أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن ميدان هذه الحياة هو ميدان سباق بين الأفراد، وسباق بين الأمم والجماعات، وهو ميدان سباق في المجال الدنيوي، وميدان سباق في المجال الأخروي، يقول الله عز وجل: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2].
وإن من حكمة الله عز وجل أنه أوجد بين خلقه من التفاوت الشيء الكثير، يقول عز وجل: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] فالناس متفاوتون في خَلقهم، وفي رزقهم، وفي خُلقهم، وعقولهم، وفي كل شيء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {إذا نظر أحدكم فلا ينظر إلى من فضل عليه في المال والخلق، بل لينظر إلى من هو دونه} وفي لفظ: {فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم}.
وفي مقابل ذلك فإننا يجب أن ننظر في أمر الدين والعلم والعبادة إلى من هو فوقنا، حتى يكون هذا حافزاً لنا على البلوغ إلى مرتبة أعلى.
ويقول الله عز وجل بعد أن ذكر ما فضل به بعض الناس وما أعطاهم من شأن الدنيا العاجلة: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21] انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض -أي في الدنيا- فضل بعض الناس على بعض، فضلوا بالمال أو بالخلق أو بالدين، وهذا لا يظهر في الدنيا ظهوراً تاماً، وإنما يظهر في الآخرة، ولذلك عقب بقوله: (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) فالإنسان يجب ألا يقنع بواقعه الذي يعيشه في أمر الدين، بل يتطلع إلى الأعلى دائماً.
أما في أمر الدين فتجد كثيراً منهم ينظرون إلى من هو دونهم، يقول الشاب المصلي إذا أمر بخير قصر فيه، أو نهي عن منكر وقع فيه، يقول: يا أخي! الحمد لله أنا محافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها مع الجماعة، وزملائي من الشباب كثير منهم لا يصلون، لا في بيوتهم ولا مع الجماعة، فينظر إلى من هو دونه.
وتقول الفتاة المتحجبة إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر: أنا والحمد لله ملتزمة بالحجاب الشرعي، في الوقت الذي أجد بنات جنسي وقد أزلن هذا الحجاب كله أو بعضه، وظهرن سافرات في الأسواق أو في المناسبات أو في المدارس أو في غيرها.
وتنسى أن المرأة المسلمة والرجل المسلم يجب أن يكون له مثل أعلى، يجب أن يكون مثله الأعلى في الدين أن ينظر إلى حال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وحال التابعين والعلماء العاملين، وأن يجعل همه أن يصل إلى ما وصلوا إليه، ليحافظ على مستواه الإيماني أولاً، وليرتقي بإيمانه ثانياً، أما حين ينظر إلى من هو دونه، فإنه في الغالب لن يحافظ على مستواه، بل سيظل يهبط درجةً بعد درجة، وهو يسوغ لنفسه في كل مرة ينـزل فيها أنه لا يزال هناك من هو أقل منه وأنـزل منه، فلا يزال يتردى حتى يصل إلى الحضيض، والعياذ بالله..!
ولكن هذه الطبقات أو المقامات الكثيرة يمكن تصنيفها في ثلاث طبقات رئيسية:
الطبقة الأولى: هي طبقة المسلمين المتصفين بصفة الإسلام فحسب، وأعني بهذه الطبقة من اقتصروا على تحقيق شرط الإسلام بحيث قاموا بالأقوال والأعمال التي لا بد منها ليكون المرء مسلماً، والتي إذا أخل بها الإنسان، خرج من دائرة الإسلام، ودخل في دائرة الشرك والكفر، ونحن نعلم جميعاً أن هناك جوازاً لا يمكن لإنسان أن يدخل الجنة إلا به وهو الإسلام، فمن لم يكن معه هذا الجواز؛ فإن الله عز وجل قد حرم عليه الجنة، وأوجب له الخلود في النار.
ولعل من المناسب أن أذكر أن هناك مجلة كويتية هي مجلة العربي دأبت في كثير من أعدادها على التشكيك في هذه الحقيقة، حقيقة أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، وأن الكافر مخلد في النار، فهي تتحدث كثيراً عما يسمى بالحوار الإسلامي المسيحي، أي: اللقاء بين المسلمين والنصارى في مؤتمرات عقدت في لبنان أو قرطبة أو ليبيا أو في الفاتيكان أو في غيرها للتقارب بين أعظم ديانتين في الأرض -كما يقولون- الإسلام والمسيحية -أي النصرانية.
وقد كتب أحد كتاب هذه المجلة مقالاً في أحد أعدادها بعنوان (المسلمون والآخرون) ولعل من المناسب أيضاً أن أقرأ عليكم قليلاً مما قال، لتدركوا خطورة هذه الدعوى.
يقول: هذا الكاتب في مقاله هذا: ( ليس صحيحاً أن المسلمين في هذه الدنيا صنف متميز ومتفوق من البشر بمجرد كونهم مسلمين، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية للمسلمين ويخص الآخرين بالدونية، وليس صحيحاً أن ما كتبه أكثر الفقهاء في هذا الصدد هو دين ملزم وحجج لا ترد، إنما هو اجتهاد يخطئ ويصيب).
إن هذا الكاتب يجعل من النصوص القرآنية المحكمة والأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة اجتهاداً لبعض الفقهاء يخطئ ويصيب، وهو يشكك في قضية ليست موضع خلاف، بل هي معلومة من الدين بالضرورة، ومن أنكرها فقد أنكر جزءاً لا يتجزأ من دين الإسلام، وقد يكون هذا الإنكار مؤدياً إلى الكفر بالله عز وجل.
ثم إن هذا الكاتب الآن يحدثنا عن سبب الشبهة الخطيرة التي وقعت في فكره، وهو أنه رأى المسلمين في هذا الزمان متخلفين في شئون الدنيا في الصناعة وفي العلوم الطبيعية، ورأى أن أعداءهم من اليهود والنصارى قد تفوقوا عليهم في هذا المجال فالتبس عليه هذا بذاك، ونسي أن العزة التي ينفخها الإسلام في أتباعه ليست بسبب تفوقهم الدنيوي، إنما هي بسبب تميزهم بالانتساب إلى الدين الوحيد المقبول عند الله عز وجل في يوم القيامة.
يقول: ( لقد سمعت واحداً من خطباء الجمعة اعتلى المنبر ليحدثنا في أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس، وذهب به الحماس إلى حد دفعه أن يسفه غير المسلمين جميعاً، ويتهمهم بمختلف النواقص والمثالب، ثم يدعو الله في الختام -وحوله مئات من المصلين يؤمنون- أن يدك بيوتهم، ويزلزل عروشهم، ويفرق شملهم، ويهلك نسلهم وحرثهم، ونحن جميعاً نؤمن مع هذا الخطيب على هؤلاء الكفار، مهما يكن في أيديهم من المال أو السلطان ).
ويقول الكاتب: (كنت جالساً في الصف الأول في مسجد فرش بسجاد مصنوع في ألمانيا الغربية، وترطب حرارته مكيفات أمريكية، وتضيئه لنبات هنغارية، بينما كلمات الخطيب تجلجل في المكان عبر مكبر للصوت هولندي الصنع، وعندما هبط شيخنا ليؤمنا في الصلاة، تفرست في طلعته جيداً؛ لأجد أن عباءته من القماش الإنجليزي، وجلبابه من الحرير الياباني، وساعته سويسرية، وقد وضع إلى جوار المنبر حذاءً إيطالياً لامع السواد.
وذهب يكتب خمس صفحات كلها تدور حول هذا الموضوع، وختم مقاله بالحديث عن الآيات والأحاديث التي فيها تفضيل جنس الإنسان من حيث هو إنسان، ونسي هذا الكاتب الآيات والأحاديث التي حكم الله عز وجل بها على الكفار بأنهم كالأنعام بل هم أضل).
إننا نجد النصوص القرآنية والنبوية صريحة في أن الجنة حرام على الكافرين، يقول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] ويقول سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] ويقول سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وإن الله ليعز هذا الدين بالرجل الفاجر}.
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يلقى أباه يوم القيامة، فيرى إبراهيم في وجه أبيه القترة، فيقول: ألم آمرك فعصيتني؟! فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيذهب إبراهيم وقد أمسك أبوه به، فيقول: يا رب، لقد وعدتني ألا تخزيني يوم القيامة، وأي خزي أخزى وأعظم من خزي أبي الأبعد؟! فيقول الله عز وجل: يا إبراهيم، إني حرمت الجنة على الكافرين، ويأمر الله عز وجل إبراهيم أن ينظر، فيجد أباه وقد مسخ ضبعاً أو ذيخاً، فيراه متلطخاً بنتنه فتستقذره نفسه، ويطيب خاطره، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار}.
فهذا أب لنبي من أنبياء الله يأمر الله عز وجل به إلى النار، ولا ينفعه أن يكون ابنه نبياً، وذلك لاختلال الشرط عنده وهو أنه مات كافراً، وكذلك كان والد النبي صلى الله عليه وسلم ووالدته، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم {استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي}.
وقد جاء رجل كما في كتاب الضياء المقدسي، وكما في الطبراني وغيرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {فقال: يا رسول الله! إن أبي كان يصل الرحم ويكرم الضيف ويفعل كذا وكذا، فأين هو؟ قال له صلى الله عليه وسلم: أبوك في النار، فكأن الرجل وجد في نفسه، فقال: وأبوك يا رسول الله؟ قال: وأبي! ثم قال صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار، فكان الرجل يقول: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً عسيراً، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار}.
ويجب أن نعلم أن قضية تحريم الجنة على غير المسلمين وأن خلود الكافرين في النار هي من القضايا الثابتة المستقرة لدى المسلمين عموماً، لدى أهل السنة والجماعة، بل ولدى غيرهم من سائر طوائف المسلمين، فهذه القضية ليست موضع خلاف.
هذه هي الدائرة الواسعة، دائرة من حكم لهم بدخول الجنة ولو عذبوا في النار بقدر ذنوبهم وخطاياهم ونقوا، ثم أخرجوا منها ليدخلوا الجنة، والفائزون بهذا هم من حققوا شرط الإسلام، من حققوا الشرط الذي من أخل به فهو غير مسلم، فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، ولم يأتوا بأي ناقض من نواقض الإسلام الذي يكون من أتى به كافراً، كعبادة غير الله، كالطواف بالقبور، وكدعاء الأولياء والصالحين.. إلى غير ذلك من النواقض، وهذا الشرط نجد أن كثيراً ممن ينتسبون اليوم إلى الإسلام قد حققوه ظاهراً، وإن أخل بعضهم أو كثير منهم ببعض مقتضياته.
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية بأنها الجماعة التي هي على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن الظاهر جداً أن الكلام عن هذا الافتراق جاء في ميدان الأهواء والاختلاف والفرق، وهكذا كان، فإننا نجد أن هذه الأمة قد افترقت في دينها فرقاً كثيرة ما بين رافضة وخوارج ومعتزلة وغيرهم من ألوان الطوائف المنتسبة ظاهراً إلى الإسلام، والتي تفارق سائر المسلمين أهل السنة والجماعة في أصولهم الاعتقادية التي تلقوها عن الكتاب والسنة.
ولو نظرنا في الخصائص والصفات التي ميزت الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة عن سائر الفرق لأمكن أن نذكر لها ثلاث خصائص على سبيل الإجمال والاختصار:
ومعنى هذا التشبيه باختصار: أن السهم الذي أصاب هذه الرمية قد دخل وخرج بسرعة فائقة، بحيث أنك تجد السهم بعد خروجه من الرمية ليس فيه أثر للدم، ولا أثر للفرث، وكأنه لم يدخل أصلاً في هذه الرمية؛ لسرعة خروجه منها، وهكذا أهل الأهواء لسرعة خروجهم من الدين، وعدم عملهم بالقرآن والسنة، تنظر فلا تجد أدنى أثر لنصوص القرآن والسنة في آرائهم ولا في حياتهم.
فالخاصية الأولى للفرقة الناجية هي التلقي عن الوحي.
يقول جبير بن نفير أحد رواة الحديث -وهذا شاهد مهم- يقول: [[فلقيت
وهاهنا أشار عبادة رضي الله عنه وأشار من قبله أبو الدرداء فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن المهم في العلم ليس هو العلم الذي يقال باللسان، وإنما هو العلم الذي يصل إلى القلب، فتكون ثمرته الخشوع والخوف من الله تبارك وتعالى، فالخاصية الثانية من خصائص الفرقة الناجية التأثر القلبي الوجداني بالوحي.
ولكن لننظر -أيها الإخوة- في واقعنا وواقع المسلمين اليوم، انظر إلى مسلم نشأ في بيئة يوجد فيها انحرافات عقائدية كثيرة، يوجد فيها عبادة لغير الله، يوجد فيها تقديس للأولياء والصالحين، يوجد فيها سؤال لهؤلاء فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وهم أموات في قبورهم، يوجد فيها الذبح والنذر لغير الله، والحلف بغير الله، يوجد فيها الانحراف في أسماء الله وصفاته، إلى آخر ما يمكن أن تتصوره من أخطاء عقائدية، فهذا المسلم الذي نشأ في هذه البيئة إلى أي حد تجد لديه الاستعداد الحقيقي للتخلي عن هذه الموروثات التي نشأ عليها منذ نعومة أظفاره حين يعلم أن النص الشرعي يصادم ما وجد عليه مجتمعه؟!
الواقع أن كثيراً من هؤلاء بدلاًُ من أن يترك ما عهد عليه الآباء والأجداد، ويستجيب لما دلت عليه النصوص، أنه يلجأ إلى تأويل النصوص وتحريفها، والبحث عن أحاديث واهية أو مكذوبة أو تأويلات منحرفة خاطئة يُسوِّغ بها ما يجد عليه آباءه وأجداده ومجتمعه، ليقول: إن ما هو قائم في هذا المجتمع هو أمر حق ولا غبار عليه، وهذا محك حقيقي لمن يستسلم فعلاً للنصوص ويسلم لها ويتلقى عنها ولمن يطوع النصوص ويؤولها لما قام واستقر في ذهنه.
وخذ مثلاً آخر: انظر إلى واحد من بيننا يجد في مجتمعه عادات وتقاليد وموروثات في أمور اجتماعية، وهذه العادات يعلم أن النصوص الشرعية تناقضها وتصادمها، فلا تجد أن هذا الإنسان يحارب هذه العادات، ويعمل على إزالتها، وتوعية الناس بخطرها، بل يبحث عن تأويلات ونصوص لجعل هذه العادات أموراً يقرها الشرع، أو لا يخالفها.
من أبسط الأمثلة على ذلك: قد ينشأ الإنسان في بيئة المرأة فيها سافرة، تسلم على الرجل وتخلو به ولو كان أجنبياً، فبدلاً من أن يعلم الناس أن الشرع خلاف هذا، تجد أنه يبحث عن أقوال لأحد الفقهاء أو تأويلات تسوغ ما وجد عليه ذلك المجتمع، والأمثلة كثيرة جداً، وأنا أدعو نفسي وأدعو كل واحد منكم إلى أن ننظر في مألوفاتنا العقائدية والعملية وأن نعرضها على الكتاب والسنة؛ حتى يكون اعتقادنا وعملنا موافقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
والمتصفون بهذه الصفات هم الدائرة الثانية من دوائر النجاة، ولذلك سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفرقة بالفرقة الناجية، وحكم على غيرها أنها في النار، أي: تعذب في النار بقدر انحرافها، ثم تخرج منها ما دامت مسلمة متى شاء الله عز وجل.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي، قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك}.
هذا الحديث يشير إلى دائرة أضيق من دائرة الفرقة الناجية، يشير إلى طائفة من الفرقة الناجية قامت بفروض الكفايات التي لم يقم بها غيرهم، فهي طائفة على الحق، وهذا يعني أنها جزء من الفرقة الناجية ولا بد، ولكن ليست هي جميع الفرقة الناجية لزاماً وإنما هي طائفة منها.
ميزة هذه الطائفة عن بقية الفرقة الناجية أن هذه الطائفة قائمة بأمر الله، مجاهدة في سبيل الله، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، تعلم الناس علم الشرع، تدعو إلى الإسلام، تحارب البدع، تقاتل في سبيل الله بالسيف إذا أمكن ذلك، فإن لم يمكن ذلك جاهدت باللسان وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فميزتها القيام بأمر الدين، القيام بشأن الدين، ولذلك لم يصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة فقط كما وصف الفرقة الناجية، وإنما وصفها بوصف أعلى من النجاة، وهو النصر، أي أنهم يخوضون المعركة ضد الباطل، فهم الذين يمثلون الحق ويدعون إليه ويعلمونه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وبالجملة هم الذين يقومون بالفروض الكفائية التي لم يقم بها غيرهم.
ولذلك وصفوا بالنصر، وأنهم قائمون بأمر الله، وأنهم صابرون لا يضرهم من خذلهم، فالذين يخذلونهم كثير، ولا يضرهم من خالفهم، فالذي يخالفهم كثير، وأنهم باقون حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك.
ثم أشار سبحانه إلى الدائرة الثالثة، وهي دائرة الطائفة المنصورة، فقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].
وأنت لو تأملت سياق الآيات، وجدت أن الآيات الأولى والثانية أمر لجميع المسلمين: (اتَّقُوا اللَّهَ.. وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ..) منهج أهل السنة، لكن لما انتقل الحديث إلى الكلام عن الطائفة المنصورة القائمة بفروض الكفاية، صار مطالبة للجميع أن يكون منهم -أي: أن يكون بعضهم- فقال: (ولتكن منكم -أي من بينكم- أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) أي: هم الذين استولوا على جميع أنواع الفلاح، فهم المفلحون لأنهم مسلمون، وهم المفلحون لأنهم لزموا منهج الفرقة الناجية، وهم المفلحون لأنهم سلكوا سبيل الطائفة المنصورة.
أيها الإخوة.. إن وعي المسلم بهذه الدوائر يجعله يحرص دائماً على بلوغ الرتبة الأعلى، ويعلم أن المسلمين إذا قصروا في فروض الكفاية: من تعليم العلم الشرعي، من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة البدع، أصبحوا جميعاً آثمين بهذا التقصير، وأصبحوا جميعاً مطالبين بهذه الفروض، وهذا يجعل كل مسلم حريصاً على تحقيق الإسلام، حريصاً على تحقيق معنى انتسابه للفرقة الناجية، حريصاً على أن يكون فرداً من أفراد هذه الطائفة المنصورة التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال باقيةً إلى قيام الساعة.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم، وأن يختم لي ولكم بالسعادة والشهادة، وأستغفر الله لي ولكم وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: ظهر خلال المحاضرة أنه يمكن تقسيم الفائزين في الجملة إلى ثلاث طبقات أو ثلاث دوائر؛ لكن ربما يقصد السائل هل يمكن تقسيم كل طبقة من هذه الطبقات إلى دوائر أخرى.
فأقول: إن مما لا شك فيه أن الناس داخل هذه الطبقات متفاوتون، ولا أدل على ذلك من أننا نجد أن الطائفة المنصورة التي هي أعلى طبقات الفائزين في الجملة يوجد من بينها أفراد يمتن الله سبحانه وتعالى عليهم، ويختصهم بخصيصة ليست لغيرهم، وهي أنهم يقومون بتجديد الدين لهذه الأمة كما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة.
لكن من الصعب تحديد هذه الطبقات، إنما يلحظها المتأمل في تفاوت الناس وتفاضل بعضهم على بعض.
الجواب: نصيحتي أن يدرك المسلم والشاب خاصة أنه مطالب بواجبات كثيرة، وأن عليه أن يستفرغ أوقاته في أداء هذه الواجبات بصورة متوازنة، وألا يكون أداؤه لأحد الواجبات على حساب الواجب الآخر، وإن كان الإنسان قد يجد في نفسه ميلاً لبعض الأشياء أو يحس بأن شخصيته تتناسب مع بعض الأمور، إلا أنه مع ذلك ينبغي أن يحرص على التكامل في شخصيته.
فالداعية يمكن أن يطلب العلم، وطالب العلم يمكن أن يدعو إلى الله عز وجل، والعلم إنما كان طلبه مهماً حتى تكون دعوة الإنسان إلى الله على بصيرة، فمن دعا إلى الله عز وجل بلا علم فقد أخل بالوسيلة الأساسية للدعوة، ومن علم ولم يدع إلى الله فقد تمكن من الوسيلة، ولكنه لم يستخدمها فيما هي له، فلا بد من التوازن والتكامل في شخصية المسلم.
الجواب: الحديث في هذا الموضوع يطول، ولكن إشارات عابرة.
الأولى: إن الله عز وجل قد أمرنا بحسن الخلق، وأن يحسن بعضنا إلى بعض في القول وفي العمل، حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة صحيحة: {أن العبد يبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم} وأن حسن الخلق يرفع العبد درجات يوم القيامة ويقربه من النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث في الترمذي وغيره.
الإشارة الثانية: أنه مع ذلك فإن طبيعة التجمع البشري ألا يخلو من أخطاء، فهذا قد يخطئ على أخيه خطأً غير مقصود بسبب اختلاف الطبيعة فيما بينهما، فهذا شخص بطبيعته سريع الانفعال، وذاك شخص بطبيعته شديد الحساسية، فتجد أن هناك أشياء يشعر البعض أنها أخطاء، وقد لا تكون الأخطاء مقصودة، إضافة إلى أن هناك أخطاءً مقصودة لا بد أن تقع من البشر، ومجتمع البشر ليس مجتمع ملائكة، فالإنسان يجب أن يوطن نفسه على أنه يتحمل أخطاء الآخرين كما يتحمل الآخرون أخطاءه، ولا مانع من المناصحة -بل هي واجبة- والتنبيه على الخطأ برفق ولين وأدب.
أما الطريقة المثلى فهي أن يحادثه شخص يثق به ويحترمه في الموضوع، ويبحث عن السبب، فإن كان هناك أخطاء من أطراف أخرى، فإن الخطأ يبين وينبه صاحبه عليه، وإن كان هناك خطأ من الشخص نفسه، فإنه يبين له أن هذا الخطأ لم يقع موقعاً عظيماً، وأن الآخرين قد نسوا هذا الخطأ أو تناسوه، وبذلك يمكن -ومع استمرار المحاولة- إعادة هذا الإنسان إلى المجال الخيري.
الجواب: من الوسائل أن يحرص الإنسان على أن يستعين في هذا الباب بمن هو على شاكلته، فإن الإنسان يأخذ ممن حوله، فالنشاط يعدي، والكسل يعدي، فإذا جالس الإنسان قوماً نشطين في مجال الدعوة إلى الله عز وجل أخذ منهم هذا الأمر واستفاده، وإذا جالس قوماً قاعدين أو كسالى أو بطالين، أخذ هذا منهم واستفاده، كما أن على الإنسان أن يستحضر النية؛ لأن استحضار النية يجعل الداعي يشعر بأنه يعبد الله عز وجل، وكذلك الاستمرار يجعل الإنسان يرى بعض النتائج القريبة التي تشجعه على الاستمرار في طريق الدعوة إلى الله عز وجل، هذه بعض الوسائل.
الجواب: الواقع في المنكر يجب عليه أمران: الأمر الأول أن يترك المنكر، والأمر الثاني: أن ينهى عن المنكر، وهذا هو الواجب، وقد عير الله عز وجل بني إسرائيل حين أمروا بالمعروف ونسوا أنفسهم فقال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:44] وبين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة في البخاري ومسلم قصة الرجل الذي يلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: مالك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
لكن يجب أن يُعلم أن الإنسان -وإن قصر فوقع في المنكر- يجب أن ينهى عنه ولو كان واقعاً فيه، ولو قصر فترك المعروف الواجب يجب أن يأمر به ولو لم يفعله، وهذا القول الصحيح لجماهير السلف والخلف، وشواهده كثيرة جداً.. أكتفي منها بدليل واحد، وهو قول الله عز وجل: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79].
فأسند التناهي إلى الفاعلين، فدل على أنه كان يجب عليهم وهم يفعلونه أن يتناهوا عنه، ولذلك ذكر المفسرون عند هذه الآية قول بعض الأصوليين: واجب على من يتعاطون الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً، أي أن القوم المجتمعون على شرب الخمر يجب أن ينهى بعضهم بعضاً عن هذا الفعل.
وقال الإمام مالك: لو لم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن المنكر إلا إذا سلم، لم يؤمر بمعروف ولم ينه عن منكر، من ذا الذي ليس فيه شيء؟! فهذه الواجبات منفصلة، كل مسلم عليه أربع واجبات: فعل المعروف، والأمر به، وترك المنكر، والنهي عنه، وإخلاله بواجب لا يعني أن الشرع يعذره في الإخلال بالواجب الثاني، افترض أن أباً في بيته يفعل المنكر؛ أنقول له: دع أولادك يفعلون المنكر؟!
افترض أن أميراً أو مسئولاً في إدارة هو فاعل للمنكر، نقول له: اترك من تحت يدك يفعلون المنكر؛ لأنك واقع فيه؟! كلا! افترض أن شخصاً يفعل المنكر وهو يعلم، وآخر يفعله جاهلاً، نقول: دعه لأنك واقع فيه؟! كلا! نقول: علمه.
الجواب: هذا السؤال يذكرني بكلمة للدكتور السابق في نفس الموضوع السابق، يقول هذا الكاتب نقلاً عن محمود أبي رية في كتاب له اسمه "دين الله الواحد" يقول: روى أنه شهد مجلساً لبعض المشايخ، وجرى الحديث في من سيدخلون الجنة ومن سيحرمون منها، فسألهم وما قولكم في أديسون مخترع النور الكهربائي؟ فقالوا: إنه سيدخل النار، فقال لهم أبو رية -وهو من مشاهير المبتدعة في هذا الزمان- قال لهم: بعد أن أضاء العالم كله حتى مساجدكم وبيوتكم باختراعه؟! قالوا: ولو..! لأنه لم ينطق بالشهادتين، ونقول: لا شك أن الجنة حرام على الكافرين، أما من يقدم خدمات في هذه الدنيا فإن الله يجزيه بها عاجلاً.
ولذلك أديسون اسمه على كل لسان، والناس يلهجون بذكره؛ لأنه -كما يقولون- قدم خدمة للبشرية وللإنسانية، فجازاه الله جزاءً عاجلاً في هذه الدنيا.. كذلك الإنسان المسلم الذي ينفق المال رياءً وسمعةً يحبط عمله، فيجازيه الله عز وجل بأن يكتب اسمه في الصحف والجرائد بأنه تبرع بكذا وكذا، هذا جزاء عاجل؛ ذكرٌ حسنٌ للإنسان، وقد يجازى بأشياء أخرى في هذه الدنيا.
الجواب: أما أنهم بـالشام فنعم، ثبتت أحاديث منها حديث عن معاذ في صحيح البخاري عن مالك بن يخامر قال سمعت معاذاً يقول: [[وهم بـالشام]] ومنها أحاديث كثيرة صحيحة، لكن قوله: وهم بـالشام يحمل على عدة محامل، منها -ومن أقواها فيما يظهر- أن هذا إشارة إلى وجودهم في الشام في آخر الزمان؛ لأن الأحاديث الكثيرة صرحت بأن المؤمنين المقاتلين في آخر الزمان الذين يكونون مع المهدي عليه السلام، والذين يكونون مع عيسى بن مريم عليه السلام، والذين يقاتلون الدجال، ويقاتلون الروم، أنهم بـالشام، فيكون هذا الحديث إشارة إلى أن آخر أمرهم أن يجتمعوا بـالشام، ومنها تقبض أرواحهم قبيل الساعة.
أما فيما عدا ذلك، فـالطائفة المنصورة ليست محصورة في نوع معين من الناس، شجعان مقاتلون، ومنهم علماء، ومنهم دعاة، ومنهم أصناف مما يحتاج إليه المسلمون ممن يقومون بفروض الكفاية ويلتزمون بمنهج أهل السنة والجماعة، وكذلك فهم ليسوا محصورين في بلد واحد، بل هم في بلدان شتى، وقد يجتمعون في وقت من الأوقات في بلد واحد كما هي الحال فيما يتعلق بـالشام.
الجواب: الكتب كثيرة، وقد أصدر أحد المراكز في القصيم قائمة طيبة فيها مجموعة من الكتب المنتقاة في كل فن من الفنون، ومن هذه الكتب كتاب معارج القبول للـحكمي، وكتب الشيخ الأشقر في العقيدة الإسلامية، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب مع شرحه فتح المجيد، ومن هذه الكتب في مجال الحديث رياض الصالحين ومختصر صحيح البخاري، ومختصر صحيح مسلم، وكتاب الترغيب والترهيب وخاصة مع صحيح الترغيب والترهيب والذي صدر منه جزء واحد للشيخ الألباني، ومن هذه الكتب في مجال التفسير تفسير الحافظ ابن كثير، وهو من أنفع كتب التفسير وأوضحها وأكثرها قبولاً، ويتميز بترجيح الآراء بعضها على بعض، ومن الكتب المعاصرة المفيدة كتب أبي الحسن الندوي ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وإلى الإسلام من جديد، وكتب الشيخ أبي الأعلى المودودي، وكتب سيد قطب ومحمد قطب وغيرها؛ مع أن هذه الكتب وغيرها لا تخلو من أخطاء، أبى الله أن يكون الكمال إلا لكتابه، فالإنسان يأخذ ما في هذه الكتب من النافع، وينتبه إلى بعض الملحوظات، خاصة ما يتعلق بجوانب التصورات الاعتقادية فيها.
الجواب: الأصل منع النساء من دخول المسجد إذا لم تكن طاهراً، فلا يجوز لها دخول المسجد في هذه الحال إلا لو كان هناك حالات اضطرارية كما ذكر بعض أهل العلم، أما دخول المسجد للمحاضرة فليس أمراً ضرورياً، وبإمكان المرأة أن تسمع المحاضرة في شريط ولو بعد حين من إلقائها، أو أن تسأل بعض من حضرنها عن مجمل ما ألقي فيها أو غير ذلك، وحتى لو لم يتيسر هذا ولا ذاك؛ فإنه لا يجوز للحائض دخول المسجد.
الجواب: أما فيما يتعلق في السؤال الأول فالرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سبقت الإشارة إليه قال: وستفترق هذه الأمة، وقال في آخر الحديث: {كلها في النار إلا واحدة} فذهب بعض المصنفين إلى أن هذه الفرق كافرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حكم عليها بالنار، ولكن الصحيح أنه لا يحكم على هذه الفرق بالكفر، بل هي فرق داخلة في الجملة في المسلمين.
ولذلك جعلها واعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن من حكم على جميع الفرق الثنتين والسبعين بأنها كافرة فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة، بل إجماع الصحابة والتابعين وغيرهم، ولكن لا يمنع هذا أن نتصور أن بعض الفرق الثنتين والسبعين غلت في انحرافها حتى كفرت في الجملة، ولا يعني هذا بالضرورة تكفير أفرادها بأعيانهم؟ فقد يكون فيهم من لا يفقه عقيدتهم ولا يعرف انحرافهم.
أما فيما يتعلق في الحديث عن الأشخاص كـابن حجر أو ابن تيمية أو غيرهم من العلماء، فهناك قضية مهمة جداً يجب أن ينتبه لها الدعاة إلى الله عز وجل وطلاب العلم، وهي أن الحكم بالبدعة أو بالكفر إنما هو على الجملة، ولسنا مطالبين بأن نحكم على الأفراد، فننـزل الناس منازلهم في الجنة أو النار، في الهدى أو في الضلال، إلا أن يكون ثمة إنسان داعية إلى ضلال أو داعية إلى بدعة ومعروف بذلك، فيبين ما وقع في ذلك من بدعة أو ضلالة ليحذر منها الناس.
أما الاشتغال بتصنيف العلماء، وأن فلاناً أشعري، وفلان ليس بأشعري، فلا أرى له ضرورة إلا في الأمور الواضحة؛ وذلك لأن كثيراً من العلماء قد يكون لديه موقف واحد أو رأي واحد حكم العلماء بأنه قد خالف مذهب أهل السنة والجماعة، أو موقفان أو عشرة، لكن ليس هذا بناء على منهج يعتبر مخالفاً لمنهج أهل السنة والجماعة، فهل يستطيع أن يقول أحد: إن الحافظ ابن حجررحمه الله المعروف تعظيمه للكتاب والسنة ووقوفه عند النصوص أنه ملتزم بمذهب الأشاعرة مثلاً.
الظاهر من تتبع أقواله في الفتح وغيرها أن الجواب بالنفي، وإن كان يوافق الأشاعرة في بعض جوانب الاعتقاد، لكنه يوافق أهل السنة في جوانب أخرى وفي أصول كثيرة كنبذ علم الكلام وتقديم النصوص وما أشبه ذلك، وهكذا الحال في كثير من أهل العلم، فينبغي أن ننتبه لذلك وألا نعتقد أننا ملزمون بأن نضع كل عالم من العلماء أن نحشره ضمن قائمة من القوائم، قد نقول: إن هذا العالم لا يمكن تصنيفه؛ لأنه في مجال الاعتقاد غالب ما لديه على مذهب أهل السنة، لكن لديه أشياء انتقدها عليه أهل العلم، وقد يكون دافعه فيها الاجتهاد، والله عز وجل يغفر لنا ولهم أجمعين.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال في الحديث الصحيح: {إياكم والدخول على النساء! قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت} إشارة إلى شدة خطره، والأحماء هم أقارب الزوج ممن ليسوا بمحارم للزوجة، كأخيه وعمه وابن عمه وسائر أقاربه، فخطرهم أشد، وشدة الخطر لكثرة ملابستهم وقربهم من المرأة وصعوبة التحرز منهم، وإمكانية وقوع الفتنة والفساد منهم أكثر من غيرهم، فالحذر منهم أوجب.
الجواب: في حديث رواه ابن حبان عن أنس قال: {كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة الفجر أسأنا به الظن} وأثر ابن مسعود في صحيح مسلم في صلاة الجماعة: [[وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف]] وإذا كان الكلام قبل قليل جاء في تحديد الفرقة الناجية وأنها من كانت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: محافظتهم على صلاة الفجر في الجماعة حتى إنهم إذا فقدوا واحداً منهم أساءوا به الظن، وقالوا: لعله من المنافقين، فما بال كثير من المسلمين اليوم يسهرون إلى ساعات متأخرة من الليل سهراً في غير طائل، إما على كلام فارغ أو غيبة أو مشاهدة تلفاز أو غيره، أو لعب ورقة أو ما أشبه ذلك من الأمور التي يقولون نقتل بها الوقت؟!
والله أعلم ما هي جريمة الوقت حتى يستحق أن يقتلوه! ثم إذا جاء وقت صلاة الفجر، وجدت الواحد منهم لا يستيقظ، ولا يرفع رأساً لها، وربما استمرأ بعضهم ذلك، فلم يعد يجاهد نفسه فيه، نسأل الله السلامة.
فأنصح نفسي وإخوتي بالحرص والمحافظة على صلاة الفجر، فهي دليل عملي على الإيمان، استيقاظ الإنسان من فراشه على رغم رغبته في النوم في مثل هذا الوقت، وذهابه للوضوء ثم للصلاة دليل عملي على أنه إن شاء الله مؤمن، يوجد في قلبه من الدافع ما يدعو إلى إيثار الآخرة على الدنيا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر