أما بعــــد:
فيا أيها الأحبة..
إنها لفرصةٌ طيبة أن ألتقي بوجوهكم المشرقة بنور الإيمان؛ وأن أتبوأ معكم هذا المجلس، الذي يتنسم منه الإنسان عبق الخير والتقوى، فأسأل الله أن يجعلني وإياكم من المتحابين فيه، وأن يجعلنا من المتواصين بالحق والمتواصين بالصبر، وأن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى.
عنوان هذه المحاضرة (مقياس الربح والخسارة) وهي تنعقد في هذه الليلة، ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر من شهر شعبان لسنة 1413هـ في هذا المسجد العامر، جامع الإسكان بـجدة، وفي مقدمة هذا الحديث مجموعة من العناوين:
هذا الداعية الذي ترك ذلك كله، وترك زخرف الدنيا، ورضي عنه بما عند الله تعالى، واستبدل بذلك ما يدخره ليوم الحساب، ولسان حاله يقول:
خذوا كل دنياكمُ واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا |
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليباً |
بل ربما رضي بحياة السجن، وسلب حريته؛ ليس حريته فقط بالحديث والكلام؛ بل ولا حريته في الاجتماع مع الناس فقط، بل ربما قيدت خطواته في بضعة أمتار يذرعها جيئةً وذهاباً، وربما هو أقل من ذلك، وحيل بينه وبين الناس، لا يأخذ منهم، ولا يعطيهم، ولا يملك دعوتهم، ولا تكاد تسمع أذنه إلا وقع الأقدام، ورنين السلاسل
والصمت يقطعه رنين سلاسلٍ عبثت بهن أصابع السجان |
من كوةٍ في الباب يرقب صيده ويعود في أمن إلى الدوران |
أنا لا أحس بأي حقد نحوه ماذا جنى فتمسه أضغاني |
فلربما وهو المروع سحنةً لو كان مثلي شاعراً لرثاني |
أو عاد من يدري إلى أولاده يوماً تذكر صورتي فبكاني |
لكنه إن نام عني لحظةً ذاق العيال مرارة الحرمان< |
أفتراه حينئذٍ رابحاً أم كان من الخاسرين؟!
ألقيت بين يديك السيف والقلما لولا الإله لكنت البيت والحرما |
أماه أماه هذا اللحن يسحرني ويبعث اليأس بي والهم والندما |
ما زال طيفك في دنياي يتبعني أنى سريت وقلبي يجحد النعما |
حتى وقعت أسير البغي فانصرفت عني القلوب سوى قلب يسيل دما > |
ويدخل السجن منسلاً فيدهشني إذ يستبيح من الطغيان شر حما |
فإن رآني في خير بكى فرحاً وإن رآني في سوء بكى ألما |
فلتغفري لي ذنبي يا معذبتي أو حاكميني وكوني الخصم والحكما |
ثم يعيش حياته تلاحقه الأشباح؛ أشباح المنكوبين، وهب أنه عاش ما عاش، قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207] أتراه ربح أم خسر؟ وما مقياس الربح والخسارة!!
وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كلاماً معناه: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم، وفي لفظ: (لو ما أنـزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لوسعتهم) ولمَ كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يختارون هذه السورة بالذات على غيرها؟ ولمَ قال الشافعي في هذه السورة ما قال؟ إن السر واضح في معنى هذه الآية؛ فهي حكم إلهي رباني قاطع، أقسم الله تعالى عليه بالعصر؛ وهو الزمان، الذي هو سر الوجود وسر الحياة، والله تعالى يقسم بما شاء، وإنما يقسم على الأمور العظام الجليلة، تنويهاً لمكانتها وأهميتها.
أقسم سبحانه على أن جنس الإنسان في خسر، ولو كان غنياً، ولو كان صحيحاً، ولو كان سيداً، ولو كان شريفاً، ولو كان حاكماً، ولو كان ما كان، هو في خسرٍ، وهذا هو الأصل في بني آدم إلا من استثني قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] فأنت تلحظ أن هذه الأمور الأربعة يدخل بعضها في بعض.
وقد يعمل الإنسان الصالحات لكنه لا يصبر عليها، فتثقل عليه ويعجز عنها، وينوء بحملها؛ فيتخلى عنها تدريجياً، حتى أنه ربما قصر في الفرائض، أو صار لا يأتي الصلاة إلا دبارا، ولا يقيم الفرائض إلا في تثاقلٍ عظيم، فهو يحتاج في الإيمان إلى الصبر، ويحتاج في عمل الصالحات إلى الصبر، ويحتاج في التواصي بالحق إلى الصبر؛ فربما أوصيت إنساناً بالحق فلم يقبل منك، فتعجز عند ذلك وتستيئس، وتترك أمره ونهيه لا! عليك أن توصيه بالصبر، وتوصي نفسك بالصبر أيضاً، فلا بد من الصبر في كل هذه الأمور كلها.
وذكر الصبر هو إشعارٌ وإرهاص بأن الطريق طويلٌ وشاق، ومليء بالأشواك والعقبات والمصاعب، وإشعارٌ أن الإنسان لا يستطيع أن يجتاز هذه المراحل الطوال إلا بالصبر، قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] وقال صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: {ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء أوسع من الصبر}.
فهذه السورة العظيمة التي دلت على هذه المعاني، هي مقياس الربح والخسارة في الدنيا والآخرة.
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور |
عقلي سديد وعلمي لا خفاء به وفي فمي صارمٌ كالسيف مشهور |
هذه هي القضية الأولى أن الدنيا لا تصلح مقياساً للربح والخسارة.
إنَّ أهون الأعذار التي قد تقدمها أن تقول: لا أستطيع، أو يقول زميلك: هذا مستحيل، لكن هذا لا يكفينا ولا يغنينا.
إننا يجب علينا جميعاً أن نتطلع إلى اليوم الذي يكون فيه كل فردٍ في الأمة بأمة قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] فردٍ في الأمة بأمة! فيجب أن نتطلع إلى اليوم الذي يصبح فيه كل فرد في الأمة بأمة، وأن يزول ذلك الزمن الذي اختزلت الأمة كلها في رجلٍ واحد، فأصبحت الأمة كلها رجلاً، وفرقٌ عظيم بين أن يصبح الرجل وحده أمة، وبين أن تصبح الأمة كلها فرداً واحداً، ولهذا قال الله تعالى: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [العصر:3].
إن الحق بضاعتنا جميعاً، وقد يوجد في الأنهار ما لا يوجد في البحار، وربما جاءت الحكمة من غير فقيه، وقد باح بالسر أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، فصاح بأعلى صوته: [[رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا]] وحسب علمي، فإنه لا يوجد ناطقٌ رسمي باسم الإسلام أو باسم الكتاب والسنة، ولا يوجد في الإسلام كهنوت، ولا رجال دين؛ بل أبواب طلب العلم مفتوحة، وأبواب الدعوة إلى الله مفتوحة، وأبواب النصيحة والوعظ مفتوحة، وهي لا تغلق بمرسوم ولا بقرار ولا بخطاب، ولا يغلقها أحد حتى تطلع الشمس من مغربها.
كتب إلي أحد الإخوة -بالأمس القريب- رسالةً يشكو فيها أنه في إحدى المحاضرات: خرج الرجال والنساء فاختلط بعضهم ببعض، وكان هناك بعض السفور، وبعض التجاوزات من بعض الأخوات الحاضرات، فينتقد الأخ الكريم أنه لم يسمع من أحدٍ من الشباب أمراً بالمعروف، ولا نهياً عن المنكر ولا حثاً على الحشمة، ولا نهياً عن السفور، نعم! هذا الأخ لعله -وليسامحني- واحدٌ من الذين مروا بالموقف، وما أمروا ولا نهوا، لكنه اكتفى بأن كتب سؤالاً في إحدى المحاضرات، وربما كان الشعور الذي عنده عند آخرين كثيرين، لكن لم يجرؤ أحدٌ على أن يقول: هذا حرام أو هذا لا يجوز، أو يأمر بمعروفٍ، أو ينهى عن منكر.
إذاً: هذا شعورٌ بالمرض، وهو مرضُ السلبية -منا جميعاً- ولكن لم ينتقل الأمر إلى المعالجة، وربما كلٌ منا يقول -مع الأسف- لم أر أحداً أنكر، ولم أسمع أحداً تكلم، وهو المتحدث نفسه جزءٌ من المشكلة.
والمشكلة لا تنحصر في هذا المثال الذي ضربته، فهذا مثالٌ وقع أمس، المشكلة أعوص من ذلك، وأهول وأطول.
وفي بلاد المغرب هناك تحالف اختلف على كل شيء، واتفق على حرب الصحوة، وسرقة اختيار الأمة للإسلام، وصارت البلاد هناك تعيش في تعتيمٍ رهيب، وعزلةٍ عن العالم الإسلامي، بل عن العالم كله، بل وفي الفلبين هناك حصار بعشرات الألوف على المناطق الإسلامية، وقد عزم راموس -وهو الرئيس الجديد- على طمس المسلمين هناك مهما كلفه الثمن، وفي جمهوريات آسيا الوسطى دماءٌ تسيل في طاجكستان وفي الأنقوش، وفي أذربيجان، وقد رحلت الشيوعية هناك عن جميع البلاد إلا عن بلاد المسلمين، فما زال فيها لها أثر كبير، وتحالف الغرب الصليبي مع بقايا الإلحاد هناك لمقاومة الخطر المتمثل بالأصولية.
وفي البوسنة والهرسك تطهيرٌ عرقي لا يستثني أحداً، وفي إرتيريا، وفي الصومال موتٌ يأخذ بالناس كقعاص الغنم، وفي كشمير دماءٌ تسيل، وفي الهند عنفٌ طائفي كاسح ضد المسلمين والله المستعان!
في بلاد الأفغان جرح عميق نازف يستجيش كل ضميري |
وعلى أرض مصر مليون جرح وبكل الدنيا نداء مستجيري |
ربما ملَّ الناس من تكرار هذه القصة، وترديد هذا الشريط الذي يبدأ ولا ينتهي! وكل يومٍ تجددون لنا المأساة بمصيبةٍ جديدة، وحق لهم ذلك، خاصةً حين يقول أحدهم -وهو يقلب كفيه- ماذا أملك وماذا أستطيع؟ هل أنا طرف في القضية؟!
وهناك آخر قد ينتقل خطوةً عملية أخرى في طريق الإصلاح، فيذهب بنفسه هنا وهناك داعياً إلى الله، ومعلماً ومرشداً وفقيهاً بقدر ما يستطيع، وهناك ثالثٌ أخذته الحمية؛ فانتقل إلى ميدان الجهاد في صفوف إخوانه، ولعمْرُ الحق ما هو بملوم، فإن الدفاع عن النفس مشروعٌ في كل شرائع السماء، بل وفي كل قوانين الأرض، والمسلمين كلهم كنفسٍ واحدة، فالدفاع عن النفس يعني أن يدافع المسلمون عن أنفسهم أبيضهم وأسودهم، عربيهم وعجميهم.. قريبهم وبعيدهم، فالمسلمون نفس واحدة، أو كنفسٍ واحدة، قال تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75].
إن المسلم -لو استطاع- مطالبٌ برفع الظلم حتى عن الكافرين المظلومين، فكيف بإخوانه المسلمين، ولو كانوا مقصرين أو مفرطين، كيف بهم وهم يقتلون أو يشردون، كيف بنساءٍ تنتهك أعراضها! بل وصل الأمر إلى حد أن تجهض المرأة المسلمة الحامل، ويزرع في رحمها أجنة الكلاب!! لإجراء التجارب أو للنكاية بالمسلمين -كما ذكرت ذلك صحفٌ ألمانية عما يجري للمسلمات في البوسنة والهرسك -وانتقل داء الاغتصاب الجماعي- من المسلمات في البوسنة، حيث اغتصب ما يزيد على خمسٍ وثلاثين ألف امرأة مسلمة، ما بين ست سنوات إلى سبعين سنة إلى بلاد الهند، ثم إلى جمهوريات آسيا الوسطى.
إن الظلم الذي تعانيه الأمة الإسلامية اليوم ليس مسئولية الحاكم وحده، فهاهو فرعون استخف قومه فأطاعوه، ولكنه أيضاً مسئولية الشعوب التي استناخت لهم فركبوا، وسكتت فأمعنوا، قال الله تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِي * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الزخرف:54-55]
تأبى عقيدتنا تأبى أصالتنا أن يصبح العرب أجيالاً وقطعانا |
فلا لشرق ولا غرب نطأطؤها بل ترفض الجبهة الشماء إذعانا< |
وإذا كنا نسلم بأن واقع الأمة واقعٌ مريض، لا أقول: منذ سنوات بل ربما منذ قرون، أفلا يحق لنا أن ندرك أن التغيير يتطلب كثيراً من التكاليف وكثيراً من الآلام؟
حين قام الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته في أنحاء مكة، أما عد المشركون -عمله هذا ودعوته إلى التوحيد- تمزيقاً للوحدة الوطنية، وتشتيتاً لكلمة القبيلة، وتمهيداً لحرب أهليةٍ ضروس قامت فعلاً في بدر، فالتقى القرشي مع القرشي، بل التقى الأخ مع أخيه، والقريب مع قريبه، وابن العم مع ابن عمه، والأب مع ولده، نعم! هي حربٌ أهلية؛ لكن بين من ومن! بين الإسلام والكفر، بين التوحيد والشرك، بين الإيمان والجاهلية؟! أما قال المشركون: إن هذا سعيٌ في قطيعة الرحم، على الرغم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا بصلة الأرحام؟! أما اعتبروا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فتنةٌ تهدد سيادتهم على العرب وعلى الجزيرة العربية؟ بلى! لقد قالوا ذلك وأكثر منه، قالوا: أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:30-34] ولا بأس أن نقضي بعض الوقت مع بعض الأمثلة المهمة:
فالدعوة إلى اتباع الدليل الشرعي المجرد، من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ما أجمعت عليه الأمة وسلفها، والدعوة إلى التحرر من التقليد غير المستنبط، والدعوة إلى الاختيار من أقوال الأئمة دون الالتزام لواحد منهم هذا المطلب! لك أن تتصور كم سوف يثير، من المشاكل وكم سيقال عمن يحملونه: إنهم دعاةُ فتنة، وقد يقول قائل: هؤلاء خارجون على الأئمة، مخالفون لما جرت عليه الأمة، وهؤلاء منتقصون لأكبر العلماء، وهؤلاء دعاة تفريقٍ للصف، وهؤلاء كما قال أحدهم: صغارٌ يتعلمون يوم السبت، أو يولدون يوم السبت، ويتعلمون يوم الأحد، ويفتون يوم الاثنين، ويناظرون يوم الثلاثاء.
سخريةٌ مُرَّة! نعم! نحن ندعو إلى الانضباط، وندعو إلى الأناة، وعدم العجلة، وألا يقول الإنسان على الله ما لا يعلم، بل عليه أن يتعلم ويتحرى ويبحث عن الدليل، ولكن دون شكٍ، فالمطلوب تحرير الأمة من التعصب المذهبي، إلى جو اتباع الدليل بغض النظر عمن قال بهذا القول، وهذا الكلام الذي يواجهه الدعاة، أو الداعون إلى اتباع الدليل، ليس دليلاً على فشل هذه الدعوة، ولا مقياساً للخسارة، بل ربما كان مقياساً للربح؛ لأنه من الإيمان، ومن العمل ا لصالح، ومن التواصي بالحق، ومن التواصي بالصبر على ذلك كله.
وإنما جاءت هذه الأشياء نظراً لقوة هذه الدعوة، وفاعليتها وتأثيرها وتهديدها لبعض الرءوس، التي انتفعت بجو التبعية وجو التقليد، فلا تريد أن تفقد مكانها.
فهذا مثال يدلك على أن أي لونٍ من ألوان العلاج، أو الإصلاح، أو التعديل، يتطلب الكثير من الآلام، والكثير من التضحيات والكثير من التكاليف، ولكن! كما قال تعالى: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3].
تلك المرأة المظلومة المكلومة لو سمعت صوتاً ينادي بتحريرها، ويطالب بحقوقها، وهو صوتٌ غير إسلامي قادم من بعيد من بلاد الغرب، لربما هشت لهذا الصوت وبشت وأيدته، لماذا؟! لأنها تشعر أنه يرفع من معاناتها ويقف مع قضيتها، فلماذا لا يكون الصوت المدافع عن قضايا المرأة المطالب باحترامها أماً كانت أو زوجة، أو بنتاً أو مرأةً في المجتمع، وإعطائها حقها الشرعي كاملاً غير منقوص، دون أن يتعدى بذلك حدود ما أنـزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لا يكون هذا الصوت صوتاً شرعياً إسلامياً؟
المهم أن هذا الصوت كلما ارتفع، سيجد المعارضة، لأنك تدعو إلى تغيير العادات والتقاليد، وتدعو إلى مخالفة السنن الموروثة، وتدعو إلى تحريض النساء على الرجال، والمرأة ليس لها إلا كذا، ولا يجوز أن تسمع إلا كذا، ولا ينبغي أن نتكلم مع المرأة إلا بالحديث عما يجب عليها، أما ما يجب لها فكلام لا تسمعه، هكذا ستواجه مثل هذه الدعوة وهكذا يقول بعضهم.
إذن الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي سواءً في المرأة، أو في مجالِ تربية الأطفال، أو في مجال العلاقات الاجتماعية في مجتمعات وقع فيها خطأٌ من هذا القبيل سوف تواجه بحرب ضروس لا يهدأ لها قوام.
فالتجارب الإسلامية في بلاد الإسلام، هي جهود بشر يصيبون كثيراً ويخطئون قليلاً، ويجب تقويمها على هذا الأساس.
فمثلاً: الدعوة في الجزائر قامت وفق معايير واضحة، وعبر طرقٍ نستطيع أن نقول عنها بلغة المعاصرين أنها طرق مرخصة، وطرقٌ يعبرون عنها أنها أيضاً قانونية، ودخلت كما يقال في اللعبة الديمقراطية، ولكن! ما الحيلة أمام فئاتٍ لا تريد للإسلام أن يحكم مهما كلف الأمر، حتى ولو دخل من البوابة الرسمية.
ومثال آخر: في تركيا -الآن- هناك حزبٌ قديمٌ جديد: اسمه "حزب السلام" أو "حزب الرفاه" يعلن أن برنامجه برنامجٌ إسلامي وأنا في الواقع لم يتح لي الاطلاع على برنامج هذا الحزب كاملاً، سوى ما يكتب عنه في الصحف، وهي كتابات عامة على كل حال، المهم: هذا الحزب يرفع شعار الإسلام ويدعو إليه، أما العلمانيون والكماليون في تركيا؛ يصرون على تحويل تركيا -إذا أوشك هذا الحزب على الانتصار- إلى جزائر أخرى.
وقد ارتفعت نسبة التأييد لهذا الحزب إلى نسبة عالية أخافت العلمانيين هناك، حتى قال قائلهم: نحن ندرك أن الإسلام سيعود إلى تركيا، وربما الخلافة؛ ولكن لا نريد أن نرى هذا بأعيننا، نعم ليراه أولادنا وأحفادنا، أما نحن فلا: وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32].
ليست الخسارة -أيها الأحبة- في الجزائر، أو تركيا، أو في أي بلد إسلامي، أو تونس، أو في مصر، ليست الخسارة أن يودع المسلمون السجون، ولا أن يصادر بعض نشاطهم، ولا أن يقتل بعضهم، أحضروا لي في الدنيا كلها مذهباً بشرياً واحداً أو مذهباً إنسانياً أو مذهباً أرضياً لا يمت إلى السماء بسببٍ ولا صلة، هذا المذهب يمكن له أن يجامل ويمكن له أن يتنازل، ويمكن له أن يتخلى ويمكن له أن يساوم، هاتوا لي مذهباً من هذه المذاهب -على رغم ذلك كله- قام على غير التضحيات الجسام، كم عدد الذين يموتون في سبيل الشيطان، وفي سبيل الطاغوت، وفي سبيل الكفر؟ كم عدد الذين ماتوا من أجل الشيوعية؟ بل كم عدد الذين يموتون بسبب البرد وكم الذين يموتون في الزحام في المباريات الرياضية، وكم الذين يموتون بحوادث السيارات؟ بل كم الذين يموتون بالمخدرات؟! ومع ذلك ليسو سواء، قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، وقد قال الشاعر:
الفتى من حتفه لا يفرُّ قدر قَدْ خُطَّ والخلق ذَرُّ |
ملك أشار كونوا فكانوا ما لحي بعده نهي وأمر |
هم كما يشاء في إصبعيه جحدوه كلهم أو أقروا |
في غدٍ يهيب بالعير حادٍ والجنى يطيح حلو ومر |
وتدك الأرض دكاً وكل من بنيه وأخيه يفر |
فكلا الحزبين يسعى لدار ماله في غيرها مستقر |
بأبي محمديين صاروا في طريق الحصى فيه جمر |
عشقوه وهو منهم خضيب والنحور والسرابيل حمر |
لو أرادوا الملك كانوا ملوكاً لكنِ الدنيا سرابٌ يغر |
نعم أيها الأحبة: نحن لا ندعو إلى المجازفة، ولا ندعو إلى الخطأ في الحسابات، ولا ندعو إلى التعجل في المواقف، ولا ندعو إلى أن يتعرض الناس من البلاء لما لا يطيقون، بل إن هذا كله من الدين أن يصبر الإنسان، وألا يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق، ولا لما لا يقدر عليه، والمسألة مسألة مصالح شرعية.
ولكنني أقول: مجرد القتل، أو السجن أو المنع ليس مقياساً للربح والخسارة، قد أقول: هذا العمل على خطأ، لأن الدليل على خلافه، أو لأن الواقع لا يقتضيه، ولكنني لا أستطيع أن أقول: إن هذا العمل خطأ؛ لأن فلاناً سجن، أو فلاناً قتل، أو فلاناً أوذيَ، أو ما أشبه ذلك.
- قصة الغلام المؤمن:
هاأنت ترى قصة الغلام المؤمن -التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم- وهي في صحيح مسلم وغيره، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذا الغلام قال للملك -بعد أن عجز عن قتله-: إنك لا تستطيع أن تقتلني، حتى تصلبني في جذع نخلة، ثم تجمع الناس في صعيدٍ واحد، ثم تخرج سهماً وتصوبه إلي، وتقول: "بسم الله رب الغلام" ثم ترميني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، ففعل الملك ما أمره الغلام! وقتله، نعم! مات هذا الغلام، وقتل بهذه الطريقة التي لقنها لهذا الملك، والله تعالى أعلم.
هذا الغلام لم يكن يجزم ويقطع بأن نتيجة قتله، أن تسلم الأمة كلها، لكن غلب على ظنه أن ذلك سيقع، وقد وقع هذا فعلاً، وصدق الله ظنه، فقالت الأمة كلها: آمنا برب الغلام، ماتَ واحدٌ وأُحييت أمةٌ بأكملها، موت فرد حياة أمة، لقد استطاع أن يبلغ حجة الله تعالى إلى الأمة كلها، من خلال هذا الموقف العظيم، ورأى أن إراقة دمه بهذا السبيل هي العز وهي الحياة.
ثم ماذا صنع هذا الملك؟ لقد أتى بالأمة كلها، وحفر لها الأخاديد، وأوقد لها النيران، وأحرق هذه الأمة وشواها عن آخرها، أفتظنهم خسروا.. كلا!! لقد ربحوا أعظم الربح، إنهم انتقلوا إلى جناتٍ ونهر كما قال تعالى: جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11] فسماه الله تعالى فوزاً؛ لأنه غايةُ الربح، وغاية المكسب، وغاية ما يطلبه الإنسان، أما الذين خسروا -حقيقيةًَ- فهم أولئك الذين قاموا بهذا العمل، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا، لقد ذهبوا بخيبة الدنيا والآخرة، فأصابهم في الدنيا ما أصابهم، وبقي ذكرهم بالسب والعيب إلى يوم القيامة، وأما في الآخرة فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق، جزاءً وفاقاً.
- الدجال ورجل من أهل المدينة:
مثلٌ آخر من هذه الأمة المباركة، لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال حين يخرج آخر الزمان، ويفتتن الناس به، يخرج إليه رجل من أهل المدينة والحديث في صحيح البخاري يخرج إليه رجل من أهل المدينة، فيتجاوز مسارح الدجال وجنوده، والكمندوز المحيطين به، والقوة البشرية التي تحرسه، والمستعدة لكل حادث، يتجاوز هؤلاء كلهم، ثم يقف أمام الدجال، ويقول له: أتشهد أني أنا الله، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيقتله الدجال ويمشي بين قطعتيه، ثم يقول له قم، فيستوي حياً بإذن الله تعالى، فيقول: أتشهد أني أنا الله، فيقول له: ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيريد أن يقتله فلا يسلط عليه!! وعندئذٍ يبدأ نجم الدجال ينحدر، ويبدأ العد التنازلي له، فكانت تلك الكلمة الصريحة المدوية القوية، كانت هي السهم الأولى، ثم تتابعت السهام بعد ذلك، فالدجال يخرج من المدينة يجر أذيال الخيبة صوب الشام، ليلقى حتفه هناك على يد نبي الله عيسى عليه صلوات الله وسلامه، فهذه الكلمة القوية، المدوية، المجلجلة الصريحة، كانت هي أعظم شهادةٍ يوم القيامة عند رب العالمين.
نعم أيها الأحبة: التبصر لا خلاف عليه، ووضوح الأساليب المطلوبة في العمل واجب، ومراجعة المسيرة بين حينٍ وآخر ضرورة، وليس شرطاً -أيضا- أن يكون كل درسٍ تأخذه بثمنٍ نبذله إما قتلٌ، أو سجنٌ، أو إيذاء ليس شرطاً هذا، بل يجب أن نأخذ دروساً نحتمي بها -بإذن الله تعالى- من الفشل، ومن الوقوع في الخطأ بقدر ما نستطيع وإن كان البشر لا يسلمون من الخطأ، وأعظم الأسباب فيما يصيبنا جميعاً، هو نقص التقوى ونقص الإخلاص، ومخالفة أمر الله عز وجل كما قال سبحانه: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] سبحانه: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
المهم: أن ندرك أن المنع والحصار والسجن والقتل، ليس مقياساً للربح أو الخسارة، فهو ليس مقياساً للربح، وليس دليلاً على الصواب ضرورة أن يلقى الإنسان ما يلقاه، ولكنه أيضاً ليس مقياساً للخسارة؛ لكن لتنظر! كم حقق هذا العمل للإسلام، وماذا ستكون الحال لو لم يوجد هذا العمل، ويقوم -على رغم ما فيه من أخطاءٍ وسلبيات؟- ثم هل اكتملت التجربة، التجربة الإسلامية في الجزائر -مثلاً- هل اكتملت، وانتهى أمرها، أم في تركيا أو في أي بلد؟ أم نحن الآن نعيش فصلاً من فصولها، وربما نحتاج لبعض الوقت حتى نتمكن من الحكم على نتائجها ونهاياتها.
ثم إنك -أحياناً- قد تعد العمل ضرراً بذاته، ولكنه خيرٌ باعتبار أنه كان أهون الشرين، وأخف الضررين، وأسهل المصيبتين، وأن الله تعالى دفع به عن الأمة والملة ضرراً أعظم وأهول وأطول وهذا مما لا يدركه إلا أولوا الألباب والبصائر.
وإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا |
على الأقل اقتل من قتلك، واثأر لنفسك، قبل أن تموت على أقل تقدير، ثم هب أن المسلمين استسلموا، وأعطوا الصرب القيادة، وتركوا السلاح، ماذا ترى الصرب فاعلين؟ هل كانوا سوف يحتضنون المسلمين، ويلبون تطلعاتهم؟ أم كانوا سوف يسحقونهم ويبدلون دينهم، ويستحيون نسائهم ويقتلون رجالهم؟ وهذا هو أخطر ما يتوقعه إنسان، أو يخافه!
إنك اليوم في عالمٍ لا يحترم إلا منطق القوة:
منطق القوة يحيا منطقاً يحمل الجُلَّ ولا يرضى الشنار |
أما المبادئ الإنسانية وقيم العدل، وكلمات الشرعية؛ فهذه عبارات يدبجون بها نشرات الأخبار لا غير!
ثم هذا المسلم القتيل لا تدري لعله شهيدٌ في سبيل الله، قال تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواوَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ )[آل عمران:140] والشهيد له عند الله أعلى المنازل، حتى تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يموت شهيداً، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد: {وددت أني غودرت مع أصحابي بحصن الجبل} وفي الصحيحين قال: {وددت أني أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل}.
وسؤالٌ أخير: هذا المسلم أيضاً الذي نضج بالقتال، وتعلم الشجاعة، وعاد إليه الإيمان، أصبح قريباً من الآخرة بعيداً من الدنيا، وأنت تراه يصلي الصلوات الخمس، ويذكر الله تعالى، ويستعد للقاء الله، لأن الجهاد صنع الأمة فعلاً، أو شارك في صناعتها، لكن لو لم يكن ذلك، ماذا ترى هذا الإنسان؟! لربما وجدت الكثير منهم في حياة اللهو والدعة والترف، بعيدين كل البعد عن دينهم وإيمانهم، ألا ترى ماذا جنى الترف على هذه الأمة؟! ألا ترى كيف تسبب الغرق في الشهوات والولوغ فيها، والولوع فيها في موت القلوب، وضعف الهمم، وقلة الشجاعة وكثرة المخاوف، إن الجهاد يبني الأمة، ويغرس فيها معاني العزة والشجاعة والكرامة، ويعيدها إلى مجدها وقوتها ورجولتها، وما ترك قومٌ الجهاد في سبيل الله تعالى إلا ذلوا.
وهكذا أيها الأحبة تبدأ الانتصارات الصغيرة بتضحياتٍ جسام، وهل تعتقد أن اليهود كانوا سيدعون هؤلاء لو لم يقتل ذلك الجندي الإسرائيلي؟ أم كانوا ينتظرون أي حدث للتخلص منهم؟ وهل تعتقد أن اختيارهم جاء في يوم وليلة وبصورةٍ عشوائية؟ كلا، ثم هل كان إخراجهم شراً محضاً؟ ربما تضرروا هم أو أولادهم، لكن لا تستبعد أن يخلفهم في الساحة ضعفهم، ممن تحركت عواطفهم، والناس دائماً يتعاطفون مع المظلوم ومع المضطهد، ومع المضيق عليه، ويحس كل إنسان أنه لابد أن يقف معه، ويقف في موقفه.
ولقد ظل هؤلاء في مخيمهم في مرج الزهور، لقد ظلوا على مدى الأيام الطويلة الماضية، قضيةً عالميةً ساخنة تحرج اليهود، وتحرج أمريكا، وتحرج الأمم المتحدة، وتحرج بعض دول المنطقة على السواء، وهب أن هؤلاء نفوا إلى أي مكانٍ في الأرض، هل انتهوا؟! هل عطاء المسلم محدود بمكانٍ أو بزمان؟ لماذا لا تتصور أنهم ربما بدأوا حياةً جديدة، ومشواراً جديداً، وهم أقوى عزيمةً وأقوى مضاءً وأقوى تصميماً وأكثر فاعليةً، وإنتاجاً وإخلاصاً لله تعالى؛ ويكفي أن هؤلاء أبرزوا مسألةً: إسلامية القضية الفلسطينية على السطح، اضطر الجميع على التعاطف معهم على الأقل علانيةً على الرغم أن هؤلاء موسومون بما يسمى "التطرف" والتطرف اليوم هو الإختيار رقم واحد للمحاربة من قبل الجميع.
إذاً: ليس الربح والخسارة بترك الديار، والتعرض للأخطار، فهكذا الحياة، وكم عدد الذين فارقوا الدنيا بحثاً عن العيش، أو بحثاً عن الوظيفة، أو فراراً من مشكلة، أو طلباً لدراسة أو ما أشبه ذلك!
فهل صحيح أن سقوط الشيوعية لم يكن خيراً؟
لقد نسي هؤلاء أن الشيوعية أغلقت جميع الطرق في وجه الإسلام، جميع الطرق بلا استثناء، وأن الإسلام رابحٌ من سقوط الشيوعية بكل حال، لأنه لا يتصور للإسلام والمسلمين في روسيا، -بل ولا في البلاد التي تهيمن عليها- وضعٌ أسوء من الوضع الذي كان الإسلام والمسلمين فيه أيام الشيوعية، فكل وضعٍ بعده فهو خيرٌ منه، وأهون منه، وكل مصيبةٍ بعده فهي جلل أي: هينة، ففي ظل دكتاتورية الشيوعية وهيمنتها؛ فقد المسلمون كل شيء، فأي تغيير هو -والله تعالى أعلم- في صالح الإسلام، ثم هب أن حرباً واسعة النطاق شبت، ودخلت فيها أطراف دولية كما يقال، ألا تدري أن الإسلام هو أقل المتضررين من حرب كهذه، لأنه أيضاً هو أقل المنتفعين بإنجازات الحضارة المادية المعاصرة! وإذا لحق بالعدو ضررٌ جسيم عظيم؛ ولحق بي وبك ضرر قليل؛ فربما كانت النتيجة لمصلحتي ولمصلحتك، وليس الأمر كما يتوقع بعض الدارسين، أن سقوط الحضارة المادية الذي نتمناه ونبشر به، وننتظره وعداً من رب العالمين، ليس معنى ذلك التدمير الكامل للحضارة، والقضاء على كل التيسيرات المادية وكل الخدمات التي انتفع بها الإنسان، هذا ليس بلازم، ولكن الصورة المتوقعة -والله تعالى أعلم- هي أن تنكفئ تلك الدول الكبرى على نفسها، وتنشغل بهمومها وتنهمك بمعالجة اقتصادها أو أمنها، أو مشاكلها الداخلية عن التدخل الخارجي، وعن التدخل في بلاد الإسلام والمسلمين بالذات، هذا مع أن الأدلة القريبة والقرائن كلها، توحي -والله أعلم- بأن الحرب الأهم والأقوى سوف تكون حرباً اقتصادية.
- انهيار الاقتصاد الأمريكي:
إذا كان الاقتصاد هو أحد الأسباب المهمة التي عجلت بسقوط الاتحاد السوفيتي، فإن الدراسات الاقتصادية المتخصصة تبشر بانهيار الاقتصاد الأمريكي أيضاً، حيث بلغت مديونيته الآن ما يزيد على ثلاثة ونصف تريليون، وهذا رقم فلكي كبير، وتقول الدراسات إن من المتوقع أن تقفز هذه المديونية في نهاية القرن إلى ما يزيد على اثني عشر تريليوناً، وسيضطر الأمريكان إلى أحد ثلاثة حلول:
الحل الأول: هو أن يعلنوا عجزهم وإفلاسهم، وهذا لن يتسبب في انهيار الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل سيتسبب في انهيار الاقتصاد الأمريكي، وانهيار اقتصاد جميع الدول التي ربطت نفسها بـأمريكا، وبالاقتصاد الأمريكي، وبعملة الدولار.
الحل الثاني: هو أن يعالجوا الوقف؛ بطبع المزيد من الورق النقدي دون رصيد يغطيه، وذلك لتغطية العجز الحاصل، وهذا قد يؤخر علمية الانهيار؛ فبدلاً من أن تأتي بسرعة، فإنها تأتي بصورةٍ تدريجية.
الحل الثالث: هو التدخل في المناطق الغنية من العالم كـأوروبا، ودول النفط الخليجية، وإيران، وبعض المناطق الإفريقية التي تدل التقارير على وجود النفط فيها، وتحذر تلك التقارير -وهي تقارير مهمةٌ وخطيرة- تحذر من الارتباط بالاقتصاد الأمريكي، كما هو الحاصل في الدول العربية الغنية، ومغبة ذلك على اقتصاد البلاد.
إذاً: من الصعب ونحن نتحدث عن التجربة الشيوعية، وأنَّ سقوطها كان خيراً، بالرغم مما ولده ذلك من وجود حروب، ومشاكل بين الدول المتجاورة، واحتمال أن يحدث انفجارات متعددة وطويلة، على رغم ذلك كله فلا شك أن سقوط الشيوعية كان خيراً للإسلام، وكان خيراً للمسلمين، وقد تنفس المسلمون الصعداء على الرغم -أيضاً- أن ثمة مشاكل واجهوها -كما أسلفت- ففي طاجكستان قتل منهم قبل أيام ما يزيد على خمسة عشر ألف إنسان وجرى نهر جيحون لساعات دماً أحمر من دماء المسلمين، وفي الأنقوش حيث دفن منهم ما يزيد على ثلاثة آلاف من الكبار والصغار والنساء والأطفال، وفي أذربيجان وفي غيرها؛ لكن مع ذلك كله، فهذا الوضع بكله وبتناقضاته، وبسلبياته هو أفضل عشرات المرات من الوضع الذي كان يعيشه المسلمون في ظل جحيم الشيوعية في دائرة الستار الحديدي.
إذاً: فمن الصعب أن يحكم الإنسان على تجربة ما من خلال النظر إلى فترة محدودة من الزمان ولا بد أن يستكمل الصورة من أولها إلى آخرها.
إن استتاب الأوضاع واستقرارها في روسيا، أو في غيرها ليس هو المطلب الوحيد للإسلام، لا!.
المطلوب أن تستتب الأوضاع في ظل نظام يحكم بالإسلام، أو على أقل تقدير أن تستتب الأوضاع في ظل نظامٍ يكون أفضل للإسلام مما عداه، وأي خير أصاب الإسلام والمسلمين من قوة القبضة البعثية في بلاد الإسلام المرتبطة بالشرق أو قوة القبضة العلمانية في البلاد الإسلامية المرتبطة بالغرب، سواى استخدام الآلة العسكرية، والآلة الأمنية والآلة الإعلامية في محاربة الإسلام والمسلمين.
أيها الأحبة: إن الكثير من العقلاء يتطلعون إلى الإصلاح بألوانه، فيتطلعون إلى الإصلاح العلمي والتعليمي؛ ولكن لا قدرة لهم على تحمل الرد، والنقد والمناقشة والتخطئة، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح الاجتماعي؛ ولكن لا قدرة لهم على تحمل قالة الناس، ونقد المجتمع، واستنكار القوم، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح الدعوي، لكن لا قدرة لهم على الجهر بذلك، وتحمل تبعاته، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح السياسي، ولكن لا قدرة لهم على تحمل الآلام والمتاعب التي سيلقونها، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح الاقتصادي، والإداري وغير ذلك؛ ولكن أين المستعدون لتحمل التبعات؟ إنهم قليلون! إن المستعدين للصبر على التضحيات وتحمل الآلام أقل من القليل وأقل منهم -أيضاً- أولئك المستعدون لتحمل مسئولية الخطأ -إذا تبين أنه خطأ- وليس بد من أن يقع الخطأ مع الاجتهاد، ومع بذل الوسع والطاقة فإن الإنسان بشر {وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} كما نطق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وكما قال تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35].
إذاً: فمقياس الربح والخسارة، ليس وجود ردة الفعل، أو الاستجابة العكسية، بل على قدر أهمية العمل وجديته وفاعليته وقوته وتأثيره تكون عداوته، والصراع أمرٌ فطري لابد منه، فإن كان ثمة حيلة في تأجيل الصراع، أو في تقصيد الصراع، فإنه لا حيلة أبداً في دفعه والله تعالى وحده هو المستعان.
الجواب: الضابط في هذه المسألة "تحقيق المصلحة الشرعية" فإن كان هذا الإنكار لا يضر الإنسان شيئاً أو يضره، لكن لا يضر غيره، فعليه أن ينكر ما دام محتسباً، وهو على خيرٍ وإلى خير، وينكر بالأسلوب الحسن والكلمة الطيبة والخلق الفاضل، ولا ينتصر لنفسه فإذا غضب عليه هذا الرئيس، أو سبه، أو شتمه أو طرده؛ فعليه أن يقابل ذلك كله بهدوء الأعصاب، وهدوء البال، والدعوة له بالهداية، والصبر عليه، ولا ييأس منه أبداً، ولو لقي في سبيل ذلك ما لقيه، فإنه يحتسب ذلك في ذات الله تعالى، أما إن كان هذا العمل الذي قام به يترتب عليه أضرارٌ أخرى عظيمةٌ كمنع الدعوة مثلاً، والحيلولة بينها، أو طرد الأخيار كلهم، وأضرار عظيمة ملموسة متحققة، أو شبه متحققة، فنعم، لكن هذا في الواقع بعيد، فقد يصيب الضرر هذا الإنسان، لكن من البعيد أن يصيب الضرر غيره؛ بسبب أمرٍ بمعروفٍ قام به هو، ملتزماً بالضوابط الشرعية.
الجواب: لا للمرأة دورٌ عظيم يمكن أن تعمله، فهذا الجيل الذي يعيش اليوم، ويتعاطف مع قضايا المسلمين، ويأخذ منها ويعطي، من الذي رباه؟ لقد رباه -في الغالب- أمهاتٌ فاضلات دينات، وإن كان يوجد فيهن الجهل، وكان غالب بلاد المسلمين لا تتعاطف مع بعضها، ولا يسمع بعضهم بمصاب الآخرين، ولم يكن هناكَ تعليمٌ ولا تفقيه بالدين، ولا تربية على العقيدة الصحيحة، فحين نظفر بأمهاتٍ في البيوت، تحمل على عاتقها إعداد أولادها، ليس إعدادهم ليكونوا دنيويين فقط، أو يظفروا بأعلى المناصب والوظائف، بل إعدادهم ليكون عملهم ووظيفتهم وتخصصهم وقفاً لله تعالى، ولخدمة دينه، وأن يبذل الواحد منهم حتى روحه إذا لزم الأمر، فإن هذه الأم تكون قدمت للأمةِ أعظم ثروة الإنسان، الذي به تصلح الأمور، وبه تقوم الدعوة وبه يعلن صوت الجهاد، وعلى أكتافه ينتصر الإسلام، قدمت هذا العملة النادرة، الإنسان الذي تربى في بيتٍ صالح.
أمر آخر: حماية ظهر زوجها، ومساعدته، وتوجيهه، وتثبيته، إن كان داعيةً تقول له: سر فإن معك امرأةً ستقوم مقامك، وتحفظه في نفسها وفي ماله، وفي ولده وفي بيته، وفي سمعته وفي عرضه، وتكون له خير معين، كما كانت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، [[كلا والله لا يخزيك الله أبداً! إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق]] ثم دور الأخت في الدعوة إلى الله مع بنات جنسها في: توزيع الكتاب، وتوزيع الشريط، وإقامة درس تحفيظ القرآن، ودرسٌ خيري، ودرس علمي، ودرسٌ في الفقه، وفي الحديث، وفي التفسير، وفي العلم الشرعي، ودعوة نساء الحي، والتأثير في المدرسة إن كانت مُدَرسة أو موجهة، فهي مسئولةٌ كالرجل.
الجواب: نعم هذه أحد الموازين، الله تعالى يقول: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221] فلا يعجبنك من هذا الكافر، أو المشرك قوة عمله وإنجازه وخبرته، لماذا؟ لأن كثيرٌ منهم إنما كسب هذه الخبرة، وهذا العمل وهذه الدقة حينما وظفه المسلمون، خذ على سبيل المثال "التمريض" يقول لي بعض الإخوة الذين ذهبوا إلى هناك، يقول: فعلاً وجدنا أن كثيراً من المسلمين ليس لديهم خبرةٌ سابقة، لماذا؟ لأن الذين يذهبون إلى هناك يأتون بغير المسلمين فيكسبون الخبرة، ويأخذون المال، فإذا أعلن عن طلب ممرضين جاءوا وفي أيديهم شهادة سابقة عن خبرة كسبوها في بلادنا،.
إذاً: اطلب المسلم ولا مانع أن تعمل له دورات تدريبية ترفع من مستوى أدائه، ثم هو يكسب الخبرة من خلال العمل، أما إذا أهنته ولم تعطه دوراً ولا مجالاً ولا مكاناً، أو استبعدته ولم تأت به أصلاًً، فمن أين يستطيع المسلم أن يكسب الخبرة؛ خاصةً إذا تصورنا أن المسلمين في كثيرٍ من البلاد ولو كانوا أكثرية؛ فإن الحكومات في بلادهم تحول بين المسلم والوظيفة، وبينه وبين التعليم، وتجعل التعليم حكراً على الطبقة الموافقة للحكومة، نصارى أو بوذيين أو ما أشبه ذلك.
الجواب: هذا بينه الله تعالى، فقال: إِلاَّ الْذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] أنت وحدك لا تكفي، لأنك لا توصي نفسك بالصبر، أو غيره، أو بالحق إلا أن يكون معك غيرك، فلا بد من التعاون على البر والتقوى، وأن تضع يدك في يدي، تأمرني بالمعروف وآمرك، شرط بشرط، وتنصحني وأنصحك، ليست علاقة مجاملة، ولا تصنع ولا مؤانسة فقط، وإن كان هذا كله مطلوباً، والإنسان لا بد له في بيداء الحياة؛ ممن يخفف عنه من وقع الهجير، ولفح السعير؛ ولكن مع ذلك كله لابد من الدعوة، ولابد من إنكار المنكر، ويجب أن تكون العلاقة معتدلة، فلا تغلو إلى عواطف مشبوبة، وصلةٍ محمومة، وتعلقٍ دائم، ربما خرج عن كونه محبةً في الله إلى كونه نوعاً من التعلق المذموم.
الجواب: أما نفحات هذا الشهر فهو بابٌ يطول، ولابد أن الإخوة في مكتب الدعوة سوف ينظمون محاضرات، لتوعية الإخوة بهذا الأمر، وهو على كل حال من مواسم الخيرات، وأسباب الفرص التي ينبغي للإنسان أن لا يفرط فيها، فما ظنك لو كان الواحد منا -ونسأل الله أن يكون كذلك- ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: {رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له} إنها مصيبة عظمى! من لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر له؟!! ومن لم يتب في هذا الشهر فمتى يتوب؟!
أما مسألة الدعاء للإخوان المضطهدين، فهي أحد الواجبات التي ينبغي على كل مستطيع أن يفعلها، بل ينبغي أن توصي العجائز في بيوتهن، وكبار السن، والأطفال الصغار الذين لم يتلطخوا بالمعاصي بعد، وأهل التقوى والاستقامة، وأهل الصلاح والدعاة، نوصيهم بالدعوة الصالحة، كذلك المرضى والمعوقين، والفقراء، وأهل المال الحلال الذين لا يأكلون الحرام، نوصيهم بالدعاء للمسلمين في كل مكان.
الجواب: هذه فكرة طبقت سابقاً في القصيم، ولعل أشرطتها وأخبارها وصلتكم، وفيها منشورٌ كتب مقدمته سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز، وهناك أيضاً ملحقٌ آخر يقوم بعض المشايخ بإعداده، وسوف يطبع منه إن شاء الله كمياتٌ كبيرة، ونوصل به إلى الإخوة وسنبعث إلى مكتب الدعوة بشيءٍ من ذلك لتعليم طريقة، أو شرح طريقة مقترحة لحفظ السنة النبوية.
الجواب: لا شك أنّ هذه مشكلة ومأساة، لكن أين الإعلاميون من الإجابة عن هذا السؤال؟ ليس هناك جهةٌ قادرة إعلامية تصل إلى كل المسلمين وهي توافي بالأخبار الدقيقة أولاً بأول، إنما هناك بعض المجلات التي تعتبر إسلامية، ونافعة، وينبغي للإنسان أن يستفيد منها كـمجلة المجتمع أو الإصلاح، أو غيرهما من المجلات التي تتابع قضايا المسلمين في الجملة.
الجواب: أولاً مجرد اقتنائك للكتاب أو الشريط مساهمة منك في نشر الكتاب، وفي نشر الشريط، وعليك أن تسعى إلى إعارتها لأهل البيت ولأقاربك ولزملائك ولجيرانك، بقدر ما تستطيع، وهذا من زكاتها، ولا أقول واجباً عليك.
أمر آخر: افرض أنك ورثت هذه الكتب لأولادك ولو بعد سنين، هذا خيرٌ وهو من خير ما تورثه لهم، لكن بقينا فيك أنت! فيجب عليك أن تقرأ وتختار من الكتب ما يناسبك، أن يكون صغير الحجم، وأن يكون سهل الأسلوب ومبسط يناسب مستواك العلمي والثقافي، فلا تملَّ منه، فربما إذا قرأته شعرت بانتصار لختمك لهذا الكتاب، فتتطلع نفسك إلى قراءة كتاب آخر، ولا بأس أن تستعين بآخر يحدد لك أو يختار لك الكتب التي يمكن أن تبدأ بها.
الجواب: أنصحك أن تأخذ رأس هذا المال، ثم تعمد إلى هذا الربح فتقسمه إلى نصفين، النصف الأول تأخذه، والنصف الثاني تخرجه إلى سبل الخير وأبواب الخير.
الجواب: إذا كان هدفك أن تقوم بالرد عليها، ومعرفة ما فيها، فلا حرج عليك! بل ينبغي وهذا فرض كفاية أن يوجد من المؤمنين من يرد على هذه الأشياء التي إذا عظم ضررها، وانتشرت وشاعت بين الناس، فلا حرج عليك في ذلك، ولا بأس أن تحذر من أن يطلع عليها بعض من لا يعرفون الأمر، أو قد يحدث هذا في قلوبهم ريبة.
الجواب: هؤلاء أنواع: منهم المسلم ولكنه ضعيف الإيمان، فهو يداري ويخاف ويجبن، ولا يستطيع أن يواجه أو يقاوم الواقع، وهذا يرجى له إن شاء الله تعالى أن يستيقظ قلبه، ويدرك ولو بعد حين، أن المسألة لا مثنوية فيها، ولا توسط، ولا يصلح إنسان وسط بين الجنة والنار، ليس هناك مرحلةٌ وسط بين الكفر والإيمان، ولا مرحلة وسط بين الحق والباطل، ولا مرحلة وسط بين الهدى والضلال، إما الجنة وإما النار، إما الهدى وإما الضلال، إما الكفر وإما الإيمان، ولهذا نعى الله تعالى عن المنافقين أنهم يريدون أن يتخذوا سبيلاً وسطاً، فيقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا.
وهناك فئة من هؤلاء، هم -في الحقيقية- في قلوبهم مرض الريب ومرض النفاق، ولكنهم ربما لا يبوحون به؛ فيتظاهرون للمؤمن بشيء، ويتظاهرون لغيره بشيء آخر، فإذا جاءهم المؤمنون قالوا لهم كلاماً، إذا انتصر المؤمنون قالوا: ألم نكن معكم، وإذا انتصر الآخرون وغلبوا، قالوا: ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين.
الجواب: إذا كانت هذه العلوم التي يدرسونها علوماً مباحة، وهم يتوصلون بها إلى أمرٍ مباح؛ فلا يمكن أن نصفها بأنها خسارة، لكن إن أحسنوا فيها النية والقصد، وعمدوا إلى خدمة الأمة، وسد الفراغ والمساهمة، والمشاركة والدعوة، فهم مأجورون، وإن كان الأمر خلاف ذلك، فاستغلوا ما وهبهم الله في المعصية والإثم، فهم على ذلك آثمون مأزورون.
أما العلم الشرعي: فهو أفضل العلوم وتاجها ولبها، ومن يرد الله بها خيراً يفقه بالدين، فأي خير أعظم من هذا الخير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر