إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [40]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ألقى الشيخ رحمه الله في مستهل هذا اللقاء تفسير آيات من سورة البروج، وذكر ضمن ذلك: التوبة النصوح، وشروطها ... ثم أجاب عن أسئلة في أبواب شتى، منها: في الطلاق، والرضاع، والسفر، والعمل الوظيفي، وشيئاً من أحكام الزكاة، والصيام، وصلاة وطهارة المريض، وحكم الموسيقى، والعباءات النسائية، والاستشفاء بالدم وغيرها...

    1.   

    تفسير آيات من سورة البروج

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الثالث في شهر جمادى الثانية من عام (1414هـ) الذي يكون كل خميس، نسأل الله تعالى أن ينفعنا جميعاً به، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يتوفانا على الإيمان.

    اخترنا في أول لقاءاتنا أن نتكلم على التفسير من (جزء عم) الذي يبدأ بسورة النبأ؛ لأن هذا الجزء الأخير من الكتاب العزيز تكثر قراءته في الصلوات وغيرها، فأحببنا أن يكون الناس فيه على علم؛ لأن الفائدة العظمى من القرآن هي التدبر والاتعاظ، كما قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين فتنوا المؤمنين ...)

    انتهينا إلى قوله تعالى في سورة البروج: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] (فتنوهم) أي: أحرقوهم على قول بعض أهل العلم؛ لأن هؤلاء المجرمين خدوا أخاديد، أي: شقوا سراديب في الأرض، وأوقدوا فيها النيران، وأحرقوا فيها المؤمنين، فيكون معنى (فتنوا المؤمنين) أي: أحرقوا المؤمنين، وقيل: فتنوهم أي: صدوهم عن دينهم، والصحيح أن الآية شاملة للمعنيين جميعاً؛ لأنه ينبغي أن نعلم أن معاني القرآن أوسع من أفهامنا، وأننا مهما بلغنا من الذكاء والفطنة، فلن نحيط به علماً، إنما نعلم منه ما تيسر، والقاعدة في علم التفسير أنه إذا كانت الآية تحتمل معنيين لا يتضادان فإنها تحمل عليهما جميعاً.

    فنقول: هم فتنوا المؤمنين بصدهم عن سبيل الله، وفتنوهم بالإحراق أيضاً، ولكن مع هذا يقول الله عز وجل: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] فدلت الآية الكريمة على أنهم لو تابوا لغفر الله لهم، حتى وإن فعلوا بأوليائه ما فعلوا، فإن الله يتوب عليهم؛ لأن الله يقول: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]، وقوله تعالى: فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ [البروج:10] أي: عذاب النار يعذبون بها، وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] يحرقون بها في نار جهنم نسأل الله العافية.

    وفي الآية إشارة إلى أن التوبة تهدم ما قبلها، ولكن لا بد أن نعلم أن التوبة لا تكون توبة نصوحاً مقبولة عند الله إلا إذا اشتملت على شروط خمسة:

    الأول: الإخلاص لله عز وجل بأن يكون الحامل للإنسان على التوبة خوف الله عز وجل ورجاء ثوابه؛ لأن الإنسان قد يتوب من الذنب من أجل أن يمدحه الناس، أو من أجل دفع مذمة الناس له، أو من أجل مرتبةٍ يصل إليها، أو من أجل مال يحصل عليه، وكل هؤلاء لا تقبل توبتهم؛ لأن التوبة يجب أن تكون خالصة لله عز وجل.

    أما من أراد بعمله الدنيا، فإن الله تعالى يقول في كتابه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود:15-16].

    الثاني: الندم على ما حصل من الذنب، بمعنى ألا يكون الإنسان كأنه لم يذنب ولا يتحسر ولا يحزن، لا بد أن يندم إذا ذكر عظمة الله ندم، كيف أعصي ربي وهو الذي خلقني ورزقني وهداني فيندم؟ كما لو عصى الإنسان أباه فإنه يندم.

    الثالث: أن يقلع عن الذنب، فلا تصح التوبة مع الإصرار على الذنب؛ لأن التائب هو الراجع، فإذا كان الإنسان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من أكل الربا، ولكنه لا يزال يرابي، هل تصح توبته؟ لا تصح، لو قال: أستغفر الله من الغيبة -والغيبة ذكرك أخاك بما يكره- ولكنه في كل مجلس يغتاب الناس، هل تصح توبته؟ لا. كيف تصح وهو مصر على المعصية؟ فلابد أن يقلع، إذا تاب من أكل أموال الناس وقد سرق هذا، وأخذ مال هذا بالخداع والغش، فهل تصح توبته؟ لا. حتى يرد ما أخذ من أموال الناس إلى أصحابها، لو فرضنا أن شخصاً أدخل مراسيمه في ملك جاره واقتطع جزءاً من أرضه، وقال: إني تائب، ماذا نقول له؟ نقول: رد المراسيم إلى حدودها الأولى، وإلا فإن توبتك لا تقبل؛ لأنه لا بد من الإقلاع عن الذنب الذي تاب منه.

    الشرط الرابع: أن يعزم عزماً تاماً على ألا يعود إلى الذنب، فإن تاب وهو ينوي في نفسه أنه لو حصلت له فرصة لعاد إلى الذنب فإن توبته لا تقبل، لا بد أن يعزم عزماً أكيداً على ألا يعود.

    الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقتٍ تقبل فيه التوبة؛ لأن هناك أوقاتاً لا تقبل فيها التوبة، وذلك في حالتين:

    الحالة الأولى: إذا حضره الموت فإن توبته لا تقبل، لقول الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18] أي: إذا أتاه الموت وشاهد العذاب، قال: تبت! هذا لا ينفع، وكمثال واقع لهذه المسألة، أن فرعون لما أدركه الغرق: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] أي: بالله، ولم يقل: آمنت بالله، إذلالاً لنفسه، حيث كان يحارب بني إسرائيل على الإيمان بالله، والآن يقول: آمنت بالذي آمنوا به، فكأنه جعل نفسه تابعاً لبني إسرائيل، إلى هذا الحد بلغ به الذل ومع ذلك قيل له آلْآنَ [يونس:91]؟

    يعني: الآن تتوب؟ الآن تؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل: وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91].

    إذاً: إذا حضر الموت فإن التوبة لا تقبل، وأنا أسأل كل إنسان: هل يعلم متى يحضره الموت؟

    لا يعلم، إذاً لا بد من المبادرة بالتوبة؛ لأنك لا تدري في أي وقت يحضرك الموت، فمن الناس من نام على فراشه في صحةٍ وعافية ثم حمل من فراشه إلى سرير التغسيل، ومن الناس من جلس على كرسي العمل يعمل ثم حُمل من كرسي العمل إلى سرير التغسيل، كل هذا واقع وأمثال هذه المفاجأة كثير، فإذاً .. يجب أن نبادر بالتوبة، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذلك، بادروا بالتوبة، قبل أن تغلق الأبواب.

    الحالة الثانية: إذا طلعت الشمس من مغربها، فإن الشمس إذا طلعت من مغربها ورآها الناس آمنوا، لكن الله يقول: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات...)

    ثم قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11].

    لما ذكر عقاب المجرمين ذكر ثواب المؤمنين وهذه هي طريقة القرآن في عرض الترغيب والترهيب، والقرآن الكريم مثاني، تذكر فيه المعاني المتقابلة، يذكر فيه عقاب أهل النار ونعيم أهل الجنة، وصفات المؤمنين وصفات الكافرين، ونحو ذلك، من أجل أن يكون الإنسان سائراً إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، فيعرف نعمة الله عليه بالإسلام، ويعرف حكمة الله تعالى في وجود هؤلاء الكافرين المجرمين ويزداد حذراً من ذلك.

    ونقتصر على هذا القدر ونؤجل الكلام على هذه الآية وما بعدها إن شاء الله إلى الأسبوع القادم من أجل أن نحصل على أجوبة لأسئلة كثيرة. ونسأل الله التوفيق.

    1.   

    الأسئلة

    حكم من نوى الطلاق ثم تراجع

    السؤال: ما حكم رجل أمر زوجته -وهي قريبتي- أن تذهب إلينا، وسيرسل إليها بورقة الطلاق، لكنه لم يرسل بالورقة، ونوى إرجاعها؟ فما الحكم في ذلك؟ هل نردها إليه أم لا؟

    الجواب: الطلاق لا يكون إلا باللفظ، أو بالكتابة أو بالإشارة من الإنسان الذي لا يستطيع أن يتكلم كالأخرس، وأما أنه قال لها: اذهبي إلى أهلكِ وستأتيكِ ورقتكِ، ولم تأتها ورقتها فهذا ليس بطلاق، ردها عليه الآن بدون أي شيء.

    حكم من جعل له نائباً يقوم بوظيفته لعذر

    السؤال: رجل يعمل خادماً في أحد المساجد ثم أصيب بمرض يمنعه من القيام بهذا العمل، فوضع مكانه أحد العمال، بجزء من الراتب ويقول: إنه قد أخبر إدارة الأوقاف، فهل هذا العمل جائز أم لا؟

    الجواب: إذا كانت الإدارة تسمح له بذلك فلا بأس، وإذا كانت إدارة الأوقاف لا تسمح بهذا، أو لم يقم نائبه بعمله كما يجب؛ فإنه لا يجوز وحينئذٍ إما أن يقوم بعمله أو يقدم استقالته.

    مقدار الرضاعة التي تبنى عليها أحكامها

    السؤال: أنا رضعت مع خالي من جدتي -وهي أمه- فهل بناتي يحتجبن عنه، علماً بأني رضعت أكثر من خمس مرات؟

    الجواب: إذا رضعت من جدتك خمس رضعات معروفة فقد صرت ولداً لها، وصار أولادها إخوانك الكبير والصغير، وإذا صاروا إخوانك صاروا أعمام بناتك، وعلى هذا فيجوز أن تكشف بناتك على أخوالك كلهم.

    حكم السفر لمن نوى الإقامة لمدة سنة أو أكثر

    السؤال: نحن مجموعة من الشباب منا مَن هو مِن المدينة ومنا مَن هو مِن القصيم ، توظفنا في منطقة الدوامي للتدريس، ونوينا الإقامة لمدة سنة، لكن هذه المدة قد تطول لأسباب خارجة عن إرادتنا، أي: من وزارة المعارف مثلاً، فهل نقصر الصلاة في هذه المدة أم لا؟

    الجواب: نقول: لا يجوز أن تقصروا؛ لأن أمر الرجوع إلى أهليكم ليس بأيديكم، والأصل أن الموظف يبقى على وظيفته في مكانها إلا أن يتجدد شيء يوجب رده إلى أهله، أو إلى مكان آخر، فالذي أرى لكم ألا تقصروا وألا تترخصوا برخص السفر، بخلاف الإنسان الذي يحدد لنفسه الوقت، وأنه سيرجع بعد شهر أو شهرين أو نحو ذلك، فهذا له أن يقصر إلا أنه إذا كان في بلد تقام فيه جماعة، فإنه يجب عليه أن يصلي مع الجماعة.

    تشميت العاطس إذا تكرر منه العطاس

    السؤال: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أننا نقول لمن يعطس في المرة الثالثة: شفاك الله؟

    الجواب: إذا عطس أحد وقال: الحمد لله، قل له: يرحمك الله، فإذا عطس ثانية فحمد الله، قل له: يرحمك الله، وإذا عطس ثالثة وقال: الحمد لله، قل له: عافاك الله إنك مزكوم، كذلك ادع له بالعافية.

    كيفية الترجيح عند التعارض في التضعيف والتصحيح

    السؤال: أحسن الله إليك! أنا طالب مبتدئ، ولكن يشكل عليَّ بعض الأحيان إذا قرأت حديثاً صححه مثلاً بعض المتقدمين، ويضعفه المتأخرون، فماذا أفعل؟

    الجواب: الجواب على هذا: أنه إذا كانت عندك قدرة على معرفة سبب التضعيف للحديث وقمت بتحقيقه فاتبع ما ترى أنه الحق سواء كان من كلام المتقدمين أو من كلام المتأخرين، أما إذا لم يكن عندك قدرة، وأنت تقول أنك طالب مبتدئ، فاتبع ما يقوله الأقدمون؛ لأنهم أقرب إلى الصواب من المتأخرين.

    حصول الذنب بعد طلوع الشمس من مغربها

    السؤال: الذي يتوب ويأتي بذنب وقد طلعت الشمس من مغربها، فإذا تاب وقتها فهل تقبل توبته؟

    الجواب: إذا أذنب الإنسان ذنباً وتاب منه ثم عاد إليه وتاب، ثم عاد إليه وتاب، فإنه كلما تاب يتوب الله عليه، فإذا وقع منه هذا الذنب بعد طلوع الشمس من مغربها وحصل ذلك فائتني إن شاء الله وسوف أفتيك.

    معنى قوله تعالى: (فتنوا المؤمنين)

    السؤال: مر علينا في تفسير الآية: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج:10] فذكرتم تفسيرين لفتنتهم المؤمنين، إما أن يحرقوهم، أو يصدوهم عن دينهم، فهل تفسير الآية مقتصر على هذين المعنيين؟

    الجواب: هكذا ذكر المفسرون أنهم صدوهم عن دينهم أو أحرقوهم، وقلنا: إن الآية شاملة للمعنيين جميعاً؛ لأن منهم من فُتن والعياذ بالله وارتد عن دينه، ومنهم من استمر على دينه فأحرق، هذا هو الذي يظهر لي، والله أعلم.

    حكم زكاة الطيور

    السؤال: فضيلة الشيخ: الذين يربون الطيور هل عليهم زكاة؟

    الجواب: الذين يربون الطيور إذا كانوا يريدون التجارة فعليهم زكاة؛ لأنها عروض التجارة، أي: الإنسان يتكسب منها فيبيع ويشتري فيها.

    أما إذا كانوا يريدون التنمية فيأكلونها أو يبيعون منها ما زاد عن حاجتهم، فلا زكاة عليهم؛ لأن الزكاة لا تجب في الحيوان إلا في ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم فقط.

    حكم العادة السرية في نهار رمضان لمن جهل حكمها

    السؤال: هناك فتى كان يفعل العادة السرية فأتى عليه رمضان ولم يبلغ بعد، وصام ذلك الشهر، ثم أتت عليه سنة أخرى فبلغ، ومع ذلك كان يفعل العادة السرية في نهار رمضان، وهو لا يعلم بالحكم، كان في السنة السادسة أو أولى متوسط، ولا يعلم عن هذا شيئاً، فما الحكم؟ ولا يعرف الآن عدة الأيام التي فعل فيها العادة السرية، فما هو ردكم على ذلك؟

    الجواب: أولاً: إنك ذكرت أنه كان يفعل العادة السرية ولم يبلغ، يعني أنه لا ينـزل، ولكن العادة جرت أن من عمل العادة السرية فإنه ينـزل، وبهذا يبلغ ولو لم يكن له إلا عشر سنوات هذا شيء، لكن إذا استمر في فعل العادة السرية وهو لا يعرف عن حكم هذا الشيء، ويظن أن العادة السرية لا تفطر، فإنه لا قضاء عليه؛ لقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت.

    طرق معالجة الأولاد الذين يلعبون في المسجد

    السؤال: إذا وجد أطفال في المسجد يعبثون كثيراً ويشغلون المصلين في الصلاة، هل يجوز لي أن أقول لأحد الصغار أن يلتفت في الصلاة، ويخبرنا من هم الذين يلعبون حتى نخبر أولياء أمورهم؟

    الجواب: هل تقبل شهادته وهو صغير؟ على كل حال يجب النظر هل يمكن أن تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض؛ لأن بعض العلماء يقول: لا تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض، وبعضهم قال: تقبل ما داموا في المكان، مثال ذلك: إذا جرح أحد هؤلاء الصبيان، فقال المجروح لأبيه: هذا هو الذي جرحني، فأنكر الولد، وقال: ما جرحته، فشهد شاهدان من الصبيان أنه هو الذي جرحه، يقول بعض العلماء: لا تقبل شهادة الصبي.

    وبعضهم قال: إذا لم يتفرقوا قبلت، أما إذا كانوا قد تفرقوا فلا تقبل؛ لأنهم ربما يلقنون.

    على كل حال .. نرى أنك تتكلم -إذا كنت أنت الإمام- كلاماً عاماً، وتقول لأهل المسجد: جزاكم الله خيراً، صبيانكم إذا آذوا المصلين وامتهنوا المسجد فالإثم عليكم أنتم، فكل واحد يحفظ ابنه ويؤدبه، ويمكن أن توكل واحداً من هؤلاء الصبيان ممن تثق به يحرسهم، ولو لم يصل؛ لأنه لا تجب عليه الصلاة، ولا تقل له: التفت؛ لئلا يظن أن الالتفات ليس فيه بأس.

    حكم من استبدل سيارة بأخرى مع دفع الفارق

    السؤال: عندي سيارة قديمة، استبدلتها بسيارة جديدة ودفعت الفرق، ما حكم هذا البيع؟

    الجواب: لا بأس بهذا، يجوز للإنسان أن يبدل سيارة قديمة بسيارة جديدة، ويضيف إلى السيارة القديمة دراهم؛ لأن السيارات ليس فيها الربا، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ البعير ديناً، ويوفي عنه بعيرين إلى أجل من إبل الصدقة، ويأخذ البعيرين ويعطي ثلاثة، ولا يأخذ التمر بالتمر إلا متماثلين؛ لأنه يجري فيه الربا، فالربا لا يجري إلا في المطعومات التي تقتات، مثل: التمر والشعير والبر والرز والذرة وما أشبهها، أو في الذهب والفضة.

    وأما السيارات والأواني والدور والإبل والبقر والغنم فليس فيها ربا.

    توبة العاجز عن المعصية مع تمني فعلها

    السؤال: هل تقبل توبة العاجز ومن لا يستطيع أن يعصي في وقت هو مريض فيه؟

    الجواب: إذا كان هذا العاصي الذي يعجز عن المعصية لكنه يتمناها، ويقول في نفسه: لو كنت قادراً لفعلت، فإنه يكتب له وزر هذه المعصية، لكن إن كان من عادته أن يعملها، فإنه قد يكتب عليه وزرها كاملة، وإن لم يكن من عادته أن يعملها فإنه قد يكتب عليه وزر النية الجازمة، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يكون عنده المال يصرفه في غير مرضاة الله، والرجل الفقير يقول: لو أن عندي مال فلان لعملت به عمل فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته، فهما في الوزر سواء).

    أما إذا كان من عادته أن يفعل المعصية، كما لو كان من عادته أن يشرب الخمر -والعياذ بالله- فمرض وامتنع عن الشرب لمرضه، ولكنه يتمنى لو أنه قادر حتى يعود لشرب الخمر، فهذا قد نقول: إنه يكتب عليه وزر العمل والنية؛ لأنه كان يعتاده كالذي كان يعمل العمل الصالح ثم عجز لمرض فإنه يكتب له كما لو كان صحيحاً.

    وقد نقول: إن السيئات لا تقاس بالحسنات؛ لأن الحسنات فضل وأجر من الله، وهذا الرجل الذي عجز عن المعصية التي كان يعتادها لا نجزم بأنه يكتب له وزر عملها؛ لأنه لم يفعلها، وعلى كل حال: فالمؤكد أنه يكتب عليه وزر النية، أما وزر العمل، فإنني الآن متوقف فيه.

    من أحكام طهارة وصلاة المريض

    السؤال: ما حكم شخص مقعد لا يستطيع الذهاب لقضاء الحاجة -أعزكم الله- وهو يلبس الحفاظة على صفة دائمة ولا يستطيع تبديلها عند كل صلاة، وذلك للمشقة فما حكم صلاته، كيف تكون طهارته؟

    الجواب: هذا -بارك الله فيك- له أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فيجمع الظهر والعصر جمع تأخير، في آخر وقت العصر ويتوضأ للظهر والعصر، ثم إذا دخل وقت المغرب صلى المغرب والعشاء جمع تقديم، ويكتفي بالوضوء الأول، وضوءاً واحداً في اليوم والليلة للصلوات الأربع، ووضوءاً آخر لصلاة الفجر، فأرجو ألا يكون في ذلك مشقة عليه، لكن لو فُرض أنه وجد عليه مشقة حتى في هذه الكيفية، فإنه يصلي على حسب حاله، لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    كيفية زكاة العقارات

    السؤال: إذا كان لدى الرجل أرض أو بيت ليست للعقار أو للبيع مثلاً، لكنه أحياناً يتحرى ارتفاع السعر أو يأتي من يرغب في شراء البيت، وينظر هل ازداد أو ما ازداد سعره، وليست عنده نية للبيع أصلاً فهل عليه زكاة؟

    الجواب: إذا كان الرجل ممن يبيع ويشتري في العقارات فعليه الزكاة، أما إذا كان يريد أن يعمرها مثلاً ولم يقصد التجارة فهذه لا زكاة فيها، لكن إن باعها زكى قيمتها إن تمت السنة وهي عنده.

    حكم الرقص والموسيقى في رياض الأطفال

    السؤال: عندنا في الكويت روضة للأطفال، وهذه الروضة يقام فيها موسيقى ورقص للأطفال، فهل يأثم الإنسان إذا أدخل أولاده أم لا لا يأثم؟

    الجواب: يأثم الإنسان إذا أدخل أولاده هذه الروضة؛ لأن الرقص والموسيقى حرام، وإنني أوجه كلمتي إلى المسئولين عن هذه الرياض بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أطفال المسلمين، وألا يعودوهم على ما حرم الله ورسوله، فإن المعازف حرام لما رواه البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف) الحِر قال العلماء يعني: الزنا، والحرير معروف أنه حرام على الرجال، والخمر معروف أنه حرام بالكتاب والسنة والإجماع، والمعازف هي: آلات اللهو وهي حرام.

    فعلى القائمين على هذه الرياض أن يتقوا الله، وأن يمنعوا المعازف والرقص، وأن يعدوا شباب الأمة الإسلامية للجهاد وإعلاء كلمة الله، وكيف يطيب للإنسان قلب، أو تطمئن له نفس وإخوانه في البوسنة والهرسك يذبحون، ويُجعل الأطفال في خلاطات الإسمنت يخلطون خلط الإسمنت، وتنتهك أعراض الفتيات، أين الإسلام في قلوبنا؟ وأين الإسلام في قوم يربون أولادهم على ما حرم الله وهم يعلمون ما يفعل بإخوانهم في أقطار الدنيا؟ ولكن مع الأسف أن بعض الناس قسا قلبه والعياذ بالله حتى صار كالحجارة أو أشد قسوة نسأل الله العافية.

    فأقول لهؤلاء: ليتقوا الله في أنفسهم وفي شباب المسلمين وليربوهم على التربية الإسلامية.

    أما بالنسبة للشعب فأنا أنصحهم وأحذرهم من إدخال أولادهم في هذه الرياض، فإنهم آثمون معينون على الإثم والعدوان، ويوشك ألا يبرهم أولادهم إذا كبروا، وألا يدعوا لهم إذا ماتوا؛ لأنهم عصوا الله عز وجل فيهم، فيوشك أن يجعل الله هؤلاء يعصون آباءهم كما عصى آباؤهم الله فيهم، ويُسلطون عليهم.

    أقول: بارك الله فيك لا يجوز أن تدخل أولادك في هذه الرياض.

    وأقول: إذا كان ولابد فيجب على الآباء أن يكوِّنوا رياضاً تكون على حسابهم، ويكون فيها آداب إسلامية وأخلاق فاضلة، وتربية توجههم إلى الخير، وهذا ليس بصعب -والحمد لله- على من كان في مثل الكويت ، عندهم -والحمد لله- من الثروة والمال ما الله به عليم، ثم يجب على إخواننا الكويتيين -وعلينا نحن أيضاً- أن نتعظ بما جرى قبل سنتين من أن الله سلط علينا جيراننا الذين يجب أن يكونوا معنا فصاروا علينا، لماذا لا نتعظ؟ وهل نأمن الآن أنه في يوم من الأيام تحصل مثل هذه الكارثة أو أكثر؟

    لا يجوز أبداً أن ننسى هذه الكارثة حتى لا يحق علينا قول الله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:44-45] لا يجوز أن نتصف بصفات من قال الله فيهم: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43].

    حكم العباءات النسائية المطرزة

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما رأيك في العباءات النسائية التي تكون مطرزة، وعليها زخارف على الكمين ومن أسفلها؟

    الجواب: أرى أن الأولى أن تقتصر النساء على العباءة السابقة، لأنها أستر وأبعد عن الفتنة، أما العباءات التي ظهرت حديثاً، فإذا لم يكن فيها تطريز يلفت النظر، أو قيطان تتدلى، أو ضيق يبين حجم الجسم فأرجو ألا يكن بها بأس، مع أنني والله أستثقل أن أقول ذلك؛ لأني أخشى أن يكون باباً لشرٍ أكبر؛ لأن النساء كما تعرفون يتدرجن من الأسهل إلى ما فوقه، ثم إذا اتسع الخرق على الراتق عجزنا عنه، لكن لا أستطيع أن أمنع شيئاً ليس به بأس من الناحية الشرعية، إلا أني أقول: الأولى المحافظة على ما كنا عليه من قبل؛ لأنه أقرب إلى اتباع السلف ونساء الصحابة، وأبعد عن الفتنة، وأكثر سداً لباب الشر والفساد.

    الشك في الرضاع

    السؤال: فضيلة الشيخ: هذه امرأة تقول: إني أرضعت طفلاً ثلاث رضعات، ولكن الرضعتين الباقيتين، تقول: إني في شك منهما، ولكن امرأة أخرى تقول: إنها متأكدة أنها أرضعت الخمس، فما قولكم؟

    الجواب: قولي: إن هذا الرضاع ثابت خمساً؛ لأن لدينا ثلاثاً متفقاً عليها، واثنتين توقفت فيها إحدى المرأتين، وجزمت بهما الثانية، وعلى هذا تكون الطفلة الراضعة أو الطفل الراضع على هذا الوجه ابناً لمن أرضعته، لا تحتجب عنه لا هي ولا بناتها.

    حكم بقاء الحائض في المسجد

    السؤال: فضيلة الشيخ: أتينا من الكويت والشيخ سالم الطويل والشيخ حامد العثمان يقرأان عليك السلام، ويخبرانك أنهما يحبانك في الله، ويسأل الشيخ سالم يقول: هل يجوز للحائض الجلوس في المسجد تلقي دروساً؟

    الجواب: أقول عليك وعليهما السلام، وبلغهما سلامي إن شاء الله إذا رجعت.

    لا يجوز للحائض أن تجلس في المسجد، لا لإلقاء الدروس ولا لاستماع الدروس؛ لأن الحائض ليس لها المكث في المسجد، نعم لها المرور في المساجد إذا أمنت من تلويث المسجد، فإن كانت تخشى أن ينزل الدم حتى يلوث المسجد فإنه لا يجوز لها المرور.

    حكم الاستشفاء بالدم

    السؤال: فضيلة الشيخ: هناك بعض الناس إذا عضه الكلب أو الثعلب المسعور يذهب إلى قبيلة يقال عنها (البرزان) ويأخذ من دمهم ويشربه، أو يشتريه بثمن، وهو يعلم أن الله هو الشافي، لكن يؤكد، ويقول: إنه لا يوجد غير دم هذه القبيلة يصلح لهذا، حتى إن هناك امرأة تبرعت بدمها لمن أصيب بمثل هذا، بعضهم يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم استضافهم فأكرموه ودعا لهم بأن يكون دمهم شفاء، هل هذا صحيح؟

    الجواب: ليس بصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم استضافهم فأكرموه ودعا لهم.

    أما ما ذكرت من أن دمهم يستشفى به، فهذا مشهور عند الناس، لكن لا يجوز شرعاً؛ لأن الدم حرام بنص القرآن قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [المائدة:3] وقال تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً [الأنعام:145].

    وإذا كان حراماً فإنه لا شفاء فيه؛ لأن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، فلذلك ننهى عن هذا الشيء، ونقول: هذا شيء لا أصل له، وقد فتح الله -له الحمد- الآن أبواباً كثيرة في الطب وتنقية الدم، وبإمكانهم أن يذهبوا إلى المستشفيات وينقوا دمهم من هذا الدم الخبيث، أو من هذا العضة الخبيثة.

    السائل: فضيلة الشيخ: إنهم يقولون: إنهم مضطرون إلى الذهاب إلى هؤلاء، وقد قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173] فما تعليق فضيلتكم على ذلك؟

    الشيخ: قلت لك هذا الشيء محرم، والمحرم لا يجوز إلا عند الضرورة، ولكن ما هي الضرورة؟

    الضرورة أن نعلم أن الإنسان إذا فعل هذا الشيء زالت ضرورته، ونعلم كذلك أنه لا يمكن أن تزول ضرورته إلا بهذا الشيء، يعني ليس هناك ضرورة تبيح المحرم إلا بشرطين:

    1/ أن نعلم أنه لا تزول ضرورته إلا بهذا.

    2/ أن نعلم أن ضرورته تزول به.

    ولهذا إذا كان الإنسان يخاف الموت، فله أن يأكل ميتة لتوفر الشرطين السابقين، أما هؤلاء فليت هناك ضرورة تدفعهم لفعل هذا الشيء المحرم.

    بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756270181