إسلام ويب

شرح لمعة الاعتقاد [5]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دلت نصوص الكتاب والسنة على إثبات الصفات لله تعالى إثباتاً حقيقياً يليق به عز وجل، فيجب إثباتها لله تعالى، مع تنزيهه سبحانه عن المثيل والشبيه والنظير، وعما يتخيله المتخيلون ويتصوره المتصورون، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

    1.   

    مناظرة السلف لأهل البدع

    قال الموفق رحمه الله: [وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيء لم يعلمها هؤلاء أعلمته أنت؟ قال الرجل: فإني أقول: قد علموها. قال: أفوسعهم أن لا يتكلموا به ولا يدعوا الناس إليه، أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم. قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه، لا يسعك أنت؟ فانقطع الرجل. فقال الخليفة -وكان حاضراً-: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم] .

    هذه مناظرة فاضلة، تندرج تحت قاعدة عامة، ذكرها مالك وغيره من السلف وهي: (أن كل صاحب بدعة فإنه مخصوم بالإجماع)؛ لأن البدعة: هي المخالفة لمذهب السلف، ومذهب السلف هو القول المجمع عليه.

    إذاً: يقال لكل صاحب بدعة إن بدعتك هذه مخالفة لإجماع السلف، واتباع السلف واجب؛ لقول الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ [التوبة:100]إلى آخر الآية.

    أما هذه المناظرة فقد رويت عن الدارمي ، ورويت عن الإمام أحمد وغيره، ووجه روايتها عن الإمام أحمد ، أنه حين ناظر المعتزلة في مسألة خلق القرآن، قال الإمام أحمد لـابن أبي دؤاد : "يا ابن أبي دؤاد ! القرآن مخلوق -أي: قولكم معشر المعتزلة: القرآن مخلوق- أهذا من الدين أم ليس من الدين؟" لابد أن ابن أبي دؤاد سوف يقول: من الدين؛ لأنه لو قال: ليس من الدين أسقط قوله. قال: "من الدين. قال أحمد : هذا الدين علمه الرسول وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموه؟ قال: علموه. قال الإمام أحمد : أين هو في كلامهم؟".

    وهكذا يقال لكل صاحب بدعة، فانقطع ابن أبي دؤاد ، وقال: "أقلني يا أبا عبد الله " -هكذا تقول الرواية، وهي إخبارية في الجملة- قال الإمام أحمد : "أقلتك. فقال ابن أبي دؤاد : لا، ما علموه، فقال الإمام أحمد : دين لم يعلمه النبي والخلفاء جئت لتعلمه أنت؟!" فكان انقطاع ابن أبي دؤاد في الثانية أشد.

    ولما كان المجلس الثاني، قال ابن أبي دؤاد للإمام أحمد : "يا أحمد ! القرآن ليس مخلوقاً -يعني أهل السنة يقولون: القرآن ليس مخلوقاً- أهذا من الدين؟ قال الإمام أحمد : من الدين. قال: عرفه النبي والخلفاء أو لم يعرفوه؟ قال الإمام أحمد : عرفوه. قال: أين هو في كلامهم؟" أي: هات من السنة النبوية أو من كلام أبي بكر أو عثمان أو علي أو عمر ، أنهم قالوا: القرآن ليس مخلوقاً، ليس هناك تصريح عن الرسول بهذه الكلمة: القرآن ليس مخلوقاً؟ ولا يعلم صحابي قالها، لكن هل انقطع الإمام أحمد ؟ لا.

    ومن هنا تعلم قوة حجة علماء السنة؛ لأنهم على الحق، أما علماء العقل، فقد شُنع عليهم تشنيعات كثيرة، والله يقول في كتابه: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ [الملك:10]فالعقل نعمة خلقها الله ليعرف بها الحق لا ليكفر بها الناس، ولهذا قال الكفار عند مآلهم: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ [الملك:10]والله يقول: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف:179].. إلخ.

    والإمام أحمد لما أورد عليه ابن أبي دؤاد هذا الإيراد، أجاب مباشرةً بجواب عقلي مقنع، قال: "اسكتوا نسكت" ومعنى هذا الكلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن هذا كلام الله، حيث يقول: (أعوذ بكلمات الله)والله يقول في القرآن: وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]ويقول الله في القرآن كثيراً: (أنزله) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]... تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1].. إلخ.

    فقال الإمام أحمد : اسكتوا نسكت. أي: أن جملة المعتزلة، هي إثبات النفي: القرآن مخلوق، وجملة السلف: القرآن ليس مخلوق، جملة نفي. والإمام أحمد يقول: إنكم قلتم جملة إثبات ليس لها أصل في القرآن، فإذا كان ليس لها أصل في القرآن جئنا نحن لننفيها، والرسول ما نفاها؛ لأنه لم يتكلم بها أحد في زمانه، فلما جاء قوم وقالوا: بدعة. لزم صاحب السنة والحق أن ينفي، ولهذا قال: "اسكتوا نسكت" أي: إن لم تقولوا: القرآن مخلوق. لا نحتاج أن نقول: ليس مخلوقاً، كما أن الصحابة لم يحتاجوا ذلك.

    فهذا من فقه الأئمة في مناظراتهم، الذي يجب أن يستفيده طالب العلم؛ لبيان الحق، ودحض شبه أهل البدع.

    قال الموفق رحمه الله: [وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم، من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت، فلا وسع الله عليه] .

    هذا التعليق من المصنف هو تبع لما سبق ذكره في كلامه، وما نقله عن الشافعي والأوزاعي والإمام أحمد في تقرير طريقة السلف، وأنهم يقفون على قدر ما ورد به الخبر في كلام الله أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا إشارة من وجه آخر إلى الرد على أهل التأويل من المتكلمين، الذين تأولوا آيات الصفات على غير ظاهرها، وعلى غير معناها المعروف من كلام الصحابة والأئمة، فاستحقوا أن يُدعى عليهم بالضيق؛ لأنه لم يسعهم طريق السلف الصالح.

    1.   

    ذكر بعض آيات الصفات

    قال الموفق رحمه الله: [فمما جاء من آيات الصفات قول الله عز وجل: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27]، وقوله سبحانه وتعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وقوله تعالى إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]، وقوله سبحانه: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22]، وقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ [البقرة:210]، وقوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119]، وقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، وقوله تعالى في الكفار: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح:6]، وقوله تعالى: اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:28]، وقوله تعالى: كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ [التوبة:46]] .

    بعدما قرر الموفق رحمه الله المنهج الذي عليه السلف في هذا الباب، وذكر قاعدة السلف في باب أسماء الرب سبحانه وتعالى وصفاته؛ ذكر الأدلة التي تصلح أن تكون أمثلة لذلك، وهذا هو الذي درج عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة الواسطية، فإنه حاكى الموفق في ذلك، إذ قرر الإمام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية القاعدة والمنهج عند السلف في الأسماء والصفات، ثم قال: "وقد دخل في هذه الجملة ما ذكره الله في سورة الإخلاص"، وما بعد ذلك من سياقه للآيات.

    وعليه: فهذه الآيات قاعدتُها واحدة، وهي: أن كل ما ذكر الله سبحانه وتعالى من صفاته في كتابه فإنه حق على ظاهره، ولا يجوز تأويله بما يخالف هذا الظاهر.

    1.   

    تقسيمات المتأخرين للصفات

    درج المتأخرون من أهل السنة الذين تكلموا في الصفات إلى تقسيم الصفات إلى قسمين:

    صفات ذاتية.

    وصفات فعلية.

    وقد ذكر المصنف صفة الوجه وصفة العلم، وصفة المجيء في قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22]، وكذلك صفة الإتيان وغيرها من الصفات.

    وبعضهم يقول: إن الصفات تنقسم إلى:

    صفات ذاتية.

    وصفات خبرية.

    وصفات فعلية.

    وهذه التقاسيم هي من الاصطلاح الذي يوسع فيه، إذا كانت المعالم منضبطة بوجه صحيح، وإن كان هذا التقسيم ليس مقصوداً لذاته، أي: ليس هو من الحقائق المطردة، التي يقصد إلى ذكرها في كلام أهل السنة والجماعة.

    ولهذا لا يلزم أن يمتحن الناس ويُسألوا عن تقسيم أهل السنة للصفات؟ فإن أهل السنة المتقدمين من أئمة السلف لم يقسموا هذا التقسيم للصفات، لكن هذا تقسيم ذكره من ذكره من علماء السنة والجماعة المتأخرين، فذكره يكون على قدر هذه التوسعة، لا على قدر القصد إليه.

    ولهذا من استعمله ليضبط المعاني فلا بأس، ومن تركه وضبط المعاني بدونه فهذا هو الأولى؛ لأن هذا التقسيم فيه ألفاظ إضافية يدخلها شيء من الإشكال، فحين يقولون: الصفات الذاتية، قد يُفهم أن القسم الثاني أو الثالث ليس ذاتياً، وهذا المفهوم ليس مراداً له، ولكنه قد يتبادر إلى الذهن، وحين يقولون: الصفات الاختيارية، فكأنه يفهم أن ثمة صفات خلاف الاختيار.

    ولهذا نقول: هذا التقسيم هو اصطلاح، أما أن يقال: إن من قواعد السلف أنهم يقسمون الصفات إلى: ذاتية وفعلية، أو إلى خبرية وما يقابلها، فهذا فيه تردد؛ لأنك إن قلت: إن القسم الأول خبري، والثاني ليس خبرياً؛ أشكل على ذلك أن جميع الصفات خبرية، باعتبار أن الخبر جاء بها، الذي هو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهي إخبار من الله، وإخبار من رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ولهذا فإن هذا التقسيم لا يستعمل في كلام التابعين، أو أئمة السنة المتقدمين كالإمام أحمد وأمثاله.

    1.   

    إثبات الصفات حسب مجيئها في السياق

    - هناك مسألة مهمة في صفات الله سبحانه وتعالى: وهي أن صفات الله سبحانه وتعالى تستعمل إثباتاً لله سبحانه وتعالى على وجه سياقها الذي وردت به في النصوص، لا على سبيل الإفراد.

    لأن بعض المتأخرين من طلبة العلم الذين يقررون مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات درجوا على هذه الطريقة، وهذا ليس خاصاً بهؤلاء، بل درج عليه من الأئمة المتقدمين ابن مندة وغيره، وكذا بعض المتأخرين من أصحاب الأئمة، هؤلاء صار عندهم في تقرير الصفات: الفك لذكر الصفة عن سياقها، إلى قدر من الإفراد، وصاروا يقولون: إن من صفات الله: العلم، والسمع، والبصر، والمكر، والكيد، والغضب، وأمثال ذلك، فيجعلون الصفة منفكة على قدر من الإطلاق.

    والصواب: أن الصفة تثبت لله سبحانه وتعالى على وجه سياقها في كلامه أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإذا تأملت آيات الصفات في كلام الله، وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وجدت أن الصفات تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: صفات مطلقة.

    القسم الثاني: وصفات مقيدة.

    ولهذا فإن الصفات المطلقة تثبت له سبحانه وتعالى إطلاقاً، وأما الصفات التي لم تذكر في القرآن أو في السنة إلا في سياق التقييد، فإنها لا تستعمل في مقام الإثبات له على الإطلاق، وإنما تستعمل تقييداً، وهذا هو أصل ضبط اللسان العربي؛ فإن لسان العرب من جهة فهم كلامهم، إنما يعتبر بالسياقات، ليس بآحاد الكلمات، ولهذا قال ابن مالك :

    كلامنا لفظ مفيد... ...............

    فلا بد أن يكون مركباً إما من فعل وفاعل، أو مما تحصل به الإفادة.

    فمثلاً: أن قوله تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق:15-16]، وقوله تعالى:

    وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30]، مثل هذا السياق فيه تقييد؛ لأن الله لم يذكر المكر أو الكيد صفة له على الإطلاق، بل يعرف بالعقل والشرع أن ذكر المكر أو الكيد صفة لمعين على الإطلاق هو ذم وليس مدحاً.

    ولله المثل الأعلى، لو قيل عن عالم ما: وكان، حافظاً، ثقةً، مفسراً، فقيهاً، ماكراً، لما تأتى ذلك، ولكان القول بأنه ماكر قدح وليس مدحاً.

    فالذي أوجب ذكر هذه القاعدة: أن هذه الصفات، إذا فكت عن سياق التقييد الذي وردت فيه لم تكن مدحاً على التحقيق.

    ولهذا يجب أن يلتزم في هذه الصفات بالسياق القرآني، فما ذكره الله مطلقاً أثبت له على الإطلاق كصفة العلم.

    ويقال: ومن صفاته: العلم، ومن صفاته: القدرة والرحمة، والعزة، والحكمة.. إلى غير ذلك.

    وأما الصفات التي لم تذكر إلا مقيدة بوجه: كالمكر، والكيد، وأمثال ذلك، فهذا يستعمل على وجه ذكره في القرآن.

    ولهذا لا يصح أن يقال: ومن صفاته المكر على الإطلاق؛ لأن الله لم يذكر المكر صفة له إلا مقيدة، والمكر على الإطلاق ليس صفة مدح.

    1.   

    ذكر بعض أحاديث الصفات

    قال الموفق رحمه الله: [ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا)، وقوله: (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)، وقوله: (يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة)، فهذا وما أشبهه مما صح سنده، وعُدَّلت رواته، نؤمن به، ولا نرده، ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره] .

    قوله: [ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره] دليل على أن المصنف بريء من مذهب التفويض، وإن كان يشتبه في بعض جمله الأولى ما هو من ذلك.

    لكن ذكره لصفات الأفعال كالنزول والضحك وأمثالها، وإبانته رحمه الله لكونها على ظاهرها، ولا ترد بتأويل يخالف الظاهر؛ دليل على أنه يقر بمعناها، وأن مذهبه رحمه الله على مذهب الأئمة في هذا الباب.

    1.   

    التعطيل والتمثيل هما أساس الابتداع في الصفات

    قال الموفق رحمه الله: [ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدَثين] :

    المذاهب المعارضة لمنهج السلف في الصفات هي في الجملة مذهبان:

    مذهب التعطيل: وهو مذهب المؤولة، الذين عطلوا أسماء الرب سبحانه وتعالى وصفاته.

    مذهب المشبهة: الذين شبهوا صفات الله بصفات خلقه.

    أما المعطلة من المتكلمين؛ كالجهمية والمعتزلة، ومن يشاركهم في شيء من هذا كالأشعرية والماتريدية، وإن كان ثمة فرق بين الأشعرية والماتريدية وبين أئمة الجهمية والمعتزلة، فإن الأشاعرة يثبتون جملة من الصفات، ويتأولون جملة أخرى، وكذلك الماتريدية يثبتون جملة من الصفات ويتأولون جملة أخرى، والأشاعرة طبقات، وليسوا على درجة واحدة، وبعضهم أقرب إلى السنة من بعض.

    وفي الجملة: الأشاعرة أقرب إلى السنة والجماعة من الماتريدية، والأشعري رحمه الله أقرب من أصحابه إلى السنة والجماعة، والقاضي أبو بكر الباقلاني أقرب من جملة أصحاب الأشعري ، وهَلُمَّ جَرَّاً. فهم درجات في الجملة.

    ومما شاع عن مذهب الأشاعرة أنهم لا يثبتون إلا سبعاً من الصفات، والحقيقة: أن هذا هو مذهب لمتأخريهم، وأول من قرره وشرحه أبو المعالي الجويني ، وإن كان أصل هذا المذهب قد ذكره البغدادي في كتبه، ثم درج عليه مَن بعد الجويني مِن الأشاعرة.

    وأما المتقدمون من الأشعرية كـأبي الحسن إمام المذهب، والقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني ، وابن فورك وأمثال هؤلاء فإنهم يثبتون هذه الصفات السبع ويثبتون جملة من الصفات الخبرية: كالوجه، واليدين، وأمثال هذه الصفات.

    فالمقصود: أن الأشاعرة ليسوا على وجه درجة واحدة، والاقتصار على إثبات سبع صفات هو مذهب غلاتهم كـأبي المعالي الجويني ومَن بعده.

    وأما مذهب التشبيه، فأصله عن قوم من أئمة الرافضة، ثم دخل على جملة من الأحناف، أتباع محمد بن كرام السجستاني ، ويقال: مذهب المعطلة هو مذهب المشبهة؛ لأن المعطل لم يقل بالتعطيل إلا بعدما شبَّه، أي: أنه قال بالتعطيل هروباً من التشبيه الذي ظنه لازماً من إثبات الصفات.

    - تنبيه: لم يذهب أحد من المسلمين إلى تعطيل الرب سبحانه وتعالى عن مطلق الكمال، وإنما أثبتوا ما هو من أحكام الصفات، مع نفيهم لقيامها بالذات، فهذا هو مراد السلف بقولهم: إن هؤلاء معطلة.

    وكذلك المشبهة لم يذهب أحد من المسلمين إلى أن شبه الله بخلقه على التمام، فإن هذا هو الشرك في الربوبية، ولا يقع من مسلم، أو ينتسب إلى دين الإسلام، ولكن عندهم قدر من التشبيه، فمن هنا سموا مشبهة، وإن وقع فهو على سبيل النادر، وهذا النادر حكم عليه أهل العلم بالكفر.

    تنزيه الله تعالى عن المثيل والنظير

    قال الموفق رحمه الله: [ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]] :

    هذه الآية من أشرف قواعد الصفات، وهي جامعةٌ لباب الصفات، فقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) تنزيه له سبحانه وتعالى عن التشبيه، (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) إثبات أسمائه وصفاته، فإن هذين الاسمين تضمنا جملة من الصفات؛ لأن السميع تضمن صفة السمع، وكذلك صفة الحياة؛ لأن السميع لابد أن يكون حياً، إلى نحو ذلك من التراتيب.

    صفات الله خلاف كل ما يتصور فـي الذهـن

    قال الموفق رحمه الله: [وكل ما تُخُيِّل في الذهن، أو خطر بالبال، فإن الله تعالى بخلافه] .

    وهذا صحيح؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يحاط به علماً، وعليه يقال في قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) سواء كان هذا الشيء موجوداً أو متصوراً أو مفروضاً في الذهن، ومهما عارض أو تخيل المرء في ذهنه من الفروضات لكل صفة من صفاته، فإن الله ينزه عن هذه الكيفية؛ لأن العقل يمتنع أن يتصور أو يتخيل إلا كنهاً وكيفاً ناقصاً، وعليه سمات المحدثات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756016913