: [[ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير]] علم أن التكبير مشروع في أدبار الصلوات، خاصة في هذه الأيام المحددة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، أو إلى عصر يوم النحر. كل ذلك حسن والأمر فيه واسع، والتكبير ذكر وما دام أنه قد ثبت عن بعض الصحابة، فلا حرج على الإنسان أن يلتزم بهذا التكبير المقيد في أدبار الصلوات المكتوبات، فهذا من الذكر الذي يستحب للإنسان أن يقوله.
ب/ صفة التكبير:
أما صفة التكبير وكيف يكبر الإنسان: فمما ثبت عن ابن مسعود كما سبق: [[الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد]] وقال الإمام الشافعي: "إن زاد على هذا قوله: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده؛ كان حسناً". هذا كلام الإمام الشافعي رحمه الله كما نقله عنه الإمام ابن القيم في "زاد المعاد"، وإن زاد في ذلك أو اقتصر على أن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فكل ذلك حسن ولا بأس به، فهذا الذكر من العمل المشروع في أيام العشر، وهو التكبير والذكر لله تبارك وتعالى، ومن ذلك المبادرة إلى الصلوات، وكثرة قراءة القرآن.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:{العمل الصالح } يشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، فإن العمل الصالح هو ما كان خالصاً صواباً كما هو معروف، فما كان من الأعمال التي أمر الله تعالى بها في كتابه، أو أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة، من قول أو فعل أو اعتقاد؛ فهو من الأعمال الصالحة المحبوبة إلى الله تعالى في كل وقت، ويتأكد استحبابها في هذه العشر، فيدخل في ذلك الذكر كما سبق، ويدخل فيه التكبير مطلقاً ومقيداً، ويدخل فيه قراءة القرآن، ويدخل فيه الصيام.
أ/ الصيام:
أما صيام يوم عرفة فهو مستحب لغير الحاج، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر:{أن صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده} يكفر سنتين: السنة الماضية والسنة الآتية، هذا صيام يوم عرفة لغير الحاج، وهذا فضل عظيم لا أعلم أنه ثبت ليوم من الأيام التي يستحب صيامها إلا يوم عرفة؛ أنه يكفر سنة قبله وسنة بعده.
أما الحاج فلا يستحب له صيام هذا اليوم؛ لما ثبت في الصحيح: {أن الناس تماروا هل صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة أم كان غير صائم؟ فبعثت
وهل يشرع صيام أيام العشر كلها؟
هذا فيه اختلاف، والأقرب أنه يشرع للإنسان صيام أيام العشر كلها؛ وذلك للحديث السابق: {ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من هذه العشر} والصيام لا شك أنه من العمل الصالح. ولا يعكر على ذلك ما ورد من النهي عن سرد الصوم، فإن المنهي عنه: أن يسرد الإنسان الصوم طيلة عمره، أما أن يصوم لمناسبات معينة فلا حرج في ذلك، ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه صام شعبان أكثره بل كله، ففي بعض السنين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله، وكذلك أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، إذاً كون الإنسان يسرد صيام أيام العشر هذا مشروع ومستحب، وقد جاء في ذلك حديث عن حفصة، أو عن بعض أمهات المؤمنين عند أصحاب السنن، لكنه حديث فيه ضعف واضطراب فلا يحتج به.
أما ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: [[ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط]] فهذا لا يشكل، والجواب عن هذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول أن يقال: إن عدم معرفة عائشة رضي الله عنها بصيام النبي صلى الله عليه وسلم، لا يلزم منه ألا يكون صام، فإنه قد يخفى على الرجل أو المرأة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعض سنته فلا يعلمها، كما نقل عن جماعه منهم عائشة أنها لم تكن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى، إلى غير ذلك من الأعمال وكان يفعلها، فلا غرابه أن ينكر الصحابي فعلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ويثبته آخرون، وإنما أنكر هذا الصحابي أن يكون بلغه ذلك أو اطلع عليه، وعدم علمه بالشيء ليس دليلاً على عدم حصوله؛ بمعنى أنه لا يبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صام هذه العشر أو بعضها، ولم تطلع عائشة رضي الله عنها على ذلك؛ لسبب من الأسباب.
الجواب الثاني أن يقال -وهو في نظري أقوى-: إن مشروعية صيام أيام العشر تثبت ولو لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإننا نعلم أن السنة تثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم كما تثبت بفعله، وكما تثبت بإقراره صلى الله عليه وسلم فإن ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو إقرار كله سنة، ولا يلزم أن يعمل النبي صلى الله عليه وسلم بالسنن كلها، فقد يترك النبي صلى الله عليه وسلم العمل وهو يحبه لعارض، قد يتركه لما هو أهم منه، من جهاد أو سفر أو شغل، وقد يتركه خشية أن يفرض على أمته، وقد يتركه خشية أن يشق على أصحابه، وقد يتركه لبيان الجواز، إلى غير ذلك من الأسباب.
إذاً: عدم صيام النبي صلى الله عليه وسلم أيام العشر، ليس دليلاً على عدم مشروعيتها، بل أيام العشر يستحب للإنسان أن يسرد صومها، إلا يوم العيد فإنه لا يجوز صيامه، فصيام يومي العيد: عيد الفطر وعيد الأضحى حرام كما هو معروف، وسبق تقريره في
وكذلك صيام يوم عرفة للحاج مكروه، والأولى ألا يصوم، إنما صيام الأيام الثمانية مشروع، وصيام الأيام التسعة لغير الحاج مشروع أيضاً، ولذلك جاء في سنن أبي داود ذكر صيام التسع من ذي الحجة، في الحديث الذي أشرت إليه قبل قليل -حديث حفصة- جاء فيه بدلاً من العشر صيام التسع من ذي الحجة، ولذلك قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: قال العلماء: صيام أيام العشر مستحب استحباباً شديداً. والمقصود -بلا شك- خلا يوم العيد فإنه يحرم صومه.
والحج -أيها الإخوة- هو من أخص خصائص المسلمين وأبرز علاماتهم، حتى قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] وهذا إيماء وإشارة إلى أن ترك الحج من خصال الكافرين، وقد ذهب طائفة من السلف إلى أن من وجد سعة ولم يحج من غير عذر فإنه كافر، وقد جاء في أثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: [[لقد هممت أن أنظر وأبعث إلى عمالي فينظروا من وجد سعة فلم يحج؛ فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين! ما هم بمسلمين]] وهذا الأثر رواه سعيد بن منصور في سننه، وقد جاء نحو هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه لا يصح.
أ/ فضل الحج:
والحج من أعظم الكفارات، حتى إن الإنسان ليعجب ويطرب إذا قرأ الأحاديث الواردة في فضل الحج، وما فيها من عظيم تكفير الذنوب، خذ على سبيل المثال: ما رواه الشيخان عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه} وأيضاً في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قال: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله. قال: ثم أي؟ قال: حج مبرور} وفي المتفق عليه أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة} وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم بر الحج بأنه: إطعام الطعام وطيب الكلام، وألا يرفث ولا يفسق. كما ورد في الحديث الآخر: (من حج فلم يرفث ولم يفسق) وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه [[أنه لما حضرته الوفاة بكى، وحول وجهه إلى الجدار يبكي، فقال له ابنه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، فما زال به حتى أقبل عليه بوجهه فقال رضي الله عنه وأرضاه: إني كنت على أطباق ثلاث: إني كنت في الجاهلية ولم يكن أحد أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إني لو استمكنت منه لقتلته، قال: فلو مت على تلك الحالة لكنت من أهل النار. قال: ثم قذف الله الإسلام في قلبي، فأتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، ابسط يدك فلأبايعك. قال: فبسط يده فقبضت يدي، فقال: {ما لك يا عمرو؟ قلت: يا رسول الله، أريد أن أشترط. قال: تشترط ماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر لي. قال: بايع يا عمرو، أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن التوبة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله
والمقام لا يتسع لسرد الأحاديث الواردة في هذا الباب، وفي تفاصيل أعمال الحج، ولذلك أنصح الإخوة بعد أن يرجعوا إلى بيوتهم؛ أن يقرءوا كتاب "المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح" للإمام شرف الدين الدمياطي، يقرءوا فيه ما ورد في فضل الحج، فإن الإنسان ليعجب ويطول به العجب إذا قرأ هذه الأحاديث الواردة في فضل الحج، وأذكر منها حديثاً واحداً فقط، وهو ما رواه البزار وغيره، وصححه ابن حبان، وقال الدمياطي: إسناده لا بأس به، من حديث ابن عمر وله شاهد من حديث عبادة، قال ابن عمر: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بـمنى، فأتاه رجلان أنصاري وثقفي، فقالا: يا رسول الله، نريد أن نسألك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للثقفي: إن شئت أن تسألني، وإن شئت أخبرتك بما جئت تسأل عنه. فقال: بل أخبرني يا رسول الله، قال: جئت تسألني عن مسيرك من بيتك تؤم البيت الحرام، وجئت تسألني عن ركعتيك بعد الطواف ما لك فيهما، وجئت تسألني عن طوافك بين الصفا والمروة ما لك فيه، وجئت تسألني عن رميك الجمار ما لك فيه، وجئت تسألني عن ذبحك ما لك فيه، وجئت تسألني عن وقوفك بـعرفة مالك فيه، وجئت تسألني عن حلقك رأسك ما لك فيه، وجئت تسألني... وجئت تسألني...، حتى عدد النبي صلى الله عليه وسلم أعمال الحج، ثم ذكر ما فيها من الفضل، فذكر أنه إذا ركب راحلته إلى البيت الحرام، لم يرفع خفاً ولا يضع آخر إلا كان له بذلك أن يكتب الله تعالى له به حسنة ويضع عنه به خطيئة، ثم ذكر ركعتي الطواف وأنه كعتق رقبة، ثم ذكر طوافه بين الصفا والمروة وأنه كعتق سبعين رقبة، ثم ذكر رميه الجمار وأن كل رمية يمحو الله بها عنه كبيرة أو موبقة من الكبائر، ثم ذكر طوافه بالبيت وأنه يطوف لا ذنب له، يبعث الله تعالى ملكاً يضع يديه على كتفيه ويقول له: اعمل فيما يستقبل، فقد غفر لك ما مضى.
إلى غير لك من الفضائل العظيمة التي يعجب الإنسان منها، إلا أنه إذا تذكر أن هذا الفضل ممن يملك الفضل، ومن الوهاب التواب الذي يقول:{يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة، أو لغفرت لك ولا أبالي} إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في سعة فضل الله تعالى، ولا شك أن هذا إنما يحصل لمن كان مخلصاً في حجه، وفي نفقته، وفي نيته، وفي عمله، متابعاً للرسول صلى الله عليه وسلم.
والغالب أن تكفير الأعمال إنما يكون للصغائر، أما الكبائر فإن جمهور أهل السنة، كما قال ابن عبد البر وغيره يقولون: إنها لا تكفر إلا بالتوبة، كما ورد في الحديث في صحيح مسلم {ما لم تغش كبيرة} وفي رواية: {ما لم تؤت كبيرة} فإن الكبائر في الأصل أنها لا تكفر إلا بالتوبة النصوح.
فينبغي أن تكون هذه النصوص العظيمة محركاً لهممنا وقلوبنا إلى حج بيت الله الحرام، وشتان شتان بين من اتخذ الحج عادة أو تجارة أو سياحة، وبين إنسان لم يكن في نيته أن يحج، فلما سمع هذه النصوص وقرأ الأحاديث الواردة في فضل الحج؛ تحركت همته فجدد عزيمته وأخلص نيته أنه سيحج، بسبب هذا الفضل الذي يتوقعه وينتظره، فإن هذا ممن يرجى أن ينال هذا الأجر العظيم من الله تعالى.
أيها الإخوة: الكلام عن مناسك الحج ليس هذا مجاله؛ ولذلك لن أذكر في موضوع المناسك شيئاً، وإنما أذكر الإخوة بأن ثمة كتباً كثيرة وأشرطة في موضوع المناسك، أذكر من أهمها: منسك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو مطبوع، كذلك المنسك للشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ ناصر الدين الألباني له "حجة النبي صلى الله عليه وسلم"، وله كتاب آخر "مناسك الحج والعمرة"، وكل هذه الكتب كتب مفيدة ونافعة جداً، إضافة إلى مراجعة كتاب الحج في بعض كتب الفقه الموسعة كـالمجموع، والمغني وغيرها، وكذلك حاشية ابن القاسم. وعليه فلا حاجة إلى أن أدخل في موضوع المناسك؛ لأن الدخول فيها يطول، والأمر في ذلك لا يتسع له مثل هذا المقام.
يقول الله عز وجل: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] فشعائر الله تشمل الأضحية، وتعظيمها أي: استسمانها واختيار أفضلها وأغلاها وأنفسها، وذبحها قربة إلى الله عز وجل، ويقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر:1-3] فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالنحر، ويدخل في ذلك نحر الهدي ونحر الأضاحي؛ ولذلك ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه عليه السلام أقام بـالمدينة عشر سنين، يضحي طيلة هذه السنين العشر، لم يترك الأضحية ولا سنة واحدة. وقد ثبت في الصحيحين: { أن النبي صلى الله عليه وسلم، ضحى بكبشين أقرنين أملحين، ووضع رجله على صفاحهما، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي، ويقول: عني وعن من لم يضح من أمتي} فالأضحية سنة عند الجمهور، واجبة عند بعض أهل العلم.
أ/ أدلة من أوجب الأضحية:
روى الإمام أحمد وابن ماجة والدارقطني بسند حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا} وهذا مما استدل به بعض أهل العلم على وجوب الأضحية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وبخ من ترك الأضحية وهو غني واجد، وقال: لا يقربن مصلانا أي: من لم يعد الأضحية ويجهزها، ولم ينو أن يضحي فلا يقربن المصلى، وهذا ليس صريحاً في الوجوب، بل لعله دليل على عدم وجوب صلاة العيد.
أما الدليل الثاني الذي استدلوا به على وجوب الأضحية: فهو ما جاء في الصحيحين من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم النحر، فقال: {من ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها، ومن لم يذبح فليذبج، أو من لم يضح فليضح} قوله: فليضح، أمر يدل على الوجوب. والواقع أن هذا يصلح أن يقال: إنه أمر بعد الحظر، كما يقول الأصوليون: أمر بعد الحظر؛ لأن ذبح الأضحية قبل صلاة العيد باعتبارها أضحية لا يجوز؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ومن لم يضح} أي: لم يذبح قبل الصلاة؛ فليضح الآن بعد الصلاة فهذا وقت ذبح الأضحية.
ب/ وقت ذبحها وما يلزم من أرادها:
ومما يتعلق بأحكام الأضحية: أنها تذبح بعد صلاة العيد، ولا يجوز ذبحها قبل الصلاة؛ لما في المتفق عليه من حديث البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم، فجاء
ومما يتعلق بالأضحية: أن من نوى أن يضحي؛ فإنه لا يجوز له أن يأخذ من شعره ولا من بشره ولا من أظافره شيئاً، منذ دخول العشر، كما في حديث أم سلمة في صحيح مسلم:{إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا من بشره شيئاً} وفي رواية: {ولا من أظفاره} فمن أراد أن يضحي عن نفسه -وهذا لا يدخل فيه الوكيل الذي وكل عن غيره، إنما من أراد أن يضحي عن نفسه، سواء باشر الأضحية أو وكل غيره- فإنه لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً، منذ دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته.
ج/ شروط الأضحية:
ومما يتعلق بأحكام الأضحية أنه لابد فيها من شرطين:
الشرط الأول: السن. لابد من مراعاة السن المشروعة، وهو أن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية مما سواها، والجذعة من الضأن: هي ما تم لها ستة أشهر، والثنية مما سواها: هي المسنة، وهي من الإبل ما تم له خمس سنوات، ومن البقر ما تم له سنتان.
أما الشرط الثاني في الأضحية: فهو السلامة من العيوب. ولذلك جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، عن البراء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{أربع لا تجزيء في الأضاحي: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء} وفي رواية: {الكسيرة التي لا تنقي} أي التي ليس فيها مخ، قد ذهب مخها من الهزال والضعف، فهذه أربع لا يجزئ أن يضحي بها الإنسان، ولابد من مراعاة هذين الشرطين في الأضحية.
هذا ما يتعلق بالوقفة الأولى، وهي ما تتعلق بهذه الأيام العشر وشعائرها.
تعلمون -أيها الإخوة- أننا نودع في هذه الأيام عاماً مضى، ونستقبل عاماً جديداً، وهذه وقفة ينبغي أن نقف عندها، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد: "السنة شجرة، والأشهر أغصانها، والأيام أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة الله طابت ثماره". فنحن ندرك الآن كأن الواحد منا له شجرة عظيمة قد غرسها، وهي الآن توشك أن تنتهي لتقطع ويغرس له شجرة أخرى.
إذاً: العمر -أيها الإخوة- هو الذي تجزون عليه وتحاسبون، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فهو ورقة بيضاء تكتب فيها ما شئت، اكتب فيها الحسنات تجز بالجنة، اكتب فيها السيئات تجز بالنار، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها |
ما مضى فات، لا تحسب وتقول: أربعين سنة، خمسين سنة، ستين سنة، هذه كلها ذهبت ما كأنها لمح بصر ولا ومضة، ولا لحظة، مضت بما فيها من خير أو شر، والمؤمل غيب، لا تدري هل كتب لك يوم أو شهر أو سنة أو عشرة الله أعلم، ولك الساعة التي أنت فيها.
يسر المرء ما ذهب الليالي كأن ذهابهن لها ذهابا |
سبحان الله! إذا جاء البرد قلنا متى يأتي الحر حتى نسلم من البرد؟
فإذا جاء الحر تضايقنا منه، إذا جاءت أيام الاختبارات قلنا: متى تنتهي حتى نقبل على الإجازة؟
وهكذا، كلما جاءت مناسبة تمنينا ما بعدها، ولذلك يقول أحد المفكرين أو أحد الأدباء: إن الكلام عن قضية المستقبل، مثل حزمة من العلف مربوطة في عنق فرس، فهذا الفرس يركب ويجد الحزمة أمامه؛ لأنها تركض معه، فالمستقبل شيء لا حقيقة له؛ لأن هذه اللحظة الذي تعيشها الآن كانت قبل قليل مستقبلاً. إذاً ما هو المستقبل؟
المستقبل: هو اللحظة التي تعيشها. أما الأمور البعيدة فأمرها إلى الله تعالى.
جدير بالإنسان أن يقف وقفة محاسبة، إذا كان لك طموحات ولك آمال وتطلعات، تريد أن تعمل صالحاً وتريد أن تتوب وأن تكفر عن سيئاتك، وتريد أن تكون طالب علم، وأن تنفع الناس، وأن تقوم بعمل خير.. اجلس خمس دقائق واسأل نفسك كم عمرك الآن؟
خمس وعشرون سنة، ثلاثون سنة، هل عملت شيئاً خلال المدة هذه؟
لم تعمل شيئاً. هل تتوقع أن هناك شيئاً جديداً سوف يحركك فتعمل ما لم تكن تعمل بالأمس؟
أبداً، يا إخوة، الذي لا يعمل في وقت الشباب لا يعمل في وقت الهرم والشيخوخة، الشباب هو وقت القوة والفتوة، وقت النشاط والطموح، وقت التوقد والإشراق والاندفاع، فمن لم يعمل في شبابه ويستثمر أيامه؛ فينبغي أن يدرك أنه لا يعمل في شيخوخته، ولذلك طال حنين الشيوخ للشباب وتمنوا عودته:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب |
ذهب الشباب فما له من عودة وأتى المشيب فأين منه المهرب؟< |
إننا الآن نستقبل إجازة، ولا أريد أن أتحدث عن الإجازة؛ لأنني تحدثت عنها في محاضرة بعنوان "ماذا في الإجازة"
صبياننا وأطفالنا وشبابنا يترك آباؤهم لهم الحبل على الغارب، يذهبون كيف شاءوا، يذهبون إلى الملاهي والشوارع، وإلى الشلل الفاسدة، وبعض الشباب يجلسون على قارعة الطريق، أو في جوانب الأرصفة يتعاطون الدخان، أو يشاهدون التلفاز، أو يسمعون الغناء، أو يطبلون ويرتكبون ما حرم الله، وربما يكون في بعض هذه المجالس فرصة لديهم لاقتناص بعض صغار السن وتوريطهم بتعاطي الدخان، ثم ربما يجرونهم من وراء ذلك إلى الحاجة إلى المال، وربما يوقعونهم في الفواحش والموبقات.
فمن الجرم العظيم أن تغفل عمن ولاك الله تعالى أمرهم، خاصة من الصبية الصغار، ينبغي أن ينظم الإنسان لهم برنامجاً، وما ينبغي للإنسان أن يكون مغفلاً يقول: هل أغلق عليهم الباب؟
لا تغلق عليهم الباب، ضع لهم الوسائل التي يستفيدون منها في هذه الإجازة، هناك فرص كثيرة، يوجد قصص للصغار، ويوجد أشرطة للصغار، وأناشيد مفيدة يمكن أن تفيدهم. يوجد مجلات نافعة للصبية الصغار، ويوجد ألعاب، لا بأس أن تحضر لأولادك مراجيح، أشياء يلعبون بها، دراجات في المنـزل لا يخرجون بها، لا بأس أن تحضر لهم جهاز الكمبيوتر إن كانوا يعرفون ذلك، فهو يصلح لمن كان في سن الثالثة والرابعة والخامسة الابتدائية وما فوق، ويوجد برامج مفيدة، برامج قرآن كريم، وحديث، وبرامج لغة عربية، ومسابقات، وبرامج ألعاب بريئة مسلية ليست محرمة، لكنها تلهي الشباب وتصرفهم عن مجالس السوء.
فينبغي أن تدركوا -أيها الإخوة- أنه من يوم أن يتعود الطفل والشاب الصغير على الخروج من المنـزل؛ حينئذ تعتبر هذه خطوة كبيرة نحو الفساد؛ لأنه إذا خرج أصبح الوالد لا يتحكم فيه، ولذلك قد يوفق بأناس طيبين صالحين، كحلقة قرآن، أو مركز طيب، أو زملاء من أهل الصلاح، وقد يوفق -وهذا هو الغالب- بقرناء سوء؛ فعندئذ ليس للأب في ذلك يد، ولا يستطيع أن يمنعه منهم، ولو منعه لخرج سراً، والأب لن يقف بواباً عند باب المنـزل حتى لا يخرج الولد، الأب سيسافر، وسينام وسيذهب إلى عمله.
فينبغي أن نجعل الخطوة الأساسية هي أن نربي أولادنا داخل البيوت، ولا مانع أن تصرف جزءاً من وقتك لأولادك، تخرج معهم في نـزهة أو زيارة، في ذهاب أو إياب، فإذا لم تستطع فاصحبهم معك في الأعمال الضرورية، وأنت خارج إلى السوق لشراء بعض الحاجيات، اصحبهم معك، وأنت ذاهب إلى زيارة قريب أو إلى رحلة حتى يتربوا على عينك.
هذا وأود أن أقول في ختام هذه الكلمة: إن هذه الجلسة أو هذا الدرس هو الوحيد قبل الحج؛وذلك لأنني سوف أسافر في نهاية هذا الأسبوع بإذن الله تعالى إلى المنطقة الشرقية، وأقول للإخوة الأكارم: بإذن الله تبارك وتعالى، سوف نستأنف هذه الدروس في يوم الأحد، الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة لهذا العام، كما أن درس بلوغ المرام لهذا الأسبوع، سوف ينعقد -إن شاء الله- في موعده المحدد في يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء.
الجواب: قوله: [[ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير]] أي أنهم كانوا يعرفون أن الصلاة قد انتهت إذا كانوا في الشارع؛ لأن ابن عباس كان صغيراً ربما يتأخر عن الصلاة أحياناً أو يأتي في آخرها، فيقول: كنت أعلم انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم -وإن كان هذا يحدث قليلاً أو نادراً- فيعرف رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد انتهى من الصلاة بارتفاع أصوات الناس بالتهليل والتكبير، فكانوا يعرفون ذلك بالتهليل والتكبير.
الجواب: الأفضل أن يصوم التسع من ذي الحجة كلها سرداً؛ وذلك لأن صيام يوم وإفطار يوم هذا لمن يصوم الدهر كله، فنقول له: الأفضل أن تصوم يوماً وتفطر يوماً، وهذا هو أفضل الصيام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عمرو بن العاص.
الجواب: من كانت أضحيته عن والديه أو عن أحد غيرهما؛ فإنه لا يلزمه أن يمسك عن شعره وظفره، إنما الذي يلزمه أن يمسك هو من أراد أن يضحي عن نفسه، فلو ضحى عن نفسه وأهل بيته -مثلاً- فإنه يلزمه حينئذ أن يمسك.
الجواب: لا شك أنه لا حرج في ذلك؛ لأنه ليس من حقهم أن يستقطعوا هذه الأماكن، فهذه أماكن مشاعر ليست لأحد، فإذا وجد الإنسان مكاناً فارغاً ليس فيه أحد؛ فإنه يحق له أن يجلس فيه ويستظل به، اللهم إلا أن يأتي إليه أحد، مثل أن يكون هذا المطوف حجزه لحجاج لم يأتوا بعد وسيأتون، فإن الإنسان في حالة مجيئهم ينبغي له أن يترك ويغادر هذا المكان؛ إذا كان في ذلك تضييق عليهم.
الجواب: في الواقع أن من بلغ ينبغي له أن يحج من ذكر أو أنثى، ولا يشترط في ذلك إذن الوالدين، لكن على الأب أن يأذن لولده بالحج بل عليه أن يأمره به، وكذلك الزوج ليس له أن يمنع زوجته من حج الفريضة إذا كانت قادرة مستطيعة، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الحج واجب على الفور، وعلى هذا القول فإن على الابن أن يحج بدون إذن أبيه، وكذلك الزوجة تحج ولا يحق لزوجها أن يمنعها؛ إذا وجدت محرماً أباً أو أخاً أو ابن أخ أو نحو ذلك؛ لكن على الإنسان -ذكراً أو أنثى- ألا يجعل بداية الإقناع هي الإلزام، فإذا قال لوالده -مثلاً- أنا بالغ وأريد أن أحج. قال له أبوه: ستحج العام القادم. فقال له: لا، سأحج، قد أفتى فلان وفلان بأنه لا يشترط إذنك. هذا ليس أسلوباً مع الوالد، بل ينبغي أن يأتيه بالأساليب السمحة السهلة اليسيرة، ويبدأ بالتدريج والإقناع، يستخدم وسائل الضغط، يكلم الوالدة وبعض الأقارب، يتحدث إلى الوالد ويحسن إليه، ويحرص على إقناعه بكل وسيلة، فإذا عجز هنا يجعل سلاح الفتوى بأن يحج ولو لم يأذن له، يجعله آخر حل.
الجواب: البلوغ يكون بوسائل بالنسبة للذكر، منها بلوغ خمس عشرة سنة، كما في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: [[عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني]] فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذا الحديث قال: [[إن هذا يصلح أن يكون حداً للفرق بين الكبير والصغير.]] فمن بلغ خمس عشرة سنة فإنه يكون قد بلغ وحجه صحيح وهو فرض، وكذلك يكون البلوغ بإنبات الشعر فوق الذكر (شعر العانة) وكذلك يكون البلوغ بإنـزال المني بيقظة أو باحتلام، فإذا تحقق أحد هذه الصفات الثلاث، والأنثى تزداد أمراً رابعاً وهو الحيض فإن الإنسان يكون بالغاً، أما إذا لم يتحقق لك شيء من ذلك؛ فإنه لا يكون بالغاً، ويجب عليه أن يحج حجة الإسلام.
الجواب: أي يكفر سنة قبله وسنة بعده.
الجواب: الأصل أن يحج الإنسان بنفسه، وكذلك سائر الأعمال الأصل أن الإنسان يباشرها بنفسه؛ فإن أهل الجنة دخلوها بأعمالهم قال تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] دخلوها برحمة الله التي تأهلوا لها بأعمالهم، إنما يوكل عن الحج العاجز، فمن عجز عن الحج لزمانة أو مرض أو نحوه فإنه يوكل.
الجواب: لا أعلم في ذلك حديثاً مرفوعاً ولا أثراً صحيحاً، فإن دفن الإنسان هذه الأشياء فحسن، وإن وضعها في أي مكان مثل الزبالة أو القمامة فلا أعلم في هذا حرجاً، ولا أعلم في هذا أمراً مشروعاً. أما الدعاء فليس هناك دعاء مشروع عند دفن السن أو دفن الشعر أو غير ذلك.
الجواب: سبق وأن بينت في ثلاثين وقفة في مطلع شهر رمضان؛ أن الاعتكاف مشروع في كل وقت، ويتأكد في رمضان وفي العشر الأواخر منه، أما متى يبدأ ومتى ينتهي؟
فبحسب ما يريد الإنسان، فإذا أراد أن يعتكف يوماً أو ليلة أو يومين أو أقل أو أكثر بحسب ما يريد جاز له ذلك.
الجواب: نعم، ينتهي يوم عرفة بطلوع الفجر من اليوم الثاني، أي من ليلة مزدلفة. مثلاً: لو أن الإنسان وقف بـعرفة في الليل -أي بعد يوم عرفة في ليلة مزدلفة- لكان حجه صحيحاً، وإن كان ينبغي أن يقف بعض النهار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد وقف بعد ذلك بـعرفة أي ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه وقضى تفثه. فمن وقف بـعرفة ولو ليلاً فحجه صحيح؛ لكن يجب أن يقف جزءاً من النهار كما قاله كثير من أهل العلم.
الجواب: أرى أن الحج أفضل من التصدق بثمنه، إلا أن يكون في الناس حاجة شديدة إلى المال لا تسد. وأما الحج رغبة في الرفقة الصالحة أو الاستفادة علماً وإيماناً؛ فهذا حسن وهو من المقاصد المشروعة.
الجواب: لا شك أن المقصود بالحج المبرور الذي جزاؤه الجنة؛ هو لمن لم يأت بما ينقضه، أما لو نقضه الإنسان بردة عن الإسلام والعياذ بالله فهذا كما قال الله عز وجل:وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] فالردة محبطة للأعمال.
الجواب: ذبح الهدي خارج الحرم لا يجزئ ولا يجوز، ومن ذبح خارج الحرم فعليه الإعادة، وقد ذكر جماعة من أهل العلم الإجماع على ذلك -أي أن يذبح الهدي في الحل- مثل أن يذبح هديه بـعرفة خارج الحرم.
ألا يمكن أن يقال أن العمل الصالح عام وحديث عائشة خاص؟
وهل يمكن فعل شيء لم يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام؟
وهل هذا في الأصول؟
الجواب: نعم، يمكن فعل شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر به أو استحبه، فقد ثبت عند جميع أهل العلم في الأصول وفي المصطلح وغيرهم؛ أن السنة هي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو تقرير، فإذا قال شيئاً أو فعله أو أقر على فعله فإن هذا دليل على مشروعيته، فقد يُفعَل شيء بحضرته فيقره النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيكون هذا دليلاً على أنه مستحب أو مباح على الأقل، وقد يفعل شيئاً صلى الله عليه وسلم أو يأمر بشيء فيدل على أنه واجب أو مستحب، فهذا معروف في الأصول ومستقر عند جميع أهل العلم.
أما كونه عام وخاص فهذا في حالة وجود تعار ض بين الحديثين، ولا تعارض بينهما -كما ذكرت- فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارض فعله -كما أسلفت- أي لا يفتقر الفعل إلى قول، فإذا جاءنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا، فلا نقول هل فعله؟!
لا يلزم أن يكون قد فعله، قد يكون تركه لعارض. مثلاً: صلاة التراويح في رمضان والمحافظة عليها في كل ليلة، هذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، بل صلى ليلتين أو ثلاثاً ثم ترك ذلك خشية أن يفرض على الناس، فهل نقول: إن صلاة التراويح طيلة الشهر غير مشروعة؟
لا، هي مشروعة باتفاق أهل العلم، وذلك لأن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للمحافظة عليها له سبب وهو خشية الفرضية، وهذا السبب زال بموته عليه الصلاة والسلام.
الجواب: الظاهر أنها واجبة عندهم كل سنة، لكن الراجح عند جمهور العلماء أنها سنة مؤكدة.
الجواب: لا يشرع، بل إن الإنسان إذا كبر في صلاة الجنازة يبدأ مباشرة بقوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم) ثم يقرأ الفاتحة، ولا يشرع له أن يستفتح؛ لما في حديث ابن عباس رضي الله عنه.
الجواب: أما أن يعلن عن وجود ساعة ضائعة فهذا لا يجوز في المسجد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:{إذا سمعتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا له: لا وجدت. إنما بنيت هذه المساجد لما بنيت له} فلا يجوز إنشاد الضالة في المسجد.
الجواب: نعم، له أجر على ذلك، خاصة إذا كانت نيته صالحة، ويقول أول ما يلبي بالحج: لبيك عن فلان. ثم يبدأ: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك، لبيك إله الحق لبيك، لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل، إلى غير ذلك من أنواع التلبية الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو عن أصحابه.
الجواب: حجه صحيح، ولكن لا ينبغي ولا يجوز أن يحج الإنسان بقصد أخذ الأجرة، بل ينبغي إن حج عن أحد أن يحج بقصد الفضل، ومشاهدة الحجيج، وشهود المواقف، والطواف، وحضور يوم عرفة، والدعاء، ونيل الأجر من الله تعالى، والإحسان إلى أخيه المسلم.
الجواب: في الواقع ليس هناك ما يدعو إلى ذلك، والحمد لله، قد وسع الله تعالى على الناس اليوم، فبإمكان الإنسان أن يحج، والحج لا يكلف أكثر من ألف أو ألف وخمسمائة ريال أو ألفي ريال على الأكثر، ويستطيع أن يحج ويساعد إخوانه المجاهدين في أفغانستان وفي غير أفغانستان، لا داعي لأن نجعل مساعدة الأفغان بديلاً عن الحج، ولكن حج وساعد إخوانك المجاهدين.
أليس المقيد داخل في المطلق بعد الصلاة؟
الجواب: الفرق بين التكبير المطلق والمقيد: أن التكبير المطلق مشروع في كل وقت، كما قال البخاري رحمه الله: قائماً وقاعداً ونائماً وماشياً وداخلاً وخارجاً وفي كل وقت، أما التكبير المقيد فهو مخصص بصلاة الفريضة وفي أيام معلومة، من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.
الجواب: حسن، بارك الله لك وفيك، وتقبل الله منا ومنك، وهذا من البر بأبويك أن تحج لهما بعد حجهما، أو تتصدق عنهما وتدعو لهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للمرأة أن تحج عن أبيها، وقد جاء في سنن ابن ماجة حديث لا بأس بإسناده: {أن رجلاً قال: أريد أن أحج عن أبي فهل ينفعه ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك، فإنه إن لم ينفعه لم يضره} فحج عن أبيك ولك أجر على ذلك.
بقية السؤال: وكيف أقول بالدخول في نسك عن والدي؟
الجواب: تقول: لبيك عن والدي، لبيك عن فلان.
الجواب: لا حرج في ذلك، فإن المطلوب هو أن يبيت الإنسان بـمنى.
الجواب: الذي يظهر لي أنه إذا لم يشق عليه؛ فإنه يشرع له كما يشرع لغيره صيام تلك الأيام.
الجواب: الحديث عام: {من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه} فرضاً كان هذا الحج أو نفلاً.
الجواب: مسألة جبر الحج كثير من الناس يقول: أنا قصرت في الحج وأريد أن أحج حجة أخرى تكون هي حجة الإسلام. فالحجة الأولى التي حجها الإنسان وهو بالغ هي حجة الإسلام، لكن لا شك أن النفل يجبر الفرض، فإن كانت هذه المرأة بالغة يوم حجت فالحجة الثانية نافلة، وينبغي أن تحرص على أن تحج وتقنع زوجها بذلك، وإن لم تحج هذه السنة حجت السنة التي بعدها أو التي بعدها، أو حتى بعد خمس سنين إن أعطاها الله تعالى عمراً، وإن كانت حجت وهي صغيرة -أي قبل أن تبلغ- فمعنى ذلك أن حجة الإسلام في عنقها، وعليها أن تحج حجة الإسلام، ويجب على زوجها أن يأذن لها بذلك.
الجواب: نعم، يجوز أن تؤجل الحج عن عمك، ومتى زالت هذه الظروف ووسع الله عليك حججت عنه.
الجواب: لا يمكن أن يكون حجه نفلاً وهو لم يؤدِ فريضة الإسلام، حجه فرض؛ لكن عليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفر من هذا الذنب الذي فعله، فإن الذنب ينقص أجره، ولكن عليه بعد ذلك أن يكثر من حج النفل حتى يجبر الفريضة.
وما صحة الحديث: {يأتي زمان يحج قراؤهم رياءً وفقراؤهم للمسألة} وهل يمكن أن يحج الإنسان للتجارة وللحج؟
الجواب: نبدأ الجواب من الأخير: كونه يحج للتجارة وللحج لا حرج، كما قال الله عز وجل: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] قال ابن عباس: [[أن يحج وهو يريد أن يتاجر أيضاً]] وقد أجمع أهل العلم على ذلك.
وأما حديث: {يأتي زمان يحج قراؤهم رياءً...الحديث} فيما أعلم ضعيف.
قول الأخ: إن الإنسان يعتمد على هذه الأحاديث، فالذي أظنه -والله تعالى أعلم- أن قلب المؤمن لا يطيعه على ما تدعيه أيها الأخ، أي أن الإنسان الذي عنده ذرة من الإيمان لا يمكن أن يقبل على المعاصي، ويقول: يكفي الحج والعمرة؛ لأن في قلب المؤمن شيء يحرق ويدافع عن المعصية، ولذلك تجد الإنسان إذا عصى يتألم قلبه حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ولو نظرت في سير الصحابة، اقرأ مثلاً كتاب التوابين، أو التائبين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أي كتاب آخر، تجد أن الإنسان إذا وقع في ذنب يشعر بحرقة في قلبه لا يخرجه منها إلا توبة نصوح، بل كثير من الناس يقول: لا يطمئن قلبي إلا أن يهراق دمي في سبيل الله عز وجل، فتجده يتعرض للشهادة لعله أن يموت في سبيل الله، فالإنسان الذي عنده إيمان لا يمكن أن يعتمد على مثل هذه الأحاديث فقط ويقول: أفعل المعاصي؛ لأنه قد لا يفعل هذه الطاعات، وقد لا يكون فعل هذه الطاعة بنية خالصة؛ حتى يتحقق له الأمر الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الأحاديث تكون مرغبة للأعمال الصالحة من جهة، وتكون مزيلة للقنوط واليأس الذي يقع في نفوس بعض العصاة من جهة أخرى.
الجواب: على أي حال، سواء كان حجك لنفسك أو غيرك؛ إن كنت تعلم أن أصحاب الديون يأذنون لك في الحج ولا يمانعون من ذلك، فسواء استأذنتهم أو علمت ذلك من القرائن ووقائع الأحوال؛ فلا أرى في ذلك حرجاً.
وقد عملت ذلك حرصاً على موكلي، وقد رميت له ست جمرات فقط؛ وذلك لوقوع السابعة مني ولم أستطع أخذها لكثرة الزحام؟
الجواب: هذا فيه عدة أمور: منها أولاً: أنك رميت عنه قبل أن ترمي عن نفسك والأصل أن هذا لا يصح، الأصل أن تبرئ ذمتك ثم ترمي عنه، ومنها: أن الأصل أنه لا يوكلك إلا عند العجز، فإذا كان مستطيعاً فإنه يجب أن يرمي بنفسه. ومنها: أنك رميت له بست جمرات وكان يجب أن ترمي له سبعاً، على كل حال من ترك واجباً في الحج فإنه يجبره بدم.
الجواب: ذهب الإمام مالك ورجحه الإمام ابن تيمية كما في الاختيارات، إلى أن الأضحية لا تشرع للحاج، فالهدي بدل عنها، والجمهور على أن الأضحية مشروعية للحاج وغيره، سواء ذبحها هنا أم هناك.
الجواب: الذي يظهر لي أن الإنسان يجوز له أن يضحي في الأماكن التي يحتاج الناس إليها، فلا حرج أن يذبح أو يوكل من يذبح أضحيته في أفغانستان أو غيرها، وقد ذهب بعض أهل العلم المعاصرين إلى أنه ينبغي أن تذبح الأضحية في البلد الذي فيه الإنسان حتى تظهر هذه الشعيرة وتشهر.
الجواب: تكفي النية دون التلفظ ولو تلفظ فلا حرج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {عني وعن لم يضح من أمتي} فلا حرج أن تقول عن فلان أو تنويها بقلبك
الجواب: المضحي نفسه -أي الذي اشترى الأضحية- وأراد أن يضحي عن نفسه؛ لا يجوز له أن يأخذ من شعره أو ظفره شيئاً.
الجواب: ذهب جماعة من أهل العلم القدماء وفقهائنا المعاصرين، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وسماحة الشيخ محمد بن عثيمين وغيرهم من أهل العلم؛ إلى أنه يجوز رمي الجمرات ليلاً، وهذا فيه توسعة على الناس وفيه رفع للحرج، وخاصة إذا كان مع الإنسان نساء يخشى عليهن، والذي لا أشك فيه أن رمي الجمرات ليلاً، أو تأخير رمي الجمرات إلى اليوم الأخير فيرمي جمرات اليوم الأول، ثم يرمي جمرات اليوم الثاني، ثم يرمي جمرات اليوم الثالث؛ أفضل من التوكيل، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً للرعاة، الراعي يرعى بالنهار ويرمي بالليل، والحديث صحيح، ولا شك أن المرأة المحتاجة والمسنة والإنسان الذي يخشى الزحام ومن في حكمهم، حاجتهم وضرورتهم أعظم بمراحل من حاجة الراعي، وهذا لا يشك فيه أحد.
الجواب:نعم يصوم حسب استطاعته، ويمكن أن يصوم منها يوماً ويفطر يوماً، أو يصوم الاثنين والخميس أو ما أشبه ذلك.
الجواب: كتاب "المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح" " للدمياطي من الكتب المفيدة، مفيد جداً لأنه جمع الأحاديث في فضائل الأعمال، الذكر والدعاء والصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وغيرها، وإن كان فيه أحاديث ضعيفة ينبغي للإنسان أن ينتبه لها، والإمام الدمياطي تكلموا عنه أنه متسامح في تصحيح الأحاديث أو تحسينها فيتفطن الإنسان لذلك.
الجواب: نصيحتي أن تحج، لا ينبغي للإنسان أن يتردد في فعل الخير.
الجواب: نعم حديث عائشة رضي الله عنها تقول: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط. وظاهر كلامها يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام ما صام من العشر ولا يوماً واحداً، فهذا الذي أقول: لا يلزم أن تكون عائشة قد اطلعت عليه، فقد يكون صام يوماً وهو عند حفصة أو عند زينب أو عند ميمونة أو عند أم سلمة أو عند سودة فلم تعلم عائشة رضي الله عنها بذلك.
الجواب: نعم، بالنسبة للحاج معروف أنه عند الإحرام يستحب له أن يتنظف ويتطيب، مثلاً: يزيل شعر إبطيه وعانته، ويتطيب، ويأخذ أظافره عند الإحرام. وإذا أراد أن يتحلل فإنه يقضي تفثه بحلق رأسه.
الجواب: توجيهاتي أولاً: أن تتعلم أحكام الحج قبل أن تحج، اقرأ كتاباً في المناسك، ومن أفضل الكتب التي أرشحها لك كتاب التحقيق والإيضاح في مسائل الحج والعمرة والزيارة لوالدنا وشيخنا الإمام عبد العزيز بن باز، اقرأ كتاب المنهج للشيخ الفاضل العلامة محمد بن صالح بن عثيمين، اقرأ كتاب مناسك الحج والعمرة للشيخ الألباني، اقرأ حجة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني، اقرأ منسك الشيخ ابن تيمية أو أحد هذه الكتب، اقرأه مرتين أو ثلاث، واصحبه معك في حجتك.
النصيحة الثانية وهي مهمة: احرص على المال الحلال.
إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير |
لا يقبل الله إلا كل صالحة ما كل من حج بيت الله مبرور |
النصيحة الثالثة: اختر الرفقة الصالحة الذين يعلمونك الحج ويعينونك على طاعة الله، لا تحج مع شباب سفهاء يقضون الوقت في لهو وعبث وكلام فارغ، وقد يسمعون الغناء، وقد يغتابون الناس، وقد يرتكبون المعاصي، وقد يتكلمون في فلان وفلانة.
الجواب: في الواقع أنه من يسمع الأحاديث ولا يتحرك قلبه وتندفع همته للحج؛ فإنه يجب عليه أن يراجع قلبه لعله لا قلب له! لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:{رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه} { ليس له جزاء إلا الجنة } فهو كفارة ويهدم ما كان قبله، ومع ذلك تحجم وتتردد مع تيسر الظروف والأسباب! لا ينبغي هذا.
الجواب: نعم، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج من الجهاد في سبيل الله.
الجواب: الذي أعلمه الآن في تحريك الأصبع عند التشهد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقبض أصابعه الثلاث، ويضع الإبهام عليها ويحرك السبابة، هذه صورة. الصورة الثانية: يقبض إصبعين ويحلق الوسطى مع الإبهام ويحرك السبابة.
أما متى يحركها؟ فإنه يحركها عند الدعاء وعند التشهد، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله حركها، وكذلك عند الدعاء مثل: اللهم صلِّ على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، يحركها وينظر إليها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان ينظر إلى سبابته في التشهد عندما يحركها.
الجواب: ذكرت ذلك، لكن أشير للإخوة أنه بالنسبة للإنسان الذي سوف يحج بنساء؛ ينبغي له أن يتفطن لهن، يهيئ لهن المكان المناسب للطواف، وللسعي ولرمي الجمار، وللذهاب والإياب، ويحرص على تستر نسائه وبعدهن عن الزينة والتبرج بها؛ لئلا يرجعن مأزورات غير مأجورات.
الجواب: أولاً: الكيد للدعوة والدعاة قديم، ومن أهم الوسائل التي كان أعداء هذه الدعوة يستخدمونها هي إلصاق التهم بحملة الدعوة ورجالاتها، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الطاهر المطهر الذي لم يكذب قط، ولم يعهد عليه في الجاهلية أنه ارتكب أمراً مما يعاب أو يشين، مع ذلك لما جهر بدعوته قالوا عنه: ساحر، شاعر، مجنون، كذاب، ورموه بشتى التهم وقالوا: إنه يريد رئاسة ويريد سلطة ويريد حكماً. ولا زال الدعاة إلى يومنا هذا يتعرضون لمثل هذه الأشياء، وقد أرشدنا الله عز وجل إلى المنهج الشرعي في مثل هذا الباب فقال: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [النور:16-17] وقال عز وجل: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13] فكل من ادعى على مسلم حتى لو كان مسلماً عادياً -وحتى لو كان فاسقاً أيضاً- من ادعى عليه دعوى لم يأت فيها بأربعة شهداء فهو عند الله من الكاذبين، أقول: عند الله. لاحظ النص القرآني: فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13] وهذه فرية مكذوبة مختلقة، وقد كشف الله سبحانه وتعالى أمرها وجلاها، وأقول كما قال الله عز وجل:إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11] قد أبانت عن مكانة الدعاة في نفوس الناس، وتقديرهم لهم، وتأثرهم بهم في القريب والبعيد وفي الداخل والخارج لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ [النور:11] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69].
الجواب: الأفضل أن تحج مع جماعة بشرط أن يكونوا رفقة صالحين.
فقال: أخاف عليك. فحاولت إقناعه وأخبرته أن الأعمار بيد الله ولكنه كان مصراً؟
الجواب: مادام الحج بالنسبة لك فريضة؛ فعليك أن تقنعه وتسلط عليه من يقنعه ثم تحج مهما كان الأمر، أما إن كان نافلة وأصر والدك على بقائك ورأيت مصلحة في طاعته؛ فالأولى في نظري أن تطيعه.
أقول للإخوة أجمعين: جزاكم الله خيراً، وأسأل الله أن يجمعني وإياكم والمسلمين في دار رحمته وكرامته، وأن يعفو عني وعنكم ويتقبل منا الحسنات، ويتجاوز عنا السيئات، ويوفقنا للطاعات والقربات، اللهم آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر