إسلام ويب

شرح العقيدة الواسطية [19]للشيخ : خالد بن عبد الله المصلح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أركان الإيمان الإيمان باليوم الآخر، ومن ذلك الإيمان بالحوض والصراط، فالحوض محل لتكريم عباد الله، فيشربون منه في الموقف الذي يشتد حره وكربه على الخلق، والصراط محل لمرور أهل الإسلام إلى الجنة، فمن ناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكردس على وجهه في نار جهنم أعاذنا الله منها.

    1.   

    الحوض

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

    وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً ].

    اللهم اجعلنا منه يا رب العالمين.

    يقول رحمه الله: (وفي عرصات القيامة) العرصة: الفناء الواسع الذي لا بناء فيه، والمقصود به أرض المحشر في تلك الأهوال العظيمة.

    قوله: (الحوض المورود) الحوض: اسم لما منّ الله به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما سيأتي وصفه، وقوله: (المورود) أي: الذي يرده أهل الإيمان من أتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لكثرة من يرد عليه من أهل الإيمان، وهذا الحوض المورود قد دلت عليه السنة الصريحة، فهو قد ورد في السنة متواتراً، وقد جاء ذكره في الكتاب في قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، فإنه قد فسر بالحوض المورود، مع أن الكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم أوسع من الحوض المورود، لكن يدخل فيه الحوض الذي جاء الخبر عنه في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكوثر اسم للخير الكثير، والنبي صلى الله عليه وسلم قد آتاه ربه وخصه بخير كثير في الدنيا والآخرة، فالحوض ثابت بالكتاب وبالسنة، وقد أجمع عليه أهل الإسلام.

    وهذا الحوض خاص بهذه الأمة، ولا يرده إلا أهل الإسلام، أما بقية الأمم فقد اختلف هل لهم حوض يردونه أو لا؟

    فورد في جامع الترمذي من حديث سمرة : (إن لكل نبي حوضاً)، وهذا الحديث في إسناده مقال، وعلى القول بأن لكل نبي حوضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم حوضه لا يجارى ولا يضارى، فهو أعظمها وأكبرها وخيرها.

    وقد ورد وصف هذا الحوض في السنة، وذكر المؤلف رحمه الله شيئاً من أوصافه فقال: (ماءه أشد بياضاً من اللبن)، وهذا فيه جمال المنظر، (وأحلى من العسل)، وهذا فيه طيب الطعم، وجاء في الصحيح: (ورائحته أطيب من المسك)، وهذا فيه زكاء الرائحة، فحسبك بمورد حسن منظره، وطاب مذاقه، وزكت رائحته، في يوم يبلغ الناس فيه من الكرب والشدة ما تقدم وصف بعضه، ويكفي من ذلك دنو الشمس التي تلهب الأكباد، ويكون الناس بحاجة شديدة إلى الماء، فيردون هذا المورد الطيب جعلنا الله وإياكم من أهله.

    وقوله: (آنيته عدد نجوم السماء) أي: كثيرة، ومن يحصي عدد نجوم السماء؟ لا يحصيها إلا الذي خلقها.

    مسائل في الحوض لم ينبت بها دليل

    قوله: (طوله شهر وعرضه شهر). هذا خبر من النبي صلى الله عليه وسلم يبين فيه سعة هذا الحوض، وأنه في السعة بلغ طوله شهراً وعرضه شهر، فبأي حساب يحسب الشهر، أبسير الإبل أم بسير الطائرات أم بسير الخيول؟

    الجواب: الله أعلم، ونقف حيث وقف عليه النص فنقول: طوله شهر وعرضه شهر. أما معيار الحساب فبعضهم قال: معيار الحساب يرجع فيه إلى الحقيقة العرفية؛ لأنه لم يرد فيه حقيقة شرعية ولا حقيقة لغوية، والحقيقة العرفية في هذا أنهم كانوا يحسبون السير بسير الإبل.

    واختلف أهل العلم في الحوض هل هو مستدير أو مربع.

    وعندي أن هذا الخلاف لا فائدة منه؛ لأنه لو كان فيه فائدة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يستفاد من قوله: (طوله شهر وعرضه شهر) الاستدارة أو التربيع؟

    الذي يظهر أنه لا يستفاد منه ذلك؛ لأن المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طوله شهر وعرضه شهر) بيان سعة هذا الحوض، وليس المراد بيان هيئته وصفته هل هو مستدير أو مربع .

    فعندي أن اللفظ لا يدل على هذا ولا على هذا، إنما المراد بيان عظيم سعة هذا الحوض، وأنه لا يضيق بمن يرد عليه.

    قال: [من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً]. وهذا من فضل الله عز وجل ورحمته، فمن شرب منه أمن من الظمأ، وكيف يشرب منه؟

    الله أعلم كيف يشرب منه، وأما أن يكون الشرب بمناولة النبي صلى الله عليه وسلم، كما يقول بعض الناس: اسقنا شربة من يده الشريفة فهذا ليس فيه دليل، ومن الاعتداء في الدعاء أن تقول هذا القول، فليس هناك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يسقي الناس، وأنه هو الذي يناولهم بيده، فالنصوص أخبرت بأنه يشرب منه، ولم تبين هل الشرب يكون بمباشرة الإنسان بنفسه أو يكون بمناولة أحد.

    1.   

    الصراط وما ورد فيه

    قال رحمه الله: [ والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم ].

    قال رحمه الله: [ والصراط منصوب على متن جهنم ].

    الصراط في اللغة فعال بمعنى: (مفعول)، أي: مصروط، وهو ما يطرق ويسار عليه، فالطريق المسلوك يسمى صراطاً، وقد أخبرت السنة بالتواتر أن الناس يمرون على الصراط يوم القيامة.

    قال المؤلف رحمه الله في بيان الصراط: [منصوب على متن جهنم] أي: على ظهرها، فالمتن هنا هو الظهر، أي: أنه على جهنم.

    وأما صفة هذا الصراط فقد جاء في الحديث: (دحض مزلة)، وجاء في حديث آخر: (أحد من السيف وأدق من الشعرة)، وهذا الاختلاف في الوصف -إن ثبتت الرواية الثانية- هو اختلاف باعتبار أحوال الناس، فإن الناس يوم القيامة يختلف حالهم باختلاف أعمالهم؛ ولذلك يكون منهم المسرور ويكون منهم الشقي، مع أنهم في موقف واحد، والأمر عليهم واحد فيما يظهر، ولكنه يختلف باختلاف أحوالهم، فمن جاء آمناً يوم القيامة فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38]، ومن جاء مسيئاً مثقلاً بالذنوب فيدعو بالويل والثبور.

    فإن ثبت الوصف الثاني فإنه يكون باعتبار اختلاف أحوال الناس؛ لأن الوصف الأول مفاده سعة هذا الصراط، وهو ما يفيده اللفظ، فالصراط يطلق على الطريق الواسع المسلوك.

    وأما الوصف الثاني -وهو أنه أحد من السيف وأدق من الشعرة- فهذا جاء به الأثر، فإن كان محفوظاً فالمراد اختلاف أحوال الناس كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم، ولا تسأل كيف يكون كذا ويكون كذا والسالكون عليه أمرهم واحد؟!

    فإن أمور الآخرة لا تدركها العقول، لا تدرك حقائقها وكيفياتها عقول الناس، بل يجب الإيمان بذلك كما أخبرت به النصوص كسائر أمور الغيب.

    يقول رحمه الله: [ وهو الجسر أو الجسر -بالكسر والفتح- الذي بين الجنة والنار ].

    أي: الذي لا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا بعبوره، وإلا فهو مضروب على متن جهنم، والذي بين الجنة والنار هو القنطرة التي يحبس عليها أهل الأعراف، والجسر مضروب على جهنم نفسها، فمراد المؤلف رحمه الله بقوله: [ الذي بين الجنة والنار ] يعني: الذي لا يمكن الوصول إلى الجنة إلا من طريقه.

    من يمر على الصراط؟

    قال رحمه الله: [ يمر الناس عليه على قدر أعمالهم ].

    المراد بالناس هنا أهل الإسلام، فإنه لا يمر على الصراط إلا مسلم، وبه نفهم أن المراتب المذكورة فيما سيأتي هي مراتب أهل الإسلام، فإن أهل الكفر يتبعون معبوداتهم وطواغيتهم قبل أن يعبر الناس الصراط، فأولئك يلقون فيها ابتداءً ولا يمرون على صراط، ثم لا يبقى إلا هذه الأمة وفيها منافقوها.

    فيعطى أهل الإيمان من النور على قدر أعمالهم، وأما أهل النفاق فلا نور لهم فيلقون في النار -نعوذ بالله من الخسران- ولا يمرون على الصراط، وتفاوت سير الناس على الصراط هو بقدر تفاوتهم في أعمالهم، وبقدر ما يمن الله به عليهم من النور، فمن كان نوره مشرقاً واسعاً كان مروره سريعاً، ومن كان نوره دقيقاً قليلاً حسيراً فإنه يسير سيراً بطيئاً.

    فالناس في ذلك اليوم في ظلمة شديدة وكرب عظيم، حتى إنه إذا ضرب الصراط ألجمت الألسن، فلا يتكلم إلا الأنبياء، وكلامهم: (اللهم سلم سلم! رب سلم سلم!)، فهذا دعاء الأنبياء عند المرور على هذا الصراط، وهو أمر عظيم إذا تصوره الإنسان بعقله، وأداره في فكره، وأنه سيكون ممن يمر على هذا وجل قلبه، فتخفف من الذنوب بالتقلل منها، والتوبة والاستغفار؛ لأنه لا يكون النجاء من هذا الموقف إلا بالعمل الصالح، ومن زاد يقينه ورسخ إيمانه بهذه الأمور أفلح ونجح، ومن أخذها على أنها علم نظري ما استفاد.

    فالناس في هذا الموقف في كرب عظيم، والمرور على الصراط هو المشار إليه في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71]، فإن هذه الآية خطاب لأهل الإسلام وأهل الكفر.

    لكن الورود يختلف، فورود تعقبه السلامة، وهذا نصيب الذين قال فيهم جل وعلا: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:72].

    وورود إقامة، وهو الذي قال فيه جل وعلا: وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:72]، نعوذ بالله! فهؤلاء سيبقون فيها، والظلم هنا يشمل الظلم الأعظم وهو الكفر والشرك، ويشمل ما دون ذلك، وبقاؤهم فيها بقدر ما معهم من الظلم.

    فأهل الكفر لا خروج لهم منها، وأما أهل المعصية فإنه يبقون فيها ما شاء الله أن يبقوا ثم يخرجون بعد ذلك إما بشفاعة أو بإكمال العذاب الذي استحقوه على سيئاتهم.

    ففهمنا من قول المؤلف رحمه الله: [يمر الناس] أن الناس هنا لفظ عام أريد به الخصوص، وهم أهل الإسلام، وهل يمر الناس على قدر شبابهم ونشاطهم وقوتهم وصحتهم؟

    الجواب: لا، بل يمر الناس على قدر أعمالهم، فمطايا الناس في ذلك الموقف أعمالهم، فبها ينجون وبها.

    قال رحمه الله: [ فمنهم من يمر كلمح البصر -وهذا أسرع ما يكون- ومنهم من يمر كالبرق الخاطف -وهذا قريب في السرعة من الذي قبله- ومنهم من يمر كالريح الشديدة، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل -أو كراكب الإبل، وركاب الإبل المقصود بها من يركب الإبل التي تستعمل لقطع المسافات والسفر- ومنهم من يعدو عدواً -وهو من يشتد ركضاً- ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم ].

    فإذا قيل: كيف يخطف؟ فالجواب أنه قال: [فإن الجسر عليه كلاليب]، والكلاليب: جمع كلاب أو كلوب، والمراد به في اللغة: حديدة منحنية الرأس، ويطلق أيضاً على ما كان منحني الرأس من غير الحديد.

    وهذه الكلاليب تختطف الناس بأعمالهم، فهي التي تعيقهم عن السير، فسالم ناجٍ، ومخدوش، ومكردس في النار نعوذ بالله من الخسران، والنار التي يلقى فيها من يخطف هي نار العصاة، وليست نار أهل الخلود؛ ولذلك قال: [فمن مر على الصراط دخل الجنة]، وسيأتي بيان ذلك في الشفاعة، فإن نار أهل المعصية ليست كنار أهل الكفر، وإن كان المكان واحداً، فالمكان من حيث المنظر واحد، ولكن العذاب مختلف متفاوت، وقد دلت السنة على أن النار دركات، وأسفلها نصيب المنافقين.

    تجاوز الصراط وما يكون بعده

    ثم قال: [ فمن مر على الصراط دخل الجنة ].

    (من مر) أي: من جاز على أي هيئة كان، كلمح البصر، أو كالبرق، أو كالريح، أو كالفرس الجواد، أو كركاب الإبل، أو كالذي يعدو عدواً، أو يمشي مشياً، أو يزحف زحفاً، كل هؤلاء إذا مروا على الصراط استحقوا دخول الجنة، فلا يجاوز الصراط إلا من كتب له دخول الجنة وكان من أهلها.

    قال رحمه الله تعالى: [ فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته ].

    قوله: [ فإذا عبروا ] أي: أهل الإسلام [عليه] أي: على الصراط [وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار] القنطرة: هي الجسر في لغة العرب، وتطلق على البناء المرتفع، فإذا كانت الجسر فإننا نعتقد أنه جسر غير الأول، فإن الجسر الأول هو الصراط الذي يمر عليه الناس، وهو مضروب على متن جهنم، وأما هذا فإنه جسر غير الأول، وإذا كان البناء المرتفع فهو واضح.

    فعلى القولين أو على التفسيرين فإن القنطرة غير الجسر.

    قوله: [ بين الجنة والنار ] هذه التي يوقف عليها أهل الإسلام.

    قوله: [ فيقتص لبعضهم من بعض ] أي: يؤخذ حق بعضهم من بعض. وذلك أنهم إذا جازوا النار وأرادوا دخول الجنة احتاجوا إلى مزيد تطهير، وإلا فإن هؤلاء يطهرون بمرورهم على الصراط إن كان لهم ذنوب، ويطهرون أيضاً بالمحاسبة والمقاصة التي تكون في عرصات يوم القيامة.

    فإن أول ما يقضى بين الناس في الدماء، وهي من الحقوق التي تكون بين الناس، ويقضى أيضاً في الأموال وفي غيرها، وكل ذلك في عرصات يوم القيامة.

    ثم يحصل لهم مقاصة أخرى، وهي لا تتعلق بأصول الذنوب، إنما هي ببقاياها وآثارها، فإن المقاصة السابقة لا تزيل ما في صدورهم من غل، ولا تذهب ما في قلوبهم من شحناء وبغضاء، فإذا أتوا إلى هذا الموقف الذي لم يبق بعده إلا أن يدخلوا الجنة أزيل ما في قلوبهم من أوضار ومن بقايا آثار الذنوب، كما قال الله جل وعلا: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا [الحجر:47]، فينزع الله سبحانه وتعالى في هذا الموقف ما في صدورهم، ويزيل ويهذب ما بقي من آثار الذنوب، وذلك لأن الجنة طيبة لا يدخلها إلى طيب، قال الله سبحانه وتعالى: طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]، والطيب هنا هو زوال كل أثر سوء في القول أو في العمل أو في البدن أو في القلب، فلا يدخلها إلا المخلصون المنقون.

    فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا وخلصوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، أي: لم يبق لهم إلا أن يدخلوا الجنة، وأما الدخول الحقيقي فإنه لا يكون إلا بعد استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال رحمه الله: [وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم].

    فقوله: (يستفتح) أي: يطلب فتح بابها، وبه نفهم أن الجنة لها أبواب، وأن أبوابها مغلقة؛ وذلك صيانة لها، وحفظاً لها، وإكراماً لأهلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يستفتح يطلب فتح باب الجنة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنا أول شفيع في الجنة)، وهذا أول شفاعاته صلى الله عليه وسلم المتعلقة بأهل الجنة، وهي طلب الإذن في الدخول والاستفتاح، كما جاء في الصحيح أنه (يقرع بابها فيقول الخازن -خازن الجنة-: من؟ فيقول: محمد. فيقول الخازن: بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك)، فإذا فتح باب الجنة دخل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من يدخل الجنة، فله السبق في جميع مواقف القيامة، فهو أول من تنشق عنه الأرض صلى الله عليه وسلم، وهو أول من يجوز الصراط، وهو أول من يستفتح باب الجنة، وهو أول من يدخلها صلى الله عليه وسلم.

    ثم قال: [وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته].

    أول من يدخل الجنة من أمم العالم من آدم إلى آخرهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، وأول من يدخل الجنة)، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، وهذا السبق -كما ذكرنا- ليس خاصاً بدخول الجنة، بل هو سبق في جميع مواقف القيامة، فهم أول من يحاسب، وأول من يقضى فيهم، وأول من يجوز الصراط، وأول من يدخل الجنة، وذلك لفضلهم ولتحقيقهم العبودية على وجه الكمال فاستحقوا هذا الفضل، قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756393975