أما بعد …
فيا أيها الإخوة: إن حكمة الله تعالى اقتضت أن يجعل الإنسان من زوجين ذكرٍ وأنثى، وأن يجعل النساء شقائق الرجال، كما في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ
والرسول صلى الله عليه وسلم هو بشرٌ من البشر، ولكنه نبيٌ مختار عليه الصلاة والسلام: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف:110] ولذلك فقد ولد صلى الله عليه وسلم كما يولد غيره من أبوين من ذكرٍ وأنثى، فكان أبوه عبد الله بن عبد المطلب، وكانت أمه آمنة بنت وهب، ولعل من العجيب أن يموت الرسول صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: {مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري} أي أنها كانت تسنده إلى صدرها صلى الله عليه وسلم قالت: {كان عليه الصلاة والسلام إذا مرض تعوذه بعض نسائه} أي: أنَّ عادته صلى الله عليه وسلم إذا مرض أن ترقيه بعض زوجاته، وتقرأ عليه شيئاً من القرآن، وتنفث، أو ما شابه ذلك، قالت: {فذهبت لأرقيه أو لأعوذه، فسمعته يقول: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى}.
أي أنه اختار جوار الله عز وجل بعد أن خيره الله تبارك وتعالى، بين الحياة الدنيا ونعيمها والخلد فيها ثم الجنة، وبين لقاء الله تبارك وتعالى والموتِ ثم الجنة، فاختار الرفيق الأعلى فقالت: {فسمعته يقول بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى} قالت رضي الله عنها: {ومر
فهكذا كان النبي القدوة صلى الله عليه وسلم، يولد من آمنة بنت وهب، ويموت في حجر عائشة رضي الله عنها، وهذا معبرٌ عما كان للمرأة من مكانة في حياته صلى الله عليه وسلم، وفي نفسه، وفي هديه وسنته، كما سيتضح بعض ذلك، من خلال الحديث.
السبب الأول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو موضع القدوة والأسوة، وكل مسلم ينبغي له أن يعرف ما كان عليه صلى الله عليه وسلم في حياته الخاصة والعامة؛ فيحرص على التأسي به ما استطاع، وبهذا نستطيع أن نتخلص من كثيرٍ من الأمراض والأخطاء الموجودة في معاملة الرجل للمرأة في هذا المجتمع وفي كل مجتمع، فلهذا السبب كان الحديث عن المرأة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام أمراً مهماً.
السبب الثاني: إننا نسمع اليوم في هذه البلاد التي شرفها الله تبارك وتعالى واختارها وجعلها مهداً للإسلام أول مرة؛ حيث انبعثت منها أنواره، وجعلها موئلاً يرجع إليها الدين في آخر الزمان كما في الحديث الذي رواه مسلم، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن الدين ليأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها} أي أنه يحَنُّ ويرجع إلى هذه البقاع، فهذه البقاع بقاعٌ اختصها الله وشرفها واختارها، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} وقال: {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} وكانت هذه من الوصايا التي رددها وهو في مرض الموت عليه الصلاة والسلام، فكان يقول: {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} كما في الصحيحين وغيرهما، فقد أراد الله عز وجل شرعاً أن تكون الجزيرة العربية خالصةً للإسلام، لا يزاحمه فيها غيره، ولا ينافسه دينٌ آخر، ولا ينافس المسلمين طائفةٌ أخرى، لا من اليهود، ولا من النصارى، ولا من غيرهم من أهل الأديان المنحرفة، سواء أكانت أدياناً سماوية محرفة، أم كانت مذاهب بشرية مختلقة من عند الناس ما أنـزل الله بها من سلطان.
ولذلك فإن هذه الجزيرة اليوم هي آخر قلعة من القلاع التي ما زال للإسلام فيها بعض الأثر وبعض القوة، وما زالت المجتمعات في هذه البلاد بحمد الله تتمتع بشيء من التمسك بالدين، وشيءٍ من الحفاظ على الأخلاق الإسلامية، وما زالت المرأة المسلمة في هذه البلاد محجبةً في الجملة، محفوظةً مصونةً مكرمة، ممنوعةً عن الاختلاط بالرجال، أو عن ممارسة الأعمال التي لا تتناسب مع أنوثتها، وهذا ما يغيظ أعداء الإسلام من الشرق والغرب، فيحرصون على محاولة إخراج المرأة من بيتها، ومن مجتمعها الخاص لتعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، ولتختلط مع الرجل، ولتمارس الأعمال التي يمارسها الرجل، ومع الأسف الشديد، فإن الذين يقومون بهذه الدعوات، ويطالبون بما يسمونه بحرية المرأة تقليداً لإخوانهم من اليهود والنصارى، الذين دعوا إلى هذه الدعوة التي غذاها الاستعمار في مصر ثم في سائر بلاد العالم الإسلامي؛ مع الأسف أن الذين يدعون إلى هذه الدعوة بين أظهرنا يحرص أعداء الإسلام على أن يكونوا من بني جلدتنا، وأن يتكلموا بلغتنا، حتى يكون تأثيرهم أبلغ، ووقعهم أقوى، وقد قال بعض المستشرقين: (إن شجرة الإسلام لا تجتث إلا بغصنٍ من غصونها) فيحاول الاستعمار، ويحاول أعداء الإسلام أن يوجدوا في المجتمعات الإسلامية، من ينادي بتحرير المرأة، هكذا يسمونه وإلا فهو في الواقع استعباد المرأة، وجعل المرأة مجرد متاع يتمتع به الرجل، جعل المرأة وسيلة للدعاية في الإعلانات، جعل المرأة وسيلة للترفيه عن الرجل في مكان العمل، جعل المرأة ألعوبة بيد الرجل، يعبث بها حتى إذا قضى منها حاجته، ألقى بها كما يلقي بنوى التمر غير آبهٍ بها.
فهي في الحقيقة استعبادٌ للمرأة وإن سموه تحرراً، هذه الدعوة التي يحاول أعداء الإسلام أن ينادي بها أبناءٌ من بني جلدتنا وممن يتكلمون بلغتنا، لابد أن نحصن أنفسنا، منها بأن نعطيهم الصورة الصحيحة، التي أراد الله بها تكريم المرأة، وهي الصورة التي كان عليها النبي صلى الله عليها وسلم، وأصحابه، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد قال في حديث الفرقة الناجية وهو يبين من هي الفرقة الناجية: {من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي} فإننا بحاجة إلى أن نعرف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه أصحابه في شأن معاملة المرأة، وماذا كانت مكانة المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم.
الأولى: المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم، أٌماً.
الثانية: المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم بنتاً.
الثالثة: المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم زوجةً.
الرابعة: المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم متعلمةً ومدعوة.
الخامسة: المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم في الجملة، وذكر بعض التوجيهات العامة المتعلقة بالنساء.
فإن حكمة الله تبارك وتعالى اقتضت أن يموت والدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشرك، وقبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان من الشرائع التي أنـزلت عليه؛ وهي شريعةٌ موافقة للفطرة منسجمة معها، جاءت بها جميع الديانات السماوية الأمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما أحياءً وأمواتاً، عرفاناً بفضلهما وجميلهما المتقدم للإنسان، ومقابلةً لمحبتهما، لابنهما، وعطفهما عليه، وشفقتهما عليه.
فروى الإمام مسلم في الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه وقد قبرت أمه بـالأبواء زار قبر أمه صلى الله عليه وسلم فبكى بكاءً طويلاً، وأبكى من حوله، وقال لأصحابه: استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن استغفر لها فلم يأذن لي} وقد ورد في طبقات ابن سعد وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم بكى رقةً لها، ورحمةً لما يؤول إليه أمرها، حيث ماتت على الشرك، وحيث نهي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى، وورد في أمه نصٌ خاص، كما سمعتم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم، {واستأذنته أن أستغفر لها، فلم يأذن لي}.
وهكذا كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أحسن إليه في الصغر كحضانته، ومنهن حليمة السعدية، ومنهن الشيماء بنتها، فقد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلها، وفرش لها رداءه، وأجلسها عليه، وهكذا كانت معاملته لـأم أيمن، وكانت حاضنةً له صلى الله عليه وسلم في حياة أمه وبعد وفاتها، فكان يحبها ويقدرها ويحسن إليها، ويتعاهدها بالزيارة صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما مات صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر الصديق لـعمر بن الخطاب كما في الصحيح: [[انطلق بنا إلى
وهكذا أدركت هذه المرأة المؤمنة أمراً عظيماً وخطباً جللاً في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ليس مجرد فقد شخصه عليه الصلاة والسلام، وإن كان هذا فيه من الحزن العميق، على من عاشوا معه، وسافروا معه، وجلسوا معه، وصلوا خلفه، وسمعوا كلامه، وأمنَّوا على دعائه؛ إن كان في فقد شخصه عليه الصلاة والسلام خطباً جسيماً إلا أن هناك ما هو أعظم من ذلك وهو فقدانهم نـزول الوحي من السماء، وهذا ما أدركته أم أيمن رضي الله عنها، فهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يزور قبر أمه، ويحسن إلى حاضناته -كما سبق- فهذا دليل كبير على مكانة المرأة كأمٍ وكحاضنة ومرضعةٍ، وكمربية في حياة النبي عليه الصلاة والسلام حين يهتم بإبراز هذا الجانب بشكلٍ عملي، فإنه يعطي المسلمين الأسوة والقدوة في ذلك.
وما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يعرفوا هذا الأمر وقد تفككت روابط الأسر في كثيرٍ من البلاد، وأصبح الابن في البلاد الكافرة لا يعرف أباه ولا أمه، ولا يهتم به، ولا يحسن إليهما، ولا يهمه أمرضا أم شقيا، أعاشا أم ماتا، اغتنيا أم افتقرا، وأصبح الابن في كثيرٍ من الأحيان قد يسيء إلى والديه ويعتدي عليهما، وذلك بسبب نغمة الحرية التي ينادون بها، فهم يزعمون أن من الحرية أن يفعل الابن ما يشاء، وتفعل البنت ما تشاء، ويفعل الأب والأم ما يشاءان ولا علاقة لأحد بأحد، ولا أمر لأحدٍ على أحد، حتى إن الابن مثلاً ولو كان صغيراً في مقتبل عمره، لو أدبه أبوه وضربه فإنه يرفع سماعة التلفون ويتصل بالشرطة أو بالبوليس، فيحضر إلى البيت ويأخذوا الأب ويحققوا معه، وقد يدينونه بالاعتداء على ابنه، وهذا ليس خيالياً أو كلاماً يقال، هذا والله واقع في كثير من البلاد الكافرة، وقد تسربت عدواه إلى بلاد المسلمين.
ولعل من أهم أسبابه: تقصير الأبوين في العناية بأبنائهما- كما سيأتي في فقرةٍ قادمة- ولكن المقصود أن الأبناء بحاجةٍ إلى تذكيرهم بحقوق الأبوين ومكانتهما، ووجوب الإحسان إليهما، وتحمُّل ما قد يصدر منهما من التصرفات التي لا تعجب الأولاد، وهذا الولد هو الآن ابن، وهو بعد وقتٍ غير طويل أب أو أم، كما يفعل لأبويه سيُفعل معه، وكما يريد أن يكون أبناؤه معه فيجب أن يكون كذلك مع والديه.
أما بقية بناته صلى الله عليه وسلم فقد متن في حياته عليه الصلاة والسلام، وذاق النبي صلى الله عليه وسلم الحزن لفقدهن، وكيف لا يحزن صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب القلب الحنون العطوف، الممتلئ بالحب لأولاده، الممتلئ بالرحمة لهم ولغيرهم من المؤمنين، بل وللدواب وغيرها! وقد ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام، ذهب إلى أبي سيف القين، وكان عنده ابنه إبراهيم، وكان يجود بنفسه، فحمله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فاضت روحه الطاهرة، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه رجالٌ من المؤمنين منهم عبد الرحمن بن عوف، فقال: تفعل هذا وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {يحزن القلب، وتدمع العين، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا
نعم كان صلى الله عليه وسلم يحزن لفراق أولاده وموتهم، ومع ذلك فقد ذاق آلام فراقهم جميعاً إلا فاطمة رضي الله عنها، وهذه حكمة لله تبارك وتعالى، وللمؤمنين به في ذلك ومن يفقدون أولادهم أو أحداً من أولادهم خير أسوةٍ وقدوة، وفي ما يتعلق بمعاملته صلى الله عليه وسلم لهؤلاء البنات، أشير إلى ثلاثة جوانب:
وإذا كان هذا شأنه مع الحسن أو مع الحسين، فشأنه مع أمهما، ومع خالاتهما، بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد وأقوى، فحب الولد أعظم من حب ولد الولد، وفي الصحيحين أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حاملٌ أمامة، وأمامة هذه هي بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوها هو أبو العاص بن الربيع بن عبد شمس، وكان صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم، مدحه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: {وعدني فوفاني، وأثنى عليه خيراً} وَحَمْلْ النبي صلى الله عليه وسلم لـ أمامة بنت بنته ربما يكون -والله أعلم- بعد وفات أمها، حيث أشفق عليها، وحنَّ عليها صلى الله عليه وسلم بعد فقد أمها، فخرج بها أو كان يخرج بها معه إلى الصلاة، فيصلي وهو حاملها، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، وهذا الحديث كما سبق في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهو عجبٌ من العجبْ، هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان وقته كله معموراً بالعلم والتعليم والجهاد والدعوة، ما بين سفر وإقامة، واستقبال وفود وإرسال سرايا أو بعوث، وخروجٍ في مغازٍ، ونـزول الوحي، وتعليم وصلاة وقراءة، هذا النبي المختار صلى الله عليه وسلم، على رغم امتلاء وقته بهذه الأعمال الجليلة لا يغفل عن هذه الصبية الصغيرة، أمامة بنت بنته، فيعزيها عن فقد أمها بأن يحملها على كتفه صلى الله عليه وسلم وهو خارج إلى الصلاة بالمسلمين، وكأن هذا إعلان أمام المسلمين كلهم بأن الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم يأمر بالعطف على الأولاد، والرفق بهم، والحنو عليهم.
وقد يقول قائل: إن هذا الأمر أمرٌ جِبِلَّيْ أو عاطفي عند كل أب، فالواقع أن هذا أمرٌ صحيح، فقد ركز في قلوب الآباء العطف على الأبناء حتى الحيوانات، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح قال: { إن الله عز وجل خلق مائة رحمة، أو جعل مائة رحمة، فأنـزل منها رحمةً واحدةً في الأرض، فبها يتراحم الناس والدواب، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه} إلى هذا الحد.
لكن تعجبون أيها الإخوة إذا علمتم أن القوم الذين تنكبوا هدي الله عز وجل، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، قد مسخت فطرهم، التي فطروا عليها، والتي ما زالت تتمتع بها الحيوانات، قد مسخوا وتغيروا، ولذلك ذكرتُ فيما سبق أنهم في البلاد الكافرة لا يحنو الأب على ابنه، ولا يعطف عليه، وإن حنا عليه في طفولته وصغره بعض الحنو، إلا أنه بعد ما يبلغ سن الحادية عشرة أو الثالثة عشرة، أو الرابعة عشرة، ذكراً كان أو أنثى، يفقد الأب عطفه عليه، فيخرجه من بيته، ويأمره أن يقوم بإعالة نفسه، وأن يدبر شئونه بنفسه، ويبين له أنه ليس لديه استعداد أن ينفق عليه، أو يعيله، ولا يأويه في البيت إلا بمقابل الأجرة، وقد لا يلقاه إلا في الشهر مرة، أو في الشهرين مرة، فيشير له بيديه هكذا بالسلام، وهو ماشٍ في عرض الطريق لا يقف، ولا يسائله عن حاله.
وهذه الأمور الموجودة عندهم من مسخ الفطرة وانحرافها يمكن أن تتسرب إلى المسلمين إذا لم يهتموا بمراجعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومحاولة أن يكون عطفهم على أولادهم، وحبهم لهم، وشفقتهم عليهم، مع كونه فطرياً أن يكون أيضاً بنية واحتساب حتى يثاب عليه الإنسان، ويزيد منه.
ولم يكن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالأولاد الصغار، -ذكوراً كانوا أو إناثاً- مقصوراً على بناته عليه الصلاة والسلام، أو على بنات بناته، بل كان شاملاً لأطفال المسلمين كافة، فكان المسلمون إذا ولد عندهم ولد، جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحنكه، ويبرك عليه، وربما بال الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا بشيءٍ من الماء فرشه عليه.
وقد روى البخاري في صحيحه: {عن
وكان في هذا الثوب خطوط وأعلام خضر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، يشير إليها ويقول: {هذا سنا يا
ثم كان هذا -ثانياً- تعليماً منه صلى الله عليه وسلم لأمته كيف نعتني بالأطفال، وكيف ندخل السرور عليهم، وقد يظن بعضهم أن في هذا شيئاً من المشغلة، أو إضاعة الوقت.
والواقع الذي يشهد به التاريخ، وتشهد به الحياة القائمة اليوم، وتشهد به العلوم التربوية التي درسها العلماء في هذا العصر أن مرحلة الطفولة تؤثر تأثيراً كبيراً في شخصية الإنسان في جميع مراحل حياته بعد ذلك، فالإنسان الذي تلقى في طفولته العطف والحنان والحب والرحمة؛ تجد أنه بعدما يكبر يكون إنساناً عطوفاً، حنوناً، محباً، رحيماً، مشفقاً، محسناً إلى الناس، والإنسان الذي حرم من العطف والحنان، وعاش حياة فيها جفاء، وفيها قسوة، وليس فيها عطف، ولا لطف؛ تجد أنه حين يكبر لا يعرف العطف، ولا يعرف الحنان، ولا يعرف المحبة، وتجد أنه شخصٌ قاسٍ غليظ على الآخرين.
ولو نظرتم في بعض الجبابرة الذين عرفهم التاريخ، وسجل لهم الأعمال السيئة من القتل وسفك الدماء، وتخريب الديار، وتحطيم المجتمعات لوجدتم أن غالبهم إن لم يكن كلهم من الذين فقدوا العطف والحنان في طفولتهم، فشعروا بالحقد على المجتمعات، فما إن كبروا وصار بأيديهم شيءٌ من القدرة على ذلك حتى حطموا ما استطاعوا، ولو نظرتم إلى الناس الذين أحدثوا آثاراً حميدة في الحياة، وأحسنوا إلى عباد الله ما استطاعوا، ونفعوا الخلق بما قدروا، لوجدتم أنهم جميعاً أو غالبهم من الذين تلقوا في طفولتهم ومطلع حياتهم تربيةً حسنة، ورعاية من أبويهم، أو ممن يقوم مقام الأبوين، فكم من يتيم -يتيم الأبوين أو يتيم الأب- ومع ذلك كان له من الأثر في التاريخ الشيء العظيم، لأنه لقي من يحسن إليه ويتعاهده بالرعاية في طفولته، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت أبوه وهو حملٌ في بطن أمه، ثم تموت أمه وهو صبيٌ صغير، فيقيض الله عز وجل عمه أبا طالب، فكان يعطف عليه ويقدمه حتى على أولاده.
فالمهم أن من وفق في طفولته للرعاية والحنان يصبح لهذا الأمر تأثيرٌ بليغٌ في شخصيته بعدما يكبر، ومن حرم من العطف والحنان، فإنه حين يكبر يصبح قاسياً غليظاً لا يشعر بالود ولا بالرحمة، هذا جانب في عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة، وهو جانب العطف والحنان والمحبة.
انظر إلى موقفه صلى الله عليه وسلم، مع ابنته زينب، التي سبق أنها كانت مع أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، وكان كافراً مشركاً في مكة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، كانت زينب عند أبي العاص في مكة، ولما وقعت غزوة بدرٍ وأسر المسلمون من أسروا من المشركين كانوا يطلبون منهم الفداء، وكان من ضمن الأسرى، أبو العاص، زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب منه المسلمون الفداء، كما يطلبون من غيره من الأسرى، فأرسلت زينب -زوجه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- من مكة بقلادة لتكون فداءً لزوجها، وكانت هذه القلادة لها تاريخ مؤثر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتثير هذه القلادة ذكرى في نفسه عليه الصلاة والسلام ليست بالهينة، فكانت هذه القلادة لـخديجة رضي الله عنها، المرأة التي كان لها أبلغ الأثر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد وضعت خديجة هذه القلادة في عنق زينب حين أهدتها وأدخلتها على أبي العاص، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم، لعله تذكر خديجة وما كان من شأنها، ورقَّ لبنته رقةً شديدة حتى بكى صلى الله عليه وسلم وقال للمسلمين: {إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا} لا يأمرهم أمراً، إنما يلتمس منهم التماساً، فقال المسلمون: نعم، فأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم، ورد القلادة إلى زينب واشترط على أبي العاص مقابل إطلاقه بلا مقابل أن يرد زينب إلى المسلمين ويرسلها إلى المدينة، فلما وصل أبو العاص إلى مكة، بعث بـزينب إلى المدينة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً معه وأمرهما أن يستقبلاها ويحملاها إلى المدينة، والحديث رواه أبو داود في سننه.
فانظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقتصر على حب زينب والعطف عليها، بل كان حريصاً على إيصال الخير إليها بكل وسيلة، ودفع الشر عنها بكل وسيلة، حتى لتدمع عيناه ويرق رقةً شديدة حين يرى هذا المنظر، ويرى القلادة قد بعثت من قِبَلِ زينب لتكون فداءً لـأبي العاص.
أي: أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم بمقدم أبي العاص، ولا بأن زينب كانت تريد أن تجيره، ولكن يجير على المسلمين أدناهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فقبلوا جوار زينب له، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لها -كما تقول هذه الرواية- وهي روايةٌ فيما يظهر أنها مرسلة رواها ابن إسحاق عن أبي بكر بن حزم؛ قال لها صلى الله عليه وسلم: {أحسني إليه، ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له} لأنه مشرك، وهي مسلمة.
فلما رأى المسلمون ذلك أجاروه وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم -كما في هذه الرواية- {إن
ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا نموذج من عنايته صلى الله عليه وسلم ببناته.
فسمع علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه رقيق، أعبُدٌ، عبيد جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالخبر، وفي روايةٍ أن فاطمة جاءت فلم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدت عائشة فأخبرتها بالخبر، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت عائشة رضي الله عنها له ذلك، فجاء إلى علي وفاطمة وقد أخذا مضاجعهما في الليل، فقعد بينهما صلى الله عليه وسلم، ثم قال: {ألا أدلكما على ما هو خيرٌ لكما من خادم، إذا أويتما إلى مضاجعكما فكبرا أربعاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فإنه خيرٌ لكما من خادم} والحديث بهذه الرواية رواه أبو داود، ولكن أصل أمره صلى الله عليه وسلم لهم بالتسبيح، مخرجٌ في الصحيحين: { إذا أويتما على مضاجعكما فكبرا أربعاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين، فإنه خيرٌ لكما من خادم }.
هكذا كان صلى الله عليه وسلم، في اهتمامه بشئون بناته، وحرصه على رعايتهن.
ففي القصة السابقة، ظهر جلياً أن النبي صلى الله عليه وسلم يرشد فاطمة رضي الله عنها إلى هذا الأدب، وهذا الذكر، وأنه خيرٌ لها من خادم، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إن هذا الذكر مجرب في منح الإنسان الذي يزاول الأعمال القوة والقدرة على ما يعانيه من الأعمال ذكراً كان أو أنثى، فمن حافظ على التسبيح، والتحميد والتكبير كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، كان هذا سبباً في قوته ونشاطه، وقدرته على القيام بالأعمال، والمرأة المسلمة ينبغي لها أن تتعلم هذا الأدب الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لابنته، لتحرص على التسبيح والتحميد والتكبير.
المثال الآخر في هذا الموضوع: فهو ما رواه النسائي في السنن الكبرى، وأبو داود، بإسنادٍ فيه راوٍ صدوقٌ له مناكير فلعله أن يكون حديثاً حسناً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: {أنهم حضروا مع النبي صلى الله عليه وسلم جنازة، فلما صلوا عليها ذهب النبي عليه الصلاة والسلام معهم، فدفنوها ثم رجعوا، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم عند بابه، فإذا بامرأة مقبلة، فلما دنت منه إذا هي
فالأصل للمرأة القرار في بيتها، وخروجها من البيت لا يكون إلا لمصلحة أو حاجة، كأن تخرج لما لا بد لها من حوائجها، أو لتعلم علمٍ ينفعها، أو لزيارة مريض، أو لصلة رحم، أو لخيرٍ، أو لحاجة دنيوية لا بد لها منها، وإلا ففي ما عدى ذلك، فالأصل في المرأة القرارُ في بيتها.
ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة ما الذي أخرجك من بيتك؟ ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لعلك بلغت معهم الكدى } دليل على أنه يحرص عليه الصلاة والسلام على معرفة تصرفات بناته، وماذا عملن حتى في غيبته، وحتى فيما لم يطلع عليه ليطمئن على ذلك، فأين هذا اليوم مما نجد من كثير من الأولياء؟ وقد أطلقوا العنان لبناتهم، وتركوا الحبل على الغارب، فالبنت تخرج من بيتها تخرج ليس للمدرسة -مثلاً- ولا لحضور محاضرة أو علم، ولا لزيارة قريب، وإنما تخرج للسوق، وربما تخرج بصفة مستمرة تخرج يوماً لتشتري حاجة، ثم تخرج اليوم الثاني لترد هذه الحاجة لأنها غير مناسبة طويلة أو قصيرة أو لونها غير مناسب أو ما أشبه ذلك، فلابد من تغييرها وتخرج في اليوم الثالث لتشتري حاجة لبيت الجيران، وفي اليوم الرابع والخامس.. وهكذا، حتى أصبحت مسألة التسوق -وهي كمثال- أمراً عادياً عند الكثيرين، وأصبح كثير من الآباء يرون أن من العيب أن يراقبوا تصرفات بناتهم، وذلك من باب حسن الظن في بعض الأحيان والغفلة، فتجد أن الأب لأنه يعرف أولاده منذ الصغر، ويحسن الظن بهم يفسر تصرفاتهم على أحسن المحامل دائماً.
وعلى سبيل المثال يأتي الأب -أحياناً تأتيه- فاتورة التليفون فيجد فيها مكالمات طويلة عريضة، ومبالغ ضخمة، والبيت مملوء ببناته ممن لم يربهن ولم يعلمهن العلم الشرعي، ولم يحرص على توجيههن، بل تركهن لغيره، فربما يذهب ذهن الأب إلى أن هذه الكميات الكبيرة من المكالمات خطأ من المسئولين في الهاتف أو ما أشبه ذلك، لكن لا يذهب ذهنه إلى أن هناك احتمالاً أن يكون هناك مكالمات في داخل البيت لم يعلم هو بها، مثال آخر يوجد في كثير من البيوت تجد أن الأب يأتي بسائق في البيت، وهذا السائق شاب في غالب الأحوال، وبشر وإنسان مهما يكن الأمر، فتجد هذا السائق يذهب بالبنات إلى المدرسة ويرجعهن منها، وإلى السوق، وإلى الأقارب، وإلى كل مكان بلا حسيب ولا رقيب، وكأن هذا السائق ليس إنساناً، وأن بناته لسن نساءً يجول في خواطرهن وضمائرهن ما يجول في ضمائر غيرهن، فالرسول عليه الصلاة والسلام حين يسأل ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، يسألها: ما الذي أخرجك من بيتك؟ ولنا في ذلك أسوة وقدوة أن الأب يراقب تصرفات أولاده ذكوراً وإناثاً، وأيضاً أن الولد ذكراً كان أو أنثى لا يجد غضاضة أن يسأله أبوه أين كنت؟ ومن العجيب يذكرون أن رجلاً عمره يفوق الستين شيخ من إحدى البلاد الإسلامية وكان مسئولاً كبيراً في ذلك البلد، وكيلاً في وزارة، فكان يقول: بلغ عمري ستين سنة، وكان أبي شيخاً كبيراً في البيت، فكنت إذا دخلت منذ طفولتي وإلى تلك السن إذا دخلت يسألني: أين كنت؟ ومع من؟ حتى اعتاد على هذا الأمر فكان يقول له في الكبر يا أبي أنا الآن كبرت وأصبح أولادي لهم أولاد، فقال له اسمع يا ولدي هذان السؤالان لابد منهما أين كنت؟ ومع من كنت؟ فالكثير من شبابنا اليوم وفتياتنا يجدون غضاضة أن يسألهم أبوهم، أو تألهم أمهم، أو يسألها أبوها، أو تسألها أمها: أين كنت، وليس في هذا من غضاضة.
الأمر الثالث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام حين يقول لبنته: {لو بلغت معهم الكدى ما دخلت الجنة حتى يدخلها جد أبيك} تحذير من الخطأ الذي لم يقع معه حذراً مما قد يقع، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن بنته لم تبلغ الكدى ومع ذلك وجهها هذا التوجيه، ولذلك فعلى الأب أو المربي أو الموجه ألا ينتظر حصول الخطأ حتى ينبه عليه، بل أن يسبق الأحداث ويحرص على أن يوجه أولاده ومن ولاه الله أمرهم قبل أن تقع منهم الأخطاء، فكما يقال (الوقاية خير من العلاج).
هذا فيما يتعلق باهتمامه صلى الله عليه وسلم ببناته.
أما الأمور الأخرى التي كانت خارج منـزله صلى الله عليه وسلم فكان ينقلها عنه الجماهير الغفيرة من الصحابة رضي الله عنهم الذين يصحبونه في سفره وحضره، وينقلون عنه أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام، فكان وجود هذا العدد من النساء سبباً في معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في منـزله.
ومن العجيب أننا الآن وبعد مرور أربعة عشر قرناً على وفاته صلى الله عليه وسلم ما زلنا نعرف أدق التفاصيل عن حياته البيتية مما لا يعرفه الواحد منا عن جاره، أو أخيه، أو زميله في العمل، ولا يعرفه الأب عن ابنه، ولا يعرفه الابن عن أبيه، الابن لا يعرف كيف يقضي أبوه حياته في داخل غرفته الخاصة، أو في منـزله الخاص، والأب لا يعرف هذا من ابنه، والصديق لا يعرفه من صديقه، لكننا نعرف ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حتى تتم الأسوة والقدوة لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
وهديه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمعاملته لأزواجه، وبالمناسبة فاستعمال كلمة أزواج للمرأة وهو جمع زوج والمرأة تسمى زوجاً والرجل أيضاً يسمى زوجاً، وهذا هو الأفصح وهو الذي ورد في القرآن الكريم، وأما تسمية المرأة زوجة فهي أيضاً فصيحة وصحيحة، ولكن تلك أفصح منها فيقال أزواج بمعنى زوجات، ففيما يتعلق بتعامله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه أيضاً أشير إلى ثلاثة جوانب:
ولذلك كان الزواج من سنن المرسلين فالله عز وجل ذكر عن المرسلين أنه جعل لهم أزواجاً وذرية وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج فقال في صحيح مسلم عن ابن مسعود: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} وهذا عام للذكر والأنثى فهو يصح أن يقال عن الفتاة كما يقال عن الشاب.
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالحب لأزواجه على تفاوت في ذلك، في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية قِبَلْ نجد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله من أحب الناس إليك قال:
وكذلك تجدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على زينب وكان رجال يتحدثون في مجلسه صلى الله عليه وسلم فكأن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأهم وهو ينتظر أن يخرجوا بعد أن أكلوا طعام الوليمة، فخرج عليه الصلاة والسلام ثم دار على نسائه كعادته فكان يقول: السلام عليكم، وكيف حالكم؟ ويسأل نساءه عن أحوالهن، ثم رجع فوجد هؤلاء الرجال لا يزالون جالسين فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً عرفوا أنهم أثقلوا عليه فقاموا مسرعين وخرجوا. فوضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب، والحديث أصله في صحيح مسلم. فكونه يستبطئ جلوس هؤلاء الرجال، ويرغب أن يُتيحوا له الفرصة ليخلوا بزوجه، هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر وضع الله عز وجل في قلبه ما فيه المحبة لزوجاته، وجعل الزواج سكناً ومودة ورحمة له عليه الصلاة والسلام كما هو لسائر الأمة المحمدية، هذا من حيث المحبة.
ولاشك أنه عليه الصلاة والسلام يتفاوت حبه لأزواجه بعضهن عن بعض، ولذلك اشتهر حبه لعائشة، وكذلك زينب كان يحبها صلى الله عليه وسلم، ولا يمنع هذا أن يكون حبه لبعض نسائه دون ذلك كما تدل عليه روايات كثيرة وهذا لا شيء فيه، فكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح: {اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك} هذا قسمي فيما أملك أي من الأشياء التي بمقدور الإنسان أن يعدل فيها، فلا تؤاخذني أو فلا تلومني فيما تملك ولا أملك، وذلك هو الحب في القلب وما يترتب عليه، فهذا لا يمكن أن يوجد الإنسان في قلبه محبة لأحد ليست موجودة إلا أن يشاء الله، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24] هذا من جانب.
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: {كنت ألعب بالبنات } أي: تضع لها لعباً من البنات بيدها وهي لعبة بدائية بسيطة وليست كاللعبة الموجودة اليوم وبها تقاسيم وصور، كأنها حقيقية، بل ربما تكون أجمل أحيانا من الصورة الحقيقية، صور بدائية بسيطة تصنعها بيدها فتقول: {ومعي بعض النسوة وبعض الفتيات الصغيرات، فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجن فإذا خرج دخلن} فتيات صغيرات يخجلن من الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا دخل البيت خرجن وإذا خرج من البيت دخلن، يلعبن مع عائشة بالبنات.
وأعجب من ذلك الرواية التي رواها أبو داود عنها وهي عجب من العجب بعدما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك تقول عائشة رضي الله عنها: {كنت قد وضعت بناتي، التي كنت ألعب بهن في كوة، أي نافذة في الجدار وعليها الستار فجاءت الريح فحركت الستر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم البنات فقال: ما هؤلاء البنات يا
فلذلك كانت تعمل هذه الأشياء التي تتناسب مع سنها رضي الله عنها وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فيعاملها بهذه المعاملة كما سمعتم، ولذلك قالت هي أيضاً كما في الصحيح لما ذكرت نظرها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، وأنها وضعت خدها على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسترها من الناس وهي تنظر إليهم يلعبون حتى ملت، فلم يضيق عليها رسول الله صلى لله عليه وسلم أو يقول يكفي، تركها على رسلها حتى إذا اكتفت من النظر إليهم أومأت، قال اكتفيت قالت نعم، فانصرفت رضي الله عنها، فكانت تقول فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، أي أن الرسول عليه والصلاة والسلام كان يعاملها بهذه المعاملة لحداثة سنها، ولا شك أن المرأة حين تكبر لا تقوم بمثل هذه الأعمال أصلاً لا عائشة رضي الله عنها ولا غيرها من أزواجه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى الجانب الواقعي في شأن المرأة، يروي النسائي في سننه عن أنس: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت
والثالث: وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته شأن عجيب.
أيها الإخوة ولو جمعت الأخبار والأحاديث الصحيحة المتعلقة بمعاملته لأزواجه لكان فيها عبرة وأسوة وقدوة، ولكن لا يتسع المجال لأكثر من ذلك.
فيجب علينا معشر المسلمين والمسلمات أن نحرص على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به في كل أمورنا الخاصة والعامة، في البيت وخارج البيت، والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده محمد وأهله وأصحابه أجمعين.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد ففيما يتعلق بموضوع الشعر وكيفية تصرف المرأة في شعرها، هناك جانبان لا بد من مراعاتهما:
الأول: أن الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حرم على المسلمين ذكرانهم وإناثهم التشبه بالكافرين فقال الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] فحذرنا سبحانه أن نكون كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من تشبه بقوم فهو منهم} وهذا اللفظ عام {من تشبه بقوم فهو منهم} أي: في الخير والشر، وإن كان سياق الحديث يدل على أن التشبه المنهي عنه هو المقصود بالأصالة، ولكن يمكن أن يكون معنى الحديث عاماً، فمن تشبه بالصالحين والسلف والصحابة والتابعين رجالاً ونساءً فهو منهم، ومن تشبه بالمشركين واليهود والنصارى فهو منهم، والفتاة التي تتشبه -مثلاً- بعارضات الأزياء، وبالممثلات، وبالمغنيات، فهي تحشر معهن، وهى معدودة منهن في شرع الله، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وهذا هو مضمون قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] فإن التشبه نوع من التولي، فأي عمل فيه تشبه أو يقصد من ورائه التشبه بالمشركين فهو حرام، سواء كان في اللباس، أو في غيره لهذا العموم.
ولذلك فكون بعض الفتيات تتابع الموضات والأزياء والتسريحات كما يقولون ففي كل وقت تسريحة لها طريقة خاصة ونظام خاص، وهذه التسريحة تصدر من عند أصحاب التجميل ودور الأزياء وتصفيف الشعر في الدول الأوروبية، وتصدر إلى البلاد الإسلامية، فتراها الفتاة المسلمة ظاهرة على الممثلة -مثلاً- أو المغنية، فتقلدها في ذلك، وهذا أثر آخر من آثار مشاهدة المسرحيات والأغاني وغيرها من الأمور التي حرمها الله عز وجل على المسلمين، ففي مثل هذه الحال يحرم على المرأة المسلمة التشبه بهؤلاء النسوة في مثل هذه الأشياء.
بل ينبغي على المسلمة أن تكون مستقلة بأمورها وأعمالها وطريقتها في الحياة وطريقتها في التجمل وما أشبه ذلك، أما فيما عدا ذلك فالأصل الإباحة، وقد ورد في صحيح مسلم أن أمهات المؤمنين كن يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة، وهذا يدل أيضاً على الجواز، ومثله أيضاً طريقة تسريح الشعر وكيفية جدله هل يكون بهذه الطريقة أم بتلك، كل هذه الأشياء الأصل فيها الإذن، إلا إن كان المقصود بشيء منها التشبه بالمشركين فحينئذٍ يكون محرماً، لا لذاته لكن لدخول قصد التشبه فيه، والله أعلم.
الجواب: المنهج الأفضل للتربية الحديثة فيه يحتاج إلى أن يخصص الإخوة القائمون على هذه المحاضرات -جزاهم الله خيراً - حلقة خاصة يُتحدث فيها عن موضوع التربية، إنما يمكن أن أشير إلى بعض النقاط السريعة فمن ذلك:
أولاً: من المهم في تربية الطفل مراعاة ما سبق من إشباعه بالحنان والعاطفة، وهذا أمر يحتاج إليه كثيراً في سن الطفولة، ولهذا نجد الآن أن كثيراً من الأمهات يعزفن عن إرضاع أطفالهن ويلجأن إلى الرضاعة الصناعية، وهذا له أثر سلبي على الطفل -كما ذكر ذلك علماء التربية وغيرهم- لأن الطفل يتلقى مع لبن الأم يتلقى الحنان والعاطفة والمودة وينشأ على ذلك، فهذه قضيه مهمة أن تحرص الأم على أن تغذي ابنها بالعطف والحنان، بعض النساء تذكر أنها لا تُقبل أبناءها وأطفالها، ولا تقربهم ولا تضمهم إليها، وربما تنتقد من يفعل ذلك، وهذه يشبه حالها حال الأقرع بن حابس الذي ورد ذكره في الحديث السابق والذي استغرب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقبل بعض ولده.
الأمر الثاني: أن على الأم ألا تعود الطفل كثرة الصراخ والضجيج والتعنيف، فأكثر أمهات اليوم أسلوبها في التربية أسلوب الصراخ، فتجد أن الطفل، بطبيعته من غير الممكن أن يجلس في زاوية ويضع كفيه على ركبتيه ويسكت! هذا لا يمكن. ما خلق هكذا، خلق فعالاً متحركاً فتجد أنه يريد أن يذهب ويأتي، ويعمل، ويتحرك، ويلعب، ويتكلم، وقد يفسد ويخرب بعض الأشياء وهذه أشياء طبيعية، لكن معالجة هذه الأشياء يجب أن تكون بصورة هادئة ومقدر فيها وضع الطفل وطبيعته، بحيث يعوّد على أن هناك أشياء لا يصلح أن يفعلها، ويكون معه حزم في هذا الجانب، ويعطى فرصة في أشياء معينة، فإذا وقع منه خطأ يبين له أن هذا خطأ، وإذا أريد عقابه يعاقب بالتوبيخ الهادئ، يعاقب بالحرمان من بعض الأشياء، بدلاً من أن كنت تعطيه شيئاً أحرمه من هذا الشيء، لأنك فعلت كذا وكذا، يثاب أيضاً، لا يكتفى بالعقاب، بل يثاب فيعطى بعض الأشياء التي تشجعه على بعض الأمور فإذا فعل أمراً حسناً يجد من أهله الفرح بهذا الأمر والتشجيع سواء بالكلام، أو بالفعل، ويعطي بعض الأشياء التي تجعله يكرر مثل هذا الفعل، إذا صدر من الطفل تصرف غير صحيح وهو مضحك فعلى الأم وكذلك الأب أن يتجنبوا أن يضحكوا للطفل في مثل هذه الحالة، لأن الطفل يفهم أن الضحك يعني سرور الوالدين بهذا التصرف.
على سبيل المثال قد يكون الطفل لا يزال يتعلم النطق بالحروف، فقد يقول كلمة نابية أو شتيمة فيفرح الوالدين بها لأنها تدل على أن الطفل بدأ يتكلم فيضحكون، فالطفل يتعود من ذلك أن هذا أمر حسن ويكرره بعد هذا، فلذلك إذا صدر من الطفل تصرف غير صحيح وهو مثار ضحك فينبغي للوالدين ألا يضحكا أمام الطفل، لأنه سيفهم من ذلك الموافقة على هذا والإعجاب به.
كذلك على الأم أن تحرص على تلقين أطفالها المبادئ البسيطة من الشهادتين، وحب الله تبارك وتعالى ومحبة الوالدين، وتجنب الكلام السيئ، والجنة، والنار، وما أشبه ذلك، فهذه الأمور إذا وجدت مع الطفل منذ نعومة أظافره فإنها تستقر بإذن الله في قلبه، ثم كلما كبر احتاج إلى وسائل جديدة في التربية، وإلى تضافر الجهود من الوالدين في ذلك، وكما ذكرت أن موضوع التربية الحديثة فيه يطول، إنما هذه بعض اللمحات السريعة.
الجواب: هذا سبق الإشارة العابرة إليه، وذلك أن اليهود أيها الإخوة والأخوات يحرصون على أشياء منها أمران مهمان عندهم:
الأمر الأول: نهب أموال الناس وخيرات البلاد.
والأمر الثاني، بل يجب أن يكون هو الأول، إفساد أخلاق الأمم وعقائدها وأديانها، ولذلك لجأوا إلى وسائل كثيرة، منها أنهم أوجدوا لهم دوراً ومحلات خاصة في فرنسا وغيرها لتصدير الأزياء والموضات وغيرها، فهم يصدرونها إلى أنحاء العالم، وكل يوم يخرجون بجديد ولا يمنع أن يساعدهم في ذلك بعض الأمميين من غير اليهود الذين أصبحوا ألعوبة في يد اليهود، ومن الأمر العجيب جداً والذي تلاحظه الأخوات المسلمات بوضوح أن هذه الأزياء التي تصدر للعالم تصبح كأنها أمر حسم، وحزم، وحتم لا يسع الفتاة أن تخالفها، فسرعان ما ينتشر انتشار النار في الهشيم فيصبح هو موضة العصر أو الوقت، وتتوارثه البنات بعضهن عن بعض، ويتناقلنه حتى تصبح الفتاة التي تخرج عن هذا التقليد وتخالفه مثار سخرية من زميلاتها أحياناً دون أن يعلم هؤلاء النسوة المسكينات أنهن وقعن فريسة للتضليل اليهودي والخداع، وأن هذا الأمر يقصد من ورائه أمور:
أولاً: تحطيم الأخلاق، لأن الموضات تختلف، فأحياناً لا يمنع أنهم يأتون بموضات طويلة، أي: ثوب يسحب في الأرض، المرأة المقلدة لا مانع لديها أن تلبس ثوباً يسحب في الأرض ما دام أنه موضة جاءت من البلاد الأوروبية، لكن حين يكون هذا أمر من عند الله، أو من عند الرسول صلى الله عليه وسلم نجد الكثير من المسلمات تمتنع عن هذا الأمر، وإن كان الكثير منهن يمتثلن أيضاً والحمد لله، وهذا أمر طيب ولا بد من التنويه به، لكن هذه الموضة يمكن أن تكون في وقت آخر ثياباً فاضحة ويتعمد اليهود أن يعرضوها في صور نسوة جميلات، وفي صور مغنيات وممثلات، يأخذن جولات حتى على البلاد الإسلامية، ويعرضن رقصات وغيرها في أجهزة الإعلام، فيشاهد الرجال والنساء هذه الأشياء ويتلقونها وينفذونها.
فهناك خطر على الأخلاق والأديان أولاً وهناك خطر على الأموال ثانياً، ولا شك أن خطر الأموال لا يقاس بخطر فساد الدين وفساد الخلق، ولكنه أيضاً خطر وارد وواقع.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم حذر في الأحاديث الصحيحة من أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فبعضها أطلق هكذا أن تسافر المرأة، وفي بعضها مسيرة يوم وليلة، وبعضها مسيرة ثلاثة أيام، فسفر المرأة بغير محرم واستقدام المرأة أيضاً بغير مَحرَم مُحَرَّم، فالفتاة التي تسافر بدون محرم تقع في الإثم، والعائلة التي تستقدم امرأة للخدمة أو لغيرها ليس معها محرم أيضاً تقع في الإثم وتشارك فيه، فعلى المرأة المسلمة ألا تسافر إلا مع ذي محرم، وحين تكون داخل البلد ويكون مع السائق امرأته -مثلاً- فهذا لا بأس به، أما لو وجدت الفتاة أنه لا يصحب زوجته معه وقد تكون وحدها في الأتوبيس، فحينئذٍ عليها أن تبلغ عن هذا الأمر، لأن الجهات المسئولة فيما اعتقد تمنع السائق إلا أن يكون أو تكون بصحبته زوجته.
الجواب: التقبيل والمصافحة، أما المصافحة للمحارم فجائزة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن مصافحة المرأة الأجنبية، أما فيما يتعلق بالتقبيل فأيضاً ورد ما يدل على جواز ذلك لكن ينبغي أن ينتبه إلى الفرق بين المحارم، فرق بين الأب -مثلاً- وبين الأخ، فالأب أقرب وأشد علاقة بابنته من الأخ بأخته، ولذلك فإن الأخ عليه أن يتجنب أن يقبل أخته يعني أن يقبلها في فمها -مثلاً- وإنما لا بأس من المعانقة عند القدوم من السفر أو ما أشبه ذلك عند القدوم من غيبة طويلة، وأما الأب فقد ورد أن أبا بكر رضي الله عنه قَبَّلَ عائشة رضي الله عنها وينبغي أن ينتبه إلى أن كل أمر يثير شهوة الإنسان ويحرك غريزته فهو محرم حتى ولو كان مباحاً في الأصل، وفي هذا العصر أيها الإخوة وجدت مغريات كثيرة، ووجد نوع من المسخ في الفطر، ولذلك تسمعون بين الآونة والأخرى عن محرم قد ينتهك عرض محرمه وهو محرم لها، كأخته والعياذ بالله أو قريبته التي تحرم عليه، بل ربما يقع أعظم من ذلك، ولذلك يجب التنبيه إلى أنه حتى هذه الأشياء إذا كانت مثار شهوة، أو غريزة، أو تدعوا إلى الفتنة فإنها تكون محرمة حينئذ، فالأب يحرم عليه أن ينظر إلى ابنته بشهوة، والأخ يحرم عليه أن ينظر إلى أخته بشهوة، ومن باب أولى أن يكون التقبيل كذلك.
الجواب: صوت المرأة ورد في أحاديث أنه عورة، لكن هذه الأحاديث فيها مقال، والصحيح أن صوت المرأة ليس بعورة، ويجوز للمرأة أن تتحدث للحاجة سواء حديثاً مباشراً أم بواسطة الهاتف أم غيره إذا كانت تتحدث لحاجة أو مصلحة كما يقع -مثلاً- في بعض المسئولات عن بعض الأعمال والدوائر وغيرها، أو كما يقع للاستفتاء والسؤال، أو للتعليم، أو لما أشبه ذلك، أو السلام أيضاً على بعض الأقارب والمعارف والجيران.
الجواب: دور المرأة المسلمة في ذلك دور عظيم، وعلى عاتقها مهمة كبرى، وذلك لأن مجتمع النساء في بلادنا ولله الحمد مجتمع مغلق في الجملة عن الرجال، فالمرأة تستطيع أن تؤثر في بنات جنسها، أما الرجال فتأثيرهم في أوساط النساء قد يكون قليلاً لأسباب كثيرة، فالمرأة أبلغ في التأثير على بنات جنسها، ولذلك فمسئولياتها كبيرة، ويجب على كل فتاة تشعر بأنها تستطيع أن تقدم خيراً لأخواتها، العمل على النصيحة والإرشاد، ونشر الكتب المفيدة، وكذلك الأشرطة والمحاضرات المفيدة، وترتيب الأنشطة بين النساء في الأماكن التي يجتمعن فيها، والتي يكون فيها تقوية لإيمانهن، وتحذير من الأخطاء والفتن المحدقة بهن، وهذا الواجب يحتاج إلى أن يتصدى له بعض المؤمنات اللاتي عرفن واجبهن نظراً لغلبة الجهل على كثير من النساء والمتعلمات أيضاً، كثير منهن ليس لديها الشعور بواجب الدعوة، وهذا يضاعف من المسئولية على كل فتاة تشعر بأنها تستطيع أن تدعوا إلى الله أو تصلح ولو بعض الإصلاح.
الجواب: أما فيما يتعلق بالحائض فلا يجوز لها دخول المسجد كما في حديث أم عطية: {وأمر الحيّض أن يعتزلن مصلى المسلمين} فدخول الحائض في المسجد لا يجوز، ولا شك أن المكان الذي تجتمع فيه النساء في هذا المكان يعد جزءاً من المسجد، أما خروج المرأة متطيبة ومتعطرة للمسجد فهو لا يجوز، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة وغيره أنه قال:{وإن خرجت على قوم فمرت عليهم فوجدوا ريحها فهي كذا وكذا} أي: زانية، والحديث صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: {وليخرجن وهن تفلات} أي: بعيدات عن التجمل والتطيب والتزين، والمرأة المسلمة حضرت لتسمع الموعظة، والذكر، والقرآن، وكلام الله عز وجل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلام المؤلفين والعلماء والمصنفين، ومثل هذا المكان ينبغي الاستعداد له بتفريغ الخاطر، والانتباه، والإنصات، والسؤال عما يشكل وما أشبه ذلك، وأيضاً نقل هذا العلم للآخرين، ونشره بينهم، وحثهم على المشاركة فيه، أما التزين والتطيب والتجمل فلا يناسب هذا المقام، بل لا يناسب خروج المرأة أصلاً.
فالمرأة إذا لم يجز لها أن تتطيب لخروجها إلى المسجد فإن يكون ذلك محرم عليها إذا خرجت لغيره من باب أولى، اللهم إلا لو كان خروجها إلى مجتمع نسائي بحت لا تمر من عند رجال ولا تقترب منهم ولا يكون ريحها يصل إليهم.
الجواب: الأصل أن الأب هو القيم على البيت -السائلة أمه- وهي التي تخاف هنا، ولكن أيضاً يُسأل عن دور الأب فإذا كان الأب، موجوداً فيجب أن يقوم هو بهذا العمل، لكن لنفترض أن الأب غير موجود متوفى -مثلاً- أو في حكم المتوفى، ومن هو الذي في حكم المتوفى الأب المنشغل عن بيته الذي لا يهمه ما يكون في البيت وماذا يقع، إما لضعف شخصيته، أو لانشغاله في التجارة وغيرها، أو لانشغاله مع الأصحاب الذين يقضي وقته في اللهو واللعب معهم، أو لأن الأب نفسه غير مستقيم ولا يمانع من وجود مثل هذه الأشياء، فهنا يأتي دور الأم، وعلى الأم أن تقاوم، وتدرك أنها مسئولة حينئذٍ عن إخراج هذه الأجهزة من البيت وإبعادها وحماية الأطفال منها، وجود هذه الأجهزة في البيت هو ضار بالابن الذي أحضرها، ولكن ضررها أيضاً يتعدى إلى بقية من في البيت من الأبناء والبنات الآخرين وسواهم، ممن قد لا يكون لهم تعلق -أصلاً- بوجود هذا الجهاز، لكن حين وجد بدأ تعلقهم فأثر فيهم تأثيراً سيئاً، ولم يقتصر على الشخص أو الفرد الذي أحضره، فلا بد من إخراجه والبحث عن الوسيلة المناسبة التي تضمن خروج هذا الجهاز، مع محاولة ألا يسخط الابن، ولكن لو حصل سخطه وانفعاله، فأيضاً لابد في مثل هذه الحالة، من إخراج هذا الجهاز والتخلص منه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر