إسلام ويب

شرح الفتوى الحموية [12]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التأويل له معانٍ كثيرة، وقد أخطأ المفوضة في مذهبهم في الصفات بسبب عدم تفريقهم بين معنى الكلام وتفسيره، وبين التأويل الذي انفرد الله بعلمه، وظنوا أن التأويل المذكور في القرآن هو التأويل المذكور في كلام المتأخرين.

    1.   

    معنى التأويل ووجه ضلال أهل التجهيل

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

    فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ فالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن بذلك، فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلاً على اصطلاح هؤلاء؛ وظنوا أن مراد الله تعالى بلفظ التأويل ذلك، وأن للنصوص تأويلاً يخالف مدلولها لا يعلمه إلا الله، ولا يعلمه المتأولون.

    ثم كثير من هؤلاء يقولون: تجرى على ظاهرها، فظاهرها مراد مع قولهم: إن لها تأويلاً بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله، وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم.

    والمعنى الثاني: أن التأويل هو تفسير الكلام -سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه- وهذا هو التأويل في اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم، وهذا التأويل يعلمه الراسخون في العلم، وهو موافق لوقف من وقف من السلف عند قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، كما نقل ذلك عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم، وكلا القولين حق باعتبار كما قد بسطناه في موضع آخر؛ ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا، وكلاهما حق.

    والمعنى الثالث: أن التأويل هو الحقيقة التي يئول الكلام إليها وإن وافقت ظاهره، فتأويل ما أخبر الله به في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك؛ هو الحقائق الموجودة أنفسها، لا ما يتصور من معانيها في الأذهان، ويعبر عنه باللسان، وهذا هو التأويل في لغة القرآن كما قال تعالى عن يوسف أنه قال: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً [يوسف:100]، وقال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59]، وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله.

    وتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله تعالى بعلمها، وهو الكيف المجهول، فالاستواء معلوم يعلم معناه، ويفسر ويترجم بلغة أخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ].

    قد تقدم الكلام على أول هذا المقطع المترابط في بيان معنى التأويل، والذي ساق الشيخ رحمه الله إلى ذكر هذا هو أن الذين أولوا في صفات الله، والذين قالوا: إن صفات الله لا يعلم معناها؛ اعتمدوا واستدلوا على باطلهم بقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ فذكر الشيخ رحمه الله الخلاف في الوقف في هذه الآية، وأن كلا القولين في الآية حق، ولكن المعنى في كل قراءة يختلف عن القراءة الأخرى، فقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ إذا وقف على هذا فيكون معناه: لا يعلم حقيقة ما يئول إليه إلا الله سبحانه وتعالى، كما ذكره الشيخ رحمه الله في بيان هذا المعنى، وسيأتي المزيد من التفصيل في المقطع القادم.

    وأما الوقف الثاني: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7] فعلى هذا الوقف يكون معنى الآية: ما يعلمه إلا الله والراسخون في العلم يعلمونه، وتميزوا عن غيرهم برسوخهم في العلم، فعلموا ما جهله غيرهم، فيكون هذا من المتشابه الإضافي، يعني: المتشابه النسبي الذي يعلمه أناس ولا يعلمه آخرون، فيعلمه الراسخون في العلم ولا يعلمه غيرهم.

    التأويل في اصطلاح المتأخرين

    ثم ذكر الشيخ رحمه الله أن التأويل في كلام السلف يراد به ثلاثة معان:

    الأول: ما ذكره بقوله: (فالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن بذلك)، هذا التأويل هو الذي استعمله أكثر المتأخرين، والأصل في الألفاظ أن تجرى على ظاهرها، وأن تؤخذ دلالاتها من ألفاظها، والأصل إعمال اللفظ على ظاهره والمتبادر منه، لكن إذا جاء دليل يدل على أن ظاهر اللفظ غير مراد، ففي هذه الحالة يصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر إلى المعنى المرجوح الذي يحتمله اللفظ لهذه القرينة أو لهذا الدليل الصارف، لكن الأصل في اللفظ أن يعمل على ظاهره، وألا يصرف عن ظاهره إلى معنى مرجوح يحتمله النص إلا بدليل.

    يقول: (فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلاً على اصطلاح هؤلاء) يعني: المعنى المفهوم من ظاهر اللفظ لا يكون تأويلاً، فإذا نظرت إلى قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، فظاهر هذه الآية يدل على أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وهذا تفسير وليس تأويلاً على كلام هؤلاء؛ لأنهم جعلوا التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره، أي: عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل، فلا يكون على قول هؤلاء تفسير القرآن تأويلاً؛ لأن التأويل عندهم هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر أو الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.

    (وظنوا أن مراد الله تعالى بلفظ التأويل ذلك) أي: في قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ بمعنى: أنهم هم الذين يعلمون أن المراد باللفظ غير ظاهره الراجح، وأن المراد ظاهره المرجوح لدليل يقترن به، ولا يفهم هذه الأدلة ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم.

    يعني: يظن أهل التجهيل أن مراد الله تعالى في قوله وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ أي: لا يعلم معناه المرجوح إلا الله سبحانه وتعالى، وعلى ذلك يقفون عند قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ ؛ لأنهم يقولون: لا يعلم تأويل كلام الله إلا هو سبحانه وتعالى ولا يعلمه أحد.

    قال: (وأن للنصوص تأويلاً يخالف مدلولها لا يعلمه إلا الله، ولا يعلمه المتأولون) فنفوا العلم عن المتأولين، وأثبتوه لله سبحانه وتعالى، وهذا على قراءة الوقف.

    ثم قال: (ثم كثير من هؤلاء يقولون: تجرى على ظاهرها، فظاهرها مراد مع قولهم: إن لها تأويلاً بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله) أي أنهم يقولون: لها معنى وتجرى على ظاهرها، لكن لا يعلم معناها إلا الله، فهؤلاء وقعوا في التناقض، حيث يقولون: إن لها معنى وهو غير معلوم، فعندهم أنه لا يدرى ولا يعلم معنى كلام الله سبحانه وتعالى، فهؤلاء وقعوا في التناقض حيث أثبتوا لها معنى ونفوا علم هذا المعنى، مع أن الكلام كلام عربي مبين، ومقتضى كونه مبيناً أن يفهمه كل من تكلم بهذا اللسان؛ ولذلك قال: (وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم) ومراده بهذا الكلام أهل التفويض وهم أهل التجهيل.

    الآن عرفنا المعنى الأول الذي يقصد به التأويل، وهو صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معناه المرجوح لدليل يقترن به.

    التأويل في اصطلاح المفسرين

    المعنى الثاني: أن التأويل هو تفسير الكلام سواء وافق ظاهره أم لم يوافق، قال: (وهذا هو معنى التأويل في اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم) يعني إذا قال المفسرون: تأويل هذه الآية، فمعنى كلامهم تفسيرها، وليس مرادهم بذلك صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى مرجوح يحتمله النص لدليل.

    قال: (وهذا التأويل يعلمه الراسخون في العلم، وهو موافق لوقف من وقف من السلف على قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )، فالراسخون في العلم يعلمون تأويله، ولكن العطف هنا لا يقتضي المشاركة من كل وجه في العلم، بل علم الله سبحانه وتعالى تام لا يلحقه نقص، وأما علم الراسخون في العلم فهو علم قاصر، يشتمل على علم المعاني دون علم الحقائق الذي يشير إليه في المعنى الثالث.

    يقول: (كما نقل ذلك عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم، وكلا القولين حق) مقصوده كلا القولين في الوقف: فمن وقف على قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ أصاب ومن وقف على قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أصاب، لكن الأول هو قول الجمهور وقول أكثر السلف، والثاني قال به بعضهم.

    قال الشيخ: (وكلا القولين حق باعتبار) يعني: بالنظر إلى جانب (كما بسطناه في موضع آخر؛ ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا) يعني: نقـل عنه الوقف على لفظ الجلالة، ونقـل عنه الوقف على قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، وكلاهما حق، فما المعنى الصحيح في قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ)؟

    العلم المثبت لله وحده دون غيره هو علم الأمور على حقائقها، وكيفيتها، وما تئول إليه وترجع، وعلى القول الآخر في الوقف يكون معنى العلم التفسير، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس في دعائه له (اللهم! فقهه في الدين، وعلمه التأويل) أي: علمه التفسير.

    التأويل في لغة القرآن الكريم

    قال: (والمعنى الثالث:أن التأويل هو الحقيقة التي يئول الكلام إليها، وإن وافقت ظاهره، فتأويل ما أخبر الله به في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك هو الحقائق الموجودة أنفسها) وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، أي: حقائق هذه المخبرات من الأكل والشرب والنعيم في الجنة ورؤية الله سبحانه وتعالى، وجميع ما أخبر به الله سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.

    قال: (لا ما يتصور معانيها في الأذهان ويعبر عنه باللسان) فهذا شيء آخر.

    قال: (وهذا هو التأويل في لغة القرآن) أي: التأويل في لغة القرآن هو ما يئول إليه الأمر ويرجع، يعني: حقيقة ما يئول إليه الكلام، واستدل لذلك بقوله: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ [يوسف:100]، يعني: هذا حقيقة ما رأيت، ومآل ما رأيت، وهذا لما سجد له أبوه وإخوته قال: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً [يوسف:100]، وفي قوله:هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف:53] يعني: يوم يأتي حقيقة ما وعدوا به ويقع ما أخبروا به يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53]؛ لأنه تطابق الخبر مع المخبر فقالوا: قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ .

    وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] أي: أحسن عاقبة.

    ثم قال: (وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله).

    قال: (وتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله سبحانه وتعالى بعلمها)، تأويل الصفات يعني حقيقتها، وأما تفسيرها ومعرفة معانيها الظاهرة فهذا يعرفه كل صاحب لسان.

    (وهو الكيف المجهول، فالاستواء معلوم يعلم معناه، ويفسر ويترجم بلغة أخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله)، وبهذا يتبين المعنى الصواب على كلا الوقفين.

    نلخص ما مضى: التأويل له ثلاث معان:

    المعنى الأول: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل.

    المعنى الثاني: تفسير الكلام وبيان معناه.

    المعنى الثالث: حقيقة ما يئول إليه معنى الكلام. وهذا الاصطلاح الأخير هو لغة القرآن.

    1.   

    تفسير القرآن على أربعة أوجه

    قال رحمه الله: [ وقد روي عن ابن عباس ما ذكره عبد الرزاق وغيره في تفسيرهم عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل، فمن ادعى علمه فهو كاذب، وهذا كما قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أعـددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، وكذلك علم وقت الساعة ونحو ذلك، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.

    وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به، ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه، كما قال تعالى:أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] ].

    فالقرآن له معان تفهم وتدرك؛ ولذا عاتب الله عز وجل من لا يتدبر القرآن في قوله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا فلما كان له معان ظاهرة تدرك وينتفع بها أنكر الله عز وجل على من ترك التدبر، والقرآن إنما نزل ليتدبر ويتأمل فيه وينظر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ [ص:29]، فالمقصود من إنزال القرآن التدبر، فمن عطل القرآن عن هذا فقد عطله عما أنزل لأجله.

    1.   

    الحث على تدبر القرآن ومعرفة معانيه ومنها صفات الله سبحانه

    قال رحمه الله: [ وقال تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [المؤمنون:68] فأمر بتدبر القرآن لا بتدبر بعضه.

    وقال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.

    وقال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس رضي الله عنهما من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية وأسأله عنها.

    وقال الشعبي : ما ابتدع أحد بدعة إلا وفي كتاب الله بيانها.

    وقال مسروق : ما سئل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه.

    وهذا باب واسع قد بسط في موضعه.

    والمقصود هنا: التنبيه على أصول المقالات الفاسدة التي أوجبت الضلالة في باب العلم والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أنزل إليه، ولا جبريل جعله غير عالم بالسمعيات، ولم يجعل القرآن هدى ولا بياناً للناس.

    ثم هؤلاء ينكرون العقليات في هذا الباب بالكلية، فلا يجعلون عند الرسول وأمته في باب معرفة الله عز وجل لا علوماً عقلية ولا سمعية، وهم قد شاركوا الملاحدة من وجوه متعددة ].

    الذين ينكرون العقليات هم أهل التجهيل، فهم لا يعتمدون النصوص والسمع في إثبات ما أخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنهم يقولون: هي نصوص لا معاني لها، ولا يعتمدون العقل؛ لأن العقل ليس بحجة في النظر في باب الغيبيات، فهؤلاء أغلقوا الباب بالكلية، فهم ينكرون العقليات في هذا الباب بالكلية، يعني: لا تبعاً للنص ولا استقلالاً، بخلاف أهل التأويل الذين اعتمدوا العقليات، وجعلوها حججاً قاطعة تحكم على النصوص، فكلا الفريقين وقع في ضلال، أولئك عطلوا النصوص واعتمدوا العقل، وهؤلاء عطلوا النصوص وعطلوا العقول.

    والصواب هو ما عليه أهل السنة والجماعة من النظر في النصوص واعتمادها والرجوع إليها، وجعل العقل تابعاً لها في الإثبات، وفي إدراك معانيها، فهم لم يعطلوا العقول ولم يعطلوا النصوص.

    قال: [ وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى السلف من الجهل، كما أخطأ في ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة، وسائر أصناف الملاحدة]:

    أهل التأويل جهّلوا النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في آيات الصفات وغيرها، وهؤلاء أيضاً جهلوا النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في آيات الصفات وفي جميع السمعيات والغيبيات، فهم متفقون على ذم صدر هذه الأمة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755968144