إسلام ويب

شرح العقيدة الواسطية [22]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القدر سر الله في خلقه، فمن رام كشفه ضل وهلك، ومن نظر فيه بعيداً عن نصوص الوحي هلك، ومن نظر فيه ولم يجمع النصوص فيه ضل؛ ولذلك ضل من ضل في هذا الباب بسبب عدم جمعهم لنصوص هذا الباب والتوفيق بينها، فتراهم لا يفرقون بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، ولا بين إرادة الله وإرادة العبد، فعارضوا بين القدر والشرع، وسلبوا الله العدل والحكمة، فضلوا وأضلوا.

    1.   

    إثبات مشيئة الله وقدرته

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. أما بعد:

    قال رحمه الله: [ وأما الدرجة الثانية: فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالق غيره ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد ].

    هاتان المرتبتان هما الدرجة الثانية.

    قال الشيخ رحمه الله: (وأما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة).

    مشيئته النافذة سبحانه وتعالى التي لا يحول دونها شيء، فالله على كل شيء قدير، وهذا مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وأجمعت الأمة على أن الله على كل شيء قدير، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ودلائل هذه المرتبة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وما لا يحصى كثرة من الآثار عن السلف، ولا إشكال أن الله على كل شيء قدير، وأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

    قال: (فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة) وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السماوات وما في الأرض من حركة وسكون فبمشيئة الله سبحانه، والإنسان إذا تصور هذا علم قدر الرب جل وعلا، فهذه الأشجار التي في الشوارع تتحرك، وهذه البحار مليئة بغرائب الخلق؛ وما فيها من حركة وسكون فبمشيئة الله جل وعلا، والعبد إذا تصور هذا عظم في قلبه قدر ربه، وعلم أن جريان الدم في عروقه إنما هو بمشيئة الله الواحد القهار، فيحصل عنده من كمال التعظيم للرب والانقياد لشرعه والقبول لخبره ما لا يحصل لغيره، فما في السماوات وما في الأرض من حركة وسكون فبمشيئة الله سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.

    وقد قال بعض المعتزلة زاعماً تنزيه الله عز وجل وتعظيمه وتقديسه سبحانه وتعالى: سبحان الذي تنزه عن الفحشاء. تنزه عن الفحشاء، كلمة جذابة لكنها تحمل نفياً واعتقاداً فاسداً، فقال له العالم السلفي: سبحان الذي لا يكون في ملكه إلا ما يشاء.

    1.   

    سبب ضلال من ضل في باب القدر

    أصل الإشكال عند من ضل في باب القدر: هو عدم تفريقهم بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، ولو أعطوا النصوص حقها من النظر والتأمل والاعتبار والتفكر؛ لوصلوا إلى ما توصل إليه أهل السنة والجماعة من الحق والهدى، وتجنبوا ما وقعوا فيه من الضلالة والردى، فالواجب على المؤمن أن يسلم للنصوص، وأن يعلم أنه لن يبلغ في تقديس الله وتنزيهه قدر ما في خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه سبحانه على كل شيء قدير، سواء كان فيما يتعلق بالموجودات أو المعدومات، والموجودات هي المخلوقات، فكل ما قدره الله موجوداً فهو من الموجودات، والمعدومات هي التي لم توجد، فهو قادر على الإيجاد والإعدام، فقدرة الله سبحانه وتعالى تتعلق بالموجودات وبالمعدومات وبالواجبات، وأما الممتنعات المستحيلات فلا تدخل في القدرة أصلاً؛ لأنها ليست بشيء، فقوله: (الموجودات والمعدومات) هذا من قسم الممكنات.

    وأقسام الوجود ثلاثة: واجب الوجود، وممكن الوجود، وممتنع الوجود، فالموجود والمعدوم من الممكن؛ لأن ما قبل الوجود والعدم فهو من الممكنات.

    1.   

    الله خالق كل شيء

    ثم قال: [ فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه ].

    هذه هي المرتبة الأخيرة من مراتب القدر وهي: الإيمان بخلق الله جل وعلا، وأنه خالق كل شيء كما أخبر بذلك سبحانه وتعالى، وكما دلت على ذلك النصوص المتواترة في الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهو ما دل عليه العقل، فإن العقل يوصل إلى أنه ما من شيء في الكون إلا بخلقه سبحانه وتعالى.

    قال رحمه الله: (لا خالق غيره، ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله)، قوله: (ومع ذلك) هذا فيه الرد على الذين غلوا في الإثبات، فهناك قوم أوغلوا في إثبات هذه المراتب، فانقسم الناس في مراتب القدر الأربعة -العلم والكتابة والمشيئة والخلق- إلى قسمين:

    قسم غلوا في النفي فنفوا هذه المراتب كلها فقالوا: لا علم ولا كتابة ولا مشيئة ولا خلق وهؤلاء هم غلاة القدرية.

    ودونهم في النفي: الذين أثبتوا العلم والكتابة، ونفوا الخلق والمشيئة، وهم عامة القدرية المعتزلة، وقابل هؤلاء قوم غلوا في الإثبات فقالوا: نؤمن بأن الله عالم بكل شيء، وأنه قد كتبه، وأنه قد شاءه وأنه قد خلقه، فغلوا في الإثبات؛ فألغوا فعل العبد، وقالوا: ما أنت إلا كريشة في مهب الريح، ليس لك اختيار، ولا لك رأي، والفعل لا ينسب إليك! فجعلوا ثبوت هذه المراتب مضاداً ومعارضاً للأمر والنهي، فعارضوا الأمر والنهي بالقدر فقالوا: كما قال المشركون: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا [الأنعام:148]، فجعلوا كل فعل من العبد من الله، وإذا كان من الله فالعبد لا اختيار له، ولا يعاقب على هذا الفعل؛ ولذلك نفوا عدل الله وحكمته ورحمته وقالوا: لا نثبت لله الحكمة، ولا نثبت له العدل، ولا نقول: يمتنع عليه الظلم، بل لا يمتنع عليه إلا ما لا يمكن وجوده، هكذا قالوا! وسبحان الله! فإن المبتدع يبدأ بانحراف يسير، ثم ما يلبث إلا ويبعد عن الصراط، ويأخذ جادة مختلفة، حتى تستغرب أن هذه النهاية كانت تلك مقدمتها، وهذه النتيجة كان هذا القول أولها!

    وهنا أراد المؤلف رحمه الله أن يبين أن أهل السنة والجماعة -مع إثباتهم لهذه المراتب- لا يعارضون بذلك أمر الله ونهيه، فليس عندهم معارضة بين القدر والشرع، بل القدر والشرع متفقان، ويجب الإيمان بالجميع، والقبول لأمر الله ونهيه، والامتثال لشرعه، فنحن متعبدون بالشرع، ونؤمن بالقدر.

    1.   

    الفرق بين الإرادة الشرعية والكونية

    قال رحمه الله: [ ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد ] كل هذا تقرير للفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وأنه لا يستقيم لأحد قدم في باب الإيمان بالقدر إلا إذا تصور وأيقن بالفرق بين الإرادتين، حتى لا تضطرب عنده الأمور.

    وفيه الإشارة -أيضاً- إلى أن منشأ الضلال عند هؤلاء هو أنهم جعلوا الإرادة إرادة واحدة، فإرادة الله لصلاة المصلي هي التي يريد بها سبحانه وتعالى فسوق الفاسق ومعصية العاصي، وشتان فإن تلك هي: الإرادة الشرعية التي أمر بها وأحبها، وأما فسوق الفاسق فإنه بإرادته الكونية الخلقية، فلا توافق بينهما كما دلت على ذلك النصوص وسبق تقريره.

    1.   

    الكلام على أفعال العباد وإرادتهم لها

    قال رحمه الله: [والعباد فاعلون حقيقية، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: (مجوس هذه الأمة). ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها].

    يقول رحمه الله في نهاية هذا المبحث الجليل: (والعباد فاعلون حقيقة) أي: أن ما يصدر منهم من قول أو فعل أو اعتقاد، ظاهر أو باطن، صالح أو فاسد، بر أو شر، كل ذلك مضاف إليهم حقيقة، وهم الفاعلون له حقيقة، وفيه الرد على الذين يقولون: إن هذه الإضافات -أي: إضافة الفعل إلى العبد- إنما هي إضافة مجازية، وقد قال بذلك جماعة ممن قال بالجبر، فالجبرية يقولون: الإضافات التي في الكتاب إضافات مجازية، وإلا فالعبد لا اختيار له ولا فعل، ولا ينسب إليه شيء، فرد عليهم الشيخ رحمه الله وقال: (والعباد فاعلون حقيقية، والله خالق أفعالهم) وفيه الجمع بين هذين الأمرين، فإضافة الفعل إلى العبد لا تنافي خلق الله لهذا الفعل، بل الله جل وعلا خلق الخلق وأفعالهم وجميع أحوالهم، وجميع ما يكون منهم ويصدر، ولا تعارض، وعلى هذا دل الكتاب، فكم من آية في كتاب الله يضاف الفعل فيها إلى العباد! ولا أظن أن أحداً يستطيع أن يحصي ذلك؛ لكثرته ووفرته، فالله عز وجل يضيف إلى العبد: الكفر والتقوى والإيمان والإحسان والبر والصلاح والفساد والصلاة والزكاة والحج، كل هذه إضافات حقيقية، والأصل في الكلام الحقيقة، حتى على القول بأن الكلام فيه حقيقة ومجاز، فالأصل في الكلام الحقيقة، ولا يصار إلى المجاز إلا بقرينة، فالعباد فاعلون حقيقة لما يكون منهم، والله جل وعلا خالق أفعالهم.

    على هذا مضى أهل السنة والجماعة واتفقوا، ودل على ذلك الكتاب والسنة والعقل والفطرة، وأجمعت عليه الأمم.

    ثم قال رحمه الله في تفصيل هذا: (والعبد هو المؤمن) يعني: هو الموصوف بهذا الوصف (والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم) ولذلك رتب الله سبحانه وتعالى على هذه الأوصاف وعلى هذه الأفعال الثواب والعقاب، ولو لم يكن ذلك من العبد؛ لما ترتب عليه الثواب والعقاب، ولما كان من العدل أن يرتب الثواب والعقاب على فعل لم يفعله.

    ثم قال رحمه الله: (وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم) واستدل على ذلك بآية من كتاب الله عز وجل، والآيات في هذا كثيرة جداً، وإنما استدل بآية؛ لأن الأمر يثبت بدليل واحد، وتضافر الأدلة مما يقوي الأمر ويثبته، ويكفي في ثبوت الحكم ورود دليل واحد من الكتاب أو من السنة، فكيف بما تواردت عليه الأدلة السمعية بنوعيها: الكتاب والسنة، وكذلك الإجماع، وأيضاً دل عليه العقل والفطرة وأجمعت عليه الأمم؟ فيكون ثبوته من باب أولى.

    واستدل لذلك: بأن الله سبحانه وتعالى خالق العباد، وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ فأثبت مشيئة وفعلاً، المشيئة: شاء، والفعل: يستقيم، فأثبت المشيئة والقدرة على الفعل:وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فمشيئة الله سبحانه وتعالى محيطة بمشيئة العبد، فلا تخرج مشيئة العبد عن مشيئة الله عز وجل، ولكن هذه المشيئة العامة لا تلغي مشيئة العبد ولا تنفيها بل الكتاب أثبت هذه، وأثبت هذه.

    1.   

    الفرق الضالة في باب القدر

    الفرق الضالة في هذا الباب على نوعين: القدرية نفوا مشيئة الرب فكفروا بقوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] ، والجبرية ألغوا مشيئة العبد فكفروا بقوله: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ، وهدى الله أهل السنة والجماعة إلى الحق وإلى الطريق المستقيم بين هاتين الضلالتين: ضلالة الجبرية، وضلالة القدرية.

    قال: (وهذه الدرجة من القدر) المتضمنة لمرتبتي المشيئة والخلق (يكذب بها عامة القدرية) أي: أكثرهم، وهم المعتزلة (الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: (مجوس هذه الأمة)، وأول من أظهر هذه المقالة الفاسدة بين المسلمين: معبد الجهني فإنه نفى القدر، ويقابله الجبرية وأول من قال بقولهم: الجهم بن صفوان : رأس البدعة، ومنبع الشر في كثير من العقائد، ووجه تسمية هؤلاء بالمجوس: أنهم جعلوا في الكون خالقاً غير الله، فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى لا يخلق أفعال العباد، فأثبتوا خالقاً غير الله سبحانه وتعالى، وهذه هي عقيدة المجوس، حيث جعلوا إلهاً للخير وإلهاً للشر، إلهاً للنور وإلهاً للظلمة، وقد ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن الصلاة على موتاهم، وعيادة مرضاهم، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصححه جماعة من أهل العلم.

    قال: (ويغلوا فيها) أي: في هاتين الدرجتين (قوم من أهل الإثبات) في الجملة هم من أهل الإثبات؛ لأنهم يثبتون هذه المراتب (حتى سلبوا العبد قدرته واختياره) فجعلوا الأخبار المثبتة لمشيئة الله عز وجل وقدرته وخلقه قاضية على مشيئة العبد وما يصدر منه من فعل.

    قال: (ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه) أفعال الله وأحكامه أي: شرائعه وأحكامه الكونية والقدرية (حكمها ومصالحها) لماذا يخرجون عن أفعاله وأحكامه حكمها ومصالحها؟ لأنهم لا يثبتون أنه الحكيم، فينفون عنه هذا الوصف ويقولون: إنه لا يفعل لحكمة، وإنما يفعل لمحض المشيئة، هكذا زعموا فألغوا حكمة الرب سبحانه وتعالى الذي وصف بها نفسه في آيات كثيرة، وفيها: أنه الحكيم سبحانه وتعالى، وجعلوا معنى الحكيم أي: ذو الحكم الذي له الحكم، أما الحكمة فإنها منفية عنه.

    هاتان البدعتان نزع إليهما فريقان من الفرق الإسلامية وهما: فرقة الكلابية، وفرقة الأشعرية، فالكلابية نزعوا إلى القدرية، والأشعرية مالوا إلى الجبرية، ولكن الأشعرية أتوا بقول ملطف فقالوا: إن العبد له قدرة على فعله، وفعله من كسبه، لكن لا أثر لقدرته على فعله، وهذه من المعضلات العقلية؛ ولذلك قالوا: إنها من المحالات العقلية، وعدوها من الأقوال التي لا حقيقة لها، الأقوال التي لا حقيقة لها متعددة، ومحصورة في كلام أهل العلم، منها: كسب الأشعري، حيث قال: إن العبد يقدر على فعله، لكن قدرته لا تأثير لها على فعله، قيل له: ما هذه القدرة التي تثبتها؟! قال: هي مقارنة القدرة للكسب، وإن كانت لا تؤثر! وعلى كل حال فهذا كلام يتعب الذهن ولا فائدة منه، وإنما هو خيال تصوره صاحبه، واتبعه عليه أقوام، لو فتشت وتأملت وبحثت معهم لم تجد عندهم معنى صحيحاً لهذا القول، ولذلك تجدهم يسعون إلى التلفيق، ولكنهم لم يوفقوا إلى الصواب.

    1.   

    القول الفصل في باب القدر

    والقول الفصل في هذا: أننا نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، والواجب على المؤمن في باب القدر إذا أغلق عليه أمر أن يسلم، وأن يعلم أنه لا سلامة له إلا بالتسليم، فالقدر سر الله في خلقه، لم يطلع عليه ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً كما قال الطحاوي رحمه الله؛ ولذلك يجب على المؤمن أن يقتصر في فهم هذا الباب وفي دراسته على نصوص الوحيين الكتاب والسنة وما ورد عن سلف الأمة، وأن يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عدل، وأنه لا يظلم الناس شيئاً، وأنه لا معارضة بين القدر والشر، فالواجب الإيمان بالقدر والعمل بالشرع، ومن عارض القدر بالشرع فقد ضل وشابه المشركين، ومن ألغى القدر فإنه شابه المجوس الذين أثبتوا خالقين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756271004