إسلام ويب

شرح الفتوى الحموية [29]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التزم السلف الصالح رضوان الله عليهم في باب الأسماء والصفات بما جاء في الكتاب والسنة، غير مؤولين ولا محرفين، ومع ذلك اتهموا بالعظائم زوراً من قبل أهل البدع، وما ضرهم ذلك.

    1.   

    الواجب في باب الأسماء والصفات

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

    قال رحمه الله تعالى: [ والله يعلم أني بعد البحث التام، ومطالعة ما أمكن من كلام السلف ما رأيت كلام أحد منهم يدل -لا نصاً ولا ظاهراً ولا بالقرائن- على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر، بل الذي رأيته أن كثيراً من كلامهم يدل -إما نصاً وإما ظاهراً- على تقرير جنس هذه الصفات، ولا أنقل عن كل واحد منهم إثبات كل صفة، بل الذي رأيته أنهم يثبتون جنسها في الجملة، وما رأيت أحداً منهم نفاها، وإنما ينفون التشبيه، وينكرون على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، مع إنكارهم على من ينفي الصفات أيضاً، كقول نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري : من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.

    وكانوا إذا رءوا الرجل قد أغرق في نفي التشبيه من غير إثبات الصفات قالوا: هذا جهمي معطل، وهذا كثير جداً في كلامهم، فإن الجهمية والمعتزلة إلى اليوم يسمون من أثبت شيئاً من الصفات مشبهاً، كذباً منهم وافتراءً، حتى إن منهم من غلا ورمى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بذلك، حتى قال ثمامة بن الأشرس من رؤساء الجهمية: ثلاثة من الأنبياء مشبهة: موسى حيث قال: إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ [الأعراف:155]، وعيسى حيث قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116] ومحمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ينزل ربنا) وحتى إن جل المعتزلة تدخل عامة الأئمة: مثل مالك وأصحابه، والثوري وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وإسحاق بن راهويه ، وأبي عبيد وغيرهم في قسم المشبهة ].

    هذا المقطع الذي سمعناه، فيه أن الشيخ رحمه الله لم يقف على من نفى الصفات الخبرية من السلف رحمهم الله، وذلك في جميع ما أثر وجاء عنهم، لا في نص كلامهم ولا ظاهره، ولا بالقرائن التي تحتف بالنصوص، فمذهب السلف رحمهم الله هو إثبات هذه الصفات لله سبحانه وتعالى، وهي الصفات الخبرية، كمذهبهم في الصفات الفعلية والذاتية، ونص على الصفات الخبرية؛ لأن كثيراً من المتكلمين يشغبون على أهل السنة والجماعة في إثباتها، ويسمونهم بما وسموهم به ووصفوهم به من التشبيه والتمثيل؛ لأنهم لم يعقلوا من تلك الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين والقدم والأصابع إلا ما عرفوه من المخلوق، فقالوا: إن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم، ويقتضي التركيب، هذه شبهتهم الكبرى التي صرفتهم عن إثبات هذه النصوص، فلما اعتقدوا أن هذه النصوص تقتضي التجسيم والتركيب، وأنها تقتضي التشبيه أو التمثيل، نفوها وسموا من أثبتها مجسمة أو مشبهة أو حشوية، أو غير ذلك من الأسماء التي سموا بها أهل السنة والجماعة.

    وأهل السنة والجماعة رحمهم الله كما أنهم أثبتوا الصفات على الوجه الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، وكما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، فإنهم أنكروا على الممثلة الذين قالوا بأن صفات الخالق كصفات المخلوق, أنكروا عليهم ذلك أشد الإنكار، فهم جمعوا في عقدهم الذي دانوا به رب العالمين في باب الأسماء والصفات بين الإثبات الموصوف بأنه من غير تعطيل ولا تأويل، ومن غير تكييف ولا تمثيل, فهم نفوا هاتين البدعتين، فهم رحمهم الله وسط بين الممثلة وبين المعطلة، ونقل عن نعيم بن حماد هذا القول: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، فكلا هذين السبيلين ضلال عن سواء السبيل، وأخذ بنصيب من البدعة في باب الأسماء والصفات، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً، بل تثبت على الوجه الذي وردت به من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، هذا الواجب في باب الأسماء والصفات.

    ثم قال عنهم رحمهم الله: (وكانوا إذا رءوا الرجل قد أغرق في نفي التشبيه من غير إثبات الصفات، قالوا: هذا جهمي معطل) وهذا الوصف يصف به أهل السنة والجماعة جميع المتكلمة، فاسم الجهمية يطلقه السلف على كل من عطل في باب الأسماء والصفات، سواء كان تعطيله كلياً كالجهمية الذين ينفون الأسماء والصفات، أو كالمعتزلة الذين ينفون الصفات ويثبتون الأسماء, أو كالأشاعرة الذين يثبتون الأسماء وبعض الصفات، فقولهم: هذا جهمي معطل، أي: هذا متكلم ضل عن طريق السلف في باب الأسماء والصفات، فأول وحرف، ويقولون هذا كثيراً جداً في كلامهم، وذلك أن الجهمية كانوا يغلون في نفي التشبيه، ولكنهم لا يثبتون الصفات، فاستدل أهل السنة والجماعة على من سلك هذه الطريق أنه جهمي معطل.

    قال: (فإن الجهمية والمعتزلة) ومقصوده بالجهمية هنا من نفى الأسماء والصفات؛ لأنه قرنهم بالمعتزلة، والمعتزلة الذين نفوا الصفات إلى اليوم يسمون من أثبت شيئاً من الصفات مشبهاً؛ كذباً منهم وافتراء (حتى إن منهم من غلا ورمى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بذلك -أي: بالتشبيه- حتى قال ثمامة بن الأشرس : ثلاثة من الأنبياء مشبهة) فإذا كان طريق الأنبياء هو التشبيه باعترافهم فلا طريق يوصل إلى مرضاة رب العالمين إلا الطريق الذي سلكه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؛ إذ أنهم الأدلاء على الله جل وعلا، فهم الذين دلوا الخلق على ربهم، وعرفوهم به سبحانه وتعالى.

    ثم ذكر أن جل المعتزلة يعد أئمة الإسلام الكبار من المشبهة, فدل ذلك على أن المعتزلة يقرون بأن طريق السلف طريق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وطريق أئمة الدين هو ما كان عليه السلف رحمهم الله من إثبات الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.

    1.   

    ما اتُّهم به أهل السنة من قِبَل أهل البدع

    قال: [ وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءاً أسماه: تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة، ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه -يزعم أنه صحيح على رأيه الفاسد- كما أن المشركين كانوا يلقبون النبي بألقاب افتروها. فالروافض تسميهم نواصب، والقدرية يسمونهم مجبرة، والمرجئة تسميهم شكاكاً، والجهمية تسميهم مشبهة، وأهل الكلام يسمونهم حشوية، ونوابت، وغثاء، وغثراً، إلى أمثال ذلك. كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم تارة مجنوناً، وتارة شاعراً، وتارة كاهناً، وتارة مفترياً.

    قالوا: فهذه علامة الإرث الصحيح، والمتابعة التامة، فإن السنة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتقاداً واقتصاداً، وقولاً وعملاً، فكما أن المنحرفين عنه يسمونهم بأسماء مذمومة مكذوبة -وإن اعتقدوا صدقها بناءً على عقيدتهم الفاسدة- فكذلك التابعون له على بصيرة الذين هم أولى الناس به في المحيا والممات، باطناً وظاهراً.

    وأما الذين وافقوه ببواطنهم وعجزوا عن إقامة الظواهر، والذين وافقوه بظواهرهم وعجزوا عن تحقيق البواطن، والذين وافقوه ظاهراً وباطناً بحسب الإمكان فلابد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصاً يذمونهم به، ويسمونهم بأسماء مكذوبة -وإن اعتقدوا صدقها- كقول الرافضي: من لم يبغض أبا بكر رضي الله عنه وعمر فقد أبغض علياً ؛ لأنه لا ولاية لـعلي إلا بالبراءة منهما، ثم يجعل من أحب أبا بكر وعمر ناصبياً، بناء على هذه الملازمة الباطلة التي اعتقدها صحيحة أو عاند فيها وهو الغالب.

    وكقول القدري: من اعتقد أن الله أراد الكائنات، وخلق أفعال العباد، فقد سلب من العباد القدرة والاختيار، وجعلهم مجبورين كالجمادات التي لا إرادة لها ولا قدرة. وكقول الجهمي: من قال: إن الله فوق العرش فقد زعم أنه محصور، وأنه جسم مركب محدود، وأنه مشابه لخلقه. وكقول الجهمية المعتزلة: من قال: إن لله علماً وقدرةً، فقد زعم أنه جسم مركب، وأنه مشبه؛ لأن هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بجوهر متحيز، وكل متحيز جسم مركب أو جوهر فرد، ومن قال ذلك فهو مشبه؛ لأن الأجسام متماثلة.

    ومن حكى عن الناس المقالات وسماهم بهذه الأسماء المكذوبة -بناء على عقيدته التي هم مخالفون له فيها- فهو وربه، والله من ورائه بالمرصاد: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ [فاطر:43] ].

    في هذا المقطع ذكر الشيخ رحمه الله التهم التي اتهم بها أهل السنة والجماعة؛ بسبب استقامتهم على الصراط المستقيم في هذه الأبواب التي ذكرها رحمه الله فقال: (ذكر فيه) يعني: في كتاب أبي إسحاق (كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه، يزعم أنه صحيح على رأيه) ثم شبه حال هؤلاء مع أهل السنة بحال المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم, وأن ما وصف به أهل السنة والجماعة من هذه الألقاب التي تشمئز منها النفوس وتكرهها وتنفر منها ليس دليلاً على ضلال طريقهم، وخطأ سبيلهم، بل طريقهم صواب، ومقياس ذلك ومعياره هو كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    الرافضة تسمي أهل السنة ناصبة

    قال رحمه الله: (فالروافض تسميهم) أي: تسمي أهل السنة (نواصب) يزعمون أن أهل السنة ناصبوا أهل البيت العداء، فسموهم بذلك أي: سموهم بهذا السبب نواصب.

    القدرية يسمون أهل السنة مجبرة

    (والقدرية يسمونهم مجبرة) لأن أهل السنة والجماعة وسط بين القدرية الذين يقولون: إن الأمر أنف، وإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق أفعال العباد، ولما كانت المجبرة تقابلهم فتقول: إن كل ما يصدر عن المرء مجبر عليه لا خيار له فيه ولا إرادة, فلما كان أهل السنة وسطاً بين القولين نسب القدرية أهل السنة والجماعة إلى المجبرة وهم من يقابلهم.

    المرجئة تسمي أهل السنة شكاكاً

    (والمرجئة تسميهم شكاكاً)؛ لأن المرجئة عندهم الإيمان مجرد المعرفة، ولما كان أهل السنة والجماعة يدخلون الأعمال في الإيمان فإنهم سموهم بالشكاك؛ لأن الإيمان لا يكمل إلا بالعمل، هذا وجه.

    ووجه آخر لأن أهل السنة والجماعة يجيزون الاستثناء في الإيمان إذا كان للتبرك، أو إذا كان بالنظر إلى العاقبة والخاتمة، فإنه لا يدري ما يختم له به هل يختم له بالإيمان أو لا، فيستثني، ففي هاتين الحالتين يجوز الاستثناء عند أهل السنة والجماعة, أما المرجئة فلا يجوز عندهم الاستثناء، ولما أجاز أهل السنة والجماعة الاستثناء في هاتين الحالتين سموهم شكاكاً، أي: أنهم شكوا في حصول الإيمان منهم.

    الجهمية تسمي أهل السنة مشبهة

    قال: (والجهمية تسميهم مشبهة) ومقصوده بالجهمية هنا المعطلة من أهل الكلام عموماً من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وغيرهم على اختلاف درجاتهم, قال: (وأهل الكلام يسمونهم حشوية) والحشوية من الحشو وهو الفضل الذي لا خير فيه, كذا (نوابت) النوابت: جمع نابت وهو النبت الصغير مما لا نفع فيه أيضاً (وغثاء) وهو الرديء من كل شيء (وغثراً) أي: جهالاً لا يفهمون ولا يفقهون إلى أمثال ذلك (كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم تارة مجنوناً، وتارة شاعراً، وتارة كاهناً، وتارة مفترياً).

    اتهام أهل البدع لأهل السنة دليل على صحة مذهبهم

    ثم قال رحمه الله:(فهذه) أي: تسمية هؤلاء الضلال لأهل السنة والجماعة بما سموهم به ورموهم به، كل هذا دليل على صحة طريقهم وسلامته، فهذا (علامة الإرث الصحيح والمتابعة التامة)؛ لأن من صدق في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم والتزم بسنته فإنه مصيبه ما أصابه.

    قال: (فإن السنة هـي ما كان عليه رسـول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتقاداً واقتصاداً) (اعتقاداً) يعني: بالعقل (واقتصاداً) أي: استقامة في السلوك والعمل (وقولاً وعملاً, فكما أن المنحرفين عنه يسمونه بأسماء مذمومة مكذوبة وإن اعتقدوا صدقها بناء على عقيدتهم الفاسدة، وكذلك التابعون له على بصيرة، الذين هم أولى الناس به في المحيا والممات باطناً وظاهراً) أي: كذلك هم في رميهم وسبهم ونسبتهم وتسميتهم بهذه الأسماء القبيحة.

    1.   

    أقسام الناس في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم

    ثم إن الشيخ رحمه الله قسم الناس في اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أقسام: منهم من يتابع النبي صلى الله عليه وسلم في الباطن والظاهر، ومنهم: من يتابعه في الباطن دون الظاهر، ومنهم: من يتابعه في الظاهر دون الباطن، وأردأ هذه الأقسام هو من تابعه في الظاهر دون الباطن.

    ثم قال: (والذين وافقوه ظاهراً وباطناً بحسب الإمكان) أي: بحسب ما تبين لهم مع عدم إصابتهم لما كان عليه صلى الله عليه وسلم, يعذرون فيما أخطئوا فيه، ويؤجرون فيما أصابوا فيه، ويكونوا من المجتهدين الذين تدور حالهم بين الأجر والأجرين, قال: (فلابد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصاً يذمونهم به، ويرمونهم به، ويسمونهم بأسماء مذمومة) كما ذكر رحمه الله.

    ثم فصل ما أجمل فيما تقدم فقال: (كقول الروافض: من لم يبغض أبا بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه فقد أبغض علياً؛ لأنه لا ولاية لـعلي إلا بالبراءة منهما) وهذا كذب وتلازم باطل، فالصحابة وأهل السنة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين يحبون أبا بكر وعمر ، ويحبون علياً ولا تعارض في الجمع بين محبة هؤلاء.

    (ثم يجعل من أحب أبا بكر وعمر ناصبياً بناءً على هذه الملازمة الباطلة التي اعتقدها صحيحة أو عاند فيها وهو الغالب، وكقول القدرية: من اعتقد أن الله أراد الكائنات وخلق أفعال العباد فقد سلب من العبد الاختيار والقدرة، وجعلهم مجبورين كالجمادات التي لا إرادة لها ولا اختيار) والصواب خلاف هذا كما مر معنا في العقيدة الواسطية، فأهل السنة والجماعة يثبتون أن للمخلوق إرادة، ولكن هذه الإرادة لا تخرج عما أراده الله سبحانه وتعالى، والمخلوق له إرادة معتبرة ليست كالجمادات، وهذه الإرادة لا تخرج عما أراده الله جل وعلا وقدره.

    قال: (وكقول الجهمي: من قال: إن الله فوق العرش فقد زعم أنه محصور)؛ لأنه فوق العرش، وما كان فوق العرش فلا بد أن يكون محصوراً على زعمه، (وأنه جسم) لأن إثبات الاستواء يقتضي التجسيم, قال: (جسم مركب محدود)؛ لأن العرش مركب محدود (وأنه مشابه لخلقه)؛ كل هذه لوازم باطلة وخيالات فاسدة، إنما ألقاها في روعهم الشيطان الرجيم، الذي شبه عليهم بهذه الشبهات حتى يبعدهم عن طريق المرسلين (وكقول الجهمية المعتزلة: من قال: إن لله علماً وقدرة فقد زعم أنه جسم)؛ لأنه لا يوصف بهذه الصفات إلا ما كان جسماً، (مركب) يعني: من أجزاء, وأنه مشبه، قال: (لأن هذه الصفات) وهذا تعليل ما ذكروه من لازم على إثبات العلم والقدرة، وسائر الصفات، (لأن هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بجوهر متحيز، والجوهر هو حقيقة الشيء وذاته، والعرض هو ما ينتابه ويزول عنه).

    ثم قال: (و كل متحيز جسم مركب، أو جوهر فرد) يعني: كل جوهر ينقسم إلى قسمين مركب أو جوهر فرد, المركب: هو المركب من أجزاء، وهو ما كان من جوهرين فردين فما فوق، هذا المركب في اصطلاح المتكلمين, وأما الجوهر الفرد: فهو الشيء الذي لا يقبل القسمة, يعني: إذا جئت بجسم فقسمته وقسمته حتى وصلت إلى جزء لا يقبل القسمة فهذا يسمى عند المتكلمين جوهراً فرداً، يعني: لا يقبل القسمة (ومن قال ذلك فهو مشبه؛ لأن الأجسام متماثلة).

    ثم قال (ومن حكى عن الناس المقالات، وسماهم بهذه الأسماء المكذوبة، بناء على عقيدتهم التي هم مخالفون فيها فهو وربه) يعني: الله حسيبه، والله جل وعلا على ما يقول رقيب، وهو على ما يقول شهيد، وينبغي على العبد أن يتأنى، وأن يطلب الصواب، وألا يتهم الآخرين الموافقين للكتاب والسنة بهذه التهم الباطلة.

    ثم قال: (والله من ورائه بالمرصاد وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلابِأَهْلِهِ وهذا واقع، فإن الذين اتهموا أهل السنة بما اتهموهم به رجعوا إلى طريق أهل السنة والجماعة، هذا في أئمتهم فضلاً عن صغارهم الذين يعدون من الأتباع، ولا عبرة بهم.

    نقف على هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755823306